كيف صبغت مجزرة (17 نوفمبر) الدامية مدينة الخرطوم بحري بالمأساة؟

مع مغيب شمس الأربعاء، السابع عشر من نوفمبر 2021م، لم يكن أحد يعلم على وجه التحديد عدد الضحايا الذين سقطوا بالرصاص الحي طيلة ساعات النهار، بمدينة الخرطوم بحري، بعد ثلاثة أسابيع من عمر الانقلاب العسكري.

لكن، ما كان مؤكداً بطبيعة الحال، حسب ما ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي من العنف الذي مورس ضد المتظاهرين السلميين، والبيانات العاجلة التي أصدرتها لجنة أطباء السودان المركزية، وتكدس المئات بالمستشفى الدولي، أن مدينة الخرطوم بحري، كانت بانتظار أكثر الليالي حلكة في تاريخها. بعدما تركزت خريطة الموت في عدد من أحيائها؛ الدناقلة والشعبية، قبل أن تمتد إلى ريفها الشمالي بمنطقة الكدرو.

وفي ذروة كارثية من تلقي أخبار متضاربة، عن ضحايا (مجزرة بحري)، ظهر اسم الناشطة في العمل الإنساني، ست النفور بكار، من ضمن شهداء عديدين، انتهت أحلامهم برصاص القوات الأمنية في ذلك اليوم، الذي  طوى فيه عنف القوات الأمنية حياة 17 شاباً وشابة، دون أن يرتكبوا أية جناية، وبدا الأمر كما لو أنه كان قراراً مسبقاً بإعدامهم.

لكن، وبعد مرور عام على (مجزرة بحري) شمالي الخرطوم، هاهم السودانيون يعدون العدة للخروج غداً الخميس، تأكيداً على استمرار المقاومة لانقلاب 25 أكتوبر، والذي تسبب في استشهاد 119 متظاهراً سلمياً إلى الآن، فضلاً عن مقتل المئات ونزوح الآلاف بمناطق السودان التي تشهد نزاعات وعنف أهلي.

لن تسيروا وحدكم

في نوفمبر من العام الماضي، وضمن مقاومة السودانيين لانقلاب الجيش السوداني، والتي بدأت من قبل صدور البيان، دعت لجان مقاومة أحياء بحري، في 16 نوفمبر، إلى تظاهرة حددت القصر الرئاسي بالخرطوم وجهة لها عبر كبري المك نمر، وكانت هذه الدعوة هي الثالثة في جدول لجان المقاومة التصعيدي منذ الانقلاب. وفور صدور بيان لجان بحري، انضمت عدد من لجان وتنسيقيات المقاومة إلى قائمة المشاركين في الموكب، وكتبوا مخاطبين لجان بحري “لن تسيروا وحدكم”.

وفور انتشار هذا الإعلان عن المواكب، شرعت سلطة الانقلاب عبر قواتها الأمنية في إغلاق الجسور بالعاصمة؛ التي تربط بين مدينتي بحري والخرطوم وأمدرمان، بالإضافة لقطع شبكة الاتصالات الهاتفية قبل انطلاق التظاهرات، لتضاف إلى شبكة الإنترنت التي قطعتها الأجهزة الأمنية منذ يوم الانقلاب الأول.

كل تلك الإجراءات كانت مألوفة بالنسبة للمتظاهرين ولجان المقاومة الذين واجهوا تعتيم وقمع الأجهزة الأمنية لما يقارب الشهر بعد الانقلاب، لذلك لم يتردد المتظاهرون في الانطلاق نحو التظاهرات المعلن عنها.

المجزرة

مع بداية التجمعات لانطلاق تظاهرات 17 نوفمبر، كانت الشرطة قد بدأت بالفعل في استخدام القوة لقمع التظاهرات، حيث استخدمت عبوات الغاز المسيل للدموع بكثافة، وصوبت الرصاص الحي على أجساد المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط 14 شهيداً في مدينة بحري، وشهيدين في أمدرمان وشهيداً في مدينة الخرطوم، إضافة إلى عدد كبير من الإصابات.

كما طاردت الشرطة المصابين الذين أسعفوا إلى المستشفى الدولي، ومنعتهم من الحصول على الإسعافات الطبية، واعتقلت جزءاً منهم، ولم يتوقف عنف القوات الأمنية بعد المجزرة، بل واصلت هجومها وحصارها لمدينة بحري في اليوم التالي.

مفارقات وتضليل

عشية ذلك اليوم كانت بحري قد أقامت عزاءات شهدائها وهي تنتظر تشييع جثامينهم القابعة بالمشارح، وتترقب في قلق مستجدات حالات مصابيها بالمستشفيات. وفي ذروة هذه الأحداث، أشعلت القوات الأمنية النار مجددا، حينها نظمت مؤتمرا صحفياً حول ما حدث في ذلك اليوم. حيث جاء في بيان الشرطة: “لدينا مواطن توفي في حادث آخر لا علاقة له بالمسيرة، و لم يتم دفنه ليلاً، وبالصباح تم إضافة اسمه باعتباره من شهداء المسيرة”، كان هذا حديث مدير عام الشرطة وقتها، خالد مهدي إبراهيم، وعلاوة على ذلك، اتهم المتظاهرين بالخروج عن السلمية وحرق قسم شرطة ببحري، بالإضافة إلى عدة عربات تتبع للشرطة وأخرى يمتلكها مدنيون.

إدعاءات مدير عام الشرطة، والذي أقيل من منصبه بعد نحو أسبوع من مجزرة بحري، كذّبه توثيق المتظاهرين وسكان بحري لأحداث ووقائع كثيرة وقعت في ذلك اليوم. حيث تداول ناشطون مقاطع مصورة في مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر الشرطة وهي تطلق الرصاص الحي على المتظاهرين وتستخدم العنف المفرط في مواجهة الثوار.

كيف فندت وسائط التواصل الإجتماعي تصريحات مدير عام قوات الشرطة حول إطلاق الرصاص على المتظاهرين؟