مؤتمر لتجديد عمله.. كيف أصبح «تفكيك التمكين» قضية مركزية في أجندة الثورة السودانية؟

"لقد ساد المؤتمر أجواء من النقاش البناء والحوار الديمقراطي والروح الوطنية والرغبة الأكيدة في بناء عقد اجتماعي جديد وإرساء دعائم الحكم الديمقراطي القائم على مبادئ الحوكمة الرشيدة والتنمية المتوازنة ومدخلها تفكيك التمكين ومحاربة الفساد وتعزيز الشفافية"، يقول الناطق الرسمي باسم (العملية السياسية)، خالد عمر.

وجاء حديث عمر خلال كلمته بـ(مؤتمر خارطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الـ30 من يونيو)، الذي عقد بين يومي 9-11 يناير الحالي، بمشاركة خبراء سودانيين وأجانب، حيث من المنتظر أن تُضمن توصياته في الاتفاق النهائي، حسبما أعلن منظموه.

إذ، ما تزال قضية تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م، حتى بعد مرور 4 أعوام على إسقاطه، وأكثر من عام على انقلاب 25 أكتوبر 2021م، تشكل أولوية بالنسبة للفاعلين السياسيين السودانيين، رغم تجميدها من قبل القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، غداة الانقلاب.

ولعبت اللجنة، خلال فترة الحكومة الانتقالية السابقة، دوراً بارزاً، في تفكيك تمكين حزب المؤتمر الوطني المحلول وواجهاته، حيث نجحت في استرداد أصول وأموال تقدر بمليارات الدولارات، وفق ما أعلنت.

وظلت قضية تفكيك (نظام الحزب الواحد)، تحتل حيزاً كبيراً في مواثيق المعارضة السودانية، خلال حقبة حكم النظام المخلوع، ومع وصولها إلى السلطة في 2019م، عقب إطاحته، سرعان ما ضمنتها في الوثيقة الدستورية التي حكمت الفترة الانتقالية.

في المقابل، أوضح انقضاض البرهان، على لجنة إزالة التمكين، عقب انقلابه، مركزية اللجنة، ضمن مؤسسات الحكومة الانتقالية السابقة، قبل أن يزج بقادتها في السجون، تحت تهم عديدة.

وشيئاً فشيئاً، مع مرور أيام انقلاب 25 أكتوبر 2021م، بدأ النظام المخلوع، في استعادة واجهاته ومؤسساته والأصول المالية التي كانت لجنة إزالة التمكين قد استردتها.

ومع تصدع قوة انقلاب 25 أكتوبر، تحت الضغط الجماهيري، وبدئه مفاوضات مع قوى الحرية والتغيير، ووصولهم إلى محطة الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الماضي، أجلت قضية تفكيك التمكين، ضمن 5 قضايا أخرى إلى حين الوصول إلى الاتفاق النهائي.

ومنذ استيلائه على السلطة عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989م، تمكن النظام المخلوع في جميع أجهزة الدولة العسكرية والمدنية، بالإضافة إلى إنشائه مئات الواجهات والشركات التي كانت تعمل لتحقيق مصالحه خارج إطار الدولة المؤسسي. كما شمل تمكين النظام المخلوع، فصل مئات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية والعسكريين، وإبدالهم بموظفين موالين له.

ميلاد اللجنة

في ديسمبر 2019م، وفي أعقاب تشكيل الحكومة الانتقالية، أجيز القانون الخاص بتفكيك تمكين نظام الـ30 من يونيو، وقضى القانون المجاز بحل حزب المؤتمر الوطني وحجز والأموال والأصول التابعة له لتتم إعادتها لصالح الخزينة العامة، قبل أن يتم تكوين اللجنة، برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي، ياسر العطا، لتنفيذ المهام التي ينص عليها القانون.

باشرت اللجنة عملها وسط قبول شعبي كبير، وأصدرت عدداً من القرارات بمصادرة أموال وأصول وواجهات من أفراد النظام المخلوع وموالين له. كما حجزت على حسابات مالية تعود لعدد من رموزه وفصلت عددا من الموظفين بالخدمة المدنية، قالت اللجنة إن تعيينهم تم على أساس ولائهم وانتمائهم للنظام السابق، وليس على أساس الكفاءة.

أيضاً، طالت إجراءات الفصل موظفين بمناصب رفيعة من قضاة وسفراء. لكن مع ذلك، لم تمس اللجنة الموالين للنظام السابق بالقوات العسكرية، حيث تركت مهمة فحصهم وقرار فصلهم لتتم من داخل المؤسسة العسكرية، وفق ما تراه يصب في مصلحة “الإصلاح العسكري المنشود”.

عوائق مبكرة

أظهر المكون العسكري، انزعاجاً واضحاً، من عمل لجنة تفكيك التمكين، وتمظهر ذلك، في استقالة رئيسها، ياسر العطا، بشكل مفاجئ لم يوضح فيها الأسباب، إلا أنه أشار إلى أخطاء  قال إنها صاحبت عمل اللجنة دون أن يفصلها.

ومع ذلك، لم يتوقف عمل اللجنة، وتواصلت مؤتمراتها التي كانت تبث على القنوات الرسمية، واستمرت في إصدار القرارات بفصل أشخاص واسترداد شركات ومصانع وأراض، في وقت كان الهجوم على اللجنة وطريقة عملها، يتنامى يوماً بعد يوم.

لاحقاً، بدأت الآراء تتباين، حول لجنة تفكيك التمكين، من داخل الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، حيث كان لوزير المالية، جبريل إبراهيم، رأي مناهض، عندما قال “إن جمع سلطات النيابة والشرطة والقضاء والاستئناف والأمن في يد لجنة التفكيك، سلطة مطلقة تقود إلى فساد مطلق”، على حد تعبيره.

بينما كانت لجنة التمكين ترد بإصدار مزيد من القرارات، وكانت ترى أن عمل اللجنة مهدد بـ“كثير من المتربصين”، مشيرة إلى أن العداء نحوها متوقع من أفراد النظام السابق و”الدولة العميقة”.

في هذا السياق، يقول الرئيس المناوب السابق، للجنة إزالة التمكين في الفترة الانتقالية، محمد الفكي، لـ(بيم ريبورتس):

"لم تنجز اللجنة كثير من الملفات ونتج ذلك عن المقاومة من مناطق قوى متفرقة في الحكومة الانتقالية السابقة، ومكنت هذه التقاطعات الدولة القديمة الموجودة في مفاصل السلطة من المراوغة وإيقاف عمل اللجنة وتأخيرها والدخول معها في مواجهات صغيرة".

وأضاف الفكي: “بدأت الخلافات في الظهور على السطح، في الوقت الذي استمرت فيه اللجنة في ممارسة عملها بشكل طبيعي وهي تواجه أزمات سياسية ومالية عدة، كان لها الأثر الجلي على أداء وعمل اللجنة”. وحسب الفكي، فقد كان للميزانية المخصصة للجنة الأثر العظيم في اختيار الموظفين بها، ومدى كفاءتهم لتأدية مهام اللجنة، وقال:

"كان لدى اللجنة 200 موظف بميزانية مليوني جنيه، كنا نستخدمها في الأشياء الضرورية للعمل وقد تمر فترات طويلة دون أن نعطي الموظفين رواتبهم ما أثر بدوره على أداء اللجنة".

وحول عمل اللجنة المقبلة، يقول الفكي: “أتمنى أن تعمل اللجنة القادمة في ظروف أفضل وسندعمها من الخارج بخطاب سياسي وإعلامي لتأخذ حقها ونصيبها من الأموال التي تتيح لها أن تعمل بكفاءة وفق العبء الملقى على عاتقها”.

وبالعودة إلى الصراع حول اللجنة في الفترة الانتقالية، أبدت اللجنة استيائها من وزارة المالية، واعتبرت، أنها تحاول إفشال عملها، وقال مقررها، وجدي صالح، إن “وزارة المالية لم تُدر الأصول والأموال المستردة لإفشال لجنة التفكيك”.

أيضاً، مثل غياب الاستئناف ضغطا مضاعفا على اللجنة حيث بدت وهي تصدر أحكاماً مطلقة في ظل غياب الحق الأساسي للأفراد في الدفاع عن ممتلكاتهم أو وظائفهم الحكومية، ويرى الفكي في هذه النقطة، أن تأخير هذه اللجنة لم يتح العدالة الكافية، ويضيف:

"كانت هناك مماحكات مستمرة من داخل السلطة لإيقاف عمل لجنة الاستئنافات، وقد شكل هذا ضغطا قانونيا وسياسيا وأخلاقيا على لجنة إزالة التمكين".

أحكام قضائية وتجميد اللجنة

في تطور لافت، في مطلع أكتوبر 2021م، وقبيل أيام معدودة من الانقلاب، أصدرت دائرة الطعون بالمحكمة العليا، حكماً بإلغاء 11 قراراً أصدرتهم لجنة إزالة التمكين بفصل موظفين من مناصبهم. فيما أبدت لجنة التمكين انزعاجها من قرار المحكمة، إلا أنها أكدت في تصريحات صحفية بأنها ماضية في مشروعها لتفكيك تمكين النظام المخلوع.

مع تنفيذ القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، انقلابه في 25 أكتوبر 2021م، أصدر قراراً بتجميد عمل لجنة إزالة التمكين، ضمن عدد من القرارات التي تضمنها بيان انقلابه. وطالت اعتقالات السلطة العسكرية في يوم الانقلاب الأول، قيادات اللجنة، على رأسهم الرئيس المناوب لها، وعضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد الفكي، لاحقاً شكل البرهان لجنة مختصة لمراجعة قراراتها في الفترة الانتقالية.

وعلى الفور، باشرت اللجنة التي شكلها البرهان عملها، وسرعان ما أعادت عدداً كبيراً من الموظفين المفصولين في الفترة الانتقالية، بالإضافة للأصول والأموال، كانت قد استردتها لجنة إزالة التمكين المجمدة بقرار البرهان. ولم تمثل قرارات لجنة الاستئناف سوى إعادة ترسيخ لمفاصل النظام السابق، كما أنها بددت  المجهود الذي بذلته لجنة إزالة التمكين طوال فترتها.

جلسات وتوصيات المؤتمر

بالنسبة لمؤتمر خارطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الـ30 من يونيو 1989م، الذي انعقدت أولى جلساته في التاسع من يناير الحالي واستمرت لمدة أربعة أيام، حيث شارك في المؤتمر (350) شخصاً، مثلت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري نسبة 40%، بينما شكل القوام الأكبر للمؤتمر ومجموعات العمل المتخصصة، مشاركون ومشاركات، من خارج القوى السياسية الموقعة، بنسبة 60%، من مختلف الأطراف، ممن وصفوا بأصحاب المصلحة.

وعقدت خلال المؤتمر 8 جلسات عمل عامة، ترأسها وعقب عليها، خبراء سودانيين ودوليين، حيث ناقشت 8 أوراق؛ وهي: الفساد والتمكين خلال 3 عقود، الأبعاد السياسية لعملية تفكيك نظام 30 من يونيو 1989م، تجربة تفكيك التمكين في الفترة الانتقالية، الإعلام والاتصال ومشاركة المواطنين في عملية التفكيك، الإطار القانوني الحاكم لعملية التفكيك، المعايير الدولية والمبادئ الحاكمة والخيارات في عملية التفكيك، التجارب الأفريقية، التعامل مع الفساد واسترداد الأصول والأموال المنهوبة.  

وأفضى المؤتمر لعدد من التوصيات أهمها؛ إلغاء الأحكام القضائية الصادرة من دائرة الاستئناف بالمحكمة العليا، وأهمية إخضاع قضاة الدرجات الأدنى لعملية فحص وتدقيق. وشملت التوصيات كذلك، الواجهات الدينية للنظام المخلوع، حيث شددت على تصفيتها ومحاسبة منسوبيها، أيضاً شملت التوصيات الخطوات المعنية بمعالجة إخفاقات لجنة إزالة التمكين في الفترة الانتقالية.

وحول إدراج التوصيات في الاتفاق النهائي، يعود الفكي ويقول:

"الآن جميع التوصيات لدى السكرتارية ويعكف عليها قانونيون لتوضع بصيغة قانونية لا تتقاطع مع قوانين الدولة وتمكن اللجنة من تأدية مهامها".

وفيما يخص هيكلة لجنة إزالة التمكين، فقد أوصت الورشة بالإبقاء على اللجنة كهيكل حكومي مستقل بصلاحيات عديدة وتوفير حصانات إجرائية وقانونية لأعضائها. كما أوصت باستبعاد وزارة العدل وممثلي الأجهزة النظامية من عضوية لجنتها العليا، على أن تتبع اللجنة في كل قرارتها المعايير الدولية والقانونية في عملية تفكيك بنية النظام المخلوع، لضمان حدوث التحول الديمقراطي.

غير أن خبراء قانونين لديهم وجهة نظر مختلفة، حول طريقة عمل لجنة إزالة التمكين، وما ينبغي أن تكون عليه.

يقول الخبير القانوني، نبيل أديب: “أعتقد أن التمكين تمثل في إخضاع سلطة الدولة ومواردها لإرادة العصبة الحاكمة، وهذا يتطلب أمرين؛ إبعاد الأشخاص المتورطين في عمليات فساد إداري من أجهزة الدولة، بعد التوصل عبر تحقيق إداري بواسطة أجهزة الدولة التابع لها الشخص المعني لإدانته بالفعل المنسوب له، ويجوز له استئناف القرار الإداري للقضاء”.

ويضيف أديب في حديثه لـ(بيم ريبورتس) "بالنسبة للأجهزة العدلية، يجب أن يتم ذلك عبر مفوضية الأجهزة العدلية". وتابع قائلاً: "المسائل التي تحمل معاملة فاسدة تحال للقضاء بواسطة نيابة الفساد".

ورأى أديب، أن يقتصر عمل لجنة إزالة التمكين على الاقتراحات الخاصة بتعديل القوانين التي سمحت بالتمكين، موضحاً أن إزالة تمكين نظام الـ30 من يونيو 1989م، تبدأ بعدم اتباع أساليبه في الحكم.

وتشغل قضية تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م، حيزاً كبيراً من النقاش والجدل الذي يدور حول الاتفاق النهائي الجاري، ويعد من قضايا الخلاف بين شقي الحكومة الانتقالية السابقة وأطراف أخرى. لكن عدداً مقدراً من الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري، يرى أن مسألة تفكيك التمكين ضرورة لا يمكن التغاضي عنها.

ورغم المشاكل التي واجهت وصاحبت عمل اللجنة السابقة، إلا أن الأطراف تعتقد أنها تجربة يمكن الاستفادة منها وتطويرها لتشكيل لجنة جديدة تعمل وفق صورة قانونية ومؤسسية مثلى.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع