كيف يحرم الإهمال الحكومي الطلاب (الصم) من مواصلة تعليمهم وتحقيق طموحاتهم؟

"أريد التعبير عما تعنيه لي المساهمة في لفت الانتباه للصم وأصحاب الإعاقات المبدعين، الذين لا تُسمع أصواتهم عادةَ، ولا تلقى مواهبهم ما تستحقه من الاهتمام".

هكذا عبّرت التشكيلية والحرفية السودانية، أميمة مضوي، عن فخرها بنيل وسام (الإمبراطورية البريطانية) لجهودها في رعاية الأطفال الصم وذوي الإعاقة المبدعين في المملكة المتحدة.

 

وكانت مضوي قد منحت، في فبراير الماضي، رتبة (الإمبراطورية البريطانية)، ضمن قائمة المكرّمين لخدمتهم المجتمع المستحقة للتقدير، وذلك بعد حوالي 50 عاماً على هجرتها إلى المملكة المتحدة في عام 1979م. واليوم، تعد أميمة التي حصلت على درجة البكالوريوس في تصميم الأنسجة، من رائدات الأعمال في المملكة المتحدة، كما تنشط في رعاية المبدعين من الصم والبكم.

 

وصلت أميمة، التي أصيبت بالصمم في الرابعة من عمرها، إلى المملكة المتحدة وهي بعمر الثانية عشرة، بحثاً عن رعاية لا يوفرها بلدها الأم، وربما لو أنها لم تغادر البلاد لكان سقف أحلامها لا يتجاوز أحلام طلاب معهد الضياء والأمل للصم والبكم في عطبرة، بإعادتهم إلى المدرسة التي طردوا منها. 

 

حيث يجابه الصم والبكم، وغيرهم من ذوي الإعاقة في السودان، وضعاً يسلب حقوقهم الأساسية. ومع قلة الفرص الضئيلة المتاحة لهم، وقلة الاهتمام الذي يجدونه، كانت كل هذه العقبات لتحول دون بلوغ أميمة إلى ما وصلت إليه الآن، من نجاح مهني كبير ونيلها وسام ملكي مرموق. 

 

فبينما كان الملك البريطاني (تشارلز الثالث) يعلق وساماً رفيعاً على كتف أميمة، كان طلاب معهد الضياء والأمل للصُم والبكم في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل يعيشون حالة إحباط وحزن عميقين، بعدما اقتلعت منهم مدرستهم، لتستخدم كمدرسة متوسطة، وهو القرار الذي قذف بمستقبل عشرات الطلاب إلى المجهول.

تأسيس المدرسة

يقول رئيس اتحاد الصم بولاية نهر النيل، هشام ميرغني، لـ(بيم ريبورتس)، إن مدرسة الصم والبكم بعطبرة تأسست في العام 2015م، مشيراً إلى أنها آنذاك كانت مستضافة في كلية تنمية المجتمع بجامعة وادي النيل. 

ويضيف: “في نهاية العام نفسه، انتقلت المدرسة إلى مبنى كان يخص مدرسة متوسطة، جففت منذ إلغاء النظام المخلوع للمرحلة المتوسطة في سبتمبر 1990م. وظل الطلاب منذ ذلك الوقت هناك، يفصلهم حائط عن القاعة والمكتب الذي يخص اتحاد المكفوفين”.

وأوضح ميرغني، أن القائمين على أمر المعهد، ظلوا يعملون على لفت انتباه الجهات المختصة إلى ضرورة معالجة حالة المبنى المزرية، وغير الملائمة، التي لا تفي الحد الأدنى من متطلبات التي تسمح للطلاب بتلقي تعليمهم، وهو الأمر الذي يساهم في تسرب نسب كبيرة من الطلاب.

 إلا أنه وبالرغم من  الآمال الكبيرة التي بثها المسؤولون عبر وعود متكررة خلال زيارة الولاية على مر السنوات، والحديث لميرغني، لم يتم اتخاذ أي خطوات في صيانة أوضاع الطلاب الصم والبكم حتى نهاية العام 2022م. وأضاف قائلاً: “شرع صندوق تنمية ولاية نهر النيل في صيانة المبنى في نهاية العام 2022م، واستمرت الصيانة حتى يناير 2023”.

في المقابل، يقول أمين الشباب باتحاد الصم بعطبرة، والي الدين علي، في مقطع فيديو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي وهو محاط بالطلاب الذين بدا عليهم الحزن: “إننا مستاؤون جداً، التلاميذ ليس لهم مكان”. 

ويضيف: “كنا نوجد هنا قبل بدء صيانة المبنى، والآن انتهت الصيانة لكن الأبواب مغلقة، وعندما ذهبنا للمسؤولين أخبرونا بالبقاء في مبنى المكفوفين الذي لن يسع لنا ولهم” .

وحول الأحداث اللاحقة، يعود رئيس اتحاد الصم بعطبرة، ويقول إن القائمين على المدرسة، وأولياء الأمور لجأوا إلى إدارة التعليم الخاص بالولاية، التي أخبرتهم بأن ينتقلوا إلى مقر اتحاد المكفوفين، على أن ينتقل المكفوفون (المعاقون بصرياً) إلى أرض أخرى تعود إليهم، وهو الخيار الذي استنكره، موضحاً بأن الأرض التي يقصدها مدير التعليم خالية وغير مشيدة.

وأضاف: “نناشد نحن، وأولياء أمور هؤلاء الطلاب، وزير التعليم، وجميع المسؤولين، بألا تتجاهلوا حق هؤلاء الطلاب في التعليم، وفي توفير بيئة مدرسية جيدة مخصصة لهم، و تراعي احتياجاتهم”.  

جهود شعبية وإهمال حكومي مستمر

شهد العام 1970م، تتويج مجهودات أخصائي الأنف والأذن والحنجرة، طه أحمد طلعت، في إنشاء الجمعية القومية لرعاية الصم، بمجهودات ودعم أهلي، من أجل العمل على اكتشاف وتأهيل الصم وضعاف السمع، وتدريب معلمين وإنشاء معاهد لتعليم الصم. 

وبالرغم من أن مجهودات الجمعية، وعدد من أجسام المجتمع مدني الأخرى التي أولت القضية اهتماماً، إلا أن ضعف الدعم الحكومي ومؤسسات التعليم والرعاية الاجتماعية بالدولة ظل عائقاً أمام منح الصم والبكم في البلاد نصيبهم العادل في التعليم والتأهيل الذي يمكنهم من الحصول على مصادر دخل. وهو الأمر الذي أشارت إليه الباحثة الإجتماعية بمعاهد تعليم الصم، وئام فضل، في فبراير 2022م، في ورقتها البحثية تحت عنوان (إشكالية التسول عند مجموعة من الصم)، حيث وضحت فضل، أن الواقع الذي يعيشه الصم، من ضعف الاهتمام بتعليمهم، وقلة المعاهد والمدارس التي تستوعبهم، وضعف فرص المشروعات الإنتاجية المقدمة من الدولة للصم والتمييز السلبي فيها،  تتسبب في صعوبات بالنسبة لهم في القدرة على الحصول على فرص العمل. وأشارت أيضاً للعوائق الحكومية، وتقييد قبول الصم بكليات ومجالات معينة.

وأزمة الطلاب الصم والبكم بعطبرة الماثلة حالياً، لا تنفصل عن عقود طويلة من تجاهل وإهمال الأنظمة المتعاقبة على حكم السودان لحقوق ذوي الإعاقة. وحتى بعد مرور نحو 7 عقود على الاستقلال، لم تضع الدولة أية سياسات وطنية لحفظ حقوقهم، خاصةً في التعليم، الأمر الذي يضيف أعداداً كبيرة من الأطفال إلى إحصائيات الأمية والتجنيد والعنف، في بلد تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفل، أن واحد من كل ثلاثة أطفال فيها لا يذهبون للمدرسة.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع