اقتربوا من استعادة نقابتهم.. كيف لعب الأطباء دوراً مركزياً في مقاومة الأنظمة العسكرية؟

مثل اصطفاف الأطباء السودانيون في طوابير طويلة لانتخاب لجنتهم التمهيدية في طريق استعادة واحدة من أبرز النقابات التي تم تغييبها لأكثر من ثلاثة عقود، في العاشر والحادي عشر من مارس الحالي، بالعاصمة الخرطوم، حصاد أربعة أعوام من ثمار جهدهم وعملهم المتواصل لتكوين نقابة شرعية قائمة على انتخابات ديمقراطية. 

وتأتي خطوة الأطباء، لاستعادة كيانهم التاريخي، في خضم حراك نقابي محموم تشهده البلاد، ابتدره الصحافيون في أغسطس الماضي عندما استعادوا نقابتهم التي حلت مع استيلاء النظام المخلوع على السلطة في يونيو 1989. وأيضاً، في ظل محاولات حثيثة لواجهات النظام المخلوع، في إعادة السيطرة على المشهد النقابي، في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي أعاد إنتاجهم في مؤسسات الدولة المختلفة.   


 بالنسبة للأطباء، في واقع الأمر لم تبدأ رحلتهم لاستعادة النقابة منذ 4 أعوام فقط، في أعقاب ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير. فجهودهم تستند على تاريخ نضالي طويل سطروه من خلال حراكهم النقابي والسياسي في فترات مختلفة من تاريخ البلاد، خاصة في ثورتي ديسمبر ومارس – أبريل. حيث كان لنقابة الأطباء في انتفاضة مارس- أبريل 1985 والتي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع، جعفر نميري، دوراً مركزياً وقيادياً بارزاً في نجاح الانتفاضة.

  

بينما لعب الأطباء دوراً جوهرياً، جنباً إلى جنب مع فئات الشعب المختلفة، خلال ثورة ديسمبر – وما يزالون -، من خلال المشاركة في التظاهرات لإسعاف الجرحى ومعالجتهم. كما شكلت إضراباتهم المنظمة خلال تلك الفترة كرت ضغط جديد بالنسبة للنظام الذي كان يتقهقر في ظل ثورة شعبية متصاعدة.

كذلك مثل توثيق الأطباء لانتهاكات النظام السابق وتدوين تفاصيل القتلى والجرحى بعد كل تظاهرة، دوراً بارزاً، في ملاحقة الأجهزة الأمنية وحكومة الأمر الواقع بما في ذلك توثيق الانتهاكات في التظاهرات بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.

الجمعية العمومية

في العاشر من مارس الحالي، اكتظ دار الأطباء المطل على شارع النيل بالعاصمة السودانية الخرطوم، بآلاف الأطباء، حيث انعقدت أولى جلسات الجمعية العمومية المركزية للنقابة. 

 

شارك في حضور الجمعية العمومية، أولئك الذين مهدوا الطريق لبناء قاعدي بتضحياتهم. والمقصود هنا، هو الطبيب مأمون محمد حسين الذي أطلقت عليه لجنة الأطباء المركزية لقب “الشهيد الحي”. 

 

وملابسات الشهيد الحي، تأتي في سياق الإضراب الذي قاده حسين بمعية عدد من زملائه في مجلس نقابة الأطباء في عام  1989 احتجاجاً على انقلاب الإنقاذ انتهى باعتقاله والحكم عليه بالإعدام. 

 

يعود ذلك الحدث بالذاكرة إلى تلك الحقبة التي استباح فيها النظام المخلوع، جميع مظاهر الديمقراطية والذي لم يتردد في حل جميع النقابات والأحزاب في يومه الثاني من الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد.

بيوت الأشباح

قابل النظام الذي كان حاداً في قراراته المستندة على فوهة البندقية، في مواجهة معارضيه الذين تمسكوا بنقابتهم وحقوقهم، بعنف وقمع شديدين. ومع ذلك، بعد مرور عقود، هاهم الأطباء يعودون في محفل ديمقراطي جديد يجيب على وصية الشهيد الطبيب علي فضل الذي اعتقل بتاريخ 30 مارس 1990 وواجه أشد أنواع التعذيب في “بيوت الأشباح”  حتى فارق الحياة في 21 ابريل 1990 إثر قيادته لإضراب الأطباء، حيث كان موقنا بأن هناك من سيكمل الطريق بعده. 

وبيوت الأشباح، هي مقار تعذيب سرية وحشية أسسها جهاز الأمن في حقبة التسعينات، في مواجهة المعارضين، تخصصت في القتل والتعذيب. 

 فيما يعد النشاط النقابي المستمر للأطباء وفاعليته سببا كافيا لنظام الإنقاذ للقيام بخطوة حظر النقابات، علاوة على تعريض الأطباء للاعتقال والهجوم المستمرين.

إرث قديم

ويستند أطباء السودان في حراكهم الديمقراطي الحالي، على إرث قديم من النشاط السياسي منذ استقلال البلاد في 1956. كما تعد ثورة أكتوبر 1964 أحد الأمثلة البارزة حيث أطيح بنظام الجنرال المخلوع، إبراهيم عبود والذي قبع السودان تحت قبضة حكمه العسكري لأكثر من 6 سنوات، عن طريق ثورة شاركت فيها مجموعات مهنية، منها الجمعية الطبية السودانية. 

 

وقد توجت تلك الثورة بتشكيل ديمقراطية قصيرة الأمد تكونت من مجلس رئاسي خصصت ثلاثة من مقاعده الخمسة الأساسية للأطباء، وهم عبد الحليم محمد، مبارك الفاضل شداد والتجاني الماحي الذي ترأس مجلس السيادة الانتقالي.

 

كما كان للأطباء دوراً بارزاً في الاحتجاجات التي سبقت سقوط نظام جعفر نميري، وقد نظموا خلال تلك الفترة إضرابات جنبا إلى جنب مع المهنيين في السودان.

 

فيما كان للأطباء طوال فترة حكم المخلوع عمر البشير حراكا مميزا ومنفصلا، على إثر دواعٍ مختلفة، وقد نظموا إضرابات عديدة ومؤثرة في جميع أنحاء السودان، ووجهت بالقمع الوحشي في أحايين كثيرة.

العملية الانتخابية :

بدأت العملية الانتخابية، بمبادرة من المكتب الموحد للأطباء، والذي يضم لجنة الأطباء المركزية ونقابة أطباء السودان الاختصاصيين والاستشاريين السودانيين وعملت مع المكتب الموحد أيضا لجنة أطباء الامتياز. 

وقد تكونت لجنة الانتخابات المركزية للجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في يناير 2021، وضمت مرشحين من الأجسام الأربعة السابقة بجانب 6 من النقابيين القدامى إلى جانب عضو قانوني واحد وقد شارك في تكونيها 21 هيئة نقابية من جميع ولايات السودان. 

 

 

انتخب الطبيب نجيب نجم الدين رئيساً للجنة الانتخابات والطبيب مالك أحمد  مقرراً لها، حيث عكفت اللجنة على وضع لائحة تستند على دستور النقابة لعام 1987. 

 

استغرق الطريق لبناء النقابة أكثر من أربع سنوات، وفي هذه المدة تمكن المكتب الموحد للأطباء من حصر أكثر من 10 آلاف طبيب في جميع أنحاء البلاد وانعقدت أعمال الجمعية العمومية المركزية لنقابة أطباء السودان في يومي 10 و 11 مارس الحالي، وناقشت الجمعية مسودة دستور النقابة ورفع التوصيات للجمعية العمومية المقبلة.

 

 

كما ناقشت اللائحة الانتخابية، حيث تم التوافق عليها وإجازتها مباشرة، وشارك الأطباء في عمليات حصر الأصوات وإدارة العملية الانتخابية ومراقبتها.

وفي 19 مارس الحالي، تم الإعلان عن فوز الطبيبة هبة عمر برئاسة اللجنة التمهيدية لأطباء السودان، فيما حصل 21 طبيبا آخر على عضوية المكتب التنفيذي، على أن تعد اللجنة التمهيدية لانتخابات نقابة الأطباء في غضون ثلاثة الى ستة أشهر.

 

 

لاقى الحدث ترحيباً واسعاً واحتفاءً من قطاعات المجتمع والتجمعات النقابية والمهنية، واعتبرت خطوة نحو العودة لمسار النقابات المهنية واسترداد العمل الديمقراطي الذي قطع نظام الإنقاذ الطريق أمامه لأكثر من 30 عاما.

 

ويسير الأطباء في خطى الصحافيين والذين أكملوا عملية الانتخابات والتي أسفرت عن استعادتهم لنقابتهم، وهي أول نقابة انتخبت ديمقراطيا منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في أبريل 2019.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع