أربعون يوما منذ إطلاق الرصاصة الأولى، من يسدد فاتورة حرب الجنرالات ؟ 

مضت أربعون يوما منذ إطلاق الرصاصة الأولى لحرب الجنرالات، كانت اللحظة الفارقة التي ضاعفت نصيب السودانيين من المعاناة، عندما قرر الجنرالان تحويل الخلاف المتصاعد على مدى أشهر سابقة إلى مواجهات مسلحة دامية، في وقت يصر فيه الطرفان على ضرورة حسم الأمر عسكريا، متجاهلين التكلفة التي لن يستطيع السودان سدادها، وهشاشة مؤسسات البلاد و بنيتها التحتية الحيوية، و بالطبع غير آبهين في المقام الأول بالمواطنين الذين أضحت منازلهم وأزقة أحيائهم ساحة اشتباك مسلح ضمن معركة لا يد لهم في صنعها، والأسوأ، أن المواطنين أنفسهم صاروا أرقاما في عداد “خسائر جانبية” لا يأبه له الطرفان.

 

كيف انطلقت شرارة الحرب

 

مثّل سبت الخامس عشر من أبريل ذروة تصاعد الخلافات الممتدة بين القائد العام للجيش (عبد الفتاح البرهان) ونائبه قائد قوات الدعم السريع (محمد حمدان حميدتي)، والتي أتت بعد توترات متعلقة بالجداول الزمنية لدمج الدعم السريع داخل القوات المسلحة وفقا للعملية السياسية المندرجة بالاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر 2022، ولاقت مسألة الإصلاح العسكري خلافا واسعا في الآراء والمواقف الأمر الذي انتهى بتأجيل توقيع الاتفاق الإطاري وتوقف الاجتماعات الفنية بين الطرفين.

بالتزامن مع كل هذه الأحداث وصلت حشود عسكرية إلى ولاية الخرطوم من ولاية شمال دارفور، كما تحركت عشرات العربات العسكرية المدججة إلى مدينة مروي بالولاية الشمالية وارتكزت في مناطق عسكرية وبالقرب من مطار مروي.

 

لم يتردد الجيش في إصدار بيان شديد اللهجة يحذر فيه من تحركات قوات الدعم السريع و ينذر بأن البلاد تسير نحو “منعطف تاريخي خطير”، من جهتها ردت قوات الدعم السريع بأن تحركاتها جاءت ضمن مهامها المنصوص عليها قانونيا. 

 

لم يلبث الطرفان حتى اتجها نحو السلاح، رغم التزامهما السابق بعدم التصعيد المقدم للوساطة التي استشعرت خطر الخلافات بينهما. 

 

أزمة إنسانية متفاقمة

 

كانت النتائج شاخصة للعيان منذ غروب شمس اليوم الأول للمواجهات الدامية، قاست فيه مدن متفرقة من السودان الأمرين، حيث أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية سقوط (56) قتيلا وجريحا جراء العنف العشوائي الذي مارسته القوات العسكرية داخل المدن والأحياء في الخرطوم و الولايات التي شهدت اشتباكات ومعارك بين الدعم السريع والجيش، علاوة على احتجاز مواطنين في أماكنهم التي تواجدوا فيها ولم يتمكن معظمهم من الخروج لأكثر من 3 أيام متواصلة.

 

تسارع وتيرة الانهيار

 

تعمقت الأزمة الإنسانية، في خضم حرب مدن تجاوزت كافة الأعراف والقوانين التي تفسح المجال لحفظ حياة وكرامة السودانيين.

لم تتوقف الحرب عن حصاد حيوات المواطنين وحتى هذه اللحظة لقي (865) شخص حتفه، فيما أصيب أكثر من ثلاثة آلاف بحسب نقابة أطباء السودان إثر الاشتباكات المتواصلة بين الجيش والدعم السريع.

 

شهد القطاع الطبي انهيارا غير مسبوق حيث خرجت عن الخدمة (61) مستشفى من أصل (89) في العاصمة والولايات، علاوة على شح الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، الأمر شكل ضغطا هائلا على أصحاب الأمراض المزمنة والمرضى ممن يحتاجون رعاية طبية دورية.

وأفادت الأمم المتحدة في بيان لها عن توثيق (34) هجوما على مرافق صحية، ما أودى بحياة 8 عاملين في المجال الصحي. 



انتهاكات ضد المدنيين 

 

في الوقت الذي لم تفلح فيه المناشدات الأممية والإقليمية، والاتفاقات الموقعة في إحراز أي تحسن ملموس للأوضاع الإنسانية على الأرض.

وفيما تدور المواجهات العسكرية العنيفة، بشكل رئيسي في العاصمة السودانية الخرطوم ومدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، وسط ملايين المدنيين، تزايد العنف الموجه ضد النساء، حيث تم الإبلاغ عن عدد من حالات الاعتداء الجنسي ارتكبت بواسطة قوات الدعم السريع.

حيث أفادت منظمة حاضرين، بأنه تم التأكد من عشر حالات اغتصاب ارتكبت بواسطة قوات الدعم السريع، وأشارت في بيان أصدرته الاثنين 16 مايو، أنها اتبعت البروتوكول المعتمد لتوثيق مثل هذه الحالات بما في ذلك اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. 

وكانت المنظمة أعلنت في وقت سابق، بأنها تحقق في خمس حالات عنف جنسي، موضحة أن ثلاث منهن أكدن اغتصابهن بواسطة أفراد من قوات الدعم السريع.

كما أشارت المنظمة – التي ظلت تعمل على توثيق الانتهاكات بأشكالها كافة منذ عدة سنوات – إلى ” أن هناك العديد من الحالات المسكوت عنها”.  

وشدد بيان المنظمة، على أنه “بدون مزيد من الضغط والإدانة المفضية لفضح مثل هذه الانتهاكات البربرية وجرائم الحرب الصريحة، فسيستمر أفراد الدعم السريع في ارتكاب مثل هذه الفظائع” .

 

وفي السياق نفسه، قالت غرفة طوارئ أمدرمان القديمة، في تصريح صحفي، يوم الثلاثاء، “إن ضحيتين تحملان جنسيات أجنبية اغتصبتا بواسطة قوات الدعم السريع يوم السبت 13 مايو”.

 

أطفال السودان في خطر

 

وفي ذات سياق معاناة الحرب التي طالت كل وجوه الحياة في السودان، كشفت اليونسيف عن تلقي تقارير تفيد بمقتل 9 أطفال على الأقل جراء أحداث العنف في السودان حتى يوم 20 أبريل 2023، علاوة على إصابة أكثر من  50 طفلا، وأفادت بصعوبة جمع المعلومات الكاملة بسبب الوضع الأمني المحفوف بالمخاطر في جميع أنحاء البلاد. 

وحذرت اليونيسيف من ما قد يصل إليه حال الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، حيث أن استمرار القتال أدى إلى تعطيل الرعاية الحرجة “المنقذة للحياة” التي يتلقاها الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية و يقدرون ب 50 ألف طفل.

و قالت المنظمة “حتى قبل تصاعد العنف، كانت الاحتياجات الإنسانية في السودان أعلى من أي وقت مضى. لكن لا يمكن لليونيسف وشركائها تقديم هذا الدعم إذا لم يتم ضمان سلامة وأمن موظفينا.”

وأدانت المنظمة في بيانها قيام القوات المنخرطة في الاشتباك المسلح في السودان بتعطيل الإغاثة التي يمكن للمنظمة تقديمها  “تعرضت اليونيسف ووكالات إنسانية أخرى للنهب من قِبَل أفراد مسلحين. مثل هذه الهجمات على عمال الإغاثة والمنظمات هي هجمات على الأطفال والعائلات التي نخدمها”.

 

إجلاء الرعايا الأجانب

 

مع تصاعد حدة الأحداث و انهيار الوضع الامني في العاصمة الخرطوم أصبح إجلاء الرعايا الأجانب ضرورة ماسة، و بالفعل أجلت 50 دولة مختلفة رعاياها من السودان، كما قامت المملكة العربية السعودية بإجلاء أكثر من 8 آلاف شخص ينتمون ل(110) دولة مختلفة. 

في تلك الاثناء كانت عمليات الإجلاء تمثل قلقا بالنسبة للسودانيين الذين التمسوا في العمليات المتسارعة مؤشرا ينذر بطول فترة الحرب، و انعدام حلول وقف القتال.

 

فشل مساعي التهدئة

 

يقاسي السودانيون أوضاعا مأساوية، وتشهد البلاد ندرة في السيولة، حيث أن البنوك التي تعرض جزء منها للنهب لم تعمل منذ منتصف أبريل، كما شهدت السلع الاستهلاكية ارتفاعا هائلا في أسعارها، بالإضافة لارتفاع أسعار الوقود إلى أربعة أضعاف، في وقت يستحيل فيه وصول مساعدات إنسانية، و كل ذلك في ظل 6 هدنات اتفق طرفا النزاع على فشلها، و على الرغم من الآمال التي علقها السودانيون على الاتفاق الأخير بوقف إطلاق النار لمدة 7 أيام تحت رقابة دولية، إلا أن الجنرالين قد شرعا في خرقها قبل أن تكمل 48 ساعة.

 

مع دخول المواجهات العسكرية الدامية في السودان شهرها الثاني، تتعمق الأزمات في جميع القطاعات الحيوية، وفي ظل مؤشرات تشير لانهيار متسارع الوتيرة في البلاد يستمر طرفا النزاع في تبادل إطلاق النار والاتهامات في تجاهل تام للكارثة الإنسانية التي ألقت بظلالها على جميع مؤسسات السودان و قطاعاته الصحية الحيوية. 

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع