الجزيرة، 20 ديسمبر 2023 – لم يكن يتوقع سكان قرى شرق الجزيرة ومدينة ود مدني ونازحوها الذين فرّ غالبيتهم من الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم، أن يستيقظوا صبيحة يوم الجمعة الماضي، على وقع اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع على بعد مسافة 15 كيلو مترًا، من إحدى أكبر مدن البلاد والتي تأوي مئات الآلاف من النازحين، فضلًا عن حوالي مليون من مواطنيها.
يومها، لأول مرة منذ اندلاع الحرب دوى صوت رصاص قوات الدعم السريع على بعد حوالي 186 كيلو مترًا جنوب العاصمة السودانية الخرطوم المنكوبة بالحرب على مدى التسعة أشهر الماضية، على تخوم مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وأكثرها احتضاناً للنازحين الفارين من حرب الخرطوم.
انطلقت الرصاصات الأولى صبيحة الخميس في قرية أبو قوته الصغيرة ليُسمع صداها في وود مدني ورفاعة الجمعة، ناقلة بذلك قوات الدعم السريع الحرب إلى الولاية المجاورة للخرطوم، ومعلنةً ميلاد مأساة جديدة على متن عربات الدفع الرباعي.
ومع مغيب شمس اليوم نفسه تنفست أبو قوتة الصعداء بعد تراجع القوات التي عاثت فيها فسادًا لساعات، لتشرق شمس يوم الجمعة بحرب في شرق مدينة ود مدني شملت مناطق أبوحراز وحنتوب وأم عليلة والأخيرة بها مستودع للنفط حاولت الدعم السريع الحصول على إمداد منه قبل أن يلاحقها الطيران الحربي التابع للجيش وتتراجع إلى أبوحراز.
بالتزامن مع التصعيد الجديد، أصدر والي الجزيرة، الطاهر إبراهيم، أمر طوارئ قضى بحظر تجوال الأفراد والمركبات بداية من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحًا، فيما استثنى أمر الطوارئ الكوادر الصحية وعربات الإسعاف والنيابة والجيش.
وفيما توالت بيانات الإدانة المحلية لهجوم الدعم السريع، حثت الولايات المتحدة الأمريكية في بيان الدعم السريع لوقف تقدمها في ولاية الجزيرة فورًا والامتناع عن مهاجمة ود مدني، وطالبت الجيش السوداني بعدم الاشتباك معها أو ارتكاب أي أعمال تعرض حياة المدنيين للخطر.
إقليميًا، ناشد سكرتير الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا (إيقاد)، اورقيني قبيهو، في تغريدة على حسابه بمنصة (X) طرفي القتال لوقف التصعيد، وقال : «إنني أدعو كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى الاستجابة لدعوة الجمعية العمومية غير العادية الحادية والأربعين للإيقاد لوقف الأعمال العدائية وحل النزاع من خلال الحوار».
أزمة إنسانية جديدة:
بإستشعار المواطنين وخاصة النازحين الخطر للمرة الثانية وتوغل قوات الدعم السريع إلى تخوم ود مدني، بدأ تدفق النازحين منذ الساعات الأولى في اليوم الثاني للهجوم، بالقدر الذي عجز الطريق القومي ود مدني – سنار عن تحمله إذ علق عشرات المسافرين إلى سنار والقضارف في زحمة سير كبيرة مما أخر وصولهم إلى الوجهات الجديدة، كما ارتفعت أسعار التراحيل ثلاثة أضعاف.
وقالت الأمم المتحدة، إن 14 ألف شخص فروا من المنطقة، وإن بضعة آلاف وصلوا بالفعل إلى مدن أخرى، مشيرة إلى أن الولاية كانت قد استضافت نصف مليون شخص منذ بداية الحرب، معظمهم من الخرطوم.
وكان والي الجزيرة، قد أعلن في نهاية نوفمبر الماضي عن استضافة الولاية 7 ملايين و121 ألف و144 متأثر بالحرب.
ومن جانبها أعلنت لجان مقاومة مدني عن قطوعات في التيار الكهربائي منذ ظهر الجمعة. ونعت أحد سكان منطقة حنتوب قائلة إنه قتل أثناء دفاعه عن عرضه وماله أثناء اقتحام قوات تتبع للدعم السريع منزله.
بدوره، أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) تحديثًا طارئًا حول الوضع في ولاية الجزيرة وأعلن عن تعليق كافة البعثات الإنسانية داخل الولاية.
وكشفت المنظمة أن الولاية كانت تحتضن عددًا من المنظمات التي تعمل في المجال الإنساني بما في ذلك 25 منظمة غير حكومية دولية و 21 منظمة غير حكومية وست وكالات تابعة للأمم المتحدة.
وقالت إن خمسة ملايين شخص يعيشون في ولاية الجزيرة من بينهم 700 ألف شخص في مدينة ود مدني وحدها، فضلًا عن وجود ما يقارب نصف المليون نازح في الولاية بينهم 86 ألف منهم في مدينة ود مدني.
في اليوم الثاني لسيطرة الدعم السريع على مدينة ود مدني ناشد أحد العاملين بدار الرعاية للاطفال فاقدي السند (المايقوما) في فيديو مصور الجهات المسؤولة لإنقاذ أكثر من مئتي طفل بينهم أطفال ذوي احتياجات خاصة. وعبر عن تخوفه من تكرار ما حدث للأطفال في الخرطوم، وطالب المنظمات الإنسانية للتدخل العاجل من أجل إخراج الأطفال إلى بر الأمان.
ووجهت اللجنة التمهيدية لنقابة اطباء السودان نداءً عاجلاً اطفال المايقوما الى جانب 91 من الأمهات البديلات العاملات في الدار الذين تم ترحيلهم من الخرطوم إلى مدني، مشيرة إلى أن جميعهم في وضع خطير ويحتاجون إلى المساعدة الفورية.
يذكر أن أطفال المايقوما كانوا قد واجهوا ظروفًا عصيبة في أعقاب اندلاع الحرب في مدينة الخرطوم، حيث قبع الأطفال تحت مرمى النيران لأسابيع قبل أن يتم إنقاذهم و إجلائهم إلى مدينة ود مدني في يونيو السابق .
استهداف المراكز الصحية:
الاثنين، أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانين عن إغلاق مستشفى رفاعة بعد اقتحامه من قبل قوات الدعم السريع، مشيرة إلى أن الوضع لم يعد آمنًا في المستشفى وما حولها، خاصة بعد ما أسفر الهجوم عن مقتل طبيب واختفاء طبيبين من كوادر المستشفى.
و السبت حذرت اللجنة من نتائج الحرب مشيرة الى اننا نواجه احد أكبر الكوارث الإنسانية في ظل الحرب، بعدما تحولت المدينة التي أضحت ملاذاً آمنًا لمرضى أمراض القلب والسرطان والكلى و الحالات الطبية المستعصية، بما في ذلك مصابي الحرب والمرضى بأقسام العناية المركزة على شفا كارثة صحية وإنسانية جديدة.
وبحسب اللجنة، فإن المستشفيات أضحت خاوية وغير قادرة على تقديم الخدمات الطبية، من بينها مستشفى الجزيرة للطوارئ والإصابات الذي خرج عن الخدمة عقب (احتلاله) بحسب بيان اللجنة، فضلًا عن إغلاق مركز ود مدني لأمراض وجراحة القلب لكونه يقع في مرمى نيران الاشتباكات العسكرية.
خسائر ميدانية:
لم تلبث ولاية الجزيرة التي تنفست الصعداء، أن تحظى بليلة هادئة على وقع خبر انتصار الجيش في معركة الليلة الثانية منذ هجوم الدعم السريع عليها، إذ تواردت الأخبار منذ عصر الأحد حول تراجع قوات الدعم السريع من مدينة ود مدني.
وشهدت ليلة الأحد الموافق 17 ديسمبر اشتباكات وانتشار متفرق لقوات الطرفين في القرى المجاورة لمنطقة ود مدني.
لكن، مع طلوع فجر الاثنين 18 ديسمبر عادت الاشتباكات لمنطقة حنتوب شرقي ود مدني. وأعلنت الدعم السريع سيطرتها على رئاسة اللواء الأول الفرقة الأولى مشاة و معسكر الاحتياطي المركزي بالقرب من كبري حنتوب.
وبعد ساعات تواردت الأنباء عن انسحاب الجيش من مدينة ود مدني ومنطقة حنتوب بشكل كامل لتدخل بذلك ولاية الجزيرة في عداد الولايات الواقعة تحت وطأة سيطرة الدعم السريع وانتهاكاتها المتواصلة.
وخلال يومين فر الآلاف من قرى ومدن الجزيرة بينما تمكنت بعض القرى من عقد اتفاق بين الإدارة الأهلية والدعم السريع للسماح لهم بفتح الأسواق وعدم التعرض للأهالي.
أما المواطنون في مدينة ود مدني يعيشون حالة من الهلع ويحاول الآلاف الخروج إما سيرًا على الأقدام أو عن طريق عربات خاصة وجميع وسائل النقل المتاحة، إلا أن عددًا كبيرًا من الأسر المتجهة جنوبًا نحو طريق مدني – سنار فوجئوا باعتراض قوات الدعم السريع طريقهم قبل الخروج من المدينة، إذ قامت بإرجاعهم ومنع الحركة جنوبًا.
واليوم دخلت قوات الدعم السريع مدينة الحصاحيصا واستولت على رئاسة شرطة المحلية.
وقالت لجان مقاومة الحصاحيصا في تحديث لها إن قوات الدعم السريع اقتحمت السوق ونهبت عددًا من الدكاكين و نفت وجود أي قوة عسكرية من الجيش في كامل المنطقة.
وشهدت المنطقة أحداث نهب وتخريب طال منازل (المايقوما) وتعرض المواطنون إلى سرقة أموالهم وعرباتهم تحت تهديد السلاح.
تقارير بيم