29 مارس 2024 – ما تزال تداعيات سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة وسط البلاد تُخيم على المشهد الإنساني فيها، فيما برزت على السطح تطورات سياسية جديدة بتنصيب إدارة مدنية موالية لها الثلاثاء.
وقالت ما أطلق عليها الإدارة المدنية إنها ستعمل على استعادة النظام الإداري وحماية المدنيين وتوفير الخدمات الإنسانية بالتنسيق مع قوات الدعم السريع في خطوة مفاجئة لاقت جدلاً ورفضًا.
وأعلن رئيسها، صديق أحمد، في مؤتمر صحفي الثلاثاء في مدينة ود مدني، أن الإدارة تعد بمثابة ما وصفه بوضع «الخطوة الأولى في بناء الدولة السودانية ورسم معالم التاريخ الجديد لوطن يتطلع له الشعب السوداني من ولاية الجزيرة».
وقال رئيس السلطة الموالية لقوات الدعم السريع إن قائدها محمد حمدان دقلو «حميدتي» أوفى بتسليم السلطة للمدنيين بعد اقتلاع ما وصفها بدولة التمكين للحزب الواحد، متعهدًا بوضع الأسس المتينة للحكم الاتحادي.
يأتي تشكيل السلطة المدنية الموالية للدعم السريع وسط استمرار انتهاكاتها للشهر الرابع على التوالي وفي ظل تحشيد عسكري كبير للجيش على حدود الولاية المختلفة تمهيدًا لمهاجمتها.
والأربعاء، قلل نائب قائد الجيش السوداني، شمس الدين الكباشي، خلال حديثه إلى قواته بمدينة القضارف من خطوة إعلان إدارة مدنية بولاية الجزيرة، معلنًا اكتمال الخطوات لـ«تحرير مدينة ود مدني» من قبضة قوات الدعم السريع.
وكان «حميدتي» قد هدد في سبتمبر الماضي بتشكيل سلطة في العاصمة الخرطوم في حال شكل قائد الجيش،عبد الفتاح البرهان، حكومة مدنية بمدينة بورتسودان شرقي البلاد التي انتقل إليها بعد خروجه من القيادة العامة.
وفتحت الخطوة باب التساؤلات حول اقتران الإدارة المدنية ببنود إعلان أديس أبابا الذي كان قد وقعه قائد قوات الدعم السريع ورئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم»، عبد الله حمدوك، في العاصمة الإثيوبية مطلع يناير الماضي.
وكان إعلان أديس أبابا حوى نصوصًا تضمنت التزام الدعم السريع بتشكيل إدارات مدنية بتوافق أهل المناطق المتأثرة بالحرب تتولى مهمة ضمان عودة الحياة لطبيعتها وتوفير الإحتياجات الأساسية للمدنيين.
كما توافق الطرفان على تشكيل لجنة وطنية لحماية المدنيين من شخصيات قومية داعمة لوقف الحرب تتولى مهام مراقبة إجراءات عودة المدنيين وتشغيل المرافق المدنية وتوفير الإحتياجات الإنسانية.
ومع ذلك، لم تصدر قوات الدعم السريع أي بيان رسمي حول صلتها بالإدارة أو مباركتها للخطوة، فيما لم تعلق أي من القوى المنضوية في تنسيقية تقدم بشكل رسمي على إعلان إدارة مدنية في ولاية الجزيرة بما في ذلك حزب الأمة القومي والذي أشارت تقارير إعلامية إلى أن من تولى رئاسة الإدارة الجديدة بالجزيرة، هو أحد قياداته.
-التيار الوطني- أحد الأجسام التي نددت بشدة بالإعلان عن تشكيل سلطة مدنية في الجزيرة عبر بيان الثلاثاء، واعتبر الخطوة استمرارًا لنهج الانتهاكات ضد الشعب السوداني المحكوم بتهديد السلاح، وقال إن الشعب قادر على بناء دولته المدنية دون الحاجة لتدخل أي جهة خارجية، مشيرًا إلى أن المواطنين أجبروا على المشاركة تحت ضغط حماية أنفسهم وأهلهم.
كذلك أعلنت لجان مقاومة ود مدني في بيان الأربعاء عن استغرابها من الخطوة، بإعلان «مليشيا الدعم السريع الغاصبة ما أسمته بالمجلس المدني لولاية الجزيرة».
وتساءل البيان، «أي سُلطة مدنية يمكن أن يمنحها القاتل والسارق والمغتصب والغازي لحماية المدنيين من أنفسهم كما هو معهود من مليشيا تهلك الحرث والنسل وتتوهم البطولة ونصرة المستضعفين وهي من أضعفتهم وشردتهم وسرقت كل ممتلكاتهم».
وشددت على رفضها القاطع التمثيل المباشر وغير المباشر العسكري والمدني وكل أشكال ودهاليز وتبعيات ومعاوني الدعم السريع في الولاية.
وذكرت أنها متربصة بكل من وصفتهم بالمرجفين الداعمين لحكومة القتلة من جميع التنظيمات السياسية والإدارات الأهلية والمستنفعين، وأن بينها وبينهم الحساب وشر العقاب.
وفي ظل تداعيات ما أطلق عليها الإدارة المدنية، رفضت لجان المقاومة الحصاحيصا، الإدارة التي وصفتها بالمزعومة معتبرةً أن الخطوة تعبر عن عجز الدعم السريع عن تحجيم الانتهاكات والسيطرة على قواتها المتفلتة على حد تعبيرها وأنها تبحث عن من يحمل جرمها معها.
واعتبرت أن تشكيل الجسم تنفيذًا لما جاء في مقررات اتفاق أديس أبابا بين من وصفتها بمليشيا الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» الحليف السياسي للمليشيا وفق ما ذكرت.
ورأت اللجنة أن هذه الخطوة لها تبعاتها الكارثية التي ستؤدي إلى تقسيم البلاد إلى دويلات مستشهدةً بالنموذج الليبي.
وتواصلت «بيم ريبورتس» مع عدد من القياديين في تنسيقية تقدم وفي حزب الأمة القومي كذلك للحصول على رد حول موقفهم بشأن التطورات السياسية في الجزيرة وتعليقهم علي مايتداول عن تبعية رئيس الإدارة لحزب الأمة، لكن أسئلتنا لم تجد ردًا منهم.
ورغم خطابه الذي تغلب عليه لغة الموالاة للدعم السريع نفى رئيس ما أطلق عليها الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة، صديق أحمد، في مقابلة صحفية مع قناة الشرق تبعية ادارته للدعم السريع، قائلاً إن الأخيرة تسرعت في الإعلان عن الإدارة، مؤكدًا أنهم أصحاب الشأن.
وأضاف: «نحن لم نأتي بوصايا من الدعم السريع ولم تكن الدعم السريع واجهة سياسية ننتمي لها.. نحن مواطنين شرفاء ننتمى لحواضن سياسية مختلفة نشكل مجموعة من المدنيين لكي نوفر للمواطنين وسائل تحفظ لهم مستحقاتهم بانسياب الخدمات الأساسية وإيقاف الانتهاكات التي تحدث من متفلتين في مناطق سيطرة الدعم السريع».
لكن التقارير المستمرة للجان المقاومة في ولاية الجزيرة ومنظمات حقوقية أكدت أن من يرتكب الانتهاكات هم عناصر قوات الدعم السريع وليس من وصفهم بالمتفلتين.
وذكر أن آليات الادارة المدنية للوقوف في وجه من وصفها بالقوات المتفلتة تشمل التنسيق مع قوات الدعم السريع التي أشار إلى استجابتها ووعدها لهم بإيقاف هذه الإنتهاكات، واتخاذها خطوات إيجابية لذلك، مشدداً على أن ذلك لا يعني تبعيتهم للدعم السريع أو أي طرف من المتنازعين.
ممثلون للدعم السريع في السلطة الجديدة
المحلل السياسي والصحفي، حافظ كبير، أحد حضور إعلان ما أُطلق عليها السلطة المدنية في مدينة ود مدني، الثلاثاء، قال لبيم ريبورتس، إن دور الدعم السريع يكمن في التنسيق مع الإدارة المدنية بخصوص التفاصيل الأمنية، مشيرًا إلى أنها ممثلة بعضوين داخل الإدارة هما قائد الفرقة ورئيس الاستخبارات.
وأوضح كبير أن التأسيس تم بمبادرة من أهالي الجزيرة تشمل من وصفهم بـ«حكماء الجزيرة»، مضيفاً هناك جسمين. هما مجلس التأسيس المدني والإدارة المدنية، لافتًا إلى أن اختيار المجلس الذي يشمل 31 عضوًا تم بتوافق قرى ومحليات الجزيرة، ولاحقاً اُنتُخِب صديق رئيسًا للإدارة المدنية، على حد قوله، مضيفًا «وهو بمثابة المجلس التنفيذي بينما المجلس مهامه تشريعية».
وبحسب كبير، فإن عملية الانتخاب تمت بشكل وصفه بالعادي في مدينة ود مدني عبر لجنة فنية شكلوها بأنفسهم، وقال إنها من قامت بإدارة العملية، موضحًا أنه كان هناك مرشحين آخرين غير صديق لكنه فاز بأعلى نسبة، وفق ما قال.
لا تبدو تجربة ود مدني هي الأخيرة، يقول كبير إن هناك حراكًا واسعًا لتعميم المبادرة في كل مناطق سيطرة الدعم السريع للقيام بمهام حماية المدنيين وتوفير الخدمات الأساسية والتنسيق مع الجهات ذات الصلة للإغاثة وغيره.
حملة إعلامية
على الضفة الأخرى يرى مقربون من الجيش أن خطوة تأسيس ما أطلق عليها الإدارة المدنية بولاية الجزيرة مجرد حملة إعلامية.
ووصف الخبير العسكري، أمين إسماعيل مجذوب، الخطوة بكونها مجرد فذلكة إعلامية في محاولة لشغل الرأي العام الإقليمي والدولي وإقناعه بأن الدعم السريع مسيطرة على بعض المناطق، في حين أن الأمر ليس كذلك.
وقال مجذوب لبيم ريبورتس إن الدعم السريع قامت بخطوة مماثلة سابقًا في الخرطوم ولم تحدث أي أثر فعلي، خاصة وأن الإداري الذي تم تعيينه غير موجود الآن في الخرطوم وليست له إدارة مدنية في العاصمة.
عسكريًا، رأى مجذوب أن الخطوة لا تؤثر إطلاقًا في التحركات الميدانية التي يقوم بها الجيش لأنها لا تعنيه في شيء وغير معترف بها في الأساس، منوهاً إلى أن الأشخاص الذين قبلوا أن يكونوا جزءًا من هذه الإدارة المدنية أشخاص غير معروفين وليس لهم تأثير في الحاضنة الشعبية الموجودة في ولاية الجزيرة.
وذكر أن الدعم السريع يهدف إلى إظهار أن هناك قبول ورضا من المواطنين في الجزيرة اتجاهها. كما تسعى بالخطوة إلى قطع الطريق أمام التحركات العسكرية لاسترداد ولاية الجزيرة باعتبار أن المواطنين يتماهون مع الدعم السريع، مشيرًا إلى أن انتهاكات الدعم السريع في قرى الجزيرة مصورة وموثقة وتمت إدانتها من قبل المنظمات الأممية.
تقارير بيم