«مرصد بيم» يكشف عن تزايد أساليب التضليل  وتنوعها في الأشهر الثلاثة الماضية

شهدت الفترة من مايو وحتى يوليو 2024 أحداثًا سياسيةً وعسكريةً عديدة أدت إلى كثيرٍ من التغيرات في السودان. وصاحب تلك الأحداث حملات تضليل ممنهجة، استغلت تلك الأحداث في التلاعب بالرأي العام السوداني وتوجيهه نحو أهداف معينة. في هذا التقرير نرصد أهم حملات التضليل التي شهدتها الأشهر الثلاثة الماضية، بأشكالها المختلفة، وكيف أثرت في المتلقي وكيف تفاعل معها. 

الفاعلون في حملات التضليل:

أشارت الدراسات والتقارير التي عمل عليها «مرصد بيم» إلى ضلوع جهات داخلية وخارجية، بفعالية، في عمليات التضليل في الفضاء الرقمي السوداني. وحددت الدراسات الفاعلين الداخليين في أربع فئات، وهي: «جهات داعمة للدعم السريع، وجهات داعمة للجيش وجهاز المخابرات العامة، وجهات ذات توجه إسلامي، وجهات تناهض الحكم العسكري». فيما أشارت الدراسة إلى أنّ الفاعلين الأجانب في الفضاء الرقمي السوداني، هم: «روسيا والإمارات ومصر وإثيوبيا». وتعمل جميع هذه القوى على نشر معلومات زائفة ومضللة بشأن الأوضاع في السودان.

أبرز أشكال التضليل التي مارستها الحملات:

تعددت الأساليب التي انتهجتها الحملات المضللة في نشر المعلومات المفبركة والزائفة، ورصدنا منها، على سبيل المثال، الآتي:

 

  1. فبركة البيانات ونسبتها إلى فاعلين في الشأن السوداني سواء كانوا في الجانب العسكري أو المدني.
  2. نشر معلومات مفبركة تتعلق بقوى خارجية فاعلة في الشأن السوداني.
  3. نشر صور قديمة أو غير ذات صلة بالسودان واستخدامها من أجل التضليل.
  4. إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة في سياق منفصل عن تاريخها القديم.
  5. الاجتزاء من المقابلات المرئية والنصية لقادة سياسيين وعسكريين وعرضها مبتورةً من السياق.
  6. استخدام وثائق مفبركة. 
  7. فبركة قرارات ونسبتها إلى جهات رسمية.

 

وفي ما يلي نشرح كل شكل من أشكال التضليل سابقة الذكر، مع نماذج من أعمال مرصد بيم للتوضيح:

1. فبركة البيانات ونسبتها إلى فاعلين في الشأن السوداني سواء كانوا في الجانب العسكري أو المدني:

 

منذ بدء الحرب في 15 أبريل 2023 نشطت حركات التضليل والدعاية الحربية والتي يهدف بها كل طرف في النزاع إلى التفوق على الآخر أو اغتياله إعلاميًا وسياسيًا في حرب ظل الخاسر الأكبر فيها هو المتلقي السوداني، عبر  تلك الأنشطة التضليلية التي تساهم في خلق حالة من الضبابية والتشويش على حقيقة ما يجري على أرض الواقع. ولتحقيق تلك الأهداف عملت الحملات على فبركة البيانات ونسبتها إلى قادة سياسيين وعسكريين، مما أثار كثيرًا من اللغط، لا سيما التصريحات والخطابات المفبركة التي تُنشر في سياق متزامن مع الأحداث الجارية. وتنتشر تلك المواد المفبركة، على سبيل المثال، عقب أيّ حدث سياسي أو عسكري أو تقدم ميداني لأحد طرفي النزاع، وهو ما يجعل تداولها وانتشارها سريعًا وسهلًا.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية نُشرت العديد من الأخبار المزيفة، منسوبةً إلى القوى السياسية، نذكر منها تعليق تداولته الوسائط الاجتماعية على لسان القيادي في حزب المؤتمر السوداني خالد عمر يوسف بشأن غارة جوية من الجيش السوداني على «قندهار» جنوبي أم درمان، وصف فيه الغارة بأنها «جريمة أخرى تضاف للطيران الحربي التابع للجيش». ومع أن التصريح مفبرك، وفق تحقيقات مرصد بيم، إلا أنه لقي انتشارًا واسع النطاق.

كما استغلت حملات التضليل قرار إقالة المستشار السابق لقائد الدعم السريع يوسف عزت، في نشر شائعات وتصريحات مفبركة منسوبة إلى يوسف عزت، كان أبرزها التصريح المنسوب إليه عن عدم اعترافه بقرار إعفائه من منصبه، معللًا ذلك بأن «القرار جاء من شخص غير موجود بالحياة». ومع أن التصريح مفبرك، إلا أنه انتشر على نطاق واسع، لا سيما وأنه يوافق شائعة وفاة «حميدتي» التي انتشرت في بداية الحرب.

بالمنهجية نفسها، عملت حملات التضليل على فبركة التصريحات ونسبتها  إلى مسؤولين في الحكومة الحالية وقادة حركات مسلحة تدعم الجيش، مثل ما تداولته الوسائط الاجتماعية على أنه تصريح من وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم عن «بيع أصول الدولة من أراضٍ زراعية لدول الجوار«، وهو تصريح مفبرك ليس له أي أساس من الصحة، لكن محتواه الصادم ساهم في انتشاره على نطاق واسع بين رواد منصات التواصل الاجتماعي في السودان.

ونال حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي نصيبه من الفبركة، إذ نُسب إليه تصريح يقول فيه: «فلول النظام البائد زجت بنا في حرب خاسرة، ونسعى إلى معالجة موقفنا». ومع أن التصريح مفبرك، لكنه لقي انتشارًا واسعًا بين مستخدمي الشبكات الاجتماعية.

2. نشر معلومات تتعلق بقوى خارجية فاعلة في الشأن السوداني:

فرضت الأوضاع في السودان عقب الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 حالة من النشاط الدبلوماسي لكثيرٍ من القوى الإقليمية والدولية، وباتت جزءًا من حلقات التضليل التي تقودها هذه الحملات لتحقيق أهداف مختلفة، بما يتوافق مع سياستها التضليلية. ونُشرت في الأشهر الثلاثة الماضية العديد من المواد المضللة التي استغلت فيها قوى خارجية، ولقيت تلك الشائعات انتشارًا واسع النطاق.

منها، على سبيل المثال، ما تداولته الوسائط على لسان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي نُسب إليه أنه خيّر القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بين المفاوضات ونشر قوات متعددة الجنسيات لحماية المواطنين السودانيين. وانتشر التصريح بسرعة على الإنترنت مع أنه مفبرك وليس له أساس من الصحة. وكذلك ما نشرته بعض الصفحات الفاعلة في التضليل على منصة «فيسبوك» على أنه تصريح من الخبير العسكري فايز الدويري بشأن «عدم قدرة الجيش السوداني على التقدم الميداني». وظل هذا الادعاء متداولًا لعدة أيام مع أنه مفبرك.

3. نشر صور قديمة أو غير ذات صلة بالأحداث في السودان:

خلال الأشهر الثلاثة الماضية نُشرت العديد من الصور المضللة التي لا صلة لها بالسودان، ولكنها استخدمت في سياقات سهّلت ربطها بالشأن السوداني. على سبيل المثال، تداولت الوسائط الاجتماعية صورة سيارة قتالية ومسيّرة على أنها «معدات عسكرية جديدة للدعم السريع». ومع أن الصورة قديمة وليست ذات صلة بالسودان إلا أنها لقيت تداولًا كثيفًا لارتباطها بفكرة التقدم العسكري لأحد أطراف النزاع.

 

وفي يونيو الماضي تداولت منصات التواصل الاجتماعي أنباء عن هجوم قوة من الدعم السريع على مقر سلاح الإشارة التابع للجيش السوداني، فيما تداولت صفحات فاعلة في عمليات التضليل صورة على أنها استهداف من الجيش لعناصر من «الدعم السريع» في «سلاح الإشارة». وكان فريق مرصد بيم تحقق من الصورة وتبيّن أن الصورة مجتزأة من فيديو قديم نُشر على الإنترنت في نوفمبر 2023 وليس له صلة بالسودان، ولكن السياق العام الذي نشرت فيه الصورة سهّل تصديقها وتداولها بين المتلقين. وهنا يشير المرصد إلى أن معظم حملات التضليل، خلال هذه الفترة، تعمل وفق منهجية مبنية على تتبع التطورات السياسية والعسكرية وصياغة مواد مضللة تتوافق مع أهواء الجماهير المستهدَفة.

 

4. إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة في سياق منفصل:

من أبرز أشكال التضليل المستخدمة نشر المواد المرئية ومقاطع فيديو للترويج لأفكار معينة. وفي الفترة من مايو إلى يوليو 2024 نشرت العديد من مقاطع الفيديو المضللة التي شغلت الرأي العام، كان أغلبها يروج لتقدم طرف عسكريًا  على الآخر. وعقب تصريحات مساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا التي قال فيها إن «روسيا اقترحت التعاون العسكري من خلال مركز دعم لوجستي، وليس قاعدة عسكرية كاملة، مقابل إمدادات عاجلة من الأسلحة والذخائر» – انتشر مقطع فيديو قيل إنه عن تصنيع «روسيا» طائرات مسيّرة لمصلحة الجيش السوداني. وتبين، من خلال البحث، أن مقطع الفيديو قديم وليس له صلة بالسودان، ولكن مشاركته عقب تصريحات العطا ساهمت في انتشاره على نطاق واسع.

 

وفي يوليو الماضي انتشر مقطع فيديو يظهر فيه قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي»، على أنه مقطع جديد من أحد شوارع الخرطوم. واتضح، من خلال عمليات البحث والتحقيق، أن مقطع الفيديو قديم، ولكنه مأخوذ من زاوية مختلفة، مما جعل من الصعب العثور على نسخة مطابقة تمامًا للمقطع، وهو ما ساهم في انتشاره سريعًا وصعّب عملية اكتشاف التلاعب.

 

5. اجتزاء مقابلات أجراها قادة سياسيون وعسكريون:

لاحظ فريق مرصد بيم، خلال الفترة الماضية، نشاطًا لأسلوب تضليل يعتمد على اجتزاء مقابلات مع القادة السياسيين والعسكريين، ونشرِها مبتورةً من سياقها الأصلي، مما يثير الريبة بين المتلقين، لا سيما وأنها تُخرج الحديث من سياقه الصحيح وتضعه في قالب تضليلي لتحقيق أهداف محددة. ومن الأمثلة على ذلك، تداول تسجيل صوتي من مقابلة سابقة مع مساعد القائد العام للجيش ياسر العطا على أنه تصريح يتهم فيه العطا، البرهانَ بالخيانة، إلا أن التسجيل مبتور من سياقه، وكان العطا في هذا الجزء يحاول أن يوضح بعض الأقاويل التي أطلقت عن قادة الجيش، وفق ما ذكر في مقطع الفيديو الكامل للمقابلة.

6. استخدام الوثائق المفبركة:

تعد الوثائق المفبركة أيضًا من أبرز أشكال التضليل المرصودة في الفترة الماضية، إذ تبدو حقيقية في أغلب الأحيان، لذا يصعب على المتلقي التعرف إليها، خاصةً إن كانت وثائق من دولة أجنبية، لا سيما إن كانت منسوبةً إلى هيئة لا تصدر عنها في العادة بيانات أو وثائق للجمهور، ما يجعل من نموذج الوثيقة أمرًا غير مألوف للمتلقي، فيسهل بذلك نشر المحتوى المضلل من خلالها.

وعلى سبيل المثال، نشرت في مايو الماضي وثيقة على أنها صادرة عن الإدارة العامة للشؤون العقابية والإصلاحية التابعة لشرطة دبي (الإمارات)، بشأن برنامج ترفيهي لنزلاء السجن المركزي من السودانيين. وبالبحث في أمر الوثيقة تبين أن الخطاب أنشئ إلكترونيًّا، بالإضافة إلى أن الاسم الوارد في الوثيقة هو اسم المدير العام للمؤسسات الإصلاحية بدولة الكويت «ناصر العازمي».

7. فبركة قرارات ونسبتها إلى جهات رسمية:

لاحظ فريق مرصد بيم، في الآونة الأخيرة، انتشار شائعات بشأن قرارات حكومية. وتُنشر تلك الشائعات على هيئة وثائق صادرة عن هيئات رسمية، ولكن التحقق من هذه القرارات كشف أنها مفبركة. وعادةً ما تخلق تلك المعلومات حالةً من الارتباك بين المتلقين، لأنها تتعلق في الغالب بظروف الحرب التي يعيشونها يوميًا. ومن بين تلك الشائعات: فرض الخدمة العسكرية الإلزامية من قبل مجلس السيادة الانتقالي لضم الشبان إلى الجيش. واتضح أن هذا الخبر مفبرك، إلا أنه لقي انتشارًا واسعًا وخلق حالة من القلق والارتباك.

وعملت الحملة نفسها على نشر خبر مفبرك بشأن قرار من السفارة السودانية بالقاهرة يقضي بإرجاع الشبان تحت سن الخامسة والعشرين إلى السودان للمشاركة في الحرب الدائرة إلى جانب الجيش.

أبرز شبكات التضليل خلال الأشهر الثلاثة الماضية وأجندتها:

في الوقت الذي عملت فيه حملات التضليل، بطريقة ممنهجة، على نشر أخبار زائفة ومضللة، عملت بعض الشبكات على منصة «إكس» على نشر محتوى مضلل، بطريقة منسقة، عبر مجموعة من الحسابات التي تعمل معًا لنشر الخطاب المضلل. ومن بين أبرز تلك الشبكات: شبكة تضليل «إسرائيلية إماراتية» كانت نشطة على منصة «إكس»، ودرجت على مهاجمة الجيش السوداني ومحاولة ربطه بجماعة الإخوان المسلمين، كما روجت الشبكة لوجود جماعات إرهابية متطرفة تابعة لـ«داعش» تشارك في الحرب الدائرة حاليًا في السودان إلى جانب الجيش، وهو الادعاء الذي لم نجد أيّ أدلة تدعمه. 

كما نشرت الشبكة كثيرًا من المعلومات المضللة وغير الدقيقة دون أيّ أدلة تؤكد صحة روايتها التي تطابقت مع ما جاء في تقرير «سكاي نيوز» الذي تحدث عن وجود جماعات إرهابية في السودان، وهو التقرير الذي كشف المرصد عن عدم صحته وضعف مصداقيته.

مدى تفاعل المتلقي مع المحتوى المضلل:

يكمن خطر المعلومة المضللة في سرعة انتشارها وكثافة تداولها بين الجمهور، ما يوسع مدى انتشارها، ويؤدي إلى أضرار جسيمة في بعض الأحيان. على سبيل المثال مقطع الفيديو المتداول على أنه ظهور جديد لقائد «الدعم السريع» (حميدتي)، المشار إليه سابقًا، إذ لقي المقطع تداولًا كثيفًا على منصات مثل «فيسبوك» و«إكس» و«يوتيوب»، مع أنه قديم.

وكذلك شائعة اكتمال إضاءة مدرج «مطار كنانة» واستخدامه مطارًا بديلًا. واتضح، من خلال البحث والتحقيق، أن الخبر غير صحيح وأن الصورة مضللة، لكنها حظيت بانتشار واسع وتفاعل كبير.

وهنا رسم توضيحي لاستخدام كل شكل من أشكال التضليل خلال الثلاثة أشهر الماضية (من مايو إلى يوليو 2024):

الخلاصة:

شهدت الفترة من مايو إلى يوليو 2024 جهودًا كثيفةً لنشر مواد مضللة وزائفة، مما ساهم في إغراق الفضاء الرقمي السوداني بالعديد من المعلومات المضللة، وخلق حالة من الضبابية والتشويش. ويوضح هذا التقرير جهود بيم في رصد الشبكات التي ساهمت في نشر هذه المعلومات المضللة وتحليل أساليبها في التضليل. ويؤكد تعدد هذه الشبكات وتنوع أساليبها في التضليل أهمية تعزيز الجهود لمحاربة هذه الظاهرة والحد من انتشارها.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع