منذ اندلاع الحرب السودانية في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، لجأ طرفا النزاع إلى إغراق وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار ومعلومات مفبركة ومضللة، لترويج دعايتيهما الحربيتين ومهاجمة الخصوم العسكريين والسياسيين.
يخوض حليفا الأمس -اللذان قادا انقلابًا أطاح بشركائهم المدنيين من الحكم في العام 2021- وأعداء اليوم، صراعًا عسكريًا داميًا للعام الثاني على التوالي، أودى بحياة الآلاف، في حين فشلت كل مساعي التهدئة بين الطرفين.
دفعت المعارك بين الجيش و«الدعم السريع» ملايين السودانيين إلى الفرار من منازلهم أو الاحتماء داخلها. وفي ظل هذا الصراع، أصبحت منصات مثل «فيسبوك» و«إكس» مصادر أساسية للمعلومات.
بينت دراسة «بيئة المعلومات المضللة في الفضاء الرقمي السوداني» التي أجراها «مرصد بيم» في العام 2021 أن الجيش و«الدعم السريع» من الجهات الفاعلة في الفضاء الرقمي السوداني، وهو ما تؤكده قاعدة بيانات تقارير «مرصد بيم»؛ إذ كشف المرصد أنّ طرفي النزاع في السودان «الجيش والدعم السريع» يخوضان حربًا أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، يسعى فيها الطرفان المتحاربان إلى نشر معلومات مفبركة ومضللة عما يجري على الأرض، كما يعمل كلّ طرف على تعزيز سرديته الإعلامية المتعلقة بالنزاع ونشر دعايته الحربية إلى جانب مهاجمة خصومه العسكريين والسياسيين على حد سواء.
عبر سلسلة من التقارير المتتابعة، يسعى «مرصد بيم» إلى الكشف عن شبكات إعلامية تضليلية متشعبة ومعقدة، تعمل على دعم الجيش السوداني، وتُبدي انحيازًا إلى النظام السابق، وتهاجم القوى المدنية، عبر حسابات بعضها أنشئ حديثًا عقب حرب أبريل 2023، وبعضها الآخر قديم ساهم من قبل في حملات استهدفت قوى الثورة والتحول الديمقراطي قبل الحرب.
وفي هذا السياق، نشطت مجموعة من الصفحات والحسابات التي تحظى بمتابعة كبيرة على «فيسبوك»، في نشر معلومات مفبركة ومضللة. وتنشر هذه الصفحات التي يحمل بعضها أسماء مؤسسات إعلامية، محتوًى مضللًا أو مفبركًا كليًا، وتنسبه إلى قادة سياسيين ومدنيين بالإضافة إلى قادة دول فاعلة ومؤثرة في مسار المفاوضات التي تسعى إلى إنهاء الحرب في السودان، مثل «منبر جدة».
ووفق تحليل «مرصد بيم»، تتخذ هذه الحسابات أسلوبًا تربط عبره المعلومات المفبركة والمضللة بالأحداث الجارية على أرض الواقع؛ إذ وثقت قاعدة تقارير «مرصد بيم» أنّ الصفحات المشار إليها تنشر محتواها في أوقات متزامنة وتعيد نشر المحتوى نفسه. وتتفق هذه المنصات أيضًا في نشر الدعاية الحربية للجيش السوداني والحكومة العسكرية، وتهاجم قادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم».
فبركة تصريحات ضد قادة القوى المدنية وربطها بسياق أحداث جارية:
في السادس من فبراير الماضي نشرت صحيفة «السوداني» خبرًا قالت فيه إن استخبارات الجيش السوداني اعتقلت ضباطًا فاعلين في أم درمان بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري، في حين أشارت تقارير إعلامية أخرى إلى أنّ سبب توقيف الضباط كان «مخالفة الأوامر العسكرية والاشتباك مع «الدعم السريع» في منطقة أم درمان دون توجيهات من القيادة العسكرية»، ولكن نفى الجيش، بطريقة غير مباشرة، الأنباء المتداولة وقتها عن اعتقال ضباط في قاعدة عسكرية رئيسة في أم درمان بشبهة «التورط في مؤامرة انقلابية». وأشار مساعد قائد الجيش ياسر العطا في لقاء مع زعماء أهليّين إلى أنّ الجيش يعمل بتوافق تام ومصطف خلف قادته.
وفي هذا السياق، تداولت مجموعة من الصفحات والحسابات تصريحات منسوبة إلى قادة تنسيقية «تقدم» بالتزامن مع أنباء متداولة عن اعتقال ضباط من الجيش في أم درمان في السادس من فبراير الماضي، ولكن أثبتت تحقيقات «مرصد بيم» أن جميعها كانت مفبركة.
في السادس من فبراير الماضي، وبين الساعة 2:13 و2:20 مساءً، نشر حساب على «فيسبوك» باسم «Nadir Mohamed Elbadawi» خمسة تصريحات مفبركة منسوبة إلى قادة في تنسيقية «تقدم»، وفق ما رصَد فريق المرصد. ويعرّف الحساب نفسه، وفق معلومات الصفحة على «فيسبوك»، بأنه «شخصية عامة تعمل على مكافحة الفساد ومساعدة البلاد في الوصول إلى حكم دولة القانون»، ويتابعه نحو (611) ألف متابع. ومنذ إنشائه في العام 2020، ظل الحساب ينشر بانتظام معلومات تدعم الجيش السوداني وتهاجم لجنة «إزالة التمكين» والقوى المدنية، ولكنه كثف نشاطه عقب اندلاع الحرب في أبريل 2023. وظل الحساب ينشر، على نحوٍ منسقٍ، معلومات زائفة ومضللة لتحقيق أهدافه ضمن شبكة التضليل التي تدعم الجيش السوداني.
في العام 2020، وخلال عمل «نادر البدوي» رئيسًا لمنظمة «زيرو فساد» قُيّدت بلاغات «فساد وابتزاز مالي» ضده، غادر على إثرها البلاد ورفض المثول أمام القانون.
وبالعودة إلى التصريحات، لاحظ فريق المرصد أنها وردت في صور إطارية لموقع إلكتروني وصفحة على «فيسبوك» تحمل اسم «ساتا بوست نيوز». وخلال التقصي، لم يجد فريق المرصد أيّ إثر لهذه التصريحات المفبركة على الموقع ولا على صفحته الرسمية على «فيسبوك»، مع أنّ التصريحات وردت في صور إطارية تحمل شعار الموقع وهويته البصرية.
وبمزيدٍ من البحث في منصة «ساتا بوست نيوز» على «فيسبوك» توصل فريق المرصد إلى أنّ «نادر البدوي» أحد المتفاعلين مع الصفحة بالمشاركة والإعجاب منذ الأيام الأولى لإنشائها في أبريل 2022، إذ عمد إلى نشر بعض الشائعات والمعلومات المضللة التي سبق أن نشرتها منصة «ساتا بوست نيوز»، على حسابه الشخصي، مؤكدًا صحتها. وتعمل صفحة «ساتا بوست نيوز» على «فيسبوك»، منذ إنشائها، على نشر محتوى داعم للجيش السوداني. كما لاحظ فريق المرصد ارتباط المنصة بحساب «Nadir Mohamed Elbadawi»، إذ تنشر المنصةُ المحتوى الذي يقدمه «نادر البدوي» على حسابه الخاص والتي تتضمن أفكاره وتحليلاته بشأن الأزمة في السودان، منسوبًا إليه. وبلغ مستوى التنسيق بين المنصتين حد مشاركة صفحة «ساتا بوست نيوز»، أحيانًا، البثوث المباشرة لـ«نادر البدوي» والتي يعرض فيها وجهة نظره الداعمة للجيش مستخدمًا في ذلك معلومات مضللة وسرديات شخصية. كما لاحظ فريق المرصد أن الموقع الإلكتروني لمنصة «ساتا بوست» المشار إليه في صفحتها على «فيسبوك» لا يعمل.
وبالرجوع إلى الموقع الجغرافي الذي تُدار منه الصفحتان «ساتا بوست وNadir Mohamed» توصل فريق المرصد إلى أن صفحة «ساتا بوست» تُدار بواسطة ثلاثة مشرفين، اثنان منهم في مصر والثالث في السودان، في حين تُدار صفحة «نادر البدوي» من مصر.
وتنشط صفحة «ساتا بوست نيوز» في نشر أخبار زائفة ومضللة بشأن تقدم الجيش عسكريًا، من دون أيّ أدلة، بالإضافة إلى نشر العديد من الأخبار المزيفة، بما فيها بيانات مفبركة منسوبة إلى قوات «الدعم السريع»، بهدف إظهارها في حالة تزعزع وتقهقر ميداني.
وتوسعت الصفحة -والشبكة العاملة معها- في خطابها المناهض لبعض دول الإقليم، وعدّتها «داعمةً لقوات الدعم السريع»، مما يعرضها لحملات التضليل والسخرية والتشويه.
سلوك زائف ومنسق
إلى جانب منصة «ساتا بوست نيوز» وجد فريق «مرصد بيم» حسابات شخصية على منصة «فيسبوك» تساهم، على نحوٍ منسق، فيما يبدو أنه «سلوك زائف»، في نشر محتوى الصفحات آنفة الذكر. ويُعرّف «السلوك الزائف المنسق» بأنه «جهود منسقة للتلاعب بالنقاش العام، لتحقيق هدف إستراتيجي، عبر حسابات زائفة».
شاركت تلك الحسابات الشخصية، ومنها حساب «فارسة الصحراء» وحساب «عنفر على» بثوثًا مباشرةً من حساب «نادر البدوي» ومنشورات من صفحة «ساتا بوست نيوز»، على نحوٍ منسقٍ ومنتظم، مما زاد من انتشار المحتوى، بالإضافة إلى أن هذه الحسابات تنشر معلومات زائفة ومضللة تدعم موقف الجيش السوداني.
أدناه بعض الحسابات التي رصدها «فريق مرصد بيم»:
سمات مشتركة لهذه الحسابات الشخصية:
- عدد كبير من الحسابات مغلق.
- تشارك الحسابات محتوى الصفحتين في مجموعات عديدة على «فيسبوك»، معظمها داعم للجيش.
- بعض هذه الحسابات ينشر فقط محتوى المنصتين، فيما يشارك بعضها الآخر محتوى منصات أخرى داعمة للجيش.
- تنشط بعض هذه الحسابات في عمليات نشر مكثفة تبدو وكأنها آلية «غير بشرية»؛ إذ لاحظ فريق المرصد أن أحد هذه الحسابات، مثلًا، شارك (10) منشورات في دقيقة واحدة (أي بمعدل منشور كل ست ثواني)، كما يتضح في الصور أدناه. وفي مثال آخر وجد فريق المرصد أن حسابًا آخر شارك أكثر من (40) منشورًا خلال ساعة واحدة، بعضها بمعدل منشورين إلى ثلاثة منشورات في الدقيقة.
- عدد كبير من هذه الحسابات يشارك، على نحو منتظم، منشورات تهاجم دولة الإمارات.
حسابات أخرى تنشر أخبارًا مفبركة وتروّجها عبر صفحات ومجموعات موالية للجيش:
تعمل حسابات عديدة على نشر محتوى مضلل في سياق دعمها للجيش السوداني، وتتخذ الحسابات محلّ التقصي أسلوبًا مختلفًا في عمليات النشر والتداول، ففي حين فُبرك محتوى باسم «ساتا بوست نيوز»، لم يُنشر المحتوى على صفحة المنصة على «فيسبوك»، بل كانت أول صفحة نشرت المحتوى هي صفحة «نادر البدوي». وفي مساء اليوم نفسه، نُشر المحتوى المفبرك مع نص على صفحة «جديان نيوز» التي يتابعها أكثر من (99) ألف شخص، وصفحة «مسار بريس – صحيفة رقمية» التي يتابعها أكثر من (17) ألف شخص، فيما شاركت المحتوى أيضًا صفحة أخرى باسم «Sudanese Armed Forces الجيش السوداني» ويتابعها أكثر من (58) ألف شخص.
وبالبحث في هذه المنصات، وجد فريق المرصد أنّ صفحتي «جديان نيوز ومسار بريس – صحيفة رقمية» تعرّفان نفسيهما، وفق معلوماتهما على «فيسبوك»، بأنهما «صحيفتان رقميتان»، في حين تعرّف الصفحة التي تحمل اسم «Sudanese Armed Forces الجيش السوداني» نفسها، وفق معلوماتها على «فيسبوك»، بأنها «صفحة غير رسمية تناصر القوات المسلحة السودانية سلمًا وحربًا».
وتضع صفحة «جديان نيوز» رابطًا تزعم أنه موقعها الإلكتروني، ولكن عندما حاول فريق المرصد فتح الرابط تبيّن أنه لا يعمل، ولم تُسفر عمليات البحث عن أيّ موقع إلكتروني بهذا الاسم. أما الذي تضعه صفحة «مسار بريس – صحيفة رقمية» والذي يُفترض أنه رابط موقع «صحيفة رقمية» وفق تعريف الصفحة لنفسها، فهو يقود إلى موقع حزب سياسي يُسمى «حزب المسار الوطني – السودان».
وبالبحث، توصل فريق المرصد إلى أنّ صفحة «المسار بريس – صحيفة رقمية» يشرف عليها شخصان من داخل السودان، فيما يشرف على صفحة «جديان نيوز» ستة أشخاص، ثلاثة منهم داخل السودان وثلاثة في دول أخرى، هي: «تركيا وإندونيسيا والإمارات». أما الصفحة التي تحمل اسم «الجيش السوداني» فيُشرف عليها شخص واحد يشير موقعه الجغرافي إلى دولة «تركيا».
ويُشارَك المحتوى المفبرك المشار إليه أعلاه في مجموعات عامة تحظى بمتابعة كبيرة، مثل مجموعة «جيش واحد شعب واحد» التي تضم أكثر من (192) ألف عضو، ومجموعة «شندي شندينا» وبها أكثر من (216) ألف عضو.

عملت كل تلك الحسابات والصفحات، بتنسيقٍ عالٍ، على نشر المعلومات المضللة والمفبركة التي صدرت عن صفحة «نادر البدوي» في بادئ الأمر. ومن تحليل المرصد، يتضح أن هذه الحسابات والصفحات تعمل على نشر أخبار مضللة عن «تفوق الجيش ميدانيًا وسياسيًا» بالإضافة إلى مهاجمة القوى السياسية والمدنية، خاصةً تنسيقية «تقدم»، وخلق مناخ إعلامي ضبابي وغير موثوق فيه.
السمات المشتركة بين الحسابات:
- جميع الحسابات نشرت معلومات مفبركة أو مضللة من قبل.
- جميع الحسابات تنشر محتوى يهاجم قادة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم».
- جميع الحسابات تناصر الجيش السوداني.
- معظم الصفحات تعرف نفسها بأنها منصات صحف رقمية.
- بعض الحسابات تضع روابط لمواقع إلكترونية لا وجود لها.
- تتفاعل هذه الصفحات والحسابات مع بعضها البعض عن طريق الإعجاب والمشاركة.
- بعض الحسابات والصفحات تدار من المواقع الجغرافية نفسها.
- تعمل الحسابات على إعادة نشر المحتوى المضلل لبعضها البعض لضمان انتشاره.
الخلاصة:
الصفحات والحسابات التي تحقق منها فريق «مرصد بيم» تعرّف نفسها، وفق معلوماتها العامة على «فيسبوك»، بأنها «مؤسسات صحفية رقمية»، فيما يُعرف بعضها نفسه بأنه «صفحة إخبارية» أو «شخصية عامة». وتنشر هذه الصفحات والحسابات معلومات مفبركة وتنسبها إلى قادة في القوى المدنية السودانية وقادة دول فاعلة في الشأن السوداني. وتتخذ هذه الحسابات والصفحات أسلوبًا تربط عبره المعلومات المفبركة التي تنشرها بأحداث على أرض الواقع. كما تنشر هذه الحسابات محتوى يناصر الجيش السوداني ويهاجم القوى السياسية، خاصةً تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم».
الجدول الآتي يعرض الصفحات التي تتخذ الأسلوب المشار إليه آنفًا:
اسم الصفحة | اسم الصفحة |
شبكة لمتنا اﻷخبارية |