الدعاية الحربية.. المفهوم والتطبيق في حرب السودان

  رافقت الدعاية الحربية الصراع الإنساني منذ بدء تاريخه. ولأنّ الصراعات والحروب بين البشر ظاهرة متأصلة فرضتها عوامل عديدة ومتنوعة، ظهرت الحاجة إلى تطوير تقنيات لضمان التفوق والغلبة في تلك الحروب، ومن ضمن تلك التقنيات جاءت «الدعاية الحربية». لم يختلف الحال في سياق الحرب في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، فمنذ اندلاعها في منتصف أبريل 2023، بدأت حملات التضليل عملها في إخفاء الحقائق وخداع العقول، مستخدمةً في ذلك أساليب وتقنيات تستهدف الخصم والمواطن على حد سواء. يتناول هذا البحث أبرز التقنيات التي استخدمتها القوى الفاعلة في النزاع السوداني ضمن دعايتها الحربية.

تعني «الدعاية الحربية»، في تعريفها العام، «الجهد المنظم للتلاعب بآراء الأفراد وأفكارهم ومفاهيمهم، عبر استخدام وسوم وشعارات وأفكار معينة، ونشرها بطريقة منظمة، للتأثير في الخصم أو المتلقي العادي». في بعض الأحيان يُخلط بين مفهوم الدعاية الحربية والتبادل الحر للأفكار. في الحالة الثانية تُتبادل الأفكار والمفاهيم، بحريّة، من غير تلاعب أو تخطيط لخداع المتلقي مثلما يحدث في حالة الدعاية الحربية، إذ أنّ الدعاية الحربية «سلسلة من الإجراءات التي تتخذها الأنظمة والجماعات العسكرية، بهدف التأثير سلبًا في المتلقي، من خلال نشر معلومات كاذبة ومضللة، تُقدم على أنها حقيقية». وتُنشر الدعاية الحربية لترويج فكرة أو قضية معينة، تتعدى كونها مشاركةً حرةً للأفكار، لتصبح «تضليلًا ممنهجًا وتلاعبًا بعقل المتلقي».

استخدم مصطلح «الدعاية» في اللغات الأوروبية الحديثة منذ «حرب الثلاثين عامًا» التي شهدتها أوروبا نتيجة للانقسام التاريخي في الكنيسة الكاثوليكية، في أعقاب تمرد «مارتن لوثر» الذي أدت محاولاته لإصلاح الكنيسة، إلى اندلاع الحرب بين الشمال والجنوب في أوروبا؛ وخوفًا من انتشار أفكاره كُلف البابا «غريغوري الخامس عشر» بإنشاء «لجنة الكنيسة للدعاية» في العام 1622م، لنشر عقيدة الكنيسة الكاثوليكية وسط غير المؤمنين. منذ ذلك الحين، استخدمت الدعاية، على نحو مطّرد، في الصراعات، لا سيما في السياقات العسكرية. عُرفت الدعاية بأنها «خطة منظمة أو حركة لنشر مفهوم أو ممارسة معينة» في ذلك الوقت، لكن الثورة الفرنسية أعطت مصطلح «الدعاية» بُعدًا جديدًا وربطته بالتنوير، كما أعطته الصحافة قوة هائلة للتأثير في الجماهير، مما دفع السياسيين إلى استخدام «الدعاية» ضمن الأدوات الأساسية في صراعهم السياسي.

 

يستعرض هذا البحث كيف استخدمت بعض تقنيات الدعاية الحربية في سياق حرب السودان، وكيف وجدت طريقها إلى المتلقي العادي والخصم العسكري. يشرح البحث كل تقنية على حدة، ويوضح كيف استغلت لتحقيق أهداف الدعاية الحربية. استخدم «فريق بيم» عدة طرق في التحليل، بما فيها تحليل الوسوم (الهاشتاغات) التي استخدمتها «الدعاية الحربية» على منصة «إكس» (تويتر سابقًا) خلال التحقيق. كما يدرس البحث كيف تستخدم «شبكات السلوك الزائف المنسق» (CIBs) أساليب وتقنيات محددة، بما فيها نسخ الوسوم ولصقها في تغريدات مختلفة، لتضخيم المحتوى وتوسيع نطاق انتشاره (TTPs)، كما يشرح البحث كيف شاركت وسائل الإعلام التقليدية في حملات الدعاية الحربية.

 

أسلوب الشعارات «الوسوم»:

بعض الجمل والعبارات تُستخدم، على نحوٍ مكثفٍ ومكرر، من قبل حملات الدعاية في الحروب حتى ترسخ في ذهن المتلقي كأنها حقيقة مطلقة، وهذه إحدى تقنيات الدعاية الحربية التي استخدمت في حرب السودان، إذ استخدم الفاعلون في الدعاية الحربية «الجيش السوداني وقوات الدعم السريع» هذه التقنية. ونجد أن «الدعم السريع» استخدمت وسم «#معركة_الديمقراطية» مع معظم منشوراتها عن الحرب -إن لم يكن جميعها- في محاولة لتعزيز التبرير الذي تقدمه لخوض الحرب وهو «السعي إلى الديمقراطية».

يوضح هذا الرسم البياني استخدام الوسم:

على الجانب الآخر، يستخدم الجيش السوداني وسم «#معركة_الكرامة» في جميع منشوراته على حسابه الرسمي على «فيسبوك»، وهو الوصف الرسمي للمعركة في خطابه العسكري، إذ يقول قادته إنهم يقاتلون من أجل «كرامة السودان وشعبه». وفي دعاية مضادة استخدم الجيش وسم «#الدعم_السريع_مليشيا_إرهابية» في كثيرٍ من منشوراته.

يوضح هذا الرسم البياني استخدام الوسم:

استخدمت هذه التقنية مع وسوم أخرى، مثل «#بل_بس» وغيرها من الشعارات التي صاحبت الحرب، وانتشرت عبر حملات الدعاية الحربية، إذ يستخدم مؤيدو الحرب في السودان وسم «#بل_بس» (وهو مصطلح عامي شائع في السودان يشجع على استمرار الحرب حتى القضاء على الخصم)، وعلى هذا النسق ذاع استخدام هذا الشعار «الوسم» واستخدم بكثافة في حملات الدعاية الحربية.

يوضح الرسم البياني أدناه مدى استخدام وسم «#بل_بس» على منصة «إكس» منذ مايو 2023:

أنشئت وسوم أخرى، مثل «#السودان، و#غزة، و#حماس»، وضخّمتها شبكات تضليل معينة، لنشر محتوى مضلل عن السودان. وانتشرت هذه الوسوم انتشارًا واسعًا بسبب المحتوى الذي صاحبها، في حين استخدمت هذه الوسوم لربط ما يحدث في السودان بأفعال حركة «حماس» في غزة، وفق ما روج متداولو الادعاء لربط الجيش السوداني بـ«حماس»، وذلك بحسب مقارنة أجراها باحث إماراتي يدعى «أمجد طه» في حسابه على موقع «إكس». ويزعم صاحب الحساب، الذي يتابعه أكثر من (556) ألف شخص، أنه تابع لـ«مركز الشرق الأوسط البريطاني للدراسات والأبحاث»، ولكن بحسب خدمة المعلومات الحكومية البريطانية، حُلّ المركز في العام 2018، ولم يكن به سوى موظف واحد وهو المدير الإقليمي أمجد طه.

يوضح هذا الرسم البياني استخدام هذه الوسوم معًا على «إكس»:

انتشرت وسوم «#السودان، و#غزة، و#حماس»، وتضخمت، باستخدام أساليب وتقنيات وإجراءات محددة، عززت ارتباط هذه الوسوم بحرب السودان، إلى درجة أنّ المواطنين العاديين بدأوا في استخدامها، مع المحتوى الذي ينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي.

النشر وإعادة النشر:

يعتمد أسلوب «النشر وإعادة النشر» على نشر معلومات مضللة وإعادة نشرها، على نحوٍ متكرر، على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يجعل تصديقها والإيمان بصحتها نتيجةً حتمية. استخدمت حملات الدعاية الحربية هذه التقنية لارتباطها بمفهوم التكرار الذي يعمل على ترسيخ المفاهيم في أذهان المتلقين حتى وإن كانت غير صحيحة، عبر تكرار سردها، بكثافة، وهو ما يظهر جليًا في حملات «شبكات السلوك الزائف المنسق» التي رافقت الدعاية الحربية في سياق حرب السودان، إذ استخدمت تقنية «النشر وإعادة النشر» في نشر سرديات بشأن الحرب ومَن بدأها؛ وعبر النشر المتواصل لهذه المعلومات المضللة، ترسخت في ذهن المتلقي. وأعد «مرصد بيم» أربعة تقارير عن أنشطة هذه الشبكات وقدرتها على ترسيخ المفاهيم من خلال التكرار.

و«شبكات السلوك الزائف المنسق» هي مجموعة من الحسابات التي تعمل، بانسجام، لدفع معلومات زائفة ومضللة معينة، باستمرار، لضمان انتشارها على نطاق واسع. وشاركت الشبكات المشار إليها في حملات الدعاية الحربية منذ أبريل 2023، حين بدأت العديد من الشبكات الداعمة للجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» عملها في التضليل، ونشرت الكثير من المحتوى المضلل لتحقيق أهدافها عبر الدعاية الحربية، والتي تضمنت: التضليل وإخفاء الحقائق وإثارة الفتن المجتمعية. وهاجمت هذه الشبكات المواطنين على نحوٍ مباشر، مما يؤكد تورطها في النزاع. فيما نشرت بعض الحسابات النشطة ضمن إحدى «شبكات السلوك الزائف المنسق» التابعة للجيش السوداني، صورًا عشوائية لمدنيين، وحرّضت المواطنين والسلطات على ملاحقتهم، بوصفهم جزءًا من عناصر «الدعم السريع»، مما عرض حياة العديد منهم للخطر. وقد استخدمت هذه الشبكة وسمي «#أنتم_لست_امنين و#خانوك_يا_مدني».

بعض ما نشرته الشبكة:

إعادة تداول المنشورات أو الصور القديمة:

استخدمت وسوم «#السودان، و#غزة، و#حماس» شبكة «إماراتية إسرائيلية» على منصة «إكس»، كانت تعمل، بتنسيقٍ عالٍ، ضمن «شبكات السلوك الزائف المنسق»، على نشر محتوى عن «الفساد في الجيش السوداني»، وزعمت أنّ هناك «هجومًا ممنهجًا من الجيش السوداني على الأقلية المسيحية في السودان»، وأنّ الجيش تسيطر عليه «قوة إرهابية» هي «جماعة الإخوان المسلمين». واستخدم الفاعلون في هذه الشبكة صورًا ومقاطع فيديو قديمة على أنها أحداث جديدة، لتحقيق أهدافهم. دعمت هذه الشبكة الدعاية الحربية، من خلال تعزيز الخلاف الداخلي في المجتمع وتصوير الحرب على أنها حرب «طائفية دينية». ومن الادعاءات التي نشرتها الشبكة أنّ «الجيش السوداني قصف عمدًا كنيسة المخلص في أم درمان، مما تسبب في حريق».

بعض ما نشرته الشبكة:

وبينما اندلع حريق بالفعل في الكنيسة المذكورة، في نوفمبر 2023، تداولت الشبكة صورًا للحريق في مارس 2024 على أنها «حادثة جديدة». ومع أنّ الجيش و«الدعم السريع» تبادلا الاتهامات وقتها بشأن مسؤولية استهداف الكنيسة، حمّلت بعض التقارير الجيشَ مسؤولية الحريق. وتبيّن، من التحليل، أن هذه الحسابات كانت تعمل على نشر رواية مفادها أنّ الجيش السوداني يعمل تحت إمرة «جماعات إرهابية»، وأنّ هذه الجماعات توجّه الجيش لاستهداف «الأقليات غير المسلمة» في السودان. واستغلت الشبكة العديد من الأحداث في نشاطها، لدعم روايتها، مما ساهم في انتشار المعلومات المضللة التي تداولتها الشبكة.

من الرواية السابقة، يمكننا أن نفهم، بوضوح، كيف عملت «شبكات السلوك الزائف المنسق» على تحقيق أهدافها، ضمن الدعاية الحربية، عبر المعلومات الكاذبة والمضللة التي كانت تتداولها.

بعض الحسابات المتورطة في هذه الشبكة:

الحساب 

اسم المستخدم 

tosca blue  IHS

@toscablu3

    Tim Cooke 

@sqlblues

Louants

@louants

    Kevin Keating

@KevinKeatingUSA

عمررحمون 

  @Rahmon83

A. H.

    @amigirl7

تضخيم السرديات والمعلومات الموجودة بالفعل:

في سياق متصل، وجد «فريق بيم» أنّ وسائل الإعلام التقليدية اضطلعت بدور داعم لحملات الدعاية الحربية المؤيدة للجيش السوداني، إذ عرض «التلفزيون القومي السوداني»، مثلًا، العديد من المواد التي تُظهر انتصار الجيش على «الدعم السريع»، بل بثّ مقاطع فيديو مضللة لإظهار سيطرة الجيش. على سبيل المثال، بثّ التلفزيون مقطعًا مصورًا قال إنه يُظهر استيلاء الجيش على شحنة «طائرات من دون طيار» قادمة من الإمارات العربية المتحدة إلى «الدعم السريع»، لكن تبيّن، فيما بعد، أنّ المقطع من «سلطنة عمان» وليس له صلة بالسودان. ومع أنّ التقرير كان مضللًا، إلا أنّ بثه على التلفزيون القومي ساهم في إيهام كثيرٍ من المواطنين بصحته وكأنه «حقيقة مطلقة»، لا سيما مع تكرار بثه على التلفزيون وانتشاره على منصات التواصل الاجتماعي.

وواصل «تلفزيون السودان القومي» دعمه للجيش عبر دعاية حربية منسقة، استعان فيها ببعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي والمؤيدين للجيش، إذ استضاف التلفزيون شخصية «الانصرافي» وهو مؤثر غامض لا يظهر وجهه في المقاطع التي يبثها على مواقع التواصل الاجتماعي. وخلال الاستضافة روج «الانصرافي» سردية تفوق الجيش السوداني وتضعضع قوات «الدعم السريع».

وتُظهر الأمثلة السابقة كيف اضطلع «تلفزيون السودان القومي» بدورٍ بارز في دعم الجيش، وساهم في تعزيز الدعاية الحربية التي رسخت في أذهان المتلقين التفوق العسكري والميداني للجيش.

مثال على المحتوى المضلّل الذي نشره التلفزيون القومي:

مقياس الاختراق

مقياس الاختراق هو مقياس لتحديد مدى انتشار المحتوى الذي تطلقه شبكات التضليل وفعاليته، في ثلاثة أبعاد، هي: وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الرئيسية أو التقليدية والحياة الواقعية. ويقسم هذا المقياس إلى ست فئات. ووفقًا لتحليل «بيم ريبورتس»، فإن المحتوى المضلِّل الذي يقدمه «التلفزيون القومي السوداني» يقع في الفئة الرابعة من مقياس الاختراق، وهي الفئة التي ينتشر فيها المحتوى على التلفزيون والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي.

نموذج لمقياس الاختراق:

التحريض على التعصب والقبلية وخطاب الكراهية

أسلوب إثارة الفتن والنعرات القبلية من أهم أساليب الدعاية الحربية التي تستخدمها الأطراف المشاركة في الحرب لخلق حالة من الانقسام والتشظي في المجتمع، وهذا ما حدث في السياق السوداني، إذ أغرقت الدعاية الحربية وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات عنصرية وخطابات كراهية تصور الحرب الدائرة في السودان وكأنها «ذات دوافع عنصرية وجهوية». على سبيل المثال، عمدت بعض المجموعات، منذ بداية الحرب، إلى توصيف الصراع في السودان على أنه «صراع جهوي» وتصوير هذه الحرب على أنها «حرب أهلية بين بعض المكونات القبلية والمجتمعية في السودان». وفي حين أنّ هذه الحرب يمكن أن تكون في نظر بعض الأطراف المنخرطة فيها شأنًا «جهويًا أو عرقيًا»، لكن ذلك لا يمثل جوهر الأزمة. ومع ذلك، فإنّ حملات الدعاية الحربية جعلته حجر الزاوية في حرب السودان. ولاحظ «فريق بيم» أنّ حملات الدعاية الحربية عملت على صياغة سردية بشأن دعم قبائل معينة لقوات «الدعم السريع» ودعم أخرى للجيش السوداني، مما زاد من انتشار خطاب الكراهية تجاه بعض قبائل غرب السودان، إذ وُصفت بأنها «جزء من قوات الدعم السريع»، مع الأخذ في الاعتبار أنّ بعض حملات الدعاية الحربية أشارت إلى أنّ أحد أسباب الحرب هو عدم التوازن في التنمية بين الريف والحضر في البلاد، مما  خلق بُعدًا جهويًا للحرب.

استخدمت حملات الدعاية الحربية العديد من التعبيرات العنصرية لوصف بعض قبائل غرب السودان، لا سيما «المسيرية» و«الرزيقات»، فيما واجهت تلك القبائل موجات من خطاب الكراهية المنسق من قبل حملات الدعاية الحربية. وزاد استخدام أسماء هذه القبائل في خطاب الكراهية وفي المنشورات التي تتحدث عن الحرب، على نحوٍ ملحوظ، كما يوضح الرسم البياني أدناه:

الريزيقات                                                                                                               الميسيرية

وتُظهر الصور أدناه كيف تستهدف حملات الدعاية الحربية تلك القبائل بوصفها «أطرافًا فاعلة في النزاع»:

أمثلة على خطاب الكراهية الذي استهدف قبائل «المسيرية والرزيقات»:

نظرية المؤامرة

دفعت حملات الدعاية الحربية بمفهوم «نظرية المؤامرة» إلى السطح لتبرير استمرارية  الحرب، على أساس أنّ الحرب -بحسب وصفهم- ليست بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» فقط، بل تتدخل فيها أطراف خارجية، ولذلك يجب أن تستمر حتى القضاء على الخصم الخارجي، وفق اعتقادهم. واستغلت حملات الدعاية الحربية المعلومات الصحيحة بشأن الدعم الخارجي لطرفي الصراع لتعزيز سرديّتها بشأن «نظرية المؤامرة». 

صاغ أنصار كل طرف من طرفي النزاع معلومات مضللة وغير دقيقة لتفسير نظرية المؤامرة في السياق السوداني؛ فنجد أن الحسابات المؤيدة للجيش استغلت المعلومات المتوافرة بشأن دعم الإمارات لقوات «الدعم السريع»، لنشر معلومات مضللة عن رسالة مسربة من المجلس الأعلى للأمن الوطني الإماراتي بشأن الوضع في السودان ومدى تقدم قوات «الدعم السريع» على الأرض، ومع أنّ الرسالة «مفبركة»، لكنها انتشرت على نطاق واسع، في سياق تأييد استمرار الحرب حتى يُنهي الجيش التدخل الأجنبي.

وفي الوقت نفسه، استخدمت حسابات مؤيدة لقوات «الدعم السريع» نظرية المؤامرة لدعم دعايتها الحربية، إذ استغلت المعلومات المتداولة عن دعم روسيا للجيش السوداني، ونشرت ادعاءً ملفقًا عن وصول حاملة رؤوس نووية روسية إلى بورتسودان، مع صورة مضللة، لكنها عززت مفهوم استمرار الحرب من وجهة نظر «الدعم السريع» بحجة أنها تواجه تدخلًا خارجيًا.

الدعاية الحربية واحدة من أهم آليات الحرب عبر التاريخ، فقد ساهمت في تغيير مجرى التاريخ من خلال تحقيق النصر لفريق على آخر، من خلال تقنياتها التي تعتمد على التلاعب والخداع. وهكذا اضطلعت الدعاية الحربية بدور محوري في الصراع الدائر في السودان، وأصبحت إحدى أهم أسلحته، نظرًا إلى أنها -أي «الدعاية الحربية»- استهدفت عقل المتلقي وأثرت في قراراته، بل امتد تأثيرها إلى أعمق مما نتصور أحيانًا. 

استخدمت الدعاية الحربية في حرب السودان المستعرة منذ أبريل 2023، بجميع أساليبها، من شعارات، ووسوم، ونسخ ولصق، وخطاب كراهية، ونظريات مؤامرة من الخارج، كما استخدمت حملات الدعاية الحربية «شبكات السلوك الزائف المنسق» لترسيخ بعض المفاهيم المغلوطة في أذهان الجمهور. وعملت كل هذه الأساليب، على نحوٍ منفردٍ ومتزامن، لخلق أفق معلوماتي مضلل وضبابي يؤثر بالطبع في الخصم العسكري، لكن الضحية الحقيقية هم المواطنون، إذ فقدوا القدرة على الحصول على المعلومات الصحيحة بسبب التلاعب الذي تمارسه الدعاية الحربية وحملات التضليل.

أُعدّ هذا التقرير بالتعاون مع «كود فور أفريكا» (Code for Africa)، من خلال زمالة AAOSI، وهي مبادرة تعاونية تهدف إلى تمكين المنصات الإعلامية والمنظمات غير الحكومية في الدول الأفريقية من مكافحة الشائعات والدعاية التضليلية من خلال دورات تدريبية وموارد أخرى، بهدف تعزيز صحة المعلومات ودعم التعاون بين المحققين في المنطقة الأفريقية.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع