
ملاذ حسن
7 نوفمبر 2024 – بينما كانت منطقة الهلالية شرقي ولاية الجزيرة وسط السودان تعيش تحت وطأة عنف قوات الدعم السريع من قتل وحصار ونهب وتدمير منذ اقتحامها لها في 29 أكتوبر الماضي، تضاعفت مأساتها بتفشي حالات التسمم والأمراض الوبائية بما في ذلك الكوليرا. حينها لم يكن بالإمكان إنقاذ مئات المرضى، بسبب تدمير ونهب المستشفى والمراكز الصحية، ما أدى إلى وفاة العشرات، حسبما أكد مصدر صحفي من أهالي المنطقة لـ«بيم ريبورتس»، واللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في بيان أصدرته أمس الأربعاء.
وتجئ انتهاكات قوات الدعم السريع في شرقي الجزيرة عامةً وفي منطقة الهلالية بشكل خاص، في ظل انقطاع خدمات الاتصالات والانترنت، وسحب أجهزة الإنترنت الفضائي «الإستارلينك».
وقال الصحفي محمد احمد الفاضل إن مستشفى أم ضوًابان جنوب العاصمة السودانية الخرطوم استقبل حوالي 150 حالة إصابة بالكوليرا للنازحين من المنطقة هربًا من انتهكات الدعم السريع هناك.
ووصف الفاضل ما يحدث في الهلالية، بأنه موت للمواطنين بالجملة نتيجة لحالات يصفها البعض بالتسمم الغذائي، لافتًا إلى أن بعض الروايات تشير إلى أن التسمم بسبب مبيد حشري زراعي تم تناوله مع الوجبات.
ومع ذلك، أكد أن الاحتمال الأرجح هو أن حالات الوفيات جاءت نتيجة وباء الكوليرا، مشيرًا إلى أن ذلك يؤكده وصول 150 حالة إلى مستشفى أم ضواًبان تم تشخيصها، على انها حالات إصابة بوباء الكوليرا.
وأوضح أن ما يُصعب التشخيص في الهلالية عمليات النهب الواسعة التي طالت المستشفى والمراكز الصحية الخاصة والصيدليات ومركز غسيل الكلى، كاشفًا عن أنه يتم نشر ما يزيد عن 12 حالة وفاة يوميًا في مجموعات أهالي الهلالية والإعلان عنهم، بعد التأكد من ذويهم.
وأشار كذلك إلى أن أرقام الوفيات المنشورة والمتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الضحايا في أوساط سكان الهلالية أقل بكثير من الإحصائيات الحقيقية على الأرض، وذكر أنه تأكد من دفن قرابة 25 شخصًا في يوم واحد قبل أسبوع جراء التسمم.
واعتبر أن ما يحدث من قوات الدعم السريع في الهلالية هو عملية انتقام، مشيرًا إلى أنه تم نهب وتكسير كل المعدات الخدمية والطاقة الشمسية المعتمدة عليها الآبار في توليد المياه، بالإضافة إلى جميع المخازن ومعظم المنازل.
وذكر أن المواطنين اضطروا لشرب مياه الآبار الموجودة منذ عشرات السنين، لعدم استطاعهم الوصول إلى مورد مياه النيل الأزرق، مضيفًا «يبدو أن الآبار هي سبب الوفيات العديدة التي بلغت حوالي أكثر من 70 حالة حسب المرصود، بما في ذلك الذين قتلو بالرصاص».
وأوضح أن الأطباء والكوادر الصحية من أبناء المنطقة الذين لا زالوا موجودين داخل الهلالية، قاموا بعمل جولات على الأهالي، في محاولة لتقديم خدمات طبية، لكنهم لم يكن لديهم أي معينات، ولا حتى أملاح تروية. وتابع «الجميع ماتوا بالكوليرا وحتى النازحين الناجين اتجهوا نحو المجهول».
لجنة أطباء السودان: وفاة أكثر من 73 شخصًا
في السياق، قالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، إن «منطقة شرق الجزيرة تعاني من كارثة إنسانية متفاقمة ومن حملة الجنجويد الانتقامية»، مشيرة إلى أن الإسهالات المائية تحصد أرواح مواطني الهلالية والمناطق المجاورة.
وأكدت في بيان أن مناطق شرق الجزيرة تواجه كارثة إنسانية متفاقمة، نتيجة لهجمات عنيفة ومستمرة تشنها مليشيا الدعم السريع، وأن المنطقة تشهد حملة انتقامية ممنهجة تستهدف المدنيين، مما أدى إلى مقتل وترحيل الآلاف وتهجيرهم قسريًا.
وأضاف البيان أن الوضع الصحي في المنطقة تفاقم بشكل مقلق حيث تفشت الإسهالات المائية في مدينة الهلالية والمناطق المجاورة، ويحتجز من تبقى من سكانها في المساجد مما أدى إلى وفاة أكثر من 73 شخصًا حتى الآن.
ويعاني مستشفى الصباغ الريفي، الذي يعد المحطة الرئيسية لتقديم الرعاية الطبية للنازحين، من تدفق هائل للمرضى يفوق طاقته الاستيعابية، بالإضافة إلى نقص حاد في الكوادر الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.
مجازر وحشية
في السياق، قال حزب المؤتمر السوداني-ولاية الجزيرة، في بيان الخميس، إنه يتابع الوضع المأساوي الذي تعيشه مدينة الهلالية، شرق ولاية الجزيرة، حيث تتعرض منذ أيام لحصار خانق وهجمات مستمرة من قبل قوات الدعم السريع، «في مشاهد تقشعر لها الأبدان وتزيد من عمق مأساة الحرب على بلادنا».
وأكد البيان سقوط العشرات من الضحايا الأبرياء في مدينة الهلالية نتيجة إطلاق الأعيرة النارية، وتدهور الحالة الصحية ونقص الغذاء والدواء، إضافة إلى انتشار موجة من التسمم الغذائي والكوليرا، ما أدى إلى وفاة عدد من المواطنين والمواطنات، بينهم أطفال ونساء وكبار في السن.
وبحسب البيان «فقد بلغ عدد الضحايا الذين روت دماؤهم أرض الهلالية أكثر من سبعين، في وقت تعاني فيه المدينة من ظروف صعبة وحرجة تنذر بالمزيد من الكوارث».
وأدان البيان بشدة المجازر الوحشية التي ترتكبها قوات الدعم السريع، معتبرًا أن الحصار المفروض على المدينة يعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية وجرمًا ضد كل الأعراف والقوانين الدولية.
وحمل البيان قوات الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة الإنسانية، مشددًا على ضرورة وقف هذه الممارسات القمعية والإجرامية التي تطال المدنيين العزل.
كما دعا المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل لتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، ومطالبة الأطراف المتورطة بإنهاء حصار المدينة فورًا، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية والأدوية لإنقاذ الأرواح والحد من انتشار الأمراض.
ورأى البيان أن صمت المجتمع الدولي أمام هذه الجرائم يعُدّ تواطؤًا لا مبرر له.
حملة انتهاكات ممنهجة شرقي الجزيرة
وبدايةً من 20 أكتوبر الماضي شنت الدعم السريع حملة انتهاكات ممنهجة ضد المواطنين بشرق وشمال الجزيرة، في أعقاب انشقاق قائدها السابق بولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، وانضمامه للجيش.
ونشرت الدعم السريع قواتها في كل وحدات شرق الجزيرة: (تمبول، ريفي رفاعة، رفاعة، الهلالية وود راوة)، بالإضافة إلى قرى السريحة وأزرق في الكاملين شمالي الجزيرة.
وبتاريخ 29 أكتوبر الماضي قالت لجان مقاومة مدني إن مواطني مدينة الهلالية شرق الجزيرة يتعرضون إلى اقتحام شرس و استباحة من قبل مليشيا الجنجويد ما أدى إلى مقتل أكثر من 4 أشخاص وإصابة العشرات وتم نهب منازل المواطنين واعتقالهم.
فيما قال شهود عيان وقتها لـ«بيم ريبورتس» وقتها إنه تم نهب منطقة الهلالية بشكل كامل بدايةً من حي الشاطئ وحتى حي الشكرية، بعد محاصرتها من أربعة اتجاهات.