
ملاذ حسن
في نهار 18 ديسمبر 2023 اقتحمت قوات الدعم السريع مدينة ود مدني من الجانب الشرقي عبر جسر حنتوب بعد انسحاب الجيش منها. ومنذها، يومًا بعد يوم، لم تعد تلك المدينة التي عرفها سكانها، أو أولئك الذين يكنون لها المحبة.
وكانت مدني التي يبلغ عدد سكانها قرابة 700 ألف شخص تستضيف معظم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في السودان بعد تدهور الأوضاع الأمنية في العاصمة الخرطوم، بينما كانت ملجأ لمئات الآلاف من نازحي الخرطوم قبل أن تدفعهم الأحداث الأمنية الجديدة إلى الفرار مرة أخرى حيث نزح أكثر من 300 ألف شخص مع بدء القتال فيها.
وقبل سيطرة الدعم السريع عليها كانت ود مدني التي تقع وسط السودان تضج بالحياة، لكنها اليوم، وبعد ما يقارب العام من سيطرة الدعم السريع عليها أصبحت مدينة أشباح واختفت مظاهر الحياة فيها، حيث يعاني ما تبقى من السكان الذين آثروا البقاء فيها، من غلاء الأسعار وصعوبة في المعيشة والحصول على العلاج وأبسط الخدمات ومقومات الحياة.
اثنان من سكان مدني تحدثوا لـ«بيم ريبورتس» نهاية الأسبوع الماضي، ورسما صورة قاتمة لحياة قاسية وجحيمية الطابع وأوضاعًا معيشية متردية يحياها الآلاف تحت سلطة قوات الدعم السريع وإدارتها المدنية. المصدران اللذان تحدثا إلينا وهما عضو غرفة طوارئ وسيدة من مواطنات مدني انتهزا فرصة نادرة للتواصل مع العالم الخارجي عندما أتيح لهما استخدام الانترنت الفضائي «ستارلينك» بعد مدة طويلة من الانقطاع.
وقال عضو غرفة الطوارئ إن سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة تمبول شرقي الجزيرة، أثرت سلبًا إذ أنها كانت تمد غالبية مناطق الجزيرة بالمؤن الغذائية وغيرها من الاحتياجات.
وأضاف أن هناك أسواقًا بديلة تم تشغيلها داخل المدينة، وهي «سوق جزيرة الفيل، سوق حلة محجوب، سوق عووضة، سوق مارنجان»، بالإضافة إلى جزء من السوق الصغير في مدني جنوب.
وأوضح أن بعض السلع يتم جلبها من المنهوبات والمسروقات من سنجة والخرطوم وتمبول.
وأشار إلى أنه تمت تغذية الأسواق المحلية بكمية من السلع المنهوبة بعد إغلاق طريق تمبول، قبل أن يؤكد أن هذا الانخفاص سيكون مؤقتًا بسبب كون المصدر الأساسي – سوق تمبول – تم نهبه، لافتاً إلى أن السلع التي دخلت إلى أسواق مدني خلقت حالة من الركود.
وفيما يتعلق بالتداول النقدي، كشف عن وجود مشكلة سيولة نقدية حاليًا في المدينة، موضحًا أن غالبية السلع تجلبها قوات الدعم السريع وتقوم ببيعها للمواطنين، لكن عبر الكاش وليس عبر التطبيقات المصرفية.
وقال المصدر إن المواطنين الذين يحاولون جلب السلع بأنفسهم يتعرضون للنهب في ارتكازات الدعم السريع الكثيرة، أو بواسطة لصوص متخصصين في السرقة.
وأكد أنهم يعانون في الحركة بسبب حالات النهب سواء للنقد أو البضائع بعد الشراء، وتابع “الطريق غير آمن والوصول للسلع غير متوافر”.
وأوضح أن مدينة ود مدني بها مايزيد عن 25 تكية بينها مجموعة تكايا في (حنتوب ،وفي جزيرة الفيل،وحي ناصر ،والحلة الجديدة،وحي المدنيين، والكريبة).
وفيما يخص الأدوية والعقارات الطبية، ذكر المصدر أن هناك ندرة وشح في الأدوية بشكل كبير، خاصة علاجات الملاريا والأطفال، وندرة نسبية في أدوية الأمراض المزمنة والنفسية.
كذلك كشف عن وجود صيدليات تجارية شغلتها الدعم السريع، بالإضافة إلى تملكها عدد من المراكز التجارية. وعلى الرغم من ذلك، توجد صيدلية خيرية تم عملها بمبادرة من شباب مدني في مركز بانت بمدني جنوب.
كما أكد انعدام في لقاحات الأطفال ولقاحات مرض التتنس للحوامل ،وأمصال العقارب والسعر لأكثر من ثلاثة شهور وفق المصدر.
المصدر أكد أيضًا إن هناك مستشفيات ومراكز تجارية قامت الدعم السريع بتشغيلها لفائدتها التجارية، بينها المستشفى البريطاني وسط مدني. كما كشف عن استمرار عمل مركز غسيل الكلى بتبرعات الشباب الموجودين في مدني.
لا كهرباء ولا غاز طبخ ومعاناة في الحصول على مياه الشرب
في جانب الخدمات، ما يزال التيار الكهربائي منقطعًا منذ 7 يونيو الماضي، بجانب المعاناة في الحصول على المياه النقية، حيث يتم الحصول عليها عبر الآبار باستخدام المولدات.
كذلك تعاني ود مدني من انعدام غاز الطبخ حيث اضطر السكان إلى الاعتماد على الفحم بشكل أساسي، كما يتم عمل جزء منه في المنازل، وأشار المصدر إلى وجود كمائن فحم في منطقة شرق مدني في جزيرة الفيل والمكي.
وضع أمني سيئ ولا وسائل للتنقل
إحدى مواطنات مدينة ود مدني قالت إنها تعاني من صعوبة في التحرك لاستجلاب المؤن والمواد بسبب الوضع الأمني وازدياد أسعار السلع بشكل كبير، كما أشارت إلى تحليق طيران الجيش بشكل أكبر مؤخرًا موضحةً أن ذلك حرمهم من القدرة للذهاب لشراء السلع.
وأكدت عدم وجود وسائل للتنقل، باستثناء عربة الكارو، وقالت إن أسعار السلع في ازدياد مع ارتفاع أعداد الوافدين من مناطق أخرى من الجزيرة لود مدني.
وقالت إن سعر لتر الزيت 9 آلاف جنيه سوداني، والكيلوجرام الواحد من السكر بين 6-7 ألف جنيه، أما الأرز بلغ سعره 6 آلاف جنيه.
وأكدت معاناة المواطنين من الجوع والفقر، وأن بعضهم يظل لمدة يومين بدون غذاء، موضحة أن الغالبية من أرباب الأسر إما معاشيين أو موظفين لم تصرف رواتبهم، أو تمت سرقة كل ما يمتلكون من الدعم السريع.
وذكرت أنها ووالدتها تعرضتا إلى وعكة صحية واضطرتا لشراء العلاج من صيدلية قريبة منهم، مشيرة إلى وجود صيدليات تعمل في مدني، لكن دون أطباء. وقالت إن سعر صندوق أقراص (البندول) يبلغ ألفي جنيه.
وفيما يتعلق بالمستشفيات أوضحت أن المستشفى البريطاني بمدني يستقبل حالات مشيرةً إلى غلائه مستشهدة بسعر عمليات الولادة القيصرية الذي يبلغ 500 جنيه.
وعند سؤالنا لها بشأن التفاصيل الأمنية وتعامل الدعم السريع مع المواطنين قالت إنها لا تستطيع أن تعكس لنا ذلك بسبب مراقبة مستخدمي الإنترنت .