أكملت الحرب عامين للتو، أكلت خلال أيامها الأكثر سوءًا في تاريخ السودان الحديث، الأخضر واليابس، وحولت البلد العريق إلى مرقد للموتى وساحة للتدخل الخارجي والنفوذ الأجنبي الذي زاد من أوار الحرب وحول الشعب وبلاده القديمة إلى أجندة روتينية في الأروقة البيروقراطية للمنظمات الإقليمية والدولية والأممية، وملف مختوم بالدم في الأدراج المخابراتية، وسط اتفاق سوداني-سوداني غير مكتوب: لن نتفق.
كان السودانيون في العاصمة السودانية الخرطوم في ليلة الجمعة التي سبقت إطلاق الرصاصة الأولى التي أعلنت عن بداية أكثر حروب البلاد مأساوية، منغمسون في فعالياتهم الرمضانية ومتجاوزين توترات تصريحات قادة الجيش والدعم السريع والتصعيد العسكري في شمال البلاد غافلين عن أن تلك الليلة ستكون آخر ليلة آمنة في منازلهم وعاصمتهم التي مزقتها الحرب على غفلة منهم لتصبح عاصمة للخراب والدمار.
حيث لم تكن أصداء غناء السودانيين في وسط الخرطوم على أنغام آخر حفل لفريق بيت العود قد توقفت بعد، لتخلف وراءها صمتًا قاتمًا يخيم على أرجاء العاصمة، بينما اندلعت الانفجارات وتناثر الرصاص هنا وهناك معلنةً بداية مرحلة من الدمار والفوضى مع حلول الصباح.
ومع ارتفاع أصوات الرصاص والاشتباكات في اليوم الأول للحرب أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على مواقع استراتيجية رئيسية غير أن الجيش نفى صحة ذلك.
بدأت آثار الصراع تظهر منذ اليومين الأوائل بتعليق المنظمات عملها وانسحاب الدبلوماسيين والرعايا الأجانب إذ أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن تعليق عملياته مؤقتاً في السودان بعد مقتل ثلاثة من موظفيه منذ بدء المعارك كما بدء اخلاء الفرق الدبلوماسية منذ 21 أبريل 2023.
وفي الشهر الثاني من الحرب قال إعلام مجلس السيادة السوداني إن رئيسه عبد الفتاح البرهان أعفى قائد الدعم السريع ونائبه السابق.
وبتاريخ 11 مايو 2023 انطلقت أولى وساطة برعاية سعودية-أمريكية (اتفاق جدة) بشأن وقف إطلاق النار لمدة سبعة أيام إضافة إلى إجراء ترتيبات لوصول المساعدات الإنسانية لكن القتال لم يتوقف ولم تفلح أي مبادرات إقليمية ودولية أخرى بعدها في توجيه الأطراف المتصارعة لوقف القتال حتى اللحظة.
صحيًا، تقدر وزارة الصحة الإتحادية بالسودان التكلفة المالية لإعادة تأهيل القطاع الصحي الذي تدمر من الحرب بـ(2.2) مليار دولار خلال العام الأول فيما أبدت عدد من الدول رغبتها في المساهمة في الخراب الذي أحدثته الحرب خاصة في مجال الصحة.
إنسانيًا، نزح ما يقرب من 12 مليون شخص، عبر أكثر من 3.8 مليون منهم الحدود إلى الدول المجاورة فيما يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى الدعم الإنساني، ويعاني أكثر من نصف عدد السكان- أي نحو 25 مليون شخص من الجوع الحاد، بحسب الأمين العام للأمم المتحدة الذي دعا في تصريح صحفي بمناسبة مرور عامين علي الحرب إلى إنهاء الصراع ـ العبثي ـ كما وصفه قائلاً إنه بعد مرور عامين من الحرب المدمرة، لا يزال السودان عالقا في أزمة ذات أبعاد مذهلة يدفع فيها المدنيون الثمن الأعلى”.
كما قال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين،فيليبو غراندي أن الحرب المستمرة منذ عامين أدت إلى ما هو الآن أسوأ أزمة إنسانية وأزمة نزوح في العالم، وقد تفاقمت بسبب الخفض الحاد في المساعدات الدولية.
محليًا، طالبت عدد من القوى السياسية بتوقف الحرب والوصول إلى حل تفاوضي وتجنيب السودانين مآسي الحرب.
وتمسك تحالف القوى الديمقراطية المدنية (صمود) بتشديده على ضرورة وقف الحرب إذ قال رئيسه عبد الله حمدوك اليوم إنه من المؤسف والمحزن أن التعنت والإصرار على الحسم العسكري ولو على حساب الوطن ومعاناة شعبنا المنكوب يقفان حجر عثرة أمام كل مبادرات المخلصين من أبناء السودان وجهود الإقليم والمجتمع الدولين.
وأضاف «أقول لطرفي القتال لا توجد حلول عسكرية مهما تطاول الأمد، وكفى معاناة شعبنا ودمار بلادنا. أمام المهددات التي تواجه الوطن لم يعد أمامنا اليوم وقت للمناورات وشراء الوقت، ولابد من خطوات عاجلة».
واعتبر أن إيقاف الحرب ممكن عبر مبادرة (نداء سلام السودان) التي أطلقها التحالف في شهر رمضان لإنهاء الحرب عبر خطوات عملية وواقعية وذات مصداقية تضم الأطراف الوطنية والإقليمية والدولية في عملية واحدة تضع حدًا للجمود الحالي.
وفي الأثناء، قال رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، في خطاب مصور بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب، إنه وسط هذا الركام الحراب بقي شيء لم يتحطم وهو إرادة الشعب للحياة الكريمة، وتمسكه بالفضائل التي طالما ميزته.
وتوجه برسائل للسودانيين بتصويب أبصارهم إلى المستقبل وتحويل الآلام إلى طاقة نحو السلام والمحبة لا الكراهية والبناء لا الخراب وتقليب البصيرة السديدة لإعادة للبلاد عافيتها، وإلى أطراف الحرب للدعوة لوضع السلاح.
ورأى الدقير أن الانتصار الحقيقي للوطن وشعبه هو إيقاف الحرب وقطع دابر فتنتها والإصغاء لصوت العقل والحكمة للوصول إلى وقف اطلاق للنار وبناء دولة كريمة توفر الحياة لأهلها دون تمييز.
كما أرسل رسالة إلى القوى المدنية بإتخاذ موقف يليق بحجم المآساة قائلاً إن الجميع مطالبون بأن يكونوا على قدر التحدي والمسؤولية وتجاوز الخلافات الصغيرة وانجاز توافق وطني واسع يفتح الطريق نحو سلام مستدام وانتقال ديمقراطي حقيقي واهداف ثورة 19 ديسمبر. كذلك وجه رسالة للمجتمع الدولي والإقليمي بأن حرب السودان مأساة انسانية تتطلب تجاوز الخطب الكلامية لسد الفجوة وتنسيق الجهود الدولية للمساعدة في إيقاف الحرب متأملاً أن يتم ذلك عبر مؤتمر لندن.
وفي بيان له، تمسك حزب التجمع الإتحادي بأنه لا يوجد حل عسكري ينهي هذه الحرب، لطبيعة أطرافها وطبيعة أسبابها وجذورها وامتداداتها التاريخية والجغرافية والأمنية والجيوسياسية.
وشدد على أن الأولوية في الوقت الحالي هي حماية المدنيين ورفع الكارثة الإنسانية التي خلقتها الحرب على مدى عامين وهذا يتطلب تضافر كل الجهود المحلية والاقليمية والدولية لتوفير الغوث الانساني الضروري لإنقاذ حياة السودانيين ولإدخال المساعدات.
أما حزب الامة القومي قال في بيان إن حرب 15 أبريل تمثل وصمة عار في جبين مشعليها وداعميها، وهي جريمة مكتملة الأركان، تُخالف تعاليم الأديان، وقيم الشعب السوداني، والأعراف الأخلاقية والإنسانية، لما شهدته من فظائع وإنتهاكات بشعة بحق المدنيين الأبرياء.
وأكد على أنه لا حل عسكرياً لهذه الأزمة الوطنية العميقة، وأن الواجب الوطني والتاريخي يفرض على جميع أبناء الوطن اغتنام هذه اللحظة المفصلية، لإيجاد معادلة وطنية عادلة تُشارك فيها القوى السياسية والمدنية والمجتمعية الرافضة للحرب، والداعمة لخيار السلام.
صراع غير نظامي
ورأى محللون سياسيون في حديث لـ«بيم ريبورتس» أن الحرب في السودان تحولت إلى صراع غير نظامي معقد تغذّيه تدخلات خارجية وانقسامات داخلية، وفشلت في تحقيق أهدافها السياسية، مع اقتراب سيناريو التقسيم والتشظي إلى كانتونات مسلحة.
وأجمعوا على أن نهاية الحرب لن تتحقق إلا عبر حل سياسي شامل يبدأ بالاستجابة للأزمة الإنسانية ويضمن وحدة البلاد، وسط غياب مؤشرات قريبة للتسوية، وتفاقم الكارثة الإنسانية والمجتمعية
المحلل السياسي عبد الرحمن الغالي قال لـ«بيم ريبورتس» إن الحرب بدأت كحرب شبه نظامية وانتهت كحرب غير نظامية استخدمت الدعم السريع فيها التكتيكات الثلاثة للحروب غير النظامية وهي التمرد بهدف إسقاط النظام والحلول محله، وحرب العصابات متمثلة في الضرب والهرب، وثالثاً الإرهاب بغرض ترويع المواطنين ونزع الثقة في الجيش وإظهار عدم مقدرته على حمايتهم ودفعهم للاستسلام لمطالبه.
وأضاف «غني عن القول وضوح وسفور العامل الأجنبي في الحرب لا سيما العامل الإماراتي وتوابعه من دول الجوار والاقليم»، معتبرًا أن كل هذه التطورات والتعقيدات حدثت في العامين السابقين وأوصلت البلاد لوضعها الحالي.
في المقابل، يرى الصحفي والمحلل السياسي، شوقي عبد العظيم، في إفادته لـ«بيم ريبورتس» إنه يمكن أن نرى بوضوح فشل مشروع الحرب السياسي الذي كان يسعى إلى تمكين الإسلاميين وقوى سياسية وحركات مسلحة متحالفة معهم منذ انقلاب 25 أكتوبر 2021 .
واعتبر عبد العظيم أن عوامل فشل المشروع الحرب ـ السياسي ـ أنه كان يعتمد على أن تكون الحرب سريعة وخاطفة في أسبوع أو أسبوعين يفرض بعدها الجيش سيطرته على البلاد والإسلاميين من خلفه ليفرضوا واقع جديد شبيه بما حدث في 1989 عند انقلابهم على السلطة مستخدمين الجيش نفسه، مضيفًا «لكن فشل خطة الحرب الخاطفة أفشل المشروع السياسي الذي دفعهم لإشعال الحرب».
سيناريوهات مزعجة
الغالي قال إنه بعد مرور عامين من اندلاع الحرب، فإن كل عوامل وفرص السيناريوهات المزعجة قائمة لا سيما مع وجود مصالح إقليمية ودولية وسهولة تأجيج الصراع وإذكائه.
وأضاف أن هناك تطور آخر خلال العامين هو تحول الحرب من حرب صراع على السلطة إلى استخدام شعارات سياسية قد تحول طبيعة الحرب، موضحًا أن ذلك بدأ باستخدام الدعم السريع لشعار استعادة الديمقراطية ثم محاربة الإسلاميين (الكيزان) ثم محاربة دولة 56 واستبطان أنها تمثل مكوناً اجتماعياً واحداً وانتهاءً بالتبشير بالسودان الجديد العلماني.
وحول احتمالية تقسيم السودان في ظل استمرار الحرب استبعد الغالي اتجاه البلاد للتقسيم على غرار النموذج الليبي إذا كان المعني بالتقسيم تكوين سلطة في دارفور في استقلال عن بقية السودان.
وتابع «ما يمنع ذلك الانقسام المجتمعي الحاد في دارفور لا سيما بعد استهداف الدعم السريع للمساليت في الجنينة وأردماتا وبعد حصاره للفاشر واعتبار سكان الفاشر لا سيما قبيلة الزغاوة أن الحرب صارت حرب وجود» .
وأشار إلى أنه حتى ولو سقطت الفاشر فلن يكون بمقدور الدعم السريع تكوين سلطة على غرار سلطة خليفة حفتر في ليبيا، لافتًا إلى ذلك الانقسام المجتمعي ينطبق أيضًا على جنوب كردفان وجبال النوبة حيث تنعدم كذلك فرص الانفصال.
ومع ذلك رأى الغالي أن هناك سيناريوهات أسوأ من التقسيم وهي التشظي وقيام كانتونات معزولة تحت لوردات حرب أو حتى تحت سيطرة الدعم السريع والحركات المسلحة الأخرى ( كحركة الحلو وعبد الواحد)، أو الفوضى وإزعاج الأمن حتى ولو انحسرت قوة الدعم السريع وذلك باستهداف المدن بالتدوين والمسيرات والعمليات الخاطفة، لا سيما إذا لم يتم تحييد المجتمعات من الانخراط في الحرب.
نهاية الحرب ليست وشيكة
استبعد الغالي أن تكون نهاية الحرب وشيكة، معتبرًا أن عوامل استمرارها متوفرة بشدة مثل الغبن الاجتماعي وتفكك النسيج وارتفاع النعرات القبلية والجهوية والثأرات بعد الموت الفظيع والانتهاكات وانتشار السلاح وتراجع الحس المدني لدى قطاعات عريضة من الشعب السوداني بالإضافة إلى ضعف القوى المدنية والسياسية في نفسها تنظيمياً وفكرياً وعجزها عن تقديم رؤى تحاصر الحرب، وضعف تأثيرها مع شحنات التجييش والعسكرة إضافة لعجزها عن فهم طبيعة الحرب والغرق في توصيفات خاطئة إما بسبب ضيق أفقها وغرقها في الصراع السياسي أو بسبب ارتباطات خارجية وداخلية جعلتها في غير صف الجماهير أو على الأقل باعدت تلك المواقف بينها وبين الشعب الذي رآها في غير صفه أو لا تهتم بمآسيه وفق ما يرى الغالي.
وتابع الغالي «لا ننسى الأجندة الإقليمية والدولية المتضاربة الطامع منها والمستفيد من استمرار الحرب بعضها طامع في موارد السودان أو بعض أرضه، وبعضها يستفيد من إضعاف السودان لضرورات أمنه القومي كما يرى، وبعضها يريد اضعاف السودان لأسباب أيديولوجية وبعضها ربما يتكسب من بيع السلاح».
ولفت الغالي إلى أن الحرب بغرض استيلاء الدعم السريع على السلطة قد فشلت لحد بعيد، منبهًا إلى أن الجهات الداعمة لها ستسعى لتبديل استراتيجيتها بتقوية الحركات المتمردة الأخرى، والضغط السياسي الدولي بفرض تسوية تُبقي على وضع التنازع الداخلي وتمنع تحقيق انتصار حاسم للجيش كما حدث عندما تغير ميزان القوى لصالح نظام الإنقاذ في حربه ضد الحركة الشعبية (حركة قرنق) بدخول عامل استخراج البترول.
وأردف «الآن يقوم تحالف (ALPS) بدور منبر شركاء الايقاد (IPF) السابق في سلام نيفاشا ويقترح التحالف نفس الخطوات السابقة البدء بعملية انسانية تعقبها عملية سياسية».
أربع مراحل لإنهاء الحرب
رأى الغالي في حديثه أن إجراءات إنهاء الحرب يمكن أن تمر بأربعة مراحل الأولى المسألة الانسانية وهي مرحلة تتطلب رؤية شاملة وليست مثل الرؤية الجزئية بفتح معابر محددة لإغاثة مناطق معينة وإنما رؤية شاملة وفق خطة تتفق عليها جميع الأطراف: الوسطاء وأطراف الحرب وفق معايير موضوعية بحسب ما أوضح.
والمرحلة الثانية هي وقف العدائيات لتمكين تنفيذ الخطة الإنسانية والتشاور على شروط وقف إطلاق النار بينما المرحلة الثالثة وقف إطلاق النار والذي ذكر أن الوصول إليه يحتاج لاتفاق إطاري (أو إعلان مبادئ) يتضمن ضمان وحدة السودان والجيش القومي المحتكر للسلاح ودمج كل المليشيات عبر برنامج DDR وفق المناسب للبلاد بعد تجربة الحرب، ومعرفة مصير الدعم السريع حتى لا يصير وقف إطلاق النار مجرد هدنة يتم فيها التقاط الأنفاس وتعويض نقص الأفراد والسلاح.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة فهي مرحلة الحل السياسي عبر التفاوض ويتم فيها إكمال الحل السياسي وإنهاء الحرب والدخول لمرحلة انتقالية وأشار إلى أن هذه المرحلة لا ينبغي أن تُترك لأجندة الدول الراعية للعملية السياسية ولا أطماع القوى المقاتلة ولا مخاوف الحكومة، بل يجب أن يتوحد العقل السياسي السوداني حول مصلحة السودان القومية ومطالبه والثوابت الوطنية التي ترسم الخطوط الحمراء التي لا ينبغي أن يتم تجاوزها.
وأوضح الغالي أنه إذا تم الوصول لنهاية الحرب وفق التصور أعلاه يمكن أن تكون هناك حكومة قومية من كفاءات مدنية تنبثق من الحوار السوداني السوداني يقتصر دورها على إعادة الإعمار وهي عملية ضخمة للغاية، في شراكة مع الجيش كضامن للفترة الانتقالية وحامي من المهددات الأمنية الداخلية والخارجية. بينما تتجه الأحزاب لترميم وتجديد وتنظيم نفسها استعداداً للانتخابات بعد نهاية الفترة الانتقالية حسب ما يتفق على مدتها في الحوار السوداني الجامع.
وشدد على أنه ليس هناك شرعية إلا شرعية التراضي الوطني القومي الناتج عن الحوار السوداني السوداني الجامع قبل الانتخابات والشرعية الديمقراطية الشعبية الانتخابية بعد الفترة الانتقالية.
التقسيم أقرب للتحقق من أي وقت مضى
المحلل شوقي عبد العظيم قال إنه لا يستبعد تقسيم السودان إلى أكثر من دولة، مضيفاً وربما هو أقرب للتحقق أكثر من أي وقت مضى والمؤكد أن هناك جهات تشجع هذا التوجه وفي مقدمة هذه الجهات الجيش نفسه في إدارته السياسية التي تسيطر عليها الحركة الإسلامية ولا تمانع دول كبرى في مساندة خطة التقسيم في حال تحقق استقرار وإن كان مؤقتا.
وتابع «من بين هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية والتقسيم سيكون بين الإسلاميين المتحكمين في الجيش والإسلاميين في الدعم السريع وبين من يسعون إلى حصاد ثمار الحرب بالسياسية في الدعم السريع والجيش».
وزاد «من بين المؤشرات توجه الدعم السريع نحو تأسيس حكومة في مناطق سيطرته في دارفور وانسحابه غربا وكذلك إهمال الجيش للمناطق في دارفور وما نشهده هذه الأيام من احتجاج مكتوم من قيادات الحركات المسلحة واتهامهم المبطن للجيش بتلكؤ في الدفاع عن الفاشر وفي مقدمتهم حاكم الإقليم مناوي».
لن تنتهي إلا بالاتفاق
وعن توقعاته لإنهاء الحرب يرى أن هذه الحرب لن تنتهي إلا بالاتفاق مستبعدًا أن تكون هناك نهاية عبر السلاح، مضيفًا للأسف سيناريو التقسيم يمكن أن يكون أحد الاتفاقات. وقال لا يمكن إن تقف إلا بزيادة الوعي الداخلي بعبثيتها وأنها لن تحقق مكسب للسودانيين وكذلك بتدخل دولي واقليمي قوي مسنودًا بالإرادة الشعبية والجماهيرية.
وتابع: يكفي أن البلاد الآن مدمرة ولا تستطيع حكومة الأمر الواقع الإجابة على أبسط الأسئلة المتعلقة باليوم التالي للحرب ويكفي فقط سؤال الاقتصاد.
ورأى إن الطريقة التي ستتوقف بها الحرب ستحدد مستقبل التحول المدني الديمقراطي في حال ذهبنا إلى سيناريو تقسيم البلاد بين المتحاربين سيتعقد مستقبل الديمقراطية والتحول المدني لحد بعيد ولكن في حال الحل التفاوضي السياسي الدبلوماسي لا بد من فرض شروط ثورة ديسمبر المتمثلة في الديمقراطية والحرية والعدالة والجيش المهني الواحد.
الحرب في أسوأ حالاتها
المتحدث بإسم تحالف القوى المدنية الديمقراطية صمود بكري الجاك يرى في حديثه لـ«بيم ريبورتس» أن الواقع معقد للغاية في ظل إصابة التفاوض بحالة شلل واستمرار الحرب في حالة من اللانهاية.
ويعتقد الجاك أن الحرب في أسوأ حالاتها حالياً وليس هناك ما يشير إلى اتجاهها للخمود والتراجع، مضيفًا «الانقسام الإجتماعي واضح للعيان والحقيقة أصبحت واضحة أن استمرار الحرب له تبعات تنموية وكارثية على وحدة البلاد».
وفيما يتعلق باتجاه البلاد نحو التقسيم يعتقد الجاك أن السودان عملياً تقسم وأصبح ذلك واقعاً على حد قوله.
ولفت إلى أنه مع ذلك هناك فرق بين التقسيم الرسمي لدول، وأن السؤال هو: هل ستتحول إلى مشروع مستقبلي يأخذ شكل من أشكال الشرعية والقبول الدولي وغيره؟، مشيرًا إلى أن المؤشرات توضح أن الأمر يمكن أن يقود إلى تفتت وتقسيم وحالة من عدم الاحترام لمدى طويل.
ويشير إلى أن السودان مقسم لأربع مناطق حاليًا منطقة تحت سيطرة عبد العزيز الحلو ومنطقة تابعة للجيش ومنطقة الدعم السريع ومنطقة قائد جيش تحرير السودان عبد الواحد محمد نور مع اختلاف الأوضاع الأمنية والخدمية فيها.
ويرى الجاك أنه لا يمكن أن نحكم حالياً بأن نهاية الحرب أصبحت وشيكة أم لا خاصة في ظل عدم وجود مؤشرات للتفاوض ولا عملية سياسية واضحة توضح متى سيتم وقف إطلاق النار، لكنه يشير إلى أن ذلك لا يمنع حدوث اختراقات عما قريب تأتي بنتائج.
كما يرى أنه لا يمكن الحديث عن الانتخابات والديمقراطية ما لم يتم وقف إطلاق النار واستقرار المواطنين وعودة النازحين واللاجئين ونظافة المدن ودفن الجثث واستعادة الخدمات الدولة من كهرباء ومياه وفتح المدارس واستعادة الحياة المدنية حتى بعدها يمكن الحديث عن ترتيبات سياسية لقانون الانتخابات والدستور وإلى ذلك تبقى الاولوية للجانب الإنساني.