تنشر «بيم ريبورتس» في العاشر من مايو المقبل تحقيقًا عن مسارات تهريب الذهب النشطة في السودان بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023 والذي يجري تهريبه عبر أربع من دول الجوار ودولتين إقليميتين، وصولًا إلى محطته النهائية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
خلال التحقيق تجولت «بيم ريبورتس» مع مصادر عليمة بعمليات التهريب عبر مسارات تهريب نشطة محمية بالسلاح تضم شبكات داخلية وخارجية تكالبت على ذهب السودان، في خضم حرب خلقت فوضى أمنية بالغة، في ثالث أكبر بلد إفريقي منتج للذهب.
وبينما أعلنت الحكومة السودانية عن خطط جديدة لمكافحة التهريب في مناطق سيطرتها، كشف تحقيقنا عن ارتفاع صادرات الذهب في دول: أوغندا، تشاد، ومصر، مقابل انخفاض صادرات البلاد الرسمية من الذهب خلال عامين من الحرب، إلى قرابة نصف الإنتاج.
كذلك يتتبع تحقيقنا تصاعد إنتاج الذهب في البلاد بدايةً من عام 2012 بعد استقلال جنوب السودان في 2011 حيث أصبح بديلًا للنفط في الموازنة العامة للحكومة، بالإضافة إلى دراسة سياسات بنك السودان المركزي النقدية، في بعض الفترات، والتي أثرت سلبيًا في تزايد عمليات تهريب الذهب.
كما يرصد التحقيق أيضًا، الصراعات في السيطرة على مناجم الذهب بين المجموعات المسلحة والشركات الأجنبية، وكيف ساهم تهريبه على مدى عامين في تغذية الحرب في السودان، وكيف يغيّر الوسطاء والتجار العابرون للحدود في منشأ الذهب السوداني وتحويله إلى جنسيات الدول المهرب إليها بأوراق جديدة، رغم قدرة المعامل على كشف خصائص الذهب السوداني الجينية، لكن الشبكات المتورطة لا تأبه لذلك.
يمكنك قراءة ملخصنا حول تحقيق مسارات تهريب الذهب النشطة في السودان، من هنا:
«في الحدود التشادية يتسلم وسطاء وشركات، الذهب المهرب من مناجم جبل عامر بشمال دارفور ومناجم أغبش وأكثر من عشرة مناجم أخرى في منطقة سنقو بولاية جنوب دارفور في غربي السودان، ومن ثم يذهبون به إلى مدينتي أدري وأبشي ومنها إلى أنجمينا وهناك تستخرج له أوراق رسمية باعتباره ذهبًا تشاديًا، ومن ثم يُصّدر عبر مطار أنجمينا إلى مطار دبي لتكون دولة الإمارات العربية المتحدة محطته النهائية». يقول (محمد) -اسم مستعار- وهو تاجر ذهب سوداني كبير على صلات واسعة بالحكومة السودانية وحكومات في دول الجوار وزار عدد من مناجم الذهب في البلاد في مقابلة مطولة مع «بيم ريبورتس» في تحقيق أجرته عن مسارات تهريب ذهب السودان ووجهته النهائية خلال عامين من الفوضى في ظل حرب مدمرة.
ويُشعل الذهب في السودان تنافسًا محمومًا في الحصول على الموارد بين الحكومة والجماعات المسلحة في جميع أركان هذا البلد الإفريقي الذي تعصف به حرب دموية دخلت عامها الثالث، حيث كان وما زال الذهب، يمثل أحد أبرز مصادر تمويلها.
بعد استقلال جنوب السودان في يوليو 2011 وذهاب أكثر من ثلثي النفط مع البلد الجديد، بدأ السودان في مضاعفة إنتاجه من الذهب والاعتماد عليه في محاولة لتعويض فقدانه الذهب الأسود (النفط).
وخلال سنوات معدودة أصبح الذهب موردًا رئيسيًا ومصدرًا كبيرًا لرفد الخزانة العامة بمليارات الدولارات. لكن مع ذلك، لم تستفد منه البلاد بشكل كبير نسبة لعمليات التهريب الكبيرة والواسعة التي تتم سواء عبر المنافذ الرسمية للبلاد مثل المطارات والموانئ البرية الحدودية أو البحرية. أو من خلال عمليات تهريب سرية، من المناجم المنتشرة في شمال وغرب وشرق وجنوب البلاد، سواء من خلال المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعات مسلحة أو تحت سيطرة الحكومة، حيث تسبب الانقسام السياسي والعسكري بعد الحرب في إعادة تقسيم وترسيم مناجم الذهب في السودان، بناء على خريطة السيطرة العسكرية للأطراف المتحاربة، خاصة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في شرق وشمال وغرب البلاد.
قادتنا هذه الخارطة العسكرية الجديدة في السيطرة على مناجم الذهب إلى تتبع مسارات تهريبه، حيث تمكنا عبر مصادر عليمة، في تحديد المسارات النشطة لتهريب الذهب في شمال وشرق وجنوب غرب وغرب البلاد والتي ترتبط بأربع من دول جوار السودان، وهي دول: تشاد، جنوب السودان، ومصر وليبيا، بالإضافة إلى دولتي جوار إقليمي هما كينيا وأوغندا، فيما تمثل دولة الإمارات العربية المحطة النهائية لمعظم الذهب المهرب من السودان.
التحقيق كشف أيضًا أن معظم الدول المذكورة تضاعفت صادراتها من الذهب خلال عامين من الحرب، في مقابل انخفاض صادرات البلاد الرسمية من الذهب.
ويبدو أن عمليات التهريب المتعاظمة للذهب خلال عامين من الحرب قد أثارت قلق الحكومة السودانية، أخيرًا. حيث أعلن مدير الجمارك السودانية، صلاح أحمد إبراهيم، خلال اجتماعه مع المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة، محمد طاهر عمر، في 26 أبريل 2025، عن خطة محكمة تشمل عمليات الرقابة لمنافذ ومعابر البلاد باستخدام الطيران المسير والأجهزة الحديثة، مؤكداً قدرة قوات الجمارك على إحباط عمليات التهريب.
وتتم عمليات تهريب الذهب المحمية بالسلاح في دارفور غربي السودان عبر شبكات واسعة تضم مسلحين ووسطاء دوليين وشركات ومسؤولين حكوميين، يسلك فيها المهربون طرقًا معقدة وسط مخاطر جمة.
«يحمل رجال مسلحون على متن دراجات نارية ذهب السودان المهرب من جنوب دارفور وصولًا إلى الجنينة في غرب دارفور ومنها إلى أدري التشادية عبر عدة منافذ. هناك على جانبي الحدود أيضًا، يتحرك التجار والوسطاء بعربات دفع رباعي مسلحة، وآخرون أيضًا يعبرون إلى الأراضي التشادية تحت حماية عناصر مسلحة من الدعم السريع في خدمة مدفوعة الثمن»، يقول (محمد).
ويضيف «يصل المهربون أيضًا من مناجم جبل عامر في شمال دارفور عبر كورنوي وغيرها من المناطق الصغيرة في مسارات معقدة ومحمية بالسلاح إلى الأراضي التشادية المكتظة بالوسطاء والشركات التشادية والأجنبية مثل الشركات الإماراتية، والذين ما إن يستلموا الذهب المهرب، حتى يذهبوا إلى أبشي ومنها إلى العاصمة أنجمينا ومن مطارها إلى مطار دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة».
وتمثل منطقة سنقو بجنوب دارفور أيضًا مسارًا ثانيًا لتهريب الذهب إلى جنوب السودان.
وتوجد في سنقو عدد من المناجم، بالإضافة إلى منطقة كفيا كنجي على الحدود مع جنوب السودان، حيث يتم تهريب الذهب وسط فوضى أمنية عالية، في رحلته إلى جوبا عاصمة جنوب السودان ومنها إلى كينيا وأوغندا.
ليست دارفور وحدها، ففي مناطق جنوب كردفان الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية-شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو تنشط أيضًا عمليات تهريب الذهب من مناجم التعدين التقليدية عبر مسار صغير إلى جنوب السودان.
أما في شمال السودان، يتم استخدام طرق التهريب الصحراوية القديمة نفسها التي يهرب بها البشر لتهريب الذهب انطلاقًا من منطقة أبوحمد أكبر أسواق الذهب، في مسارات يعرفها المهربون جيدًا، وصولًا إلى الحدود المصرية، سواء في شلاتين التي تحتلها القاهرة، أو قرب معبر أرقين أو أسوان.
على جانبي الحدود السودانية – المصرية، يترجل المهربون من سياراتهم مسنودين بشبكة حماية مسبقة تضم مسؤولين سودانيين ومصريين، حيث الأدلاء ينتظرونهم على سيارات الأجرة، ثم يعبرون إلى الأراضي المصرية محملين بذهب السودان.
أما بالنسبة لشرق السودان، في بورتسودان أقصى شمال شرق البلاد، يتسلم التجار ذهبهم في السوق الشعبي، ثم لا يأخذون وقتًا طويلا، حتى يسلمهم له المهربون في أسوان المصرية.
وهكذا يبدو ذهب السودان بعد عامين من الحرب، تحت قبضة من شبكات المصالح العابرة للحدود، وهو يلمع في بلدان أخرى تمنحه منشأها.
تم دعم هذه القصة من قبل كود فور أفريكا (Code for Africa) وتم تمويلها من قبل الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ).