كيف قاد إعلان توظيف مريب إلى الكشف عن شبكة تضليل مرتبطة بـ«الدعم السريع» والإمارات؟

  مقدمة:

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، لم تتوقف الآلة الإعلامية لكلا الطرفين عن بثّ أخبار المواجهات العسكرية والتحركات الميدانية والخطوات السياسية المرتبطة بالصراع؛ غير أن هذه التغطية الإعلامية لم تخلُ من التلاعب والتضليل، إذ سرعان ما برزت شبكات واسعة تُعنى بصناعة محتوى مضلل يخدم أهداف طرفي النزاع.

وفي إطار جهود مكافحة التضليل، كشف «مرصد بيم» عن عدد من شبكات السلوك الزائف المنسق (CIB)، بعضها يصبّ في مصلحة الجيش السوداني، فيما يخدم الآخر مصالح «الدعم السريع». وتنوعت أساليب هذه الحملات، ما بين ترويج الشائعات وتضخيم الانتصارات والتلاعب بالصور ومقاطع الفيديو، وصولًا إلى استهداف شخصيات عامة وتشويه الوقائع المرتبطة بسير المعارك.

يكشف هذا التقرير الاستقصائي عن استمرار أنشطة التضليل وتطورها؛ فما بدا في البداية وكأنه إعلان توظيف عادي لصحفيين سودانيين، قاد فريق «بيم ريبورتس» إلى اكتشاف عملية رقمية مربكة، تديرها شركة إعلامية وهمية تُدعى «Bridle360»، فيما ترتبط إعلانات توظيف الشركة بشبكة منسّقة من الحسابات على منصة «إكس» (تويتر سابقًا)، تنشر روايات مؤيدة لقوات الدعم السريع «RSF»، وداعمة للأدوار الإماراتية في السودان بوصفها «إيجابية»، في حين تُخفي هويتها خلف نطاقات مجهولة وحسابات مزيفة ونشاط رقمي مريب.

إعلان وظيفة:

في السابع من مارس 2025، انتشر على منصة «إكس» إعلان توظيف من جهة تُدعى «Bridle360»، يعرض فرصة لانضمام مراسلين ميدانيين في مناطق النزاع في السودان. وصيغ الإعلان بلغة رسمية ومحترفة، مع التركيز على مجالات تغطية حساسة، مثل الأوضاع الإنسانية والتحركات العسكرية والجرائم والانتهاكات والقضايا السياسية والدبلوماسية المرتبطة بالنزاع. ووعد الإعلان بحوافز مالية تتراوح بين 300 إلى 500 دولار أمريكي، وهو عرض يبدو مغريًا بالنظر إلى الانهيار الاقتصادي الذي يعانيه السودان والحاجة المتزايدة إلى مصادر دخل بديلة. ولم نجد الإعلان على أيّ منصة أخرى غير «إكس».

وفّر الإعلان وسيلتين للتواصل مع المنصة، هما: بريد إلكتروني ورقم هاتف يبدأ برمز دولي باكستاني (92+)، في حين يذكر الموقع الإلكتروني للمنصة أن مقرها في فرنسا، وهو تناقض أولي أثار تساؤلات بشأن طبيعة الجهة المشغلة.

ومع أنّ إعلان التوظيف بدا احترافيًا، إلا أنّ غياب أيّ معلومات واضحة عن هوية المنصة، وعدم وجود نشاط صحفي فعلي على موقعها الإلكتروني، إلى جانب التضارب الجغرافي، شكّل أولى الإشارات التي دفعت إلى التوسع في التحقيق بشأن حقيقة «Bridle360» والأهداف الفعلية وراء حملة التوظيف التي أطلقتها.

صورة «1»: إعلان التوظيف المنشور على منصة «إكس».

دعا إعلانُ التوظيف المتقدمينَ إلى تحميل تطبيق «Bridle360 Reporter» وتقديم طلباتهم عبره، دون الإشارة إلى أيّ خطوات تحقق أو مقابلات مهنية معتادة. وعند البحث في وصف التطبيق، تبيّن أنه يهدف، بالأساس، إلى المساعدة في إعداد التقارير الميدانية عبر طريقة احترافية. فيما أظهرت بيانات مطور التطبيق على «قوقل بلاي ستور» أنه يقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة.

الصورتان «2» و«3»: توضحان خدمة شبكة التقارير ضمن خدمات المنصة ومعلومات التطبيق من «قوقل بلاي ستور».

جرّب فريق «مرصد بيم» التسجيل في تطبيق «Bridle360 Reporter»، ووجد أن عملية التسجيل لا تتم من داخل التطبيق كما هو متوقع في العادة، بل عبر استمارة إلكترونية منفصلة يتوصل إليها من خلال رابط خاص. وتشترط هذه الاستمارة إدخال بيانات شخصية شاملة، مثل: الاسم والعنوان والسنّ والجنس والجنسية والمؤهل الدراسي ورقم الهاتف وعنوان البريد الإلكتروني، إلى جانب إنشاء كلمة مرور خاصة، مع ضرورة الموافقة على الشروط والأحكام. وعند الانتهاء من التسجيل، يمكن للمستخدم تنزيل التطبيق وتسجيل الدخول باستخدام البريد الإلكتروني وكلمة المرور المسجلين مسبقًا.

ومن خلال تتبع سير العمل داخل التطبيق، وجدنا أن المهام تُعرض وفق أربع تصنيفات رئيسة: (مهام جديدة، ومهام جارية، ومهام منتهية، ومهام منتهية الصلاحية). وعند فتح المهمة، يُطلب من المستخدم تعبئة تفاصيل الحدث، وتحديد الموقع الجغرافي بدقة، وإرفاق الصور ومقاطع الفيديو الداعمة، ثم إرسال التقرير عبر التطبيق.

الصورة «4»: توضح خطوات استخدام التطبيق والتسجيل.

واصل فريق المرصد بحثه عن تفاصيل منصة «Bridle360» نفسها، وتبيّن أنها منصة خاصة بإدارة الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ومساعدتها على النمو، كما تساعد في تحليل أداء الحسابات، بالإضافة إلى بناء شبكات تواصل اجتماعي لإنتاج تقارير وبيانات. ولكن المريب أن المنصة ليس لها وجود فعلي على أرض الواقع، وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي ذات أثر ضعيف جدًا، إذ لديها ستة متابعين على منصة «فيسبوك» وأربعة متابعين على منصة «إنستغرام».

الموقع الإلكتروني للمنصة:

عند فحص الموقع الإلكتروني الخاص بالمنصة تبرز جملة من الملاحظات التي تشير إلى غموض يحيط بهوية المنصة وأهدافها الفعلية؛ إذ أُنشئ النطاق في الثامن من يوليو 2024، عبر شركة تسجيل نطاقات باسم «Namecheap»، مع تفعيل خدمة «إخفاء بيانات التسجيل» عبر شركة «Withheld for Privacy ehf» الموجودة في آيسلندا، مما يحجب معلومات المالك الحقيقي للنطاق عن العامة. وحُدّث النطاق آخر مرة في 18 أكتوبر 2024، وهو مسجل لمدة قصيرة تنتهي في الثامن من يوليو 2025، مما يشير إلى احتمال التخطيط لاستخدام قصير الأمد.

ولا يحتوي الموقع الإلكتروني على أيّ معلومات بشأن الفريق المؤسِّس أو أسماء القائمين على المنصة أو عناوين اتصال موثوقة. كما لم يتمكن فريق المرصد من التوصل إلى أسماء أيّ موظفين أو مديرين يعملون في المنصة على «لينكد إن» أو أيّ وسائل تواصل اجتماعي أخرى. وأيضًا، لا يعرض الموقع أيّ ترخيص أو رقم تسجيل تجاري يمكن التحقق منه، سواء في السودان أو الإمارات.

وفيما يخص العنوان الجغرافي، يذكر الموقع أن مقر المنصة، يقع في مدينة «أنجيه» (Angers)، ضمن مقاطعة مين-إي-لوار (Maine-et-Loire) في إقليم بايي دو لا لوار (Pays de la Loire) بفرنسا، غير أن هذا العنوان يتناقض مع البيانات الفنية الأخرى المرتبطة بالمنصة، مثل عنوان المطور المرتبط بتطبيق «Bridle360 Reporter» على متجر «Google Play» الذي يشير إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ورقم الهاتف في الإعلان الذي يشير إلى باكستان. وهذا التناقض بين العنوان المعلن والبيانات الفنية يعزز الشكوك بشأن طبيعة المنصة، ويثير احتمال استخدام عنوان أوروبي مزيف بغرض منحها مظهرًا دوليًا أكثر مصداقية.

وإجمالًا، توحي طبيعة تسجيل النطاق وغموض هوية المنصة وضعف حضورها الرقمي إلى جانب تضارب العناوين الجغرافية، بأن «Bridle360» ليست سوى واجهة وهمية أو قشرة رقمية مصممة لخدمة أغراض غير شفافة، مرتبطة –على الأرجح– بحملات تضليل رقمية منسقة تستهدف النزاع الجاري في السودان.

سلوك زائف منسق؟

رصد «مرصد بيم» مجموعة من الحسابات التي شاركت في نشر إعلان التوظيف الذي نُشر، في اليوم نفسه، على جميع هذه الحسابات، مما يوحي بوجود تنسيق مسبق. كما أنّ جميع هذه الحسابات لديها سمات مشتركة فيما بينها.

حسابات نشرت الإعلان:

1

ماهر

(1,051) متابع

2

زينه صلاح

(940) متابع

3

نادية

(694) متابع

4

عصام السنوسي

(668) متابع

5

ابراهيم صالح

(662) متابع

6

اسراء بدر

(616) متابع

7

ابراهيم

(570) متابع

8

يوسف اسماعيل

(566) متابع

9

لينا دهمان

(247) متابع

10

نورا الشيخ محمد

(125) متابع

أنشئت معظم هذه الحسابات في يونيو 2024، فيما أنشئت البقية ما بين مايو إلى نوفمبر من العام نفسه، مع الأخذ في الاعتبار أن صفحة «هاشتاق السودان» –التي تنشر إعلانات مدفوعة القيمة على منصة «إكس»– كانت قد أعلنت أن الإطلاق التجريبي للمنصة كان في نوفمبر 2024، في حين أعلن، عبر الصفحة نفسها، أن الإطلاق الرسمي في 20 فبراير 2025. وبعد أسبوعين من إطلاقها، نُشر إعلان التوظيف. ويلاحظ أن جميع هذه الحسابات تضع صورًا شخصية غير حقيقية، بعضها يعود إلى مشاهير في مجالات مختلفة، وبعضها صور منتشرة على الإنترنت. وأظهرت التحليلات الزمنية أن معظم هذه الحسابات نشرت إعلان التوظيف في اليوم نفسه تقريبًا، بفوارق زمنية متقاربة جدًا، وهو ما يؤكد السلوك المنسق لمجموعة الحسابات، ويعزز فرضية أنّها تدار بطريقة مركزية.

الصورة «5»: رسم بياني عبر أداة «Meltwater» يوضح مدى وصول محتوى الإعلان على منصة «إكس» في الفترة من 20 نوفمبر 2024 إلى 31 مارس 2025.

سردية حربية موحدة:

أظهر تحليل المحتوى الذي تنشره مجموعة الحسابات وتشاركه أنها تركز على إستراتيجية حربية تتماهى مع سردية «الدعم السريع» وتعززها، فيما يتعلق بالصراع الدائر في السودان وأوضاع النازحين، وتنشر محتوى على ذات النسق، كما تعيد نشر منشورات مشابهة من الحسابات نفسها، والتي تؤيد جميعها «الدعم السريع» وتهاجم الجيش السوداني والقوات المساندة له. 

ولاحظ فريق المرصد وسومًا مشتركة تنشرها جميع هذه الحسابات مثل: «#السودان» و«#السودان_ينتصر» و«#عزل_البرهان». فيما تتداول جميع هذه الحسابات مقاطع فيديو خاصة بـ«الدعم السريع» مع عبارات وجُمل يستخدمها عادةً مؤيدو «الدعم السريع»، لا سيما تلك المستعملة ضد الجيش السوداني. كما أنها تنقل تصريحات من حسابات تُعد موالية لـ«الدعم السريع» وجزءًا من دعايتها الحربية، وكل ذلك بمستوى واضح من التنسيق. واتضح أن جميع هذه الحسابات، كانت تنشط –قبل نشر إعلان التوظيف– في نشر محتوى يدعم سردية «الدعم السريع» بشأن جنوحه إلى السلام في ظل تعنت الجيش ومواصلته القتال. كما تنشر محتوى عن دور الإمارات في تقديم المساعدات للسودان، وهو الخط الذي تنتهجه معظم الشبكات المضللة لمصلحة «الدعم السريع» والمرتبطة بدولة الإمارات.

وظهر النسق المكرر في نشر بيانات «الدعم السريع» بشأن ارتكاب الجيش السوداني «مجازر» ورفضه السلام، وفي تبرير قتل المدنيين بحجة أنهم مستنفرون مع الجيش، مع التعبير عن رغبة «الدعم السريع» في بسط الأمن وتحقيق العدالة للسودانيين. ويدور محتوى هذه الحسابات حول هذا النسق، سواء عن طريقة كتابة منشورات بالجُمل أو الصيغ نفسها، أو تغييرها، أو إعادة نشر محتوى حسابات تردد هذه السرديات. كما أنها تروّج القوة القتالية لـ«الدعم السريع» عند دخولها إلى أيّ مدينة. كما روجت، بعد انسحابها من بعض المدن، محتوى بشأن تورط الجيش في «تصفية مواطنين أبرياء».

ويظهر جليًا أن السرديات التي تتبناها «الدعم السريع» والحسابات الإعلامية الموالية لها، كانت السمة الأساسية المشتركة بين جميع حسابات التي نشرت إعلان التوظيف، مما يوحي بأنها قد تكون شبكة تضليل رقمية تعمل لمصلحة «الدعم السريع» ضد الجيش السوداني.

حسابات مقيّدة:

بمراجعة الحسابات التي تداولت إعلان التوظيف، وجد فريق المرصد أن منصة «إكس» عطلت بعض هذه الحسابات، مما يشير إلى وجود خلل في هذه الحسابات أو مخالفاتها سياسة الإستخدام الخاصة بالمنصة.

علاقة مريبة:

لاحظ فريق المرصد أنّ حسابًا واحدًا يتفاعل، دوريًا، مع حساب المنصة على «فيسبوك»، وهو حساب خاص بمدير شركة تسويق إلكتروني تسمى «Vibrant Media» مقرها في باكستان، وهي شركة تختص بتطوير المواقع الإلكترونية وتحليل البيانات والتسويق الإلكتروني وتصميم حملات إعلانية وتطوير المنصات الخاصة بعملائها. ومن خلال البحث المعمق، توصل الفريق إلى أن منصة «Bridle360» أحد عملاء شركة «Vibrant Media».

الصورة «17»: توضح أن المنصة أحد عملاء شركة «Vibrant Media».

تواصل «مرصد بيم» مع المؤسستين للحصول على تعليق رسمي بشأن العلاقة بينهما وإعلان التوظيف والحسابات التي نشرته. وفي حين لم يحصل المرصد على رد من منصة «Bridle360»، قالت شركة «Vibrant Media» إن صلتها بـ«Bridle360» اقتصرت على مهمة قصيرة في سبتمبر 2024، تمثلت في تصميم موقع إلكتروني ونشر بعض المنشورات الدعائية على منصتي «فيسبوك» و«إنستغرام»، دون أيّ دور في إدارة الحسابات أو صياغة المحتوى بعدها. كما ذكرت أن تعاملها مع المنصة كان من خلال وسيط، وأنها لم تتواصل، على نحو مباشر، مع مؤسسي «Bridle360» أو فريق المنصة، ولم تكن لها صلة بحساباتها على منصة «إكس» أو بأيّ نشاط يتعلق بنشر معلومات مضللة – بحسب ما ذكرت. وركزت «Vibrant Media» على أن خدماتها لا تشمل إدارة وسائل التواصل الاجتماعي على نحو دائم، وأنها لا تدعم أو تشارك في أيّ سلوك غير موثوق أو حملات تضليل.

إعلان توظيف وشبكة سلوك زائف منسق: ما الهدف المحتمل؟

ارتبط إعلان التوظيف الذي نشرته منصة «Bridle360» بشبكة من الحسابات التي أظهرت سلوكًا زائفًا منسقًا على منصة «إكس»، ما يفتح المجال لعدد من الاحتمالات بشأن الأهداف الحقيقية لهذه العملية. إذ جاء الإعلان الذي وعد برواتب تتراوح بين 300 إلى 500 دولار أمريكي، في وقت يشهد فيه السودان أزمة اقتصادية خانقة، مع تراجع مصادر الدخل على نحو حاد عقب اندلاع الحرب، وانهيار شبكات الأعمال التقليدية، مما يجعل مثل هذه العروض تبدو مغرية نسبيًا لعدد كبير من الباحثين عن فرصة عمل.

ومع أن الإعلان قُدّم على أنه فرصة مهنية لمراسلين ميدانيين، إلا أن المنصة المرتبطة به  «Bridle360»، لا تعرّف نفسها، على موقعها الإلكتروني، بأنها جهة إخبارية أو صحفية، بل تعرض خدماتها بصفتها مزودًا لحلول تحليل حسابات وسائل التواصل الاجتماعي وإدارة الشبكات الرقمية، دون أيّ إشارة إلى نشاط إعلامي أو تغطية ميدانية. وإلى جانب غياب أيّ سمة إعلامية واضحة، فإن عدم توفر أيّ معلومات موثوقة عن هوية المنصة أو القائمين عليها يعزز الشكوك بشأن مدى وجودها أصلاً. وفي إطار التحقق من هذه المعطيات، تواصل فريق المرصد مع المنصة عبر عنوان البريد الإلكتروني المدرج على موقعها الإلكتروني، إلا أنه لم يتلقَ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير. وهذا التناقض بين طبيعة المنصة –وفق ما تقدم به نفسها– ومضمون الإعلان الذي روّجته، إلى جانب غياب الشفافية، يثير تساؤلات جدية بشأن الغرض الحقيقي من محاولة استقطاب أفراد عبر هذا المسار.

وفي ضوء هذه المعطيات، تبرز مجموعة من الاحتمالات الممكنة؛ من بينها أن الهدف قد يكون بناء واجهة إعلامية وهمية، عبر استقطاب أفراد يُقدمون لاحقًا بوصفهم «مراسلين» أو «مراقبين ميدانيين»، يعملون على ضخ محتوى مصاغ مسبقًا لخدمة مصالح «الدعم السريع»، مع إعطائه مظهرًا من الاستقلالية والمصداقية. ويُعد استخدام الشبكات الشخصية، بغرض تضخيم رواية سياسية أو عسكرية، أسلوبًا معروفًا في حملات التضليل الرقمي، إذ يعتمد على دمج أصوات حقيقية أو شبه حقيقية في خطاب موجّه بدقة.

كما أن الهدف قد يكون أبعد من مجرد التضليل الإعلامي المباشر، إذ قد يتعلق بجمع معلومات ميدانية يمكن أن تخدم أغراضًا استخباراتية لمصلحة «الدعم السريع» أو الجهات الداعمة له. وقد يكون توظيف «مراسلين ميدانيين» وسيلةً للوصول إلى بيانات عن تحركات القوات والأوضاع الإنسانية في مناطق النزاع أو الخرائط الاجتماعية الجديدة للنزوح والتهجير. وربما يضطلع تطبيق «Bridle360 Reporter» –الذي طُلب من المتقدمين تحميله– بدور في جمع معلومات حساسة بطريقة مهيكلة.

وهنا تجدر الإشارة إلى خطورة استخدام تطبيق «Bridle360» ومشاركة البيانات الشخصية عبره، خاصةً مع غياب الشفافية بشأن الجهة المشغلة أو حماية الخصوصية، إذ قد تُستغل المعلومات التي يقدمها المستخدمون، مثل مواقعهم وتفاصيلهم الشخصية، لأغراض لا علاقة لها بالتوظيف، لا سيما في بيئة حرب مفتوحة كالتي يشهدها السودان.

خاتمة:

في ظل استمرار الحرب وتعقّد مساراتها السياسية والعسكرية، يبرز التضليل الإعلامي ضمن أبرز التحديات التي تواجه الرأي العام السوداني والمراقبين الدوليين على حد سواء؛ فالمعركة لم تعد تُخاض فقط بالسلاح، بل تحولت إلى صراع على تشكيل الوعي بالمعلومات، تسعى فيه الأطراف المتحاربة إلى كسب الشرعية والتأييد عبر سرديات مصنوعة بعناية.

ويفرض هذا الواقع ضرورة تعزيز آليات التحقق من المعلومات وتمكين الصحافة المستقلة والعمل على التوعية المستمرة للجمهور، لا سيما في ظل تنامي استخدام الأدوات الرقمية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في توجيه المحتوى المضلل؛ فمن دون إعلام مسؤول وشفاف ستبقى الحقيقة أسيرة للدعاية، وسيبقى المواطن ضحية في حرب لا تكتفي باقتناص الأرواح، بل تسعى أيضًا إلى تغييب العقول.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع