حملات نشطة للتضليل وتضخيم المحتوى لمصلحة القوات المساندة للجيش السوداني: صراع السرديات والنفوذ

 

حين اندلعت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، حاول كل طرف أن يحشد حلفاء من المجموعات المسلحة والقوى المدنية والسياسية. ولتعزيز موقفه العسكري والميداني، استمَالَ الجيش السوداني إلى جانبه الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، وأعلن عن الاستنفار في عموم ولايات السودان واستعان، بـ«المقاومة الشعبية»، بالإضافة إلى بعض القوى الأخرى المتنوعة سياسيًا وإثنيًا.

ومن أبرز القوات المساندة للجيش السوداني: القوات المشتركة للحركات المسلحة (حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم) وكتيبة «البراء بن مالك» إلى جانب قوات «درع السودان» بقيادة أبو عاقلة كيكل الذي تحالف مع «الدعم السريع» في بداية الحرب قبل أن يعلن لاحقًا عن انضمامه إلى القتال في صفوف الجيش السوداني.

ونتيجة لتباين القوات المتحالفة مع الجيش وتنوع خلفيّاتها، حدثت بينها مشاحنات كثيرة على أرض الواقع وفي مواقع التواصل الاجتماعي، مما فتح الباب أمام حملات تضليل وتضخيم محتوى، عبر مجموعة من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، لمصلحة القوات المقاتلة مع الجيش كلٌّ على حدة.

القوات المشتركة: ظهور لافت وانتقادات موجهة

منذ انضمام القوات المشتركة للحركات المسلحة، خاصةً حركتي تحرير السودان بقيادة مناوي والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، إلى القتال مع الجيش السوداني في أبريل من العام 2024، واجهت العديد من الانتقادات، لاتخاذها موقف الحياد في بداية الحرب، وتأخرها في الإعلان عن موقفها والقتال مع الجيش، مما دفع البعض إلى اتهامها بالبحث عن مصلحتها السياسية مع الطرف المنتصر. فيما ظهرت مجموعة من الحسابات والمجموعات على منصتي «فيسبوك» و«إكس»، تنشط في نشر محتوى مضلِّل ومضخَّم لمصلحة القوات المشتركة منذ بداية مشاركتها في القتال. ولاحظ «مرصد بيم» أن التضخيم والتضليل يتوسع وينشط أكثر خلال المعارك والفترات التي تليها وفي أوقات التوترات السياسية والاجتماعية في مناطق انتشار القوات المشتركة.

حملات التضخيم:

في هذا السياق، لاحظ فريق المرصد أن مجموعة من الحسابات والمجموعات بدأت في دعم القوات المشتركة، والدفاع عنها وتبرير مواقفها، بل والمشاركة في حملات تضخيم واسعة لمصلحتها، لا سيما خلال المعارك ضد «الدعم السريع»، أو عند تعرضها لأي انتقادات.

ومن خلال الرصد، تبيّن أن مجموعة من الحسابات تمارس نشاطًا متواصلًا لدعم القوات المشتركة. وفيما حاولت بعض الحسابات تفنيد الخطابات العنصرية تجاه القوات المشتركة عن طريق توضيح أدوارها، وأنها جزء أصيل من الدولة، سعت حسابات أخرى، مثل حساب «ايوب»، إلى تلميع صورة القوات المشتركة، مع التركيز على الجانب الأخلاقي، والقول بأنها لم تساند الجيش من أجل مناصب أو سلطة سياسية، وأنهم أصحاب قضية عادلة. فيما درجت بعض الحسابات على تعزيز الجانب الأخلاقي لهذه القوات، مع تداول مقاطع فيديو توثق طريقة تعاملهم مع أسرى «الدعم السريع».

ومع مرور الوقت، اتخذت هذه الحسابات منحًى مختلفًا لدعم القوات المشتركة، فقد تصدت العديد منها لموجات الاتهامات والانتقادات التي كانت توجّه إليها. وبعد انضمام قوات «درع السودان» إلى القتال مع الجيش في أكتوبر 2024، تصاعدت الخلافات بين الجانبين وتبادلا الانتقادات والاتهامات، لا سيما مع اقتراب تحرير ولاية الجزيرة في ديسمبر 2024، إذ واجهت القوات المشتركة تُهم بالانسحاب العشوائي وإفساد خطط الجيش وإفشال تقدمه في محور «الفاو»، مما دفع حساب «بن القارة السمراء» إلى تكذيب هذه الرواية التي عدّها استهدافًا لهذه القوات من أنصار كيكل، فيما نشر حساب «ماينس ابراهيم قديم» منشورًا يوضح فيه أدوار القوات المشتركة، ويؤكد أنها تعمل بتنسيق تام مع الجيش. وفي مارس 2025، حينما ظهرت أصوات تتحدث عن مشاكل تفتعلها القوات المشتركة في الولاية الشمالية، ظهرت مجموعة من الحسابات لتدافع عنها، فكذّب بعضها هذه التُهم ونفى ارتكابها أيّ انتهاكات، فيما وصَف آخر الدعوات إلى خروج «المشتركة» من الولاية بأنها خطابات عنصرية.

 التضخيم في الجانب الميداني:

في جانب العتاد والقوة العسكرية، أظهر تحليل محتوى الحسابات أنها تعمل على تضخيم أدوار هذه القوات في الحرب ومقدراتها العسكرية والأثر الذي أحدثته منذ انضمامها، فقد ساد وسط شرائح واسعة من داعمي القوات المشتركة أنها السبب الرئيس في انتصارات الجيش في جميع المحاور، وأنه لولاها لما انتصر. ونشر حساب باسم «Mubarak» على منصة «إكس» أن القوات المشتركة حققت –على تسليحها المحدود مقارنةً بـ«الدعم السريع»– انتصارات كبيرة في كل المحاور. وعزا ذلك إلى أن الأسلوب القتالي لـ«الدعم السريع» من صنع القوات المشتركة نفسها، ولذلك استطاعت مواجهتها والتغلب عليها، مشيرًا إلى أنها الوحيدة القادرة على ذلك.

أما حساب «رفاق النضال»، فقد أكّد أن بإمكان القوات المشتركة، في حال تسليحها تسليحًا يكافئ تسليح «الدعم السريع»، تحرير السودان بأكمله في ساعات فقط. وجاء هذا الادعاء بعد الإشارة إلى أن في صفوف القوات المشتركة مقاتلين يتميزون بشجاعة لا تتوافر في عناصر الجيش الأمريكي نفسه.

هذا التضخيم العسكري تبعَته حملة واسعة من عدة حسابات تعمل على ترسيخ فكرة أن للقوات المشتركة دورٌ رئيسٌ في انتصارات الجيش السوداني مع الانتقاص من دور الأخير؛ فقد انتقد حساب «Bakhet Mohammed Jumma» منشورًا للإعلامية عائشة الماجدي تشير فيه إلى انتصار الجيش والقوات المساندة له في منطقة «الصياح» في دارفور، محاولًا التقليل من دور الجيش في مناطق شمال دارفور وشرق دارفور، مع نسبة الفضل كله إلى القوات المشتركة. فيما قال حساب «قاسم حسين» إن قادة الجيش هربوا من المعركة، ولولا القوات المشتركة لضاع السودان – بحسبه.

أما على صعيد المعارك العسكرية، فقد لاحظ فريق المرصد أن الآلة الإعلامية للقوات المشتركة عملت، خلال المعارك في محاور الجزيرة والخرطوم ومصفاة «الجيلي»، على تضخيم دورها بدرجة كبيرة؛ ففي أعقاب دخول الجيش السوداني والقوات المساندة له إلى مدينة «ود مدني» في مطلع العام 2025، بدأت الحسابات الداعمة للقوات المشتركة بنسب فضل الانتصار إليها، والقول بأنهم قدموا أول شهيد في المعركة. كما نسبوا الانتصار في معارك مصفاة «الجيلي» إلى القوات المشتركة فقط دون غيرها.

وسوم مشتركة:

لاحظ فريق المرصد وسومًا مشتركة استعملتها معظم الحسابات الداعمة للقوات المشتركة في غالب محتواها، سواء في الحسابات شخصية أو المجموعات العامة، وأبرزها: «#مشتركة_يا_كبدي»، و«#مورال_فوق»، و«#مشتركة_فوق»، و«#مشتركة_سم_الجنجويد»، إلى جانب «#فل_مارشال_مناوي»، و«#مشتركة_يا_جن».

رسم بياني  يوضح مدى وصول وسم «#مشتركة_ فوق» على منصة «إكس» في الفترة من أكتوبر 2024 إلى يونيو 2025.

رسم بياني يوضح مدى وصول وسم «#مشتركة_سم_الجنجويد» على منصة «إكس» في الفترة من أكتوبر 2024 إلى يونيو 2025.

ولم تقتصر هذه الوسوم على منشورات الحملات التضخيمية فحسب، بل أصبح استعمالها في جميع المنشورات التي تخص القوات المشتركة، بمختلف أنواعها، على منصتي «فيسبوك» و«إكس»، مما ساعد على انتشار حملات التضخيم وترويجها على نطاق أوسع.

 

حملات التضليل:

لم تكتفِ الحسابات بتضخيم المحتوى فقط، بل صاحب نشاطها تضليل كثيف لجذب تفاعلات أكثر وتوسيع نطاق انتشار المحتوى. وظهر النشاط التضليلي في عدة سياقات، منها التضليل العسكري من ناحية العتاد والقوات، والتضليل السياسي من ناحية المناصب والاستحقاقات، بالإضافة إلى التضليل المتعلق بالأدوار التي تضطلع بها هذه القوات. وعلى سبيل المثال، نشر حساب على «فيسبوك» صورة جندي يرتدي الزي العسكري للقوات المشتركة ومن خلفه طائرة حربية، مع ادعاء بحصول «المشتركة» على طائرات حربية. وتحقق «مرصد بيم» من الادعاء، وتبيّن أن الصورة مخلّقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ولا تمت إلى الواقع بصلة، كما لم ترِد أيّ معلومات تؤيد صحة الادعاء في الصفحة الرسمية للقوات المشتركة على منصة «إكس».

كتيبة «البراء بن مالك»: سرديات تضخيم

ظهرت كتيبة «البراء بن مالك» ضمن أبرز التشكيلات القتالية التي تحارب إلى جانب الجيش السوداني ضد «الدعم السريع». ومنذ أواخر العام 2024 وحتى مايو 2025، نشرت مجموعة من الحسابات والصفحات، في هذا السياق، محتوى يضخم أدوار هذه الكتيبة وإمكاناتها العسكرية، لا سيما على «فيسبوك» و«إكس». ولاحظ «مرصد بيم» أن هذه الحسابات لا تكتفي بإبراز أدوار الكتيبة ضمن القوات المسلحة ومساهمتها في الانتصارات العسكرية، بل استخدمت هذه الحملات مزيجًا من المحتوى التضخيمي والمضلل. ومنذ تصاعد عمليات الجيش السوداني في الخرطوم ومدن أخرى، ولا سيما مع بدء الجيش السوداني تقدّمه في وسط الخرطوم في فبراير 2025، نشرت القوات المسلحة في صفحتها على «يوتيوب» مشاهد توثق توغل قوات منطقة «الشجرة» العسكرية وسلاح «المدرعات» في شارع «الحرية» بوسط الخرطوم. وفي هذا السياق، تداولت مجموعة من الحسابات، منها صفحة «لواء الردع الالكتروني»، مقطع فيديو على «فيسبوك»، يوثق لحظات السيطرة على مواقع إستراتيجية في الخرطوم، مع مزاعم بأن كتيبة «البراء بن مالك» هي التي سيطرت على مناطق في وسط الخرطوم، وذلك في 17 فبراير 2025، في محاولة لإظهار أن للكتيبة القدح المعلى في تقدّم الجيش، وتضخيم دورها الميداني والعسكري، وتصويرها وكأنها القوة الحاسمة في كل انتصار يُحققه الجيش. وبالرجوع إلى المصادر الرسمية، لم يكن التحرك منفردًا بل كان لمجموعات من الجيش، وشاركت فيه وحدات عسكرية متنوعة.

وفي 26 سبتمبر 2024، تمكن الجيش من عبور الجسور النيلية من أم درمان إلى بحري والخرطوم. فيما أحرز تقدمًا في أكتوبر 2024، في شارع «المعونة» في بحري، وبالتوازي كان سياق التضخيم لمصلحة كتيبة «البراء بن مالك»؛ إذ زعمت مجموعة من الحسابات على «فيسبوك» أن قوات البراء تقدمت في بحري لتحريرها. وفي السياق، نشر حساب «ريحة البن» منشورًا يفيد بأن كتيبة «البراء بن مالك» حرّرت بحري وامتدادات شارع «المعونة» الذي أطلقوا عليه اسم شارع «البراء بن مالك» في محاولة لخلق ارتباط رمزي دائم بين الكتيبة ومواقع إستراتيجية في الخرطوم. كما نشر حساب «البشير احمد البشير»، في السادس من أكتوبر 2024، مقطع فيديو يدعم السردية نفسها ويحاول ترسيخ الاسم الجديد لـ«شارع المعونة».

وفي مارس 2025، وفي ظل تصاعد العمليات العسكرية في قلب العاصمة الخرطوم، أعلنت القوات المسلحة السودانية، رسميًا، عن استعادة السيطرة على مقر قيادته العامة في الخرطوم، في تطور لافت ومهم في المعركة، نظرًا إلى ما يمثله الموقع من رمزية عسكرية وسياسية. وفي هذا السياق، بدأت بعض الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي بنشر محتوى تضخيمي يهدف إلى نسبة هذا الإنجاز العسكري الحاسم إلى كتيبة «البراء بن مالك»، ومن بين هذه الحسابات، حساب «قوات العمل الخاص وهيئة العمليات 🇸🇩» الذي نشر مقطعًا مصورًا، مع مزاعم بأنّ الكتيبة دخلت مقر القيادة العامة، وأنها صاحبة الفضل المباشر في العملية، مع أن البيان الرسمي للقوات المسلحة لم يذكر أيّ وحدة بعينها في سياق فك الحصار عن القيادة العامة. كما نشر حساب «نبأ السودان» على «فيسبوك» تصريحًا منسوبًا إلى قائد كتيبة «البراء بن مالك» المصباح أبو زيد بشأن التحام قوات «المدرعات» مع دفاعات القيادة العامة للجيش، مع إشارة إلى كتيبة البراء في محاولة لنسبة الفضل إليها، لكن بالعودة إلى السياق الزمني للحدث وتحليل البيانات الرسمية ومراجعة مصادر موثوقة بهذا الشأن، اتضح أن العملية نُسبت رسميًا إلى الجيش السوداني، دون ذكر الكتيبة مباشرةً في أيّ تصريحات رسمية.

السيطرة على «الدبيبات»:

في نهاية مايو 2025، وبعد سيطرة الجيش السوداني على مدينة «الدبيبات» بولاية جنوب كردفان، نشر حساب «الانصرافي الانصرافي» على «فيسبوك» مقطع فيديو مع ادعاء بأنه يوثق عناصر من «فيلق البراء بن مالك» من داخل مدينة «الدبيبات»، وقدّمتها على أنها القوة الوحيدة التي أنجزت المهمة. وبالعودة إلى المصادر الرسمية، تبيّن أن وكالة السودان للأنباء (سونا)، نشرت، في 23 مايو 2023، خبرًا ذكرت فيه أن القوات المسلحة السودانية بسطت سيطرتها الكاملة على مدينة «الدبيبات»، دون الإشارة إلى أيّ وحدة بعينها.

وسوم مشتركة:

رافق محتوى الحسابات الداعمة لكتيبة «البراء بن مالك» مجموعة من الوسوم لتضخيم سرديّتها، من بينها: «معركة_الكرامة»، و«فيلق_البراء_بن_مالك»، و«براؤون_يارسول_الله»، إلى جانب «دعم_ كتائب_البراء»، و«الطريق_الى_الفاشر»، بالإضافة إلى وسم «نأسس_مشروع_نهضة_الأمة _السودانية».

حملات التضليل:

لم تكتفِ الحسابات الموالية لكتيبة «البراء بن مالك» بحملات لتضخيم أدوارها الميدانية، بل لجأت أيضًا إلى نشر محتوى مضلل أو إعادة تدوير مقاطع فيديو قديمة تعزز من سرديّتها بأن الكتيبة تمثّل القوة الفاعلة الأولى في المعارك أو من ناحية العتاد والقوات. وفي أبريل 2025، تصاعدت حدة المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الفاشر، حيث شنت الأخيرة هجومًا على جنوب شرقي المدينة وشمال شرقها، تصدى له الجيش والقوات المتحالفة معه. وبالتوازي تداولت صفحات موالية لكتيبة «البراء بن مالك» محتوى بشأن استعداد الكتيبة لنجدة الفاشر، في محاولة لتضخيم الأدوار الميدانية للكتيبة. ومن بين تلك الحسابات، نشرت صفحة «أخبار العالم الإسلامي» على منصة «إكس»، في 19 أبريل 2024، مقطع فيديو تظهر فيه مركبات قتالية، مع ادعاء بأن «لواء البراء بن مالك» يحشد قواته باتجاه دارفور لنصرة أهل الفاشر. وتبيّن أنّ المقطع قديم، نُشر للمرة الأولى في 15 أبريل 2025، في السياق الليبي. فيما أعاد حساب «قوات العمل الخاص وهيئة العمليات 🇸🇩» نشره، مرةً أخرى، في السابع من مايو 2024، مدعيًا أنه يوثق قوة من «فيلق البراء بن مالك».

قوات «درع السودان»:

انضم أبو عاقلة كيكل قائد قوات «درع السودان» إلى صفوف «الدعم السريع» في أغسطس 2023، خلال الأشهر الأولى من الحرب الدائرة في السودان. وشارك كيكل آنذاك في عدة معارك داخل ولاية الجزيرة، وكان له دور بارز في سيطرة «الدعم السريع» على مدينة «ود مدني» العاصمة الإدارية للولاية. وفي ديسمبر 2023، عُيّن كيكل قائدًا لفرقة المشاة الأولى بمدينة «ود مدني»، عقب اجتياحها من «الدعم السريع». وشهدت فترته تفلتات أمنية وانتهاكات وأعمال عنف خطيرة. وفي 20 أكتوبر 2024، أعلن كيكل عن انشقاقه من «الدعم السريع» وانضمامه إلى الجيش السوداني. وأعرب الجيش عن ترحيبه بهذه الخطوة في تعميم صحفي على صفحته على «فيسبوك». وبعد انضمامه، شارك كيكل في عدة معارك إلى جانب الجيش والقوات المشتركة وكتيبة «البراء بن مالك». ولاحظ «مرصد بيم» تركيزًا إعلاميًا كبيرًا، في تلك الفترة، على قوات «درع السودان»، ومحاولات لتضخيم أدوارها مع تغييب أو تهميش أدوار القوات الأخرى المساندة للجيش.

إغفال السياق المشترك وتضخيم قوات «درع السودان»

رُوّجت قوات «درع السودان» بوصفها قوة حاسمة ومحورية دون أيّ ذكر منصِف للجيش والفصائل المتحالفة معه، مما ساهم في تعزيز سردية أحادية تُظهر «درع السودان» وكأنها «لاعب منفرد»، ضمن نمط دعائي متكرر. وعلى سبيل المثال، نشر حساب «بن الخطاب – Ибн-Алкаттаб» على منصة «إكس» منشورًا تفصيليًا يُضخّم الأداء العسكري لقوات «درع السودان» في معارك «أم القرى» و«ود مدني»، مع الإشادة المفرطة بقيادة كيكل ونجاحاته. كما رصد فريق المرصد حسابًا باسم «نور علي» على «فيسبوك» يصدّر خطابًا مشابهًا يُعلي من قيمة «درع السودان» بوصفها القوة الوحيدة المؤثرة ميدانيًا.

خطاب تمييزي

ويتضمن المحتوى المؤيد لقوات «درع السودان» على وسائل التواصل الاجتماعي خطابًا تمييزيًا، إذ يشير منشور على «فيسبوك» يصف قوات «درع السودان» بأنهم «عرب نضيفين»، في إشارة إلى «النقاء العرقي»، في مقابل التنوع القبلي والإثني الذي تتمتع به القوات الأخرى المساندة للجيش، مثل القوات المشتركة وكتيبة «البراء بن مالك». ويُعيد هذا الخطاب إنتاج سرديات إقصائية وعنصرية.

محتوى مضلل:

لم يكن الأمر محصورًا على تضخيم المحتوى، إذ رافقته حملات تضليل واسعة هدفت إلى تعزيز صورة «درع السودان» بوصفها قوة ميدانية قادرة على اختراق المناطق والسيطرة على المواقع الحساسة.

وظهر هذا التضليل في أكثر من سياق، من خلال الزعم بالانفراد بعمليات عسكرية نوعية وترويج اختراقات ميدانية، دون أي دليل موثّق. فعلى سبيل المثال، تُداولت صورة لأشخاص يرتدون أزياء عسكرية وهم ينبشون قبرًا، مع ادعاء يفيد بأن قوات «درع السودان» والجيش السوداني عثرا على رفات قائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي» وحرسه الشخصي في منطقة شرق النيل. ولكن بعد التحقق من الصورة، تبيّن أنها قديمة، التُقطت في العام 2017، خلال عمليات لقوات حفتر في ليبيا، ولا صلة لها بالسودان. كما لم تظهر أيّ أدلة أو تقارير مستقلة تؤكد صحة رواية نبش القبر المزعوم، ما يوضح أن الادعاء يندرج ضمن إستراتيجية التضليل لتكريس صورة ميدانية غير دقيقة عن قدرات هذه القوات.

 

ويتضح، من خلال التحليل، أن التحالفات التي نشأت لمساندة الجيش منذ بداية الحرب في أبريل 2023، كانت نتيجة لحاجة ملحّة إلى توسيع جبهة القتال ضد «الدعم السريع»، إلا أن تعدد مكونات هذا التحالف وتنوعها خلق مجموعة من التحديات الاجتماعية والسياسية والعسكرية ظهرت في شكل توترات ومشاحنات إعلامية وحملات تضخيم وتضليل.

ومع تصاعد وتيرة الحرب وتزايد تعقيداتها وانتشار حملات التضخيم والتضليل، سعى الجيش السوداني إلى توسيع جبهة قتاله ضد «الدعم السريع» من خلال استقطاب حلفاء من المجموعات المسلحة والقوى المدنية والسياسية، متنوعين في خلفياتهم السياسية والجهوية، أبرزهم القوات المشتركة للحركات المسلحة، وكتيبة «البراء بن مالك»، وقوات «درع السودان». وأسفر عن هذا التنوع توترات ومشاحنات، انعكست، بوضوح، في الفضاء الرقمي عبر حملات إعلامية منفصلة ومتباينة.

ولوحظ أن كل واحد من هذه المكونات يملك ما يُشبه «آلة إعلامية» مستقلة عن المكونات الأخرى وحتى عن الجيش نفسه، تعمل على تضخيم دورها في المعارك وإبراز إنجازاتها، في كثير من الأحيان على حساب حلفائها من القوى الأخرى. وتتنافس هذه الأدوات الإعلامية في الفضاء الإلكتروني عبر منصات مستقلة، واستخدام وسوم مميزة، وتكرار محتوى دعائي، وأحيانًا عبر نشر معلومات مضللة أو مخلّقة بالذكاء الاصطناعي، أو إعادة تدوير مقاطع فيديو قديمة.

وتشترك الحملات الإعلامية الثلاث (الخاصة بالقوات المشتركة، وكتيبة «البراء بن مالك»، و«درع السودان») في اللجوء إلى خطاب يغلب عليه تمجيد القوة وتضخيم دورها العسكري والسياسي، وأحيانًا يُصبغ بخطاب عنصري أو إقصائي تجاه المكونات الأخرى. فيما تتبادل هذه الأطراف الاتهامات بالخذلان أو الفشل الميداني، ما يكشف عن صراع سرديات واضح داخل معسكر الجيش وحلفائه.

وفي المحصلة، يظهر أن التحالفات التي نشأت لمساندة الجيش لم تنجح في بناء جبهة موحدة صلبة، بل تحوّلت إلى كتل إعلامية متنافسة تتصارع على المشروعية والتأثير، باستخدام التضليل وخطاب الكراهية أحيانًا، في مشهد إعلامي يبرز ضعف التماسك العسكري والسياسي داخل هذه المكونات، وسباقها المحتدم للتأثير في الرأي العام وكسبه لمصلحتها.

أُنتج هذا التقرير من قِبل فريق من المشاركين في البرنامج التدريبي الخاص بـ«الشبكة السودانية لتدقيق المعلومات».

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع
مرصد بيم

ما حقيقة فيديو المركبات العسكرية المتداول على أنه متحرك «الصيّاد» التابع للجيش السوداني؟

ما حقيقة فيديو المركبات العسكرية المتداول على أنه متحرك «الصيّاد» التابع للجيش السوداني؟ مضلل تداولت حسابات على منصتي «فيسبوك» و«إكس»، مقطع فيديو تظهر فيه مركبات

المزيد