كيف أصبح اضطراب الحدود بين السودان وأفريقيا الوسطى مدخلاً لسيطرة روسيا على موارد البلدين؟

على مدى السنوات الأخيرة، ظلت جمهورية أفريقيا الوسطى، الواقعة على حدود السودان الغربية بطول 174 كلم، تعيش حالة مستمرة من الاضطرابات السياسية والحروب الأهلية، أثرت على البلاد بشكل كبير. 

وبقيت أفريقيا الوسطى المستعمرة الفرنسية السابقة، لعقود من الزمن تحت نفوذ باريس، لكن أخيراً تمدد إليها النفوذ الروسي بشكل كبير عن طريق نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي رعى في فبراير عام 2019م مفاوضات سلام بين المتمردين والحكومة بالعاصمة الخرطوم شارك فيها مسؤولون روس رفيعو المستوى.

عقب إسقاط نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير في أبريل 2019م، تواصل التمدد الروسي في الحدود بين السودان وأفريقيا الوسطى، وصل في السنتين الأخيرتين إلى وجود عسكري شمل حتى العاصمة بانغي، إلى أن أصبح البلد الأفريقي الغني بالموارد المعدنية كما لو أنه مستعمرة روسية.

وبعد انفجار الحرب الأهلية بأفريقيا الوسطى في عام 2013م، أشارت تقارير إعلامية إلى تدخل نظام البشير المخلوع، عسكرياً إلى جانب أحد الأطراف المتصارعة.

ومع استمرار الحرب الأهلية التي اندلعت على أسس عرقية، ودينية من ناحية أخرى، أصبح السودان، وتحديداً إقليم دارفور، ملاذاً لآلاف اللاجئين الفارين من الحرب، في حدود ظلت مفتوحة أمام النشاط التجاري الشعبي لسنوات طويلة.

التجارة الرسمية والموازية بين البلدين

تنشط حركة تجارية واسعة بين البلدين، وتعتبر مدينة أم دافوق والتي تقع على بعد 370 كلم غربي مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، إحدى أكبر المناطق الحدودية التي تربط السودان بأفريقيا الوسطى، والمعبر الرئيسي لحركة التجارة بين البلدين. 

ومنطقة (أم دافوق)، كانت جزءاً من محافظة (رهيد البردي)، التي تمتد من غرب منطقة الشويب حتى حدود أفريقيا الوسطى، ولكن تم فصلهما لاحقاً وأصبحت (أم دافوق) محلية منفصلة من محلية (رهيد البردي).

وطبيعة النشاط الاقتصادي في محلية أم دافوق، نشاط رعوي، يمتد بين السودان ودولة أفريقيا الوسطى، مما أدى إلى وجود تداخل شعبي في المناطق الشرقية لأفريقيا الوسطى، مثل منطقة جبل فاطمة ومنطقة مأمون وغيرها، كما أدى التداخل إلى وجود مجموعات إثنية توزع وجودها بين السودان وأفريقيا الوسطى مثل مجموعات (الكارا) و(الصرا).

وتنتعش في (أم دافوق) التجارة الموازية، وذلك بفضل الحماية التي توفرها الجماعات المسلحة، مثل الجبهة الشعبية لنهضة أفريقيا الوسطى الإسلامية. وتنطلق الشاحنات التجارية من السودان نحو أفريقيا الوسطى محملة بالسلع السودانية مثل الزيت والبنزين وغيرها من السلع الاستهلاكية، بعد تفريغ السلع في أفريقيا الوسطى يُعاد تحميل الشاحنات بسلع محلية في مقدمتها البن لإعادة بيعها في السودان.

يعود هذا الشكل من أشكال التجارة الموازية بفائدة كبيرة على الجماعات المسلحة، والتي تعدها مورداً مالياً مهماً بفضل “الرسوم” التي تفرضها مقابل حماية القوافل، حيث يوجد حوالي 64 نقطة تفتيش لمسلحين من كل الانتماءات، وتبلغ أرباح مجموعات سيليكا السابقة وأبرزها الجبهة الشعبية حوالي 192 مليون فرنك سنوياً (حوالي 300 ألف يورو) من خلال الإقطاعات التي  تجمعها من تلك النقاط.    

أما على صعيد حركة التجارة الرسمية بين البلدين، فتبدو ضعيفة للغاية، إذ بلغ حجم الصادرات الرسمية السودانية لأفريقيا الوسطى في عام 2018م حوالي 128 ألف دولار، تتمثل في صادرات الآليات (3.78 ألف دولار)، والمعادن (124 ألف دولار). بينما بلغ حجم الواردات السودانية الرسمية من أفريقيا الوسطى، في عام 2018م، حوالي 783 ألف دولار تنقسم بين قطاعات الزراعة (530 ألف دولار)، والمعادن (36.5 ألف دولار)، والمواد الكيميائية (27.4 ألف دولار)، والآليات (165 ألف دولار)، والكهرباء (20.2 ألف دولار)، وأخرى (1.19 ألف دولار). 

جرائم الشركات الروسية

 مع تزايد نشاط التعدين التقليدي سواء كان في دارفور أو أفريقيا الوسطى، ارتفعت وتيرة الحركة بين الشعبين في الوقت الذي تمددت فيه الشركات الروسية في عمليات تعدين محمومة بالبلدين، أصبحت تطيح بالمعدنيين التقليديين السودانيين، حيث قامت قوات عسكرية تتبع للشركات الروسية في مارس الماضي بمطاردة المعدنين السودانيين من أفريقيا الوسطى إلى داخل الحدود السودانية، وقتلت العشرات منهم. 

لاحقاً، أفاد ناجون من هجوم المسلحين الروس، المسؤولين عن حماية الشركات الروسية التي تعمل في مجال التنقيب عن المعادن، على العاملين في مناجم الذهب من السودانيين والتشاديين ومواطنين  محليين من أفريقيا الوسطى بمنطقة “انداها” بافريقيا الوسطى، إن المسلحين الروس قتلوا أكثر من 20 شخصاً بعدما هاجمتهم في قرية “قورديل”،  بينما لا يزال عدد من عمال المناجم مفقودين. 

وتنشط في المناطق الشمالية لجمهورية أفريقيا الوسطى حركة “السيليكا” المسلحة المعارضة لحكومة أفريقيا الوسطى، بينما تتولى شركة الأمن الروسية “فاغنر” مساعدة الحكومة للقضاء على مسلحي الحركة.

ورغم قتل المعدنين السودانيين، بيد الروس، إلا أن الحكومة المركزية وحكومة جنوب دارفور، التزمتا الصمت حيال ذلك. بينما قال والي جنوب دارفور المكلف، حامد التجاني هنون، في مارس الماضي والذي زار مدينة أم دافوق الحدودية مع افريقيا الوسطى، إنه ليس لديه علم بالأحداث التي وقعت في منجم “اندها” بأفريقيا الوسطى.

مستوطنون جدد

وتنشط في حدود السودان مع ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى عمليات تهريب واسعة، تشمل الأجهزة الكهربائية والسيارات ومستحضرات التجميل والمخدرات، إضافة إلى نشاط تجارة البشر والأسلحة.  

وفي خضم النزاع المسلح بأفريقيا الوسطى، تمددت حركة النزوح تجاه إقليم دارفور، أيضاً أشارت تقارير أممية إلى أن مستوطنين جدد من دول عديدة، بينها أفريقيا الوسطى احتلوا أراضي النازحين في دارفور، حيث أبلغت جهات غير حكومية، فريق خبراء تابع لمجلس الأمن الدولي، عن احتلال أجانب من تشاد وأفريقيا الوسطى ومالي والنيجر ونيجيريا، أراضي النازحين واللاجئين في إقليم دارفور.

وذكر التقرير الأممي، أن معظم المحاورين غير التابعين للدولة في دارفور، أبلغوا الفريق بأن مستوطنين أجانب يحتلون أراض تعود ملكيتها للنازحين واللاجئين”، مشيراً إلى أن هؤلاء الأجانب الذين يُطلق عليهم العرب الرحل والجنجويد من تشاد وأفريقيا الوسطى ومالي والنيجر ونيجيريا.

ونقل التقرير عن محاورين من ولايات غرب وشمال ووسط وجنوب السودان، تأكيدهم وجود عناصر أجنبية – لاجئون ومهاجرون ومجرمون ومستوطنون جدد.

وتابع: “تداخلت التوترات في غرب دارفور وبعض مناطق وسط دارفور مع الحالة في الحدود المتاخمة لتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان”.

وشدد فريق الخبراء، على أن دارفور، لا تزال نقطة انطلاق للهجرة الدولية، من بلدان غرب ووسط أفريقيا والقرن الأفريقي إلى أوروبا عبر ليبيا والبحر الأبيض المتوسط، وذلك على الرغم تأكيد السلطات في الخرطوم على سيطرة قوى الأمن على الحدود.

وتابع: “التقارير المنتظمة عن الأنشطة غير القانونية في الحدود مثل تهريب المركبات والمخدرات والذهب، إلى جانب الإتجار بالبشر والسلاح من وإلى جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا تؤكد أن الحدود مفتوحة”.