هل تحولت لجان التحقيق الرسمية إلى ملفات باردة لحماية المجرمين؟

بقيت أحداث العنف والحرق والنهب والقتل خارج نطاق القانون- بين عامي 2019م ـ 2022م- والتي راح ضحيتها المئات بجانب الخسائر المادية الفادحة، مجرد ملفات باردة حبيسة في أدراج حوالي 18 لجنة تحقيق رسمية اُعلِن عن تشكيلها على مدار الفترة الانتقالية، وفي أعقاب انقلاب 25 أكتوبر الماضي.

كانت كلما اشتدت وتيرة القتل ودُمرت الحيوات والأرض والزرع والمسكن وارتفعت الأصوات الغاضبة، أعلنت الحكومة عن ميلاد لجنة تحقيق جديدة، مقابل إخفاق القوات الأمنية في حماية المدنيين عند اندلاع أعمال عنف أهلي، أو تعمد القوات نفسها ارتكاب جرائم مثل أحداث فض اعتصام القيادة العامة بالمقار الرئيسية للجيش بالعاصمة السودانية الخرطوم، في الثالث من يونيو 2019م.

في سبتمبر 2019م، شكّل رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، لجنة تحقيق مستقلة للتقصي حول جريمة فض اعتصام القيادة العامة، أوكل رئاستها للخبير القانوني  والدستوري، نبيل أديب، كان من المنتظر أن تُصدر تقريرها خلال 3 أشهر، لم تنهِ أعمالها في الوقت المحدد، وظل يُجدد لها إلى حين انقلاب 25 أكتوبر الماضي.

رغم التشكيك الذي أبداه الرأي العام السوداني، في قدرة لجنة وطنية في التحقيق بأحداث القيادة العامة، يتولى من يتهمهم ذوو الضحايا بارتكاب الجريمة نفسها، قيادة الدولة، إلا أن أجواء الثورة المعيشة وقتها والأمد القصير لإصدار نتائج التحقيق، منح اللجنة بعض المقبولية. 

لكن، مع عجز لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة العامة عن إصدار تقريرها واتساع دائرة العُنف في البلاد، وتفاقم الاضطرابات السياسية والاجتماعية، التي يروح ضحيتها مواطنين عُزل، باتت لجان التحقيق، تُمثل الترياق المُضاد للمطالبات بتحقيق العدالة وإيقاف الإفلات من العقاب، للدرجة التي فقدت فيها تلك اللجان مصداقيتها، وصار يُنظر إليها على كونها مخرجاً آمناً لمرتكبي الجرائم، خاصة المتعلقة بالقوات العسكرية وبعض المليشيات المسلحة. حيث تحولت لجان التحقيق إلى ملفات باردة تحت الأدراج لحفظ الجرائم والإفلات من العقاب، فيما يظل ذوو الضحايا في انتظار عدالة لا تأتي لأكثر من ثلاث سنوات.

مع مقتل أكثر من 100 شخص في أحداث العنف الأهلي بإقليم النيل الأزرق و3 بولاية كسلا، الأسبوع الماضي، عادت لجان التحقيق إلى الواجهة مرةً أخرى، ربما لتؤدي نفس المهمة القديمة، وهي حفظ ملفات الجرائم طي الأدراج، وترك الجناة مطلقي السراح، وإطلاق الوعود بتحقيق العدالة بالنسبة لذوي الضحايا.

خط زمني يوضح لجان التحقيق بين عامي 2019 و 2022

مع ارتفاع وتيرة حالة السيولة الأمنية في البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر، واتساع نطاق الإفلات من العقاب، تظل أحداث العنف الأخيرة بإقليم النيل الأزرق و ولاية كسلا، امتداداً لحالة تسكين الجرائم في ملفات باردة وإطلاق يد العنف التي لا تطالها العدالة. كما أنها تمثل حيلة السلطة العسكرية الحاكمة في البلاد، للبقاء تحت لافتة ظاهرية لسيادة حكم القانون.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع