كيف يكافح الكتاب السودانيين الشباب لتجاوز عقبات النشر وتكاليفه الباهظة؟

“أول رواية لي نُشرت مجانًـا لأنها فازت بمسابقة تقيمها إحدى دور النشر العربية المعروفة. السبب الأساسي الذي دفعني لتقديم روايتي؛ هو أن الأعمال الفائزة تطبع وتنشر وتسوق ويُشارك بها في المعارض العربية على نفقة الدار”، يصف الكاتب مصطفى خالد 24 عاماً، أولى تجاربه في النشر.

“كانت تجربة جديدة ومدهشة، أن تجد عملك قد وصل إلى اليمن شرقًا والمغرب شمالاً وأنت في بيتك لم يكلفك الأمر سوى نقرة إرسالٍ بالبريد الإلكتروني”، يضيف خالد لـ(بيم ريبورتس). 

صعوبة النشر داخل البلاد، مثّلت الدافع الأساسي لخالد في تجريب نشر روايته (غول سليمة) خارج السودان، حيث تعكس تجربته في النشر، التحديات والصعوبات التي تواجه الكتاب السودانيين الشباب ومعاناتهم في نشر أعمالهم وإيصالها إلى القراء. 

لا تختلف تجربة الكاتب والروائي أيمن هاشم، في النشر، عن تجربة زميله مصطفى خالد كثيراً.

يقول هاشم لـ( بيم ريبورتس): “هناك مشكلة في التعامل مع التجارب الكتابية الحديثة، حيث لا يتم التعامل معها بجدية. مضيفاً “لدي تجربة مع عدد من دور النشر الخارجية، فقبل مشاركة مجموعتي القصصية في منحة آفاق، أرسلتها لعدد من دور النشر السودانية، ولم تلق الاهتمام الكافي منها.. كان الرد أنها لا تصلح للنشر، لكن عند مشاركتي بنفس المجموعة في منحة آفاق تحصلت على منحة لنشرها”.

حركة النشر تاريخياً

بدأت حركة دور النشر في البلاد في عشرينيات القرن الماضي، وكانت البداية بنشر عدد قليل من الأعمال الأدبية، واستمرت كحركة محدودة، إلى أن أزدهرت في حقبة السبعينات، حيث أسست الدار السودانية للكتب بالخرطوم، ودار نشر جامعة الخرطوم وغيرها من الدور الكبيرة. لكن السمة الرئيسية لصناعة الكتاب في السودان، غلب عليها الركود وعدم الاستقرار، بسبب تقلب أوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية.

ومع مرور مائة عام على ابتدار حركة النشر والطباعة في البلاد، إلا أنها، ما تزال محدودة الحجم، حيث لا يتجاوز عدد دور النشر العشرات، وهي في الغالب دور تجارية واستثمارية خاصة.

تكاليف باهظة

العامل الاقتصادي للنشر يمثل العائق الأبرز أمام الكتاب عامةً والكتاب الشباب بشكل خاص.

تقول الكاتبة والقاصة رهام حبيب لـ(بيم ريبورتس ): “شاركني أحد أصدقائي تكلفة إصدار كتابه عبر دار نشر سودانية حديثة النشأة، وقد قاربت الألف دولار. أي أعلى من رواتب ثلاثة أشهر مجتمعة للسواد الأعظم من السودانيين، وربما تزيد عن الثلاثة أشهر للكتّاب”. 

وأثر الجانب الاقتصادي على النشر، أصبح عاملاً مضاعفاً، في ظل التدهور الذي تعيشه البلاد وطال أثره كل القطاعات، بما في ذلك مجال صناعة الكتاب والنشر، حيث يتمثل في ارتفاع الرسوم الجمركية على مستلزمات وخامات صناعة الكتب (مثل الورق والأحبار).

إعاقة المشاريع الأدبية

أزمة صناعة الكتاب والنشر عامةً في السودان ألقت بظلالها على أسعار الكتب، وبالتالي اضطر قراء كثر إلى العزوف عن شراء الكتب الورقية، واللجوء إلى خيارات قراءة بديلة.

يقول الكاتب والروائي حمور زيادة لـ (بيم ريبورتس ): “إذا لم يجد الكاتب جمهوراً فذلك قد يجهض مشروعه الأدبي كله. لماذا يتكلف عناء خلق عالم روائي إن لم يكن هناك من سيطلّع عليه؟، ربما يكتفي بكتابة مسودات أحياناً، أو الحكي الشفاهي، أو الكتابة على مواقع التواصل والمدونات. لكن لا أظن ذلك يرضي نزعة الفن داخل الكاتب. لذلك، فإن صعوبة النشر في السودان تعيق مشاريع أدبية كثيرة”. 

وجزء من أزمة صناعة الكتاب، ما بعد طباعة الكتاب، تتمثل في مرحلة التسويق للكتاب وتقديمه للجمهور، حيث يقف غياب التسويق والتعريف بالكتاب حاجزاً أمام وصوله إلى جمهور أوسع من القراء.

ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر بالنسبة للكتاب الشباب، هو عملية النشر نفسها، يقول الكاتب وقاص الصادق لـ(بيم ريبورتس): “إنه لا توجد فرص للنشر المجاني، ومن الصعب على الشباب تحمل تكلفة النشر شخصياً. مضيفاً “وإذا وجدت فرص للنشر المجاني فهي بسيطة وغير ناجحة في مراحلها المتقدمة، حيث لا توجد استراتيجيات واضحة لتوزيع الكتاب وتسويقه وبيعه، وفي الغالب يتكفل الكاتب بهذه المسائل، مما يخل بجودة العملية ويدخل الكاتب في تفاصيل لا علاقة له بها”.

توزيع الكتاب

ضيق منافذ التوزيع وتركز وجود الناشرين بشكل كبير في العاصمة الخرطوم، بالإضافة إلى قلة منافذ التوزيع بالولايات، وعدم القدرة على توزيع الكتب خارج السودان والمشاركة في المعارض العالمية، يضع المزيد من العقبات أمام الكتاب في حال تمكنوا من نشر كتبهم بالأساس.

“إن عُسر عملية النشر في السودان معضلة قديمة وشائكة”، يعود الكاتب مصطفى خالد ويقول.

ويعزو خالد الأسباب، إلى قلة الدور الحكومية التي تموّل الطباعة وتسوّق للإبداع السوداني محليًا وإقليميًا، بجانب التكاليف الباهظة للدور التجارية، المنصرفات الضريبية والجمركية لحركة الكتب. ويرى خالد، أن معظم الكتب المنشورة محلياً والتي وجدت رواجاً لا يتجاوز صداها الخرطوم.

رقابة على الكتب

إلى جانب هذه الأزمات، يعاني الكُتاب عامةً، والكٌتاب الشباب بشكل خاص من الرقابة على أعمالهم.

وقبل الثورة، درجت أمانة حماية حق المؤلف والحقوق المجاورة والمصنفات الأدبية والفنية، على تشكيل لجان لتقييم الأعمال المقدمة للنشر لإجازتها، ما مثل شكلاً من أشكال تقييد حرية الكتابة والنشر أمام الكتاب، حيث قامت بحظر العديد من الكتب والروايات.

لكن بعد تشكيل الحكومة الانتقالية في عام 2019م، أعلن أمين عام أمانة حق المؤلف والحقوق المجاورة، حاتم الياس، فك حظر جميع تلك الأعمال.

وعادةً ما تستند لجان التقييم على معايير فضفاضة، في حكمها النهائي على النصوص المقدمة إليها وتتعلق في الغالب بتناول مواضيع الدين والسياسة، وكثيراً ما وصفت تلك الأعمال بأنها تخل بالقيم الدينية أو الآداب العامة، لتدفع هذه الأحكام القيمية على النصوص عدداً من الكتاب الشباب للتوجه إلى دور نشر خارج البلاد بحثاً عن نشر تجاربهم الكتابية، خارج الأطر التي تضعها المصنفات ودور النشر في السودان.

أيضاً، يواجه الكتاب السودانيون مشكلة قرصنة الكتب في ظل عدم فعالية القوانين التي تحمي حقوق النشر والتي غالباً ما تنتهك عن طريق طباعة الكتب بصورة غير قانونية الأمر الذي ينتهي بكساد الكتب. تدفع كل هذه العراقيل الكتاب إلى النشر خارج السودان، في محاولة لتجنب هذه العملية غير المأمونة.

بينما وجد مصطفى خالد وأيمن هاشم، الفرصة لنشر أعمالهم خارج البلاد، لا يزال عشرات الكتاب ربما يقرأون مسودات كتبهم لأنفسهم وأصدقائهم المقربين، دون أن يكونوا قادرين على نشرها بسبب التكاليف الباهظة للنشر والعقبات التي تضعها تلك الدور على الكٌتاب الشباب، حيث تسعى في معظم الأحيان، إلى نشر أعمال لكتاب معروفين، عوضاً عن الانفتاح على تجارب كتابية جديدة.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع