كيف وظّف القانون الجنائي كأداة لقهر النساء في السودان تحت غطاء (النظام العام)؟

في أحد مساءات ديسمبر 2017م، وبعد خروجها من مكان عملها بالعاصمة السودانية الخرطوم وانتظارها للمواصلات العامة رفقة زميلها، اعترض نظاميان يستقلان سيارة، الصحفية والناشطة ويني عمر واتهماها بإرتداء الزي الفاضح وفقاً للمادة 152 من القانون الجنائي. حوكمت ويني عمر في وقت لاحق ضمن قوانين النظام العام، وفي إفادة لها بشأن المحكمة قالت ويني عمر، إن أكثر شئ مذل ومهين كان حين طلبوا منها ارتداء الملابس واستعراضها في طابور عرض المحكمة.

لم تكن قضية ويني عمر هي الأولى ولا الأخيرة، التي طوردت فيها النساء السودانيات من قبل السلطة، في الفضاء العام والخاص، وتعرضنْ للضرب والابتزاز والقتل في بعض الأحيان.

وفي حين، أن قوانين النظام العام فيها جوانب متعلقة بالرجال أيضاً، إلا أن القضايا في العموم موجهة تجاه النساء وأجسادهنْ، والترصد المستمر بهنْ. ففي فبراير 2018م، وبعد ثلاثة أشهر من قضية الزي الفاضح، قامت الشرطة بمداهمة منزل  شهد اجتماعاً شاركت فيه ويني عمر رفقة آخرين، ووجهت لويني اتهامات بممارسة الدعارة، اعترضت عمر ووضحت للشرطة أنهم في اجتماع، لكنهم صادروا حاسوبها الشخصي واحتجزت لمدة 5 أيام.

قانون النظام العام

قانون النظام العام بولاية الخرطوم 1996، هو قانون خاص بولاية الخرطوم، حيث شُرّع في العام 1996 وبدأ العمل به من حينها. وتجدر الإشارة إلى أن قانون النظام الذي جاء في سبع فصول ركّزت على أحكام تتعلق بإقامة حفلات الغناء، وشروط فتح أماكن نسائية لتصفيف الشعر، وضوابط استخدام المركبات العامة، وحظر ممارسة التسول والتشرد، ومجموعة من الأحكام العامة. لكن المواد التي استخدمت للتضييق على الحريات الشخصية والتي صممت لمطاردة وقهر  النساء على وجه الخصوص، لم ترد في قانون النظام العام، بل ضمن القانون الجنائي في السودان للعام 1991م. وفي العادة ما يخلط الناس ما بين القانونين. 

قهر هيكلي

قُدم مشروع القانون الجنائي لأول مرة في 1988م من قبل الحكومة البرلمانية المنتخبة حينها، وسقط بعد مناقشته والتصويت عليه، لكن ومع سطو نظام الإنقاذ على الحكم، رأى القانون النور ووظف من قبل السلطة لقمع السودانيين والسودانيات، وترك مساحة وفراغ تشريعي واسع للاجتهاد الشخصي. ومثال لذلك، المادتين المتعلقتين بالأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب العامة، حيث نجد “يعد الفعل مخلاً بالآداب العامة إذا كان كذلك في معيار الدين الذي يعتنقه الفاعل أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل”. ويذهب القانون ويعرف مرتكب الأفعال الفاضحة والمخلة بالآداب بأنه “من يأتي في مكان عام فعلاً أو سلوكاً فاضحاً أو مخلاً بالآداب العامة أو يتزيأ بزي فاضح أو مخل بالآداب العامة يسبب مضايقة للشعور العام يعاقب بالجلد بما لا يجاوز أربعين جلدة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً”.

ويتكرر الأمر في مادة ممارسة الدعارة، حيث يعرف القانون مكان الدعارة بـ “أي مكان معد لاجتماع رجال أو نساء أو رجال ونساء لا تقوم بينهم علاقات زوجية أو صلات قربى وفى ظروف يرجح فيها حدوث ممارسات جنسية” حيث نجد أنه لا يوجد أي تفصيل لهذه الظروف التي يرجح فيها حدوث ممارسات جنسية.

تمنح هذه المواد سلطات تقديرية واسعة لمنفذيها، وطرق تفكيرهم وخلفياتهم ومعتقداتهم، وشُكِّلت محاكم خاصة وفرق شرطية تابعة لها، لتنفيذ القانون، عبر مطاردة النساء في الشوارع والأماكن العامة، لفحص ما إذا كان زيهنّ مطابقاً للشرع أم مخالفاً له، وفق تقديرات أفراد تلك الفرق، وأمزجتهم الشخصية، الأمر الذي نجم عنه كثير من التجاوزات والانتهاكات، والاستغلال، والابتزاز.

تعديلات الحكومة الانتقالية

بعد استلام نصر الدين عبد الباري مهامه كوزير للعدل خلال الحكومة الانتقالية التي أطاح بها انقلاب 25 أكتوبر، شهدت القوانين في السودان عدداً من التعديلات فيما عرف بـ قانون التعديلات المتنوعة لسنة 2020م (معني بإجراء تعديل دفعة واحدة في أكثر من قانون) وجاءت التعديلات في القانون الجنائي لسنة 1991 وتضمنت إلغاء حكم الردة، وإلغاء عقوبة الجلد في كل الأحكام القضائية؛ باستثناء العقوبات الحدية المستمدة من الشريعة الإسلامية، وإعفاء غير المسلمين من أي عقوبة لشرب الخمور والتعامل بها.

كما شملت التعديلات أحكام مواد أخرى في القانون الجنائي خاصة بممارسة الدعارة، مع تحديد سن 18 سنة للمسؤولية القانونية. وفي نوفمبر 2019م، أصدرت الحكومة الانتقالية قراراً بإلغاء قانون النظام العام، وأوضح وزير العدل نصر الدين عبد الباري حينها أن السودان ألغى قانون النظام العام الذي كان مستخدما خلال حكم الرئيس المخلوع، عمر البشير لفرض الآداب العامة ويعاقب المخالفين بالجلد.

وبالرغم من أن هذه التعديلات قد استبدلت بعضاً من المواد القانون الجنائي إلا أنها أبقت عليه فضفاضاً؛ فيما يتعلق بوضع تعريفات واضحة للعبارات الملتبسة فيه. وعقب انقلاب 25 أكتوبر، بدأت الممارسات السابقة تعود إلى السطح مرةً أخرى، ولكن هذه المرة وجهت للرجال، بشكل خاص الشباب، حيث أطلقت القوات العسكرية حملات مشتركة، استهدفت حلاقة شعر الشباب قسرياً في الأماكن العامة بطريقة مذلة ومهينة.

كما أعلنت الشرطة (استحداث) وحدة جديدة باسم الشرطة المجتمعية، وبعد الجدل الذي أثاره هذا الإعلان، وزارة الداخلية أن تكون هذه الوحدة معادلاً لشرطة النظام العام، وقالت إن الغرض منها حماية المجتمع.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع