كيف تم استهداف العلاقات المصرية السودانية عبر حملة تضليل باستثمار “ترس الشمال”

أعد (مرصد بيم ريبورتس) دراسة متعلقة ببيئة المعلومات المضللة والدعاية في السودان، وتمكنت الدارسة من توضيح قدر وافٍ من الخارطة الخاصة بالحملات الإعلامية التي استهدفت أو تستهدف مواقع التواصل الاجتماعي، والقائمين على أمر تلك الحملات، والأدوات المستخدمة لصنعها، والأساليب المتبعة لتمرير أهدافها، وتنشر (بيم ريبورتس) تباعًا أهم المعلومات المرتبطة بهذه الدراسة.

وقد عَمِدَ البحث على تعريف بعض الحملات التي رُصدت ضمن تقارير (مرصد بيم). هذه الحملات المذكورة أدناه، تُعرف على أنها موجات من نشر محتوى مفبرك كليًا أو جزئيًا بطريقة ممنهجة، بهدف تضليل أو إلهاء أو قياس الرأي العام، تجاه قضية أو حدث بعينه.

موقع السودان الجغرافي بين إثيوبيا ومصر جعله في موقف لا يحسد عليه، وسط ما يشبه الحرب الباردة حول المياه، بين المنبع والمصب.

تقاطعات المصالح بين الدولتين والسودان -وخصوصا الصراع الدائر حول سد النهضة الإثيوبي- فرضت عليه أن يكون جزءا من هذا النزاع، باتباع أساليب وأدوات الإعلام المختلفة، للتأثير على الرأي الداخلي تجاه سياسات وقرارات السلطات السودانية، خصوصا مع السيولة السياسية التي ظل يشهدها السودان منذ فترة.

مع بدء الاحتجاجات السلمية بالولاية الشمالية، المناهضة لقرار زيادة تعرفة الكهرباء، التي سرعان ما تحولت إلى حركة احتجاجية متعددة المطالب، رصدت “بيم ريبورتس” حملة تضليل تستهدف علاقة السودان بمصر، عبر فبركة تصريحات مستفزة لمسؤولين حكوميين وإعلاميين مصريين تستهدف السودان.

احتوت الحملة على العديد من المنشورات، التي لم نجد دليلًا على صحتها. نستعرض أدناه بعض التقارير التي نشرناها عن المعلومات المضللة ضمن هذه الحملة.

نشرت العديد من الصفحات تصريحًا منسوبًا لوزير الدفاع المصري يصف فيه إغلاق الطريق الرابط بين مصر والسودان بأنه “أمر غير مقبول ويهدد الأمن الإستراتيجي المصري”.

وجدنا أن التصريح “مفبرك“.

أيضا، نشرت بعض الصفحات تصريحًا للإعلامي المصري عمرو أديب، يذكر فيه وجوب إيجاد بديل لقائد القوات المسلحة السودانية، عبدالفتاح البرهان.

وجدنا أن هذا التصريح “مفبرك“.

في وقت لاحق، نشأت حملة مكثفة تستهدف نشر أخبار تصور أن مصر تتعرض لخسائر مليارية جراء إغلاق الطريق القاري الرابط بينها وبين السودان. بعد ذلك، نشرت العديد من الصفحات تصريحات منسوبة للرئيس الإثيوبي آبي أحمد، يقول فيها:

“توليد الكهرباء من سد النهضة خطوة كبيرة، سوف نشغل المصانع، وحينها نحتاج إلى السودان، لاستيراد القطن والفول والسمسم والتمور والثروة الحيوانية وغيرها بسعر السوق العالمي. وقد يصل الاستيراد من السودان في العام ما بين 5 – 5.5 مليار دولار”. وقال أحمد، حسب المنشور، “نريد صفقات كبرى بين البلدين، وتبادل تجاري عبر القنوات الرسمية لننهض”.

وجدنا أن التصريح “مفبرك.”

تجاوب الجمهور مع هذه الحملات

تعاطف قطاع من السودانيين مع إغلاق الطريق القاري بين السودان ومصر، المعروف بـ “ترس الشمال”، جعله يدعم الحملة المشار إليها أعلاه، خصوصا أن الحملة قد ناصرت إغلاق الطريق، وادعت أن إغلاق الطريق يؤثر على مسارات تهريب البضائع إلى مصر.

بالتوازي مع الدعم الشعبي العفوي، أبدت لجان المقاومة تضامنها مع “ترس الشمال”، ما أضاف زخمًا كبيرًا للحراك بالولاية الشمالية، وأثر في قبول عدد كبير من السودانيين لما تتضمنه الحملة.

“لجان المقاومة هي لجان تشكلت في أحياء المدن السودانية، لمقاومة نظام حزب المؤتمر الوطني. سطع نجم اللجان إبان ثورة ديسمبر 2018، وأثبتت قدرتها على التأثير على سياق الأحداث بالسودان، بسبب قيادتها للحراك المناهض لإنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م”.

اختفاء محتوى لجان المقاومة بعد هذه الحملة

بعد دعم لجان المقاومة والعديد من المهتمين بالشأن العام من السودانيين لإغلاق الطريق القاري بين السودان ومصر، ظهرت شكاوى من مستخدمي منصة “فيسبوك”، تضمنت عدم ظهور ما أسموه “المحتوى الثوري”، ويُقصد به المحتوى الذي يتناول أحداث الثورة السودانية.

أشار العديد من المتابعين إلى أن منشورات صفحات لجان المقاومة لا تظهر لمتابعيها أبدًا. وذكر بعض مديري الصفحات، أن مستخدمي “فيسبوك” اتجهوا للبحث عن الصفحات، حتى يطلعوا على محتواها. ووجه العديد من المهتمين إتهامات للعديد من الجهات الأجنبية بسعيها لحجب المحتوى الثوري على “فيسبوك”.

لاحقًا، أوضح تقرير نشره موقع “جلوبال فويسز” أن سبب إختفاء “المحتوى الثوري” هجوم إلكتروني تُشير القرائن المتصلة به أنه صادر ومُدار من مصر.

وأشار التقرير إلى أن استهداف “مؤشر الصلة” أو “relevance score“، عبر استخدام خاصية “دمج الصفحات”، مؤشر الصلة: “هو خوازرمية بمنصة “فيسبوك” تعمل على ترتيب أولويات عرض المحتوى للمستخدم حسب اهتماماته التي يبديها تبعا لتفاعله على المنصة”.

أما “خاصية الدمج” فتعمل على دمج صفحتين أو أكثر، وبالتالي يتم ترحيل متابعي الصفحات المدمجة لمتابعة الصفحة الوليدة نتيجة لعملية الدمج، بصورة قسرية دون موافقتهم. بعد ذلك، يتم التلاعب في مؤشر الصلة، عبر نشر كم كبير من المنشورات التي لا علاقة لها بالمحتوى الثوري. عندها، يصبح المحتوى الثوري في قاع المنشورات التي يعرضها حسب “مؤشر الصلة” لكل مستخدم.

خلاصة الحملة الأولى

بفبركة تصريح لوزير الدفاع المصري يهدد فيه السودان، وفبركة تصريح للإعلامي المصري عمرو أديب، وتصوير أن مصر تواجه خسائر مليارية؛ بسبب “ترس الشمال”، دون وجود مستند يثبت صحة الإدعاء، وفبركة تصريح للرئيس الإثيوبي عما سيجنيه السودان من سد النهضة، يتضح أن هنالك جهة ما تناصر إثيوبيا وتنتج خطاب كراهيةٍ تجاه مصر.

وبالمقابل، تحاول تبييض صورة إثيوبيا عبر ترويج معلومات مضللة، توحي بأن إثيوبيا يمكن أن تعوض خسائر السودان في حال خروج مصر من الميزان التجاري السوداني.

في الضفة الأخرى، فوجود قرائن على أن الهجوم الإلكتروني على “المحتوى الثوري” قد تم من داخل الأراضي المصري، يشير إلى أن هناك جهة ما، أرادت ألا يتم التصعيد الإعلامي في الاتجاه المساند لخط “ترس الشمال”.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع