يواجهون الموت والسجن والتجاهل.. ما مصير المهاجرين السودانيين بالمغرب؟

قتلى وجرحى ومفقودين، ومطاردين ومحكومين بالسجن لسنوات”، هكذا انتهى المطاف بغالبية المهاجرين السودانيين بالمغرب، في محاولتهم لتجاوز السياج الحدودي والعبور إلى إسبانيا. 

ويوم الأربعاء الماضي، أصدرت محكمة مغربية حكماً بالسجن على 15 مهاجراً سودانياً لفترات تراوحت بين سنتين إلى ثلاث سنوات. وكان المسجونون قد اعتقلوا قبل أربعة أشهر، إثر محاولة ما يزيد عن الـ 2000 مهاجر، غالبيتهم من السودان، والجزء الآخر منهم من جنوب السودان وتشاد، تخطي السياج الفاصل بين مدينة الناظور المغربية وجيب مليلية (منطقة تشهد تنازع على سيادتها بين المغرب وإسبانيا). 

ورغم مقتل عدد من المهاجرين السودانيين بالمغرب والأحكام القاسية بالسجن والمصير المجهول لبعضهم، إلا أن حكومة الأمر الواقع بالبلاد، لم تتخذ ما يكفي من الإجراءات السياسية والدبلوماسية، لمساعدة مواطنيها.

مأساة 24 يونيو

وفقاً للشرطة المغربية، فإن 23 مهاجراً لقوا مصرعهم في أحداث الرابع والعشرين من يوليو. حيث استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والحجارة على المهاجرين المتشبثين بالسياج. فيما تقول الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن عدد القتلى بلغ 27 مهاجراً.  

وفي أعقاب التصدي العنيف للمهاجرين والذي أدى إلى مقتل العشرات منهم، خرجت تظاهرات في العاصمة المغربية الرباط، وعدة مدن إسبانية للتنديد بالعنف الذي مورس ضد المهاجرين. وطالب المحتجون بإجراء تحقيق حول الحادثة، قبل أن ينددوا بسياسات الهجرة وعنف الشرطة في الحدود.  

من جهتها، استنكرت الأمم المتحدة لجوء كل من: المغرب وإسبانيا لاستخدام العنف المفرط ضد المهاجرين، وقال الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة يوم الثلاثاء، الموافق 28 يونيو “لقد صدمنا بمشاهد العنف الذي وقع عند الحدود بين المغرب وإسبانيا في شمال أفريقيا في 24 يونيو، والذي أسفر عن مقتل العشرات من طالبي لجوء ومهاجرين”. وأكد على أن للمهاجرين حقوق واجبة الاحترام، إلا أنها تُنتهك في كثير من الأحيان. وخلال جلسة شهدتها محكمة الاستئناف بمدينة الناظور المغربية بتاريخ 12 أكتوبر الجاري، قال المعتقل العبيد عوض محمد، إنه وبعد اجتيازه السياج الحدودي نحو مليلية، قبض عليه الحرس المدني الإسباني وسلمه إلى الشرطة المغربية. الأمر الذي  يعتبر خرقاً لقانون اللجوء، وحق المهاجرين في طلب الحماية. نٌقل العبيد إلى مخفر الشرطة وحكم عليه بالسجن لثلاث سنوات.

مسارات بديلة

في العقد الأخير، ومع صعوبات الحياة وانعدام الفرص وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتنامي النزاعات المسلحة في البلاد، ارتفع عدد الشباب الذين سلكوا طريق الهجرة، حاملين آمالاً وأحلاماً بعيش حياة كريمة، بعدما ضاقت عليهم الحياة وحاصرتهم في السودان. حيث يخاطر آلاف السودانيين بحياتهم، في سبيل الوصول إلى أوروبا وطلب اللجوء إليها، وبعدما جربوا لسنوات البحر والصحراء، ها هم يحاولون ركوب مخاطر جديدة للعبور إلى أوروبا عبر السياج الحدودي الفاصل بين المغرب وإسبانيا.

وغالبية المهاجرين السودانيين الموجودين في المغرب  قدموا من ليبيا والتي فروا منها بسبب الوضع الأمني المعقد، والتعرض المستمر للسجن والاعتقال والمعاناة اليومية، لتصبح المغرب مساراً جديداً في رحلة المهاجرين الذين يحلمون بالوصول إلى أوروبا. فمع استعصاء ذلك عن طريق بوابة ليبيا إلى إيطاليا، ها هم يحاولون الوصول إلى إسبانيا عن طريق بوابة المغرب.

وفي سبيل محاولتهم العبور إلى أوروبا، يعيش المهاجرون السودانيين في المملكة المغربية أوضاعاً قاسية عنوانها الفقر والتشرد، فيما يشتكي كثيرون بينهم من عمليات مطاردة واعتقال من قبل الشرطة. ويطمح المهاجرون في الحصول على وضعية لجوء تمكنهم من مواصلة حياتهم بشكل طبيعي.

استجابة خافتة

بعد انتشار خبر مقتل 23 مهاجراً أثناء محاولتهم عبور السياج الحدودي بين مدينتي الناظور ومليلية، ووجود معلومات عن أن من بين القتلى مهاجرين سودانيين، عقد وكيل وزارة الخارجية السودانية، دفع الله الحاج علي، اجتماعاً مع سفير المغرب، حيث طلب الحاج السفير المغربي موافاة وزارة الخارجية بما يتوافر لديهم من معلومات وتسهيل مهمة سفارة السودان في الرباط لزيارة مراكز الحجز وتوفير المعلومات من الجهات المختصة بشأن الضحايا جراء الأحداث. وحسب الحاج، فإن الخارجية لم تتوصل إلى معلومات موثوقة إذا ما كان من بين الضحايا مهاجرين سودانيين.

بالمقابل، تعيش أسراً سودانية حالة من الهلع والخوف على حياة أبنائها مجهولي المصير فيما تنشط عدد من المبادرات الفردية والجماعية لمعرفة مصير المهاجرين، والذين اُحتجز جزء منهم وأصدر في حقهم عقوبات بالسجن والغرامة. وفي حين أن الخارجية السودانية لم تقدم أي معلومات دقيقة حتى الآن، إلا أن الجمعية المغربية تتابع بصورة لصيقة أوضاع السودانيين في المغرب، وتنشر باستمرار أسماء المهاجرين المسجونين وتتابع قضاياهم في المحاكم المغربية. 

فيما لا يزال مصير كثير من المهاجرين السودانيين بالمغرب مجهولاً، حيث لا تتوافر بعد معلومات دقيقة عن القتلى في أحداث 24 يونيو الماضي، أو الجرحى وأماكن وجودهم. وفيما يعيش أهالي المهاجرين حالة من الترقب والانتظار، فإن الجهة الوحيدة التي تعمل برفقتهم حتى الآن هي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي تطالبهم بإرفاق أسماء وصور أبنائهم حتى تتمكن من مساعدتهم في البحث عنهم. 

بعد مرور عدة أشهر عليها وتفاقهما أخيراً، ما تزال مأساة السودانيين في المغرب مستمرة، والتي وصلت أوجها في الرابع والعشرين من يونيو الماضي، مع غياب كامل لتحركات سودانية رسمية حقيقية لاستجلاء أوضاعهم وتقديم المساعدة لهم، ولمعرفة المزيد حول الأمر حاول فريق (بيم ريبورتس) التواصل مع المتحدث باسم الخارجية عدة مرات لكنه لم يرد.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع