عام على توقيعه.. ما تفاصيل وملابسات اتفاق (حمدوك – البرهان)؟

"قررت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء مفسحاً المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء"

 بهذه الكلمات التي وجهها للسودانيين، في مساء الثاني من يناير الماضي، أنهى رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، اتفاقه مع قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان. وفي 21 نوفمبر 2021م، وقع حمدوك والبرهان، اتفاقاً، عاد بموجبه الأول إلى منصبه رئيساً للوزراء، دون أن يؤدي القسم مرةً أخرى، وذلك بعد حوالي شهر من انقلاب 25 أكتوبر.

ما قبل الاتفاق

غداة الانقلاب، فجر يوم الاثنين، الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، اعتقلت قوات من الجيش رئيس الوزراء، ضمن حملة اعتقالات، شملت قيادات من قوى إعلان الحرية والتغيير ومسؤولين في الحكومة الانتقالية. 

في اليوم نفسه، حمّل بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، القيادات العسكرية، مسؤولية سلامته وزوجته اللذين تم اقتيادهما إلى مكان مجهول، مشيراً إلى أن ما حدث يعتبر “تمزيقا للوثيقة الدستورية وانقلاباً مكتملاً”، قبل أن يدعو البيان السودانيين للخروج إلى الشوارع ومناهضة الانقلاب.

وقال البيان “ندعو الشعب السوداني للخروج والتظاهر واستخدام كل الوسائل السلمية المعلومة والتي خبرها وجربها، لاستعادة ثورته من أي مختطف، كما نؤكد أن الشعب السوداني بإرادته الجبارة، هو الحارس لمكتسباته وهو القادر على حماية ثورته”

لكن، وسط ضغط دولي هائل، ودعوات غربية وأممية لإطلاق سراحه، عاد حمدوك في اليوم الثاني للانقلاب إلى منزله تحت حراسة أمنية مشددة، حيث بقي قيد الإقامة الجبرية، إلى حين توقيعه الاتفاق في 21 نوفمبر 2021م.

بينما كان حمدوك في معتقله، استمر آلاف المتظاهرين في التدفق إلى الشوارع منددين بالانقلاب رافعين شعار: (لا شراكة، لا تفاوض، لا شرعية) والذي عبر عن رفض قاطع لانقلاب الجيش. حيث استمرت التظاهرات إلى جانب إغلاق الشوارع الرئيسية والفرعية في العاصمة ومدن مختلفة بالبلاد، حتى أعلنت لجان المقاومة عن مواكب في مدن العاصمة الخرطوم الثلاث في يوم 30 أكتوبر وحمل المتظاهرون شعارات تدعم موقف حمدوك الرافض للانقلاب.

في نوفمبر استمرت التظاهرات المناهضة للانقلاب، وفي ظل عدم وضوح الصورة العامة في البلاد، زارت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، مولي في، الخرطوم، في أيام 14-15-16، والتقت خلال زيارتها برئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، وعدداً من أطراف في الحكومة والمجتمع المدني، وأكدت خلال تلك اللقاءات دعم الولايات المتحدة للانتقال الديمقراطي. لكن غالبية السودانيين لم يكونوا على علم بما الذي كان يجري خلف الكواليس.

ومع استمرار القمع الأمني للمتظاهرين السلميين منذ 25 أكتوبر، والذي وصل ذروته بإرتكاب قوات الأمن مجزرة بحري في 17 نوفمبر، وحالة عدم اليقين السياسي التي كانت تعيشها البلاد، واستمرار تظاهرات آلاف السودانيين في العاصمة الخرطوم في يوم 21 نوفمبر تنديداً بالانقلاب، ظهر حمدوك إلى جانب البرهان وهما يوقعان اتفاقاً بالقصر الرئاسي -على بعد مئات الأمتار فقط من مقر التظاهرات بوسط الخرطوم.  

بمشاعر متباينة، تلقى الشارع السوداني الذي كان يرفع بعضاً منه صور حمدوك، أخبار توقيع الاتفاق، وبحلول الساعة الثانية ظهراً، نقلت قنوات محلية وأجنبية مراسم التوقيع بينه وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان.

الاتفاق السياسي حمدوك البرهان

بنود الاتفاق

احتوى نص اتفاق حمدوك-البرهان على 13 بنداً، والتي تمثلت في التأكيد على أن الوثيقة الدستورية لعام 2019م تعديل 2020م، هي المرجعية الأساسية القائمة لاستكمال الفترة الانتقالية.

وأكد الاتفاق على مراعاة وضعية شرق السودان، وتعديل الوثيقة بالتراضي بما يضمن مشاركة سياسية شاملة لمكونات المجتمع كافة عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول، وإشراف مجلس السيادة الانتقالي على تنفيذ المهام الواردة بالمادة 8 من الوثيقة.

كما أشار إلى ضرورة الالتزام بتكوين حكومة مدنية من الكفاءات الوطنية المستقلة، وضمان انتقال السلطة في موعدها المحدد للحكومة المدنية، وإدارة الفترة الانتقالية بموجب إعلان سياسي يحدد إطار الشراكة بين القوى المدنية والمكون العسكري والإدارة الأهلية ولجان المقاومة وقوى الثورة الحية وقطاعات الشباب والمرأة ورجالات الطرق الصوفية.

أيضاً، نص الاتفاق على التحقيق في الأحداث التي جرت أثناء التظاهرات وتقديم الجناة للمحكمة، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وتنفيذ اتفاق سلام جوبا وإلحاق غير الموقعين عليه في الاتفاق، بجانب الإسراع في استكمال جميع مؤسسات الحكم الانتقالي وابتدار حوار (موسع وشفاف) يؤسس لقيام مؤتمر دستوري، وإعادة هيكلة لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو وتفعيل لجنة الاستئنافات ومراجعة قراراتها وفقاً لدرجات التقاضي، والعمل على بناء جيش موحد.

ترحيب دولي وإقليمي

ما أن تم توقيع الاتفاق السياسي، بين حمدوك والبرهان، حتى سارع المجتمعين الدولي والإقليمي بالترحيب به، وعَدوه خطوة نحو تراجع الجيش عن إجراءاته (انقلابه) التي أعلنها في 25 أكتوبر.

وكانت دول الترويكا التي تضم: (النرويج، بريطانيا والولايات المتحدة)، بجانب الاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا من أوائل المرحبين بالاتفاق. فيما عبر وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، عن ترحيبه بـ”التقارير” التي تفيد بأن محادثات الخرطوم ستؤدي إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين وعودة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى منصبه، أيضاً رحبت بعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس) بالاتفاق، والذي لاقى ترحيباً كذلك، من دول: الإمارات، مصر والسعودية.

حمدوك في مكتبه مرةً أخرى

بالتوقيع على هذا الاتفاق يُلغى قرار قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بإعفاء عبد الله حمدوك من رئاسة الحكومة”كان هذا البند الأخير في وثيقة الاتفاق بين حمدوك والبرهان، وكان بمثابة خاتمة لنحو شهر من وضعه تحت الإقامة الجبرية واعتقال قيادات ائتلافه السياسي وأعضاء حكومته الانتقالية.

بموجب هذا الاتفاق، عاد حمدوك إلى منصبه، لكن في خضم تجميد طال عددًا من نصوص الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية، والتي طالما شدد على ضرورة الالتزام بها طوال أكثر من عامين بقليل.

رفض للاتفاق واستقالات

لم ينتظر تحالف الحرية والتغيير كثيراً حيث سارع في إعلان رفضه للاتفاق، بجانب الرفض الواسع له من قبل الشارع الذي تمسك بلاءاته الثلاثة، وبالتالي كان موقفه تجاه الاتفاق رفضاً مطلقاً. فضلاً عن ردود الفعل السريعة الرافضة للاتفاق أيضاً من جانب قوى سياسية أخرى ونقابات.

“حمدوك مد يده إلى جحر الأفعى ولن يناله منها غير السم والغدر”. هكذا وصفت اللجنة الإعلامية لقوى الحرية والتغيير الاتفاق الإطاري بين حمدوك والبرهان، مشيرة إلى رؤيتها بأن الاتفاق لم يتطرق إلى جذور الأزمة الناتجة عن انقلاب 25 أكتوبر والمتمثلة في تكرار الالتفاف على الثورات عن طريق الانقلابات العسكرية وقطع الطريق أمام التحول المدني الديمقراطي.

 

وفي اليوم الثاني من توقيع الاتفاق، نشرت الصفحة الرسمية لوزارة الثقافة والإعلام، بياناً ذكرت فيه، أن 12 وزيراً في حكومة حمدوك تقدموا باستقالاتهم من مناصبهم مكتوبة لرئيس الوزراء، استنكاراً لتوقيعه اتفاقاً مع البرهان.

لم يغير ذلك من موقف حمدوك الذي بدأ في تنفيذ مهامه بعد توقيع الاتفاق مباشرة، حيث أصدر أول قراراته في 24 نوفمبر بإيقاف قرارات العزل والتعيين التي أصدرها البرهان بعد استيلائه على السلطة في 25 أكتوبر -بكافة الوحدات الحكومية على المستويين القومي (الحكومة المركزية) والولائي (حكومات الولايات).

 

في ذلك الوقت كان الحراك الشعبي المناهض لانقلاب الجيش في أوج اشتعاله، والذي زاد من حدته مجزرة 17 نوفمبر في بحري ثم تلاها الاتفاق السياسي الذي وقعه حمدوك، لم يخفف ذلك من طبيعة الحراك وهدفه الجاد بشأن إسقاط الانقلاب.

بعد الاتفاق مباشرة، دعت لجان المقاومة لتظاهرات في 25 نوفمبر بذات الحشد وذات المسارات وكان التغيير الوحيد الملحوظ هو الشعارات التي تبدلت من أجل الموقف المبدئي المناهض للانقلاب وما تلاه من إجراءات، حيث ندد المتظاهرون في شعارات تدين موقف حمدوك باتفاقه مع البرهان وبعد أن حظي بمناصرة شعبية واسعة أصبح في كفة واحدة مع من تريد المقاومة إسقاطهم.

 

في غضون يومين صدر قرار آخر في 27 نوفمبر بإعفاء كل من “الفريق أول شرطة حقوقي خالد مهدي إبراهيم الإمام من وظيفة مدير عام قوات الشرطة، والفريق شرطة حقوقي الصادق علي إبراهيم من وظيفة نائب مدير عام قوات الشرطة على خلفية قمع الشرطة المفرط في التظاهرات السابقة”. وأتى هذا القرار بعد ساعات قليلة من الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين.

إقالة‌ ‌مدير‌ ‌الشرطة؟‌ ‌أم‌ ‌إصلاح‌ ‌المؤسسة‌ ‌نفسها؟‌

 كان الحراك الشعبي المتواصل ينفي مبررات توقيع عبد الله حمدوك على الاتفاق شيئاً فشيئاً، ففي خطابه لإعلان توقيع الاتفاق، أشار حمدوك إلى أن أحد دواعي التوقيع كان “حقن الدماء” وأردف قائلا “دماء السودانيين ثمينة، دعونا نوقف إراقة الدماء ونوجه طاقات الشباب إلى البناء والتنمية”، لكن تلك الكلمات لم تغير شيئا من موقف الأجهزة الأمنية التي كانت وما زالت تقابل التظاهرات السلمية باستخدام قمع مفرط يسفر عنه كثير من المصابين والقتلى.

وهو الأمر الذي لم يتردد حمدوك في ذكره في خطاب استقالته، قائلاً: “رغم ما بذلت كي يحدث التوافق المنشود والضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء، ولكن ذلك لم يحدث”. حيث أسفرت التظاهرات -التي تلت توقيع الاتفاق في 21 نوفمبر وحتى تلاوته خطاب الاستقالة من منصبه في 2 يناير- عن 15 شهيداً في احتجاجات مختلفة.

تفاصيل الاستقالة

“إن قبولي التكليف بمنصب رئيس الوزراء كان على أرضية وثيقة دستورية وتوافق سياسي بين المكونين المدني والعسكري، إلا أنه لم يصمد بنفس الدرجة من الالتزام والتناغم التي بدأ بها” يقول حمدوك عن عدم تماسك اتفاق الشراكة بين المدنيين والعسكريين الذي وقع في أغسطس 2019م، وكانت نهايته انقلاب 25 أكتوبر 2021م.

وأشار حمدوك في خطاب استقالته، إلى ما وصفها بالتحديات الجسام التي واجهتها حكومة الفترة الانتقالية والتي قال إنها تعاملت معها بجهد أبناء الوطن الأوفياء، مؤكداً على انتهاجهم الحوار والتوافق في حلحلة بعض القضايا، لافتاً إلى ما حققوه من نجاح في إدارة بعض الملفات، ومقراً بالإخفاقات في بعضها.

رغم الاعتراضات والرفض الواسع، لاتفاقه مع البرهان، إلا أن الأزمة السياسية في البلاد تعقدت، في أعقاب استقالة حمدوك، حيث رأى محللون سياسيون، أن خروجه من المشهد السياسي، في ذلك التوقيت، حرر شهادة وفاة رسمية لأي فرصة للتوصل إلى صيغة تفاهم بين المدنيين والعسكريين.

بعد مرور عام على اتفاق حمدوك – البرهان، ما تزال قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم – سابقاً)، منخرطة في مفاوضات (غير معلنة) مع قادة سلطة الأمر الواقع، على أساس الدستور الانتقالي لسنة 2022م، الذي أصدرته نقابة المحامين في أكتوبر الماضي، على أمل إنهاء الانقلاب، حسبما ظلت تؤكد دائماً.

في الوقت الذي يتمسك فيه الشارع بالتصعيد الثوري كتعبير عن رفضه لأي مستجدات سياسية قد تطرأ ولا ترضي طموحه، ليجد الشارع نفسه يدفع ثمن هذه المطالب بتقديم مزيد من الدماء، في مواجهة عنف العسكر الذين فتحوا الباب واسعاً بعد استقالة حمدوك لحزب المؤتمر الوطني المحلول في العودة إلى مفاصل ومؤسسات الدولة.

أما بالنسبة لقوى الحرية والتغيير، فهي تعمل على محاولة الوصول إلى اتفاق مع العسكر لـ”إنهاء الانقلاب”، وفي طريقها إلى ذلك، اصطحبت معها قوى سياسية كانت ضمن منظومة نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، وهو الأمر الذي قد يضعها في مواجهة الشارع، ويعصف باتفاقها المرتقب.

فضلاً عن أن أهداف الشارع بشكل أساسي تتمثل في محاكمة قادة المجلس العسكري و(إبعادهم) من المشهد السياسي مرةً واحد وإلى الأبد، وبينما قطع اتفاق حمدوك الطريق أمام عودة النظام المخلوع، تنتظر قادة الحرية والتغيير، حال عقدوا اتفاقاً مع العسكر، مهام عديدة، ليس أقلها إنهاء التمكين، وتحقيق العدالة، لكن الواقع يشير إلى أن مهمة شبه مستحيلة في انتظارهم لاستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع