وسط أزمة شاملة.. كيف حولت الأجسام النقابية والمطلبية (2022) إلى عام للإضرابات والاحتجاجات المستمرة؟

في معركة مبكرة، في أعقاب سقوط نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، وتوليه السلطة، سارع المجلس العسكري الانتقالي المحلول، بإصدار قرار بتجميد جميع النقابات والإتحادات المهنية في البلاد بتاريخ 28 أبريل 2019م، لقطع الطريق أمام قيام نقابات جديدة، تسهم في تثبيت الثورة وطريق التحول الديمقراطي.
بعد حوالي أسبوعين من استيلائه على السلطة عقب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير عبر ثورة شعبية، سارع رئيس المجلس العسكري الانتقالي المحلول، عبدالفتاح البرهان، إلى إصدار قرار بتجميد نشاط النقابات والاتحادات المهنية في 28 أبريل 2019م

خطوة المجلس العسكري المحلول، لاقت انتقاداً كبيراً من القوى السياسية المعارضة وقتها وأجسام نقابية، بسبب أن القرار تحدث عن تجميد النقابات المحسوبة على النظام البائد وليس حلها. لكن تحت ضغط الثورة، تراجع المجلس العسكري، بعد أقل من شهر عن قرار التجميد. 

استمرار محاولات تأسيس نقابات واتحادات جديدة خلال الفترة الانتقالية، أثنى القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان لفترة، لكن بعد يوم واحد من انقلاب 25 أكتوبر 2021م، أصدر قراراً بحل الاتحادات المهنية واللجان التسيرية التي كانت شكلتها لجنة إزالة التمكين، ليقطع بذلك الطريق على محاولات القوى الثورية أثناء الفترة الانتقالية بتشكيل نقابات منتخبة من قواعدها، بدلا عن لجان التسيير المعينة من الحكومة الانتقالية. البرهان لم يكتف بذلك، بل حاول إعادة نقابات النظام البائد للواجهة  مرة أخرى.

ومع ذلك، لم تتوقف محاولات البرهان، في محاولة إعادة تشكيل المشهد النقابي لصالح النظام المخلوع، فأصدر قراراً في الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي، بتجميد نشاط النقابات والاتحادات المهنية والاتحاد العام لأصحاب العمل.

في خطوة سبقها إصدار قرارات قضائية بإعادة رموز من النظام المخلوع كان قد تم فصلهم في عهد الحكومة الانتقالية. كما أعلن عن تشكيل لجنة برئاسة مسجل عام تنظيمات العمل بوزارة العدل لتكوين لجان تسيير للنقابات والاتحادات المهنية والاتحاد العام لأصحاب العمل وتحديد وحصر أرصدة وحسابات هذه النقابات المجمدة داخل وخارج السودان ووضعها تحت السيطرة. قبل أن يصدر قرار قضائي من المحكمة العليا في الثالث والعشرين من يناير الماضي، بتوقيف قرار البرهان.

احتجاجات وإضرابات مستمرة

رغم العراقيل التي ظلت توضع لمنع العمال والمهنيين من ترتيب أنفسهم وإكمال تشكيل أجسامهم النقابية، بدلاً عن لجان تسيرية تعمل في ظل ظروف سياسية معقدة تفتقر لأبسط مظاهر الديمقراطية. استمر المهنيون والعمال في الاحتجاج بشكل متواصل أمام المقار الحكومية مثل وزارتي: المالية والتعليم العالي ومجلس الوزراء، احتجاجاً على سياسات الدولة الاقتصادية. 

بالإضافة للإضرابات والوقفات الاحتجاجية التي شهدتها عشرات المؤسسات في قطاعات التعليم والصحة والنقل والصناعة والتجارة والموانئ العام الماضي. وحسب إحصاءات غير رسمية، فإن الإضرابات المتكررة في القطاعات المختلفة تسببت في ضياع أكثر من 80 يوماً من العمل خلال عام 2022م. 

وأسباب استمرار هذه الموجة من الإضرابات، هو عدم إيفاء موازنة العامين الماضيين باستحقاقات العاملين، في ظل ظروف اقتصادية طاحنة تشهدها البلاد، علاوة على حالة عدم الاستقرار السياسي.

وفي خضم هذه الاحتجاجات والإضرابات، حاول وزير المالية بحكومة الأمر الواقع، جبريل إبراهيم شرح تفاصيل موازنة العام 2023م.

وقال في تصريحات صحفية إن “الموازنة الجديدة  للعام 2023م تعتمد على الموارد الذاتية للدولة من رسوم جمركية وضرائب ورسوم مصلحية وغيرها من الإيرادات الذاتية “، قبل أن يشير إلى أن تدفق المنح والقروض يعتمد على تكوين حكومة بقيادة مدنية لاستكمال ما وصفه بالإصلاح الاقتصادي الذي بدأ تنفيذه في العام قبل الماضي بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، وهو ما أثار تساؤلات عن مصير الموازنة، حال لم تلق هذه الدعومات، وتأثير موازنة هذا العام على حجم الإضرابات التي ستنفذ وتأثيرها على الدولة.

لكن تصريحات إبراهيم التي بدأ إطلاقها منذ ديسمبر الماضي غلب عليها طابع التناقض. فتارة يشير إلى تفاؤله بالعام الحالي ويعد بحل مشاكل البلاد والعاملين بالخدمة المدنية، واصفاً موازنة العام الحالي بالواقعية. وتارة أخرى، يعترف بوجود عجز يحتاج لدعم خارجي، هذا غير الاختلاف في أرقام مبلغ الموازنة.

وكانت الحكومة الانتقالية السابقة، قد بدأت في تنفيذ خطة إصلاح اقتصادية بمراقبة البنك الدولى لإعفاء ديون السودان الخارجية، والحصول على دعم ومساعدات طارئة، لكن هذه الجهات اشترطت وجود حكم مدني في السودان للحصول على هذه الدعومات مما أدى لتعليقها بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م.

توحيد الهيكل الراتبي هو الحل

“دائرة الإضرابات ستتسع أكثر فأكثر في ظل حالة الفراغ الحكومي الآني الذي أعقب انقلاب 25 أكتوبر 2021م، في ظل عدم وجود نقابات رسمية”،  بحسب تصريح صحفي للخبير في مجال العمل النقابي محمد خوجلي، والذي أضاف موضحاً أنه : “حتى الحلول والعلاجات الطارئة لقضية الإضرابات، تفتقر إلى الخبرات الكافية وخصوصاً من قبل الحكومة التي تصرف الحوافز من دون أدنى ضوابط أو معايير، ما خلق الكثير من الظلم وسط الفئات المختلفة”.

وانتقد خوجلي دور وزارتي العمل والإصلاح الإداري والمالية اللتين فشلتا تماماً وفق ما قال في إدارة الملفات المنوطة بها، لا سيما الاختلال الكبير في الرواتب والمخصصات من وزارة إلى أخرى ومؤسسة إلى أخرى، مشيرا إلى أن المعالجة النهائية تكمن في التوحيد الكامل للهيكل الراتبي بما يخلق عدالة بين جميع القطاعات.  

عام الإضرابات

في العام الماضي، انخرطت قطاعات التعليم والصحة والصناعة والتجارة في إضرابات متتابعة للمطالبة بتحسين الخدمات والأجور امتداداً للحراك الذي بدأ منذ العام 2021، وبعض هذه المطالبات رفعت شعارات إسقاط الانقلاب.

  بدأ موظفو بنك الخرطوم العام الجديد 2023م  بالإضراب عن العمل فى أكثر من 80 فرع بالخرطوم وعدد من الولايات، ضمن سلسلة إضرابات بدأت في ديسمبر الماضي، احتجاجًا على الفصل التعسفي الذي طال 210 موظفين و547 حالة إنذار بالفصل، لحقها فصل 10 أعضاء من مبادرة موظفي بنك الخرطوم. وتركزت مطالب الموظفين وقتها في تحسين الأجور وإعادة المفصولين.

وامتداداً، لما بدأته في 29 أغسطس من العام 2021م، بعد تقديمها مذكرة إلى رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، تطالب فيها بتحسين وضع الأستاذ الجامعي وتطبيق هيكل راتبي خاص بالأساتذة أُسوةً بالقُضاة والمُستشارين، أعلنت لجنة أساتذة الجامعات السودانية عودتها للإضراب الشامل في 2 يناير 2022م.

 

وفي الثاني من فبراير 2022م، قررت وزارة المالية، بعد اجتماع مشترك مع لجنة أساتذة الجامعات تكوين لجنة لمعالجة قضية الهيكل الراتبي لأساتذة الجامعات السودانيين. وفي أبريل 2022 استجابت سلطة الأمر الواقع لمطالب أساتذة الجامعات انتهت بإعلان اللجنة عبر بيان  لها عن تعليقها الإضراب ابتداء من الثامن من مايو بشروط تحقيق مطالب صرف المتأخرات، وتكملة الهيكل الاستثنائي. حيث استجابت السلطات لأساتذة الجامعات و أجازت الهيكل الراتبي وأفرجت عن مرتبات معدلة لأساتذة الجامعات في مايو 2022 بعد نحو عام من الإضراب المستمر. لكن مع ذلك، عاود الأساتذة الإضراب أكثر من مرة  بسبب عدم إيفاء وزارة المالية بمستحقات الراتب الجديد بعد أشهر وحتى بداية العام الحالي منذ 10 يناير الماضي.

أيضاً، شهد قطاع التعليم تنفيذ لجنة المعلمين السودانين إضراباً عاماً عن العمل بجميع  مدارس البلاد، بتاريخ 10 مارس 2022م، احتجاجاً على تشوه الهيكل الراتبي بعد رفع اللجنة مذكرة إلى وزارة المالية تتضمن ثلاثة مطالب تمثلت في: (رفع الحد الأدنى للأجور إلى 24 ألف جنيه، إزالة الازدواجية في الرواتب وصرفها بهيكل واحد – هيكل 2022. المعدل، وصرف راتب فبراير معدلاً مع صرف فرق يناير في مارس).

وبعد استمرار المالية في تجاهل مطالبها، عاودت اللجنة إضرابها مرة ثانية في الثالث من أبريل العام الماضي حتى السابع من أبريل واستمر الإضراب حتى موعد امتحانات الشهادة الثانوية الأمر الذي دفع اللجنة لتقديم طلب بتأجيل موعدها.

تقديم مذكرة

 بعد شهرين من الإضراب قدمت لجنة المعلمين مذكرة لوزير التربية والتعليم بحكومة الأمر الواقع، محمود سر الختم الحوري، بتاريخ 8 مايو 2022، تطالبه فيها بتمديد مواعيد امتحانات الشهادة الثانوية المزمع قيامها وقتها في 11 يونيو 2022م، استنادا إلى دراسة أجرتها، أثبتت أن بعض الولايات لن تستطيع إكمال المقررات الدراسية قبل الموعد.

وقالت اللجنة: “اتضح لنا من خلال الدراسة التي شملت الولايات الأكثر تأثراً بالإضراب، الحاجة الماسة لتأجيل امتحانات الشهادة السودانية لمدة ثلاثة أسابيع حتى تتاح عدالة الفرص في التحصيل لأبنائنا الطلاب، والتي تباينت من ولاية لولاية، ومن تعليم حكومي إلى تعليم خاص. وهذا بدوره أمر يقتضي النظر إليه وأخذه في الاعتبار”، لكن الوزارة رفضت الطلب وتمت إقامة الامتحانات في ظل ظروف صعبة.

ومع بداية العام الحالي، أعلنت اللجنة عودتها للإضراب بالتزامن مع الإعلان عن الموزانة الجديدة. ففي 12 مايو 2022م، أضرب  العاملون في ولاية شمال كردفان  احتجاحاً على عدم تنفيذ الهيكل الراتبي لموظفي الخدمة المدنية عدا المعلمين واستمر لما يزيد عن الـ٣ أشهر.

سلسلة إضرابات

 في  7 أغسطس  2022 أضرب  4 آلاف عامل بشركة السكر السودانية، كما نفذ  29 قطاعا بولاية البحر الأحمر احتجاجات على عدم سداد الولاية مستحقاتهم في نفس التاريخ. أيضاً أقام أهالي منطقة العبيدية الفاروق اعتصاما مفتوحاً جوار مبنى الوحدة الإدارية  تحت شعار (الأمن مقابل التعدين)، بسبب تضرر الأهالي من التعدين وهو ثاني اعتصام بعد اعتصام 5/5/2022، بعد خلاف بين الشركة السودانية للموارد المعدنية والمواطنين حول الإشراف على تنفيذ الخدمات.

فيما أضربت في أغسطس نفسه، أكثر من 8 مؤسسات في ولاية شمال دارفور استجابة لدعوة أطلقتها اللجنة العليا لمطالب العاملين بالولاية والتي تشمل 28 موظفاً من هذه المؤسسات.

وفي 30/8/2022 نفذ موظفو الضرائب إضرابا عاما، أصدر بعده أمين عام الضرائب محمد علي مصطفى، قرارا بعدم ممارسة أنشطة نقابية لمديري الإدارات والولايات والمراكز بنهاية العام.

كما نفذ العاملون بالنقل النهري كوستي إضرابا مفتوحا  في 31 أغسطس 2022 تنديدا بعدم وجود هيكلة وظيفية واتهامهم للمسؤول الإداري السابق، محمد المعتصم في فساد بالشركة، واستمر الاحتجاج بسبب قرار قضائي من محكمة كوستي الجزئية التابعة للجهاز القضائي ولاية النيل الأبيض بمصادرة ممتلكات الشركة وتسريح الموظفين.

وبهدف الضغط على الحكومة لصرف رواتبهم ومستحقات المالية، أضرب  أطباء الامتياز عن العمل لمدة 3 أيام من الـ11 إلى الـ13 من سبتمبر في 30 مستشفى حكومي بالعاصمة والولايات، وبعد مضي الأيام الثلاثة من دون استجابة لمطالبهم، مُدّد الإضراب ثلاثة أيام أخرى، واستمر حتى تاريخ الـ21 من سبتمبر.

أيضاً، أضرب موظفي معتمدية اللاجئين بمكاتب ولايات الخرطوم، القضارف، كسلا، النيل الأبيض، كادقلي والفولا ومعسكرات أم راكوبة وكيلو 26 القربة، وود شريفي والشجراب  بتاريخ 18 سبتمبر.

في  19 /9 / 2022 ، عاود العاملون بالنقل النهري كوستي التصعيد مرة أخرى بعد قرار مدير النقل النهري الجديد، محسن سليمان البنا، بإخلاء العمال الذين لم يسددوا إيجار السكن التابع للشركة منازلهم.

وفي 20 سبتمبر 2022م، أضرب 60 موظفاً بالتأمينات الصحية بولاية وسط دارفور احتجاجا على قرار إداري من وزارة الصحة بفصل 6 كوادر كانت قد أصدرت نفس الإدارة  قرار بفصلهم من  مستشفى زالنجي قبلها بشهر، مما دفع  22  كادر طبي للتوقف عن العمل بالمستشفى وبنك الدم تضامنا مع المفصولين.

كما لوّح 400 أستاذ يعملون بعقود خاصة في جامعة الخرطوم في سبتمبر الماضي، بالاستقالة بعد تخفيض رواتبهم بنسبة 50 في المائة، سبقه إضراب للعاملين في الصندوق القومي لرعاية الطلاب.

إضرابات حكومية

تواصلت الإضرابات لتشمل عاملين في وزارات حكومية، مثل إضراب عمال وزارة الزراعة والغابات التي أعلن العاملون فيها بدء إضراب تدريجي عن العمل في المركز والولايات في 25 سبتمبر الماضي، للضغط على السلطات لتنفيذ مطالبهم الخاصة بالرواتب والمخصصات الأخرى، وهدّد المهندسون بالبث الإذاعي والتلفزيوني بالدخول في إضراب قبل أن تستجيب وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لمطالبهم، لكن عدم وفائها بالتزاماتها مع عمال ومهندسي قطاع الكهرباء، أعاد إضراب عمال الكهرباء إلى الواجهة يوم الـ25 من الشهر الماضي، وهو الإضراب الثاني في سبتمبر للعمال إذ سبقه آخر نفذ في 6 سبتمبر 2022. وفي 28 سبتمبر، رفع العاملون بوزارة التجارة والتموين في المركز والولايات إضرابهم بعد تشكيل لجنة لتنفيذ مطالبهم بعد يومين من الإضراب.

إضراب القطاع التجاري

 في ظاهرة نادرة امتدت الإضرابات إلى الأسواق، إذ أغلق التجار محالهم، في مدن: تمبول والقضارف والأبيض والدمازين وعطبرة وغيرها، احتجاجاً على السياسات الضريبية الجديدة التي رفعت نسبة الضرائب عشرة أضعاف حتى وصول الحكومة معهم لحل وسط بدفع نصف الضريبة.

 وفي نوفمبر 2022م، نفذ العاملون في وزارة الصناعة إضرابا مفتوحا، بالإضافة لإضراب آخر نفذه عمال السكة حديد بعطبرة للمطالبة بتعديل الأجور وصرف علاوة مستحقة.

فيما أغلق محتجون ميناء بشائر للمطالبة بالتعويض عن الأراضي والتوظيف والتنمية والخدمات بالمنطقة، مما أجبر العاملين في الدخول في إضراب قسري عن العمل في نفس الشهر.

كما فتح بنك فيصل الإسلامي باب الاستقالات الطوعية للعاملين، بعد قرار لمجلس الإدارة بإغلاق بعض مكاتب الصرف ونوافذ الخدمة ومقترحات دمج وتقليص بعض الأقسام.

أيضاً، دخل عمال هيئة مياه الخرطوم في إضراب جزئي في 10 نوفمبر استثنى عمال التشغيل في المحطات النيلية والآبار، للمطالبة بحقوق مالية من خلال التصديق على لائحة مالية أعدتها اللجنة، أيضا نفذ موظفو بنك السودان المركزي وقفة احتجاجية للاعتراض على حملات النقل التعسفي التي طالت موظفي البنك.

حراك طلابي

شهد نهاية العام 2022 حراكاً طلابياً واسعاً، دفع جامعات مثل السودان لتعليق الدراسة بسبب تخفيض وزارة المالية الدعم الموجه للجامعات الحكومية من 250 مليون جنيه إلى 50 مليون جنيه لكل جامعة في العام. كما أعطت الجامعات الضوء الأخضر لزيادة إيراداتها عبر زيادة الرسوم وغيرها من الموارد لتغطية نفقاتها واحتياجاتها بما في ذلك الفصل الأول (مرتبات) العاملين، والتنمية والتسيير وغيرها من المصروفات، وفي ظل هذه الزيادة وصلت الرسوم السنوية في بعض الجامعات الحكومية إلى ما يعادل أكثر من ألف دولار.

وواجهت عدد من الجامعات الحكومية وأكثر من 20 ألف مدرسة في السودان إمكانية التعطيل بسبب الإضرابات المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وأزمة رسوم الجامعات الحكومية الأخيرة والتي بلغت الزيادة فيها أكثر من 900 في المئة أثرت على آلاف الطلاب. وكان ما يفوق الـ” 22956 ” طالبا وطالبة بالجامعات السودانية  قد تأثروا من إضراب أساتذة الجامعات العام الماضي.

ونفذت لجنة مطالب العاملين بديوان الضرائب إضراباً في الفترة من 25 إلى 27 ديسمبر على الرغم من تهديد الأمين العام للضرائب للعاملين المضربين.

وأوضحت اللجنة، أنها حددت هذا التوقيت للإضراب لأهميته القصوى في التوريدات الأخيرة لقفل حسابات ميزانية الدولة للعام 2022م.

في السياق، دخل العاملون في وزارة الصناعة الاتحادية ، في إضراب عن العمل  في 25 ديسمبر استمر ليومين بسبب عدم الاستجابة لمطالبهم بتحسين بيئة العمل ورفع الأجور، وأوضحوا أن الرواتب لا تكفي () من احتياجاتهم.

وفي 26 ديسمبر، دخل العاملون في مصلحة الأراضي بولاية الخرطوم إضراباً عن العمل  لمدة ثلاثة أيام للمطالبة باستحقاقات مالية، كان والي الخرطوم بحكومة الأمر الواقع قد التزم بتنفيذها في 22 ديسمبر. كذلك، نظم العاملون في التأمين الصحي في الخرطوم والولايات وقفات احتجاجية في نفس التاريخ احتجاجاً على التراجع عن تطبيق تعديل المنشور الملزم من ديوان شؤون الخدمة 2022م على الحوافز والمكافآت.

وطالب العاملون خلال الوقفات بالتنفيذ الفوري والملزم لمنشور ديوان شؤون الخدمة على الحوافز والمكافآت قبل نهاية العام.

إضرابات بداية العام

في 10 يناير، أعلن 80% من أصل 8 آلاف عامل بديوان الضرائب الدخول في إضراب مفتوح عن العمل احتجاجا على كشف المناقلات التعسفية الذي أصدره الأمين العام للديوان محمد علي عبدالله والذي قضى بنقل 84 موظفا وعاملا من أعضاء لجنة مطالب العاملين والداعمين الأساسيين لها بقرار رسمي لإضرابهم عن العمل، احتجاجا على عدم تنفيذ مطالبهم بتحسين شروط الخدمة ورفض إدارة الديوان مقابلتهم، وقالت اللجنة في بيان لها إن الإضراب سيستمر حتى تحقيق مطالبهم بتحسين شروط الخدمة وإلغاء قرار التنقلات التعسفية وإقالة الأمين العام للديوان.

وفي 15 يناير الماضي، أضرب أصحاب الحافلات العامة نتيجة ارتفاع رسوم الترخيص وزيادة المخالفات المرورية علاوة على زيادة رخصة القيادة وكروت الخطوط،ودفع الإضراب السلطات لإعلان تجميد المخالفات حتى مطلع الشهر المقبل، وإتاحة الفرصة أمام المركبات لتجديد الترخيص.

فيما استمر إضراب معلمي المدارس الحكومية الذي نفذته نهاية ديسمبر،مما دفع الحكومة لتغيير التقويم الدراسي بتقديم موعد العطلة في محاولة لقطع الطريق أمام نجاح الإضراب الذي تقرر تنفيذه ل 3 أسابيع.

وفي 25 يناير عقدت وزارة المالية اجتماعا مع لجنة المعلمين ومسؤولين بمجلس السيادة بسلطة الأمر الواقع لبحث أزمة إضراب المعلمين، خلص إلى رفع الإنفاق على التعليم بنسبة 14.8% من ميزانية 2023 وأقر بمراجعة العلاوات ذات القيمة الثابتة في موازنة العام الجاري. وفي 20 سبتمبر 2022 الماضي، نشرت لجنة المعلمين دراسة قالت فيها إن راتب المعلم يغطي 13% فقط من تكاليف المعيشة الأساسية.

حراك في طريق قيام النقابات

“حراك العمال والمهنيين، مربوط بالحركة الجماهيرية في صعودها وهبوطها لكنه مستمر رغم تباطؤه أحياناً”، يقول الخبير النقابي محجوب كناري لـ( بيم ريبورتس). مضيفاً: “رغم كل ما تبذله سلطة الانقلاب والموالين لها من جهود لمنع العمال من تكوين نقاباتهم وإحباط مجهوداتهم، نشهد كل يوم قيام نقابة جديدة”.

ويعتقد كناري أنه بغض النظر عن القانون الحالي أو المقترح، ينجح العمال في إنشاء النقابات، مشيرا إلى أن قيام النقابات في السودان على مدى التاريخ  غير مرتبط بالقانون لأنها قامت قبل تعيين قانون.

ورأى كناري، أن الحراك الحالي سيتوج بقيام النقابات في كل القطاعات، ويواصل: “ستقوم النقابات بفهم جديد مربوط بإرث نقابي في السودان وبالمعايير الدولية، وستأخذ أشكالها الجديدة رغم العقبات والعراقيل التي توضع لها وستنجح في تكوين اتحاداتها وستشهر سلاحها المجرب (الإضراب السياسي)، وستنجح مع غيرها من لجان المقاومة والأحزاب في عمل التغيير الذي تحتاج إليه البلاد للمضي قدماً”.

وفقاً للخبير النقابي، فإن اللجان التسييرية فشلت في تكوين نقاباتها بسبب كونها لجان غير منتخبة، مشيرا إلى أن اللجان المنتخبة تقاوم في تكملة نقاباتها، لكن لأن لجان التسيير معينة فتذهب مع ذهاب الحكومة التي عينتها.

ويشير إلى أن عدم توقف الإضرابات لديه أسبابه الموضوعية والمقنعة في ظل ما وصفه بالانهيار الاقتصادي والتضخم الذي ليس لديه حدود، والسياسات التي تؤثر على المواطن في معاشه وخدماته، مؤكداً أن الإضرابات لن تتوقف لأن الأسباب التي دعت لها لم تزل ولن تزول بسهولة.

ومع تواصل موجة الإحتجاجات بمجئ العام الجديد لا يزال الكثير ينتظرون تتويج هذا الحراك المطلبي بالنجاح في الوصول للإضراب الشامل وسد حالة الفراغ النقابي بالبلاد، ومساهمة الأجسام المطلبية في ملء فجوة الفراغ السياسي الحالي. 

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع