«الدعم السريع» توطن المأساة بولاية الجزيرة وتحولها إلى بقعة منسية

 

14 مارس 2024 – تحولت أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم إلى موطن انتهاكات لقوات الدعم السريع بعد سيطرتها على أجزاء كبيرة منها في ديسمبر الماضي وانسحاب الجيش من عاصمتها ود مدني.

 

تأتي استباحة ولاية الجزيرة وسط استمرار انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت لليوم السادس والثلاثين على التوالي وانقطاع الكهرباء في أغلب المناطق.

 

وتعيش قرى ولاية الجزيرة تحت رحمة قوات الدعم السريع التي تستمر في استباحة إحدى أكبر ولايات السودان مساحةً والأكثر من حيث التعداد السكاني. فمنذ دخولها مدينة ود مدني في ديسمبر العام الماضي بعد انسحاب الجيش منها، ظلت تمارس أبشع أنواع الانتهاكات من وقتها وحتى اليوم، بحسب تقارير عديدة.

 

دفع انتقال الحرب إلى الولاية المتاخمة للخرطوم مئات الآلاف لمغادرة قراهم قسرًا، أما الذين آثروا البقاء رغم اشتداد الظروف الأمنية تعرضوا لحالات نهب وسرقة للمتلكات واعتقالات واعتداءات، وفقد العشرات أرواحهم فيما تحدثت تقارير عن حدوث حالات اختطاف للفتيات في المنطقة المنكوبة منذ ما يزيد عن الشهرين.


وتضاعفت معاناة أهالي الجزيرة بدخول الولاية في عزلة تامة جراء انقطاع خدمات الاتصال والإنترنت، مما تسبب في فقدان التواصل بالمواطنين وبالتالي ضعف وصول معلومات عن حجم الانتهاكات هناك إذ لا تتوافر أي تفاصيل من الولاية المعزولة، غير التقارير والبيانات التي ترد من لجان المقاومة الحصاحيصا ولجان مقاومة ود مدني. وعلى الرغم من عودة شبكات الاتصال في أغلب المناطق، إلا أنها ما تزال مقطوعة عن الجزيرة المنكوبة حتى اليوم.

الصحة خارج الخدمة

 

بتمدد الدعم السريع وتوغلها في الجزيرة التي كانت تحتضن عاصمتها ود مدني أفضل المستشفيات والمراكز العلاجية الخاصة مثل مراكز القلب وعلاج السرطان والكُلى والتي كانت المنفذ الذي يتلقى عبره مئات الآلاف من النازحين  والمقيمين الخدمات العلاجية، والمستجدات الأمنية بالولاية اضطرت جميع هذه المستشفيات والمراكز بود مدني ومدن الجزيرة المختلفة  إلى الإغلاق حفاظاً على سلامة المرضى والكوادر العاملة، علاوة على فرار أغلب المدنيين المرضى إلى مناطق أخرى بحثًا عن الأمن.

 

وأصدرت منظمة أطباء حول العالم تقريراً عن الوضع الإنساني بالولاية، قالت فيه إن 112 قرية بـ6 محليات من أصل 8 تضررت عدا القرشي والمناقل، وذكرت إن عدد المتوفين بلغ 166 منهم 4 أطفال والمصابين 1800، أما المفقودين 53 بالإضافة إلى 7 حالات اغتصاب.

 

 كما أعلنت لجان مقاومة الحصاحيصا عن مقتل ثلاثة أطباء، اثنين منهما بمستشفى المدينة عرب الريفي بعد فشل عملية جراحية أجريت لأحد جنود الدعم السريع والثالث بمستشفى الحصاحيصا على يد الدعم السريع، بالإضافة لاختطاف الأخيرة فردين من الكوادر الطبية في مدينة رفاعة شرق الجزيرة وقرية الدوحة جنوبي الولاية.

 

 في الأثناء، كشف تقرير أولي صادر عن لجان مقاومة ود مدني أواخر فبراير الماضي، عن انتهاك الدعم السريع 53 قرية فقط خلال ثلاثة أسابيع شملت مجازر وإرهاب وسلب ونهب بحق المواطنين، وقالت اللجنة  “رغم صعوبة الوصول للمعلومات بسبب العزلة التامة المفروضة على ولاية الجزيرة بسبب انقطاع الإنترنت والإتصالات، ما زال الحصر مستمرًا لباقي القرى التي وقعت فيها انتهاكات وجرائم حرب”.

 

يأتي ذلك في وقت سحب فيه الجيش قواته من مدينة ود مدني، مشيراً إلى أنه شرع في إجراء تحقيق في أسباب الانسحاب ومن ثم إعلانها للرأي العام بعد رفع النتائج إلى جهات الاختصاص، لكنه لم يعلن عن أي شيء بعد. 

 

لكن الجيش رغم انسحابه من على الأرض واصل عبر الطيران التابع له في شن هجمات، إذ نفذ ضربات في الجزيرة آخرها استهدفت تمركزات للدعم السريع أمام محكمة مدينة الحصاحيصا لم تخلف اصابات وسط المدنيين، وفي مدينة رفاعة قبلها بيوم تسببت في مقتل سيدة وإصابة آخرين.

 

وانتقدت لجان مقاومة ود مدني تركيز الجيش على الشارع الرئيسي الرابط بين محليتي ود مدني والمناقل وتجاهله قرى جنوب وغرب الجزيرة مما نتج عنه استباحة الدعم السريع القرى المحيطة بمحلية المناقل وعدم تدخل حاميته في المناقل لحماية المدنيين الذين استنجدوه في المنطقة لحماية القرى التي أُستبيحت والتزام القوة المتمركزة في الحامية بالتعليمات الموجهة لها بعدم مغادرة الفرقة.

 

لجان المقاومة الحصاحيصا بدورها قالت في بيان إن الدعم السريع استباحت قرى: الحلاوين، ومنطقة فداسي الحليماب وقرية منى، مما تسبب في حدوث موجة من النزوح وعدد من المصابين والقتلى. ولم تكتف بذلك إذ اعتدت على موكب تشييع ضحايا الهجوم وفق ما ذكر البيان، أيضاً حاولت دخول قرية الكُبر بتاريخ 29 فبراير الماضي بغرض السرقة والنهب وأثناء تصدي شباب القرية للهجوم سقط قتيل شاب وأصيب آخرون.

 

وشددت لجان المقاومة الحصاحيصا في بيان على أنها تعتبر مليشيا الدعم السريع المتهم الأول والأخير في عملية عزل الولاية عن العالم لما ظلت تمارسه من أعمال عنف وقتل وسلب ونهب وتهجير في القرى والمدن حول الولاية خلال الشهر الماضي.

 

واستنكرت قيام الدعم السريع بالمتاجرة بالإنترنت من خلال امتلاكها أجهزة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية (إستارلنك) واحتكارها وتأجيرها بالساعة في المناطق الأكثر استقراراً، مشيرة إلى أن جريمة قطع الاتصالات والإنترنت هي جريمة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومن جرائم الحرب التي طبعت في سجل كل من تسبب بها لما أحدثته من أزمة للمواطنين المرابطين تحت هذا الحصار في التواصل والتعامل.

إدانات سياسية

“ما يحدث سيدفع الآلاف من شباب الجزيرة لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم مما يخدم مخطط الفلول، والأفضل لنا جميعاً أن نعمل على تجنيب بلادنا من الإنزلاق للحرب الإثنية التي ستدمر السودان أكثرمما دمرته المرحلة الحالية من الحرب”، قال رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي، ياسر عرمان، على حسابه الرسمي بمنصة اكس محذراً من مغبة المجاملة في  أمر انتهاكات حقوق الإنسان ومتهماً النظام السابق بصنع حرب 15 أبريل التي يريدون ان تأخذ طابعاً إثنياً بمساعدة الدعم السريع.

 

ووجه رسالة مباشرة لقائد قوات الدعم السريع لإدانة ما يجري في الجزيرة والعمل على وقفه، داعياً الدعم السريع بعقد اجتماع شامل بينهم وبين قادة المجتمع والقبائل والمجتمعين السياسي والمدني بالجزيرة لوضع حد للوضع المأسوي. 

 

كما طالب حزب الأمة القومي في بيان  الدعم السريع بالخروج الفوري والعاجل من كافة القرى وحسم الإنتهاكات المستمرة من قواتهم والوفاء بتعهداتهم تجاه حماية المدنيين ،قائلاً إنها ليست المرة الأولى التي يخاطب فيها الدعم السريع بذلك،ومتأسفاً على عدم استجابته للمطالب.

 

في السابع من مارس الجاري نشرت لجان مقاومة الحصاحيصا انتهاكات جديدة للدعم السريع، بينها استباحتها قرية المريبيعة للمرة الثانية خلال اسبوعين وقتلها خمسة مواطنيين وإصابتها العشرات مما تسبب في نزوح جماعي للسكان.

 

كما أعلنت في وقت لاحق نفس اليوم وفاة مواطن كان قد أصيب أثناء هجوم الدعم السريع على قرية الكبر بريفي المسلمية بتاريخ 29 فبراير الماضي وتم نقله للعلاج بمستشفى القضارف.

 

كذلك نشرت تفاصيل عن حادثة تهجم الدعم السريع على أسرة بحي (السرايات) بالحصاحيصا وقتل ثلاثة أفراد منهم بحجة انتماء فرد منهم للقوات المسلحة.

 

أيضاً ذكرت لجان مقاومة أبو قوتة وهي أولى القرى التي دخلتها الدعم السريع ما قبل الاستيلاء على ود مدني، تحديثاً بالوضع هناك وكشفت عن مقتل أربعة مواطنين وإصابة ما يزيد عن 15 فردًا بينهم نساء في هجوم للدعم السريع  على قرية (كترة الضقالة) للمرة الثانية بغرض النهب والتهجير. وتابعت في البيان : “كما امتدت أيادي المليشيا الآثمة للنساء والأطفال والعجزة في مسكنهم بقنطرة 17 حيث قامت بالتعدي على الأسر التي تسكن القنطرة بالجلد واهانتهم وتهديدهم”. وكشفت في نفس البيان عن اغتيال المواطن عبد السلام بيلو (الحداد) من ابو قوتة قائلة إنه كان معتقلاً في سجونهم.

أزمة مجاعة في رمضان

مع قدوم شهر رمضان قالت لجان مقاومة الحصاحيصا إن الولاية ما زالت تعاني من انقطاع التيار الكهربائي والمياه ونقص حاد في السلع الاستراتيجية وسط استمرار انقطاع شبكات الإنترنت، مشيرةً إلى أن الوضع دفع كثير من المواطنيين لمغادرة المدينة بسبب ظروف الحرب.

 

كما نشرت لجان مقاومة ود مدني تقريرًا بالأوضاع في ولاية الجزيرة ثاني أيام رمضان، أوضحت فيه استمرار انتهاكات الدعم السريع بحق المواطنين ومواصلتها عمليات اقتحام القرى وما يترتب عليها من قتل ونهب وسلب بينها حوادث نهب مسلح للمسافرين عبر طريق المناقل – سنار، وطريق رفاعة – القضارف (البطانة) بواسطة قطاع الطرق بمعاونة الدعم السريع.

 

وفي منطقة رفاعة تمارس الدعم السريع اعتداءات وانتهاكات بحق المواطنين متحججةً بالبحث عن السلاح الذي تم توزيعه للمستنفرين وفق ما ذكرت لجان مقاومة رفاعة أمس الأربعاء.

 

 وكشفت اللجنة عن أوضاعاً إنسانيةً سيئة تعيشها المنطقة بإرتفاع أسعار السلع الأساسية بمعدل زيادة يفوق السبع أضعاف، وتحكم الدعم السريع في النقد والتحويلات والمواد البترولية وفرض ضرائب إضافية على المواطنين وعلى البصات السفرية مما أدى لإرتفاع أسعار تذاكر السفر.

وذكرت اللجنة أن الوضع الصحي متردٍ في المنطقة مع انقطاع الإمداد الدوائي لأغلب الأدوية المنقذة للحياة، وتوقف المعامل الطبية في المدينة والمستشفى بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

 

في الأثناء، تستمر الدعم السريع في انتهاك قرية أبو قوتة وقتل مواطنيها حتى اللحظة، إذ نشرت صفحة اللجنة اليوم الخميس خبرًا عن مقتل مواطن في منزله على يد الدعم السريع بعد منتصف الليل. كما نشرت شهادة عيان من المنطقة عن اتخاذ الدعم السريع المدارس والمنازل في المنطقة كمعتقلات دون توفير أدنى الخدمات للمعتقلين من كل الفئات والأعمار.

 

وفي وقت تواصل فيه الدعم السريع ممارسة انتهاكاتها في ولاية الجزيرة وأجزاء من مناطق غرب وشرق سنار، بدأ الجيش ،الذي عين قائداً جديداً لقيادة الفرقة الأولى مشاة بود مدني، مطلع الشهر ،يحشد حراكاً برياً في الجزيرة وذلك بالتزامن مع شنه هجمات جوية منذ البارحة.  

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع