عام من الحريق.. كيف يقطع السودانيون الطريق من الحرب إلى السلام؟

مثّلت المواجهات المسلحة التي اندلعت صبيحة السبت الخامس عشر من أبريل 2023 في عدة مناطق بالعاصمة السودانية الخرطوم، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي دخلت أمس عامها الثاني، أكثر الإشارات المقلقة، في دورات الصراع المسلح في تاريخ السودان الحديث.

وبالفعل، لم تمضِ سوى أيام وأسابيع وأشهر معدودة، حتى تحولت، حياة ملايين السودانيين في معظم أنحاء البلاد إلى جحيم حقيقي، إذ قُتلوا وجرحوا وشردوا كما فقدوا ما بُني ورُوكم عبر السنين، عامًا كان أم خاصًا ليبدأوا رحلتهم إلى المجهول يرافقهم الإفقار المتعمد والحطام الشامل، مع نور للأمل بكل تأكيد.

فالبلاد وشعبها وأرضها، تحدوا على مدى آلاف السنين، الحروب، الكوارث والصراعات، باقين في أرضهم بكل صلابة مادّين أياديهم للحياة في جغرافية عضوية مترامية الأطراف تكمل بعضها بعضا، اقتصادًا، روحًا وتنوعًا تحت العنوان الأكبر، السودان.

بعد عام من انطلاق الرصاصة الأولى والتي ما تزال تثير جدلًا في أوساط الرأي العام السوداني حول من أطلقها من طرفي القتال، انزلقت البلاد في أتون حرب مدمرة و واسعة النطاق، تعيد تعريف السودان بالسلاح، ومع ذلك تستمر المجهودات الدولية في محاولة إنهاء الحرب الدامية في السودان.

وفي هذا السياق، برز ملف العودة إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل سلمي للصراع ،بإعلان المملكة العربية السعودية عن استئناف محادثات جدة في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة.

في وقت رحب المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، الاثنين، بالقرار السعودي، وقال إن المفاوضات ستعود بين الأطراف المتقاتلة في السودان خلال ثلاثة أسابيع وذلك عقب اجتماعه مع نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخرجي، على هامش مؤتمر باريس حول السودان.

وشدد المسؤول الأمريكي  قائلًا «إن الحرب على الشعب السوداني يجب أن تنتهي الآن».

ورغم مخاوف التمزق والانهيار التي تحيط بثالث أكبر بلد إفريقي، إلا أن بعض الخبراء والسياسيين، يرون أن هناك فسحة من الأمل وخطوات عملية قد تؤدي إلى إنهاء الحرب. وبالتالي، تبدو محاولة تفادي المزيد من الانهيار ممكنة، إذا بدأ السودانيون السير في طريق السلام.

الظهور بموقف منسجم ضد الحرب أمام المجتمع الدولي

جمعة كندة

الخبير في دراسات السلام ومستشار رئيس الوزراء السابق لشؤون السلام، جمعة كندة يضع مصفوفة من عدة محاور يرى أنها تقود إلى السلام في السودان.

وقال كندة لـ«بيم ريبورتس» إن الطريق إلى السلام سيكون ممهدًا من خلال تنامي الصوت الرافض للحرب وتراجع القوى الداعمة لها بالإضافة إلى توحد أو تنسيق القوى المدنية حول أجندة إيقاف الحرب والظهور بموقف منسجم ضد الحرب أمام المجتمع الدولي.

ورأى أن قدرة القوى المدنية والسياسية المؤثرة على استيعاب مصالح دول بعض الجوار والدول المجاورة ومدى تضاربها مع مصالح السودان ومحاولة إيجاد صيغة سياسية توفر أرضية لمعادلة (كسب- كسب) في علاقات السودان الإقليمية والجوارية، أمر محوري ومهم.

ويعتقد كندة أن اقتناع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوداني بضرورة ممارسة الضغط الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي المطلوب على أطراف الحرب بما فيها داعمي المجهود الحربي من قوى إقليمية ودولية ودول جوار، مسألة محورية ومهمة في تحقيق السلام.

مؤتمر مائدة مستديرة

«عام لم يكن أحد يظن أنه سينقضي دون أن تضع الحرب أوزارها؛ لا نحن المدنيون المجني عليهم ولا الجناة الذين أشعلوا الحرب وقد ظنوها تنتهي في ليلة وضحاها»، تقول مساعدة رئيس حزب الأمة القومي،رباح الصادق المهدي.

ورأت المهدي في حديث لـ«بيم ريبورتس» أن الطريق إلى السلام رهين بتنامي شعور عام وسط المدنيين بضرورة وقفها فورًا وبأن أي مكاسب منظورة من استمرارها ثمنها أغلى من التفكير في دفعه، وأضافت «فإذا صار هذا هو الشعور العام سيجد الطرفان أنهما عزلا ونضب معينهما البشري وانهارت روحهما المعنوية وألا مناص من الجلوس للتفاوض حول السلام».

رباح الصادق

وتعتقد المسؤولة الحزبية الكبيرة أن الوضع الحالي في البلاد يشهد استقطابا، وقالت «الآن على العكس يتفاقم المد المدني بالغضب ويزداد استقطاب المستنفرين الغاضبين من انتهاكات الدعم السريع مع القوات المسلحة. وفي المقابل، يستمر الإمداد القبلي والانحياز للدعم السريع على أسس بعضها جهوي وبعضها باعتباره مخلص السودان من الإخوان».

وتقول المهدي  «حتى رافعي شعار لا للحرب للأسف انتهى ليكون في غالبه منصة للغاضبين من الجيش والإسلامويين من خلفه. وبالتالي صار منصة لتأجيج الكراهية والاستقطاب ولسان حاله يقول: نعم للحرب حتى القضاء على آخر كوز».

تابعت قائلة «نحتاج إلى منصة ترفض الحرب بصورة مخلصة وحقيقية لا مجرد شعار.. منصة تفلح في تجميع أكبر قدر من القوى المدنية والديمقراطية الرافضة للحرب حقًا والتي لا تنظر لمكاسبها، بقدر ما تنظر، إلى مصير البلد المشؤوم حال استمرت هذه الحرب».

وأضافت «إذا قامت هذه المنصة و أفلحت في جذب غالبية السودانيين يمكن حينها أن تفلح الدعوة إلى مؤتمر مائدة مستديرة يشارك فيها الجميع وتضع تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار الكامل والترتيبات الأمنية وملامح الإصلاح والبناء الأمني والعسكري وترتيبات خروج العسكريين من المشهدين السياسي والاقتصادي».  وقالت «الآن للأسف فإن الحرب لا تزال في حالة مد وسط المدنيين؛ وجزرها يحتاج إلى نفوس جديدة تأخذ من درس هذا العام اللعين عبرة لتغيير شامل».

تعرية المتحاربين وفضح أجندة الحرب

للجان المقاومة السودانية رؤيتها لإنهاء الحرب وتحقيق السلام الذي تشتد الحاجة إليه، يقول ممثل تنسيقيات لجان المقاومة الميثاق الثوري، عصام الدين أحمد، إن الطريق إلى السلام يبدأ بإيقاف الحرب وإنهاء مسبباتها عبر تعرية المتحاربين ورفع الغطاء السياسي عنهم.

كما دعا إلى فضح أجندة الحرب التي قال إنها عملت على تعطيل مسار ثورة ديسمبر وتغيير تركيبة الشعب السوداني الاجتماعية والاقتصادية لصالح القوى المضادة للثورة ممثلة في المحاور الإقليمية والدولية وحلفائهم في الداخل من الإسلاميين والدعم السريع والحركات المسلحة المصطفة مع ذات المحاور.

ورأى أحمد في حديث لـ«بيم ريبورتس» أن الخطوة التالية تتمثل في العمل على تكوين قاعدة برامجية واحدة من أصحاب المصلحة في التغيير قادرة على إدارة الأزمة.

وأضاف أنه وفقًا للرؤية السياسية لا بد من قيام مؤتمر بتمثيل جماهيري للوصول إلى كيف يحكم السودان، معربًا عن اعتقاده أن الرؤية السياسية والميثاق الثوري من أفضل المنجزات الثورية لمخاطبة قضايا السودان وإيقاف وإنهاء الحرب.

تظاهرات في شوارع الخرطوم - 19 ديسمبر2021 CNN

ممارسة المزيد من الضغوط على طرفي الحرب

المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، بكري الجاك، رأى أنه لا بد من وصول طرفي الحرب إلى قناعة بأنه لا يوجد خيار نصر عسكري حاسم لأي منهما وأن الاستمرار فى الحرب سينتهي بفقدان قياداتهما السيطرة على القوات.

وقال الجاك لـ«بيم ريبورتس» إن المجتمعين الإقليمي والدولي يجب أن يقوما بممارسة المزيد من الضغط لحث الطرفين على الجلوس للتفاوض، كما أكد أن على القوى المدنية عدم التماهي مع سردية أي من أطرافها وحشد الهمة الوطنية على رفضها و المطالبة بهدنة إنسانية يمكن أن تغير طبيعة الصراع.

بكري الجاك

التمسك بالحوار والوسائل السلمية

رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية تقدم ورئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك يقول إن هذه الحرب لم تندلع فجأة بل كانت أسباب تفجرها تتراكم يوماً بعد يوم، مشيرًا إلى تحذيره من لحظة اقترابها وعما ستجلبه على بلادنا من كوارث.

ودعا حمدوك في كلمة متلفزة بمناسبة مرور عام على اندلاع الحرب في البلاد، للتمسك بالحوار والوسائل السلمية «مستلهمين هذه الروح من ثورتنا التي تمسكت بسلميتها رغم كل ما واجهها من عنف وعنت وتآمر».

ورأى حمدوك أن «التآمر على الثورة بدأ منذ يومها الأول بالإعلان عن الالتزام بأهدافها ثم التخلي عنها ومحاولة وأدها مثلما حدث في مذبحة فض الاعتصام ثم التوقيع على المواثيق والاتفاقات ونقضها والعمل مع أعداء الثورة وتم تتويج ذلك بالانقلاب الذي وقع في 25 أكتوبر 2021. سدوا كل منافذ الضوء التي قدمها لهم شعبنا وقادو بلادنا لهذه المحرقة».

عبدالله حمدوك

وتابع «ظلت القوى المدنية حريصة على استعادة مسار الانتقال الديمقراطي، لكن رغم ذلك نحن لا ننكر الأخطاء التي ارتكبت خاصة فيما يتعلق بوحدة قوى الثورة والتي كانت يجب أن تكون فوق كل اعتبار لأنها هي الضمان الوحيد للحفاظ على الثورة وأهدافها. انشغلت القوى المدنية بالخلافات الصغيرة وفتحت ثغرات في جدار الثورة نفذ من خلالها أعداءها».

وقال «رغم كل ما تقدم لقد ترفعنا عن كل دافع ذاتي وشخصي وظلت بوصلتنا مصوبة نحو مصلحة وسلامة أمن بلادنا وشعبنا، بذلنا مع الحريصين جهوداً لمنع انفجار الأوضاع ولم تتوقف الاتصالات الداخلية والخارجية لمنع الحرب إلا أن النية كانت مبيتة عند البعض لإشعال الحرب غير مبالين بنتائجها وآثارها على البلاد».

وأكد حمدوك أنهم قدموا الدعوات لطرفي الحرب للقاء مع قيادة تقدم لبحث سبل إنهاء الحرب لافتًا إلى أنهم تلقوا ردودًا ايجابية وتم تدشين ذلك باللقاء مع حميدتي وتوقيع اتفاق أديس أبابا، وقال «نتطلع للقاء القائد العام للقوات المسلحة».

وفيما يتعلق بمؤتمر باريس، قال حمدوك إن مشاركتهم تأتي للفت أنظار العالم للظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا ولندعوه لتحمل مسؤولياته تجاه بلادنا وشعبنا. مضيفًا «لسنا محايدين أو وسطاء.. نحن منحازون لأسر الشهداء من العسكريين والمدنيين ومنحازون للشعب الذي تعرض لانتهاكات كثيرة ومنحازون للبرنامج الوطني الديمقراطي ولن يتحقق ذلك إلا عبر العودة لمنبر التفاوض واتخاذ الحل السلمي التفاوضي».

وشدد قائلًا «إننا نتفهم حجم الغبن والغضب الذي اعتمر في قلوب الذين تعرضوا لهذه الانتهاكات ونحترم حقهم في المطالبة بالقصاص، لكننا نرى أن على القيادات السياسية والعسكرية والمجتمعية والمدنية أن تنظر أبعد من ذلك وتدرك أن نار الحرب لن تعيد الحقوق بل تفتح الباب لمزيد من الجرائم والانتهاكات».

تقارير بيم

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع