مع تزايد الاعتماد على وسائل الإعلام الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي، كمصدر أساسي للمعلومات، تتفاقم مشكلة الانتشار السريع للمعلومات غير الدقيقة أو المضللة، مما يساهم في تشويه الحقائق وإرباك الجمهور، ويؤدي -في المحصلة- إلى تأثيرات سلبية في عملية صنع القرار وإدراك الجمهور للقضايا المهمة.
تعد الحروب والنزاعات المسلحة بيئة خصبة لانتشار الشائعات والمعلومات المضللة التي تهدف إلى التأثير في الرأي العام، أو ما يعرف بـ«التضليل الحربي» أو «الدعاية الحربية». ومنذ اندلاع النزاع في السودان في أبريل 2023، نشطت حملات تضليل تعمل على نشر المحتوى المضلل وتداوله، للتشويش على الجمهور وخداعه. وعمل فريق «مرصد بيم»، عبر مجموعة من التقارير، على رصد هذه الحملات الممنهجة وكشفها للجمهور.
في هذا السياق، لاحظ فريق «مرصد بيم» نشاطًا مريبًا لمنصة إخبارية إلكترونية تنشط في نشر معلومات غير دقيقة ومضللة أحيانًا عن الأوضاع في السودان، مستندةً إلى مصادر غير موثوقة، مما خلق حالةً من الضبابية حول ما تقدمه من محتوى. ويعرض هذا التقرير تحليلًا معمقًا لهذه المنصة وأهدافها والمصادر التي استعانت بها، بالإضافة إلى مدى توافق منهجها مع الدعاية الحربية لأحد طرفي النزاع.
تبرز منصة «ملفات عربية» التي تملك حسابات على منصتي «إكس» و«فيسبوك» كمصدر لافت للانتباه بما تنشره من محتوى يتعلق بالدول العربية. ومنذ إنشائها في مايو 2020، اتخذت منصة «ملفات عربية»، عبر حسابها على «إكس» تحديدًا، منحًى تضليليًا في تناول الأحداث الجارية في السودان، إذ سلطت الضوء على الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» مع التركيز على مهاجمة أحد طرفي النزاع دون الآخر.
تحليل الحسابات:
لاحظ «مرصد بيم» تعدد حسابات منصة «ملفات عربية» على شبكة الإنترنت، مما يُظهر إستراتيجية متنوعة الأساليب للوصول إلى الجمهور، بدءًا من موقعها الإلكتروني الذي يقدم محتوًى مركزيًا بشأن أنشطة المنصة، ويمكِن للجمهور العثور على مقالات عن مواضيع مختلفة تتعلق بالعالم العربي على الموقع.
أما على منصة «إكس» (المعروفة سابقًا باسم «تويتر»)، فنجد أن حساب «ملفات عربية» ظل نشطًا مع متابعين يبلغ عددهم نحو (33.5) ألف متابع. ونشر الحساب نحو (14.4) ألف تغريدة، بمعدل نشر يومي، منذ انضمامه إلى المنصة في مايو 2020. وصاحبَ هذا النشاط المكثف تفاعل مع الأحداث الجارية في السودان بطريقة مضللة، وهو ما يسعى هذا التقرير إلى كشفه.
أما في منصة «فيسبوك» فيتابع حساب «ملفات عربية» متابعون أقلّ مقارنةً بمنصة «إكس»، إذ يبلغ عددهم (8.5) ألف متابع. وانضم الحساب إلى «فيسبوك» في يونيو 2020. والمثير للاهتمام هو أنّ اسم الحساب تغيّر مرتين في العام نفسه، مع العلم بأن الحساب غير نشط منذ 2020.
وفي منصة «يوتيوب»، يركز حساب «ملفات عربية» على إنتاج مقاطع فيديو لنشرها على المنصات الأخرى. ويحظى الحساب بـ(2.92) ألف مشترك مع (4.9) ألف فيديو، فيما بلغ عدد مشاهداته أكثر من (933) ألف مشاهدة.
ومن تحليل «مرصد بيم» لطبيعة حسابات منصة «ملفات عربية» ومدى انتشارها، يتضح أنّ المنصة تحاول الاستفادة من تنوع الوسائط الاجتماعية للوصول إلى جمهور واسع مع التركيز على التفاعل السريع والمحتوى المتنوع.
تحليل الخطاب:
من خلال متابعة دقيقة لنشاط حسابات «ملفات عربية» منذ أبريل المنصرم وحتى أواخر مايو 2024، لا سيما حسابها على «إكس»، اتضح لفريق بيم أن منصة «ملفات عربية» تركز، بدرجة كبيرة، على نشر محتوى يهاجم الجيش السوداني والحركات المسلحة المتحالفة معه. ويعتمد حساب المنصة، اعتمادًا ملحوظًا، على نشر تقارير مصوّرة معدّة بعناية لتأليب الرأي العام على الجيش السوداني وتقويض الثقة فيه، إذ تحاول هذه التقارير أن تصوّر الجيش السوداني كقوة تأتمر بأوامر الحركة الإسلامية السودانية ورئيسها «علي كرتي»، مما يساهم في تشكيل صورة سلبية عن الجيش لدى الرأي العام، تتوافق مع ادعاءات الطرف الآخر «قوات الدعم السريع»، وتعزز الاتهامات الموجهة إلى الجيش من خصومه بـ«التحيز إلى الإسلاميين والتطرف الديني».
ويكشف تحليل محتوى الحساب عن نمط معين في سرد الأحداث، إذ تحاول أن تعرض صورة سلبية عن الجيش السوداني، مع التركيز على إبراز دوره المزعوم في زعزعة الاستقرار وتبعيته لقادة الحركة الإسلامية. ويكشف هذا التوجه الإعلامي عن تحيزات معينة أو ارتباطات محتملة بجهات معادية للجيش السوداني. ويصيغ الحساب المعلومات التي يريد إيصالها إلى الجمهور، عبر مقاطع فيديو، مما يزيد من جاذبيتها للمتلقي ويعزز فرص انتشارها. كما لاحظ «فريق بيم» أن حساب «ملفات عربية» ينشر تلك السرديات دون ذكر أي أدلة واضحة تؤكد صحة الادعاءات التي ينشرها.
حركة الشباب الصومالية و جماعات أرهابية :
عمد حساب «ملفات عربية» على منصة «إكس» إلى نشر مقاطع فيديو تسرد، بطريقة شيقة، معلومات غير دقيقة وبلا أيّ دليل؛ ما يثير الريبة إزاء المحتوى. ووجد «فريق بيم» أن الحساب نشر مقطع فيديو زعم فيه أن الجيش، وباتفاق مسبق مع «علي كرتي»، استجلب مرتزقة صوماليين من «حركة الشباب الصومالية» للقتال في صفوفه في الحرب المشتعلة بينه وبين قوات «الدعم السريع». وسرد مقطع الفيديو مزاعم معلقة بلا دليل عن وجود مجموعات من «حركة الشباب الصومالية» المصنفة «جماعةً إرهابية» من دون ذكر أيّ أسانيد تعضد تلك السردية، وهو ما يقدح في صحة الادعاء.
وفي سياق متصل، واصل حساب «ملفات عربية» نشر محتوى غير دقيق ينسبه إلى مصادر يصفها بـ«المطلعة» من دون ذكر هذه المصادر أو تعريفها. ونشر الحساب في مايو الماضي مقطع فيديو زعم فيه وجود مخطط لتدمير البنى التحتية ممن أسماهم «جماعات إرهابية» قال إنها داخل الجيش السوداني. ويتضمن مقطع الفيديو بعض المنشورات في محاولة لتعضيد المزاعم الواردة فيه، إلا أن تلك المنشورات مأخوذة من حسابات معروفة بالتضليل لمصلحة قوات «الدعم السريع»، وعمل «مرصد بيم» على تفنيد بعض المعلومات المضللة التي استندت إليها المنصة في تقريرها، من قبل.
واصل حساب «ملفات عربية» في نشر معلومات متداولة عن وجود «جماعات إرهابية وتكفيرية» داخل الجيش السوداني، من دون تقديم أي دليل واضح يؤكد صحة هذا الادعاء، ما خلق حالةّ من الضبابية حول صحة هذه المعلومات أو دقتها. ونجد كذلك أنّ الحساب تناول، ضمنيًا، سردية تفوّق قوات «الدعم السريع» على الجيش، في ما تداوله عن استجلاب الجيش «مرتزقة أجانب» لسد تلك الفجوة وتحقيق التوازن.