28 أكتوبر 2024 – قطعت المواطنة نجلاء عطا المنان «40 عامًا» سبع قرى بمنطقة تمبول شرقي الجزيرة على قدميها المصابتين بمقذوفات من رصاص الدعم السريع استهدفت منزلها في حي الشقالو وأصابتها في أجزاء أخرى من جسدها، في محاولة للبحث عن مكان آمن بعيدًا عن دوي أسلحة الدعم السريع، لتصل بعد رحلة نزوح استمرت يومين، إلى مدينة حلفا الجديدة شرقي البلاد.
وبدايةً من 20 أكتوبر الجاري شنت عناصر الدعم السريع حملات عنف على مواطني شرق الجزيرة تركزت في القتل والنهب والاغتصاب والتعذيب، ما أدى إلى فرار الآلاف من بطشها.
وقالت نجلاء لـ«بيم ريبورتس» إنها وصلت إلى مدينة حلفا الجديدة واستقرت في المدرسة المصرية التي فُتحت لإيواء النازحين، لكنها ما تزال قلقة على والديها وشقيقتها اللذين لا تعلم عنهم شيئًا بعد تفرقهم إثر هجمات قوية نفذتها الدعم السريع.
الثلاثاء الماضي وصلت نجلاء إلى مدينة حلفا، حيث ما تزال تتلقى العلاج جراء الإصابات، ووسط آلامها تتذكر عبارات عناصر الدعم السريع حين هجموا عليهم «انتو عيال كيكيل».. وسيلًا متصلًا من الإهانات، حسب ما تقول نجلاء.
حملات عنف
جاءت حملات عنف قوات الدعم السريع على مناطق شرق الجزيرة في أعقاب سيطرتها على أكبر مناطقها مدينة تمبول بعد معارك عنيفة ضد الجيش أدت إلى انسحابه في نهاية المطاف.
ومنذ ذلك الوقت نشرت الدعم السريع قواتها في كل وحدات شرق الجزيرة الخمس (تمبول، وريف رفاعة، ورفاعة، والهلالية، وود راوة) ليسقط في حملات تنكيلها بالمدنيين مئات الضحايا والجرحى في ظل انعدام الخدمات الطبية ومحاصرة المنطقة ومنع المواطنين من الخروج، مما أجبر الآلاف على نزوح على القدمين بحثًا عن الأمان.
لغة السلاح التي استخدمتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين، دفعت الداخل والخارج إلى إدانتها بشدة. إذ نددت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية محلية ودولية بالانتهاكات التي ترتكبها عناصر الدعم السريع بحق المواطنين. كما حذرت من مخاطر تحول الصراع إلى حرب أهلية وناشدت الأهالي بعدم الانجرار وراء ما وصفتها بدعوات زج المواطنين في أتون الحرب عبر شحن خطاباتها بالنعرات القبلية وما وصفته بـ«الاستقطاب الأهلي الحاد».
من جهتها، حثت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في بيان الجمعة، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على البدء في التخطيط لنشر بعثة لحماية المدنيين في السودان، مشددًة على أنه لا يمكن انتظار محادثات وقف إطلاق النار لتؤتي ثمارها أو الظروف المثالية لنشر البعثة، وقائلةً: «يحتاج المدنيون إلى الحماية الآن».
نزوح 10 آلاف
في السياق، أحصت مجموعة «محامو الطوارئ» الحقوقية السبت نزوح نحو 10 آلاف شخص من شرق الجزيرة بحثًا عن الأمان، موضحةً، في بيان، أن هجمات الدعم السريع على قرى (كريعات، وزرقة، والعقدة، والعبوداب، والطندب، وود موسى، والشقالو)، خلفت مئات القتلى والمصابين.
أيضًا قالت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان كليمنتين نكويتا سلامي، في بيان السبت، إنها تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بتصاعد العنف المسلح الذي أودى بحياة عشرات المدنيين في الولاية، مقارنة إياه بانتهاكات حقوق الإنسان التي شهدها إقليم دارفور العام الماضي.
وتابعت كليمنتين: «لقد صدمت وذهلت بشدة من تكرار انتهاكات حقوق الإنسان من النوع الذي شهدناه في دارفور العام الماضي مثل الإغتصاب والهجمات المستهدفة والعنف الجنسي والقتل الجماعي في ولاية الجزيرة».
وفي الوقت الذي تستمر فيه انتهاكات الدعم السريع على هذه المناطق في ظل اختفاء تام للجيش، قال مصدر محلي من شرق الجزيرة لـ«بيم ريبورتس» إن عدد القتلى الفعلي من المنطقة يفوق 500 شخص.
كما كشف عن تعرض نحو 40 فتاة للاغتصاب، بينهن طفلة على الأقل، جميعهن من منطقة رفاعة، مشيرًا إلى أن أصغر حالة اعتداء لطفلة تبلغ من العمر ست سنوات، وهو ما عزّزه بيان صدر عن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، الجمعة، وأشار إلى ورود تقارير غير مؤكدة من المنطقة عن حالات عنف جنسي ضد نساء وفتيات على يد الدعم السريع في بعض القرى.
وقالت مديرة الوحدة، في مقابلة تلفزيونية أول أمس، إن الرصد يأتيها عبر وحدات الخدمات الصحية بالمناطق، وعزت عدم ورود معلومات دقيقة من الجزيرة إلى انهيار الخدمات الصحية بالولاية، وأوضحت أن إحصائية الاعتداءات التي وردت إليهم من الولاية منذ دخول الدعم السريع إليها تبلغ 29 حالة أصغرهن لفتاة بعمر 6 سنوات.
وكانت لجان المقاومة الحصاحيصا قد أطلقت نداء استغاثة عاجل لمنظمة الصليب الأحمر ووكالات الأمم المتحدة تطالبها بالتدخل الفوري والعاجل لإنقاذ المدنيين.
تدفق النازحين إلى حلفا الجديدة
ومنذ الخميس وصل آلاف النازحين الفارين من ويلات القتال في شرق الجزيرة إلى مدينة حلفا الجديدة، حيث ناشدت غرفة الطوارئ المنظمات الخيرية والمبادرات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني لتوجيه الدعم اللازم لتغطية الاحتياجات الضرورية للنازحين الذين أووا في المدرسة المصرية والمركز البيطري، مشيرةً إلى أنهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.
وقال المتطوع محمد فرغلي لـ«بيم ريبورتس» إن عدد الأسر الموجودة في مركز إيواء المدرسة المصرية والبيطري، بينهم كبار سن وحالات خاصة، فيما يسكن البعض مع أقاربهم.
وأشار فرغلي إلى تبرع عدد من الأشخاص لتقديم الخدمات الغذائية بالإضافة إلى أجسام طبية، لافتًا إلى وجود مقترح لإنشاء عيادة.
والجمعة فُتح مركزان لاستقبال النازحين؛ هما: المدرسة المصرية استقبلت في نفس اليوم نحو 114 أسرة 64 منها في المصرية و50 في البيطري، فيما لا تزال أعداد هائلة من القادمين تفد إلى المنطقة بينهم عشرات المصابين الذين يتلقى بعضهم العلاج بمستشفى حلفا.
وبحسب مصادر من المنطقة، فإن المركز البيطري يقع عند مدخل حلفا الجديدة بالاتجاه الشمالي بالقرب من السوق الشعبي، وكان مركز تطعيم وحجر للأغنام والقطيع، وبه مخازن، وليس مهيئًا لاستقبال الأسر، ولكن فتح نسبة للظرف الحالي، ولا يسع أكثر من 100 أسرة. أما المدرسة المصرية فهي تقع وسط حلفا الجديدة حي مربع 7.
أيضًا، استقبلت عدد من القرى الواقعة قبل مدينة حلفا أعداد من النازحين وهي: (قرية ستة عرب، وقرية ثمانية عرب).
وأوضح متطوع آخر من الغرفة أن هذه المراكز غير مهيئة وبها مشكلة كهرباء ومياه، مشيرًا إلى توفير المياه عن طريق (براميل كبيرة تابعة للدفاع المدني). وأضاف المتطوع: «هناك جهد متكامل في حلفا الجديدة من كل القطاعات سواء كانت حكومية أو مدنية أو أهلية لتقديم الدعم للنازحين»، وأشار إلى وجود قوات أمنية في مناطق الوصول لحفظ الأمن والترتيب.
وعند سؤالنا عن إمكانية فتح مراكز جديدة، أشار المتطوع إلى أنه ليس هناك نقاش في هذا الصدد وأن التركيز حاليًا على توفير خدمات للقادمين الحاليين، لافتًا إلى أن النقاش بشأن إمكانية ترحيل النازحين إلى مراكز جديدة خيار محتمل حال أصبحت الأعداد أكبر.
وكشف عن إنشاء مطابخ في المراكز بواسطة غرف الطوارئ ومبادرات أخرى فاعلة لتوفير الغذاء والوجبات للقادمين.
في السياق، قالت غرفة طوارئ حلفا الجديدة، في بيان مساء السبت، إن عدد الأسر المستضافة نحو 200 أسرة، مشيرةً إلى أن هناك أسر أخرى في الطريق من المخطط استضافتهم في المركز البيطري والمدرسة المصرية.
أهوال تمبول
أكد عضو لجنة الإشراف على مخيم المدرسة المصرية عوض السر البخيت، وهو أحد الذين تمكنوا من مغادرة قريتهم «الشقالوة» ووصل إلى مدينة حلفا الخميس الماضي لـ«بيم ريبورتس»، أن المنطقة ما زالت تستقبل النازحين القادمين من شرق الجزيرة وأغلبهم في حالة سيئة، وتعرض معظمهم للنهب والسرقة والإذلال.
وقال البخيت إن حدة الهجمات الدعم السريع في اليوم الأول دفعت جميع مواطني القرية إلى التجمع في المسجد العتيق بوسط مدينة تمبول.
وأوضح أن الضرب كان يتركز على السوق ووسط المدينة في مناطق: (العيشاب، الشقالو، السروراب والعقدة)، مشيرًا إلى أنها أكثر الأحياء التي تضررت جراء عمليات قصف عشوائي تجاه المواطنين.
وأضاف البخيت: «كانت هناك فترة هدأ فيها الاشتباك، اغتنمها غالبية الأهالي للخروج من المنطقة عبر الناحية الشمالية للمدينة»، قبل أن يشير إلى اعتراضهم بواسطة الدعم السريع وإرجاعهم، وشنها حملات نهب واسعة واقتحام للمنازل. وتابع: «عاملونا دون رحمة».
«أما الأحياء الأخرى فقد تصدى بعضها للدعم السريع، مثل حي العقدة.. هؤلاء كانوا مستعدين» – يردف البخيت.
وعن رحلة نزوحه يحكي عوض البخيت أن المسار الذي اتخذه مواطني قرية «الشقالو»، تضمن توجههم شرقًا إلى قرية العيشاب، لافتًا إلى مواجهتهم معاناة كبيرة في الطريق بسبب ارتكاز الدعم السريع في كل اتجاه ومدخل وتعاملهم بقسوة مع النازحين، بالإضافة إلى سرقتهم الأهالي دون تمييز وإذلالهم، ورأى عوض أنهم تبدوا عليهم علامات تعاطي مخدرات بسبب تصرفاتهم الغريبة.
وتابع: «كنا نرى جثثًا ملقاة على الطريق من تمبول إلي القرى الواقعة شرقها حتى وصولنا منطقة آمنة عند مجمع قرى كريعات التي كانت نقطة ارتكاز للجيش»، منوهًا بأنها «خالية من أفراد الجيش والمواطنين». وذكر أنهم نزحوا بعدها إلى مجمع قرى زرقة (كيلومتر واحد من الكريعات)، ومنها إلى مسيد خليفة الفاضل (على بعد كيلومترين من قرى الزرقة)، مشيدًا بالاستقبال الكبير من أهل المنطقة. وأضاف: «عند الساعة الواحدة ظهرًا في اليوم الثاني من نزوحنا توجهنا مسافة ثلاثة كيلومترات إلى قرية النيب، ووصلنا إلى حلفا الجديدة بعد خمس ساعات».
وأشار عوض إلى وجود عربات ترحيل كبيرة لتوصيل المواطنين إلى حلفا يبلغ سعر التذكرة فيها للفرد الواحد من 250 ألف إلى 300 ألف جنيه، فيما ذكر أن بعض أهالي تمبول في حلفا تحركوا إلى القرى الآمنة وتطوعوا لنقل المواطنين مجانًا.
من الناجين الذين تحدثوا لـ«بيم ريبورتس» أيضًا الطبيبة إيمان عبد القادر التي أسعفت بعض المواطنين بمعدات متواضعة قبل نزوحها بمعية سبعة من أفراد أسرتها من تمبول إلى حلفا، وتعمل حاليًا متطوعة في مخيم صحي بمركز المدرسة المصرية.
تقول إيمان إنها أسعفت في منزلها عدد من المواطنين المتضررين من ضربة الطائرات الحربية للجيش السوداني بالقرب من مستشفى تمبول، وأوضحت أن أقارب أحد المصابين كانوا يملكون صيدليات وأحضروا إليها معينات طبية.
وتواصل إيمان: «حاولت قوة من الدعم السريع على منزلنا واستفسرت عن سبب التجمهر به»، مشيرةً إلى مهاجمتهم شقيقها جراء ذلك.
وتتابع: «تراجعت القوة بعد إجابة الرجال بأن التجمع بسبب علاج أحد المصابين من طيران الجيش».
وأشارت إيمان إلى عدم وجود حالات اغتصاب في تمبول حتى لحظة نزوحها الثلاثاء الماضية، موضحةً أن قوات الدعم السريع في تمبول كانت تركز على السرقة والنهب وتهديد وترويع المواطنين، لكنها تابعت: «لكن سبب عدم وقوع حالات اغتصاب هو أن الرجال كانوا يضحون بأرواحهم من أجل النساء».
وأكدت الناجية نجلاء عطا المنان أن قوات الدعم السريع تعمدت إذلال النساء بشكل خاص، وقالت في هذا السياق إن أحد أهالي تمبول يدعى «ع.أ» قتل وهو يدافع عن نساء بيته بعد تهديده بهن.
وشملت رحلة نزوح نجلاء التي اختارت الخروج بعد اشتداد هجمات الدعم السريع: (من تمبول إلى قرى الزرقة وحتى الطندب)، مشيرةً إلى أن الرحلة استغرقت نحو يومين، منها 8 ساعات سيرًا على الأقدام حتى الزرقة، تعرضت فيها لعملية نهب وتفتيش من الدعم السريع.
وتحكي عن دفع أسرتها وآخرين نزحوا معهم ملياري جنيه لسائق عربة كبيرة «دفار» لترحيلهم إلى حلفا.
وعن وضع المستشفيات والمراكز الصحية في تمبول، تقول إيمان إنها تعمل على الرغم من الضرب الشديد والخطر الأمني وانعدام المعينات، وتشير إلى استقبال مستشفى حلفا عشرات المصابين.
وهي كما تقول لـ«بيم ريبورتس» بدأت رحلة البحث عن عمل لإعالة أسرتها بعد تشردهم وقلقة مما يحمله لهم المستقبل.