بوابات خزان جبل أولياء المغلقة ترد مياه النيل الأبيض جنوبًا في رحلة عكسية مدمرة

عمر الفاروق وملاذ حسن

عمر الفاروق وملاذ حسن

في شهرها العشرين، انتقلت الحرب في السودان، إلى مرحلة جديدة من الخطر. خطر الغرق ومحو المدن والبلدات على ضفاف النيل الأبيض بالفيضان جنوب العاصمة الخرطوم. إذ لم تكن الجزيرة أبا التي فر منها معظم سكانها في ظرف أربعة أيام، إلا مثالًا محدودًا لما يمكن أن يحدث في حال لم تتم معالجات عاجلة لمشكلة خزان جبل أولياء والذي تسبب في فيضان كبير لنهر النيل الأبيض.

إنه ليس موسم الفيضان التقليدي في السودان، وإنما هو موسم فيضان خزان جبل أولياء جنوب العاصمة السودانية الخرطوم بعد أكثر من عام على غياب مهندسيه وفنييه، وتحوله إلى مسرح عمليات عسكرية ساخنة بين الجيش وعدوه اللدود قوات الدعم السريع.

خزان جبل أولياء - Google Earth

تحذير أوغندي من ارتفاع مناسيب المياه في بحيرة فكتوريا

لكن لربما لا تكمن المشكلة في غلق بوابات الخزان لوحدها، إذ أصدرت أوغندا، المصدر الرئيس للنيل الأبيض، في 14 مايو الماضي تحذيرًا للمجتمعات التي تعيش على شواطئ البحيرات وضفاف الأنهار من زيادة حجم المياه في تلك المسطحات المائية، والتي قالت إنها وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق.

وقال وزير المياه والبيئة الأوغندي، سام تشيبتوريس، آنذاك، إن منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا ارتفع إلى أعلى مستوى له. حيث بلغ 13.66 متر، مقارنة بـ13.5 متر في عام 2020.

وأكد الوزير الأوغندي أن بحيرة فيكتوريا تتلقى المياه من 23 نهرًا في جميع أنحاء المنطقة، والتي تشهد حاليًا أمطار ظاهرة النينو.

وأشار إلى أنه بسبب ارتفاع منسوب المياه في البحيرة، اضطرت الحكومة إلى إطلاق المزيد من المياه في نهر النيل، الذي يغذي أحواض البحيرات الأخرى، مما قد يتسبب في حدوث فيضانات هناك.

بحيرة فكتوريا - Google Earth

عمر الخزان يقترب من يقترب من 90 عامًا

وعودة إلى خزان جبل أولياء هو سد حجري على نهر النيل الأبيض ويقع على بعد 44 كيلومترًا جنوب العاصمة الخرطوم وتم إنشاؤه في عام 1937 بواسطة الحكومة المصرية، وفق اتفاقية بقبول قيام خزان سنار، حتى تحفظ حقها في مياه النيل دون أي تدخل من حكومة الحكم الثنائي، أو الحكومات الوطنية بعد استقلال السودان.

Sudan. Jebel Awlia, to Malakal. Air view. Dam south of Khartoum, largest engineering project on the Nile

سُلّمَ الخزان إلى حكومة السودان في عام 1977 ليُستفاد منه في رفع منسوب المياه في المناطق أمام جسم السد وخلفه حتى يمكن ري مشاريع النيل الأبيض الزراعية في كل من مناطق: أبو قوتة، والفطيسة ، والهشابة ، وأم جر، والدويم، بواسطة الطلمبات.

إنه ليس موسم الفيضان التقليدي في السودان، وإنما هو موسم فيضان خزان جبل أولياء جنوب العاصمة السودانية الخرطوم بعد أكثر من عام على غياب مهندسيه وفنييه، وتحوله إلى مسرح عمليات عسكرية ساخنة بين الجيش وعدوه اللدود قوات الدعم السريع. 

رجوع إدارة الخزان لسلطة وزارة الري

المخاوف من انفلات الأمر أخرجت الدعوات للتعاون بين الأطراف المتقاتلة إلى العلن، من أجل وقف التدهور في خزان جبل أولياء بالسماح للمختصين في وزارة الري والموارد المائية تحت ضمانات قوية للعمل على إصلاح الخزان الحيوي وتحييد خطره المحدق بمجتمعات جنوب الخرطوم.

وقال وزير الري والموارد المائية السابق، عثمان التوم، لـ«بيم ريبورتس»، إن الحل العاجل للأزمة، هو رجوع إدارة الخزان لسلطة وزارة الرى حتى يقوم المهندسون بإصلاح الأعطال التي تسببت فيها الحرب والعمل عاجلًا على فتح بوابات السد قبل أن يرتفع منسوب البحيرة وتمر المياه فوق جسم السد.

وأضاف التوم أن السد والذي بناه المصريون قبل أكثر من تسعين عامًا لم يوفروا فيه بوابات مفيض لتندفع من خلاله المياه لما بعد الخزان، إذا ارتفعت المناسيب حفاظًا على سلامة السد، كما فعلوا في مفيض توشكي في جنوب مصر.

تمكين مهندسي الري بالوصول إلى الخزان

ودعت أحزاب سياسية وأجسام مدنية في بيانات السبت والإثنين إلى التحرك لإنقاذ الوضع وتفادي الضرر بينها حزب الأمة القومي والمؤتمر السوداني والتجمع الاتحادي.

وقال حزب الأمة القومي، السبت، إنه يتابع هذه المأساة بقلق بالغ، وطالب الطرفين المتقاتلين بضرورة تمكين مهندسي الري للوصول إلى منطقة الخزان لتمرير المياه لخفض منسوب النيل لإنقاذ المواطنين في قرى ولاية النيل الأبيض. 

كما ناشد المنظمات الدولية والمحلية وكافة الجهود الإنسانية بالاستجابة للكارثة الإنسانية وتوفير مواد الإيواء والغذاء والدواء للمواطنين المحاصرين بالمياه في الجزيرة أبا وما حولها لرفع المعاناة عنهم وتخفيف الضرر.

رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، من جانبه، قال الإثنين إن تعرّض آلاف المواطنين في مناطق مختلفة من ولاية النيل الأبيض للفيضانات، جرّاء خروج خزان جبل أولياء عن الخدمة، أدى إلى تدمير العديد من المنازل والممتلكات العامة والخاصة، ولا يزال الوضع يهدد بمزيد من المعاناة.

وأكد الدقير، بحسب إفادات نقلها عن مهندسين خبراء في مجال السدود، أن خزان جبل أولياء عانى من إهمال جسيم وعدم انتظام في الصيانة في عهد النظام السابق واستمر هذا الإهمال خلال الفترة الانتقالية. فضلاً عن  الأضرار التي تسبب فيها القصف الجوي والاشتباكات المسلحة المتبادلة.

وأضاف «كما غادرت فرق تشغيل وصيانة الخزان موقعها عقب احتدام المعارك في المنطقة والتي انتهت بسيطرة قوات الدعم السريع عليها».

ودعا الدقير الجهات المعنية للتحرك الفوري واستنفار فريق فني مُتخصص لمعالجة الوضع وتفادي المزيد من الأضرار. 

وقال نأمل أن تسمح القوات المسلحة – في مناطق سيطرتها – بمرور الفريق الفني إلى الخزان، وأن تتيح قوات الدعم السريع وصوله لموقع الخزان لأداء مهمته، ويمكن أن يتم ذلك تحت إشراف الصليب الأحمر لضمان سلامة العملية.

وناشد الدقير المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية للتدخل العاجل وتقديم الدعم الفني والإغاثي. كما ندعو السودانيين في الداخل والخارج للتكاتف وإطلاق مبادرات شعبية لدعم أهلنا المتضررين بكل الوسائل الممكنة.

وأضاف الدقير أن استمرار الحرب في السودان لا يعني سوى التتابع المحموم للكوارث على شعبنا، والتهديد الوجودي لوطننا.

فتح بوابات الخزان فورًا

في السياق نفسه، دعا حزب المؤتمر السوداني، قوات الدعم السريع بالإسراع فورًا في فتح بوابات خزان جبل أولياء حيث مناطق سيطرتها، مشيرًا إلى ضرورة التنسيق مع حكومة بوتسودان والقوات المسلحة، وإن تطلبت العمليات الفنية توفير واستدعاء مختصين.

وقال الحزب في بيان، غُمِرَت العديد من مدن وقرى ولاية النيل الأبيض بمياه الفيضان من بينها كوستي والجزيرة أبا، حيث فاقم عدم فتح بوابات خزان جبل اولياء الوضع سوءًا ما جعل النيل الأبيض يتمدد أفقيًا مسببًا تلفًا لآلاف الأفدنة من المساحات المزروعة، أو انهيار لعدد كبير من المنازل، نجم عن ذلك حركة نزوح كبيرة وتهديد متزايد لآلاف الأسر والنساء والأطفال وكبار السن.

وشدد البيان، أن الأمر في غاية في الخطورة، لافتًا إلى أنه يمثل انعكاسًا حقيقيًا لحالة انهيار الدولة الكامل  وعدم تحمل طرفي الحرب تداعياتها مطلقًا.  كما نلفت انتباه المنظمات الاقليمية والدولية ذات الصلة بضرورة تيسير هذه العملية واغاثة أهلنا في مناطق فيضان النيل الأبيض.

وفي السياق نفسه، أعلن حزب التجمع الاتحادي عن تضامنه غير المحدود مع سكان ولاية النيل الأبيض في هذه الكارثة التي حلت بهم وقال إنه يعمل مع أبناء وبنات الولاية يدًا بيد من أجل تخفيف معاناة المتأثرين بالفيضانات.

وقال في بيان إن هذا الوضع يتطلب التنسيق بين القوات المتحاربة للسماح بوصول فرق الإغاثة والتطوع وتأمين عملها حتى تتمكن من أداء المهام المطلوبة منها على وجه السرعة لإنقاذ حياة الناس بالولاية وقراهم ومزارعهم.

وحث كل مكونات المجتمع المدني والأهلي بالولاية للتضافر والمساهمة في سبيل جبر الضرر وإغاثة المتضررين.

 أيضًا تقدمت مبادرة غرفة طوارئ الكوة بمناشدة عاجلة إلى السلطات السودانية والمنظمات الإنسانية والدولية للتدخل الفوري لإنقاذ المواطنين في مدينة الكوة وولاية النيل الأبيض، وقالت إنهم يواجهون كارثة إنسانية غير مسبوقة جراء الفيضانات المدمرة.

ولفتت في بيان إلى أن استمرار إغلاق بوابات خزان جبل أولياء يزيد من تفاقم الوضع، مما يعرض مدن وقرى النيل الأبيض جنوب الخزان لخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

الدعم السريع تحمل الجيش المسؤولية

في المقابل، قالت قوات الدعم السريع التي تسيطر على الخزان منذ نوفمبر 2023، إنها تتابع بقلق تطورات الفيضان الناجم عن أعطال في بوابات خزان جبل الأولياء جراء الأضرار الكبيرة التي لحقت ببنية السد بعد الاستهداف المتكرر له.

وأكدت في بيان أن الخزان تعرض لأكثر من (70) غارة جوية منذ سيطرة قواتها على المنطقة العسكرية بجبل الأولياء جنوبي العاصمة الخرطوم، إضافة إلى القصف المدفعي المتواصل بقصد تدمير الخزان.

وحمّلت الدعم السريع  الحكومة السودانية في بورتسودان المسؤولية الكاملة إزاء تداعيات الفيضان على المناطق والقرى الواقعة جنوب الخزان.  

وأكدت أن تفاقم الأزمة الحالية يعود بشكل مباشر إلى استهداف الطاقم الفني العامل في الخزان من قبل الجيش وإجبارهم على مغادرة الموقع ما تسبب في مقتل نحو (9) من المهندسين والفنيين العاملين جراء عمليات القصف الممنهج، وفقًا لبيانها.

كما اتهمت من أسمتهم الفلول بكسر عدد من (الترع) في الجزيرة والنيل الأبيض، والتي انسابت جميعها إلى النيل الأبيض مما ضاعف من مناسيب النهر.

وذكرت الدعم السريع أن جهودها مستمرة لفتح بوابات الخزان، كما أعلنت استعدادها للتعاون مع أي جهات فنية متطوعة مستقلة للمساعدة في المعالجة.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع