
بيم ريبورتس
ربما لم يكن يخطر على بال أربعة صحفيين سودانيين يعملون لصالح قناة سودان بكرة، وهم يفرون من الحرب الطاحنة في البلاد إلى الجارة الشمالية مصر، أن ينتهي بهم المطاف مبعدين من سلطاتها، إلى كندا بأمريكا الشمالية.
بدأت قصة الصحفيين الأربعة الذين يعملون لصالح قناة سودان بكرة في 23 سبتمبر 2023 عندما اعتقلتهم السلطات المصرية، وهم: علي فارساب، ونفيسة بكري ويوسف حمد النيل وحفصة بكري.
يقول فارساب لـ«بيم ريبورتس» من ملجئه الجديد في كندا، بعد قضائه أكثر من شهرين في السجون المصرية، إن سبب اعتقالهم كان بلاغًا من شخص اتهمهم بالعمل مع قوات الدعم السريع لتداهمهم بعدها قوة مكونة من مباحث المصنفات في مقر عملهم بالقاهرة.
بعد قضائهم 65 يومًا في ثلاثة سجون مصرية متنقلين بين زنازين العاصمة القاهرة ومحافظة أسوان، كان يوم 29 نوفمبر الماضي، يمثل مرحلة جديدة في حياتهم، عندما حطت طائرة تقلهم بمدينة ويندزور الكندية في محافظة أونتاريو، في أعقاب حصولهم على فرصة نادرة للجوء إلى كندا، جراء تعرضهم لأقسى أنواع التعذيب والتحقيق.
موسم اللجوء إلى الشمال
بعد اندلاع حرب 15 أبريل 2023، لجأ مئات الآلاف من السودانيين إلى الجارة الشمالية مصر، بمن في ذلك عشرات الصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان وسياسيين.
وكان الصحفيون المبعدون قد حصلوا على فرصة اللجوء إلى كندا بعدما تعرضوا للتعذيب والسرقة، وفق ما أكدوا لـ«بيم ريبورتس».
استهداف الصحفيين في مصر
خلال نوفمبر الماضي طالبت نقابة الصحفيين المصريين بالإفراج عن 23 صحفيًا معتقلاً معبرة عن قلقها الشديد إزاء تصاعد الممارسات القمعية التي تقيد حرية الإعلام.
وكانت منظمة مراسلون بلا حدود قد أطلقت تحذيرًا في 24 أكتوبر الماضي من المخاطر المحتملة لترحيل الصحفيين السودانيين الأربعة أثناء احتجازهم في مركز للاجئين بمدينة أسوان جنوبي مصر.
وقالت المنظمة في بيان «إن إعادة هؤلاء الإعلاميين المحترفين إلى السودان سيشكل ليس فقط انتهاكًا صارخًا لحقهم في الأمان، بل أيضًا خطرًا كبيرًا على سلامتهم الجسدية، نظرًا للانتقام الذي قد يتعرضون له. ندعو السلطات المصرية إلى وقف هذا الإجراء الخاص بالترحيل. يجب الإفراج عن هؤلاء الصحفيين وضمان حمايتهم».
قصة التحقيق والاعتقال والسجون
يقول فارساب إنه تم التحقيق معهم ليوم واحد والتحفظ عليهم لمدة ثلاثة أيام دون بلاغ وإجراءات قانونية.
«بعدها تم فتح بلاغ مخالفات شركة، وأصدرت النيابة قرار براءة لصالحنا.. كان هناك إجراءات تعسفية للأجانب، فبعد أن يتم الإفراج عنك لا بد من عرضك على الأمن الوطني الذي يصدر قرارًا بترحيلك في الغالب وتأكد الجوازات على ذلك»، يضيف.
ويتابع «خلال هذه الفترة تم منع الزيارة عنا والاتصالات.. كما تم إخفاء كروت اللجوء عن قصد لنصبح بدون أوراق إقامة، حتى أمام النيابة».
ويوضح أن أشرس هذه السجون وأصعبها والأخطر، كان قسم قصر النيل بوسط البلد، حيث تم احتجازهم فيه لأكثر من أربعين يومًا تعرضوا فيها للسرقة ولم يغمض لهم فيها جفن لمدة عشرة أيام متواصلة بسبب خطورة الوضع داخله.
أما السجن الثاني، والحديث لفارساب، فهو قسم 15 مايو ويصفه بأنه سجن كبير تجميعي به كل السودانيين المقرر ترحيلهم إلى أسوان ومنها تم نقلهم إلى سجن قوات الأمن التابع للأمن الوطني فيه عنابر كثيرة ومليئة بالسودانيين، مشيرًا إلى أن ما لا يقل عن 10 سودانيين يوميًا يصلون إلى السجن.
يتابع «بعدها كان يفترض أن يصلوا إلى منطقة أبو سمبل بأسوان لكن تم إرجاعهم قبل الوصول وإخطارهم من قبل المفوضية السامية للاجئين أنها بدأت إجراءات التوطين لهم».
ويردف «بقينا مدة أسبوعين في سجن أسوان ورجعنا بعدها إلى القاهرة، وتم عمل الفحص الطبي اللازم لنا وإخطارنا بأن كندا قبلت ملفنا».
سجون فظيعة وإعادة قسرية إلى السودان
«السودانيون المحتجزون في السجون المصرية ممنوعين من الزيارات وكذلك الاتصالات ممنوعة عنهم»، يقول فارساب، لافتًا إلى أن الغالبية منهم يصدر بحقهم قرار ترحيل رغم امتلاكهم إقامات وكروت لجوء سارية.
ويضيف «يوميًا تأتي بصات محملة بالسودانيين من أسوان.. ما لا يقل عن 50 شخصًا وممكن يصلوا حتى 150 في اليوم الواحد».
ضرب فارساب مثلًا بشباب إثيوبيين كانوا في السودان وقدموا إلى مصر بالطريق الصحراوي الشمالي (تهريب)، لكن تم القبض عليهم بواسطة السلطات المصرية التي قال إنها ظلت تحبسهم لأكثر من عام وتمنع عنهم الزيارات والتواصل مع أسرهم حتى الآن، في ظل رفض السفارة الإثيوبية التفاعل مع قصتهم.
أسوأ أنواع التعامل وأقسام الشرطة تنكر وجودهم

تقول المحامية، إقبال أحمد علي لـ«بيم ريبورتس» إن الصحفيين احتجزوا لـ شهرين وخمسة أيام، وفي أول 15 يومًا صدر قرار بالإفراج عنهم من النيابة، لكن باقي الفترة ظلوا موضوعين «كأمانات إلى أن تم إجلاؤهم».
وتشير إلى أنهم تعرضوا لأسوأ أنواع التعامل في السجون، موضحةً أن قسم قصر النيل، كان ينكر أي وجود لهم داخله في أول ثمانية أيام من لحظة حبسهم، لكننا كنا على دراية بأنهم في الداخل رغم إنكار القسم ذلك، تقول إقبال.
وتواصل قائلة «لم يتم فتح بلاغ في مواجهتهم لدى النيابة ولم يكن لها علم بحالتهم.. الحراسة التي كانوا بها في الفترة الأولى كانت عبارة عن متر في مترين وعدد المحتجزين بها لا يقل عن 30 شخصًا سواء كانوا للشباب أو النساء».
وتضيف «كان الصحفيون المحتجزون يتم إعطاؤهم وجبة واحدة في اليوم (جبنة قريش)، لم يتمكنوا من تناولها لعدم استساغتهم لها.. أما المياه فكان يتم جلبها لهم دون تنقية مما سبب لهم مشاكل صحية ممثلة في تورم أجسادهم بسبب المياه الملوثة وحبس البول في وقت لم يتم عرضهم لطبيب».
وتتابع «عاشوا تفاصيل صعبة حيث تعرضوا للضرب من المساجين وتم اقتلاع حاجياتهم وسرقتهم».
ووفقًا لإقبال، فإنه بعد 15 يومًا من الحبس أصدرت النيابة قرارًا بالإفراج عنهم وترحيلهم إلى العباسية للتأكد ما إذا كانوا مطلوبين في شيء آخر، لكنها عادت وأشارت إلى صدور قرار بأن يتم التحفظ عليهم وترحيلهم إلى السودان رغم أنه لم يكن عليهم شيء آخر.
قانون اللجوء
وتلفت إقبال إلى أن قانون اللجوء ينص على أن أي شخص يتم القبض عليه يفترض أن يتم إخطار المفوضية بذلك لتوفر محام له لمتابعة إذا كان لديه جناية أم لا، لتتدخل، مشيرة إلى أن السلطات المصرية لم تخاطب المفوضية ولم يكن لها علم بحالة الصحفيين.
وتوضح أنه وفقًا لقانون المفوضية، فإنهم في الأصل لا يفترض أن يكونوا في الحبس. وتواصل «أيضًا القانون يحمي كل من يحمل كرت لجوء من الترحيل، والقرار صدر ببرءاتهم من التهمة المنسوبة لهم لكن بعدها جاء قرار بالترحيل.. قانون المفوضية يحميهم من الترحيل».
وأكدت أن محامين مصريين أشاروا إلى أن السلطات المصرية لا تستجيب للطلبات التي تقدم بإلغاء قرارات الترحيل وأن قرار الإبعاد تم مرة واحدة إلغاؤه بموجب أمر قضائي ولم تتكرر في أي حالة أخرى.
وذكرت أنها توجهت بمعية عدد من الحقوقيين السودانيين إلى مكتب الحماية وهو أحد المكاتب القانونية للمفوضية، مشيرةً إلى أنه لم يتحرك في الوقت المناسب لإيقاف الإجراءات المتعلقة بهم.
وأوضحت أن 3 صحفيين بينهم كانوا يحملون بطاقات المفوضية أما الصحفي الرابعة، كان مسجلًا لكنه لم يتسلم بطاقته لأن مواعيد استلامها كان بعد يومين من تاريخ حبسه.
واستنكرت إقبال غياب دور السفارة السودانية تمامًا عن وضع السودانيين في الحراسات المصرية، مشيرةً إلى أن السلطات المصرية كانت تعيد السودانيين على مرأى ومسمع السفارة السودانية وأن الأخيرة تقوم بإصدار وثيقة سفر اضطرارية لكل من لا يحمل مستندات لتعيده إلى السودان.
قانون جديد للاجئين
وفي 29 نوفمبر الماضي أقرّ مجلس النواب المصري مشروع قانون جديد خاص باللاجئين الأجانب وصدق عليه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، لكنه أثار قبيل إقراره رسميًا جدلًا على منصات التواصل الاجتماعي، وسط مخاوف من أن يؤدي إلى «توطين اللاجئين» خاصة السودانيين والسوريين، وتساؤلات عن جدواه في ظل ما يقدمه من امتيازات للأجانب.
وتأتي الموافقة عليه في إطار مساعٍ مصرية لتنظيم وضع اللاجئين وفق ما تقول القاهرة والذين يزيد عددهم عن 9 ملايين وفق بيانات صادرة عن الحكومة ، حيث ازداد عددهم أخيراً مع اندلاع الصراعات في المنطقة.
وفي الصدد تقول إقبال عن تأثير القانون الجديد على اللاجئين السودانيين إن القانون المصري الجديد تراجع تراجعًا وصفته بالمريع عن الوضع القائم بالنسبة للاجئين وعصف بالحماية القانونية لهم، مشيرة إلى إنه إذا أُعتمد فسيصبح ليس هناك حماية قانونية تماماً للاجئين.
وتشير إلى أنه خلق فراغًا انتقاليًا في الفترة من إعلان القانون حتى صدور الإجراءات، لأنه لم يحدد موعد تشكيل اللجنة التنفيذية، موضحةً أنه وفي هذه الفترة ما بين صدور القانون وتشكيلها، سيكون القانون هو النافذ والمفوضية لن يكون لديها حق في ممارسة أي شيء.
وتلفت إقبال إلى أنه وخلال هذه الفترة ستصبح حقوق المسجلين في المفوضية والواجبات لهم وتفاصيل المفوضية على اللاجئين موقوفة، وتنوه إلى أن القانون الجديد سيطر على جميع أموال اللاجئين وأدخلها تحت عباءة وزارة المالية المصرية، ما يعني أنه، وفق القانون، فإن تمويل اللاجئين الذي يأتي من الدول المانحة سيصبح تحت تصرف الحكومة المصرية.
وتوضح إقبال أن القانون الجديد توسع في اكتساب صفة اللجوء للاجئ، حيث أعطى اللجنة الحق في إطلاق صفة اللاجئ على الأشخاص أو غير لاجئ، كما منحها الحق في اعطاء صفة اللجوء أو لا. وتواصل و«فرزت بين القادم بطريقة رسمية أو غير رسمية في حين ان المفوضية تقول أن أي شخص فر من بلده لدولة أخرى ووصل الحدود يعتبر لاجئ».
أكدت أن القانون اتخذ لغة فضفاضة تعتمد على تفسير الطرف الثاني، لذلك فهو سيسبب مشاكل جمة ويحرم الأشخاص من أهم حقوق، وهي حق الإنتماء للنقابات وممارسة العمل السياسي، رغم أن أغلب الموجودين في مصر هم لاجئين سياسيين ومدافعين عن حقوق الانسان وصحفيين. كذلك منع اللاجئين من التكلم عن أي دولة أو معارضة نظام أي دولة، حتى لو لم تكن دولتك طالما مصر لديها مصالح معها.
وتواصل «القانون الجديد أعطى الدولة المصرية حق الاعتقال ومميزات الجنسية والمحاكم مربوطة بالقوانين القديمة وهي غير معدلة».
وتوضح أنه وفق للقانون الجديد سيتم التقديم للجنة للحصول على حق اللجوء حتى للأشخاص القادمين بطريقة رسمية ومن الممكن أن ترفض لهم، وتشير إلى أنه أيضاً بالنسبة للقادمين بطريقة رسمية لمدة سنة، فإنه وفي خلال ستة أشهر خلال السنة يحق لهذه الجهات الإدارية اتخاذ ما تراه مناسبًا، وتواصل «من الممكن أن يتم الاعتقال أو فرض غرامة على أي يوم تكون فيه في البلد في خلال فترة العام وستة أشهر».
وتقول «هذه كلها أشياء مبهمة وخطرة، والأهم منها فسيما يتعلق بقرار الإبعاد غير معروف بالنسبة للدولة القادم منها وطالب اللجوء أم لدولة أخرى، وهل يقوم اللاجئ بالتقديم للدول الأخرى، أم ستكون اللجنة وكيف سيصلها، واين سيكون خلال هذه الفترة، في السجون أم خارجها».
إعادة 40 شابًا احتفلوا بانتصار عسكري للجيش
وقالت إقبال إن السلطات المصرية أعادت 40 شابًأ تم القبض عليهم في أعقاب احتفالات السودانيين بخبر كان قد انتشر عن انتصار الجيش على قوات الدعم السريع في مصفاة الخرطوم للبترول (الجيلي).
وأضافت بعدها ترحيلهم إلى السودان بينهم شباب أقل من 18 عامًا، وبعضهم من المقرر أن يجلس لامتحانات الشهادة الثانوية ومسجلين في جمهورية مصر العربية، كما أن من بينهم شباب ليس لهم علاقة بالاحتفال، موضحة أن طريقة الاعتقال كانت مهينة.