
بيم ريبورتس
يتشعب الصراع المسلح في السودان منذ اندلاعه في 15 أبريل 2023 يومًا بعد يوم، حتى وصل إلى رواتب موظفي وعمال الخدمة العامة، بناء على الموقف السياسي من قوات الدعم السريع، أو الاتهام بموالاتها أو التعاون معها، حسبما قررت وزارة الحكم الاتحادي.
قرار وزارة الحكم الاتحادي الصادر في نوفمبر الماضي الذي يحرم عددًا كبيرًا من العاملين في الخدمة العامة من رواتبهم، وجد انتقادات من نقابيين وحقوقيين وسط فقدان ملايين السودانيين مصدر دخلهم بسبب الحرب.
وكانت وزارة الحكم الاتحادي قد أصدرت في نوفمبر العام الماضي قرارًا وجهت فيه حكام الإقاليم وولاة الولايات بإيقاف العاملين بالخدمة المدنية من المتعاونين مع قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى إعفاء رؤساء وقيادات الإدارة الأهلية الذين انحازوا إلى الدعم السريع.

من جهته، علق قطاع النقابات في تنسيقية تقدم على القرار بتاريخ 7 ديسمبر 2024 منتقدًا إيقاف موظفين عن العمل بناءً على اتهامات فضفاضة وغير مدعومة بأدلة قاطعة، ومعتبرًا أن ذلك يُعد تجاوزًا خطيرًا لمبادئ العدالة وسيادة القانون.
وأضاف في بيان «هذا التصرف يشكل اعتداءً مباشرًا على حق الإنسان في العمل، وهو حق أساسي معترف به في الاتفاقية رقم 111 لمنظمة العمل الدولية، المتعلقة بالتمييز في الاستخدام والمهنة، والتي صادقت عليها السودان».
وأردف «كما أن هذا القرار التعسفي يتعارض مع الالتزامات القانونية الدولية التي تحظر أي شكل من أشكال العقوبات الإدارية التي تفتقر إلى ضمانات المحاكمة العادلة أو التي تُتخذ بناءً على دوافع سياسية أو انتقامية».
وحذرت ـ سلطات الأمر الواقع ـ في بورتسودان من التمادي في اتخاذ إجراءات تعسفية تهدف إلى إسكات أصوات الموظفين أو تصفية حسابات سياسية تحت غطاء قانوني زائف، بحسب البيان.
بعد ثلاثة أسابيع بدأت تداعيات القرار الذي لاقى انتقادا كبيرًا خاصة بين نقابيين وجهات سياسية، خوفًا من أن يتم استغلاله في تصفية حسابات لموظفين أو استخدامه بشكل يضر مواطنين في معاشهم، بدأت في الظهور وتأثر منها بعض العاملين.
برز هذا التأثير في 11 ديسمبر الماضي حين أوقفت وزارة الصحة السودانية، موظفًا عن العمل وأحالته للتحقيق، على خلفية مشاركته في اجتماعات الهيئة القيادية لتنسيقية «تقدم» في عنتيبي بيوغندا، مطلع الشهر.
وقالت وزارة الصحة الاتحادية في بيان بتاريخ 11 ديسمبر الماضي، إن مدير إدارة الإعلام والعلاقات العامة للصندوق القومي للإمدادات الطبية، عز الدين دهب، شارك في اجتماعات «تقدم» بمدينة عنتيبي بدون إذن، أو تواصل مع إدارة الصندوق القومي للإمدادات الطبية، أو حتى علمها.
وبررت الوزارة الخطوة بـ«أن ظاهر ذلك يعتبر دعمًا لقوات الدعم السريع». لكن الموظف عز الدين علي دهب، بدوره رد على البيان باستنكار، معتبرًا أن الوزير وقع تحت تأثير ابتزاز من أسماهم بعض دعاة الحرب وأوضح أنه شارك في المؤتمر كصحفي وليس كعضو في الهيئة السياسية المناهضة للسلطة الحاكمة في البلاد.
تخبط إداري وقانوني
اعتبر خبراء نقابيون قرار وزارة الحكم الاتحادي بأنه مجحف ولا يستند على أي قانون ويدل على تخبط إداري وقانوني من الجهات التي قامت بإصداره.
وقال الخبير النقابي، محجوب كناري، لـ«بيم ريبورتس» إن هذا القرار مجحف ولا يستند على أي قانون، موضحًا أن المواد المذكورة في مذكرة وزارة الحكم المحلي قد يكون لها تأثير على مسألة الإدارة الأهلية، لكن ليس هناك مواد في القانون تتحدث عن تعاون مع مليشيات أو عدو في الخدمة المدنية تحديدًا، مضيفًا “وهذه مسألة كبيرة”.
ولفت إلى أن المشكلة في القرار أنه لم يذكر شكل إثبات الاشتباه، عبر التحقيق، أو محاكمة، أم يتم الفصل لمجرد الاشتباه فقط، منوهاً إلى أن هذا ضد روح القانون والعدالة وسيتحمل تبعاته عمال وموظفين قد يكون ليس لديهم أي علاقة بالدعم السريع، وفق ما قال.
وأضاف معروف أنه توجد في أي وحدات حكومية خلافات ويمكن أن يُستغل هذا القرار في تصفية الحسابات، بإطلاق اتهامات جزافية ضد بعض العاملين وفصلهم والتشهير بهم أنهم متعاونين بالمليشيا وغيره.
وشدد على أنه قرار أُصدر بعجلة دون الرجوع إلى أي مرجع قانوني أو استشارة سواء كان في القانون نفسه أو من يمارسون القانون، مردفًا «هذا يدل على الآثار الكارثية لهذه الحرب على المواطن السوداني».
وأكد على أن القرار مرفوض جملة وتفصيلاً ولا يمكن مناقشته حتى ويدل على تخبط إداري وقانوني من الجهات التي قامت بإصداره.
من جانبه قال المحامي، أزهري الحاج موسى، إن العمال السودانين يواجهون العديد من الانتهاكات في ظل حرب 15 أبريل من كل النواحي لم تقتصر على تلك التي وقعت بسبب القتال، بل تعدت ذلك إلى انتهاك في حقوق العمال من حيث الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والقوانين الوطنية التي تنظم حقوق العمال وتحفظ حقوقهم.
وأضاف في الوقت الذي يجب أن تقوم السلطات بسد حاجات العمال في الظروف التي تمر بهم وخسروا فيها مدخراتهم عن طريق الضمان الاجتماعي ولكن زادت الصعوبات عليهم بإصدار القرارات المخالفة للقوانين واللوائح بمنع بعض العمال لحقوقهم وفقدان وظائفهم عن طريق الفصل التعسفي وذلك وفقا للاختلاف السياسي.
وحول حرب 15 أبريل الدائرة الآن بتهم التعاون مع الدعم السريع، قال إن القانون الجنائي السوداني نص على جريمة التعاون في ارتكاب جرم ما ولكن وضع شروطًا وإجراءات محددة يجب اتباعها لإثبات ذلك.
وأوضح أن معظم القرارات والإجراءات التي يتم اتخاذها ضد العمال من السلطات في مناطق سيطرة الجيش وسلطة الأمر الواقع تفتقر للأساس القانوني السليم والانصاف والعدالة ومن ضمن هذه الإجراءات فصل موظف وزراة الصحة لأحد منسوبيها بتهمة الوجود من ضمن نشاط سياسي وهذا يعتبر مخالف للقانون وانتهاك صريح لحقوق الإنسان والعمال بصفة خاصة لأن لا القانون الوطني يسمح بذلك ولا المواثيق الدولية.
تعتبر هذه الانتهاكات التي تقع على العمال بهذه التصرفات غير القانونية وغير الأخلاقية قد تزيد حياة العمال تعقيدًا ويجب التصدي لها وعلى السلطات ألا تتستغل ذلك في تصفيت حسابات سياسية مع العمال وتعتبر الوظيفه العامه حق لكل السودانين بمختلف تياراتهم والوانهم السياسية وندعوها للتراجع عن هذه الإجراءات والقرارت المخالفة للقوانين.
تنظيم الأجسام المهنية والنقابية
من جهته، طالب قطاع النقابات في تنسيقية تقدم الحكومة بالتراجع الفوري عن قرار إيقاف الموظفين دون قيد أو شرط،والالتزام بمعايير منظمة العمل الدولية والاتفاقيات ذات الصلة التي تضمن العدالة والإنصاف في بيئة العمل.
ودعا القطاع جميع العاملين والعاملات في السودان إلى تنظيم صفوفهم والوقوف بحزم ضد ما وصفه بالظلم في مواجهة القرارات التعسفية التي تستهدف الأرزاق والحياة، مضيفًا «لا يمكننا السكوت عن سياسات تعصف بحقوق العاملين دون سند قانوني أو مبرر أخلاقي».
وحث البيان العاملين على التكاتف والتضامن، وتنظيم أجسامهم المهنية والنقابية والإلتفاف حولها، والعمل معًا لمناهضة هذه الهجمة الشرسة على الكرامة والمستقبل وحقوق العمال.
والسبت الماضي خرج قائد الجيش السوداني في خطاب أعلن فيه عن تراجعه عن قرارات حظر تجديد جوازات السفر التي كان قد شكا منها أفراد مرتبطين بقوى سياسية مناهضة للحرب، فيما قال في خطابه إن الباب مفتوح أمام كل شخص يرفع يده عن المعتدين – يقصد الدعم السريع – ويقف موقفًا وطنيًا خالصًا، غير أنه لم يشر بشكل مباشر لإلغاء قرار وزارة الحكم الاتحادي الخاص بالعمال المتهمين بالتعاون مع الدعم السريع.