كيف أظهرت نتيجة امتحانات الشهادة السودانية عوامل تفوق التعليم الخاص على الحكومي؟

إنها لا تبتسم مطلقاً”، هذا كان فحوى تعليق متداول على وسائل التواصل الاجتماعي، على ردة فعل ظهور أولى الشهادة السودانية للعام الحالي، أمنية موسى، بمنصات الإعلام المختلفة، والتي أحرزت نسبة 98% من مدرسة  الفتح الخاصة بالعاصمة الخرطوم. 

أيضاً، مثّل إحراز الجندي بالقوات المسلحة محمد إبراهيم، الذي جلس للامتحانات من ولاية جنوب دارفور غربي البلاد، لنسبة 91.4% ردود أفعال واسعة. بالإضافة للاحتفال بالطلاب المتفوقين وتقديم التهاني لهم على وسائل التواصل الاجتماعي وتكريم بعض المدارس لطلابها واهدائهم سيارات في بعض الحالات. 

مثّلت كل هذه الحالات الاحتفالية، الشكل الأبرز للتعاطي مع نتيجة امتحانات الشهادة السودانية التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم في التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي، في مؤتمرها الصحفي السنوي، لكنها لم تول الاهتمام الكافي للوجه الآخر لتفاصيل الامتحانات التي جلس لها هذا العام خمسمائة وعشرة ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين (510938) طالباً وطالبة في كل المساقات من داخل السودان.

وجلس للامتحانات من المدارس الحكومية (المساق الأكاديمي) 175915 طالباً وطالبة، نجح منهم 123718، بينما جلس في المدارس الخاصة 150194 طالباً وطالبة وكان عدد الناجحين 110706. فيما كانت النسب العامة للنجاح في جميع المساقات كالتالي: المساق الأكاديمي (68.4%)، المساق الحرفي (87.9%) والمساق الفني (60.3%) وشهادة القرآن الكريم (92.4%).

وأظهرت تفاصيل النتيجة، تحقيق المدارس الخاصة نسبة بلغت 73.7% متفوقة بذلك على المدارس الحكومية التي حققت نسبة نجاح 70.3%، وهو أمر تكرر خلال الأعوام السابقة، وفقاً لمختصين تحدثوا لـ(بيم ريبورتس) وكان عدد المدارس الحكومية التي أحرز طلابها درجات ضمن الـ 116 الأوائل 20 مدرسة (46 طالباً وطالبة)، بينما عدد المدارس الخاصة 33 مدرسة (70 طالب وطالبة).

“سياسات التعليم التي تتخذها الدولة تسببت في انهيار التعليم الحكومي وتحويله لسلعة من بعض الفئات التي استثمرت فشل الدولة”. يقول الأستاذ بالمرحلة الثانوية أحمد مختار ضو البيت لـ(بيم ريبورتس).

ويضيف ضو البيت: الأسباب الرئيسية لتفوق التعليم الخاص على التعليم الحكومي تتمثل في إهمال التعليم الحكومي عموماً، ونقص المعلمين والمعينات والوسائل التعليمية، وتردي البيئة المدرسية، وتضاعف عدد المدارس الخاصة 3 مرات خلال 15 عاماً”، وتابع قائلاً “اليوم التعليم الخاص يشكل 75% في ولاية الخرطوم، بينما مدارس الحكومة لم تزد، فمن الطبيعي أن يظهر ذلك في تفوق المدارس الخاصة على الحكومية”.

طلاب غير مرئيين

في كل عام وما إن يتم إعلان نتيجة الشهادة السودانية، حتى يكون التركيز على الطلاب والطالبات الذين أحرزوا درجات عالية، واحتلوا قائمة المائة الأوائل، تثميناً لنجاحهم، في حين لا يقدم المؤتمر أي إحصاءات عن الطلاب والطالبات الذين لم ينجحوا، والأسباب المتعلقة بجودة التعليم المقدمة.

وحتى عندما تأتي سيرة الطلاب من الأماكن الأقل نمواً، تأتي كحديث عن حالات تفوق فردي، مثلما حدث في نتيجة 2017م مع أول الشهادة السودانية بولاية شمال دارفور، عصام محمدين، وكيف كان يقطع مسافة 6 كيلومترات يومياً للذهاب إلى المدرسة، لكن ذلك لا يقابله الحديث عن أوضاع بقية الطلاب والأسر الأخرى في مخيمات النزوح المختلفة، والصعوبات التي تواجه وجود خيار يسمح لهم بالالتحاق بنفس المدرسة التي تبعد 6 كيلومترات. 

وفي هذا العام كان أول الشهادة في المساق النسوي، هبة الله عوض محمد، من معهد الأمل للصم بولاية الخرطوم، دون التطرق لما يواجهه الصم من صعوبات كبيرة في ارتياد المدارس العامة، وذلك بسبب صعوبة الإدماج، وعدم توفر البيئة المدرسية اللازمة لاستقبالهم.

موت في سبيل التعلم

“خلال هذا العام، توفي خمسة من طلاب من مخيم كلمة للنازحين، والذين كان من المفترض أن يجلسوا لامتحانات الشهادة السودانية، إثر انهيار بئر عليهم أثناء عملهم في صُنع الطوب من أجل توفير احتياجاتهم الدراسية” بهذه الكلمات الممتلئة بالحزن يصف المتحدث الرسمي باسم منسقية النازحين واللاجئين آدم رجال الوضع التعليمي داخل مخيمات النازحين بإقليم بدارفور.

يضيف رجال، “على مر السنوات والوضع التعليمي يزداد سوءاً. هناك العديد من التحديات والظروف القاسية التي يواجهها آلاف الجالسين لامتحانات الشهادة السودانية سنوياً في دارفور بشكل عام وفي مخيمات النزوح واللجوء على وجه الخصوص”.

يصبح هذا الجانب غير مرئي مع إعلان نتيجة امتحانات الشهادة السودانية في كل عام، حيث تقيم وزارة التربية والتعليم مؤتمرها الصحفي، وتبين خلاله تفاصيل نتيجة شهادة الثانوية العامة وأسماء الطلاب الأوائل في المساقات المختلفة على مستوى الولايات السودانية دون أن تناول أسباب هذه النسب والفوارق والتناقضات التي تحيط بها.

ما يعانيه الطلاب والطالبات في المناطق الأقل نمواً، أو تلك المتأثرة بالحرب ينعكس وتظهر نتائجه في العملية التعليمية برمتها، بما في ذلك المعاناة في سبيل الحصول على التعليم نفسه، والطريق الطويل في سبيل الوصول لمراكز الامتحانات عبر قطع مئات الكيلومترات. وخلال العام الماضي على سبيل المثال، لقي 7 طلاب مصرعهم فيما أصيب 12 آخرين إثر انقلاب وسيلة النقل التي كانت تقلهم من شرق جبل مرة إلى مدينة نيالا للجلوس لامتحانات الشهادة السودانية.

حرمان من التعليم

أصدرت يونسيف تقريراً في 12 سبتمبر الماضي، أوردت فيه أن هناك ضرورة عاجلة لاتخاذ تدابير عاجلة فيما يتعلق بموضوع التعليم في السودان، حيث يواجه 6.9 مليون طفل خارج المدرسة و 12 مليونًا يواجهون اضطرابات في التعلم. وقالت يونسيف: “واحد من كل ثلاثة أطفال في سن الدراسة، لا يذهبون إلى المدرسة في السودان، و 12 مليون آخرين سيتوقفون عن الدراسة، بسبب نقص المعلمين والبنية التحتية الكافية، والبيئة التعليمية التي تمكنهم من الوصول إلى إمكاناتهم الكاملة”.

ودرجت وزارة التربية في مؤتمرها الصحفي السنوي لإعلان النتيجة، على الإعلان عن تاريخ الامتحانات للسنة المقبلة، دون أن تُبين أوضاع المدارس من ناحية بنى تحتية وتأهيل، أو توفر الأساتذة والكتاب المدرسي، مضافاً إلى ذلك انهيار عشرات المدارس سنوياً في موسم الخريف. فعلى سبيل المثال فقط، تأثرت 95 مدرسة من المراحل المختلفة في منطقة المناقل (جنوب الجزيرة).

وبينما تظهر الدولة بكثافة في إعلان موعد النتيجة بكل تفاصيله، في الوقت نفسه لا تبدِ اهتماماً كافياً، بالسياق الكلي الذي تجري في ظله العملية التعليمية.

وكان وزير التربية والتعليم في فترة الحكومة الانتقالية الأولى، والخبير التربوي، محمد الأمين التوم، قدم خططاً بناءة لإعادة إصلاح قطاع التعليم الحكومي، بما يضمن تحسينه و وصوله للفئات الأكثر فقراً وحرماناً في البلاد، غير أنه أبعد من الحكومة الانتقالية الثانية بحجة الفحص الأمني، قبل أن يكمل انقلاب 25 أكتوبر الإجهاز على مشروعه في تطوير التعليم الحكومي.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع