Tag: الثورة السودانية

مؤتمر لتجديد عمله.. كيف أصبح «تفكيك التمكين» قضية مركزية في أجندة الثورة السودانية؟

أية السماني

أية السماني

"لقد ساد المؤتمر أجواء من النقاش البناء والحوار الديمقراطي والروح الوطنية والرغبة الأكيدة في بناء عقد اجتماعي جديد وإرساء دعائم الحكم الديمقراطي القائم على مبادئ الحوكمة الرشيدة والتنمية المتوازنة ومدخلها تفكيك التمكين ومحاربة الفساد وتعزيز الشفافية"، يقول الناطق الرسمي باسم (العملية السياسية)، خالد عمر.

وجاء حديث عمر خلال كلمته بـ(مؤتمر خارطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الـ30 من يونيو)، الذي عقد بين يومي 9-11 يناير الحالي، بمشاركة خبراء سودانيين وأجانب، حيث من المنتظر أن تُضمن توصياته في الاتفاق النهائي، حسبما أعلن منظموه.

إذ، ما تزال قضية تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م، حتى بعد مرور 4 أعوام على إسقاطه، وأكثر من عام على انقلاب 25 أكتوبر 2021م، تشكل أولوية بالنسبة للفاعلين السياسيين السودانيين، رغم تجميدها من قبل القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، غداة الانقلاب.

ولعبت اللجنة، خلال فترة الحكومة الانتقالية السابقة، دوراً بارزاً، في تفكيك تمكين حزب المؤتمر الوطني المحلول وواجهاته، حيث نجحت في استرداد أصول وأموال تقدر بمليارات الدولارات، وفق ما أعلنت.

وظلت قضية تفكيك (نظام الحزب الواحد)، تحتل حيزاً كبيراً في مواثيق المعارضة السودانية، خلال حقبة حكم النظام المخلوع، ومع وصولها إلى السلطة في 2019م، عقب إطاحته، سرعان ما ضمنتها في الوثيقة الدستورية التي حكمت الفترة الانتقالية.

في المقابل، أوضح انقضاض البرهان، على لجنة إزالة التمكين، عقب انقلابه، مركزية اللجنة، ضمن مؤسسات الحكومة الانتقالية السابقة، قبل أن يزج بقادتها في السجون، تحت تهم عديدة.

وشيئاً فشيئاً، مع مرور أيام انقلاب 25 أكتوبر 2021م، بدأ النظام المخلوع، في استعادة واجهاته ومؤسساته والأصول المالية التي كانت لجنة إزالة التمكين قد استردتها.

ومع تصدع قوة انقلاب 25 أكتوبر، تحت الضغط الجماهيري، وبدئه مفاوضات مع قوى الحرية والتغيير، ووصولهم إلى محطة الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر الماضي، أجلت قضية تفكيك التمكين، ضمن 5 قضايا أخرى إلى حين الوصول إلى الاتفاق النهائي.

ومنذ استيلائه على السلطة عبر انقلاب عسكري في 30 يونيو 1989م، تمكن النظام المخلوع في جميع أجهزة الدولة العسكرية والمدنية، بالإضافة إلى إنشائه مئات الواجهات والشركات التي كانت تعمل لتحقيق مصالحه خارج إطار الدولة المؤسسي. كما شمل تمكين النظام المخلوع، فصل مئات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية والعسكريين، وإبدالهم بموظفين موالين له.

ميلاد اللجنة

في ديسمبر 2019م، وفي أعقاب تشكيل الحكومة الانتقالية، أجيز القانون الخاص بتفكيك تمكين نظام الـ30 من يونيو، وقضى القانون المجاز بحل حزب المؤتمر الوطني وحجز والأموال والأصول التابعة له لتتم إعادتها لصالح الخزينة العامة، قبل أن يتم تكوين اللجنة، برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي، ياسر العطا، لتنفيذ المهام التي ينص عليها القانون.

باشرت اللجنة عملها وسط قبول شعبي كبير، وأصدرت عدداً من القرارات بمصادرة أموال وأصول وواجهات من أفراد النظام المخلوع وموالين له. كما حجزت على حسابات مالية تعود لعدد من رموزه وفصلت عددا من الموظفين بالخدمة المدنية، قالت اللجنة إن تعيينهم تم على أساس ولائهم وانتمائهم للنظام السابق، وليس على أساس الكفاءة.

أيضاً، طالت إجراءات الفصل موظفين بمناصب رفيعة من قضاة وسفراء. لكن مع ذلك، لم تمس اللجنة الموالين للنظام السابق بالقوات العسكرية، حيث تركت مهمة فحصهم وقرار فصلهم لتتم من داخل المؤسسة العسكرية، وفق ما تراه يصب في مصلحة “الإصلاح العسكري المنشود”.

عوائق مبكرة

أظهر المكون العسكري، انزعاجاً واضحاً، من عمل لجنة تفكيك التمكين، وتمظهر ذلك، في استقالة رئيسها، ياسر العطا، بشكل مفاجئ لم يوضح فيها الأسباب، إلا أنه أشار إلى أخطاء  قال إنها صاحبت عمل اللجنة دون أن يفصلها.

ومع ذلك، لم يتوقف عمل اللجنة، وتواصلت مؤتمراتها التي كانت تبث على القنوات الرسمية، واستمرت في إصدار القرارات بفصل أشخاص واسترداد شركات ومصانع وأراض، في وقت كان الهجوم على اللجنة وطريقة عملها، يتنامى يوماً بعد يوم.

لاحقاً، بدأت الآراء تتباين، حول لجنة تفكيك التمكين، من داخل الحكومة الانتقالية بشقيها المدني والعسكري، حيث كان لوزير المالية، جبريل إبراهيم، رأي مناهض، عندما قال “إن جمع سلطات النيابة والشرطة والقضاء والاستئناف والأمن في يد لجنة التفكيك، سلطة مطلقة تقود إلى فساد مطلق”، على حد تعبيره.

بينما كانت لجنة التمكين ترد بإصدار مزيد من القرارات، وكانت ترى أن عمل اللجنة مهدد بـ“كثير من المتربصين”، مشيرة إلى أن العداء نحوها متوقع من أفراد النظام السابق و”الدولة العميقة”.

في هذا السياق، يقول الرئيس المناوب السابق، للجنة إزالة التمكين في الفترة الانتقالية، محمد الفكي، لـ(بيم ريبورتس):

"لم تنجز اللجنة كثير من الملفات ونتج ذلك عن المقاومة من مناطق قوى متفرقة في الحكومة الانتقالية السابقة، ومكنت هذه التقاطعات الدولة القديمة الموجودة في مفاصل السلطة من المراوغة وإيقاف عمل اللجنة وتأخيرها والدخول معها في مواجهات صغيرة".

وأضاف الفكي: “بدأت الخلافات في الظهور على السطح، في الوقت الذي استمرت فيه اللجنة في ممارسة عملها بشكل طبيعي وهي تواجه أزمات سياسية ومالية عدة، كان لها الأثر الجلي على أداء وعمل اللجنة”. وحسب الفكي، فقد كان للميزانية المخصصة للجنة الأثر العظيم في اختيار الموظفين بها، ومدى كفاءتهم لتأدية مهام اللجنة، وقال:

"كان لدى اللجنة 200 موظف بميزانية مليوني جنيه، كنا نستخدمها في الأشياء الضرورية للعمل وقد تمر فترات طويلة دون أن نعطي الموظفين رواتبهم ما أثر بدوره على أداء اللجنة".

وحول عمل اللجنة المقبلة، يقول الفكي: “أتمنى أن تعمل اللجنة القادمة في ظروف أفضل وسندعمها من الخارج بخطاب سياسي وإعلامي لتأخذ حقها ونصيبها من الأموال التي تتيح لها أن تعمل بكفاءة وفق العبء الملقى على عاتقها”.

وبالعودة إلى الصراع حول اللجنة في الفترة الانتقالية، أبدت اللجنة استيائها من وزارة المالية، واعتبرت، أنها تحاول إفشال عملها، وقال مقررها، وجدي صالح، إن “وزارة المالية لم تُدر الأصول والأموال المستردة لإفشال لجنة التفكيك”.

أيضاً، مثل غياب الاستئناف ضغطا مضاعفا على اللجنة حيث بدت وهي تصدر أحكاماً مطلقة في ظل غياب الحق الأساسي للأفراد في الدفاع عن ممتلكاتهم أو وظائفهم الحكومية، ويرى الفكي في هذه النقطة، أن تأخير هذه اللجنة لم يتح العدالة الكافية، ويضيف:

"كانت هناك مماحكات مستمرة من داخل السلطة لإيقاف عمل لجنة الاستئنافات، وقد شكل هذا ضغطا قانونيا وسياسيا وأخلاقيا على لجنة إزالة التمكين".

أحكام قضائية وتجميد اللجنة

في تطور لافت، في مطلع أكتوبر 2021م، وقبيل أيام معدودة من الانقلاب، أصدرت دائرة الطعون بالمحكمة العليا، حكماً بإلغاء 11 قراراً أصدرتهم لجنة إزالة التمكين بفصل موظفين من مناصبهم. فيما أبدت لجنة التمكين انزعاجها من قرار المحكمة، إلا أنها أكدت في تصريحات صحفية بأنها ماضية في مشروعها لتفكيك تمكين النظام المخلوع.

مع تنفيذ القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، انقلابه في 25 أكتوبر 2021م، أصدر قراراً بتجميد عمل لجنة إزالة التمكين، ضمن عدد من القرارات التي تضمنها بيان انقلابه. وطالت اعتقالات السلطة العسكرية في يوم الانقلاب الأول، قيادات اللجنة، على رأسهم الرئيس المناوب لها، وعضو مجلس السيادة الانتقالي، محمد الفكي، لاحقاً شكل البرهان لجنة مختصة لمراجعة قراراتها في الفترة الانتقالية.

وعلى الفور، باشرت اللجنة التي شكلها البرهان عملها، وسرعان ما أعادت عدداً كبيراً من الموظفين المفصولين في الفترة الانتقالية، بالإضافة للأصول والأموال، كانت قد استردتها لجنة إزالة التمكين المجمدة بقرار البرهان. ولم تمثل قرارات لجنة الاستئناف سوى إعادة ترسيخ لمفاصل النظام السابق، كما أنها بددت  المجهود الذي بذلته لجنة إزالة التمكين طوال فترتها.

جلسات وتوصيات المؤتمر

بالنسبة لمؤتمر خارطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام الـ30 من يونيو 1989م، الذي انعقدت أولى جلساته في التاسع من يناير الحالي واستمرت لمدة أربعة أيام، حيث شارك في المؤتمر (350) شخصاً، مثلت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري نسبة 40%، بينما شكل القوام الأكبر للمؤتمر ومجموعات العمل المتخصصة، مشاركون ومشاركات، من خارج القوى السياسية الموقعة، بنسبة 60%، من مختلف الأطراف، ممن وصفوا بأصحاب المصلحة.

وعقدت خلال المؤتمر 8 جلسات عمل عامة، ترأسها وعقب عليها، خبراء سودانيين ودوليين، حيث ناقشت 8 أوراق؛ وهي: الفساد والتمكين خلال 3 عقود، الأبعاد السياسية لعملية تفكيك نظام 30 من يونيو 1989م، تجربة تفكيك التمكين في الفترة الانتقالية، الإعلام والاتصال ومشاركة المواطنين في عملية التفكيك، الإطار القانوني الحاكم لعملية التفكيك، المعايير الدولية والمبادئ الحاكمة والخيارات في عملية التفكيك، التجارب الأفريقية، التعامل مع الفساد واسترداد الأصول والأموال المنهوبة.  

وأفضى المؤتمر لعدد من التوصيات أهمها؛ إلغاء الأحكام القضائية الصادرة من دائرة الاستئناف بالمحكمة العليا، وأهمية إخضاع قضاة الدرجات الأدنى لعملية فحص وتدقيق. وشملت التوصيات كذلك، الواجهات الدينية للنظام المخلوع، حيث شددت على تصفيتها ومحاسبة منسوبيها، أيضاً شملت التوصيات الخطوات المعنية بمعالجة إخفاقات لجنة إزالة التمكين في الفترة الانتقالية.

وحول إدراج التوصيات في الاتفاق النهائي، يعود الفكي ويقول:

"الآن جميع التوصيات لدى السكرتارية ويعكف عليها قانونيون لتوضع بصيغة قانونية لا تتقاطع مع قوانين الدولة وتمكن اللجنة من تأدية مهامها".

وفيما يخص هيكلة لجنة إزالة التمكين، فقد أوصت الورشة بالإبقاء على اللجنة كهيكل حكومي مستقل بصلاحيات عديدة وتوفير حصانات إجرائية وقانونية لأعضائها. كما أوصت باستبعاد وزارة العدل وممثلي الأجهزة النظامية من عضوية لجنتها العليا، على أن تتبع اللجنة في كل قرارتها المعايير الدولية والقانونية في عملية تفكيك بنية النظام المخلوع، لضمان حدوث التحول الديمقراطي.

غير أن خبراء قانونين لديهم وجهة نظر مختلفة، حول طريقة عمل لجنة إزالة التمكين، وما ينبغي أن تكون عليه.

يقول الخبير القانوني، نبيل أديب: “أعتقد أن التمكين تمثل في إخضاع سلطة الدولة ومواردها لإرادة العصبة الحاكمة، وهذا يتطلب أمرين؛ إبعاد الأشخاص المتورطين في عمليات فساد إداري من أجهزة الدولة، بعد التوصل عبر تحقيق إداري بواسطة أجهزة الدولة التابع لها الشخص المعني لإدانته بالفعل المنسوب له، ويجوز له استئناف القرار الإداري للقضاء”.

ويضيف أديب في حديثه لـ(بيم ريبورتس) "بالنسبة للأجهزة العدلية، يجب أن يتم ذلك عبر مفوضية الأجهزة العدلية". وتابع قائلاً: "المسائل التي تحمل معاملة فاسدة تحال للقضاء بواسطة نيابة الفساد".

ورأى أديب، أن يقتصر عمل لجنة إزالة التمكين على الاقتراحات الخاصة بتعديل القوانين التي سمحت بالتمكين، موضحاً أن إزالة تمكين نظام الـ30 من يونيو 1989م، تبدأ بعدم اتباع أساليبه في الحكم.

وتشغل قضية تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو 1989م، حيزاً كبيراً من النقاش والجدل الذي يدور حول الاتفاق النهائي الجاري، ويعد من قضايا الخلاف بين شقي الحكومة الانتقالية السابقة وأطراف أخرى. لكن عدداً مقدراً من الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري، يرى أن مسألة تفكيك التمكين ضرورة لا يمكن التغاضي عنها.

ورغم المشاكل التي واجهت وصاحبت عمل اللجنة السابقة، إلا أن الأطراف تعتقد أنها تجربة يمكن الاستفادة منها وتطويرها لتشكيل لجنة جديدة تعمل وفق صورة قانونية ومؤسسية مثلى.

أربعة أعوام من الثورة.. هل يجيب الاتفاق الثالث مع الجيش على قضايا التحول الديمقراطي؟

صباح الاثنين، عاودت خطى قادة قوى الحرية والتغيير، السير في ردهات القصر الرئاسي بالعاصمة السودانية الخرطوم للمرة الأولى، منذ أن أطاح قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان بالحكومة الانتقالية، عبر انقلاب عسكري نفذه في 25 أكتوبر 2021. 

توقيع الاتفاق السياسي الإطاري، والذي سبقته جولات تفاوضية معلنة وغير معلنة بين الطرفين، هو ما جمع قادة الحرية والتغيير والجيش، بجانب الجبهة الثورية ومجموعات حزبية وكيانات نقابية أخرى، على صعيد القصر الرئاسي، صباحها.


وبحسب بنوده، فإن الاتفاق الإطاري الذي تم توقيعه، وسط حضور إقليمي ودولي واسعين، من المفترض أن يؤدي إلى تكوين حكومة انتقالية بقيادة مدنية كاملة تتمتع بصلاحيات واسعة، من بينها إدارة الشرطة والمخابرات العامة، عقب توقيع اتفاق نهائي في الأسابيع المقبلة.

ومع ذلك، لم يدخل الاتفاق الإطاري في تفاصيل موضوعات تركت للنقاش حتى التوقيع النهائي الذي سيجري التفاوض حوله خلال الأسبوعين المقبلين، وهي: (العدالة والعدالة الانتقالية، وتفاصيل الإصلاح الأمني والعسكري، وقضية إزالة تمكين النظام السابق، وإمكانية إجراء تعديلات على اتفاق سلام جوبا)

خطابات متباينة

صاحب اتفاق قادة الحرية والتغيير والعسكريين، بعد أكثر من عام على الانقلاب، ردود فعل متباينة من كل من البرهان وحميدتي، خلال كلمتيهما بمناسبة توقيع الاتفاق. فبينما قال البرهان إنهم يسعون إلى تحويل الجيش إلى مؤسسة دستورية تخضع للدستور ومنع تسيسه أو تحيزه إلى جماعة أو أيدلوجية، واعترافه بالقيادة السياسية. وأضاف قائلاً: “نحن بصدد وضع اللبنات لهذا النظام. ووضع هذه الغايات نصب أعيننا، يستوجب من السلطة المدنية عدم التدخل في الشؤون الفنية العسكرية لإنفاذ غايات الأمن القومي”. 

 

فإن حميدتي أقر، في كلمته، بأن ما حدث في 25 أكتوبر 2021م، كان خطأ سياسياً، وقال إنه فتح الباب لعودة قوى الثورة المضادة حسب تعبيره. مضيفاً أن بناء جيش قومي، مهني، ومستقل عن السياسة، يتطلب إجراء إصلاحات عميقة في المؤسسة العسكرية تؤدي إلى جيش واحد، يعكس تنوع السودان، ويحمي النظام الديمقراطي.

 

بالمقابل، أشار ممثلون لقوى الحرية والتغيير في كلماتهم أثناء الاحتفال، بأن الاتفاق غايته توحيد الشعب وبناء دولة الحكم المدني.

وقال القيادي بالحرية والتغيير، الواثق البرير، إن التوقيع يأتي في إطار إنهاء ظواهر الحكم الشمولي للأبد وتأسيس مسار انتقالي جديد أكثر فاعلية يقود البلاد لانتخابات تحقق السلام المستدام. 

 

ومع ذلك، تُثار أسئلة وسط السودانيين، حول جدوى الاتفاق الثالث بين المدنيين والعسكر منذ إطاحة نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير في أبريل 2019م. بالإضافة إلى تساؤلات أخرى متعلقة بضمانات وآليات تنفيذ الاتفاق، خاصة أنه سكت عن مصير البرهان وحميدتي وبقية أعضاء السلطة العسكرية الحاكمة الذين يطالب المحتجون بمحاكمتهم وإبعادهم من المشهد السياسي.

 

وفي خضم هذه المخاوف التي يطرحها السودانيون، تطل أسئلة أخرى حول قدرة الاتفاق على إنهاء الانقلاب واستعادة مسار التحول المدني الديمقراطي، وهو الأمر الذي يعتقد محللون أنه قد يتحقق وإن كان وفق سياقات محددة.  

 

 يقول المحلل السياسي، بكري الجاك، لـ(بيم ريبورتس)، إن الاتفاق الإطاري، حسم النقاش في بعض القضايا من حيث المبدأ، غير أنه شدد على أن ذلك لا يعني اتفاق الطرفين. ويشير الجاك، إلى أن الحرية والتغيير، عبر الاتفاق الإطاري، اتجهت في مسار تحقيق رؤيتها لإنهاء الانقلاب، لكنه أكد أن إنهاء الانقلاب لن يتحقق إلا بعد التوقيع النهائي وتنفيذ بنود الاتفاق، خاصة تلك المتعلقة بخروج المؤسسة العسكرية من السياسة والاقتصاد، وتحويل السلطة لحكومة مدنية كاملة برئاسة رئيس وزراء ومجلس سيادة يرأسه مدني.

 

 وحول موقف المؤسسة العسكرية المحتمل بعيداً عن البرهان، يعتقد الجاك أنه من الصعب أن يكون للجيش رؤية مستقلة من الاتفاق الذي وقعه قائده العام، مضيفاً “يجب أن نتعامل مع المؤسسة العسكرية من منظور اقتصاد سياسي، ونقيم موقفها من تطبيق الاتفاق وتأثيره على مصالحها واستثماراتها”.

 

ويرى المتحدث الرسمي بقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، شهاب الدين إبراهيم، في إفادته لـ(بيم ريبورتس) أن الاتفاق حدد الإطار العام للقضايا التي يمكن أن تستجيب لرغبات السودانيات والسودانيين في تحقيق شروط التحول المدني الديمقراطي، وأن الاتفاق منسجم مع الرؤية التي تقدمت بها قوى الحرية والتغيير وهي مرجعية للاتفاق الاطاري أيضاً.

ويضيف إبراهيم، أن الضمان لتنفيذ الاتفاق والالتزام به يتمثل في ” وجود جبهة مدنية تضغط في اتجاه التوصل لاتفاق نهائي”.

مواقف رافضة

وفي لحظة توقيع الاتفاق نهار أمس الاثنين، كانت شوارع الخرطوم تضج بهتافات آلاف المتظاهرين الذين قاوموا انقلاب 25 أكتوبر منذ يومه الأول، ورفعت شعارات رافضة للاتفاق الإطاري خلال المواكب، ومتمسكة بشعار أن “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية”. وليس الشارع ولجان المقاومة هما الرافضان الوحيدان للاتفاق من قوى الثورة، بل هناك كيانات وأجسام سياسية ونقابية أخرى رافضة. 

 

فالحزب الشيوعي، اعتبر الاتفاق مواصلة لما وصفها بؤامرات القوى المعادية لقطع الطريق على الثورة، وإنتاج النظام المباد في واجهة جديدة. وفي هذا السياق، يقول  السكرتير الإعلامي للحزب الشيوعي بالعاصمة القومية الخرطوم، عبد الخالق بابكر، في إفادته لـ(بيم ريبورتس): “الاتفاق لن يصمد طويلاً، وسينهار إما  بالانقسامات الداخلية للتنظيمات المكونة له، أو بحدوث انقلاب جديد ناتج من كون  تركيبته لا تقوم على مصالح حقيقية أساسية  تعبر عن الجماهير التي  تحمي السلطة، بل تقوم على مصالح مؤقتة وثانوية تفتقر لمن يحميها”. 

 

وفي السياق نفسه، يعتقد مسؤولون رفيعون بالحكومة الانتقالية السابقة، أن الاتفاق الإطاري لا يمثل مدخلاً لحل الأزمة السياسية التي تسبب فيها انقلاب 25 أكتوبر. حيث يرى عضو مجلس السيادة السابق، صديق تاور، أن الانقلاب ما زال قائماً ومتمكناً تحت سلطة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان. وقال تاور في تصريح لـ(بيم ريبورتس)، إن الاتفاق الإطاري، هو مجرد عموميات لا يمكن الاعتماد عليها في تحقيق مطالب الشعب السوداني ولن يفضي للسلطة المدنية التي يحلمون بها. 

 

ويعتقد تاور، أن فرص نجاح الاتفاق تبدو ضئيلة جدًا بل تكاد تكون منعدمة، وقال “العبرة ليست في المضمون وحده وإنما فى الإرادة الصادقة لتحقيق ذلك، وهذا ما لا يتوافر في طرف أساسى من أطراف هذا الاتفاق، وأقصد به المكون العسكري”. 

“بموجب هذا الاتفاق ليس هناك ما يشير لرجوع عن الانقلاب، فالانقلاب لا يزال قائمًا ومتمكنًا وكل السلطات والقرارات في الدولة بيد فرد واحد أحد اسمه عبد الفتاح البرهان، بلا شرعية و بلا مرجعيات مؤسسية”، يقول تاور.

 

ويضيف قائلاً “بهذه الخطوة الحرية والتغيير شرعنت الانقلاب وحققت له حلم ظل يحلم به منذ يومه الأول، و منحته صك براءة من صفة الانقلاب دون أن تضمن أي شيء، أو دون أن تؤمن الخطوة الضرورية لجعل ميزان القوى لصالح قوى الثورة، مجرد وعود لا يوجد ضمان لانتكاستها في أي وقت”.

“لا ضمانات ولا التزامات جادة أو واضحة ولا أي شيء، مجرد وعود في الهواء، هذا ما لم يجب عليه رفاقنا في الحرية والتغيير”، يتساءل عضو مجلس السيادة السابق، صديق تاور عن الاتفاق الإطاري الموقع مع الجيش.

مواقف أطراف السلام

بالنسبة لمواقف الحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، من الاتفاق الإطاري، فقد جاءت متباينة، إذ وقعت كلا من الحركة الشعبية لتحرير السودان (فصيل مالك عقار) وتجمع قوى تحرير السودان (قيادة الطاهر حجر) وحركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي (الهادي إدريس) على الاتفاق الإطاري، بينما أعلنت حركة جيش تحرير السودان (مني أركو مناوي) والعدل والمساواة (جبريل إبراهيم) رفضهما التوقيع. 

 

بينما أشاد حجر وإدريس بالاتفاق الإطاري، وصف جبريل ومناوي الاتفاق “بالإقصائي” حيث يرى جبريل، أن الاتفاق لا يفضي لانتخابات حرة ونزيهة، ويشير مناوي متفقا مع الأول في رفضه، أن الاتفاق فُرض من الخارج على المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والمكون العسكري.

 

ومع ذلك يقول مصدر بحركة جيش تحرير السودان لـ(بيم ريبورتس)، إنه يجب على الحركة أن تنظر للقضية من باب الوعي بقضاياها، بجانب الحاجة الملحة لتنفيذ اتفاق السلام.

أبرز بنود الاتفاق

تكون الاتفاق من 5 بنود رئيسية هي: المبادئ العامة، وقضايا ومهام الانتقال، وهياكل السلطة الانتقالية، والأجهزة النظامية، وقضايا الاتفاق النهائي. وحدد الاتفاق الفترة الانتقالية بعامين منذ لحظة تعيين رئيس الوزراء، على أن تجرى بنهاية الفترة الانتقالية انتخابات عامة في البلاد. 

وأكد الاتفاق أيضاً، على احترام إرادة الشعب في حكومة مدنية، إضافة إلى العمل على وقف التدهور الاقتصادي وفق “منهج تنموي شامل يراعي الفقراء والمهمشين”.

 

وفيما يخص المؤسسة العسكرية؛ فإن الاتفاق نص على دمج قوات الدعم السريع في الجيش خلال جداول زمنية محددة، وحظر تكوين المليشيات والمجموعات الخارجة على القانون، وأن تخضع جميع الشركات العسكرية لرئيس الوزراء وولاية وزارة المالية، إلى جانب تنفيذ السياسات المتعلقة بإصلاح المنظومة العسكرية.

 

ونص الاتفاق أيضاً على استقلالية ومهنية مؤسسات الدولة، مثل القضاء والتعليم والقوات النظامية والتخصصية والخدمة المدنية، إضافة إلى مكافحة الفساد وإرساء مبادئ الشفافية والمحاسبة.

وجاء فيه أن “يحدد الدستور مهام المجلس التشريعي القومي، وعدد مقاعده ونسب ومعايير الاختيار، بما يضمن مشاركة النساء بنسبة 40%، إضافة إلى الشباب ولجان المقاومة وذوي الإعاقة”.

 

ويندرج داخل الاتفاق وجود مجلس عدلي مؤقت من 11 عضواً، يتم تعيينه من قبل رئيس الوزراء بترشيح من الأطراف المدنية الموقعة على الاتفاق، لاختيار رئيس القضاء ونوابه، والنائب العام ومساعديه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، ويتم حله بانتهاء مهمته. وشدد الاتفاق على أن لا تكون هناك سلطة اعتقال أو احتجاز لجهاز المخابرات، وأن يتبع لرئيس الوزراء مباشرة، كما يحظر على قوات الشرطة ممارسة أي أعمال تجارية أو استثمارية وأن تقتصر مهمتها على إنفاذ القانون وحماية المدنيين. 

 

 

منذ ظهيرة سقوط رأس النظام البائد، عمر البشير، في 11 أبريل 2019م  والشعب السوداني يتطلع إلى ديمقراطية مستدامة، بعد تاريخ حافل بالانقلابات والحكومات العسكرية. وخلال مسار الثورة التي أوشكت على الأربع سنوات، فإن البلاد شهدت توقيع ثلاثة اتفاقات لإدارة الفترة الانتقالية، وثيقة دستورية، واتفاق إطاري آخر بين رئيس وزراء السابق عبد الله حمدوك و قائد الجيش بعد انقلابه في 25 أكتوبر 2021م.

 

وبعد مرور أكثر من عام على انقلاب 25 أكتوبر، وفشل وتخبط حكومة الأمر الواقع، ها هي تعود لتجلس على طاولة التفاوض من جديد، في عملية سياسية ذات شقين أولها الاتفاق الإطاري، آملة على حد اتفاقها أن تشمل العملية في شقها الأخير مشاركة أوسع لتطوير الاتفاق الاطاري الحالي، الذي وجد من يومه الأول رفضاً واسعاً من قوى سياسية ومدنية وما زال الجدل يثار حول شرعيته من الأساس.

كيف تشكل الإضرابات المطلبية مشهداً جديداً من الثورة السودانية؟

عشرات المطالب رفعها آلاف الموظفين والموظفات والعمال والعاملات على امتداد السودان، منذ مطلع العام الحالي، فمن مطلب زيادة الأجور إلى تحسين بيئة العمل، والترقيات الوظيفية وليس إنتهاءاً برفض الإعتداءات المتكررة على الكوادر الصحية والطبية بأماكن عملهم، تشكلت خارطة الإضرابات المطلبية المتصاعدة في عدد من القطاعات الوظيفية والعمالية، التي شهدتها عدد من ولايات السودان المختلفة.

ولتحقيق هذه المطالب، انتظم العمال والموظفين بقطاعات مؤسسية وعمالية عديدة في إضرابات عن العمل، تتباين مطالبها إلا أنها تتفق في المطالبة بحقوق العمال والموظفين الاقتصادية والمهنية.

وتشكل المطالب الاقتصادية فصلاً جديداً من فصول الثورة السودانية، التي انطلقت في أواخر العام 2019م، رافعة شعارات ومطالب سياسية، طغت على المطلب الاقتصادي.

وتأتي بعض هذه الإضرابات مشتركة بين عمال مدن كثيرة موزعين على ولايات مختلفة، مثل إضراب العاملين في الخزانات، والذي شارك فيه نحو 718 عاملاً بسدود كل من: الرصيرص، وسنار، وخشم القربة، وستيت، وجبل أولياء، ومروي. وجاء هذا الإضراب احتجاجاً على تباطؤ الجهات الحكومية في إعادة العمال للعمل في شركة التوليد المائي والطاقات المتجددة بعد أن تم نقلهم إلى وزارة الري والموارد المائية.

بينما هناك اضرابات نظمتها وتنظمها قطاعات ولائية بصورة مستقلة عن قطاعات الولايات الأخرى، مثال ذلك إضراب عمال سكك حديد عطبرة، بولاية نهر النيل،  في مارس المنصرم، والذي كان مطلبه الرئيس تطبيق هيكل الرواتب المعدل، علاوة على الاحتجاج على تأخير الرواتب. 

ومثلما تتباين مطالب الإضرابات، كذلك تتباين آجالها الزمنية، ففي حين حققت بعض الإضرابات مطالبها واعلن منظموها عن رفعها، مثل إضراب المعلمين المعروف بـ (إضراب الكرامة)، الذي نظمته لجنة المعلمين السودانيين وانتظم كل البلاد، ورُفع بعد أن حقق مطالبه المتعلقة بتحسين شروط الخدمة ورفع الأجور بالإضافة إلى إجازة تعديلات في قيمة البدلات للمعلمين والمعلمات في مرحلتي الأساس والثانوي، إلا إن هناك إضرابات ظلت متواصلة لفترات طويلة، مثل إضراب العاملين بمؤسسات التعليم العالي، الذي بدأ منذ  5 يونيو 2022م وما يزال مستمراً.

وعلاوة على إضرابات قطاعات التعليم العام والعالي، والسكك الحديدية، والخزانات، كانت الإضرابات بالقطاع الطبي والصحي معلماً بارزاً في خارطة الإضرابات المطلبية، واشهرها إضراب الكوادر الطبية في ولاية شمال كردفان، الذي بدأ منذ شهر مايو الفائت، وما يزال مستمراً، ويشمل هذا الإضراب مستشفى الأبيض التعليمي بالإضافة إلى كافة المراكز الصحية بمدينة الأبيض، ويطالب المضربون بتطبيق الهيكل الراتبي للعام 2022م، ويحتجون على تردي أوضاع الخدمات الطبية والصحية.

وشهدت إضرابات الكوادر الطبية توسعاً كبيراً، وشملت شمال السودان وجنوبه، وغربه وشرقه، وكان أحدثها إضراب العاملين بمستشفى ربك، بولاية النيل الأبيض، الذي بدأ السبت الماضي 9 يوليو، إثر تهديدات مدير عام وزارة الصحة بالولاية للأطباء بالطرد من سكنهم الحكومي، بعد اعتراضهم على ضعف حوافز عيد الأضحى.

وتأتي هذه الإضرابات كنتيجة للوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه السودان بعد انقلاب 25 أكتوبر، إذ تفاقمت الضائقة المعيشية، وأصبحت أكثر قسوة وظهر تأثيرها على حياة المواطنين. 

فعقب الانقلاب فقد السودان 40 في المئة من الإيرادات، بالإضافة إلى فقده لكل المنح والدعم الذي كانت تقدمه جهات دولية مانحة للحكومة الانتقالية. كل ذلك جعل حكومة الأمر الواقع في السودان ووزير المالية جبريل إبراهيم يقر أن موازنة العام 2022م ستعتمد على “جيب المواطن” وهو ما ظهر في مشروع موازنة 2022م ومن بعدها انعكس في أرض الواقع على شكل سياسات اقتصادية شكلت عبئاً على المواطن.

ونتيجة لاعتماد الموازنة على الضرائب، والتي زادت بنسبة 145% مقارنة بالعام 2021م شهدت الأسواق السودانية ارتفاعاً هائلاً في أسعار السلع الاستهلاكية والتموينية، بالإضافة للوقود والمحروقات.

مثلما تعكس هذه الإضرابات، التي تشمل قطاعات متعددة، حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، توضح بنفس القدر إتجاه قطاعات عمالية ومهنية فاعلة إلى الثورة على هذه الأوضاع بطريقتهم وأدواتهم، وهي الإضراب عن العمل، كوسيلة للضغط على حكومة الأمر الواقع بعد إنقلاب 25 اكتوبر.

خارطة زمنية للإضرابات في السودان منذ مطلع العام 2022: