- التمدد الروسي في أفريقيا عبر بوابة السودان، أثار مخاوف الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استمرت في محاولاتها الحثيثة طيلة الفترة الانتقالية، وما بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م، لإبعاد شبح الوجود الروسي عن الخرطوم.
فاقم الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير الماضي، الصراع بين موسكو والعواصم الغربية، وأصبحت أفريقيا عامةً ساحة له وبشكل خاص السودان، وهي من الدواعي الرئيسية لخوض معركة دبلوماسية ساخنة في الخرطوم على مقياس الأزمات الداخلية والجيوسياسية.
“من الرائع أن أكون مع الاتحاد الأوروبي، ألمانيا، فرنسا، النرويج والولايات المتحدة الأمريكية في هذه الزيارة إلى السودان”، كتب المبعوث البريطاني الخاص للسودان وجنوب السودان، روبرت فيرويدز، في تغريدة على حسابه بموقع تويتر صباح الأربعاء من العاصمة الخرطوم.
يوضح المسؤول الغربي الرفيع الغرض من زيارة الخرطوم بقوله “نحن مُتحدون خلف الاتفاق الإطاري. بالإضافة إلى الجهود الجارية لتوسيع المُشاركة وتأمين اتفاق نهائي سريعاً لتشكيل حكومة بقيادة مدنية”.
في صباح الخرطوم الشتوي الملتهب، على عدة جوانب، مليونية بوسط الخرطوم ومنطقة الديم، وصدى ملاسنات جنرالات المجلس العسكري، وترقب وصول ضيف موسكو، انعقد بقاعة الصداقة، اجتماع رؤساء وممثلي القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري مع المبعوثين الدوليين الزائرين للبلاد.
وشملت أجندة الاجتماع، حسب بيان، الاطلاع على مجريات العملية السياسية في مرحلتها النهائية، حيث عرضت القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري تصورها للخطوات القادمة وأهم التحديات وكيفية تلافيها لضمان الوصول لاتفاق سياسي نهائي في أسرع فرصة ممكنة.
في المقابل، جدد المبعوثون الغربيون تشديدهم و دعمهم للاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر الماضي، باعتباره الأساس الوحيد للوصول إلى توقيع اتفاق نهائي تتشكل بموجبه حكومة مدنية ذات مصداقية تضطلع بمهام إدارة الفترة الانتقالية.
أيضاً، أكد المبعوثون على تقديم الدعم للشعب السوداني لتحقيق أهدافه وتطلعاته في الانتقال الديمقراطي والتحول المدني، واستئناف برامج التعاون الاقتصادي عقب تشكيل الحكومة المدنية على أساس العملية السياسية الجارية.
في المقابل، لم يتم إثارة الأجندة المقلقة المتعلقة بالضيف الروسي في البيان، لكنها كانت حاضرة في النقاشات، حسب ما أوضحت المصادر السياسية لـ(بيم ريبورتس).
بدوره، حاول وزير الخارجية بحكومة الأمر الواقع، علي الصادق، توضيح أجندة زيارة المبعوثين الغربيين التي تستغرق عدة أيام وجدول لقاءاتهم الذي يتضمن الاجتماع معه هو نفسه، بجانب قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي). بالإضافة إلى لقاء الأحزاب المنضوية في “الحوار الجاري” الآن في البلاد.
بالنسبة للبرهان، فقد أكد للمسؤولين الغربيين الذين استقبلهم ببيت الضيافة بحضور (حميدتي)، التزامه بالاتفاق الإطاري والعمل مع جميع الأطراف وإقناع الممانعين للتوصل لاتفاق نهائي شامل، يمهد الطريق لحكومة انتقالية بقيادة مدنية تقود البلاد لانتخابات حرة ونزيهة، مجدداً التزام المؤسسة العسكرية بالخروج من العملية السياسية وإجراء الإصلاحات المطلوبة بالأجهزة الأمنية.
من جهتها، ذكرت وزارة الخارجية، أن المبعوثين الغربيين تحدثوا عن أهمية السودان في المنطقة وضرورة استعادة النظام الديمقراطي والحكم المدني والآمال التي تعقدها هذه الدول على السودان في محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار في الساحل والصحراء والقرن الأفريقي. فيما قال الوزير، خلال استقباله الوفد الغربي، يوم الأربعاء، إن الزيارة تأتي فى إطار دعم الجهود الجارية للتوصل إلى اتفاق نهائي بين الفرقاء السياسيين وتشكيل حكومة مدنية واستعادة الانتقال الديمقراطي.
لا يبدو حديث الوزير بعيداً عن ما تتوقعه القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري.
يقول القيادي بقوى الحرية والتغيير، خالد عمر، في أعقاب لقاء وفد الدبلوماسيين الغربيين إن “الزيارة سيكون لها أثر إيجابي على الإسراع بمعالجة التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تواجهها البلاد”.
وأكد عمر، على دعم الوفد للمسار الذي خطه الاتفاق الإطاري والحكومة المدنية التي تتأسس بناءً عليه، ومع ذلك خلت كلماته من التطرق والتعليق على زيارة وزير الخارجية الروسي.
مراقبون ومحللون للاشتباك الدبلوماسي في الخرطوم بين القوى الغربية وموسكو يتحدثون عن ملفات ساخنة ينتظر أن تكون على الطاولة مع الأطراف السودانية.
“قد تعكس زيارة لافروف، أحد أبرز مساعدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأهمية الاستثنائية والمكانة المميزة، التي أصبح يتمتع بها السودان، بما في ذلك وقوعه بين قطبي الرحى”، يقول المحلل السياسييقول المحلل السياسي، عبد الله رزق.
ويشير رزق إلى أن الزيارة تأتي والسودان في أسوأ حالاته بسبب افتقاره للإدارة الحكومية الفاعلة. ورأى أن هذا الأمر” ربما كان حافزاً للتكالب الدولي الجاري من أجل التأثير على تطور الوضع الداخلي للبلاد، وإعادة تشكيله”.
ويعتقد رزق أنه بالنسبة لملف القضايا الإقليمية، فتتصدره الأوضاع المأزومة في تشاد وأفريقيا الوسطى، وعلاقة السودان بأزمات البلدين الجارين. وأيضاً، قد يكون في جدول الأعمال موقف السودان الرسمي من الحرب في أوكرانيا ضمن ملف القضايا الدولية.
بينما قد يشمل الجدول، في ملف القضايا الثنائية الإشارة لقضية علاقة السودان بشركة فاغنر الأمنية وقضية تصدير وتهريب الذهب لروسيا، والتوسط لإطلاق سراح الروس الثلاث الذين تم القبض عليهم مؤخرا في عطبرة بتهمة الشروع في تهريب ذهب. بجانب قضية القاعدة العسكرية على البحر الأحمر في إطار مشروع اتفاق أمني أوسع.
وحسب رزق، فإن جولة لافروف يمكن النظر لها كرد على جولة بلينكن، في سياق التنافس على كسب التأييد واشتداد حدة الاستقطاب والاستقطاب المضاد حول الموقف من الحرب في أوكرانيا.
كما يمكن بالمثل، والحديث لرزق، التقرير بأن زيارة ستة من المبعوثين الغربيين للخرطوم، والتي تم الإعلان عنها على مفاجئ جاء تزامنها مع زيارة لافروف في السودان عن قصد.
وفي خضم هذه الزيارات والأقدام الدبلوماسية المتتابعة في الخرطوم، والتي تتزامن مع التطورات السياسية الراهنة في البلاد، تطرح اهتمامات الغرب بالعملية السياسية في السودان، وصراع المصالح الواضح، تساؤلات عن تأثير هذا الصراع على ما ستشهده البلاد الفترة المقبلة وتبعاته على الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي. أما محلياً وفي مسار منفصل عن حكومة الأمر الواقع وقادة التحول الحالي ظل الشارع رافعا راياته الرافضة لأي تغيير لا يلبي تطلعاته متحديا قوة السلاح، ومتجاوزاً لتأثير دول الإقليم وسلطة القوى العظمى.