Tag: الشرطة السودانية

سنوات من الانتظار.. جعلت تحقيق العدالة لشهداء الثورة أكثر ضبابية

حتى بعد مرور 4 سنوات على مقتل ابنها الطبيب، بابكر عبد الحميد، الذي اقتنصه رصاص قوات الأمن في يناير 2019م بمنطقة بري شرق العاصمة السودانية الخرطوم، ما تزال شريفة عوض تبحث عن العدالة، حيث شاركت في وقفة احتجاجية أمام مقر السلطة القضائية، بوسط الخرطوم، رفضاً لقرار إلغاء محكمة الشهداء في 15 من شهر ديسمبر الماضي. بعدما كان يحدوها الأمل بإدخال ملفه إلى محكمة خاصة بالشهداء.

جاءت وقفة ذوي الشهداء أمام مقر السلطة القضائية بالخرطوم، احتجاجاً على إصدار رئيس القضاء في حكومة الأمر الواقع، عبد العزيز فتح الرحمن عابدين، قراراً بإلغاء المحاكم الخاصة بالشهداء، بعدما كانت نيابة الشهداء قد تقدمت بدعاوى البلاغات إلى المحكمة.

وتمت الوقفة بعد دعوة من أسرة الشهيد الفاتح النمير التي تقاسم أسرة شريفة عوض وجع اغتيال فلذة أكبادهم في موكب 9 يناير ببري على يد نفس المتهمين في نفس اليوم، وتأخر المحكمة الخاصة بالشهداء في إدخال الملفين للمحكمة.

ومع ذلك، ليست أسر الشهداء وحدها من رفضت قرار رئيس القضاء الذي وجد اعتراضات عديدة، حيث حذرت لجنة أطباء السودان المركزية من التعامل مع قضايا الشهداء بهذا الاستسهال، مؤكدة أنها ستقف مع قوى الثورة للتصدي لهذا الانحراف، عبر التصعيد الإعلامي والوقفات الاحتجاجية ووسائل الضغط الأخرى المجربة. كما طالبت السلطات المختصة بتكملة إجراءات تسليم المتهمين واستجواب الشهود في قضايا وملفات دعاوي الشهداء والانتهاكات ما بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021م.

كذلك تفاعلت مع الدعوة منظمة أسر شهداء ديسمبر التي نشرت بيان مناشدة للمشاركة في الوقفة، وبالإضافة إلى لجان مقاومة وكيانات نقابية وحقوقية عبرت عن غضبها من القرار، فيما استنكرت لجنة أطباء السودان المركزية القرار قائلة إنه “أمر خطير يكرس لحالة الإفلات من العقاب ويهدد العدالة”.

في السياق نفسه مضت مجموعة محامو الطوارئ التي تنشط في رصد الانتهاكات، والتي اعتبرت تبرئة المتهمين بقتل الشهداء مخططا متكاملاً للإفلات من العقاب وضوءاً أخضر للأجهزة الأمنية بالمزيد من التنكيل فی حق الثوار.

وأشار محامو الطوارئ في تصريح صحفي، إلى عدم إلغاء المنشور 3/2021 الذي منح الحصانة لأفراد الأجهزة الأمنية، فيما استنكرت تحول النيابة العامة إلى أداة في يد السلطة وأجهزتها الأمنية.

وتأسست محكمة الشهداء، بقرار من رئيسة القضاء السابقة، نعمات عبد الله، التي تم اعفاؤها بتاريخ 18 مايو 2021م بعد سبعة أشهر من تعيينها بالتزامن مع استقالة النائب العام تاج السر الحبر ليصبح بعدها منصب رئيس القضاء فارغاً حتى تاريخ انقلاب 25 من أكتوبر، بالإضافة إلى استمرار غياب تشكيل المجلس الأعلى للقضاء في السودان.

ودخلت على إثر القرار قضايا الشهداء: “حنفي عبد الشكور، ومحجوب التاج ، والأستاذ أحمد الخير، بينما رفضت نيابة الشهداء استلام قضيتي الشهيدين  بابكر والفاتح النمير.

وبعد تنفيذ الوقفة الاحتجاجية، ردت السلطة القضائية بتأكيد عدم صدور قرار بإلغاء المحاكمات الخاصة، فيما أوضحت منظمة أسر الشهداء لاحقاً صدور قرار بتاريخ 16 /12/ 2022 بتوقيف قرار الإلغاء.

“الدستور والإتفاق الذي يتبنى قتلة الشهداء ويستند على وضعنا أيدينا في أيدي قتلة أبناءنا، مرفوض لدينا تماماً تقول شريفة لـ( بيم ريبورتس) تأكيداً على عدم قبولها وغالبية أسر شهداء ديسمبر بالمستجدات السياسية في البلاد وآخرها توقيع العسكر والمدنيين على الاتفاق الإطاري الأخير.

وكانت منظمة أسر الشهداء تمسكت في بيان لها في نوفمبر الماضي بموقفها الرافض لأي تفاوض بالنيابة عنها، مشددة على أن أسر الشهداء هم أصحاب المصلحة، كما أكدت على تمسكها بالعدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم.

شهداء ما قبل السقوط

وطريق الإطاحة بالرئيس المخلوع، عمر البشير، منذ ديسمبر 2018م، وحتى تاريخ سقوطه في أبريل 2019م، روته دماء مئات الضحايا الذين سقطوا أثناء مواجهات مع الأجهزة الشرطية والأمنية وكتائب ظل النظام السابق، حتى أن يوم عزل البشير من السلطة وحده شهد سقوط 19 شهيداً بالقيادة العامة بالخرطوم وخارجها في مدينتي زالنجي وعطبرة.

وأحصت لجنة أطباء السودان المركزية حتى تاريخ سقوط البشير أكثر من 80 قتيلاً بينهم 51 بالخرطوم و9 في احتجاجات القضارف و8 في مدينة زالنجي بولاية وسط دارفور، بينهم 4 نساء و12 طفلاً.

وبلغ عدد القتلى منذ اعتصام القيادة العامة وحتى 19 ديسمبر 2019م، ما يزيد عن 150 قتيلاً.

شهداء فض اعتصام القيادة العامة

نشرت منظمة أسر شهداء ديسمبر إحصائية لعدد 180 شخصاً تم قتلهم أثناء فض قوات المجلس العسكري لاعتصام القيادة العامة، بينما قالت وزارة الصحة إن العدد 64 وهو الأمر الذي دحضته تقارير لمنظمات حقوقية وشهود عيان.

لجنة تحقيق ولكن

بعد وصول المكون المدني والعسكري لاتفاق ثنائي والتوقيع على وثيقة دستورية لحكم المرحلة الانتقالية في 17 أغسطس 2019م ، تم الإعلان عن إنشاء لجنة تحقيق وطنية في 21 سبتمبر للتحقيق في أحداث فض الاعتصام من سبعة أعضاء أبرزهم قاضي المحكمة العليا وممثل من وزارات الدفاع والعدل والداخلية ومحامون مستقلون، وتمت تسمية المحامي نبيل أديب رئيساً للجنة في 20 أكتوبر 2019م بتعيين رسمي من مجلس الوزراء.

ولكن اللجنة التي منحت صلاحيات واسعة في التحقيق واستدعاء المسؤولين والأفراد، رغم استجوابها لما يزيد عن 3000 شاهد، إلا أنها لم تعلن عن أي نتائج للتحقيق الذي يفترض أن تكون مدته 3 أشهر فقط، وظل رئيس اللجنة يعزو تأخر النتائج إلى عدم قدرة الأدلة الجنائية السودانية على التعامل مع الأدلة المادية، إضافة إلى بعض الصعوبات المتعلقة بالدعم اللوجستي.

تعليق عمل اللجنة

ظلت اللجنة تباشر أعمالها حتى بعد انقلاب 25 أكتوبر واستقالة رئيس الوزراء، عبدالله حمدوك، لكنها أعلنت بشكل مفاجئ تعليق عملها بعد 5 أشهر من الانقلاب لجهة استيلاء قوة أمنية عسكرية على مقرها بالخرطوم وحذرت من احتمال إدخال معدات وأدوات يمكن استخدامها في كشف أسرار التحقيق المستمر منذ نحو 3 أعوام، ولم تزاول اللجنة أعمالها من وقتها وحتى اليوم. 

شهداء انقلاب 25 أكتوبر

منذ تنفيذ القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، انقلابه العسكري ضد الحكومة الانتقالية بلغت حصيلة إصاباته حتى ديسمبر 2022م حوالي 3200 مصاب بينها 34 حالة إصابة بالشلل الكامل و8 في حالة غيبوبة، بينما خلف الانقلاب ما يزيد عن 130 شهيداً وهو عدد سيصعب التحقيق حول تفاصيل مقتلهم، بالإضافة إلى عدم استقرار البلاد سياسياً ورفض مكونات كثيرة للاتفاق الجديد، بما في ذلك  أسر شهداء ديسمبر، بعد تأجيل ملف العدالة في الاتفاق حتى موعد الاتفاق النهائي.

لجنة تحقيق الانقلاب

بعد شهرين من الانقلاب، أصدر النائب العام بالإنابة خليفة أحمد خليفة في 13/12/2021 قرار رقم 69 قضى بتشكيل لجنة برئاسة وكيل أعلى نيابة الطاهر عبد الرحمن و8 أعضاء نيابة آخرون، للتحري والتحقيق حول وقائع ما أسماه ملابسات الأحداث والانتهاكات التي حدثت بعد 25 أكتوبر، وقتها بلغت أعداد قتلى ما بعد الإنقلاب 43 شخصاً قتلوا خلال المواكب الاحتجاجية، لكن اللجنة لم تجد قبولا من الشارع بسبب تكوينها بتوجيه من قائد الانقلاب المتهم في نفس القضية.

رؤية أسر الشهداء للعدالة

تقول مديرة الإدارة القانونية بمنظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر، سعدية سيف لـ(بيم ريبورتس)، إن المنظمة أعدت رؤية قانونية فيما يخص ملف العدالة تشمل شروطها للموافقة على منظور العدالة في الاتفاق الإطاري، وكشفت عن عرض الرؤية في مؤتمر صحفي يوم الاثنين المقبل وتسليم نسخة منها للآلية الثلاثية ومسؤولي التفاوض الحالي ومنظمات المجتمع المدني.

وحسب مديرة الإدارة القانونية بالمنظمة، فإن الرؤية تتمسك بعدم إفلات المتهمين من العقاب، ورفع الحصانات وتنفيذ الأحكام وإصلاح القوانين، مشيرة إلى أنها تستند في ذلك على تجارب دول تعاملت مع قضية العدالة. ووصفت القضية بالمتمرحلة خاصة وأن وضع شهداء ما قبل الاعتصام يختلف عن ما بعده وعن وضع شهداء ما بعد انقلاب 25 أكتوبر بحسب المحامية.

عدد من المتهمين في القضايا أعضاء بمجلس السيادة

وترى سعدية، أن أي رؤية لملف العدالة لن تنجح مع وجود العسكر في السلطة، خاصة وأن عدداً من المتهمين في القضية أعضاء بمجلس السيادة.

وتؤكد أن موافقتهم على الاتفاق الإطاري مبنية على قبول الأطراف الموقعة والشارع السوداني على رؤية المنظمة تجاه قضية العدالة والتي ترتكز بشكل أساسي على إلغاء الحصانة.

وكشفت عن تصور ستقدمه المنظمة يطالب تكوين لجنة مستقلة مختلطة تتكون من عضوية محامين محليين ودوليين مع تصور للميزانية التي ستحتاجها اللجنة.

وترى سعدية، أن قضية محاكمة شهداء ثورة ديسمبر يمكن أن تصل لمبتغاها بتعيين كفاءات وطنية مستقلة وإصلاح المنظومة العدلية والقضائية ووزارة العدل في ظل وجود حكومة مدنية.

وفيما يخص شهداء 25 أكتوبر، أشارت سعدية لوجود رؤية متعلقة بملفاتهم في النيابات قبل أن تشير لعدم وصولها للمحاكم، وأضافت “تحريك قضايا الشهداء يتطلب معالجة مشاكل متعلقة بحماية الشهود وبالأدلة ورفع الحصانات وتحتاج لتغيير القوانين والمنظومة العدلية”.

وأوضحت عن إدخال ملف الشهيدين “بابكر عبدالحميد والفاتح النمير” لمحكمة خاصة خلال الأسبوع المقبل، وأضافت هنالك متهمين في القضية هربوا إلى مصر ومطلوبين من الانتربول. فيما كشفت عن شروعهم في إجراءات لاستئناف قرار المحكمة الدستورية بإطلاق سراح متهم رئيسي في قضيته وسيتم الرد على طلب الاستئناف الأسبوع المقبل أيضاً.

6 قضايا فقط رفعت للمحاكم

ورغم كم الشهداء الذين سقطوا خلال مسيرة الثورة، بواسطة القوات الأمنية، إلا أن ملفات 85 شهيداً فقط وصلت النيابة، لشهداء ما بعد انقلاب 25 أكتوبر، بينما تمت محاكمات في 6 قضايا فقط لشهداء ما قبل فض اعتصام القيادة العامة، ولا يزال الغموض يكتنف مصير تحقيق لجنة أديب في قضية شهداء فض الاعتصام.

ويصطدم التحقيق في هذه القضايا بوضع البلاد الأمني والقانوني، إذ شهدت محاكمات الشهداء التي وصلت المحكمة تراجعاً كبيراً بعد انقلاب 25 أكتوبر حيث تمت تبرئة أحد قتلة الشهيد حنفي عبد الشكور في سبتمبر 2022م، بعد إصدار محكمة أم درمان في 24 مايو 2021م حكما بإعدام الضابط المنتدب من جهاز الأمن إلى قوات الدعم السريع يوسف محي الدين بعد إدانته بقتل الشهيد دهسا بسيارته بعد ساعات من مجزرة فض اعتصام القيادة العامة.

بينما برأت محكمة عطبرة في الثالث من أكتوبر 3/10/2022 المتهمين بقتل الشهداء (طارق علي، مختار عبد الله وعصام علي حسين) بسبب عدم كفاية الأدلة ورغم صدور حكم الإعدام بحق قتلة الشهيد أحمد الخير وشهداء مجزرة الأبيض لم يتم تنفيذ الحكم حتى اليوم.

ومؤخرا صدر حكم بالإعدام على قاتل الشهيد حسن محمد عمر الثلاثاء الماضي بينما لا تزال جلسات الشهيد محجوب التاج مستمرة حتى اليوم.

ما بعد توقيع الاتفاق الإطاري

بتوقيع المكون العسكري اتفاقا سياسيا جديدا سمي بالاتفاق الإطاري بتاريخ 4/12/2022 اخذت الاحداث في البلاد منعطفا جديدا بعد عام من الإنقلاب ،لكن الإتفاق السياسي أجل النقاش في 5 قضايا مصيرية لحين البت فيها منها العدالة والعدالة الانتقالية. واصطدم الإتفاق ببيانات رفض له من أجسام ثورية ومن أسر شهداء ثورة ديسمبر.

يقول عضو اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير محمد صلاح لـ(بيم ريبورتس)، إن ملف العدالة في الاتفاق لا يزال محل نقاش، حيث تم تقسيمه لـ3 محاور هي (إصلاح الأجهزة العدلية، و العدالة الجنائية و العدالة الانتقالية). ويرى صلاح أنه ليس بالضرورة أن توافق أسر شهداء الثورة على الإتفاق الإطاري أو توقع عليه لأنها ليست جهة سياسية.

ويشير صلاح إلى أن إصلاح الأجهزة العدلية سيشمل تغيير رؤوس الأجهزة العدلية الحالية من رئيس القضاء ونوابه والنائب العام ومساعديه وتعيين آخرين عبر مجلس عدلي متخصص به قانونيين معروفين.

والأجهزة يتم شغلها عبر المجلس العدلي بواسطة مفوضية إصلاح الأجهزة العدلية والحقوقية، وهي مفوضية تعمل على ترتيب وعمل إصلاح حقوقي داخل المؤسسات العدلية وهيكلتها ولوائحها، وشكل الإدارة الداخلية للأجهزة العدلية وهي التي تكون مجلس القضاء العالي والمجلس الأعلى للنيابة.

وثانيها تفعيل العدالة الجنائية بتحديد الجناة المسؤولين عن الانتهاكات منذ عام 1989م وحتى جرائم ما بعد 25 أكتوبر وبتشكيل لجان تحقيق خاصة مدعومة دوليا ومحليا وفنيا ولديها سلطات النائب العام.

وأضاف صلاح، أن المحور الثالث يستند على العدالة الانتقالية عبر تشكيل مفوضية العدالة الانتقالية لجان خاصة بالمصالحة الوطنية ولجان خاصة بقضايا شهداء وانتهاكات ما قبل وبعد 25 أكتوبر للوصول لمرتكبي الجرائم.

وأشار إلى أن اللجان الخاصة مثل لجنة نبيل أديب سيتم إعادة تشكيلها وتعيين محاكم خاصة بالشهداء وبانتهاكات 25 أكتوبر بواسطة رئيس القضاء ،وتفعيل قرارات المحكمة الدستورية،وأكد صلاح على أن الاتفاق السياسي لن يمنح أي حصانة لمرتكبي الجرائم.

ومع مرور 4 أعوام على الثورة لم تنطفئ النيران المشتعلة في قلب شريفة وأهالي شهداء الثورة على فقد أبنائهم، وعلى الرغم من تمسك الشارع بدماء الشهداء واستمرار مواكب العدالة والقصاص  للتذكير بحق الشهداء وتسليم عشرات المذكرات تؤكد شريفة أن غليلها لن يشفيه إلا الاقتصاص من قاتل ابنها الطبيب الشاب.

كيف تروج صفحة مزيفة لعودة حملات النظام العام؟

نشرت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، تحمل اسم (وزارة الداخلية السودانية)، أمس الثلاثاء، منشورين يروجان لعودة عمل شرطة النظام العام، التي اشتهرت في العهد البائد بمداهمة المنازل وارتكاب العديد من الانتهاكات.

وكان مدير عام قوات الشرطة، قد أعلن، الأسبوع الماضي، عن إنشاء إدارة (الشرطة المجتمعية)، وهو اسم قريب من الاسم الرسمي لشرطة النظام العام التي كانت تسمى رسمياً (شرطة أمن المجتمع)، وجرى تحويل اسمها بعد أن واجهت اتهامات عديدة على المستوى الوطني والدولي بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لا سيما استهداف النساء.

وسرعان ما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي خبر إنشاء إدارة الشرطة المجتمعية وربطه بشرطة النظام العام سيئة السمعة. الأمر الذي دفع مدير عام الشرطة لإصدار بيان، قال فيه إن الشرطة المجتمعية تختلف عن شرطة النظام العام، ووصف الأولى بأنها “شرطة مهام واختصاصات وواجبات مختلفة، ويرتكز ذلك على العمل المنعي والوقائي والكشفي بمشاركة المجتمع وبمعايير إقليمية ودولية نلتزم بها”. 

وتبعاً لهذه الأحداث، عادت الصفحة التي تحمل إسم (وزارة الداخلية السودانية) للنشر حول هذه القضية، بطريقة مثيرة للشكوك حول مصداقية الصفحة.

الصور أدناه، تعرض المنشورين:

وجد المنشوران انتشاراً واسعاً، نظراً لتناولهما قضية مثيرة للجدل والانتقادات وسط غالبية السودانيين الذين طالما انتقدوا تصرفات شرطة النظام العام.

علاوة على أن هذه الصفحة تحظى بمتابعة أكثر من 35 ألف متابع يشاركون  منشوراتها على نطاق واسع. حيث تحصد بعض المنشورات، ما يزيد عن 1000 إعجاب، من القراء والمتابعين.

للتحقق من صحة ادعاءات المنشورين، تحرت (بيم ريبورتس) من الصفحة الرسمية للشرطة السودانية، (المكتب الصحفي للشرطة – السودان). لم نجد أي منشورات تحوي ما حوته منشورات هذه الصفحة.تدعي الصفحة التي نشرت المنشورين، أنها تتبع لوزارة الداخلية، لكن تقصي فريق البحث في (بيم ريبورتس) وجد أنها تساهم في نشر الأخبار المضللة، حسبما نشرنا سابقاً مرتين في (مرصد بيم).

الحادثة الأولى

في 17 يناير 2022م، ادعت الصفحة اقتحام جهاز المخابرات العامة، لمقر آمن لمجموعة (ملوك الاشتباكات)، والحزب الشيوعي، وضبط كمية كبيرة ومتنوعة من السلاح، والقبض على (٥) من (كتائب حنين)، التي يدعي البعض وجود كتائب بهذا الاسم، مع الإدعاء لانتمائها للحزب البعث العربي الاشتراكي. 

وجدنا أن الصور المرفقة مع المنشور، تعود لعملية مداهمة نفذها جهاز الأمن والمخابرات الوطني في العام 2019م، ضد عملية تهريب للسلاح.

الحادثة الثانية

في 4 أبريل 2022م، ادعت الصفحة القبض على 2 تريليون جنيه سوداني مزورة بواسطة أجنبي. وعرضت الصفحة صوراً ادعت أنها لعملية القبض، في إشارة لأن هذه الصور حديثة. 

وجدنا أن الصور المرفقة قديمة، وتعود للعام 2020م.

وكذلك، وجدنا أن الصفحة تنشر منشورات بطريقة غير مهنية، كما أنها تتابع بعض الصفحات العامة مثل: (مزمل أبو القاسم، و رمضان أحمد السيد، و بنك الخرطوم، وهادي ود البورت، وأحلى نكات سودانية، وروبي كمال، والصفحة الرسمية لرشدي الجلابي، والخرطوم بالليل)، ما يوحي أن مدير الصفحة لا يدري كيف يدير الصفحة بمعزل عن حسابه الشخصي.

تأسست الصفحة في العام 2017م، بنفس الاسم الحالي، ويديرها شخصين يقيمان في السودان. وتذكر الصفحة أن موقعها الإلكتروني هو: ksp.gov.sd، بينما يؤول هذا الموقع، لشرطة ولاية الخرطوم. وجدنا أيضاً، أن صورة الغلاف التي تعود للعام 2017م، تحوي جملة: “شرطة ولاية الخرطوم”، كما يتضح في الصورة أدناه.

تشير هذه المعلومات إلى إحتمالية كون الصفحة تنتمي لشرطة ولاية الخرطوم، أو وزارة الداخلية في السابق، ولكنها الآن ليست صفحة رسمية أبدا.

تملك وزارة الداخلية السودانية، صفحة رسمية على موقع فيسبوك. وكذلك، تملك شرطة ولاية الخرطوم صفحة رسمية، بينما لا تنتمي الصفحة موضع التحقق للوزارة أو شرطة العاصمة بأي صلة حاليا، وفقاً للأدلة التي عرضناها أعلاه.

بمراجعة منشورات الصفحة القديمة، وجدنا أنها كانت خاملة منذ أواخر العام 2017م، وعادت للعمل مجددا في العام 2020م.

بناءً على ما ذكر أعلاه؛ نجد أن هذه الصفحة غير رسمية، ولا تنطق باسم وزارة الداخلية السودانية. تتعمَد الصفحة نشر منشورات مفبركة ومضللة وغير صحيحة، لأغراض الإلهاء، أو قياس الرأي العام لجهة ما أو أغراض أخرى.

ما صحة ضبط الشرطة لـ 2 ترليون جنيه سوداني مزورة؟

ما صحة ضبط الشرطة لـ 2 ترليون جنيه سوداني مزورة؟

تداولت العديد من المواقع الالكترونية وصفحات على موقعي التواصل الاجتماعي (فيسبوك) و(تويتر)، خبراً منسوباً لوزارة الداخلية السودانية نصه كالتالي:

“القبض على 2  تريليون جنيه سوداني مزورة  بواسطة أجنبي”

الصفحات والمواقع التي نشرت الخبر:

م

الصفحة\الموقع

عدد المتابعين

1

السوداني

موقع

3

مداميك

موقع

4

عزة برس

موقع

5

عطاف محمد

48,800

6

قناة متحدون بلا حدود

192,000

7

كلنا سودان يجمعنا

47,179

8

لمة دارفور

59,769

اعتمدت هذه المواقع والصفحات على منشور بصفحة تسمى (وزارة الداخلية السودانية) على موقع (فيسبوك)، أنشئت في عام 2017م. 

تدعي الصفحة، أنها تتبع لوزارة الداخلية، لكن تقصي فريق البحث في (بيم ريبورتس) وجد أنها تساهم في نشر الأخبار المضللة، حسبما نشرنا سابقاً في (مرصد بيم).

أيضاً، وجد فريق البحث، أن الصفحة تنشر أخباراً بطريقة غير مهنية، كما أنها تتابع بعض الصفحات العامة مثل: (مزمل أبو القاسم، و رمضان أحمد السيد، و بنك الخرطوم، و هادي ود البورت، و أحلى نكات سودانية).

أيضاً، وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس)، أن الصفحة تروج في منشوراتها إلى أن الشرطة مظلومة وتعمل على نشر خطاب الكراهية تجاه المواطنين مستهدفة الأوساط الشرطية. أيضاً، وجدنا أن صورة النقود المرفقة بالخبر قديمة و تم نشرها من قبل في مارس 2020م.

ويأتي نشر مثل هذا الخبر، في ظل أزمة اقتصادية متصاعدة تعيشها البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر الماضي، وحالة من فقدان الثقة بين المواطنين والقوات الأمنية.

وتشير (بيم ريبورتس) إلى أن الصفحة المعتمدة لتلقي أخبار الشرطة السودانية على موقع (فيسبوك) هي صفحة (المكتب الصحفي للشرطة – السودان).

الخلاصة

ما صحة ضبط الشرطة لـ 2 ترليون جنيه سوداني مزورة؟

مفبرك

الاحتياطي المركزي.. كيف تواجه قوات قتالية المتظاهرين السلميين؟

عقب الانقلاب العسكري، في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، برزت قوات الاحتياطي المركزي، ذات التدريب القتالي، في مواجهة المتظاهرين السلميين. 

وطوال الموجة الأولى للثورة السودانية الممتدة من ديسمبر 2018م، وحتى إسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير في أبريل 2019م، لم يُلاحظ مشاركة مُباشرة لقوات الاحتياطي المركزي في تفريق التظاهرات، بل اكتفت بالتمركز والانتشار في المنشآت الرئيسة، خاصة بالعاصمة الخرطوم.

وكذلك طيلة الفترة الانتقالية التي انتهت بانقلاب قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، لم يرد ذكر مشاركة لقوات الاحتياطي المركزي في المواجهات مع المتظاهرين.

 ومع استمرار سقوط القتلى وتزايد الضغوط الدولية، وبدء الكونغرس الأمريكي في تصميم عقوبات تستهدف قادة الجيش ومليشيا الدعم السريع، على خلفية الانقلاب وقمع المظاهرات السلمية، بدأ استخدام قوات الاحتياطي المركزي، على نطاق واسع كآلة قمعية في مواجهة المتظاهرين السلميين.

يعتقد ضباط بالشرطة السودانية، ان قوات الاحتياطي المركزي هي قوات قتالية، وليس من مهامها تفريق المظاهرات السلمية، وطبقاً لإفادة ضابط رفيع بالشرطة، تحدث لـ(بيم ريبورتس)، فقد “استغل قائد الانقلاب، عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ التي أعلنها مع الانقلاب، في إقحام قوات الاحتياطي المركزي في شأن ليس من مهامها المعروفة، خاصة وأنها قوات عسكرية تتلقى تدريباً ذو طابع قتالي، بالإضافة إلى وجود وحدات في الشرطة لديها اختصاص مباشر في التعامل مع التظاهرات”.

ويضيف الضابط الذي طلب حجب اسمه، ان “قوات الاحتياطي المركزي، هي قوة عسكرية من أذرع الشرطة، وتسمى قوات احتياطي، بمعنى أنها تُستخدم في حالات خاصة تحدّدها اختصاصاتها، وتأتي مركزيتها، بمعنى شمول نطاق عملها لكل أنحاء السودان”.

ويتابع الضابط الرفيع، “من بين أهم مهام قوات الاحتياطي المركزي هي؛ حفظ الأمن في مناطق النزاعات الأهلية والنهب المسلح، وحماية المواقع والمنشآت الاستراتيجية في أنحاء البلاد كافة باعتبارها قوة ضاربة، كونها مدربة تدريباً قتالياً ولديها آليات ومدرعات وأسلحة مختلفة ونوعية تمكِّنها من أداء مهام قتالية”. 

ويضيف بالقول “تعتبر قوات الاحتياطي المركزي، القوة العسكرية الضاربة للشرطة، فيما يلي المهام القتالية وحفظ الأمن، وتُشارك مع القوات العسكرية الأخرى، مثل القوات المسلحة في الأعمال العسكرية والقتالية”.

وعملت قوات الاحتياطي المركزي تاريخياً، في مهام قتالية بالأساس، مثل مكافحة النهب المسلح، والقتال ضد الحركات المسلحة إبان حرب دارفور، وإلى جانب الجيش في حرب جنوب السودان.

وفي عام 1992م حدد الرئيس المخلوع، عمر البشير، في القرار رقم (61) عدداً من المهام والواجبات لشرطة الاحتياطي المركزي، من بينها “المشاركة وتقديم المساندة للقوات المسلحة فى مناطق العمليات والإشراف على وحدات الشرطة المستنفرة بمناطق العمليات. وتكوين قوات خاصة ذات كفاءة عالية للتدخل في عمليات الأمن الداخلي الاتحادية”.

وتقع سلطات إدارة قوات الاحتياطي المركزي قانوناً مباشرة عند مدير عام قوات الشرطة، في وقت تنتشر فيه بكل ولايات البلاد، خاصة التي شهدت وتشهد اضطرابات أمنية مختلفة الأنواع، لا سيما في السنوات الماضية، ما قبل سقوط نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير.

المشاركة في حرب دارفور

بجانب مشاركتها المباشرة في القتال ضد الحركات المسلحة خلال الحرب بدارفور، فقد درّبت قوات الاحتياطي المركزي، في مركزها الرئيس بالخرطوم، مليشيات وقوات شبه عسكرية للمشاركة في النزاع المسلح هناك، حيث قاد عمليات التدريب وإنشاء القوات، القيادي بالنظام البائد، أحمد هارون، الذي كان مسؤول أمن دارفور بوزارة الداخلية إبان فترة الحرب.

وهارون، إلى جانب الرئيس المخلوع، عمر البشير، ووزير دفاعه الأسبق، عبد الرحيم محمد حسين، وضابط الصف بقوات الاحتياطي المركزي، علي كوشيب، وقائد عسكري سابق بحركة العدل والمساواة، عبد الله بندة، مطلوبون للمحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في إقليم دارفور، غربي البلاد.

ومن بين القادة الميدانيين الذين لعبوا دوراً عسكرياً في النزاع الدائر وقتها، علي كوشيب الذي يحاكم حالياً في المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور، بين عامي 2001- 2004م.

وكوشيب في الأصل، هو ضابط صف بقوات الاحتياطي المركزي برتبة مساعد، وكان ذراع أحمد هارون على الأرض في حرب دارفور. 

وظلّت القوات شبه العسكرية والمليشيات التي تم تدريبها على يد قوات الاحتياطي المركزي، ترتدي زي الشرطة طيلة فترة مشاركتها في تلك العمليات.

من ناحية أخرى، شاركت قوات الاحتياطي المركزي بزيها الرسمي في العمليات العسكرية أثناء حرب دارفور، على عدة جوانب بما فيها القتالية والتمركز وحماية المقار والمناطق.

ومع تصاعُد حِدة الحرب في دارفور، بدأت تبرُز انتهاكات جسيمة للسطح بما فيها عمليات اغتصاب جماعي للنساء، الأمر الذي أدى إلى تدخل مجلس الأمن الدولي، تبعه إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق مسؤولين في النظام البائد.

وأجبرت الضغوط الدولية الحكومة السودانية (النظام البائد)، على إجراء تحقيق، تبعه تشكيل هيئات قانونية للتعامل مع الجرائم والانتهاكات التي وقعت في دارفور، شملت تشكيل محكمة خاصة لجرائم حرب دارفور وتعيين مدعٍ عام لجرائم دارفور، ومن بين المتهمين في تلك الجرائم، المتدرجة بين القتل والاغتصاب والنهب والسطو المسلح، جنود يتبعون لقوات الاحتياطي المركزي.

وفي عام 2019م، وجهت محكمة جرائم دارفور، تهماً بالقتل العمد والنهب لثلاثة جنود من عناصر قوات الاحتياطي المركزي. 

وأشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لعام 2012م، الصادر في 14 مارس 2013م، حول حوادث العنف الجنسي في دارفور، المقدّم لمجلس الأمن، أنه بالنسبة لـ13حالة، تمكّن الضحايا من تحديد هوية الجناة المزعومين على نحو واضح، من خلال اقتفاء أثرهم حتى قواعد عسكرية معينة، أو من خلال التعرف على زيهم النظامي.

وشمل الجناة في هذه الحالات، أفراداً من أجهزة الأمن الحكومية السودانية، منها على وجه التحديد قوات الاحتياطي المركزي.

من الحرب إلى قمع التظاهرات السلمية

بينما ظلت قوات الاحتياطي المركزي، المدربة لمجابهة أعمال العنف، وتؤدي مهاماً قتالية وعسكرية، وأخرى تتعلق بتأمين المقار والقوافل التجارية، خاصة في دارفور، وظفها قادة السلطة العسكرية،  لمواجهة المتظاهرين السلميين، ما نتج عنه انتهاكات غير مسبوقة. 

ممارسات قوات الاحتياطي المركزي والشرطة عموماً، تخالف القانون المحلي والدولي، حسب قانونيين. 

يقول الناشط الحقوقي والمحامي عبد الباسط الحاج، إن الخلفية التاريخية لقوات الاحتياطي المركزي، إنها تتبع لجهاز الشرطة ووحدة من وحدات وزارة الداخلية تسند لها مهام عملياتية“.

ويضيف، “خلال فترة نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، تم تزويدها بصلاحيات إضافية لتصبح قوات عمليات قتالية وتم دعمها لوجستياً، لكن بما أنها تتبع لمدير عام الشرطة، فهي قوات شرطية تعمل عمل الشرطة.. وعمل الشرطة هنا؛ هو حفظ الأمن وحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة وحماية الحقوق الأساسية للأفراد المكفولة بحسب القانون والدستور والمواثيق الدولية”.

وأكمل الحاج “لكن عندما تقوم قوات الشرطة والأمن بمنع المتظاهرين السلميين من ممارسة حقوقهم المشروعة وبناءً على ذلك تستخدم ضدهم العنف المفرط المؤدي إلى القتل والإصابات الخطيرة، فهذا بكل تأكيد يشير إلى وجود خلل كبير داخل هذه القوات، وتصنّف مثل هذه الجرائم بالجرائم الخطيرة، قد تصل إلى أن تكون جرائم ضد الإنسانية كما هي متورطة في جرائم دارفور”.

FLcj0BYWYAEqkok
مشاركة قوات الاحتياطي المركزي في قمع التظاهرات السلمية - مصدر الصورة: مواقع التواصل " تويتر"
ضوابط معيارية للتعامل مع المظاهرات السلمية

من المعروف أن هناك ضوابط ومعايير تُقيِّد تعامُل موظفي إنفاذ القانون مع المظاهرات السلمية. وفي هذا الصدد يقول المحامي عبدالباسط الحاج، أن “القانون الدولي لحقوق الإنسان يمنع منعاً باتاً استخدام القوة والسلاح الناري ضد المتظاهرين مهما كان حجم التظاهر، إلّا إذا كان يخدم غرضاً مشروعاً”.

ويشير إلى أن المادة الثالثة من مدوّنة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القانون والمعتمدة لدى الأمم المتحدة تنص بأنه “لا يجوز للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين استعمال القوة، إلا في حالة الضرورة القصوى وفي الحدود اللازمة لأداء واجبهم”.

ويستطرد “حتى وإن كانت هناك ضرورة لاستخدام القوة، يجب أن يكون وفقاً لقواعد القانون ومبدأ التناسبية في استخدام القوة. إذ حدّدت المبادئ العامة للقانون الدولي لحقوق الإنسان ضوابط معيارية يجب الالتزام بها في حالة تعامل قوات الشرطة مع المتظاهرين، بحيث يجب أن يكون هناك خطر وشيك الوقوع، وذلك الخطر يجب أن يكون مهدد لحياة الناس”.

“ولكن في الحالات العادية محظور دولياً لقوات الشرطة أن تُطلق الرصاص الحي أو المطاطي أو القنابل الصوتية على المتظاهرين حتى وإن استخدم المتظاهرون الحجارة في رمي الشرطة لا يجوز لقوات الشرطة إطلاق الرصاص عليهم، إلّا في الحالات المحدّدة وفقاً للقانون وهي من حيث المبدأ استثنائية”، يوضح الحاج.

ويعتقد الحاج، أن استخدام قوات قتالية أو شبه قتالية مثل قوات الاحتياطي المركزي في تفريق المتظاهرين السلميين والاستخدام المفرط للقوة التي تصل لحد القتل أو الإصابات البالغة هو أمر مُجرّم دولياً وفي غاية الخطورة، ذلك لأن ما حدث وظل يحدث طوال الأيام الماضية من قتل بالرصاص الحي ضد المتظاهرين ينُم عن القصد الجنائي الواضح والتعمّد لقتل أكبر عدد من المتظاهرين، وهذا يستشف من خلال مكان القنص أو الإصابة، كلها كانت في أماكن قاتلة وبالغة الخطورة.

ويشدِّد على أنه وفقاً للقانون والدستور وكل الاتفاقات الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإنّ ما تقُوم به قوات الاحتياطي المركزي جريمة كبرى ولا يجب أن تمر بصورة عادية دون محاسبة القادة والأفراد المتورطين بهذه الجرائم، ولا يستفيد أي شخص منهم بالاستثناءات بل يتحملّون كامل المسؤولية، لأنه من غير الطبيعي أن تستخدم هذه القوات السلاح الرشاش أو سلاح القنص الذي يستخدم باحترافية وتهديف مقصود ضد المتظاهرين السلميين.

شهادات عن انتهاكات قوات الاحتياطي المركزي في التظاهرات

منذ ظهورها في واجهة القوات التي تقمع المظاهرات السلمية في الخرطوم والمدن الأخرى، ارتكبت قوات الاحتياطي المركزي انتهاكات عديدة بحق المتظاهرين السلميين، بحسب شهادات كتبها متظاهرون وصحافيون، وكثيراً ما ذكروا أنهم تعرّضوا لاعتداءات جسيمة ونهب من قبل عناصرها.

وفي هذا السياق، قال الصحافي عثمان شبونة، في شهادة كتبها عن موكب “مليونية” 19 ديسمبر بالعاصمة الخرطوم، إنه خلال إسعاف صحافية تعرّضت لاختناق بسبب الغاز المسيل للدموع، بأحد مشافي الخرطوم، رصد عسكريين يرتدون زي شرطة الاحتياطي المركزي على متن سيارات تحمل شعارها، يمارسون عنفاً وحقداً مفرطاً تجاه الشباب السلميين بغرض النهب أولاً.

وأكد شبونة، أن أولئك الجنود يتبعون بالفعل لقوات الاحتياطي المركزي، في وقت يلتزم فيه مديرها الصمت، رغم أنه سلوك متكرر.

وشدّد على أنهم كصحافيين لم يرصدوا حالة نهب أو حالتين فقط؛ مشيراً إلى أنه كان أمراً ممنهجاً، في ظل وجودهم ضمن ما وصفها بقلب حلقة الشر التي وسّعتها شرطة الاحتياطي المركزي تحديداً.

ووثق إحدى الحالات لشاب من ولاية القضارف شرقي البلاد، يسكن حالياً بالخرطوم، اسمه مرتقب محمد عبد الدائم.

وأوضح شبونة، أن أفراد شرطة الاحتياطي المركزي، رفعوه على متن سيارتهم، قبل أن يوسعوه ضرباً، ثم نهبوا هاتفه، ومن ثم أنزلوه على الفور.

ووصف شبونة، حالة عبد الدائم، بأن أسنانه كانت تنزف ولا يستطيع تحريك يده اليسرى من أثر الضرب بالخراطيم، وكان في شبه غيبوبة، قبل أن يصل صديقه ليكمل إسعافه.

وفي حالة أخرى، وثقت المواطنة مآب محمود، عملية سرقة هاتفها المحمول في مليونية 17 يناير الماضي بالخرطوم، في حسابها على موقع فيسبوك.

وقالت إنه، عند فتح هاتفها المسروق، أظهرت خدمة التتبع، أنه موجود بمقر الاحتياطي المركزي الرئيسي جنوب الخرطوم.

ووصلت ذروة انتهاكات قوات الاحتياطي المركزي، ضد المتظاهرين السلميين في مليونية 19 ديسمبر، بعدما وصل الآلاف إلى البوابة الجنوبية للقصر الرئاسي بالخرطوم وبدء الاعتصام به، ومحاولة آلاف آخرين الوصول إلى الخرطوم، من مدينتي أمدرمان والخرطوم بحري عبر جسور: النيل الأبيض، المنشية، والمك نمر.

وفضلاً عن استخدام الرصاص الحي والمطاطي والقنابل الصوتية وعبوات الغاز المسيل للدموع، في مليونية 19 ديسمبر، امتدت الانتهاكات إلى مرحلة وقوع عمليات اغتصاب بالمناطق المحيطة بالقصر الرئاسي بقلب الخرطوم، حسبما أكدت تقارير محلية ودولية.

وبعد مجزرة الخرطوم بحري، “مليونية” 17 نوفمبر، والتي بلغ عدد ضحاياها 16 شخصاً، ألقى رئيس ونائب رئيس مجلس السيادة الانقلابيين، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان “حميدتي”، في تصريحات صحافية باللائمة على الشرطة، تبعها -عقب توقيع اتفاق 21 نوفمبر بين البرهان ورئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك- إقالة الأخير لمدير الشرطة خالد مهدي، وتعيين عنان حامد مديراً جديداً، لكن شيئاً لم يتغير.

شاهد أيضاً : إقالة‌ ‌مدير‌ ‌الشرطة؟‌ ‌أم‌ ‌إصلاح‌ ‌المؤسسة‌ ‌نفسها؟‌
ممارسات ومهام مخالفة للقانون:

يعتقد ضباط بالشرطة السودانية، إن الممارسات والمهام التي تؤديها قوات الاحتياطي المركزي في الوقت الراهن، تتعارض تماماً مع قانون قوات الشرطة لسنة 2008م، خصوصاً الانتهاكات الفظيعة ضد المتظاهرين السلميين.

ويعتقد الضابط الرفيع بالشرطة، الذي تحدث إلى (بيم ريبورتس)، أن “استخدام قوات الاحتياطي المركزي التي لا تعمل في العادة على تفريق التظاهرات، يأتي في إطار إبعاد الجيش ومليشيا الدعم السريع عن مسؤولية العنف، خوفاً من العقوبات الأمريكية”.

وينص الفصل الثالث من قانون الشرطة لعام 2008م، على أن الشرطة قوة نظامية، مهمتها تنفيذ القانون وحفظ النظام، على أن يلتزم الشرطي في أداء واجباته ووظيفته، باحترام سيادة حكم القانون وتعزيز واحترام حقوق الإنسان وفقاً للدستور والالتزام بالنظم والمعايير المهنية والفنية والسلوكية القومية والدولية المقبولة في أداء وظيفته واحترام الأديان وكريم المعتقدات وأداء الواجبات بكل حيدة ونزاهة وفقاً للقانون والمعايير القومية والدولية المقبولة.

وحدّد القانون في الفصل الرابع، واجبات والتزامات واختصاصات وسلطات الشرطة في “المحافظة على أمن الوطن والمواطنين، وسلامة الأنفس والأموال والأعراض، ومنع الجريمة واكتشاف ما يقع منها، وترسيخ سيادة حكم القانون”.

لكن، مع سقوط أكثر من 81 قتيلاً منذ الانقلاب العسكري، وانتهاكات موثّقة مُورست ضد المتظاهرين السلميين، والمواطنين والصحافيين والعاملين بأجهزة الإعلام، شملت النهب والضرب واقتحام المقار، يبدو أن السلطة العسكرية الانقلابية، مزّقت قانون الشرطة إلى غير رجعة.

ووثقت منظمة (هيومان رايتس ووتش)، في تقرير نشرته يوم 3 فبراير الحالي، الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبتها قوات الاحتياطي المركزي، وقالت المنظمة ذائعة الصيت، “إن شرطة مكافحة الشغب و(قوات الاحتياطي المركزي)، وهي وحدة شرطة عسكرية، قادت الرد العنيف في تظاهرات 17 يناير الماضي”. 

وأضافت المنظمة، “أن ستة شهود أكدوا أن القوات استخدمت الذخيرة الحية ضد المتظاهرين العُزل في مواقع متعددة على مدار اليوم، كما  قامت اأيضاً بضرب واعتقال المتظاهرين السلميين”.

طريقة عمل قوات الاحتياطي المركزي

تبدأ سلسلة الأوامر الرسمية، حسب إفادة ضابط رفيع بالشرطة، في مشاركة قوات الاحتياطي المركزي، عبر طلب مدير شرطة الخرطوم برتبة فريق، لـ(سرايا) من قائد قوات الاحتياطي المركزي برتبة لواء لتفريق التظاهرات.

وتتكون السرية الواحدة من حوالي 62 جندياً تعمل تحت إمرة ضابط برتبة عقيد وضباط آخرين برتبتي الملازم والنقيب، بالإضافة إلى آليات عسكرية تشمل المدرعات (سيارات عسكرية مصفحة)، إلى أن تصل سلسلة تحريكها مدير عام قوات الشرطة.

وتشير معلومات ومصادر متطابقة، إلى إدارة قوات الاحتياطي المركزي، بشكل غير مباشر من قبل البرهان وحميدتي، باعتبارهما أعلى قيادات للمؤسسات العسكرية والأمنية المختلفة، من خلال تقديم حوافز مالية ضخمة لجنودها. وأيضاً من خلال خطة لجهاز المخابرات العامة، بعد استعادة دوره الأمني مرة أخرى بموجب أمر طوارئ للبرهان، بالإضافة إلى وجود أذرع الإسلاميين فيها بعد دمج المجلس العسكري المحلول القوة الخاصة للشرطة الأمنية والشرطة الشعبية في قوات الاحتياطي المركزي، وهي تتبع مباشرة للتنظيم الحاكم في النظام البائد.

وكانت الوثيقة الدستورية لعام 2019م والمعدلة في 2020م، الحاكمة للفترة الانتقالية قبل الانقلاب، نصت على أن يمثل أعضاء مجلس السيادة مجتمعين القائد الأعلى للقوات المسلحة.

غياب الإجراءات

يؤثر غياب وزير للداخلية في البلاد، على اتخاذ قرارات سياسية بحكم منصبه، في تعامل قوات الشرطة عموماً مع التظاهرات، كما غابت الإجراءات التي كانت تُتخذ في التظاهرات قبل الانقلاب المتمثلة؛ في حضور كل من النائب العام، مدير الاستخبارات، مدير جهاز المخابرات ووزير الداخلية ومدير شرطة الخرطوم، في غرفة مركزية أمنية لاتخاذ القرارات المتعلقة بالتعامل مع التظاهرات.

راتب مضاعف

تعامُل قوات الاحتياطي المركزي العنيف مع المتظاهرين أثار تساؤلات حول دوافعه، غير أنّه في ديسمبر الماضي، منح نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي، محمد حمدان دقلو، العاملين في الشرطة من رتبة فريق إلى جندي مرتب شهرين كحافز لهم، حسب مصادر متطابقة في الشرطة تحدثت لـ(بيم ريبورتس).

وبخصوص الاحتياطي المركزي، بجانب الحماية التي منحها البرهان للعسكريين بموجب أمر الطوارئ رقم 3 الذي منح جميع القوات العسكرية حصانة كاملة، فيما تفيد مصادر بأن هنالك نوع من الحوافز يتم رصدها للمشاركين في عمليات قمع المتظاهرين، تدخل ضمن بند يسمى (الاستعداد) باعتبارها عملاً إضافياً، وهو حافز خاص بتغطية المظاهرات.

وتعتبر الحوافز المالية والتعبئة العسكرية والحصانات الكاملة، المسؤولة عن رفع وتيرة العنف والانتهاكات، منذ الانقلاب العسكري.

كما أنّ استخدام قوات الاحتياطي المركزي، لقمع التظاهرات، يأتي ضمن خطة مدروسة لقادة مجلس السيادة، بحكم تبعية الشرطة إدراياً لرئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، ما يعني سهولة إنكار مسؤوليتهم عمّا تقترفه قوات الاحتياطي المركزي وقوات الشرطة الأخرى من انتهاكات وتحميلها له”، يوضح الضابط الرفيع بالشرطة.

ويقع المقر (المعسكر) الرئيس لقوات الاحتياطي المركزي، على بعد نحو 20 كلم جنوب العاصمة الخرطوم، فيما تنتشر مقار أخرى لها في مدنها المختلفة.

وأنشئت قوات الاحتياطي المركزي، وهي تتبع للشرطة، في عام 1974م، تحت قيادة العقيد شرطة عصمت معني، في عهد الرئيس المخلوع، جعفر نميري، كقوات احتياط عسكري، تختص بالمهام والعمليات ذات الطابع العنفي والقتالي.

قادة الاحتياطي المركزي في السنوات الأخيرة

ومنذ الثورة، تعاقب 4 ضباط على قيادة قوات الاحتياطي المركزي، كان من بينهم مدير عام الشرطة ووزير الداخلية لاحقاً في الحكومة الانتقالية، عز الدين الشيخ، حيث خلفه، في يوليو 2020م، عقب تعيينه مديراً لشرطة الخرطوم، مدير الشرطة الحالي، عنان حامد محمد عمر، خلفه اللواء كمال ميرغني، فيما يقودها حالياً اللواء الشامي عبد الله محمد عبدون.

عنان والشيخ، ليسا مديري الشرطة الوحيدين اللذين قادا قوات الاحتياطي المركزي، في السنوات الأخيرة، فقد سبقهما مديري الشرطة الأسبقين، الطيب بابكر وعادل بشاير، الذي كان يديرها حتى مايو 2019م، بعد شهر من سقوط نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، فيما كان يديرها بابكر حتى ترقيته وتعيينه في سبتمبر 2018م، مديراً عاماً للشرطة.

وبشاير إلى جانب وزير الداخلية الأول في الحكومة الانتقالية، الطريفي إدريس، كانا قد عملا في دارفور إبان اشتداد أوار الحرب، إلى جانب قائد قوات حرس الحدود حينها، عبد الفتاح البرهان، وقائد مليشيا الدعم السريع حالياً، محمد حمدان حميدتي، الأول كان مديراً لشرطة مدينة زالنجي والثاني كان مديراً لشرطة الفاشر وسط وشمال دارفور.

ولم يكن مستغرباً، أن سارع قادة المجلس العسكري المحلول بترقيتهما في مايو 2019م، إلى رتبتي فريق ثم فريق أول، وتعيين الأول مديراً للشرطة والثاني وزيراً للداخلية، في الحكومة الانتقالية الأولى.

دمج الشرطة الشعبية والأمنية في الاحتياطي المركزي

وخلال استيلاء المجلس العسكري المحلول على السلطة في البلاد، 11 أبريل – 21 أغسطس 2019م، دُمجت الشرطة الأمنية، بما فيها دائرة القوة الخاصة، ضمن قيادة قوات الاحتياطي المركزي وأيضاً الشرطة الشعبية التابعة للإسلاميين.

و”الشرطة الأمنية، تتبع اسمياً للشرطة”، حسب إفادة ضابط الشرطة الذي تحدث لـ(بيم ريبورتس)، لكنها بطبيعة الحال منفصلة عنها، و”هي أقرب إلى كونها قوات تابعة لتنظيم سياسي، وهي مفرخة ومصدر كتائب الظل التابعة للنظام البائد”.

ويُعتقد أن كتائب الظل، هي مليشيا تتبع للإسلاميين نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، وكان نائبه السابق، علي عثمان محمد طه، قد هدد المتظاهرين أثناء الثورة خلال مقابلة تلفزيونية معه بقوله “لدينا كتائب ظل تعلمونها جيداً، ستدافع عن النظام”.

وتتكون تركيبة قوات الاحتياطي المركزي الإدارية، من لواء إدارة، ولواء عمليات، فيما يُديرها بشكل عام ضابط برتبة لواء، وتتوزع سراياها في مدن الخرطوم المختلفة، وغالباً ما يقُودها ضابط برتبة عقيد.

وبحساب عدد الكتائب الكتيبة حوالي (450 جندياً)، كل كتيبتين تشكلان لواء، وعدد الألوية والسرايا المنتشرة في أنحاء البلاد المختلفة، فيمكن تقدير قواتها بنحو 20 ألف جندي على الأقل.

وتم إرسال قوات من الاحتياطي المركزي إلى مدن الجنينة غربي البلاد، وبورتسودان وكسلا شرقي البلاد، لحفظ الأمن وفض نزاعات أهلية وقعت بين عامي 2019 و2021م.

استمرار عمل قوات الاحتياطي المركزي العسكرية في تفريق التظاهرات، رغم انتهاكاتها الجسيمة، في ظل وجود قوات مختصة في هذا الأمر، يشير إلى أن السلطة العسكرية، تتعمد وضع المتظاهرين السلميين أمام آلة عسكرية عنيفة.