Tag: انقلاب السودان

كيف غطت وسائل إعلام عربية انقلاب الجيش وعواقبه في السودان؟

مشروع مراقبة تغطيات وسائل الإعلام العربية للأوضاع السياسية في السودان عقب إنقلاب 25 أكتوبر

التقرير الختامي:

كيف غطت وسائل إعلام عربية انقلاب الجيش وعواقبه في السودان

تحليل تغطيات قنوات (الجزيرة، بي بي سي عربي، العربية، الحدث، وسكاي نيوز) للأوضاع في السودان عقب انقلاب 25 أكتوبر.

الفترة الزمنية:

6 نوفمبر 2021م إلى 31 يناير 2022م

مقدمة:

في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، انقلب قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، على الحكومة الانتقالية، التي كان يتولى فيها منصب رئيس مجلس السيادة الانتقالي.

وأعلن في خطاب متلفز بثه التلفزيون الرسمي، حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، بجانب تعطيل العمل بعدد من نصوص الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية.

كما أعلن البرهان، إنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزارات، وتكليف المديرين العامين بالولايات والوزارات بتسيير العمل، بالإضافة إلى تجميد عمل لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو واسترداد الأموال.

واستبق البرهان انقلابه، باعتقال أعضاء مجلسي السيادة الوزراء المدنيين من تحالف الحرية والتغيير (الإئتلاف الحاكم بالشراكة مع المجلس العسكري- وقتها)، بجانب عدد من قيادات التحالف، ووضع رئيس الوزراء المستقيل، عبد الله حمدوك، قيد الإقامة الجبرية.

ترافق مع حملة الاعتقالات التي شنتها السلطات الانقلابية، قطع للاتصالات الهاتفية، وإغلاق الإنترنت، وتعليق بث الإذاعات العاملة على الموجات القصيرة، عدا إذاعة أمدرمان (الإذاعة الرسمية) التي بث منها قائد الجيش بيانه الانقلابي، وإذاعة القوات المسلحة التي يديرها الجيش عبر إدارة التوجيه المعنوي.

تعرضت الصحف للمضايقات، وكذا سيطرت القوات المسلحة على قنوات البث الفضائي الرسمية، واستبدلت الطاقم الإداري للتلفزيون الرسمي ووكالة السودان للأنباء (الرسمية) بطاقم إداري موالٍ لقادة الانقلاب.

في ظل هذا الوضع من التعتيم الإعلامي الداخلي، نشطت وسائل الإعلام العربية الإقليمية والعالمية، في تغطية الأوضاع والتطورات في السودان بصورة ملحوظة.

في الفترة من 25 أكتوبر إلى 5 نوفمبر كانت أغلب تغطيات القنوات الاعلامية العربية تتسم بالتحيز، وحاولت أن تكرس لسردية ُتظهر الانقلاب العسكري على الحكومة الانتقالية على أنه مجرد “إجراءات” و “قرارات” اتخذها قائد الجيش.

منهجية المراقبة:

تتأسس منهجية عملنا في مراقبة وسائل الإعلام، من عمليتين، العملية الأولى هي اختيار الوسائل التي تجري مراقبتها، وهي (5) قنوات فضائية ناطقة بالعربية، تبث من دول مختلفة. اخترنا هذه القنوات على وجه التحديد بناء على نتيجة استبيان طرحناه على جمهور منصتنا بمواقع التواصل الاجتماعي، حول أكثر القنوات متابعةً للجمهور السوداني عقب الانقلاب. وكانت النتيجة هي توالياً:-

  • قناة الجزيرة
  • قناة بي بي سي العربية
  • قناة الحدث
  • قناة العربية
  • قناة سكاي نيوز عربية

بناء على نتيجة الاستطلاع، حددنا هذه القنوات الخمس لعملية المراقبة.

أما العملية الثانية فهي عملية المراقبة نفسها، بما في ذلك الرصد وجمع التغطيات التي تنتجها تلك الوسائل للأوضاع في السودان عقب انقلاب 25 أكتوبر، ومن ثم تصنيف وتحليل حصيلة الرصد كمياً ونوعياً.

  • إقرأ المزيد عن منهجية المراقبة 1

أولاً: تحليل المشهد الإعلامي موضوع المراقبة:

يتضمن تحليل المشهد الإعلامي موضوع المراقبة، ملكية القنوات الإعلامية التي نراقبها، وتأثير هياكل الملكية على استقلال الوسيلة الإعلامية ومهنيتها، علاوة على علاقات ملاك القنوات الإعلامية مع الحكومة العسكرية في السودان.

  • ملكية الوسائل الاعلامية موضع المراقبة
    1. قناة الجزيرة الفضائية: 

    تأسست في نوفمبر 1996م، مقرها في العاصمة القطرية الدوحة، ولديها مكتب في الخرطوم، و تبث باللغتين العربية والإنجليزية، تركزت مراقبتنا على القناة الناطقة بالعربية. 

    يرأس مجلس إدارة شبكة الجزيرة الإعلامية حالياً الشيخ / حمد بن ثامر آل ثاني، المسؤول السابق في وزارة الثقافة والإعلام بدولة قطر، وتمول الحكومة القطرية القناة ذائعة الصيت، وللحكومة تأثير كبير ونفوذ واضح على تغطيات قناة الجزيرة بصورة عامة، تناولت عديد من التقارير هذا التأثير، علاوة على اتهامات لدولة قطر باستخدام قناة الجزيرة كوسيلة للمساومة في علاقاتها الخارجية.

    1. قناة بي بي سي عربية:

    قناة فضائية دولية، تبث من العاصمة البريطانية لندن، والخدمة الدولية منها: the BBC World Service ممولة من الحكومة البريطانية. 

    1. قناة الحدث:

    هي إحدى القنوات الفرعية لقناة العربية، تأسست في العام 2012م، وتبث من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتمتلكها المجموعة المالكة لقناة العربية وهي مجموعة MBC Group.

    1. قناة العربية:

    تأسست قناة العربية في مارس 2003م، وهي مملوكة لمجموعة (إم بي سي) ومستثمرون آخرون، ومقرها بمدينة دبي للإعلام، بدولة الإمارات العربية المتحدة. وافتتحت مؤخراً مكتباً في العاصمة السعودية الرياض.

    ومجموعة (MBC Group) التي تأسست في العام 1991م، هي أحد أكبر الشبكات الإعلامية في المنطقة العربية، يملكها ويديرها وليد بن إبراهيم آل إبراهيم، صهر العائلة المالكة في السعودية. وتمتلك المجموعة حتى اليوم نحو 21 قناة فضائية. استحوذت الحكومة السعودية على حصة أغلبية في مجموعة “إم بي سي”  تقدر بـ 60% في اعقاب مساومة بين مالك القناة والسلطات السعودية، التي اعتقلته واثنين من أشقائه، وصادرت أصوله في تحقيق لمكافحة الفساد عام 2018م. وتشير تقارير  إلى أن القناة تسيطر عليها العائلة المالكة في السعودية وتخضع لتوجيهاتها. 

    1. قناة سكاي نيوز عربية:

    تأسست في العام 2012م، مقرها بمدينة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي مملوكة لـ (الشركة الدولية للاستثمارات الإعلامية (IMI) التي يمتلكها الشيخ منصور بن زايد– وزير شؤون الرئاسة، ونائب رئيس الوزراء بدولة الإمارات- و(مؤسسة Sky plc البريطانية). 

    خلاصة الاستعراض أعلاه، تبين أن جميع القنوات الخاضعة للمراقبة هي وسائل إعلامية مملوكة للدولة، أي أنها مملوكة لدول أو مؤسسات مرتبطة بقادة تلك الدول. لكن ما تأثير هياكل الملكية على السياسات التحريرية التي تنتهجها تلك القنوات؟ وهل بالفعل تستخدم الدول والحكومات المالكة هذه القنوات كوسيلة لعلاقاتها وسياساتها الخارجية؟ لمحاولة فهم هذه التداخلات نستعرض بإيجاز العلاقات بين الدول المالكة للقنوات وبين سلطة الأمر الواقع العسكرية في السودان.

  • علاقات الجهات والدول المالكة للقنوات الإعلامية بحكام السودان العسكريين
  •  تربط ملاك الوسائل الإعلامية موضوع المراقبة، علاقات تجارية واستثمارية وعسكرية وثيقة مع الحكام العسكريين في السودان، لا سيما قادة الإنقلاب، وعلى سبيل المثال فإن دولة الإمارات العربية المتحدة تستحوذ على أعلى صادرات السودان من الذهب، ووفقاً لبيانات بنك السودان المركزي، فقد جاء الذهب في صدارة قائمة الصادرات السودانية، في النصف الأول من العام 2021م، إذ صدّر السودان 16.7 طن قيمتها حوالي مليار دولار، ذهبت كلها تقريبا إلى دولة الإمارات العربية.

    أما السعودية، فقد أسست علاقات وطيدة مع عسكر السودان الذين وضعوا تحت تصرف “التحالف العربي” بقيادة السعودية في حرب اليمن، عشرات الآلاف من الجنود السودانيين.

    وفيما يتعلق بالعلاقات السودانية القطرية، فيلاحظ المراقب فتورها في أعقاب سقوط نظام البشير، وشهدت العلاقات التجارية تراجعاً كبيراً، فبينما كان حجم التبادل التجاري المُعلن بين السودان وقطر 119 مليون دولار عام 2018م، تراجع إلى 32 مليون دولار عام 2020م.

    وكانت قطر، إبان عهد البشير، تستثمر 1.5 مليار دولار في السودان، عبر 40 مشروعا زراعيا وسياحيا وعقاريا، وفقاً للبيانات الرسمية في السودان. وسياسياً رعت قطر اتفاقية الدوحة للسلام في العام 2011م، بين حكومة البشير وحركة التحرير والعدالة بقيادة تجاني السيسي، كما استضافت مؤتمر للمانحين بالدوحة في 2013م، لإعادة إعمار دارفور، و دعمت البشير بنحو مليار دولار، في العام 2014م.

    مواقف الدول المالكة للقنوات من انقلاب 25 اكتوبر

    أثار انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر موجة واسعة من ردود الأفعال الدولية والإقليمية الرافضة للانقلاب، على مستوى الدول والمؤسسات. وقد سارع الاتحاد الأفريقي إلى تعليق عضوية السودان وإدانة الانقلاب العسكري، كما أدانت الأمم المتحدة الانقلاب العسكري، وطالبت بالإفراج الفوري عن المعتقلين. وفي الوقت الذي نددت فيه غالبية دول العالم بالانقلاب، اكتفت الإمارات والسعودية وقطر بإصدار بيانات متطابقة، تقول فيها إنها “تتابع التطورات الأخيرة في السودان عن كثب”، وتدعو إلى “التهدئة وضبط النفس والحفاظ على المكتسبات”.

    وعلى الرغم من أن هذه الدول الثلاث (الإمارات و السعودية و قطر) على وجه التحديد، كانت قد سارعت في إصدار بيانات تدين فيها المحاولة الانقلابية الفاشلة التي اُعلن عنها في السودان في سبتمبر 2021م. 

    لاحقاً، عقب محادثات قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا، فيما يتعلق بانقلاب 25 أكتوبر، صدر بيان وقعت عليه، بجانب الولايات المتحدة وبريطانيا، السعودية والإمارات يدعو إلى الالتزام بالوثيقة الدستورية واتفاق سلام جوبا واستعادة الشراكة العسكرية المدنية بصورة صحيحة. وجاء البيان، في وقت تجاوزت فيه مطالب الشارع العودة للشراكة.

    يتضح من العرض أعلاه طبيعة الروابط الاقتصادية والتجارية والسياسية والعسكرية التي تربط بين ملاك بعض القنوات وبين حكام السودان.

    ثانياً: النتائج الأولية للمحتوى المتعلق بالسودان:

    • مجموع محتوى التغطيات المتعلقة بالسودان لجميع القنوات خلال فترة المراقبة: 2,057 تغطيةً.
    شكل (1)
    • التغطيات المتعلقة بالسودان خلال فترة المراقبة لكل قناة

    الجزيرة 

    789  تغطية عن السودان

    العربية

    605  تغطية عن السودان

    الحدث

    430 تغطية عن السودان

    سكاي نيوز

    188 تغطية عن السودان

    بي بي سي

    45 تغطية عن السودان

    • نوع المحتوى لجميع القنوات

    شكل (2)

    نوع المحتوى

    العدد

    فيديو

    1,358

    تغريدة

    249

    تقارير

    11 

    بث شبكي مباشر (لايف)

    28

    أخبار/مقالات

    411

    • الأيام التي حازت على أعلى التغطيات من كل القنوات الاعلامية:

     الرسم البياني (1) أعلاه يوضح الأيام التي حازت على أعلى تغطيات.

    التاريخ

    عدد التغطيات

    21 نوفمبر 2021م

      75

    11 نوفمبر 2021م

      64

    13 نوفمبر 2021م

      58 

    17 نوفمبر 2021م

      45

    30 ديسمبر 2021م

      44

    25 نوفمبر 2021م

      40

    3 يناير 2022م

      40

    28 نوفمبر 2021م

      39

    18 يناير 2022م

      35

    جدول رقم (1) : الأيام التي حازت على أعلى تغطيات.

    • النتائج الأولية لتغطيات كل قناة على حدة

    الجزيرة

    شكل (4)

    نوع التغطية

    العدد

    الفيديو

    583

    تغريدة

    173

    أخبار

    25

    بث شبكي مباشر (لايف)

    8

    المجموع

    789

    العربية

    شكل (5)

    نوع التغطية

    العدد

    الفيديو

    415

    تقارير

    6

    أخبار

    163

    بث شبكي مباشر (لايف)

    20

    المجموع

    605

    الحدث

    شكل (6)

    نوع التغطية

    العدد

    الفيديو

    327

    تقارير

    1

    أخبار

    102

    المجموع

    430

    سكاي نيوز

    شكل (7)

    نوع التغطية

    العدد

    الفيديو

    22

    تغريدة

    67

    أخبار

    95

    تقارير

    4

    المجموع

    188

    بي بي سي عربية

    شكل (8)

    نوع التغطية

    العدد

    الفيديو

    11

    تغريدة

    8

    أخبار

    26

    المجموع

    188

    • الكلمات/ المفردات الأكثر تكراراً بجميع التغطيات لكل القنوات

     الرسم البياني (2) أعلاه يوضح الكلمات التي تكرر استخدامها أكثر من (100) مرة في محتوى جميع القنوات الإعلامية موضوع المراقبة.

    خلاصة نتائج المحتوى الكمي

    نستخلص من النتائج الأولية للمحتوى الكمي المبينة أعلاه، الخلاصات التالية:

    • أكثر الكلمات/ المفردات تكراراً بجميع القنوات: تظاهرات
    • أعلى الايام تغطية لجميع القنوات: يوم 21 نوفمبر 2021م.
    • أعلى القنوات تغطية للأوضاع في السودان: قناة الجزيرة.
    • أعلى الوسائط الناقلة للمحتوى: الفيديو.

    تحليل النتائج:

    اولاً: أكثر الكلمات/ المفردات تكراراً بجميع القنوات: تظاهرات

    25 أكتوبر - الصورة للمصور: فائز أبوبكر

    الشارع الثائر يفرض أجندته: 

    على الرغم من أن غالبية القنوات موضع المراقبة سعت بجد إلى فرض أجندتها وتمرير رؤية ملاكها للتأثير على الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، والتلاعب بالنقاش العام، من خلال تغطيات متحيزة وانتقائية، إلا أن الشارع الثائر ضد الانقلاب، والذي تحركه لجان المقاومة في الأحياء والمدن والقرى والممثل لصوت الأغلبية الشعبية قد فرض أجندته على وسائل الاعلام التي تغطي الأوضاع في السودان، ووكما يبين الرسم البياني رقم (2) أن أعلى الكلمات والمفردات تكراراً في تغطيات وسائل الإعلام العربية في الفترة من 6 نوفمبر 2021م إلى 31 يناير 2022م، كانت هما مفردتي (تظاهرات) و (احتجاجات)، تكرر استخدام الاولى 489 مرة، بينما تكرر استخدام الثانية 278 مرة، بجميع القنوات، بما في ذلك القنوات التي كانت متحيزة في تغطيتها.

    استحوذت تغطية المظاهرات الرافضة للإنقلاب والمطالبة بانسحاب الجيش نهائياً من الحياة السياسية على أعلى تكرار في الكلمات المستخدمة في محتوى القنوات موضوع المراقبة، أي على أعلى تغطيات، على الرغم من أن التغطيات المتعلقة بالمظاهرات كانت في البدء تغطيات متحيزة وغير منصفة، بل ولم تتورع بعض القنوات الاعلامية العربية في أن تصف المظاهرات السلمية الرافضة للانقلاب بأنها “اضطرابات” أو “أعمال شغب” أو “العنف” أو خلافها من الاوصاف ذات المدلولات السلبية، ومحاولة لتأطير المظاهرات في إطار “الاضطرابات” أو “الشغب” أو خلافها من الأفعال الخارجة عن القانون، في حين أن المظاهرات الرافضة للانقلاب تتم بصورة سلمية وعالية التنظيم، ويتم الإعلان المسبق عن خرائط نقاط التجمعات وخطوط السير وترفع فيها شعارات ولافتات مكتوب عليها مطالب المتظاهرين السلميين، التي تنحصر أغلبها في إبعاد الجيش من العملية السياسية، ورفض الانقلابات العسكرية، وتحقيق العدالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت خلال المظاهرات، أي أن هذه المظاهرات هي تعبير سلمي مكفول في مواثيق حقوق الانسان، وليست أفعال خارجة عن القانون أو “أعمال شغب” أو “عنف”، كما تورد بعض القنوات موضع المراقبة في تغطيتها.

    تتعمد بعض القنوات الاعلامية إلى تكرار مفردتي “اضطرابات” و “عنف” لوصف المظاهرات السلمية في السودان، ومن المتعارف عليه أن مفردة “العنف” يقصد بها في غالب الاحيان العنف والعنف المضاد، أو حالة الفوضى، وهو ما لم يحدث خلال المظاهرات المناهضة للانقلاب العسكري.

    في هذا السياق أيضاً، تعمَد بعض القنوات الاعلامية إلى الاعتماد على المصادر الرسمية فقط، لعكس ما يحدث خلال المظاهرات، وعلى سبيل المثال تورد بعض القنوات الإعلامية تصريحاً رسمياً للشرطة يتحدث عن إصابة 39 من قواتها خلال المظاهرات، بينما تتحاشى إيراد عدد المصابين في صفوف المتظاهرين، أو الإشارة إلى عدد الذين قتلوا برصاص قوات الشرطة والأمن، على الرغم من توفر المصادر والمعلومات بهذا الخصوص، وقد وثقت جهات طبية وحقوقية العنف الذي واجهت به القوات العسكرية المتظاهرين السلميين، والذي أدي إلى مقتل أكثر من (94) متظاهراً سلمياً (من يوم 25 أكتوبر 2021 وحتى ابريل 2022) .. إلا أن بعض القنوات تتعمد تجاهل هذه المعلومات المهمة في سياق الأوضاع الراهنة في السودان.

    من جانب آخر، ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في التغطية الإعلامية للمظاهرات وكشف الانتهاكات ضد المتظاهرين السلميين المناهضين للإنقلاب العسكري، الأمر الذي اضطر وسائل الإعلام العربية – لا سيما المملوكة للدول الداعمة للانقلاب – لتغطية التظاهرات في نشراتها الاخبارية، على الرغم من أن بعض التغطيات جرت على مضض وبطريقة متحيزة وانتقائية. 

    اندلعت المظاهرات المناهضة للانقلاب العسكري والرافضة لتدخل الجيش في العملية السياسية، منذ صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر، صبيحة الانقلاب، وظلت متواصلة بلا انقطاع، ولكنها كانت في بادئ الأمر تجد التجاهل المطلق من قبل بعض القنوات الاعلامية موضوع المراقبة، وحينما تصاعدت وتيرة التظاهرات وأصبحت الحدث الأول والرئيس في البلاد، اضطرت بعض القنوات العربية إلى تناول المظاهرات، في البدء، بشيء من التبسيط، ثم ربطها بأحداث لا علاقة لها بالمظاهرات، وعلى سبيل المثال، تربط (قناة العربية) المظاهرات بإعلان تشكيل المجلس السيادي الجديد، وتربطها قناة (سكاي نيوز) بالمطالبة بمدنية الدولة، وهو مطلب حقيقي لكن تم انتقاؤه من بين عدة مطالب أهمها رفض الانقلابات، لكن القناة تتحاشى ذكر مطلب المتظاهرين المتعلق برفض الانقلابات العسكرية.

    الربط بين المظاهرات وأحداث لا علاقة لها بها، هو في جوهره عملية تضليل للمتلقي، إذ أن المظاهرات السلمية التي انطلقت منذ فجر الخامس والعشرين من أكتوبر رفضاً للانقلاب، وظلت متواصلة ولها أهداف محددة عبرت عنها بيانات لجان المقاومة، وهي إنهاء الحكم العسكري، والوصول إلى دولة مدنية كاملة.

    من جهة أخرى، سعت بعض القنوات الى ترسيخ صورة نمطية سلبية عن المظاهرات، وفي هذا السياق تتعمد بعض القنوات استضافة أشخاص يمثلون جانب واحد، داعم للانقلاب، ويصبغون عليهم صفات وألقاب فخيمة حتى يبدو ان ما يقولونه أمراً ذا بال وعلى سبيل المثال استضافت احدى القنوات موضوع المراقبة، شخصا يحمل عددا من الألقاب، ليقول في مداخلته “المشاركون في الاحتجاجات على قرارات البرهان أعداد قليلة لا تمثل جميع السودانيين”، وفي نفس اليوم استضافت ذات القناة، شخص آخر يحمل عددا من الألقاب ليدلي بالتصريح التالي: “الرافضون لقرارات البرهان فصيل من الشعب السوداني بينما الكتلة المرجحة هي الأغلبية الصامتة”.

    في الوقت الذي تنتقي فيه القنوات الاعلامية أشخاص مؤيدين للانقلاب العسكري لاستضافتهم وإبراز آراءهم في عناوين التغطيات، كانت لجان المقاومة قد أعلنت عن متحدثيها الرسميين وتصدر بياناتها بانتظام لتوضيح وجهات نظرها، إلا أن بعض القنوات الاعلامية ظلت تتجاهل منشورات اللجان ومتحدثيها الرسميين، وتستضيف العديد من مؤيدي الإنقلاب.

    صوت الشارع يعلو:

    بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على الانقلاب، وثلاثة أسابيع من التظاهرات المتواصلة، وتراجع بعض الدول الداعمة للانقلاب عن مواقفها، عقب صدور بيان الرباعية، الصادر عن المملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، في يوم 3 نوفمبر 2021م، بدأت تتغير لغة التغطيات والخطاب الإعلامي لبعض القنوات، فبدأت تظهر تغريدات على حسابات بعض القنوات تتحدث عن دعوات التظاهر التي تطلقها لجان المقاومة وتجمع المهنيين.

    وبدأ التحول لافتاً في تغطيات عدد من القنوات، مثل (قناة العربية) التي أوردت لأول مرة اسم لجان المقاومة في عنوان تغطيتها الإخبارية للمظاهرات، يوم 13 نوفمبر 2021م، وكانت تحت عنوان لافت: 

    تنسيقيات لجان المقاومة السودانية تدعو لمظاهرات حاشدة لإسقاط المجلس العسكري“. 

    وفي نفس اليوم، نشرت القناة تغطية أخرى تحت العنوان التالي:    

    بدعوة من لجان المقاومة.. انطلاق عدة مسيرات احتجاجية في العاصمة السودانية رفضًا لقرارات البرهان

    كانت هذه أول مرة تذكر فيها قناة العربية اسم (لجان المقاومة) في عنوان رئيس لتغطيتها طيلة فترة المراقبة. وبعد هذا التاريخ تواصلت التغطيات المتعلقة بالمظاهرات تأخذ حيزاً كبيراً في تغطيات معظم القنوات العربية.

    وعلى الرغم من أن الشارع فرض صوته وحضوره، لكن ظلت بعض القنوات تتحاشى تقديم تغطيات متكاملة للمظاهرات، وفي بعض الحالات يتم تحوير أهداف التظاهرات .. وكذا تتحاشى بعض القنوات الحديث عن عنف القوات العسكرية ضد المتظاهرين السلميين، وفي يوم 30 ديسمبر طال عنف القوات الأمنية القنوات الاعلامية نفسها، ما اضطرها الى عكس ذلك في تغطيتها، ففي يوم 30 ديسمبر 2021م، أشارت (قناة العربية) في عنوان تغطيتها إلى “التعامل القاسي” للقوات الامنية بحق المتظاهرين .. على الرغم من أن التعامل القاسي وعنف قوات الأمن ضد المتظاهرين السلميين والقتل وتفريق التظاهرات بالقوة ظل متواصلا منذ صبيحة الانقلاب في 25 أكتوبر.

    ثانياً: أعلى الايام تغطية لجميع القنوات: يوم 21 نوفمبر 2021م.

    حظي يوم 21 نوفمبر 2021م، بأعلى التغطيات بكل القنوات، وهو اليوم الذي جرى فيه توقيع الاتفاق السياسي بين رئيس الوزراء (المستقيل) الدكتور عبدالله حمدوك والقائد العام للجيش، قائد الانقلاب، الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان.

    لاقى اتفاق (حمدوك-البرهان) الموقع في يوم 21 نوفمبر ترحيباً من عدد من الدول والجهات الدولية، إلا أن الفاعلين الأساسيين على الأرض، لجان المقاومة والمنظمات السياسية والمهنية المحلية شجبت الاتفاق ورفضت أي نوع من الشراكة مع العسكريين، وخرجت تظاهرات حاشدة جابت شوارع الخرطوم للتنديد بالاتفاق السياسي، واصدرت جماعات سياسية ومهنية رئيسة في السودان بيانات تنديد بالاتفاق، وترفض الشراكة مع العسكر، وعلى الرغم من المظاهرات التي عمت شوارع الخرطوم رفضاً للاتفاق السياسي، والرفض القاطع من قبل لجان المقاومة لتدخل الجيش في العملية السياسية، والبيانات الرافضة للاتفاق التي صدرت من تجمع المهنيين السودانيين وقوى الحرية والتغيير، إلا ان بعض القنوات الإعلامية كانت قد أعلت أجندتها وأجندة مموليها وملاكها على حساب التغطية الإعلامية المتوازنة، وغطت الاتفاق بحسب ما يتوافق مع مواقف ملاكها ودولهم، وبعضها تناولت المظاهرات على مضض، والبعض منها تجاهلت تماماً تغطية المظاهرات، ما بدا وكأنها تغطية إعلامية ضد رغبة الشارع.

    دراسة حالة: كيف غطت القنوات الاعلامية موضع المراقبة الاتفاق السياسي بين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان

    فيما يلي نستعرض بالنقد والتحليل، المحتوى الأصيل الذي نشرته القنوات الاعلامية عقب التوقيع على الاتفاق السياسي، ونقصد بـ(المحتوى الاصيل)، المحتوى الذي انتجته القناة نفسها، ولم تنقله من وكالة او جهة اخرى.

    1. قناة سكاي نيوز عربية:

    جاءت تغطية قناة (سكاي نيوز عربية) للاتفاق السياسي تحت العنوان التالي: ” ترحيب دولي بالاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك “.

    نقلت القناة ترحيب كل من الدول والهيئات التالية بالاتفاق: (الإمارات، مصر، السعودية، جامعة الدول العربية، الإيقاد، منظمة التعاون الإسلامي)، إلا أن القناة تجاهلت ردود الأفعال الشعبية والمحلية الرافضة للاتفاق، على الرغم من المظاهرات التي عمت الخرطوم قبل وبعد توقيع الاتفاق.

    وفي تغطية أخرى لقناة (سكاي نيوز عربية) نفسها، تحت العنوان التالي:

    اتفاق السودان.. أول رد فعل غربي على الاتفاق السياسي” نقلت القناة عن بيان مشترك لدول الترويكا، الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، إلى جانب الاتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا، ترحيبها بالاتفاق السياسي، وكما في عنوان التغطية أوردت القناة في مستهل التغطية عبارة “أبدت قوى غربية ترحيبها بالاتفاق السياسي في السودان”، علاوة على أنها نقلت في التغطية السابقة مواقف الدول المؤيدة للاتفاق، جاءت هذه التغطية وكأنها تعضيد أو دعم للتغطية السابقة، او كأن القناة تريد أن تؤطر الخبر عن الاتفاق السياسي في إطار القبول من الجميع بما في ذلك “القوى الغربية”ّ.

    أكثر من ذلك، تجنبت القناة ذكر كلمة (الانقلاب) في تغطيتها وأوردت بدلاً عنها عبارة (إجراءات الجيش)، وأشارت إلى رفض الشارع لإجراءات الجيش، لكنها لم تورد أي إشارة لرفض الشارع للاتفاق السياسي.

    وتظهر جلياً محاولات تأطير الأحداث أو تقديمها في صورة معينة في النص التالي، الذي ورد في تغطية قناة (سكاي نيوز عربية) للاتفاق السياسي:

    " شهدت العاصمة السودانية الخرطوم، يوم الأحد، توقيع اتفاق سياسي يقضي بإعادة عبد الله حمدوك، إلى رئاسة الحكومة، في تراجع عن إجراءات الجيش التي قامت بعزله في أكتوبر الماضي، ثم قوبلت برفض في الشارع وتنديد دولي واسع. وكان الجيش قد وضع حمدوك قيد الإقامة الجبرية عندما أعلن توليه السلطة في 25 أكتوبر، عقب تحرك قاده الفريق أول عبد الفتاح البرهان. وأنهت إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي شراكة انتقالية بين الجيش ومجموعات مدنية ساعدت في الإطاحة بالرئيس عمر البشير في عام 2019 ".

    وتحاشي ذكر عبارة (انقلاب) في هذه التغطية يبدو واضحاً، كما يبدو واضحاً الإصرار على استخدام مفردات وعبارات (اجراءات الجيش/ تحرك/ أعلن الجيش توليه للسلطة) وهو ما تفسره نظرية تأطير الأحداث، والتي ترمي من خلالها وسائل الاعلام إلى إعادة صبغ الأحداث التي تقدمها في مهمتها الخبرية، بصبغة مختلفة تتلائم مع أهداف تلك الوسائل، على نحو يخدم دولاً أو افكاراً أو جماعات معينة.

    وفي نفس سياق التأطير المُشار إليه، تصف القناة المظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري على أنها “اضطرابات أعقب سيطرة الجيش على السلطة” وليس هذا قصوراً في القاموس اللغوي إنما استخدام مقصود للغة في سياق تأطير الأحداث.

    وفي تغطية أخرى تحت عنوان “السودان.. توقيع اتفاق سياسي يعيد حمدوك إلى رئاسة الوزراء، أوردت القناة العبارة التالية: “وأججت القرارات الصادرة عن الجيش، حملة مظاهرات شعبية ودعا ناشطون إلى مزيد من الاحتجاجات يوم الأحد. وكانت القوى الغربية التي ساندت الانتقال السياسي في السودان قد نددت بإجراءات الجيش، وعلقت بعض المساعدات الاقتصادية للسودان”.

    وفي هذه التغطية تتبدى بوضوح عملية تأطير الأحداث، من خلال اختزال (الانقلاب العسكري) في عبارات (القرارات الصادرة عن الجيش) و (إجراءات الجيش)، فهل ما حدث في الخامس والعشرين من أكتوبر هو مجرد إجراءات؟

    2. قناة الجزيرة:

    جاءت تغطية قناة الجزيرة للاتفاق السياسي تحت عنوان:

    البرهان وحمدوك يوقعان على اتفاق سياسي ينهي الأزمة في السودان، وافتتحت تغطيتها بالمدخل التالي: “وقع رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك وقائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان اتفاقا سياسيا جديدا بالقصر الرئاسي، اليوم الأحد، ينهي الأزمة التي بدأت منذ الإجراءات التي اتخذها الجيش من إقالة الحكومة وإعلان حالة الطوارئ في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي”.

    أوردت القناة بعض بنود الاتفاق، ثم اقتبست بعض من كلمة حمدوك وكلمة البرهان ..

    وأوردت القناة النص التالي: "منذ 25 أكتوبر الماضي، يعاني السودان أزمة حادة حيث أعلن البرهان حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، مقابل احتجاجات مستمرة ترفض هذه الإجراءات باعتبارها “انقلابا عسكريا”." 

    حاولت القناة أن توازن بين الانقلاب و الاحتجاجات الرافضة له، لكنها في نهاية الأمر استخدمت لغة متحيزة. 

    3. قناة العربية: 

    تغطية قناة العربية للاتفاق السياسي، جاءت تحت العنوان التالي: ترحيب عربي وأممي باتفاق الخرطوم السياسي

    نقلت القناة ترحيب الدول والهيئات التالية بالاتفاق: (السعودية، الكويت، جامعة الدول العربية، مصر، بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس).
    وتطرقت القناة لبنود الاتفاق، وأوردت القناة النص التالي:

    " تم توقيع الاتفاق … وذلك بعد أسابيع من الاضطرابات والتظاهرات التي خرجت في شوارع الخرطوم احتجاجاً على إجراءات الجيش التي فرضت يوم 25 أكتوبر الماضي، وأدت إلى حل الحكومة والمجلس السيادي السابق، فضلاً عن تعليق العمل بعدد من اللجان، وبنود الوثيقة الدستورية أيضاً. كما فرضت حالة الطوارئ."

    وهنا تتحاشى القناة الاشارة للمظاهرات الرافضة للاتفاق السياسي، وعندما أرادت الاشارة للمظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري، أسمتها بـ“الاضطرابات” والتظاهرات “احتجاجاً على اجراءات الجيش”.. والقناة تتفادى ذكر كلمة (انقلاب)، ومرة أخرى تظهر بوضوح التحيزات ومحاولات تأطير الأحداث.

    وفي تغطية أخرى لقناة العربية نفسها، يظهر بوضوح أكثر تفاديها لذكر مفردة (انقلاب) لتوصيف ما حدث صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر، ففي تغطية تحت عنوان: “البرهان: الاتفاق تحول تاريخي بعد خلل في المسار الديمقراطي”، تورد القناة النص التالي: “منذ إعلان الجيش يوم 25 أكتوبر الماضي (2021) فرض حالة الطوارئ وحل الحكومة والمجلس السيادي السابق، توالت الدعوات الدولية والإقليمية من أجل إعادة البلاد إلى المسار الديمقراطي، والشراكة بين المكون العسكري والمدني، اللذين أدارا الحكم في البلاد منذ العام 2019”.

    وفي تغطية ثالثة لقناة العربية، تحت العنوان التالي : تجمع المهنيين: الاتفاق مع قادة الجيش انتحار سياسي لحمدوك

    تورد القناة موقف تجمع المهنيين السودانيين من الاتفاق السياسي، وتختتم التغطية بالنص الآتي: “كما نص الاتفاق على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وذلك بعد أسابيع من الاضطرابات والتظاهرات التي خرجت في شوارع العاصمة احتجاجا على إجراءات الجيش التي فرضت يوم 25 أكتوبر الماضي، وأدت إلى حل الحكومة والمجلس السيادي السابق، فضلا عن تعليق العمل بعدد من اللجان، وبنود الوثيقة الدستورية أيضا، كما فرضت حالة الطوارئ”.

    وفي كل مرة يتبين أن القناة تتحاشى ذكر كلمة انقلاب، وتورد بدلاً عنها عبارات (اجراءات الجيش) و (حل الحكومة) و (فرض حالة الطوارئ)، وفي حقيقة الأمر ان هذه الخطوات لم تأت كخطوات منفصلة عن بعضها البعض، بل جاءت في سياق عملية متكاملة هي (الانقلاب العسكري) الذي تتفادى القناة الإشارة إليه، كنوع من تضليل المتلقي.

    4. قناة الحدث: 

    تغطية قناة (الحدث) للاتفاق السياسي، جاءت تحت العنوان التالي:ترحيب عربي وأممي بالاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك“.

    نقلت القناة ترحيب (السعودية، الكويت، جامعة الدول العربية، مصر ، بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) ، بالاتفاق. 

    واستعرضت القناة الاتفاق وبنوده، وأورد في خاتمة التغطية النص التالي:

    "... وذلك بعد أسابيع من الاضطرابات والتظاهرات التي خرجت في شوارع الخرطوم احتجاجاً على إجراءات الجيش التي فرضت يوم 25 أكتوبر الماضي، وأدت إلى حل الحكومة والمجلس السيادي السابق، فضلاً عن تعليق العمل بعدد من اللجان، وبنود الوثيقة الدستورية أيضاً. كما فرضت حالة الطوارئ".

     وهو نفس النص الوارد في قناة العربية، والذي كما بيّنا يهدف في نهاية المطاف إلى تضليل المتلقي. 

    في تغطية أخرى بقناة الحدث حول الاتفاق السياسي، قدمت القناة برنامج تلفزيوني يتحدث عن الاتفاق السياسي، تحت العنوان التالي:

    السودان يفتح صفحة جديدة باتفاق سياسي.. قوى ترحب.. وأخرى تستنكر

    حاولت فيه مقدمة البرنامج عكس الآراء المتباينة حول الاتفاق، لكنها عندما بدأت تتحدث عن القوى الرافضة للانقلاب، ووصف تلك القوى للأتفاق بأنه “شرعنة للانقلاب” – طبقاً لبيانات قوى الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين، قالت المذيعة أن القوى الرافضة للإتفاق وصفته بأنه (شرعنة الخامس والعشرين من أكتوبر) ، و أحجمت عن ذكر كلمة (انقلاب).

    5. بي بي سي العربية: 

    تغطية هيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) للاتفاق السياسي جاءت تحت العنوان التالي:

    “انقلاب السودان: الجيش يعيد رئيس الوزراء المخلوع عبد الله حمدوك لمنصبه، والاحتجاجات تتصاعد”

    استخدمت القناة لغة متحيزة في العنوان، وهي عبارة (الجيش يعيد رئيس الوزراء المخلوع)، ولكن في نفس الوقت التزام النصف الآخر من العنوان جانب من الموضوعية، إذ عكس الاحتجاجات المتصاعدة ضد الاتفاق السياسي، بخلاف تغطيات القنوات الأخرى التي تحاشت إيراد أي إشارة للمظاهرات الرافضة للاتفاق.

    أوردت بي بي سي في مستهل الخبر النص التالي: 

    "تولى رئيس الوزراء السوداني المخلوع، عبد الله حمدوك، منصبه مرة أخرى، بعد الانقلاب العسكري الشهر الماضي الذي وُضع على إثره قيد الإقامة الجبرية".

    تشير (بي بي سي ) بوضوح الى الانقلاب العسكري، إلا انها تصف رئيس الوزراء بوصف (المخلوع)، ومن المتعارف عليه ان وصف (المخلوع) عادة يطلق على الرؤساء الذين تقتلعهم من مناصبهم ثورات شعبية رافضة لقيادتهم، وهذا الأمر لا ينطبق على رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي انقلب عليه الجيش ووضعه قيد الإقامة الجبرية.

    تناولت (بي بي سي) في تغطيتها آراء الرافضين للاتفاق السياسي والمؤيدين له على حد سواء، وفي نفس التغطية.

    أوردت (بي بي سي) رأي تجمع المهنيين السودانيين الرافض للاتفاق السياسي، ورأي متحدث من قوى الحرية والتغيير، أوردت نقاط الاتفاق السياسي، ذكرت قضية المعتقلين السياسيين، وأنه تم الإفراج عن ثلاثة فقط منهم، 

    أوردت إشارات للمظاهرات ومطالب المتظاهرين المتمثلة في انسحاب الجيش الكامل من الحياة السياسية، كما أوردت عدد الشهداء الذين لقوا مصرعهم في المظاهرات الرافضة للإنقلاب.

    وسمت الوقائع بمسمياتها تماماً، وأوردت بالتفصيل الضغوط التي تعرض لها العسكريون عقب الانقلاب، وذكرت بوضوح النص التالي: “تعرض الجيش لضغوط دولية ومحلية مكثفة للعودة إلى مسار الانتقال إلى الديمقراطية. وجمد البنك الدولي مساعدته للسودان، كما علق الاتحاد الأفريقي عضوية البلد في التكتل”.

    كما اشارت الى الاتفاق الذي يجب ان يسلم بموجبه البرهان السلطة إلى المدنيين، في اكتوبر 2021م،

    بعد استعراض كل هذه المسائل، أوردت (بي بي سي) في ختام التغطية ردود أفعال الدول والهيئات الدولية، أوردت ترحيب كل من (مصر ، والسعودية) بالاتفاق، واقتبست من الاتحاد الأفريقي وصفه الاتفاق بأنه:

    “خطوة هامة نحو العودة لاحترام الدستور” ودعوة الاتحاد طرفي الاتفاق لتنفيذه بشكل كامل وفعال.

    واخيراً أوردت من بيان الأمم المتحدة النص التالي:

    وشددت الأمم المتحدة، بعد الترحيب بالاتفاق، على” الحاجة لحماية النظام الدستوري من أجل حماية حرية العمل السياسي، وحرية التعبير والتجمع السلمي”.

    الكلمات المفتاحية:

    وفقا لمنهجية عملنا، تمثل الكلمات المفتاحية المستخدمة من قبل الوسيلة الاعلامية واحدة من أدوات تصنيف المحتوى المهمة، التي تساعد على فهم التحيزات وتأطير الأحداث.

    عملنا على تصنيف الكلمات المفتاحية الواردة في التغطيات الإعلامية للقنوات المستهدفة بالمراقبة، بناء على بعدين:

    الأول: البعد الموضوعي، والمقصود منه توصيف الوسيلة الإعلامية للأحداث والوقائع كما هي على أرض الواقع.

    الثاني: البعد الإعلامي، والمقصود منه الصورة التي تعكسها الوسيلة الاعلامية للأحداث والوقائع، وهي في الغالب – حسب متابعتنا الأولية- صورة مُنتقاة، تكاد تعكس تحيزات الوسيلة الإعلامية، والممولين لها والعاملين فيها.

    ووفقاً لهذا التصنيف، نجد أن الكلمات المفتاحية المضمنة في القائمة (أ) تعكس التحيزات التي ميزت تغطيات بعض الوسائل الإعلامية موضع المراقبة، بينما تعكس الكلمات المفتاحية في القائمة (ب) البعد الموضوعي للتغطيات الإعلامية.

    • إقرأ القائمة الكاملة للكلمات المفتاحية 2

    تصنيف محتوى القنوات موضوع المراقبة حسب الكلمات المفتاحية:

    • تصنيف محتوى (قناة الجزيرة) حسب الكلمات المفتاحية:

    شكل (10)

    التصنيف

    العدد

    النسبة

    البعد الموضوعي

    745

    94.4%

    البعد الإعلامي

    28

    3.5%

    غير مصنف

    16

    2%

    • تصنيف محتوى (قناة العربية) حسب الكلمات المفتاحية:

    شكل (11)

    التصنيف

    العدد

    النسبة

    البعد الموضوعي

    240

    41%

    البعد الإعلامي

    162

    26.8%

    غير مصنف

    203

    32.2%

    • تصنيف محتوى (قناة الحدث) حسب الكلمات المفتاحية:

    شكل (12)

    التصنيف

    العدد

    النسبة

    البعد الموضوعي

    286

    66.5%

    البعد الإعلامي

    107

    24.9%

    غير مصنف

    37

    8.6%

    • تصنيف محتوى (قناة سكاي نيوز عربية) حسب الكلمات المفتاحية:

    شكل (13)

    التصنيف

    العدد

    النسبة

    البعد الموضوعي

    131

    69.7%

    البعد الإعلامي

    52

    27.7%

    غير مصنف

    5

    2.7%

    • تصنيف محتوى (قناة بي بي سي عربية) حسب الكلمات المفتاحية:

    شكل (14)

    التصنيف

    العدد

    النسبة

    البعد الموضوعي

    38

    84.4%

    البعد الإعلامي

    3

    6.7%

    غير مصنف

    4

    8.9%

    استخدام الكلمات المفتاحية:

    إن إنتقاء عبارات وكلمات معينة واستخدامها بتكرار مستمر في التغطيات الإعلامية، مثل عبارات (قرارات قائد الجيش) و (الإجراءات التي اتخذها رئيس مجلس السيادة) هي عملية تهدف إلى التأثير على المتلقي من خلال ترسيخ هذه العبارات في ذهن المتلقي وتصوير ما حدث بأنه مجرد (قرارات) و(إجراءات) بغض النظر عن مشروعية تلك القرارات أو عواقبها، أو أثرها السياسي والاجتماعي، وبغض النظر عن الصورة الأكبر: الانقلاب العسكري وتقويض مؤسسات الانتقال. كذلك فإن عرض الأحداث بطريقة معينة ستقود المتلقي -في نهاية الأمر- إلى استنتاجات غير صحيحة مبنية على السرد الانتقائي الذي قدمته وسائل الإعلام في تغطيتها للأحداث.

    ومن أمثلة السرد الانتقائي وتأطير الأحداث في التغطيات التي راقبناها، الاستخدام المتكرر للعبارات التالية:

     إجراءات / قرارات :

    درجت بعض القنوات موضع المراقبة على استخدام مفردتي (إجراءات) و(قرارات) مقرونة باسم عبدالفتاح البرهان أو صفته، ومترادفاتهما التالية: (إجراءات قائد الجيش/ قرارات قائد الجيش/ إجراءات الجيش/ قرارات البرهان/ تسلم الجيش للسلطة/ تدخُل الجيش/ حزمة إجراءات/ الإجراءات/ بيان البرهان)، كما استخدمت بالتناوب المفردات التالية: (الإعلان عن حالة الطوارئ/ الإعلان عن حل مجلس السيادة/ الحكومة/ تعليق عمل بعض مواد الوثيقة الدستورية).

    إن استخدام هذه المفردات في التغطيات الاعلامية هو في جوهره عملية تضليل للمتلقي من خلال السرد الانتقائي و تأطير الأحداث، فعندما تستخدم وسيلة اعلامية مفردة (قرارات أو إجراءات) لوصف ما حدث يوم 25 أكتوبر ينتج عن هذا الوصف صورة ذهنية مغايرة تماماً عن تلك الصورة الذهنية التي تنتج عند استخدام مفردة (انقلاب)، إذ أن استخدام مفردتي (قرارات) و (إجراءات) يعطي انطباعاً لدى المتلقي بأن ما حدث هو أمر عادي وطبيعي ويمكن تقبله في إطار كونه مجرد قرارات أو اجراءات طبيعية.

    في حين أن الصورة الكاملة للحدث (أي الانقلاب) لا يتم ذكرها في معظم القنوات موضع المراقبة. وهذا يشير إلى أن القنوات الإعلامية من خلال استخدامها مفردتي (قرارات) و(اجراءات) وعدم استخدامها لمفردة (انقلاب) إنما تسعى لتأطير الأحداث وتدعيم سردية معينة تكرس لرفض وإنكار ما يجري في أرض الواقع.

    أما المثال الأبرز للسرد الإنتقائي، عندما تستخدم بعض الوسائل الإعلامية مثل (قناة الحدث) و(العربية) و (سكاي نيوز) مفردات وعبارات مثل : و (اجراءات قائد الجيش) و (حل مجلس السيادة/ حل مجلس الوزراء/تعليق العمل ببعض مواد الوثيقة الدستورية/ إعلان حالة الطوارئ) فهي في هذه الحالة تذكر بعض الوقائع الصحيحة، ولكنها تعرض هذه الوقائع الصحيحة بطريقة غير صحيحة عندما تكتفي بذكر هذه (الإجراءات) دون الإشارة إلى أنها حدثت في سياق أنقلاب عسكري. إذ أن التوصيف الموضوعي والمنصف لما حدث يوم 25 أكتوبر هو انقلاب عسكري أدى إلى تقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد، وليس “إجراءات” اتخذها قائد الجيش بحل مجلسي السيادة والوزراء.

    الحكومة المنحلة / المقالة / المعزولة، رئيس الوزراء المخلوع/ المُقال/ المعزول:

    في حالات أخرى، فإن القنوات الاعلامية تذكر الوقائع الصحيحة بطريقة فيها الكثير من التحريف عندما تقول: (الحكومة المُقالة / أو المنحلة / أو المعزولة) أو عندما تقول: (رئيس الوزراء المُقال/ رئيس الوزراء المخلوع/ رئيس الوزراء المعزول). هذا الاستخدام فيه الكثير من التحريف، إذ ان الحكومة لم تُعزل ولم تُحل ولم تُقال بطريقة دستورية، وقد انقلب عليها قائد الجيش ووضع وزرائها، بما فيهم رئيس الوزراء قيد الاعتقال والإقامة الجبرية. إذن الوصف الموضوعي والصحيح هو الحكومة (المنقلب عليها) أو (الحكومة التي انقلب عليها قائد الجيش) أو (الحكومة السابقة). لأن استخدام وصف (الحكومة المُقالة أو المعزولة) يعطي انطباعاً بأن الحكومة قد تمت إقالتها أو عزلها عبر طرق مشروعة، كسحب الثقة أو خلافة من الإجراءات المشروعة. 

    يعتبر السرد الانتقائي نوعاً من التضليل، إذ أن الوسيلة الإعلامية كما -بيّنا- تذكر بعض الوقائع الصحيحة ولكن تعرضها بطريقة غير صحيحة أو بتحريف، أو انتقاء مفردات معينة واستخدامها في سياق خاطئ. كما أنها تتجنب إيراد حقيقة ما حدث بكامل جوانبه، مثلما هو مبين في الأمثلة أعلاه عندما تذكر الوسيلة الاعلامية عبارة (إجراءات أو قرارات) دون أن تذكر الجوانب الكاملة: الإنقلاب.

    في هذا النوع من السرد الانتقائي لا يستطيع أحد أن يقول أن الوسيلة الإعلامية كاذبة، لأنها أوردت بالفعل بعض الوقائع الصحيحة، ولكن نستطيع أن نقول بأنها نشرت محتوى مضلل لأنها بدلاً عن عرض كل ما حدث فهي تحاول أن تخفي بعض الحقائق، فقد تكون الوقائع التي تحاول أو تريد اخفائها غير مريحة أو تسبب لها حرجاً لأنها تشوش الصورة التي تريد ترسيخها في أذهان الجمهور المتلقي والتأثير على وعيه، لذلك تكتفي بانتقاء بعض الأحداث من أجل رسم صورة ذهنية معينة لدى المتلقي، أو تحاول أن تُسوّق صورة أخرى وتُجَمِّلها، والغرض النهائي من هذه العملية هو تضليل المتلقي.

    الاستخدام المضلل للمعلومات لتصوير المشكلات أو الأفراد ضمن إطار مقصود عن طريق اختيار اقتباسات أو أحداث أو احصائيات بشكل انتقائي، يسمى في الحقل الإعلامي بـ(نظرية التأطير).

    ويُعرّف تأطير الأحداث بأنه "سعى وسائل الإعلام إلى إعادة صبغ الأحداث التي تقدمها في مهمتها الخبرية، بصبغة مختلفة تتلاءم مع أهداف تلك الوسائل، على نحو يخدم دولاً أو افكاراً أو جماعات معينة".

    إن ما يكشف عنه هذا التقرير، هو أن الأخبار لا تُنقل في فضاء مثالي مهني خالي من التحيزات، فأنماط وهياكل ملكية وسائل الإعلام، وعلاقات القوى، والمصالح تدخل جميعها في التأثير على مهنية وسائل الإعلام وكيفية تناولها وعرضها للأخبار والوقائع.

    الملاحق

    ملحق 1: منهجية المراقبة

    تتلخص عملية المراقبة في جمع وتصنيف المحتوى الإعلامي للقنوات موضوع المراقبة، وإدخالها في جداول بيانات حسب المتطلبات التالية:

    • اسم الوسيلة الإعلامية
    • عنوان المحتوى (القصة/ الموضوع/ التغطية/الخبر)
    • نوع المحتوى الإعلامي (برنامج تلفزيوني مباشر من شاشة القناة، فيديو من الموقع الالكتروني للقناة، أو من حسابها على موقع يوتيوب، الحساب الرسمي للقناة على موقع تويتر، بث شبكي عبر الموقع الالكتروني للقناة، نشرة إخبارية على شاشة القناة، تغطية مباشرة)
    • تاريخ نشر المحتوى
    • رابط المحتوى على الانترنت
    • الكلمات المفتاحية المستخدمة من قبل الوسيلة الإعلامية
    • تصنيف المحتوى المستخدم: هل القناة استخدمت كلمات/ عبارات متحيزة/ غير مهنية/ ذات مدلولات سلبية؟
    • الضيوف هل محايدين أم منحازين
    • اسم منشئ المحتوى: الصحفي/ الكاتب/ مقدم النشرة/ مقدم البرنامج / المذيع …إلخ

    بعد جمع كل المحتوى المتعلق بالسودان الذي أنتجته هذه الوسائل الإعلامية عبر جدول الإدخالات المبين أعلاه، نعمل على تحليل المحتوى كمياً ونوعياً.

    في صميم المنهجية لدينا ثلاثة مستويات من التحليل:

    • تحليل المشهد الإعلامي موضوع المراقبة بما في ذلك ملكية الوسائل الإعلامية وتأثير هياكل الملكية على استقلال الوسيلة الإعلامية ومهنيتها.
    • التحليل الكمي للمحتوى
    • التحليل النوعي للمحتوى، الذي يتناول السياق العام بالإضافة إلى تحليل المحتوى لغوياً.

    يعتمد التحليل اللغوي على تحليل سياق الكلمات المستخدمة في التغطيات الاعلامية لكل قناة. وقد استخرجنا قائمة من الكلمات المفتاحية التي استخدمتها هذه الوسائل الإعلامية في تغطيتها، وعلى وجه الخصوص الكلمات والمفردات والعبارات المستخدمة في عناوين التغطيات، أو المستخدمة في مستهل المحتوى (lead)، أو العناوين الجانبية، أي الكلمات والمفردات والعبارات التي تعكس السياسة التحريرية للقناة أو توجهها، ومن ثم حللنا سياق استخدام هذه الكلمات في التغطيات الإعلامية وفسرنا الأسباب التي أدت إلى استخدام كلمات معينة دون غيرها، و استندنا في تفسيرنا على نظرية (التأطير الإعلامي).

    كما حاولنا تقديم تحليل مقارن لاستخدام الكلمات والعبارات بين القنوات موضوع المراقبة.

    ملحق 2: القائمة الكاملة للكلمات المفتاحية

    قائمة (أ) البعد الإعلامي

    أزمة السودان

    تصاعد أعمال العنف

    تصحيح المسار

    تعليق عمل بعض مواد الوثيقة الدستورية

    المنحل/ة

    مواد تم تعليقها

    المخلوع/ة

    الوساطات

    المقال/ة

    الحوار/المفاوضات بين طرفي الأزمة

    المعزول/ة

    المفاوضة / التسوية

    إجراءات قائد الجيش

    تقاسم السلطة

    قرارات قائد الجيش

    فرقاء السلطة

    إجراءات الجيش

    توقيف مسؤولين

    قرارات المجلس العسكري

    إقالة

    قرارات البرهان

    التغول على السلطة

    تسلم الجيش للسلطة

    الحالات المتفلتة

    تدخُل الجيش

    مجلس السيادة الجديد

    حزمة إجراءات

    العودة الى الوثيقة الدستورية

    الإجراءات

    شراكة مع المكون العسكري

    بيان البرهان

    مساعدات خارجية

    الإعلان عن حالة الطوارئ

    الخروج عن السلمية

    الإعلان عن حل مجلس السيادة/الحكومة

    وفاة متظاهر

    انقسام داخلي

    احتجاز

    اختيار/تعيين رئيس وزراء

     

    قائمة (ب) البعد الموضوعي

    انقلاب السودان

    تسليم السلطة للمدنيين

    التحول الديمقراطي

    القوى الانقلابية

    السلطة المدنية

    هيكلة القوات المسلحة

    اعتقال

    حل/دمج الدعم السريع

    تظاهرات

    إطلاق سراح/الإفراج

    احتجاجات

    الاتفاق السياسي

    عصيان مدني

    قتلى/مقتل

    إضراب

    انتخابات

    المجلس العسكري

     
    سيدي اوشكور

    كيف قاومت بورتسودان محاولة (حميدتي) صياغة مشهد جديد للشرق؟

    وسط احتجاجات قادتها تنسيقيات لجان المقاومة عمت المدينة رفضاً لزيارته، وصل قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو حميدتي، يوم الثلاثاء الماضي، إلى مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر شرقي البلاد.

    رغم إعلانه أن زيارته إلى بورتسودان، تقتصر على تطوير الموانئ، إلا أن جدول برنامجه حفل باجتماعات مكثفة مع زعماء الإدارات الأهلية، في الوقت الذي تتزايد فيه المخاوف من أنه قد يتخذ قرارات تتعلق بالموانئ البحرية وربما المضي قدماً فيما صرح به في وقت سابق، مطلع الشهر الحالي، عن إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، ما يجعل زيارته محل تساؤلات وسط الرأي العام السوداني.

    واستبقت تنسيقات لجان مقاومة بورتسودان زيارة حميدتي، بالإعلان عن قيام تظاهرات وإغلاق الطرقات، ورأت في بيان وقتها، أن الزيارة تهدف إلى خصخصة وبيع موانئ الولاية.

    لكن عقب وصوله إلى مطار بورتسودان، ذكر حميدتي في تصريحات صحفية، إنه جاء ليقف على قضايا ومشاكل الميناء، والسعي لحلها. بينما يقول أحد الناشطين في قضايا الشرق لـ(بيم ريبورتس)، إن “شبح بيع وخصخصة الموانئ لم يبارح الأذهان منذ عهد النظام المخلوع”.

    وأشار إلى أن “موضوع الموانئ أحد الأجندة الرئيسة لزيارته، لكن لا يوجد جديد في هذا الأمر، فيما يلي مخاوف الخصخصة والبيع، بالإضافة إلى أنها باتت تعاني من تدهور كبير، بسبب الإغلاق والانقلاب”.

    Port Sudan Container Terminal (Sudan)

    إغلاق الشرق

    في خضم توترات سياسية، كانت تعصف بالفترة الانتقالية، بدأ في 17 سبتمبر الماضي، أنصار الناظر العشائري محمد الأمين سيد ترك، في إغلاق شرق البلاد، بما فيها الموانئ لاحقاً، والتي لم يُعاد فتحها إلا بعد انقلاب 25 أكتوبر الماضي.

    وتسببت أزمة إغلاق الشرق، فضلاً عن أنها مهّدت للانقلاب، في خسائر مالية واقتصادية فادحة، طالت جميع القطاعات، بالإضافة إلى خسارة ميناء بورتسودان لسمعته التجارية.

    ورغم أن تلك الاحتجاجات كانت تُحظى بتأييد ودعم المكون العسكري في الحكومة الإنتقالية، وتسببت في تدهور عمل الموانئ والاقتصاد عموماً في البلاد، إلا أن حميدتي ألقى باللائمة في تدهور الموانئ، ضمن زيارته إلى بورتسودان، باللائمة على الحكومة الانتقالية السابقة، التي كانت قد بدأت مشروعات طموحة في تحسينها.  

    وتثير زيارة حميدتي إلى المدينة الساحلية، المخاوف، بخاصة أنها عقب تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها في مطار الخرطوم الدولي، بعد عودته من موسكو في الثاني من مارس الحالي، أشار فيها إلى أنه لا يُمانع في إنشاء قاعدة عسكرية روسية، أو غيرها من البلدان، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الرأي العام، بينما التزمت القوات المسلحة الصمت إزاء تصريحاته.

    وفي الوقت الذي كانت الموانئ والاجتماعات مع القادة العشائريين بنداً رئيسياً، ضمن برنامج زيارته إلى بورتسودان التي امتدت لخمسة أيام، لم يزر قاعدة فلامنجو البحرية حسب متابعات (بيم ريبورتس).

    في جولته على الموانئ، زار حميدتي الميناء الجنوبي (ميناء الحاويات)، و الميناء الشمالي (ميناء السيارات والبضائع الصب (الحبوب)، وميناء الخير للمشتقات البترولية، وميناء بشائر وميناء عثمان دقنة. أيضاً قال إنه وجه باستئناف العمل في ميناء هيدوب لصادر الماشية. كذلك افتتح حميدتي أكاديمية السودان البحرية، وهي في الأصل تتبع لهيئة الموانئ البحرية.

    كما التقى حميدتي بالإدارات الأهلية لمكونات الشرق كل على حدة، فيما بدا كأحد البرامج الرئيسية لزيارته، وقال أصدرنا قرارات بشأن الحدود بين القبائل والنظارات، وسننفذ كل مطالبكم، ولكن لابد من المساعدة في تطوير منطقتكم بإزالة التناحر والخلافات.. وعودنا حقيقية وليست سياسية، وكل إنسان ياخذ حقه الأدبي، خاصة وأن السودان كله حواكير، ولكن ينبغي أن يعيش الناس فيها مع بعض، وذلك إذا أردنا تطوير دولتنا”.

    لكن زيارة حميدتي إلى بورتسودان، التي بدت من نواحي عدة، تحصيل حاصل، ومحاولة لخلق قاعدة انتخابية وسط الإدارات الأهلية، واجهت رفضاً شرساً من مجتمعات الشرق، ليس في حدود قضايا الإقليم، وإنما في إطار أكثر قومية، وفق ما يقول ناشطون في قضايا الشرق لـ(بيم ريبورتس).

    هتافات قومية في مواجهة مساعي التقسيمات الإثنية

    “السلطة سلطة شعب.. والثورة ثورة شعب.. والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، هكذا هتف عضو لجنة المقاومة آدم أبو بكر في وجه حميدتي، خلال مخاطبته لإحدى المكونات المجتمعية بمدينة بورتسودان. في نشاط آخر له مع مكون آخر، كان على (حميدتي) الاستماع لنفس الهتاف، لكن هذه المرة من عضو المقاومة سيدي أوشكور.

    وقال أبو بكر لـ(بيم ريبورتس)، إنه برصد الأحداث والوقائع منذ فض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم في يونيو 2019 م، فإن المجلس العسكري بشكل عام يشكل خطراً على البلاد.

    “دافعي للهتاف ضد حميدتي، كان يتمثل في أن (جيش حميدتي)، كمنظومة ذات وضع مختل فإنها تشكل خطر كبير جداً، وأيضاً للوقوف أمام محاولته بالتغلغل الاجتماعي، وهذا الأمر لديه مآلات خطيرة، خاصة وأنه ظل يكسب مؤيدين”، يوضح أبو بكر في إفادته لـ(بيم ريبورتس).

    وأكد أبو بكر ، أن هتافاته جاءت أيضاً رفضاً لتكريم (حميدتي)، وتساءل “لماذا يكرم؟ ماذا قدم؟ كما أنه لا يجب أن يكون مقبولاً، وسط أجيال الثورة، أن يتم التعامل مع المسؤولين وفقاً لهذه الطريقة، يجب أن نتخلى عن تلك الثقافة القديمة.. ما يربطنا بالمسؤولين فقط، الحقوق والواجبات”. 

    “ما قمت به كان مغامرة، لكنني كنت مؤمن تماماً أن صمتنا سيكون على حساب مجتمعاتنا.. لاحقاً، فتح هذا الأمر نقاشاً ومثل بؤرة للوعي بالقضايا والحقوق.. دافعت عن فكرتي بعدم استحقاقه التكريم، وبدأ الناس بالفعل يفكرون في جدوى تكريمه، بدأوا ينظرون بواقعية إلى تكريم الرجل الثاني في الدولة، دون أن يُقدم لهم شيئاً، وهي في الأصل حقوقهم، على أنه كان عملاً بلا جدوى”، يضيف أبو بكر.

    ورأى أنهم كانوا حريصين على توثيق تلك اللحظة بالاتفاق مع زميله سعد الدين، لإيضاح الصورة الحقيقة، مشيراً إلى أنهم لو كانوا صمتوا لكانت نتيجة مخاطباته ستكون أسوأ على المجتمعات، لكننا قاومناه.

    خطاب الأرض

    “(خطاب الأرض) موجود في شرق السودان، إلا أنه لا يوجد صراع في هذه المسألة”، يقول أبوبكر حول خطوة تقسيم الحدود الإدارية بين المجموعات الإثنية في شرق السودان، مضيفاً “لكنه يهدف من ذلك ـ حميدتي ـ  إلى تقسيم المجتمعات والتركيز على التناقضات، وهي  لعبة سياسية قديمة”.

    وحذر أبو بكر من عواقب محتملة لهذه العملية، مؤكداً أنه أيضاً يسعى ويهدف لخلق حواضن للانتخابات، بجانب التجنيد والانفتاح على المناطق الغنية بالمعادن، مثل منطقة (أوسيف) التي زارها،

    غير أنه  أشار إلى أن  لجان المقاومة هي الجسم الوحيد الذي يجد إجماعاً ويمكن أن يساهم في توحيد مجتمعات الشرق.

    زيارة (حميدتي) إلى بورتسودان، والتي امتدت لخمسة أيام، تأتي تكملة لتحركاته أخيراً في ملف الشرق، حسبما يعتقد مراقبون. 

    “بعد الانقلاب، وقبل شهرين تحديداً، بدأ حميدتي يعيد النظر في مسار الشرق”، يقول الناشط في قضايا الشرق، عثمان محمد صالح، لافتاً إلى أن الأطراف المتصارعة في الشرق “مجموعة المسار ومجموعة ترك” الاثنان وقفوا مع الانقلاب، والانقلاب يريد أن يكافئهم على ذلك.

    وأشار صالح في حديث لـ(بيم ريبورتس)، إلى أن حميدتي عقد اجتماعات مطولة، أفضت إلى اتفاق برعاية مجلس السيادة، تم بموجبه تشكيل عدد من اللجان بينها لجنة لإنفاذ (القلد)، موضحاً أن اللجنة مكونة من الطرفين: (المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة) “مجموعة ترك”، والمجلس الأعلى للإدارات الأهلية  فيه نُظّار آخرين. 

    ويعتقد صالح، أن الحديث عن مراجعة الحدود، أو ترسيم الحدود بين المجموعات الإثنية (القبائل)، هي محاولة لإيجاد حواكير رسمية، رغم أنها موجودة عرفاً منذ أزمان قديمة، مشيراً إلى أن هذا الأمر يعكس أزمة كبيرة وعلى الدولة أن تنتبه، خاصة وأن حميدتي يحاول استنساخ صناعة أزمة الحواكير، التي فجرت الصراع الدامي والمرير في دارفور.

    ويوضح صالح، أن قضية الشرق تم استخدامها كمخلب قط لإفشال الفترة الانتقالية، وقال “عملياً نحن أمام واقع مأزوم، اتفاق سلام أجج الصراع الاجتماعي، وتنامي خطاب الكراهية في الإقليم، بجانب أن السلطة منحازة لطرف دون الآخرين”.

    مغادرة شركات الملاحة

     وفيما يتعلق بالموانئ، يقول صالح، إن الموانئ واحدة من المشاكل الكبيرة، ويجب اعتبارها والتعامل معها كقضية قومية، تسبب الانقلاب بجانب الإغلاق، في مشاكل أكثر تعقيداً، بجانب المشاكل والعيوب الفنية.

    وحول تصريحات حميدتي بأنه وجه بعمل الموانئ لـ24 ساعة، قال إنه بالأساس توجد 3 ورديات، في وقت غادر وكلاء لشركات ملاحة الدولية الميناء.

    “حميدتي فشل في أن يلتقي أي قوى سياسية ولا يمكن وصف زيارته، بأنها زيارة سياسية، لم يلتقي المجتمع المدني، وانحصرت لقاءاته مع قيادات الإدارة الأهلية، وهي تتعلق بنظرته ربما للانتخابات”، يشير صالح.

    مهددات للنسيج الاجتماعي

    “في ما يتعلق بترسيم الحدود ، ذكر أولاً في (القلد) في أعقاب الاقتتال الأهلي الذي شهدته بورتسودان في 2020م، كما ذكر أيضا فيما عُرف بمقررات سنكات”، يقول الناشط في قضايا الشرق، خالد محمد نور.

    ويضيف لـ(بيم ريبورتس): “برأيي أن هذه الخطوة خطيرة جداً وتهدد النسيج الاجتماعي لشرق السودان، وهي سابقة خطيرة” مشيراً إلى أن كل المجموعات المتصارعة والتي أججت الفتن القبلية هي الآن داعمة للانقلاب.

    ورأى نور أن، إضافة ترسيم الحدود الإدارية بين الولايات، لم يعد عندها معنى الآن، مشيراً إلى أن الخطوات بدأت تأخذ خط رجعة، مشيراً إلى أن خط حميدتي، هو العمل مع الإدارات الأهلية التقليدية، ضمن عمل انتخابي.

    وقال “بالرغم من أنه تم تكريمه من عدة جهات، لكنه لم يتحرك سياسياً. ورغم ضعف تحركاته السياسية، إلا أنه بالمقابل المجتمع المدني ضعيف جداً حالياً”، مضيفاً “لكن لجان المقاومة تعمل وتمتد بشكل مؤثر وهي قادرة على الاضطلاع بدور مهم، والجميع يراهن عليها في هذا السياق”. 

    وفيما يتعلق بنفي حميدتي المشدد للخصخصة، وأنهم يسعون فقط للتطوير، قال نور إن الشواهد تكذب حديثه ـ من ضمنها حوار صحفي لوالي البحر الأحمر يعضّد فيه الاتجاه للخصخصة .

    وأضاف “نفيه للخصخصة برأيي هو ذر للرماد في العيون وردة فعل لتحركات العمال ولجان المقاومة”.

    خمسة أيام قضاها (حميدتي) في بورتسودان ـ حسب ما أعلن، لإعادة صياغة مشهد الشرق، الذي يتحكم فيه من جهتين؛ مرةً من خلال مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا، ومرةً أخرى من خلال القادة العشائريين الموالين له، لكن صوت الاحتجاجات كان عالياً ويحاصره أينما ولىّ وجهه حتى وهو بين مؤيديه، لتستحيل زيارته في نهاية المطاف، إلى كلمات نافية تحاول تبرير أهداف الزيارة على أنها، لا تخفي شيئاً ورائها. 

    كيف شاركت النساء في ثورات السودان السلمية؟

    تتسابق وسائل الإعلام المحلية والدولية في الظفر بتوثيق مواقف البسالة والإقدام للنساء السودانيات في الخطوط الأمامية للتظاهرات والاحتجاجات والمقاومة المنظمة والتعبئة، والتي تعكسها تلك الوسائل كظاهرة بارزة في خضم المقاومة الشعبية التي انتظمت السودان منذ أواخر العام 2018م وحتى سقوط نظام البشير في أبريل 2019م.

    إزاء هذا التسابق الإعلامي في عكس وتوثيق مشاركة النساء السودانيات في طليعة المقاومة الثورية، وتقديمه كـ(ظاهرة) بارزة في بلد عانى من الحكم الشمولي، وفي ظل تصاعد الاهتمام العالمي بقضايا النساء، غاب عن أذهان البعض، أن ظهور النساء في طليعة المقاومة هو نتاج طبيعي لتاريخ الحركة النسائية في السودان وتأثيرها العميق والجذري في المجتمع، الذي ساندت طليعته قضية المرأة منذ وقت مبكر، في الإضراب الذي قادته الطالبة – وقتها – فاطمة أحمد إبراهيم، في العام 1949م، ولاقى اهتمام الرأي العام حينها.

     
    تظاهرات في الخرطوم - ابريل 2019 - تصوير: علاء خير
    نظرة في تاريخ الحركة النسائية السودانية

    ما قبل الاستقلال:

    شاركت النساء السودانيات منذ أزمان موغلة في القِدم، بكافة أشكال مقاومة الاستبداد، ودونت كتب التاريخ القديم سِيَر الكنداكات السودانيات. وفي التاريخ الحديث كان لهن باع طويل في مقاومة الاحتلال الأجنبي، ففي الربع الأول من القرن التاسع عشر، اشتهرت (مهيرة بت عبود) بأشعارها التي حفزت المقاتلين السودانيين لمحاربة الاحتلال التركي-المصري، وتحديداً في معركة كورتي عام 1820م، وبجانب أشعار الحماسة، فقد شاركت مهيرة بنفسها في المعارك مع الجيش الذي تصدى للحملة التركية على السودان.

    وفي مطلع القرن العشرين، برز اسم الأميرة مندي بنت السلطان عجبنا، التي قاتلت إلى جانب فرسان جبال النوبة، وساهمت في تنظيم صفوف الجيش في تلك المناطق بعدما أعدمت القوات الغازية والدها السلطان عجبنا، في العام 1917م.

    وخلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، شهدت البلاد نشوء حركات التحرر الوطني، وبرز حينها إسم العازة محمد عبدالله، خلال ثورة 1924م، طليعة مقاومة الاحتلال.

    وخلال تكوين الاتحادات والتنظيمات كأدوات لمقاومة الاحتلال الأجنبي، برزت وقتها الطبيبة خالدة زاهر التي كانت أول طبيبة سودانية مارست المهنة، وكانت أيضاً ناشطة سياسية مهتمة بقضية المرأة، مما أدى إلى اعتقالها عام 1946م من نظام الحكم البريطاني لمعارضتها الحكم الأجنبي. كانت خالدة أيضا إحدى مؤسسات الاتحاد النسائي السوداني الذي يعتبر أهم التنظيمات النسائية في تاريخ السودان الحديث. 

    د. خالدة زاهر

    نبعت فكرة الاتحاد، كمحاولة لتكوين نقابة تختص بقضية المرأة، وتوحيد الاتحادات التي كانت قد نشأت من نساء عاملات في بعض المهن، فتكونت أولاً “رابطة النساء الثقافية”، في الفترة بين 1946-1949م لكنها لم تستمر، ثم انعقد أول اجتماع تأسيسي للاتحاد النسائي في يناير 1952م ومن ثم تكونت اللجنة التمهيدية من خالدة زاهر، ونفيسة أحمد إبراهيم، وعزيزة مكي، وحاجة كاشف، وفاطمة أحمد إبراهيم، ونفيسة المليك، وفاطمة طالب. بعض الأسماء الإضافية لهذه اللجنة لم يتم توثيقها في ذلك الوقت، بحسب كتاب (شاهدة على مسيرة الاتحاد النسائي السوداني خلال نصف قرن من الزمان)، للكاتبة فاطمة القدال.

    نال الاتحاد اهتماماً واسعاً بسبب عضويته التي تكونت من نساء فاعلات في الحياة العامة والمهنية وتطرقه لقضايا مهمة منذ التأسيس، حيث كانت أبرز القضايا التي تصدى لها الاتحاد في الفترة من 1952 – 1958م هي قضايا التعليم ومحو الأمية، وحق المرأة في العمل كمدخل للمساواة بين الجنسين. وسعى الاتحاد لتحسين أوضاع النساء في المعيشة والأجور، وكان يبث برامجَ توعوية عبر الإذاعة، وقدم مذكرات للمجالس المحلية تطالب بحقوق الطفل وصحة البيئة، واهتم الاتحاد كذلك، بمحاربة العادات والتقاليد الضارة، والتوعية بمخاطر ختان البنات، وسعى لتوعية النساء بهذه القضايا عبر مختلف الوسائل.

    وكان لقائدات الاتحاد النسائي أدوار مهمة في لفت انتباه المجتمع لقضية المرأة منذ وقت مبكر، ففي عام 1949م قادت الطالبة -وقتها – فاطمة أحمد إبراهيم أول إضراب يتعلق بقضية المرأة في السودان، عندما كانت تدرس في ثانوية أمدرمان العليا، بعدما قررت مديرة المدرسة البريطانية استبدال جميع العلوم الطبيعية بالعلوم الأسرية بحجة أن السودانيات غير مؤهلات ذهنياً. نجح الإضراب وأثار جدلاً بسبب عدم ممارسة الإضراب وقتها – وتحديدا للنساء – كوسيلة ضغط مما أدى إلى تراجع المديرة عن قرارها.

    ما بعد الاستقلال

    أفرزت سياسة المناطق المقفولة التي انتهجها الاحتلال الأجنبي للتفريق بين أبناء البلاد، واقعاً متبايناً بين أجزاء الوطن الواحد من ناحية التنمية غير المتوازنة وتطور التعليم، وبالتالي بنية المجتمع المدني والتنظيمات الحديثة. لذلك تركز أغلب التوثيق حول نشاط المرأة السياسي (المنظم) في فترة ما بعد الاستقلال على دور النساء في المناطق الحضرية ومشاركتهن في الثورات السلمية. 

    مع إعلان استقلال السودان رسمياً في 1 يناير 1956م، سرعان ما واجهت الأحزاب السودانية تحديات في الاتفاق على صيغة توفيقية حول نظام الحكم والدستور، وفي ظل تفاقم التحديات حول نظام الحكم، استولى الفريق إبراهيم عبود على السلطة عبر انقلاب عسكري في 17 نوفمبر 1958م.

    عدم الاتفاق على دستور دائم، بالإضافة لتردي الأحوال الاقتصادية، واشتداد وتيرة الصراعات السياسية بين الأحزاب، كل هذه العوامل اتخذها الجيش حجة للتدخل في العمل السياسي، وإقصاء الأحزاب من الحكم. 

    عقب انقلابه، حل نظام عبود العسكري (1958 – 1965م) جميع الأحزاب السياسية ومنع التجمعات والمواكب والتظاهرات فى جميع أنحاء البلاد، كان الاتحاد النسائي من ضمن تلك التنظيمات، لكنه واصل نشاطه بشكل سري عبر مواصلة إصدار مجلة (صوت المرأة)، بالتزامن مع محاولات للعمل العلني رغم قيود السلطة العسكرية.

    دور النساء في ثورة أكتوبر 1964م
    تشييع الشهيد احمدالقرشي في ثورة اكتوبر 1964م - المصدر: The New York Times
    تشييع الشهيد احمد القرشي في ثورة اكتوبر 1964م - المصدر: The New York Times

    كان للنساء السودانيات مشاركات لافتة في مناهضة الحكم العسكري الأول، وقد لعب الاتحاد النسائي دوراً بارزاً في ثورة أكتوبر 1964م، فحشد القواعد النسائية للمشاركة في الاحتجاجات التي كانت تتقدمها رئيسة الاتحاد النسائي وقتها، المناضلة البارزة، فاطمة أحمد إبراهيم

    عقب انتصار الثورة، وسقوط نظام عبود، واستعادة المسار الدستوري، تحققت للنساء السودانيات الكثير من المكاسب، كان أهمها هو انتزاع حق النساء في التصويت والترشح للانتخابات، فقدمت نساء السودان، في أول انتخابات بعد ثورة أكتوبر، المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم كأول برلمانية في السودان والشرق الأوسط. 

    ومن مقعدها في البرلمان، واصلت فاطمة نضالاتها في الدفاع عن حقوق المرأة، حيث نالت النساء السودانيات كثير من الحقوق التي كافحن من أجلها، ولكن لم يتحقق البعض الآخر.

    بعض الحقوق التي تحققت:

    • حق الدخول في كل مجالات العمل، في حين كان عمل المرأة من قبل محصورا في التعليم والتمريض فقط. وتحقق ذلك، من خلال دخول المرأة السودانية غالبية ميادين العمل باستثناء تلك المجالات التي حرمتها الأمم المتحدة وقتها؛ وهي: القضاء والقضاء الشرعي والسلك الدبلوماسي.
    • الأجر المتساوي والمساواة في العلاوات والمكافآت والبدلات، وفي كل شروط العمل، وفي حق الترقي لأعلى الدرجات الوظيفية، وحق المعاش.
    • عطلة الولادة مدفوعة الأجر – حسب ما نصت عليه منظمة العمل الدولية.
    • إلغاء قانون المشاهرة، الذي يفرض على المرأة العاملة تقديم استقالتها بعد الزواج لتعمل بموجب عقد عمل مؤقت شهراً بشهر.
    • إدخال خريجات الثانوي والمعاهد العليا تحت بند الخدمة المستديمة أسوة بزملائهن.

    بعض الحقوق التي لم تتحقق:

    • توفير دور الحضانة ورياض الأطفال لتسهيل مهمة الأم العاملة.
    • توفير الضمانات الاجتماعية لحماية الأسرة في حالة عجز أو موت رب الأسرة.

    لكن، في الفترة بين عامي 1966-1969م، عاشت الحكومة الائتلافية حالة من الشقاقات والصراعات، نتج عنها تشكيل العديد من الحكومات، كلها فشلت في الاتفاق على كتابة دستور دائم، أو التعامل مع مشاكل الركود الاقتصادي والانقسامات السياسية والعرقية.

    في خضم حمى تلك الصراعات السياسية، وارتفاع وتيرة الحرب الأهلية في جنوب السودان عقب فشل مؤتمر المائدة المستديرة، وطرد نواب الحزب الشيوعي المنتخبين من البرلمان، ومحاولة بعض الأحزاب فرض دستور إسلامي، انقلب الجيش على الحكومة المنتخبة في 25 مايو 1969م، بقيادة جعفر نميري.

    فاطمة احمد ابراهيم - المصدر: Middle East Monitor
    ما بعد الحكم العسكري الثاني 1969م

    حل نظام نميري البرلمان وحظر جميع الأحزاب السياسية مقيماً دولة الحزب الواحد – الاتحاد الاشتراكي السوداني – باعتباره الكيان السياسي القانوني الوحيد في البلاد، وحل الاتحاد النسائي، واستبدله بـ(اتحاد نساء السودان) الجناح النسائي للاتحاد الاشتراكي بقيادة فاطمة عبدالمحمود.

    شدد نميري أدوات القمع والحد من حرية النشاط السياسي والاجتماعي، ووضع النقابات تحت سلطته. ومع بداية الثمانينات، ساءت الأحوال السياسية والأمنية والاقتصادية، واندلعت الحرب مرة أخرى فى جنوب السودان عام 1983م بشكل أكثر ضراوة، بعدما ألغى نميري اتفاق أديس أبابا للسلام، وإعلانه قوانين سبتمبر، وحالة الطوارئ، التي اندلعت على إثرها انتفاضة مارس-أبريل 1985م.

    دور النساء في انتفاضة مارس-أبريل 1985م

    في خضم تنامي المقاومة الشعبية السلمية لحكم نميري، بقيادة النقابات والاتحادات المهنية وبعض الأحزاب السياسية، التي مثلت النواة لانتفاضة مارس-أبريل 1985م، لعبت النساء السودانيات أدواراً مهمة في الانتفاضة،  ساهم في ذلك تقدمهن في التعليم والعمل في مختلف المهن، مما أدى إلى زيادة نسبة مشاركتهن وانتظامهن تحت مظلة الأجسام النقابية والمهنية التي كانت السبب الرئيسي والأهم في نجاح الإضراب السياسي العام في ثورة ابريل التي أطاحت بنظام نميري العسكري.

    في يونيو 1986م، شكل الصادق المهدي حكومة ائتلافية بين حزب الأمة، والحزب الاتحادي الديمقراطي، والجبهة الإسلامية الوطنية، وأربعة أحزاب جنوبية. ولكن اتسمت فترة حكم الصادق المهدي بعدم الاستقرار السياسي. وبعد ثلاث سنوات في 30 يونيو 1989م، انقلب الجيش بالتحالف مع الإسلاميين، على الحكومة المنتخبة، ليستمر حكمهم نحو 30 عاماً.

    ما بعد انقلاب 30 يونيو 1989م

    عمد نظام الإنقاذ، على إجراء تغييرات عميقة داخل البنية الاجتماعية والسياسية في السودان، من خلال فرض آيدلوجيته السياسية ذات الطابع المتشدد. حيث أنهى التعددية السياسية الفكرية والثقافية والدينية وحرية التعبير بشكل ممنهج وطبق قوانين الشريعة والقوانين المقيدة للحريات، لمدة 3 عقود.  

    وبالرغم من أن المناطق الحضرية في السودان كانت إلى حد كبير غير متأثرة بالصراع المسلح الذي اندلع في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق (المنطقتين)، مع ذلك تأثرت المدن الكبيرة باستراتيجيات الحركة الإسلامية لتمكين كوادرها ومنتسبيها.

     تداخلت عمليات فرض نظام الحكم لايديولجيته مع النظام التعليمي والحريات الشخصية والسياسية والصحفية، وولّدت أدوات للقمع من خلال شرطة النظام العام والأجهزة الأمنية المختلفة، ناهيك عن تهجير أعداد كبيرة (أكثر من 3 مليون نازح ونازحة) من سكان المناطق التي مزقتها الحرب في البلاد. يعيش هؤلاء النازحين في أحياء فقيرة حول ولاية الخرطوم والمدن الكبرى ويواجهون تحديات أكبر في التوظيف والصحة والتعليم مقارنة بالسكان الأقدم للمدينة.

    خلال تلك الفترة، فقدت الأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات المهنية قدرتها على مواصلة العمل العام والسياسي بسبب القبضة الأمنية الرادعة، وتطورت الجهات المعارضة للنظام لتشمل أيضاً مجتمعات وأجيال تأثرت بصورة مباشرة من الحرب وتواجه ظروفاً اقتصادية قاسية، مما أدخل أبعاد جديدة في الدعوة إلى تغيير النظام مثل الأبعاد الجهوية والمناطقية والظلم الاجتماعي.

    اضطهد نظام الإنقاذ البائد المرأة بطرق مختلفة، أولها منعهن من العمل في مهن معينة مثل محطات الوقود، ومضايقة بائعات الأطعمة والمشروبات عبر حملات (كشات) لمصادرة ممتلكاتهن وأدواتهن. ووفرت منظومة النظام العام غطاء قانوني مهد لقوات الأمن اعتقال النساء بصورة تعسفية والاعتداء عليهن حسب ما ينظر إليه كسلوك “غير لائق” أو ملابس “غير محتشمة”.

    وفرت هذه القوانين أيضاً مخرجًا للجناة والمجرمين، حيث أن الأحكام المتعلقة بالاغتصاب والعنف الجنسي غير مجدية، بما في ذلك عدم وجود جريمة جنائية لختان الإناث في تلك الفترة، والفشل في قمع العنف القائم على النوع الاجتماعي بشكل فعال. 

    وبالرغم من ذلك، فإن القانون كان يعترف بسلسلة من العقوبات الجسدية، مثل (الرجم) و(بتر الأطراف) و(الجلد) مما يتعارض مع تحريم التعذيب والعقوبات القاسية  في القانون الدولي، على النحو الذي قررته لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.

    في عام 2009م على سبيل المثال، حُكم على الصحفية لبنى الحسين، وهي منتقدة صريحة للنظام، بالجلد 40 جلدة لارتدائها بنطالاً في أماكن عامة لكنها قاومت التهم الموجهة إليها في المحكمة. في العام نفسه، تعرضت سيلفا كاشف البالغة من العمر 16 عامًا، وهي شابة مسيحية من جنوب السودان تعيش في الخرطوم، للجلد 50 جلدة لارتدائها تنورة تحت ركبتيها، بعد حرمانها من الحق في المحاكمة.

    وبأخذ ما ذكر في الاعتبار، كانت الكتلة النسائية من أكثر المتضررين من سياسات النظام، ولكن الاضطهاد المتكرر ضد النساء شكل وحدة جعلتهن يتحدن في مواجهة النظام والصمود ضد الترسانة الأمنية.

    ظهور أشكال جديدة للمقاومة

    فقدت الأحزاب السياسية قدرتها على ممارسة عملها بحرية، وتحول النشاط السياسي للشباب والنساء  ليأخذ أشكالاً غير تقليدية بالتزامن مع ظهور منظمات المجتمع المدني المهتمة بقضايا المرأة والعون الإنساني. إن تحليل هذه المنظمات وعلاقتها بالنظام الحاكم وقتها يمكن أن يؤدي إلى نتائج متناقضة، فبالرغم من أن الحكومة كانت تعتبرها تهديداً محتملاً وتحاول إبقائها تحت سيطرة مشددة، ولكن في الواقع كانت تقوم منظمات العون الإنساني والمنظمات الخيرية بتحمل بعض أعباء الدولة.

    بعد فترة وجيزة من الانقلاب القمعي عام 1989م، شكلت الفاعلات السياسيات في الخرطوم منظمات تضامن متبادل بدت آمنة نسبيًا من أجهزة أمن الحكومة، بينما كن يمارسن عملهن جزئيًا لصالح النساء. تسبب ذلك في ظهور الكثير من المنظمات (المحلية والعالمية) الداعمة مع قضايا النساء السودانيات، ويمكن اعتبار ذلك شكلاً جديداً من أشكال التنظيم النسائي. ذلك لا ينفي أن النظام هاجم هذه المنظمات في عام 2009 م وفي 2012م، وذكرت د. غادة كدودة في دراسة لها بالشراكة مع الباحثة سوندرا هيل(مرجع – 1)، أن من الصعب إيجاد أرقام دقيقة من مفوضية العون الإنساني لأعداد تلك المنظمات، ولكن أفادت الأستاذة عديلة الزئبق (ناشطة رائدة في المنظمات النسائية)، أن هنالك آلاف المنظمات غير الحكومية في السودان والمئات في ولاية الخرطوم.

    هذه المنظمات غير الحكومية المهتمة بقضايا النساء كانت أكثر من الأحزاب السياسية والأجنحة النسائية التابعة لها، وكانت نشطة للغاية وتشكل جزءا كبيرا من المجتمع المدني. وبما أن العمل السياسي بصورته التقليدية كان متعسر جدا، التحق الكثير من القواعد الشبابية الناشطة بحركات مدنية شبابية تركز نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل (قرفنا) و (التغيير الآن).

    بينما اتخذ الرفض لنظام البشير ودكتاتوريات أخرى أشكالًا مختلفة، على سبيل المثال التمرد المسلح والمناورات السرية، مع ذلك، أن السخط في الخرطوم (والمدن الرئيسية الأخرى مثل ود مدني) تم التعبير عنه في المقام الأول من خلال الاحتجاجات المدنية ذات الطابع السلمي.

    أدى التغيير في المناخ السياسي إلى تقاطعات بين المكونات النسائية في المجتمع المدني والحركات الشبابية في عملية التعبئة، وكما ذُكر في دراسة د. كدودة و د. هيل (مرجع – 1)، يمكن أن تلخص الأسباب التي أدت إلى تلك التقاطعات في الآتي:

    1. استبعاد النساء والشباب في قيادة معظم الأحزاب السياسية.
    2. سيطرة الأحزاب على الأجنحة النسائية التابعة لها.
    3. تأثير الناشطين بالخارج (الدياسبورا) حيث كان الشباب والنساء أكثر حرية في النشاط الاسفيري حول الموضوعات المثيرة للجدل.
    4. الانتقال اللاحق لكثير من الشباب والنساء الى المنظمات غير الحكومية، مما أدى إلى نمو المجتمع المدني واعتماده الشديد على الشباب والناشطات.

     يمكن أن يظهر شكل التعاون هذا في مثال عام 2013م عندما نظم (مركز سالمة لدراسات المرأة) بالشراكة مع مجموعات شبابية أخرى فعاليات ثقافية تعبرعن قيم الحرية والعدالة، وتم نشرها بعد احتجاجات سبتمبر من ذلك العام كجزء من حملة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي. إن نشاط المركز ضمن عمليات التعبئة وتوثيق اعتداءات النظام على المتظاهرين كان سبباً في استهدافه وإغلاقه في العام 2014م ، بالإضافة إلى القيود الناتجة عن انخفاض التمويل الدولي للسودان ما بعد انفصال الجنوب.

    أسفرت احتجاجات سبتمبر 2013م عن ظهور مجموعات شبابية أخرى مثل (ابينا) و (عصينا) و (مرقنا)، وكان لدى الشابات مشاركة بارزة في هذه المجموعات وتلقين نصيبهن من الاعتقالات والاعتداءات. بالاضافة الى مشاركة المجموعات النسائية الأقدم مثل الاتحاد النسائي و (مبادرة لا لقهر النساء) التي تأسست عام 2009، تشكلت أيضًا مجموعات نسائية بالكامل للتعبئة ووضع استراتيجيات ثورية وطرح قضايا المرأة، تنخرط اغلبها الان تحت مظلة المجموعات النسوية السياسية والمدنية (منسم) التي زاد نشاطها خلال انتفاضة ديسمبر 2018.

    المصدر: African Feminism
    دور النساء في ثورة ديسمبر 2018 - 2019م

    فيما يتعلق بالأرقام، يقول البعض، إن ثورة ديسمبر شهدت مشاركة نسائية تفوق 60%. قد يشك البعض أن هذه الأرقام قد تكون مبالغ فيها وليست دقيقة للغاية، لكن حقيقة الموقف، ووفقًا لما هو ظاهر على الأرض، هو أن التساؤل حول هذا الأمر وإقامة دراسات تحليلية حوله هو في حد ذاته نقطة مثيرة للتوقف والتفكير حوله.

    وبعثت ثورة ديسمبر الأمل للكثير من النساء في انتزاع حقوقهن، وتم تتويج ذلك خلال اعتصام القيادة العامة (أبريل – يونيو 2019م) حيث أن منطقة الاعتصام مثلت صورة مصغرة للمجتمع الذي يتوق الشباب إلى بنائه، والذي يصبح فيه التغيير الاجتماعي الذي يسعون إليه حقيقة سياسية. اتخذت  النساء هذه المساحة لمناقشة وتشجيع التغيير الاجتماعي وابتدار حملات توعوية ضد التحرش الجنسي في ميدان الاعتصام وأماكن الاحتجاج وطالبن الشابات اقرانهن من الثوار أن يتبنوا مواقف فاعلة ضد السلوك الذكوري، مع الإشارة إلى الانتفاضة على أنها “ثورة وعي”.

    تميزت هذه الثورة عن باقي الثورات عبر تاريخ السودان باتساع رقعة المشاركة في الحراك حول مختلف ولايات السودان، والدور القوي لتحالفات الأجسام المهنية ولجان المقاومة بالأحياء في مواصلة أساليب الاحتجاج المختلفة. كان للنساء دور في هذه الاجسام تم توثيقه في العديد من التقارير والدراسات.

    دور النساء في مناهضة انقلاب 25 أكتوبر

    أثار الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021 بقيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حراكاً واسعاً، حيث نزل السودانيون إلى الشوارع مرة أخرى لحماية حقهم في المطالبة بحكومة مدنية خالصة ورفض الانقلابات العسكرية. منذ ذلك اليوم كانت هناك حركات تعبئة نشطة من لجان مقاومة الأحياء، العمود الفقري والمحرك وراء الاحتجاجات الجماهيرية التي ما زالت تتواصل الى هذه اللحظة، مما أعاد موضوع المشاركة النسائية إلى سطح التساؤل والدراسة.

    وقد تصدرت النساء الحراك مرة أخرى وكن ضمن الصفوف الأمامية في مواجهة العنف المفرط المستخدم من قبل القوات الحكومية. فكانت الشهيدة ست النفور أحمد من بين 17 شهيداً وشهيدة قتلوا في موكب 17 نوفمبر 2021م بالخرطوم بحري، عندما ارتكبت القوات الحكومية مجزرة ضد المتظاهرين السلميين الرافضين للانقلاب العسكري. وكانت ست النفور قد عُرفت بمشاركتها الفاعلة في الحراك السلمي منذ بداياته، ومواقفها المتفانية التي تداولها العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والدبلوماسيين.

    المشاركة في البناء القاعدي

    ظلت جذوة ثورة ديسمبر حية على مدى ثلاث سنوات، وتنوعت وسائل وأدوات الاحتجاج خاصة عقب انقلاب البرهان في 25 أكتوبر، حيث ظهرت المشاركة الواضحة للمرأة ليس فقط في المسيرات والاحتجاجات، ولكن أيضًا بأدوارها القيادية النشطة في لجان المقاومة والأجسام المهنية، على الرغم من محاولات الديكتاتوريات لاستخدام العنف القائم على النوع الاجتماعي كاستراتيجية للقمع.

    كما أطلقت حركة الاحتجاج الأخيرة مبادرات وحملات تدعم المشاركة النشطة للمرأة في لجان الأحياء، مثل حملة “خشي اللجنة” التي انطلقت عبر دعوة لموكب نسوي في مليونية 19 ديسمبر، وهو اليوم الذي يصادف الذكرى الثالثة لثورة ديسمبر.

    تدعو الحملة لزيادة مشاركة النساء والشابات في لجان المقاومة وعمليات البناء القاعدي، وانتشرت الحملة على وسائل التواصل الاجتماعي وتم تأييدها واعادة نشرها من قبل عدد من لجان المقاومة والصفحات الداعمة للحراك الثوري.

    تواصل فريق (بيم ريبورتس) مع عدد من أعضاء لجان المقاومة في ولاية الخرطوم بخصوص مشاركة النساء والشابات في اللجان، وأفادت عضوة بإحدى اللجان التابعة لتنسيقية لجان مقاومة كرري، أن نسبة التمثيل النسائي متوسطة، وتتراوح بين شابات ونساء وربات منازل، بالإضافة إلى أن المراحل العمرية الأدنى (16-21) شبه خالية من الفتيات.

    وأضافت العضوة، أن تحفيز النساء للمشاركة في اللجان مدعوم، ويشارك أعضاء اللجنة على سبيل المثال في الوقفات الداعية بوقف اضطهاد النساء، ولكن المبادرة بالمشاركة لابد أن تبدأ من النساء أنفسهن.

    وفي نقاش عن التحديات التي تواجه النساء في المشاركة، وضحت عضوة اللجنة أن العقبات في الأصل هي عقبات مجتمعية مثل محدودية حركة الفتيات في حيز الحي، حيث ان اللجان عادة ما تكون مبنية على علاقات اجتماعية و ديناميات الحي. وأضافت:

    في بعض اللجان تتغلغل هذه العقبات للتمظهر في حضور الاجتماعات من عضوية اللجنة المعنية، عادة ما يكون الحضور الفعلي أغلبه من الذكور من الثوار (لجنة الحارة الأولى 2020 كمثال) ويتم توصيل الإناث من الثائرات بمخرجات الاجتماع وتوكيل مهام دعم ميداني ودعائي فقط، مما يحتم تحجيم ومصادرة دورهن في صنع القرار. إن التوعية بأهمية مشاركة النساء في أي عمل ديمقراطي ضرورية لكسر تصورات متوارثة رجعية ومقيدة للنساء.

    علقت عضوة أخرى أنه بالرغم من أن نسبة مشاركة الشابات في لجان المقاومة في زيادة، فإنها لا تخلو من التنميط الجندري في تقسيم المهام حيث أنه عادة ما تذهب مهام تحضير الوجبات والمشروبات إلى النساء بينما يتولى الرجال المهام القيادية مثل إدارة الاجتماعات أو تمثيل اللجنة في التنسيقيات.

    يذكر أن تنميط الأدوار للنساء لا يقتصر فقط على المشاركة بعضوية لجان المقاومة، ولكن يتبين أيضاً في الحراك نفسه، كما كتبت الناشطة سارة معاوية عن تجربتها مع بعض المتظاهرين الذين لجأوا لاستخدام العنف ضدها ومحاولة ضربها، بعدما رفضت التراجع عن الصفوف الأمامية للمظاهرة في ديسمبر الماضي، وتم ذكر التجربة أيضاً على مقال صحيفة نيويورك تايمز.

    هنالك أيضاً زيادة ملحوظة في مشاركة النساء في أدوار قيادية بلجان المقاومة والتنسيقيات، مثل ساجدة المبارك المتحدثة باسم تنسيقية لجان مقاومة كرري داخل السودان، ورانيا مأمون المتحدثة باسم لجان مقاومة مدني.

    ضد كل أدوات القهر

    تم توثيق الاستخدام الوحشي للعنف ضد المرأة كأداة لقمع المتظاهرين منذ عام 2011م خلال مظاهرات معارضة لنظام البشير، واستمر ذلك عندما استخدم أعضاء جهاز الأمن والمخابرات التابع للبشير في مظاهرات 2018-2019 م التحرش الجنسي والاعتداء والتلاعب النفسي كأدوات ليس فقط لإرهاب النساء، ولكن أيضًا عدد كبير من الأسر السودانية عبر زرع الرعب من المشاركة في هذه الاحتجاجات، مما عرض الكثير من الشابات لضغوطات من أسرهن وعدم قبول مشاركتهن في التظاهرات.

    بلغ هذا النمط من الإرهاب ذروته خلال فض اعتصام القيادة العامة في 30 يونيو 2019 م حيث تم الإبلاغ عن العديد من حالات الاغتصاب من قبل قوات المجلس العسكري والتي من ضمنها قوات الدعم السريع التي تُتهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور. هذا بالإضافة إلى تقارير عديدة عن الضرب والعنف ضد المرأة، والتي استمرت حتى بعد الانقلاب الأخير وتحديداً في القمع الذي حدث حول القصر الرئاسي خلال تظاهرات 19 ديسمبر2021م.

    هذه الأدوات القمعية لم تنجح في إرهاب النساء، بل أدى ذلك إلى تظاهرات ووقفات احتجاجية في الخميس 23 ديسمبر، حيث وقف المتظاهرين والمتظاهرات في العديد من مدن السودان تنديدا بجرائم العنف والانتهاكات الجنسية التي تُتهم بها القوات الحكومية، ولدعم الناجيات والناجين من هذه الانتهاكات، وتسليم مذكرة إلى المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالسودان.

    موكب مناهضة العنف والانتهاكات الجنسية 23 ديسمبر 2021 - تصوير: (بيم ريبورتس)

    إقرأ المزيد: كيف استخدمت القوات الحكومية الإغتصاب سلاحاً في السودان؟ – تقرير بيم ريبورتس عن الانتهاكات الجنسية إبان تفريق مظاهرات 19 ديسمبر.

    مشاركة فاعلة أم داعمة؟

    صورت الكثير من التحليلات دور المرأة على أنها أكثر دعمًا وتحفيزًا للرجال، وهي ثقافة تعود إلى التقاليد القديمة حيث كان للمرأة أدوار مهمة في تشجيع الرجال في زمن الحرب مثل ما تفعله الحكامات في بعض مناطق السودان، والتي ظهرت في قصائد تدعم سمات الشجاعة والصمود. يُنظر إلى هذه الثقافة على أنها امتدت إلى ثورة ديسمبر حيث كانت الهتافات والزغاريد النسائية مصدرًا للقوة والشجاعة لمعظم الناس في الاحتجاجات.

    كان للنساء السودانيات مشاركات منذ القدم في مناهضة الاحتلال الأجنبي والديكتاتوريات العسكرية، ومشاركتهن في الثورات السودانية عبر التاريخ، التي تمظهرت منذ اندلاع ثورة ديسمبر في عام 2018م، وهذا يشمل – على سبيل المثال لا الحصر – تفانيهن في مواصلة المشاركة في الاحتجاجات والتظاهرات الجماهيرية بالرغم من القمع المتواصل، وأدوارهن في لجان المقاومة والأجسام القاعدية والمهنية.

    :مراجع
    1. Gada Kadoda & Sondra Hale (2015) Contemporary youth movements and the role of social media in Sudan, Canadian Journal of African Studies / Revue canadienne des études africaines, 49:1, 215-236

    2. Hale, Sondra. “Testimonies in Exile: Sudanese Gender Politics.” Northeast African Studies, vol. 8, no. 2, Michigan State University Press, 2001, pp. 83–128, http://www.jstor.org/stable/41931294.

    3. Liv Tønnessen and Samia al-Nagar (2013) The Women’s Quota in Conflict Ridden Sudan: Ideological Battles for and against Gender Equality

    4. فاطمة القدال – كتاب (شاهدة على مسيرة الإتحاد النسائي السوداني خلال نصف قرن من الزمان).

    عُلَبُ المَوتِ: عبوات “البمبان” القاتلة في السودان

    بيم ريبورتس

    منذ صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم، تشهد الشوارع السودانية تظاهرات سلمية مستمرة، احتجاجاً على سيطرة الجيش على الحياة المدنية في البلاد.

    ففي الخامس والعشرين من أكتوبر، قاد الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، الرئيس السابق لمجلس السيادة الإنتقالي، وقائد الجيش، إنقلاباً على مؤسسات الحكم المدني الإنتقالي، وحل مجلسي السيادة والوزراء الإنتقاليين، وعطل المؤسسات الإنتقالية، وقطع الإنترنت، وعطل صدور بعض الصحف وأوقف بث بعض الإذاعات، واعتقل الوزراء المدنيين بالحكومة الإنتقالية، وعدد من أعضاء مجلس السيادة المدنيين، كما وضع رئيس مجلس الوزراء الانتقالي قيد الإقامة الجبرية.

    ومنذ الإعلان عن هذه الإجراءات الإنقلابية، احتشدت الشوارع بملايين المتظاهرين المناهضين للانقلاب العسكري، الذين واجهتهم الشرطة والأجهزة الأمنية بالقمع والعنف المفرطين.

    استخدمت الشرطة والأجهزة الأمنية أنواع متعددة من الأسلحة النارية، والرصاص المطاطي، والغاز المسيل للدموع.

    في هذا التقرير، يتتبع فريق (بيم ريبورتس)  الجهات  المُصنِعة  لأنواع من الغاز المسيل للدموع الذي تستخدمه قوات الشرطة والأجهزة الأمنية في السودان لقمع المتظاهرين السلميين.  على الرغم من أن الجهات المصنعة تُعرِّف هذه الأدوات بأنها تكنولوجيا “غير قاتلة” إلا أن الأجهزة الأمنية وقوات الشرطة في السودان استخدمتها استخداماً قاتلاً في الكثير من الأحيان.

    مصدر الغاز المسيل للدموع المستخدم لقمع الاحتجاجات السلمية في السودان:

    نشر ناشطون بمواقع التواصل الإجتماعي ومتظاهرون صوراً توضح بعض أنواع عبوات الغاز المسيل للدموع المستخدم لتفريق و قمع التظاهرات السلمية بالسودان.

    تتبع فريق البحث مصدر  هذا النوع من الغاز و توصل إلى إثنين من الشركات المصنعة له، هما :

    1. شركة كوندورناوليتل (Condornaoletal):

    هي شركة تعرف نفسها بأنها تعمل في مجال التكنولوجيا غير القاتلة. الصورة أدناه توضح عبوة الغاز التي تداولت صورها عبر حسابات بعض الناشطين السودانيين.

    • مقر الشركة المصنعة للغاز المسيل للدموع و عبواته: البرازيل
    • طراز العبوة: GL-202
    • طريقة الاستخدام: يجب إطلاقه بواسطة بندقية قاذفة من طراز CONDOR AM-600.
    • نوع الغاز المستخدم: أورثو كلورو بنزيليدين مالونونتريل المعروف ب(CS)

    تأثير الغاز المستخدم على الإنسان:

    حسب تقرير صدر من وحدة الصحة بولاية نيوجيرسي الأمريكية بالعام 2000، فإن للغاز المسيل للدموع المستخدم هنا له عدة آثار قصيرة المدى و آثار مزمنة.

    الآثار قصيرة المدى:

    • يمكن أن يؤدي لمس الغاز إلى تهيج وحرق الجلد والعينين.
    • استنشاق الغاز يمكن أن يؤدي إلى تهييج الأنف والحلق.
    • الاستنشاق أيضا يمكن أن يهيج الرئتين مسببا السعال و ضيق التنفس. يمكن أن يؤدي التعرض العالي للهذه المادة إلى تراكم السوائل في الرئتين (الوذمة الرئوية) ، وهي حالة طبية طارئة و خطيرة، مع ضيق شديد في التنفس.
    • التعرض أيضا يمكن أن يسبب ألمًا حارقًا في العينين ، وانتفاخًا في الجفون ، ودموعًا في العين ، وسيلان الأنف ، والغثيان ، والقيء ، والصداع.

     

    أما الآثار المزمنة فيمكن تلخيصها كالتالي عند التعرض لأورثو كلورو بنزيليدين مالونونتريل:

    • قد يسبب حساسية في الجلد، و إذا تطورت الحساسية يمكن أن يؤدي التعرض المنخفض جدًا في المستقبل إلى الحكة والطفح الجلدي.
    • قد يضر الكبد والكلى.
    • يمكن أن تهيج الرئتين و قد يؤدي التعرض المتكرر إلى الإصابة بالتهاب الشعب الهوائية، بالإضافة إلى السعال والبلغم و / أو ضيق التنفس.

     

    2. شركة مجموعة صناعات شمال الصين المحدودة المعروفة ب (نورينكو):

    • مقر الشركة: جمهورية الصين الشعبية
    • طراز العبوة: NF01
    • طريقة الاستخدام: عن طريق بندقية قاذفة
    • نوع الغاز المستخدم: أورثو كلورو بنزيليدين مالونونتريل المعروف ب(CS)
    صورة توضح شعار الشركة و إسمها على العبوة

    منتجات شركة نورينكو ذات سمعة سيئة فيما يخص حقوق الإنسان. ففي العام 2008 قامت مملكة تايلاند بتدمير مخزونها بالكامل من منتجات نورينكو من الغاز المسيل للدموع، بعد أن أدت انفجارات عبوات الغاز المسيل للدموع إلى مقتل 3 أشخاص على الأقل في احتجاجات شعبية.

    العديد من عبوات نورينكو تحتوي على كمية صغيرة من المتفجرات لتفجير عبوة الغاز وفتحها  ، تضم العلبة الواحدة بداخلها ثلاثة عبوات صغيرة تحتوي على المادة الفعالة، وبالتالي تسهم هذه التركيبة في تفريق الغاز بشكل أسرع وأكثر انتشارا وعبر مساحة أكبر من معظم قنابل الغاز الأخرى.

    تشير بعض المصادر إلى أن هذا النوع من الغاز يتم تصنيعه محليا بهيئة التصنيع الحربي السودانية (المعروفة باليرموك). والتي تحول اسمها إلى (منظومة الصناعات الدفاعية ). كما ذكرت تقاريرٌ أن منظومة الصناعات الدفاعية بالسودان قد حصلت على توكيل صناعي لتصنيع بعض أسلحة شركة نورينكو الصينية.

    استخدام الغاز المسيل للدموع كسلاح قاتل:

    يؤكد شهود العيان، والعاملين بالحقل الصحي في السودان أن قوات الشرطة تُصوِّب عبوات الغاز المسيل للدموع مباشرة على أجساد المتظاهرين السلميين مما يجعله سلاحا قاتلا. وعزز تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” بتاريخ 23 نوفمبر، هذا الأمر، واعتبره عنفا غير مصرح باستخدامه.  ووفقاً للتقرير الميداني الصادر عن لجنة أطباء السودان المركزية، بتاريخ  26 نوفمبر، والخاص بتوثيق إصابات موكب مليونية 25 نوفمبر  فإن إجمالي عدد الإصابات يلغ 63 حالة، تضمنت 9 حالات اختناق بالغاز المسيل للدموع، بالإضافة إلى 22 حالة إصابة نتجت عن تصويب مباشر لعبوات الغاز المسيل للدموع تجاه المتظاهرين السلميين، منها 19 إصابة في الرأس، و 3 إصابات بالعين، تسببت إحداها في  فقدان عين أحد المصابين. أي أن مجموع الإصابات  الناجمة عن إستخدام الغاز المسيل للدموع يعادل نصف عدد الإصابات تقريبا في موكب 25 نوفمبر 2021 فقط.

    قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها تعليقاً  على استخدام الغاز المسيل للدموع:

    "يُسمح باستخدام الغاز المسيل للدموع للسيطرة على الحشود عندما يتحول الاحتجاج إلى أعمال عنف، يجب ألا تستخدم القوات الغاز المسيل للدموع إلا عند الضرورة ولمنع المزيد من الأذى الجسدي؛ وحيثما أمكن، يجب عليهم إصدار تحذيرات قبل إطلاقها"
    رسم يوضح الطريقة المصرح بها لإستخدام قاذف الغاز المسيل للدموع

    حسب دليل الاستخدام الخاص بشركة كوندورناوليتل البرازيلية، فإنه عند استخدام الغاز المسيل للدموع الذي تنتجه الشركة، فيجب توجيه البندقية القاذفة للعبوة بزاوية حادة بدرجة 45 على بعد يبدأ من 90 إلى 120 مترا. و حذر الدليل من أن يتم توجيه القذيفة لأجساد المتظاهرين لأنه سيتحول من سلاح غير قاتل إلى سلاح قاتل.