ما الانتهاكات التي ارتكبتها “القوات النظامية” بحق مُناهِضي انقلاب 25 أكتوبر في السودان؟

منذ صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم، احتشدت شوارع السودان بعشرات الآلاف من المتظاهرين السلميين المناهضين للانقلاب الذي قاده الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وفي المقابل حشد البرهان الجيوش لقمع المسيرات الرافضة لانقلابه والمُطالِبة بالحكم المدني.

حاول البرهان والقوى الإنقلابية تثبيت أركان سُلطة الأمر الواقع بقوة السلاح والبطش، لكن ذلك لم يثنِ عزم الشارع ومده المتصاعد، وانتظمت المقاومة السلمية المتنامية في قرى ومدن السودان بمواكب الرفض والاحتجاج، التي لم تهدأ منذ فجر الإنقلاب، بالرغم من القمع المفرط الذي واجهته.

في الرابع والعشرين من ديسمبر -بعد شهرين من الانقلاب- وفي محاولاته لتحجيم تمدد الرفض الشعبي لانقلابه على السلطة المدنية، أصدر الفريق أول عبدالفتاح البرهان أمر الطوارئ رقم (3) والذي فوض بموجبه “القوات النظامية” بقمع المظاهرات السلمية من خلال منحهم الحصانة من المساءلة القانونية، بجانب سلطة الاعتقال والتفتيش ودخول الأماكن.

وتشمل “القوات النظامية” المشار إليها في أمر الطوارئ، قوات الشرطة، والقوات المسلحة، والدعم السريع وجهاز المخابرات العامة.

أطلق أمر الطوارئ رقم (3) يد القوات الحكومية في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق التجمعات والمواكب السلمية المُناهِضة للانقلاب العسكري.

ويلاحظ المراقب للأوضاع في السودان، إن القمع الذي ووجهت به مظاهرات يوم 30 ديسمبر السلمية بأمدرمان، بدا وكأنه تدشين لعهد جديد من القمع العنيف ضد المتظاهرين السلميين، بعد أن مُنحِت “القوات النظامية” الحصانة من المساءلة القانونية في الأفعال التي ترتكبها بالمخالفة للقوانين السارية ومعاهدات حقوق الإنسان.

يرصد هذا التقصي ، الجرائم الموثقة بأدلة رقمية التي ارتكبتها القوات النظامية منذ يوم 25 أكتوبر 2021م وحتى منتصف يناير 2022م.

جمعنا الأدلة الرقمية المرفقة مع هذا التقصي من خلال استخدام تقنية البحث في المصادر المفتوحة.

الجرائم الموثقة بأدلة رقمية التي ارتكبتها القوات النظامية منذ يوم 25 أكتوبر:

1- القتل:

قتلت القوات النظامية (الجيش، الشرطة، الدعم السريع، المخابرات العامة) منذ يوم 25 أكتوبر 2021م وحتى يناير الحالي (64) من المتظاهرين السلميين، بحسب الإحصائيات التي أعلنتها وزارة الصحة بولاية الخرطوم، ولجنة الأطباء المركزية.

 وتبين الأدلة المرفقة أن الإصابات كانت مباشرة وتستهدف الرأس والصدر والعنق، أي أن الهدف منها كان القتل وليس التعطيل.

تبين الوثيقة الطبية التالية أنواع الإصابات

و تبين الأدلة التالية، أيضاً، الاستهداف المباشر للمتظاهرين

لا جريمة أفدح من القتل في كل الشرائع والتشريعات وجميع القوانين والأعراف.

وتنص المادة 6 (1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية- والسودان طرف فيه- على أن “الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان. وعلى القانون أن يحمي هذا الحق. ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفاً”.

وقعت جميع حالات القتل، المشار إليها، خلال قمع القوات العسكرية للمظاهرات السلمية، ما يعني أن القتل استهدف أشخاصاً كانوا يمارسون حقهم في التعبير والتجمع السلمي، ومن المعروف أن هنالك قواعد تحكم استخدام القوة لتفريق التجمعات السلمية أو غيرها .

كما أن هناك قيود قانونية تحكم حدود استخدام استخدام القوة من قِبل “موظفي إنفاذ القانون”. وعلى سبيل المثال، فإن وثائق دولية مثل (مدونة قواعد السلوك للموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين) و(المبادئ الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من جانب الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين‏) قد حددتها شروط استخدام القوة لتفريق التجمعات السلمية.

"علاوة على شروط استخدام القوة لتفريق التجمعات السلمية والقواعد الضابطة له، فإن تفريق التجمعات السلمية نفسه يعتبر مخالفاً للقانون، نظراً لأن الحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والتعبير من الحقوق المكفولة بموجب القانون الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان، ولهذا الحق أهميته في سبيل تحقيق التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية"

محمد عثمان، الخبير القانوني والباحث المختص بالسودان في منظمة (هيومن رايتس ووتش)

ويضيف عثمان في تصريح خاص لـ(بيم ريبورتس)، بموجب القانون الدولي، تقع على عاتق الدول التزامات ثلاث لحماية الحق في التعبير والتجمع السلمي، وهي:

  • الإحجام عن ارتكاب الانتهاكات، بما في ذلك الاستعمال المفرط للقوة
  • ضد أفراد يمارسون حقهم في التجمع السلمي والتعبير وتكوين الجمعيات؛
  • حماية الأفراد الذين يمارسون هذه الحقوق من التجاوزات التي ترتكبها الجهات الفاعلة من غـير الـدول؛
  • إحقاق هذه الحقوق باتخاذ تدابير إيجابية لمنع حدوث أي انتهاكات، وكفالة تمكـن الجميع من ممارسة هذه الحقوق بحرية وفعالية.
  • وعندما تحدث الانتهاكات، تكـون الدولـة ملزمة بإجراء تحقيق شامل في هذه الأفعال وتوفير سبل انتصاف فعال للضحايا .
  • وفي حال أخفقت الدولة في التزاماتها الموضحة أعلاه، فهي تخضع للمساءلة أيضاً.

استخدام أسلحة محرمة في المدن :

تبين الأدلة الرقمية المرفقة ان القوات الأمنية والعسكرية التي فرقت مظاهرات يوم 30 ديسمبر بأمدرمان، وما بعدها، استخدمت أنواع من الأسلحة التي لا يجوز استخدامها في المناطق المأهولة بالسكان.

الفيديو المرفق أعلاه، أدلة تبين نوع السلاح المستخدم لتفريق التظاهرات السلمية بمحيط شارع الشهيد عبد العظيم (الأربعين سابقاً) بأمدرمان في يوم 30 ديسمبر 2021م، وفي منطقة حلة حمد بالخرطوم بحري، في يوم 13 يناير 2022م.

وطبقاً لإفادة الخبير العسكري، المقدم ركن بحري (معاش) عمر أرباب، لـ(بيم ريبورتس)، فإن هذا السلاح المثبت على متن العربة اللاندكروزر المبينة في الأدلة أعلاه، هو

مدفع 12.7 (دوشكا) وهو سلاح مضاد للطيران، وهو في الأصل سلاح روسي، ولكن أصبح يُصنع في كثير من بلدان العالم، والسودان من الدول المصنعة لهذا النوع من السلاح

ويفيد أرباب بأن هذا السلاح "متوفر لدى كل الأجهزة الأمنية في السودان (الجيش، والشرطة، والدعم السريع، وجهاز المخابرات)، ولكنه أكثر استخداماً من قِبل الجيش والدعم السريع".

وفيما يتعلق بالجهات العسكرية التي تستخدم هذا النوع من السلاح، يفيد أرباب بأن هذا السلاح "متوفر لدى كل الأجهزة الأمنية في السودان (الجيش، والشرطة، والدعم السريع، وجهاز المخابرات)، ولكنه أكثر استخداماً من قِبل الجيش والدعم السريع".

أما بخصوص استخداماته، يقول الخبير العسكري عمر أرباب، انه " لا ينبغي استخدام هذا النوع من السلاح داخل المدن أو المناطق الماهولة بالسكان"، وذلك لفداحة تأثيره.

وتفيد المعلومات حول هذا السلاح بأن سرعة رميه 125 طلقة في الدقيقة، ومدى الرمي 3500 متر، وارتفاع الأهداف الجوية التي يصيبها 2500 متر ويمكنه أن يخترق درعاً بسمك 16 ملم من على بعد 500 متر.

تحدد المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل المكلفين بإنفاذ القانون الحالات التي يُسمح فيها باستخدام القوة.

ومع ذلك، فإن استخدام القوة المميتة له ما يبرره فقط عند حماية الأرواح. ويجب إعطاء تحذير قبل استخدام القوة، مع إتاحة الوقت الكافي لمراعاته.

و في هذا الصدد، يقول الخبير القانوني محمد عثمان "حتى لو سعى بعض المتظاهرين لصد القوات بإلقاء الحجارة عليها، لن يكون لاستخدام الذخيرة الحية ما يبرره".

ويخضع تفريق التجمعات السلمية وغير العنيفة لضوابط محددة بموجب القانون الدولي ، ومن المبادئ الأساسية في هذا السياق، في حالة التجمع المشروع والسلمي لا يجوز استخدام القوة، وإذا توفر سبب وجيه لتفريق تجمع سلمي غير مشروع، يجوز استخدام القوة في حدها الأدنى، ولا يوجد اي سند أو مسوغ لإستخدام القوة المميتة، وتجدر الإشارة هنا إلى انه “مجرد استخدام بعض المحتجين للعنف لا يحوِّل المظاهرة ككل إلى تجمع غير سلمي”، كما ورد في أحد تقارير المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات التابع للأمم المتحدة.

ومهما كان الأمر فإن هذا النوع من السلاح المستخدم في تفريق المظاهرات السلمية، وكذلك فداحة تأثيره وقوته غير قانونيين بتاتاً، ويمثلان جرائم جنائية بموجب القانون الداخلي والدولي، ويجب معاقبة مرتكبيها، وتشمل المعاقبة والمحاسبة موجهي الأوامر والمنفذين معاً .

3- إطلاق الغاز المسيل للدموع بشكل مُوجّه :

تفيد تقارير لجنة الأطباء المركزية، ووزارة الصحة بولاية الخرطوم إلى أن هنالك مئات الإصابات ناتجة عن توجيه عبوات الغاز المسيل للدموع مباشرة على أجساد المتظاهرين السلميين.

وتبين الأدلة المرفقة أعلاه على أن القوات الأمنية والعسكرية تستخدم قنابل الغاز كسلاح موجه، وهذا يعضد فرضية أن القوات الأمنية تستخدم الأسلحة التي بحوزتها للقتل، وليس لتفريق التجمعات، إذ أن استخدام الغاز المسيل للدموع بشكل موجه هو أمر محرم في التشريعات الدولية والإقليمية، لأن الغرض من استخدام ما يعرف بـ(الأسلحة غير الفتاكة) هو تفريق الحشود الخارجة عن السيطرة أو التي جنحت للعنف، وليس للإعتداء أو إلحاق الأذى بالمتظاهرين السلميين.

يقول محمد عثمان، الباحث المختص بالسودان في هيومن رايتس ووتش لـ(بيم ريبورتس)، "حينما يُسمح باستخدام الغاز المسيل للدموع للسيطرة على الحشود عندما يتحول الاحتجاج إلى أعمال عنف، يجب ألا تستخدم القوات الغاز المسيل للدموع إلا عند الضرورة ولمنع المزيد من الأذى الجسدي؛ وحيثما أمكن، يجب عليهم إصدار تحذيرات قبل إطلاقها".

إقرأ أيضاً: المادة الزرقاء – تقرير بيم ريبورتس عن المادة الزرقاء التي استخدمتها الشرطة لتفريق المتظاهرين في السودان

لكن المتتبع لعمليات تفريق المحتجين السلميين في السودان يُلاحظ إن القوات العسكرية لا تصدر أية تحذيرات قبل إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، وكما تبين الأدلة المرفقة أعلاه، فإنها تستخدمه كسلاح موجه لتسبيب الأذى، وتبين إحصاءات وزارة الصحة بولاية الخرطوم، وإحصاءات لجنة الأطباء المركزية مئات الإصابات الناجمة عن التوجيه المباشر لبنادق الغاز على أجساد المتظاهرين. وهذا الاستخدام مخالف للوثائق الدولية المتعلقة باستخدام (الوسائل غير الفتاكة) لتفريق الحشود الخارجة عن السيطرة، ومخالف أيضاً لتوجيهات الشركات المُصنعة لهذا النوع من الأسلحة.

إقرأ المزيد: علب الموت – تقرير بيم ريبورتس عن عبوات الغاز المسيل للدموع المستخدم بالسودان

الإعتداءات على المرافق والطواقم الطبية:

سجلّت الإحصاءات التي أعلنتها وزارة الصحة بولاية الخرطوم و لجنة أطباء السودان المركزية (18) حالة إعتداء على المرافق الطبية والعاملين بالحقل الصحي والطبي، منذ وقوع الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، وحتى مطلع يناير الحالي، جميع الإعتداءات المذكورة شنتها القوات الأمنية والعسكرية، وشملت هذه الإعتداءات ضرب وإيذاء بدني للكوادر الطبية والمسعفين والعاملين بالحقل الصحي، واعتداءات على مصابين، ومنع وصول عربات الإسعاف، بجانب إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع داخل المستشفيات والمرافق الصحية.

وتُبيّن الأدلة المرفقة حالات إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع داخل مستشفى الخرطوم، كما تبين البيانات اعتداءات على  عدد من المشافي منها مستشفى الأربعين بأمدرمان ومستشفى الخرطوم، وفي حالات تم اعتقال مصابين من داخل تلك المشافي، وأدان المجلس القومي السوداني للتخصصات الطبية تلك الاعتداءات.

يمثل الاعتداء على المرافق والطواقم الطبية، لا سيما استخدام الغاز المسيل للدموع داخل المستشفيات أحد المحظورات والجرائم المحرمة بموجب القانون الدولي.

ولاقت الاعتداءات المتكررة على المرافق الصحية والعاملين بها وطالبي الرعاية الصحية، انتقادات واسعة النطاق على الصعيدين المحلي والدولي، وفي هذا الصدد قال الدكتور أحمد بن سالم المنظري، مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، إن المنظمة تأكدت من 11 اعتداءاً على المرافق الصحية والعاملين فيها، منذ الخامس والعشرين من أكتوبر وحتى منتصف يناير، وطالب السلطات السودانية بايقاف هذه الهجمات فوراً.

وأضاف مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط، في بيان، إن

"هذه الهجمات، التي تستهدف العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى والمرافق الصحية، انتهاكٌ صارخٌ للقانون الإنساني الدولي".

مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط

وكما أشرنا سابقاً، فإن استخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشود يخضع لضوابط معينة، ناهيك عن استخدامه داخل المستشفيات وأماكن تلقي العلاج.  وتجدر الإشارة هنا إلى أن سلامة المستشفيات وأماكن تلقي الرعاية الصحية خاضعة للحماية بموجب القانون الدولي، ووفقاً لـ موجهات اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول احترام وحماية الرعاية الصحية في النزاعات المسلحة وفي حالات النزاعات غير المسلحة، فإنه يجب أن “يتمتع الجرحى والمرضى بالحماية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان من محاولات الاعتداء على حياتهم أو العنف ضدهم. بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، يقع على عاتق الدول التزام غير قابل للتقييد بعدم إخضاع أي أفراد يخضعون لولايتها القضائية أو سيطرتها للحرمان التعسفي من الحياة.”

إن استخدام الغاز المسيل للدموع داخل حرم المستشفيات وفي غرف تلقي الرعاية الصحية يعرض حياة المرضى داخل هذه الأماكن للخطر، كما يعرض حياة الأطباء والمسعفين للخطر، وهذا يندرج في بند الجرائم التي يعاقب عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي حالات النزاعات المسلحة فإنه يعتبر مخالفا للقانون الدولي الانساني، كما يؤكد لـ(بيم ريبورتس) الباحث المختص في الشأن السوداني بهيومن رايتس ووتش، محمد عثمان.

ووفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإن قتل الجرحى والمرضى، بجانب الأعمال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو إصابة خطيرة بالجسد أو بالصحة العقلية أو البدنية، قد ترقى إلى مرتبة الجرائم ضد الإنسانية. في ظروف معينة، قد يشكل الحرمان من العلاج الطبي معاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة، أو حتى تعذيباً إذا تم استيفاء المعايير اللازمة.

5- إغلاق خدمات الإنترنت والإتصالات الهاتفية:

منذ صبيحة الانقلاب العسكري في الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم، وحتى اليوم، درجت السلطة الانقلابية على اغلاق خدمات الإنترنت والاتصالات الهاتفية، بدءاً بالإغلاق الكامل لكافة البلاد وصولاً لإغلاق ولايات بعينها.

 ومنذ يوم 30 ديسمبر أصبح الإغلاق يستهدف ولاية الخرطوم، حيث تتصاعد وتيرة المظاهرات السلمية المناهضة للانقلاب، ويهدف هذا الإغلاق إلى منع المتظاهرين والناشطين من التشبيك فيما بينهم، ومن ثم منعهم من مشاركة و توثيق الانتهاكات التي ترتكبها القوات الأمنية بحقهم.

تبين الأدلة التالية تواريخ وفترات إغلاق الإنترنت في السودان.

أن الحق في الحصول على المعلومات، والحق في حرية الرأي والتعبير والنشر من الحقوق المكفولة بموجب (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)، و (الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب) والسودان طرف في كلا الميثاقين، وتقع عليه التزامات دولية بموجبهما. ومن المعروف إن مخالفة الالتزامات الدولية ، تعتبر جريمة، وتضع الدولة تحت طائلة المساءلة.

6- إغلاق الجسور والمعابر بين المدن ومنع عربات الإسعاف:

درجت اللجنة الأمنية بولاية الخرطوم، والتي يرأسها والي الولاية، على إغلاق الجسور والمعابر الرابطة بين مدن الولاية الثلاثة (الخرطوم، الخرطوم بحري، أمدرمان). توجد في الولاية (9) جسور، تغلق اللجنة (7) منها طوال أيام المظاهرات.

ويقع إغلاق الجسور والمعابر تحت طائلة تقييد حرية التنقل والحركة، كما أن منع عربات الإسعاف يقع تحت طائلة التقصير والتقاعس عن توفير الحماية للمرضى وطالبي الرعاية الطبية العاجلة.

ويقول الباحث المختص بالسودان في هيومن رايتس ووتش، محمد عثمان، لـ(بيم ريبورتس)، "في حال أدت عملية إغلاق الجسور والمعابر إلى عرقلة الوصول للرعاية الطبية، ونجم عن ذلك الوفاة، فإن هذا الأمر يشكل انتهاكا للحق في الحياة".

ومن المعروف أن انتهاك الحق في الحياة من الجرائم التي تستوجب العقوبة والمساءلة في القوانين المحلية والإقليمية والدولية.

7- الاعتداءات على الصحافيين و الطواقم الإعلامية:

منذ صبيحة الإنقلاب، في الخامس والعشرين من أكتوبر المنصرم، وحتى منتصف يناير الحالي، وقعت العشرات من حالات العنف والانتهاكات بحق الصحافيين ووسائل الإعلام، تراوحت بين الإعتداءات الجسدية والإيذاء البدني، والإصابات بالرصاص المطاطي والغاز المسيل، والنهب وإتلاف المعدات ، و الاعتقالات، واقتحام المكاتب الإعلامية، والاستدعاءات الأمنية.

قُبيل الانقلاب بساعات، اقتحمت قوات عسكرية مكاتب التلفزيون الحكومي واستبدلت طاقمه بطاقم موالٍ لقادة الإنقلاب، كما نفذت ذات الاقتحام على مكاتب وكالة السودان للأنباء (الرسمية) واستبدلت طاقمها الإداري أيضاً، واعتقلت القوات الأمنية والعسكرية ثلاث صحافيين.

ومنذ اندلاع المظاهرات السلمية المناهضة للانقلاب، اعتقلت السلطات 12 صحفياً وصحفية أثناء تأدية عملهم في تغطية المظاهرات، وأصيب ثلاثة صحافيين بإصابات بالغة بعبوات غاز مسيل ورصاص مطاطي وضرب بالهراوات، وتعرض 14 صحافياً وصحافية للاعتداءات والإيذاء البدني والنفسي ومحاولات الدهس بالمدرعات العسكرية، وجرى استدعاء صحافيان لمكاتب جهاز المخابرات، واقتحمت الأجهزة الأمنية والعسكرية مكاتب 4 قنوات إعلامية، وفي إحدى الحالات تم منع مراسلة تلفزيونية من إكمال مداخلة على الهواء مباشرة.

وأغلقت السلطات مكتب (قناة الجزيرة) مباشر، وسحبت ترخيص الصحفي المسؤول عنه.

يقع على عاتق وسائل الإعلام دور كبير خلال فترات الاحتجاجات السلمية، فهي التي تعكس أصوات المحتجين وفي نفس الوقت يمكن أن تكون أداة لمراقبة سلوك أجهزة إنفاذ القانون، إلا ان الحكومات التسلطية لا ترغب في هذه الأدوار من وسائل الإعلام، فهي تريدها أبواق دعاية، وإذا خالفت الدور المتوقع منها فتقع ضحية عنف السلطات.

إن الإعتداءات على وسائل الإعلام والصحافيين والمصورين وغيرهم من العاملين في الحقل الإعلامي يعرقل العمل الحر للصحافة ووسائل الإعلام.

إقرأ المزيد: قمع الإعلام – تقرير بيم ريبورتس عن تصاعد حملات قمع الإعلام عقب إنقلاب 25 أكتوبر في السودان

وطبقاً لإفادة الباحث المختص بالسودان في (هيومن رايتس ووتش) محمد عثمان، فإن "عرقلة وتقييد حرية الصحافة والإعلام يعتبر جريمة بموجب القانون الدولي"، لجهة أن السودان طرفاً في مواثيق دولية تضمن حرية الإعلام والصحافة والحق في التعبير.

8- التعذيب والإيذاء البدني بما في ذلك دهس المتظاهرين بالمُصفحات العسكرية:

استخدمت القوات الأمنية والعسكرية التعذيب والضرب والعنف وصنوف مختلفة من الإيذاء البدني بطريقة ممنهجة لكسر شوكة التظاهرات السلمية، وتبين الأدلة المرفقة مدى العنف والأذى الذي تمارسه القوات الأمنية والعسكرية بحق المتظاهرين السلميين.

وتبين الأدلة التالية فداحة الإيذاء المُتعمد عندما تستخدم القوات العسكرية والأمنية العربات العسكرية المصفحة (المدرعات) لدهس المتظاهرين السلميين.

العربة الموضحة في الصورة أعلاه مدرعة عسكرية تتبع للجيش السوداني، وكما تبين الصورة رقمها (41)، استخدمت لدهس المتظاهرين السلميين في محيط شارع الأربعين في امدرمان خلال تفريق مظاهرات مليونية 9 يناير.

إن التعذيب والإيذاء البدني يعتبر من الممارسات المحرمة بموجب القانون الدولي، والسودان طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب وتقع على عاتقه بموجب هذه الاتفاقية منع التعذيب ومعاقبة مرتكبيه.

إقرأ المزيد: الإغتصاب سلاحاً – تقرير بيم ريبورتس عن استخدام القوات الحكومية الإغتصاب سلاحاً في السودان

 إلا ان سلوك الأجهزة الأمنية والعسكرية في السودان لا يتسق مع التزامات السودان الدولية، علاوة على ذلك، فإن القانون السوداني لا يتناول شيئاً عن تجريم التعذيب.

وفي هذا الصدد يقول الباحث المختص بالسودان في هيومن رايتس ووتش، محمد عثمان "ظلت هناك اشكالية طويلة تتعلق بغياب تجريم للتعذيب من قبل الأجهزة الأمنية ضمن القانون السوداني وبشكل يتوافق مع تعريف التعذيب تحت القانون الدولي".

هذه القائمة من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمنية والعسكرية بحق مناهضي انقلاب 25 أكتوبر، والتي تصاعدت بعد أن مُنحت هذه القوات الحصانة، تقع جميعها في إطار الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، والتي يجرمها القانون الدولي، والتشريعات المحلية.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع