كيف تراجع المركزي عن سياسة تعويم الجنيه السوداني تحت غطاء الأخبار المضللة ؟

مع تزايد حدة الأزمة الاقتصادية التي أعقبت انقلاب 25 أكتوبر، أعلنت (اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية) برئاسة قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في السابع من مارس المنصرم، “توحيد سعر صرف” الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية. 

بينما كان من المنتظر، أن يُسهم القرار، حسب بيان لبنك السودان المركزي في استقرار سعر الصرف، شهد سوق العملات الأجنبية الرسمي والموازي، حالة من الاضطرابات، كان على رأسها تراجع كبير لقيمة الجنيه السوداني. 

والخميس قبل الماضي، بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه في نافذة (بنك الخرطوم) (647) جنيهاً للشراء و(651.8) للبيع، فيما تراوح سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه في السوق الموازي بين (680) و(720) جنيهاً، ضمن سياسة البنك السودان المركزي التي قضت بتعويم الجنيه.

لكن، بعد نحو 3 أسابيع من إقرارها، تراجع البنك المركزي عن سياسة (توحيد سعر الصرف)، بعد رحلة انهيار متسارع للجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي، انخفض فيها سعر الصرف لـ(800) جنيه لكل دولار أمريكي، بالسوق الموازي.

وكانت الحكومة الانتقالية، برئاسة رئيس الوزراء السابق، عبدالله حمدوك، وحدت سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية في فبراير 2021م، وهي السياسة التي ساهمت في استقرار سعر الصرف لنحو 8 أشهر، بعد استقبال قدر من المساعدات والهبات الأجنبية، بالإضافة إلى تحويلات المغتربين.

في خضم نشاط إعلامي صاحب قرار تعويم الجنيه، بدأ الترويج لإستقبال بنك السودان المركزي لودائع بمليارات الدولارات، حيث تداول مستخدمون بمواقع التواصل الاجتماعي منشورات عديدة تتحدث عن حصول بنك السودان المركزي على وديعة مليارية.

وجدت هذه المنشورات والأخبار تفاعلاً كثيفاً بين السودانيين، حيث رحب البعض بالخطوة، فيما نبّه آخرون إلى عدم صحتها.

كانت وكالة السودان للأنباء ـ سونا، في قلب تفاعلات الأخبار التي تتحدث عن أموال في طريقها إلى خزينة بنك السودان المركزي، حيث نشرت يوم الخميس قبل الماضي، خبراً عن اقتراب جنوب السودان من إكمال دفع مبلغ 3.2 مليار دولار للسودان.

عنونت وكالة الأنباء الرسمية خبرها كالتالي:

“جنوب السودان تقترب من إكمال دفع المبلغ المستحق للخرطوم وقدره (3.2 مليار دولار)”.

في الوقت الذي يشير فيه عنوان الخبر، إلى أن هناك مبلغ 3.2 مليار دولار في طريقه إلى خزينة بنك السودان المركزي، تنفي تفاصيل الخبر المنشور هذا الإدعاء.

تقصى فريق البحث حول مبلغ الـ 3.2 مليار دولار الذي نقلت خبره (سونا)، ووجد أنه جزء من تسوية، بين السودان وجنوب السودان أطلق عليها (الترتيبات المالية الانتقالية) التزمت بموجبها جوبا بدفع مبلغ 3.028 مليار دولار، بواقع (15 دولار) لكل برميل يتم تصديره عبر الأراضي السودانية.

مصدر ببنك السودان ينفي لـ (بيم ريبورتس)

نفى مصدر مسؤول في بنك السودان المركزي لـ(بيم ريبورتس) استقبال خزينة البنك المركزي لأي دعم إقليمي، أو أي وديعة في حساباته الخارجية أو الداخلية. 

من ناحية أخرى، قال المصدر، إن بنك السودان المركزي، أوقف مزادات النقد الأجنبي في الثامن من مارس المنصرم، وقرر تخصيص النقد الأجنبي للمصارف من البنك عبر غرفة التعامل بالنقد الأجنبي، وهي طريقة بديلة لتخصيص الموارد للمستوردين عبر المزادات.

وأضاف المصدر، أن “غرفة التعامل بالنقد الأجنبي كان قد تم تجريبها في عهد رئيس وزراء النظام المخلوع معتز موسى وأثبتت فشلها”. 

وتابع “حينها، خفض بنك السودان سعر الصرف من 18 إلى 47.5 جنيه للدولار، بالرغم من ذلك، فشل البنك المركزي في الوفاء بطلبات المستوردين”.

شبكة من الحسابات والمواقع تتداول منشور الوديعة:

وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس) أن الخبر الذي نشرته (وكالة الأنباء الرسمية) مقتبس من موقع (فرصة في السودان- Chance in Sudan) الذي أعاد صياغة خبر صحيفة (الشرق الأوسط). 

بمقارنة محتوى خبري موقع (فرصة في السودان) و(سونا)، لم نجد اختلافاً، سوى إيراد سونا لتفاصيل وخلفيات أكثر.

باستخدام أداة (Page source) في متصفح الإنترنت، وجد فريق البحث في (بيم ريبورتس) أن الخبر المنشور على موقع (فرصة في السودان) قبل موقع (وكالة الأنباء الرسمية) بثلاث ساعات. 

الصورة (1) توضح تاريخ و وقت نشر الخبر في موقع (فرصة في السودان)، أما الصورة (2) فتعرض تاريخ و وقت نشر الخبر في موقع (سونا) حسبما يوضح الموقع.