هروباً من أهوال الحرب إلى قيود المعابر…أي مأساة يعيشها السودانيون؟

 

 

تحرك السودانيون، في رحلة بحثهم عن ملاذاتٍ آمنة، نحو الاتجاهات الأربعة لحدود البلاد، إلا أن بعض الدول الجارة والصديقة بدأت  تغلق أبوابها في وجوه الصغار والكبار، ما أضاف إلى معاناة السودانيين رهقاً آخر، في ظل معابر ملؤها الانتظار والمرض ونفاذ ما أمكن ادخاره من أموال.

 

في 15 أبريل، استيقظ السودانيون على وقع أصوات الرصاص والمدافع الحربية، وذلك بعد أن وصلت الخلافات بين قائدي القوات المسلحة والدعم السريع ذروتها، لتتحول إلى معارك دامية، بداية من مروي (شمال السودان) وجنوب العاصمة الخرطوم، وصولا إلى الأبيض( شمال كردفان) وإقليم دارفور، الذي لم تنج ولاياته من لعنة الحرب، ما عدا شرق دارفور.

لكن أول ما سلبته الحرب كان أرواح الناس وأمنهم، ومع تقادم الزمن، شهدت المناطق التي يدور فيها النزاع، خاصة ولاية الخرطوم، ومؤخراً مدينة الجنينة بغرب دارفور، نزوح الآلاف، هرباً من الحرب، وطلباً للأمن، ومتطلبات الحياة الأساسية.

فالخرطوم، منذ اندلاع الصراع فيها، بدأت تفقد أمنها تدريجيا، حيث تحتد المواجهات المسلحة ويتسع نطاقها، علاوة على الفراغ الأمني الذي امتدت تداعياته لحوادث احتلال البيوت من قبل قوات الدعم السريع، بالإضافة  لأعمال النهب والترويع التي طالت المواطنين داخل منازلهم. 

 

الوجهات 

 

خلفت الحرب، منذ بدايتها، أوضاعاً مأساوية. الأمر الذي حدابالدول الأخرى للعمل والتنسيق من أجل إجلاء رعاياها، حيث دخل مبعوثوها في عمليات تواصل مع طرفي الصراع في السودان، للمطالبة بهدنة من أجل ضمان عمليات الاجلاء بأمان.

 وفي 11 مايو أعلنت المملكة العربية السعودية – التي بادرت برعاية عمليات اجلاء الأجانب في السودان – عن إكمال عمليات إجلاء مواطنيها ورعايا الدول الأخرى من السودان، تم ذلك بالتزامن مع حركة نزوح كبيرة من مدينة الخرطوم. اختلفت وجهات السودانيين، فمنهم من توجه شمالاً نحو مصر أو شرقاً نحو إثيوبيا وغربا نحو تشاد، بينما اختار الكثير النزوح نحو مناطق أقل خطرا ومدن أخرى داخلية.

 

رحلة غير مأمونة 

 

واجه النازحون في رحلاتهم أهوالاً ومصائر مجهولة، فالطرق لم تكن آمنة بسبب انتشار الجنود المسلحين ونقاط التفتيش، حيث تعرض البعض لحوادث ترهيب ونهب أو اعتداءات في المسارات التي سلكوها للوصول إلى مناطق أقل خطراً.

لم تكن الخرطوم مستعدة للحرب التي أتت مباغتة للجميع، وكان لذلك تأثيرا جليا على إمكانية تحرك المواطنين، وحصولهم على وسائل تنقل آمنة.

واجه السواد الأعظم من سكان الخرطوم صعوبات جمة بسبب تعطل الخدمات المصرفية وانعدام السيولة، علاوة على شح الوقود وارتفاع أسعار تذاكر السفر البري إلى 10 أضعاف .

وبالرغم من جميع العراقيل، إلا أن النازحين تمكنوا من الوصول لمناطق متفرقة داخل السودان، وكانت المدن الشرقية والشمالية والجنوبية هي المنفذ لدول الجوار، حيث توجه البعض للقضارف للعبور إلى أثيوبيا أو شمالاً نحو حلفا للوصول لجمهورية مصر العربية. 

 

الرحلة إلى مصر

 

يعتبر أبو بكر الحسن نفسه من القلة المحظوظة، فبالرغم من الصعوبات التي واجهها ليصل إلى عائلته في مصر إلا أنه يرى أوضاعه أقل تعثراً بالنظر للمسافرين في مدينة حلفا. فالحسن قد  اختار أن يحصل على التأشيرة عن طريق القنصلية المصرية في مدينة بورتسودان، نظراً للأعداد الكبيرة التي سبقته إلى حلفا. وبالرغم من أنه شرع في تنفيذ إجراءات الحصول على تأشيرة الدخول، منذ ما يقارب الشهر، إلا أنه لم يتمكن من الحصول عليها حتى الآن.

يصف الحسن الأوضاع في مدينة بورتسودان بالصعبة، حيث أن الإيجارات مرتفعة للغاية وتصل إلى 30 ألف جنيه لليوم الواحد، وكل يوم جديد في الانتظار يعد حملاً مادياً على القادمين من الخرطوم.

وفي مدينة حلفا ومعبر أرقين البري (الرابط بين السودان ومصر) تكدس المواطنون في انتظار الحصول على تأشيرة، وسط أوضاع مأساوية وشكاوى من تردي الخدمات وبطء الإجراءات المطلوبة للدخول، يذكر أن إجراءات الحصول على التأشيرة لبعض الأشخاص قد استغرقت أكثر من شهر ولم يتمكن البعض الآخر من إكمال إجراءاته حتى اللحظة.

 

تجميد الوثائق المؤقتة 

 

وكانت الخارجية المصرية قد أعلنت، في 25 مايو، عن  توقف التعامل بوثائق السفر المؤقتة، والتي كانت هي الأمل الوحيد للسودانيين الذين لم يتسنى لهم تجديد جوازاتهم أو إحضار مستنداتهم الرسمية اللازمة للسفر.

ولاحقاً أعلنت الخارجية المصرية عن اشتراطات جديدة لدخول السودانيين لأراضيها، ودخلت حيز التنفيذ في 10 يونيو الجاري. والتي اقتضت الحصول على تأشيرة مسبقة لجميع السودانيين، حيث أُلغي الاستثناء الممنوح للنساء  والأطفال وكبار السن، بإمكانية الدخول لمصر دون الحصول على تأشيرة مسبقة، وذلك ضمن التزامها باتفاقية (الحريات الأربع) الموقعة بين السودان ومصر في 2004، والتي تنص على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك لكافة المواطنين بين البلدين.

لكن على النقيض من ذلك، نشرت قنصلية مصر في وادي حلفا تعميماً يلزم جميع السودانيين الراغبين بالدخول إلى مصر، بضرورة ملء استمارة طلب الحصول على تأشيرة، وأخرى تتضمن بيانات الأموال التي بحوزتهم، إلى جانب بيانات الأقارب والمعارف الموجودين بمصر، والموعد المتوقع للعودة إلى السودان.

 

لاقت الخطوة استياءاً حقوقياً في مصر، حيث علقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، عبر بيان لها، عن أسفها بشأن هذا التعميم. وقالت أن القرار قد يمثل شرارة تشعل كارثة إنسانية ذات أبعاد عديدة، كما دعت الشبكة حكومة مصر إلى إعادة النظر في القرار. 

 

اللجوء غرباً…إلى تشاد 

 

أصبحت عملية حصر الفارين إلى مدينة أدري التشادية بالغة الصعوبة، فهناك من وصل بصحة جيدة وآخرون مصابون؛ بإصابة وقعت في مدينة الجنينة، أو في الطريق نحو تشاد. كما قُتلت أعداد كبيرة في خلال هذه الرحلة” – هكذا صرح مسؤول رفيع  بولاية غرب دارفور،  وشاهد عيان – فضل عدم ذكر اسمه – لـ( بيم ريبورتس).

حولت المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع إقليم دارفور وولاية غرب دارفور بصورة خاصة، إلى بؤرة صراع بين عدد من المجموعات المسلحة، حيث  تشهد ولاية غرب دارفور أوضاعاً أمنية بالغة التعقيد، وتعد الأسوأ على الإطلاق حتى الآن.

وكان التقرير الصادر عن الهيئة النقابية لأطباء غرب دارفور، في 8 يونيو، قد وضح  أن حصر القتلى والجرحى قد تعذر عليها، في ظل تعدد أسباب الموت والوضع الأمني الكارثي الذي تقاسيه المنطقة.

لتصدر تقريراً لاحقاً، يقدر عدد الضحايا، في الفترة ما بين 24 أبريل إلى 12 يونيو، بالـ 5 آلاف شخص، فيما فاقت الإصابات الـ 8 آلاف. حيث وضعت الأزمة المواطنين بغرب دارفور أمام هجرة قسرية نحو الحدود التشادية وخلال الشهر المنصرم وثقت تقارير ووسائط عدداً من حركات النزوح الجماعية سيراً على الأقدام .

وينزح الأهالي في ظل أوضاع صعبة، نتيجة للحصار الواقع على المنطقة ووصفت الهيئة النقابية في بيان آخر، في 10 يونيو، الانتهاكات التي تعرض لها السكان حتى عند محاولة الفرار، حيث تعرض بعضهم لمنع مغادرة المناطق المنكوبة بفعل الحصار، علاوة على منع وصول المساعدات الاهلية من المحليات المجاورة .

 

السودانيون دون غيرهم

 

شرع السودانيون، بالتزامن مع استمرار المواجهات المسلحة، في البحث عن حلول فردية للنجاة من الحرب المتصاعدة في السودان، واتجهوا إلى دول جوار وبلدان عربية للاستقرار، إلى حين انجلاء الأزمة. وفي أحيان أخرى دخول بلدان من أجل العبور لأماكن إقامتهم الأصلية خارج السودان.

لكن سرعان ما أخذت بعض الدول في فرض قيودٍ وقراراتٍ بدت مفاجئة للسودانين، وكانت عاملاً جديداً في مضاعفة معاناتهم وعبء هجرتهم القسرية.

فعلى خطى مصر، أخذت دولة الإمارات خطوة جديدة بشأن دخول السودانيين إلى أراضيها، حيث أوقفت هيئة الجوازات التأشيرة السياحية للسودانيين دون غيرهم، وشمل القرار أولئك المقيمين خارج السودان.

كما أوقفت الهيئة جميع التأشيرات السارية التي حصل السودانيون عليها، حتى من قبل أن يدخل القرار حيز التنفيذ، الأمر الذي أسفر عن وجود أعداد كبيرة من السودانيين العالقين في بلدان كانوا قد ذهبوا إليها من أجل الوصول إلى دولة الإمارات.

قيود حديثة 

 

تجدر الإشارة إلى أنه يمنع، بموجب القانون الدولي، التمييز على أساس الجنسية بشكلٍ عام، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحماية اللاجئين وطالبي اللجوء. ومع ذلك ، هناك حالات قد تفرض فيها الدول قيوداً مؤقتة على التأشيرات أو إجراءات أخرى لبعض الجنسيات بسبب مخاوف أمنية أو ظروف معينة تتعلق بالصراع أو الحرب. وغالبًا ما يتم تنفيذ هذه الإجراءات لأسباب تتعلق بالأمن القومي وتخضع للقوانين الوطنية والمبادئ القانونية الدولية، بما في ذلك عدم الإعادة القسرية لمناطق الخطر.

 

وتعتمد شرعية القوانين التي تضع قيودا للتأشيرات على أساس الجنسية بسبب “الحرب أو النزاع” على عوامل مختلفة، بما في ذلك السياق الذي تفرض فيه القيود، بمراعاة القوانين المحلية والالتزامات الدولية، بالاضافة للطرق التي يتم بها تنفيذ هذه القيود.

 

مخاوف حول الوضع في السودان

 

تثير التعقيدات الأمنية وحدة العنف المتصاعدة منذ اندلاع الحرب قلقاً واسعاً بشأن السودانيين وأوضاعهم، لتضاعف القيود التي وضعتها الدول المجاورة أو تلك التي تقع ضمن وجهات السودانيين العبء الثقيل عليهم أصلاً بسبب الحرب.

 

وكان البرلمان الأوروبي قد عقد، في 14 يونيو الجاري، جلسةً صوت فيها بالأغلبية على قانون يدين الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان ويدعو الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى الاستعداد لتقديم المساعدات الضرورية للسودانيين، بما في ذلك “إصدار وثائق سفر طارئة لمن يلتمسون اللجوء في الخارج”.

ومن المعروف أن القانون الدولي يوفر الأساس القانوني لحماية اللاجئين وحقوقهم ضمن اتفاقية عام 1951 لأوضاع اللاجئين، إلى جانب البروتوكول الإضافي لعام 1967، حيث تعد هي الصك القانوني الدولي الذي يحكم حماية اللاجئين. وتنص هذه الاتفاقيات على حقوق اللاجئين والتزامات الدول بتوفير اللجوء للأفراد الفارين من الاضطهاد.

من المهم ملاحظة أن الاتفاقية لا تفرض التزامًا على الدول بمنح وضع اللاجئ أو توفير إعادة التوطين لجميع الأفراد الذين يلتمسون اللجوء.

 

ومع دخول المواجهات المسلحة حيز الشهر الثالث، يشتد بأس الازمة في السودان، و تتعاظم مخاوف السودانيين يوما عن يوم، حتى بالنسبة لاولئك المتواجدين في مناطق آمنة، وسط مخاوف وإنذارات أممية بتداعيات الحرب والازمة الإنسانية في البلاد.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع