«مرصد بيم» يرصد أبرز حملات التضليل خلال ستة أشهر من الحرب في السودان

أفاق السودانيون، في صباح الخامس عشر من أبريل على وقع أصوات المدافع، وقبل أن يفيقوا من هول الصدمة، طُرحت الأسئلة على منصات التواصل الاجتماعي، من خطط وجهز للحرب؟ ومن أطلق الرصاصة الأولى فيها؟ ومن هم الفاعلين فيها على أرض الميدان، أو في ميدان السياسة؟.

كانت هذه الأسئلة تنتظر أجوبة من القوى الفاعلة، جاء بيان قوات الدعم السريع بعد ثلاث ساعات من اندلاع الحرب حمل فيه الجيش مسؤولية إشعال الحرب وقالت في البيان إنها «فوجئت بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل الى مقر وجود القوات في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم»، وبالتالي، فإن الجيش هو من أطلق الرصاصة الأولى واعتبرت ذلك سببًا للتحرك في جميع أنحاء البلاد. 

استغرق رد الجيش مفندًا 3 ساعات أخرى، متهمًا «الدعم السريع» بمحاولة السيطرة على مواقع استراتيجية تشمل القصر الجمهوري، والقيادة العامة للجيش. وبحسب هذه الرواية، اعتبر أن ما قامت به قوات الدعم السريع تمردًا على سلطة الدولة، وحملها مسؤولية جر البلاد إلى العنف.

ومثلما تبادل أطراف الصراع الاتهامات، جاءت بيانات القوى السياسية لتدلوا بدلوها، حيث أصدرت قوى الحرية والتغيير بيانًا في السادس عشر من أبريل حملت فيه فلول النظام البائد «حزب المؤتمر الوطني المحلول» مسؤولية إشعال الحرب والتخطيط لها، ودعت قيادتي الجيش والدعم السريع إلى وقف القتال فورًا. بينما أصدرت الحركة الإسلامية السودانية، بيانًا أعلنت فيه تأييدها للجيش ونفت مسؤليتها عن إشعال الحرب، وحملت مسؤولية إشعال الحرب إلى من أسمتهم بعملاء الإطاري.

هذه الروايات المتضاربة والاتهامات المتبادلة، شكلت البيئة الأكثر خصوبة لصناعة المعلومات المضللة، وبالتالي نشطت الأطراف في نشر وصناعة معلومات كاذبة ومضللة، تخدم رواياتها للحرب وتروج لدعايتها الإعلامية.

المعلومات المضللة المتعلقة بسير المعارك والسيطرة:

 امتد تضارب الحقائق بين الأطراف المتحاربة من مسؤولية بدء الحرب، إلى السيطرة على الأرض فكانت، «قاعدة مروي الجوية – القصر الجمهوري – الإذاعة والتلفزيون – مطار الخرطوم الدولي»، أكثر المواقع التي تنازع عليها طرفي الصراع، وقد صاحبتها جملة من المعلومات المضللة التي صدرت من المنصات الرسمية لطرفى النزاع، في بواكير الصراع ولا تزال الاتهامات متبادلة إلي يومنا هذا.

الحملات على النطاق الداخلي:

مثلت الأشهر الستة الأخيرة، مناخًا خصبًا لكافة أشكال التضليل الإعلامي والمعلوماتي، الأمر الذي ساهم في تغييب الحقيقة عن الرأي العام وخلق وضع ضبابي، أثر على المتلقين وتشويش رؤيتهم حول الوضع الراهن. 

مورست عمليات التضليل المذكورة في شكل حملات مخطط لها. وفيما يلي تستعرض «بيم ريبورتس» أبرز تلك الحملات التي دارت في الفضاء الرقمي السوداني، خلال سته أشهر من الحرب. 

1. الحملات التي استهدفت القوى المدنية والمرافق والشخصيات العامة

مورست حملة ممنهجة استهدفت القوى المدنية الفاعلة في الشأن السوداني، حيث تمت مواجهة الجانب المدني بعدد من أنماط التضليل، بينها صياغة البيانات والتصريحات ونسبها إليهم منذ بدء العملية السياسية التي انبثق منها الاتفاق الإطاري وإلى حين اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل الماضي.

بالإضافة إلى ذلك، تم استهدافهم بالأخبار المزيفة في فترات النشاط السياسي الذي يقومون به سواء، أكان داخليًا أو خارجيًا، كما طال التضليل المرافق المدنية، وممثلي البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، والشخصيات العامة ذات الأثر على الواقع السياسي السوداني.

2. الحملات التي استهدفت الجيش

أشارت دراسة بيئة المعلومات المضللة في الفضاء الرقمي السوداني التي أجرتها «بيم ريبورتس» في نوفمبر من العام 2022، أن الجيش وجهاز المخابرات العامة، من الجهات الفاعلة في الفضاء الرقمي السوداني، والآن باعتبار الجيش أحد طرفي النزاع، يؤثر في صناعة المعلومات المضللة في الفضاء الرقمي السوداني، ويتأثر بحملات التضليل التي تستهدفه، ونسبة إلى الأدوار التي يمارسها في أروقة السياسة من خلال المفاوضات واللقاءات التي يجريها.

ونتيجة لذلك، طالته أنماط مختلفة من التضليل في الحملات التي استهدفته، فكان بعض تلك الأنماط يركز على فبركة البيانات ونسبها لقيادة الجيش ونشطت تلك الأنماط منذ اندلاع الحرب في أبريل، بجانب التزييف الذي طال الموقف العملياتي، حيث صيغت عدد من الأخبار حول تقدم أو تقهقر عملياتي غير موجود بالأصل.

3. الحملات التي استهدفت الدعم السريع

الدعم السريع، بوصفها جزءًا من القوى الفاعلة في الفضاء الرقمي السوداني،  وأحد طرفي النزاع على الأرض، أُستهدفت بأنماط من التضليل تنوعت بين صياغة البيانات والتصريحات، ونشر مقاطع فيديو قديمة منسوبة لها، وصياغة الأخبار حول موقف العمليات وتوسعت أشكال التضليل لتستهدف بعض الشخصيات القيادية في الدعم السريع.

ومثلما يتم استهداف الدعم السريع، تقوم من جهتها، بحملات ضد خصومها، أو للترويج لدعايتها الحربية والسياسية، حيث نشر فريق «مرصد بيم» قبل وبعد نشوب الحرب ، تحقيقات تكشف عن شبكات تضليل تروج للدعم السريع وتدعم روايتها للحرب. 

الفاعلون الخارجيون

موقع السودان الجيوسياسي، يجعل منه بلدًا ذا أهمية لدول المنطقة والإقليم، من حيث تقاطعات مصالح هذه الدول مع السودان، سواء كان ذلك في الجوانب الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية، مما يجعل من الفضاء الرقمي السوداني ساحة لنشر دعاية تروج لمصالح هذه الدول أو تدعم حلفائها في الداخل السوداني، وهو ما وثقته قاعدة تقارير «مرصد بيم» وتقارير شركات التكنلوجيا الكُبرى.

في هذا السياق، كان فريق «مرصد بيم» قبل وبعد نشوب الصراع في السودان، نشر ثلاثة تقارير تحقق عن شبكات تضليل في موقع تويتر تستهدف الرأي العام السوداني تروج لمصالح دولة الإمارات تهاجم قوى سياسية وتدعم الدعم السريع.

تتبنى الشبكات المذكورة الدعاية الإعلامية لـ«الدعم السريع» القائلة بأنها تحارب «فلول النظام البائد» والجماعات الإسلامية المتطرفة.

بينما تنشر شبكة الحسابات المعنية محتوى يروج لمصالح اقتصادية لدولة الإمارات في السودان، فكان «ميناء أبوعمامة» الواقع على ساحل البحر الأحمر، ومشروع «الهواد الزراعي» أكثر الأجندة الاقتصادية تداولاً من قبل الشبكة.

أثر هذا الكم الهائل من المعلومات المضللة التي تم تداولها منذ الخامس عشر من أبريل، سلبًا على اتجاهات الرأي العام السوداني، حول حقيقة الحرب التي تدور في البلاد والموقف منها. حيث تباينت اتجاهات الرأي العام وفق روايات طرفي القتال أو الفاعلين فيه من ميدان السياسية، وهو الأمر الذي انعكس سلبًا على نجاح أي جهود تقود إلى إيقاف الحرب.

وبينما تدخل الحرب شهرها السابع، غدًا الاثنين، مخلفةً ورائها أكثر من تسعة آلاف قتيل ودمار هائل للبنية التحتية، ونحو 6 ملايين نازح ولاجئ وآلاف الجرحى، لا تزال غرف التضليل مستمرة في دعايتها. 

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع