«15» شهراً من بدايتها.. كيف تطارد محنة الحرب اللاجئين السودانيين في مصر؟

 «انفتح باب مفوضية تسجيل اللاجئين، وتوجهت الموظفة بالحديث إلينا، نحن مئات المتكدسين منذ الصباح الباكر أمام وحول مبنى المفوضية، وقالت بكلمات قليلة حفظناها من شدة التكرار: أكتمل العدد لليوم، وعليكم القدوم غداً للحصول على موعد آخر».

 

هذا ما قاله عامر الهادي – اسم مستعار- ، في إفادته لـ«بيم ريبورتس» عن معاناته المستمرة لأربعة أشهر، وذلك بعد دخوله مصر هو وأسرته عن طريق الحدود البرية بين البلدين، وذلك هرباً من وطأة الصراع المستعر في السودان، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ الخامس عشر من أبريل 2023.

 

فمع بداية الحرب آثرت أسرة عامر البقاء في منزلها بأم درمان (حي الفتيحاب)، ولكن بعد أشهر من اشتداد وطأة الصراع وصعوبة الحصول على علاج والده المريض بالقلب، ووصول الاشتباكات المسلحة إلى حيهم، قرروا أخيرًا الخروج من منزلهم والذهاب إلى الولاية الشمالية التي لم يكن فيها الوضع مختلفًا كثيرًا في صعوبته، وربما أكثر قسوة في الحصول على مسكن مع غلاء الإيجارات ومحدوديتها، علاوة على انتفاء مصادر الدخل والعمل، الأمر الذي حدا بهم لأن يقرروا أخيرًا السفر إلى القاهرة عبر الطريق البري.


واليوم، مع دخول الحرب عامها الثاني، فإن التقارير تفيد بأن هناك 5 ملايين سوداني على حافة المجاعة، بينما 18 مليون يواجهون الجوع الحاد، في أزمة إنسانية جسيمة تقع على عاتق السودانيين والسودانيات بشكل يومي، وهو ما يجعل الوضع الإنساني في السودان يوصف بالمأساة، وقد قدرت الأمم المتحدة أن تكلفة الاستجابة لهذه الأزمة يقدر بحوالي 2.7 مليار دولار، لم يتوفر ويدعم منها سوى 6% فقط من إجمالي التكلفة الكلية.

الحرب والشتات

تسببت الحرب في تهجير ما يزيد عن 10 ملايين سوداني من منازلهم، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد الذين عبروا حدود السودان إلى دول الجوار المختلفة (مثل مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى) يزيد عن الـ 1.8 مليون سوداني، منهم 500 ألف وصلوا مصر حتى تاريخ أبريل 2024، في رحلاتٍ واجهوا فيها مخاطر جمة في رحلات نزوحهم، بدءاً بالخروج من أحيائهم ومدنهم التي تشهد اشتباكاتٍ مسلحة، من انتشار للجنود المسلحين ونقاط التفتيش، وتعطل الخدمات المصرفية وانعدام السيولة.

 

 علاوة على شح الوقود وارتفاع أسعار تذاكر السفر البري إلى 10 أضعاف، وليس انتهاءً بالمتطلبات والإجراءات الحدودية التي وقفت عائقًا أمامهم في المعابر الحدودية بين السودان ومصر.

 

 في مدينة حلفا ومعبر أرقين البري، حيث تكدس المواطنون في انتظار الحصول على تأشيرة، وسط أوضاع مأساوية وشكاوى من تردي الخدمات وبطء الإجراءات المطلوبة للدخول، والتي استغرقت  لبعض الأشخاص أكثر من شهر ولم يتمكن البعض الآخر من إكمال إجراءاته.


 وهنا حيث ظهرت بدائل غير رسمية أخرى لعبور الحدود، خاصة مع توقيف الخارجية المصرية التعامل بوثائق السفر المؤقتة، والتي كانت هي الأمل الوحيد للسودانيين الذين لم يتسن لهم تجديد جوازاتهم أو إحضار مستنداتهم الرسمية اللازمة للسفر.

الطريق إلى مصر قبل الحرب

كان تنقل المواطنين السودانيين والمصريين بين البلدين يسيرًا ولا يتضمن تعقيداتٍ كبيرة، خاصة ضمن اتفاقية الحريات الأربع، الموقعة بين البلدين في العام 2004، والتي تكفل لمواطني البلدين حرية التنقل والعمل والتملك. 

ووفق هذه الاتفاقية فإن كافة النساء، والفتيات السودانيات في عمر أقل من 16 والرجال فوق عمر الـ 49 معفيون من الحصول على تأشيرة من أجل التواجد في الأراضَ المصرية، بينما تحصل عليها الفئات الأخرى من القنصلية المصرية في السودان.

 

لكن مع بداية تدفق اللاجئين السودانيين إلى مصر، علاوة على وجود لاجئين من دول أخرى، وبعد أربعة أشهر من اندلاع الحرب في السودان، أصدر رئيس الوزراء المصري في نهاية أغسطس 2023، قراراً بالرقم 3326، والذي يلزم جميع الأجانب الذين دخلوا إلى مصر بطريقة غير رسمية  بضرورة توفيق وتقنين أوضاعهم في غضون ثلاثة أشهر.

 ولكن بعد اندلاع الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023، استحدثت الحكومة المصرية إجراءات جديدة فيما يخص دخول السودانيين إلى مصر، حيث فرضت على كل السودانيين، في أواخر شهر مايو 2023، ضرورة الحصول على تأشيرات دخول مسبقة.


وبالرغم من مناشدة جهات دولية السلطات المصرية بضرورة تسهيل عبور الفارين من الحرب للحدود، وعدم وضع العراقيل أمامهم، إلا أن السلطات المصرية، منذ سبتمبر 2023، شنت حملة اعتقالات قسرية على اللاجئين السودانيين ورحلتهم إلى السودان، دون اتباع الإجراءات الواجبة أو إتاحة أي فرصة لطلب اللجوء، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 3 ألف لاجئ سوداني رحلوا من مصر إلى السودان في شهر سبتمبر 2023.

الحصار الداخلي وزيادة النزوح

مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني، واستعار الاشتباكات المسلحة وانتقالها إلى مدن ومناطق جديدة (مدني والنيل الأبيض وسنجة وسنار) يجد الملايين من السودانيين في ولايات وأقاليم السودان المختلفة أنفسهم محاصرين بالمجاعة والعنف وعدم الأمان وغياب الوسائل المعيشية والخدمات الصحية، والسؤال الأكثر الحاحاً: إلى أين نذهب؟. 

 

وبرغم أن هذا السؤال كان حاضرًا منذ انطلاق الرصاصة الأولى للحرب في العاصمة السودانية، الخرطوم، إلا أن الإجابات عنه، والاستجابة له كانت متفاوتة وترتبط بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر والأفراد المختلفين، وهو ما جعل من عمليتي النزوح واللجوء موجات مختلفة ومتباينة. فالذين كان لهم القدرة إلى اللجوء في بدايات الحرب لم يواجهوا التعقيدات الحالية، والتي تتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تساهم  في تدفق 860 ألف لاجئ وعائد من السودان في الشهور المقبلة.

احتجاجات واعتقالات في ظروف قاسية

بدأت الاعتقالات التي يتعرض لها السودانيون بعد الحرب منذ سبتمبر من العام الماضي، وذلك بعد القرارات الجديدة التي انتهجتها السلطات المصرية، حيث تعرض السودانيين للاعتقال أثناء سفرهم بعد دخولهم الحدود المصرية، في محافظة أسوان، ومن المستشفيات التي كانوا يتلقون فيها العلاج جراء إصاباتهم في حوادث سير. وزادت حدة الاعتقالات في الشهور اللاحقة لتشمل حتى الذين ينتظرون مواعيد تسجيلهم في مفوضية اللاجئين، وأعيدت أعداد كبيرة، قدرتها منظمة العفو الدولية بـ 800 شخص إلى السودان، دون امتلاك حق الإستئناف أو الاعتراض على هذا الترحيل.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع