Category: سياسي

بالتزامن مع اندلاع الحرب.. شبكة تضليل على (تويتر) تروج لمصالح الإمارات في السودان.. تتبنى الدعاية الإعلامية لـ(الدعم السريع) وتهاجم الجيش 

بالتزامن مع اندلاع الاشتباكات العسكرية في العاصمة السودانية الخرطوم، في منتصف أبريل الماضي، بين الجيش السوداني وقوات (الدعم السريع) وانتقالها لاحقاً إلى أقاليم متفرقة من البلاد. 

لاحظت (بيم ريبورتس) معاودة إحدى شبكات التضليل على موقع تويتر والتي كنا قد رصدنا نشاطها سابقاً في الترويج لمصالح الإمارات في السودان. لكن، ارتبطت عودتها هذه المرة بالترويج لقوات (الدعم السريع) وخطابها الإعلامي الحربي، مقابل الهجوم على الجيش السوداني وقائده عبد الفتاح البرهان.

 وفي فبراير الماضي، نشرت (بيم ريبورتس)  تقريراً حول هذه الشبكة. في وقت دأبت فيه على الترويج لمصالح الإمارات الاقتصادية في السودان ومهاجمة قوى سياسية مختلفة بينها الحرية والتغيير (المجلس المركزي) و (الكتلة الديمقراطية). كما هاجمت الشبكة الموالية للإمارات مرشد الطائفة الختمية وزعيم الحزب الاتحادي (الأصل) محمد عثمان الميرغني،  إبان عودته للسودان.

ومع اندلاع الحرب في السودان، في منتصف أبريل الماضي، تغير نشاط الشبكة وذلك بالتركيز على دعم الدعاية الإعلامية الحربية لقوات (الدعم السريع) والتي تمكنا من حصر أبرز أجندتها كالتالي:

 

1- مشاركة بيانات وتصريحات قوات(الدعم السريع)

2- تحسين صورة حميدتي و(الدعم السريع)

 

3- الترويج للدور الإيجابي للإمارات وسعيها لحل الأزمة السودانية

4- الهجوم على الجيش السوداني والبرهان

5- الترويج لمقتل رئيس أركان الجيش السوداني محمد عثمان الحسين

6- تحميل (الإخوان المسلمين) مسؤولية اندلاع الحرب

وعلى سبيل المثال لا الحصر، الجدول أدناه يعرض أمثلة لبعض حسابات الشبكة والتي تم إغلاق بعضها منذ تقريرنا السابق في فبراير الماضي:

م

اسم الحساب 

Twitter ID

1

أبنة الأكابر 

466437283

2

سحابة الحب 

388695188

3

عازفة الأمل

738048259

4

سارة مصطفي

856752005678641152

5

صاحبة الصون و العفاف

2599431164

6

z 1

1558744887134228480

7

إيمان رمضان 

446826561

8

Amiraa

2373222295

9

زهرة الشتاء 

2908042405

10

زينب 

216233263

11

طبيبة الاحساس

2866441590

12

هدير

283383505

13

Radwa Hossam

1664450078

14

|||| 

2416935278

15

توليب حاتم 

780445206541774848

16

m

381416798

17

خاطفة الانظار

973460168

18

المهرة 

2852044576

19

ايمان النرجسية 

380790556

20

طبيبة الاحساس

2866441590

21

عازفة الأمل

738048259

22

لغز الحياة

729137041473081344

23

ملكة المشاعر 

1540286448

24

نجمة الليل

2298786608

25

Gamela

2780039096

26

هاجر مسعد 

2431434175

27

الجميلة المستحيلة 

1092039378

28

المهاجرة 

2231715829

29

Tasneem

99911347

30

Show makers

1941917660

31

Batoul Ahmed

868863363953991680

32

وجود بشير

2287836360

33

نرمين الطارق 

197570906

34

MOHAMED IDRES

197570906

35

Ahmed Al-Rifai

2316724304

36

ابتهال بانقا

4313016412

37

زاهية مصباح

315548733

38

ود الكرنكي

370062325

39

اعتكاف الشايقي

237732285

40

نهى إدريس|noha idress

433228848

41

GH

1377503557

42

لميس السدراني

1377503557

43

adam 

3337631413

44

افنان الضو

558771779

45

خوجلي الشايقي

2262696464

46

مروة بت بابكر

608679282

47

Dalia Mousa

918806537136570370

48

مغاني تاج الدين

4618765416

49

الوافر احمد المسلمي

882400722

50

Talal Akram

3102406429

كيف تدور الحرب الإعلامية الموازية بين الجيش السوداني والدعم السريع؟

بالتزامن مع المعارك المستعرة في شوارع الخرطوم المكتظة و ولايات البلاد المختلفة منذ يوم السبت الماضي بين الجيش السوداني و(الدعم السريع)، يخوض طرفا الصراع في السودان حربا أخرى، ساحتها منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة، لبث دعايتيهما في السيطرة على المواقع الجغرافية، وإبداء المواقف السياسية، وتبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن الانتهاكات، ومن أطلق الرصاصة الأولى.

بداية الاشتباكات

عند التاسعة تقريباً من صباح السبت 15 أبريل، دوى صوت الرصاص في جنوب الخرطوم، وفي مناطق أخرى مختلفة من العاصمة التي كانت تشهد حشدا للآليات العسكرية لأيام قبل ذلك، وخلال ذلك اليوم تبادل الطرفان الاتهامات بشأن مسؤولية إطلاق الرصاص.

بعد 3 ساعات من الاشتباكات حملت الدعم السريع، الجيش، مسؤولية اندلاع المواجهات، وقالت في بيان إنها “فوجئت بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل الى مقر وجود القوات في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم”. واعتبرت ذلك سببا للتحرك العسكري في جميع أنحاء البلاد.

استغرق رد الجيش مفندا 3 ساعات أخرى، متهما (الدعم السريع) بمحاولة السيطرة على مواقع استراتيجية تشمل القصر الجمهوري، والقيادة العامة للجيش. وبحسب هذه الرواية، اعتبر أن ما قامت به قوات الدعم السريع تمرد على سلطة الدولة، وحملها مسؤولية جر البلاد إلى العنف.

بيان الجيش حول استهداف سكن البرهان

قاعدة مروي الجوية

تضارب الحقائق امتد من مسؤولية بدء المعارك، إلى السيطرة على الأرض، فكانت قاعدة مروي الجوية شمالي البلاد، التي شهدت اشتباكات متزامنة مع المعركة في الخرطوم، إحدى أبرز المواقع التي تنازع الجيش والدعم السريع حقيقة السيطرة عليها.

تكررت خلال الأيام الماضية البيانات ومقاطع الفيديو من الطرفين التي تظهر جنودا من القوتين “يؤكدون” سيطرتهم على مطار وقاعدة مروي الجوية، بينها مقطع فيديو من الجيش ليل 18 أبريل، وكذلك الأربعاء الماضي.

بيانات الدعم السريع

بيان رقم (2)
بيان رقم (3)

بيانات الجيش

القصر الجمهوري

ظل القصر الجمهوري وسط الخرطوم منطقة اشتباك يسعى كل من الجيش والدعم السريع لبسط سيطرته عليه، وتبادلا البيانات المؤكدة لذلك.

في نهار 17 أبريل نفى الجيش أن يكون الدعم السريع قد سيطر على القصر الجمهوري أو قصر الضيافة، واصفا ما تنشره صفحات الدعم بأنها “شائعات”.

في اليوم التالي، نشرت قوات (الدعم السريع) مقطع فيديو لقواتها أمام القصر الجمهوري، وذلك بعد يوم من فيديو آخر لأحد جنودها في محيط القصر ويسمع في الخلفية أصوات الاشتباكات، فيما لا تزال الاشتباكات جارية في محيطه.

مطار الخرطوم

من المطار الوحيد في العاصمة، تتصاعد الأدخنة ظاهرة للعيان بدلا عن ارتفاع الطائرات من مدرجاته، أما مقاطع الفيديو فتظهر اندلاع النيران في الطائرات الرابضة على المدرج.

في اليوم الأول انتشرت صورة مجندين اثنين في صالة الوصول بالمطار، ودارت الاشتباكات في المدرج مودية بحياة مسافرين وصلوا على متن رحلة قادمة من المملكة العربية السعودية.

لم يتحمل أي من الطرفان مسؤولية إطلاق النار الذي أدى لمقتل المسافرين، لكن كلا منهما أكد سيطرته على المرفق الاستراتيجي مفندا ادعاءات الآخر، فيما لا تزال المعارك جارية في محيطه حتى يوم أمس الأربعاء.

الإذاعة والتلفزيون

أكد شهود عيان في أحياء أمدرمان القريبة من الإذاعة والتلفزيون احتدام الاشتباكات في المنطقة، وتداول سكان المنطقة على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تظهر تخوفهم من حدة القتال.

القوتان المتقاتلتان حاولتا تأكيد السيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون بالبيانات على منصات التواصل الاجتماعي، وفي بث تلفزيون السودان والنيل الأزرق.

ففي اليوم الأول للاشتباكات ظهر المذيع مبارك خاطر في استديو أخبار التلفزيون لدقائق، ليعلن وقوع اشتباكات قرب المقر وينقطع البث عقب ذلك.

ويوم الاثنين نشر تلفزيون السودان تصريحا للناطق الرسمي باسم الجيش السوداني العقيد نبيل عبد الله. 

فيما ظهرت صورة الناطق باسم الدعم السريع الرائد نجم الدين إسماعيل على تلفزيون النيل الأزرق مساء الاثنين أيضا، دون نشر اي تصريح.

قبل أن تنشر صفحة الجيش السوداني على فيسبوك مقطع فيديو للرائد نجم الدين إسماعيل يعلن فيه انشقاقه عن الدعم السريع وعودته إلى الجيش السوداني.

البيانات المتضاربة

الدعم السريع:

الجيش:

بث الدعاية

منذ اليوم الأول أطلق الطرفان اتهامات تجاه بعضهما، لوصم كل منهما أمام المجتمع الدولي والإقليمي، وسحب الرأي العام لصالحه.

الدعم السريع ركز على وصف حربه أنها ضد “قيادة الجيش” وليس الجيش كله، وبحسب روايته، فإن من يقاتلهم هم “إسلاميون متطرفون“، ونفى عن نفسه تهم استهداف البعثات الدبلوماسية، متهما ذات الإسلاميين بتنفيذ ذلك و”ارتداء زيه”.

فيما اتهمت وزارة الخارجية في بيان الثلاثاء الماضي الدعم السريع باستهداف مقار البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية.

الدعم السريغ يتهم الجيش بموالاة الإسلاميين

فيما تركزت رواية الجيش على وصف “قيادة قوات الدعم السريع” بأنها متمردة، معلنة إنهاء انتداب ضباط القوات النظامية بأفرعها المختلفة إلى الدعم السريع، وداعية إياهم لتسليم أسلحتهم، قبل أن يعلن البرهان “العفو مقابل وضع السلاح” لكل أفراد الدعم.

الجيش في المقابل اتهم قوات الدعم السريع بالانفلات، وحملها مسؤولية استهداف البعثات الدبلوماسية، ومسؤولية مقتل موظفي صندوق الغذاء العالمي في كبكابية شمال دارفور.

الجيش يتهم الدعم السريع بالانفلات واستهداف البعثات الدبلوماسية

انتصارات دائمة

المقدم مصعب طه الأمين، ضابط بالجيش السوداني قتل في القيادة العامة للجيش، واحد من كثيرين لم تعرف أعدادهم بعد على الرغم من انتشار كتابات التعازي والنعي وسط كتابات السودانيين في مواقع التواصل، لأقارب من القوات النظامية المتقاتلة، لقوا حتفهم خلال الصراع المستعر.

عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني هنادي فضل تنعي قريبها الضابط مصعب الأمين «المشنور للأصدقاء»

ففي كل بيانات الجيش والدعم السريع، يذكر التقدم والسيطرة على مواقع جديدة وانشقاق الجنود من القوتين أو تسليمهم، وتغيب أخبار وإحصائيات القتلى والمصابين منهما.

الرؤية السياسية ضبابية

رغم استمرار القتال ليومه الخامس، لا يتحدث الجيش أو الدعم السريع عن خطة سياسية، ويغيب التصريح بالدافع السياسي الحقيقي وراء المعركة، التي سبقها خلاف سياسي بحت، في حين يخبرنا التاريخ ألا حرب تحدث من أجل الدافع الحربي وحده، خصوصا إذا ما كانت حربا أهلية بين أبناء البلد نفسه.

فقبل اندلاع المواجهات، كان مقررا المضي في اتفاق سياسي لتقاسم السلطة بين القوى السياسية وإنشاء مجلس أعلى للقوات المسلحة يضم الجيش والدعم السريع، قبل أن تقف قضية الإصلاح الأمني عقبة أمام إتمام الاتفاق ويتأجل توقيعه.

الدعاية السياسية للجيش، اعتبرت ما يحدث “ظروفا صعبة” بسبب “تمرد غير مبرر” من الدعم السريع، وأن قيادة الجيش مازالت ملتزمة بـ”المسار السياسي”، و”ألا تراجع أو نكوص” عن تنفيذه. لكن هذا المسار السياسي لا تتضح تفاصيله، ولا يعاد ذكره في بيانات الناطق الرسمي أو تصريحات قادة الجيش.

أما قوات الدعم السريع فتؤكد في بياناتها أنها ما أجرت هذا التحرك إلا لمواجهة “الإسلاميين”، وأنها ملتزمة بالعملية السياسية، ذات العملية التي لم يكمل الطرفان ما طلب منهما لإنجازها والوصول لاتفاق حول قضية الإصلاح العسكري.

لكن هذا التصريح لا يفصل أبدا ما هي خطة هذا الفصيل المسلح السياسية إن أكمل حربه ضد قيادة الجيش التي يتهمها بالانقلاب وموالاة الإسلاميين.

ومع تواصل المواجهات، تستمر الأطراف في خلق استقطاب إعلامي أكبر، عبر التضليل وفبركة الأخبار، واستعمال الدعاية السياسية والعسكرية لتقوية مواقفها.

خرق الهدنة الإنسانية يمنع السودانيين من التقاط أنفاسهم والحرب تدخل يومها الخامس

أنعش اتفاق هدنة إنسانية لمدة 24 ساعة، كان قد عقد بين الأطراف المتقاتلة في السودان، بوساطة أمريكية، الآمال بالتقاط الملايين أنفاسهم، لكن سرعان ما تم خرقه، فيما تصاعدت وتيرة العنف بشدة، في وقت دخلت الحرب يومها الخامس.

ومع تصاعد حدة المواجهات العسكرية، أطلقت وزارة الصحة السودانية، نداءُ عاجلاً لإخلاء مستشفى فضيل بوسط الخرطوم، بعدما تعرض لقصف بالأسلحة الثقيلة. وقالت الوزارة، إن المستشفى الذي يعج بالمرضى تعرض لقصف بالأسلحة الثقيلة مما أدى لثقب في الغاز المركزي وصهاريج المياه الرئيسية المخصصة لمرضى غسيل الكلى.

كما أفاد شهود عيان بوجود اشتبكات عنيفة في أنحاء متفرقة من مدن العاصمة.

ولفترة محدودة يوم الثلاثاء، تمكن بعض المواطنين من التنقل والسفر على عجالة. كذلك، بعد مرور 4 أيام تمكن نحو 89 شخصاً  كانوا في محتجز قسري بمباني جامعة الخرطوم معظمهم طلبة وبينهم موظفون وأساتذة من الخروج مساء الثلاثاء والوصول الى أماكن أقل خطرا في مدينة الخرطوم.

من جهتها، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية يوم الثلاثاء، ارتفاع عدد قتلى المواجهات المسلحة وسط المدنيين والعسكريين إلى 144 والإصابات إلى 1409، وهي إحصائية تشمل الذين تمكنوا من الوصول إلى المستشفيات فقط.

وتعيش عدد من مستشفيات العاصمة أوضاعا مأساوية بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمعينات الطبية فيما تعرضت بعضها للقصف والاعتداءات، مثل مستشفى ابن سيناء في العمارات ومستشفى بشائر.

في وقت حذرت فيه وزارة الصحة، من أن المرافق الصحية في ولاية الخرطوم أصبحت على حافة الإغلاق، داعية إلى إيجاد حل مستدام لنقص إمدادات الطاقة وأكياس الدم.

كما طالبت اللجنه التمهيدية لنقابة أطباء السودان بتوفير مسارات آمنة لإجلاء أطباء قالت إنهم ما زالوا يعملون منذ اليوم الأول للمواجهات وتبديل الخدمة مع آخرين، وأوضحت أن المستشفيات مازالت تعاني نقصاً حاداً في المعدات الطبيه والمستلزمات الصحية.

وكانت إحدى شركات البترول، قد أعلنت توفير جازولين مجانا للطواريء لكل المستشفيات، أما هيئة مياة ولاية الخرطوم أصدرت بيانا بعدم قدرة موظفيها على إصلاح الأعطال في شبكات المياه.

تطورات ميدانية وسياسية

مع الساعات الأولى لصباح يوم الثلاثاء، عادت أصوات القصف الجوي في مناطق: “الرياض وأحياء شرق وجنوب الخرطوم، وحول القصر الرئاسي وشارع المطار وفي مدينة بحري شمال الخرطوم تعرض سوق بحري  لحريق ضخم تمدد حتى الكنيسة الإنجيلية”.

قبل أن تبدأ الولايات المتحدة برد فعل حاسم حيال ما يجري في البلاد، بعدما أجرى وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكين، محادثتين منفصلتين مع كلاً من قائدي الجيش والدعم السريع، حيث ناقش معهما وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة، بينما وافق قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والجنرال شمس الدين الكباشي، على الهدنة الإنسانية، أشار الجيش في بيان إلى عدم علمه بأي تنسيق مع الوسطاء والمجتمع الدولي بشأن الهدنة.

ولاحقاً، تراجع  الجيش على لسان الكباشي معلناً التزامه بالهدنة ابتداء من الساعة السادسة مساء اليوم ولمدة 24 ساعة. غير أن هدنة سابقة طالب بها المبعوث الأممي في السودان فولكر بيرتس أمس الأول لم يلتزم بها الطرفان في الـ3 ساعات المحددة. كما فشل اتفاق الهدنة الجديد.

ترحيب لم يكتمل بالهدنة الإنسانية

بعد إعلان الأطراف عن اتفاق الهدنة، سرعان ما رحبت 16 جهة نقابية في تنسيقية التحالف النقابي بينها نقابة الصحفيين السودانيين ودعت الجيش للعدول عن موقفه وقبولها، لكن بحكم الأمر الواقع فقد خرقت الهدنة تماماً، بعد وقت وجيز من سريانها.

أيضاً، عبرت 42 كتلة مدنية من أحزاب وتنسيقيات لجان المقاومة عن مناهضتها للحرب ودعت للإيقاف الفوري لصوت البنادق وعدم قبول نتائجها مهما كانت.

وكشفت عن اعتزامها الاتفاق على آلية مشتركة لمتابعة التطورات وتنسيق المواقف ودعت بقية القوى المدنية لأخذ زمام المباردة والتوحد لإدانة الحرب، وحملت أطراف الحرب المسؤولية عن أي انتهاك لحقوق الإنسان.

في السياق، أعلنت قوى الحرية والتغيير ترحيبها بالبيان الصادر من القوى السياسية والمدنية والمهنية، وأشارت إلى  تواصلها مع الآلية الثلاثية والرباعية لدعم المبادرة.

وأضافت في بيان لها اليوم: “تواصلنا مع قيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع حاثين إياهم على قبول مقترح هدنة الـ24 ساعة”، مشيرة إلى استمرار النقاش حول أحكام هذه الهدنة وآلياتها.

ودعت الحرية والتغيير إلى التصدي لفلول النظام البائد الذين ينشرون خطابات تأجيج الحرب وإشعالها رغبة في العودة إلى السلطة وشددت على ضرورة عزلها.

وضع السلاح والعودة للحوار

التقى عدد من الفاعلين السياسيين و موقعون على الاتفاق الإطاري ورؤساء حركات مسلحة عبر لقاء إسفيري نظمته الآلية الثلاثية تبادل فيه الحضور النقاشات حول الأحداث الجارية في السودان.

وأفضى اللقاء الى عدة نقاط أهمها دعوة طرفي الصراع الى وضع السلاح والعودة للحوار، كما وجه الموقعون دعوة لمكونات السودان السياسية والمدنية والاجتماعية لنبذ الخطابات التي تؤجج العنف، والعمل المشترك من أجل وقف الحرب فوراً.

كما ثمن الموقعون مبادرة الآلية الثلاثية والولايات المتحدة الأمريكية في التوصل لهدنة لأغراض إنسانية.

حرب مدن دامية تعصف بآمال السودانيين في الحياة وتزيد نصيبهم من التعاسة

تعصف حرب مدن دامية اندلعت صباح السبت الماضي بالعاصمة الخرطوم، سرعان ما انتقلت إلى أنحاء مختلفة في البلاد، بحياة السودانيين وآمالهم في العيش بسلام. في وقت أبدت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية ودول عديدة قلقها من استمرار المواجهات العسكرية الدامية في السودان، وسط ظروف إنسانية مأساوية خلفتها الأحداث التي أودت بحياة حوالي 100 مدني منذ اندلاعها السبت الماضي.

وفي أعقاب اندلاع المواجهات العسكرية في السودان، السبت الماضي، أعرب أعضاء مجلس الأمن الدولي، عن بالغ قلقهم حيال الأحداث في السودان من خلال بيان صحفي صدر مساء السبت 15 أبريل. كما تأسف أعضاء المجلس للخسائر في الأرواح والإصابات الناجمة عن النزاع المسلح الجاري في السودان.

ويوم الاثنين، انعقدت جلسة مغلقة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الأوضاع في السودان، بعد انزلاق البلاد في أتون مواجهات عسكرية بين الجيش السوداني والدعم السريع، بداية من السبت الماضي.

بداية الأحداث

وعلى نحو مباغت اندلعت صباح السبت مواجهات عسكرية بين الجيش و الدعم السريع في العاصمة السودانية الخرطوم، سرعان ما انتقلت إلى أنحاء مختلفة من البلاد، وارتفعت حصيلة قتلى الاشتباكات المستمرة في السودان حتى هذه اللحظة الى نحو 100 قتيل مدني، بحسب اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، بينما لم يشر كلاً من الجيش أو الدعم السريع إلى أعداد القتلى في صفوفهم.

وتطورت الأحداث بشكل سريع منذ بداية المواجهات حيث لم يتوقف الطرفان عن القتال لليوم الرابع على التوالي.

دعوات للحوار

دعا مجلس الأمن الدولي، والذي عقد جلسة مغلقة يوم الاثنين بشأن الوضع في السودان، جميع الأطراف إلى العودة إلى الحوار لحل الأزمة الحالية، مشدداً على أهمية الحفاظ على الوصول الإنساني وضمان سلامة موظفي الأمم المتحدة.

وجدد الأعضاء التأكيد على التزامهم القوي بوحدة وسيادة واستقلال جمهورية السودان وسلامتها الإقليمية. .

وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، قال في نفس يوم اندلاع الأحداث في السودان “لقد توصلت الأطراف الرئيسية الى اتفاق اطاري مهم منذ أسابيع” وأشار إلى أن الوضع كان يسير بصورة جيدة للمضي قدما في مسار التحول الديمقراطي إلا أن جهات فاعلة قد تدفع ضد هذا التقدم و وصف وضع السودان حاليا “بالهش”.

من جانبه، اقترح الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، بجانب الآلية الثلاثية الالتزام بوقف مؤقت للقتال وفتح ممرات آمنة لأجلاء المحتجزين قسريا والمرضى وأغراض  إنسانية أخرى.

وبالرغم من إعلان الطرفين موافقتهما على المقترح إلا أن الهدنة لم تطبق ولم يتوقف إطلاق النار.

دعوات تهدئة مستمرة

في هذه الأثناء، توالي صدور البيانات من عدة جهات أممية وإقليمية تحث السودان على وقف المواجهات المسلحة فوراً. 

وفي حسابها على موقع تويتر كشفت الخارجية السعودية عن تواصل وزير خارجيتها (فيصل بن فرحان) مع القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان و القائد العام لقوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ونوهت إلى أنها تدعو للتهدئة “وتغليب المصلحة الوطنية” ووقف كافة أشكال التصعيد العسكري.

كما شدد الوزير في اتصاله مع الطرفين على “أهمية العودة للاتفاق الإطاري الذي يضمن تحقيق استقرار السودان و شعبه”.

أما جمهورية مصر، فقد أطلقت مبادرة بجانب المملكة العربية السعودية تدعو فيها لعقد اجتماع طارئ لجامعة الدول العربية كما أعربت عن قلقها في بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية تدعو فيه للوقف “الفوري” للعمليات العسكرية في السودان و تغليب لغة الحوار.

كما أجرى وزير الخارجية المصري اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية المكلف بالسودان متطرقا إلى أوضاع الجالية المصرية في السودان، وأهمية الحفاظ على أمن وسلامة جميع المصريين المتواجدين في السودان.

اليوم الثالث على الصراع

فيما حمّل وزير الخارجية الأمريكي ونظيره البريطاني في بيان مشترك “الجنرالات المنخرطين في النزاع المسلح القائم في السودان مسؤولية مستقبل السودان وتطلعات شعبه، وأردف البيان “إن الشعب السوداني يريد الديمقراطية في ظل حكومة مدنية و يجب أن يعود السودان لهذا المسار”.

كما حث رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الديمقراطي (بوب مينيندز) إدارة بايدن على فرض عقوبة تستهدف “كل الأشخاص الذين خربوا العملية الانتقالية في السودان، والذين ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان ومخالفات في الحكومة بمن فيهم عناصر المجلس العسكري”.

ومع تصاعد الأحداث على الأرض، استمرت التحركات الدبلوماسية من دول الجوار بخصوص الصراع المسلح في السودان، حيث أجرى رئيس دولة تشاد، محمد إدريس ديبي، اتصالا هاتفيا مع قائدي الجيش والدعم السريع، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي).

واستنكر الرئيس التشادي تطور الأحداث في السودان، داعيا الطرفين لوقف إطلاق النار و”تفضيل مسار الحوار لإيجاد حل سلمي” واصفاً الصراع الجاري بـ”المعاناة التي لا داعي لها”.

لاحقاً، وبعد إعلان الاتحاد الأفريقي يوم الأحد أن رئيس مفوضيته، موسى فكي، يتوجه للسودان للتحدث مع الطرفين بشأن وقف إطلاق النار، أوضح مدير ديوان رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي، محمد لبات، يوم الاثنين تعليق رحلة البعثة بسبب تعليق الرحلات في مطار الخرطوم. مضيفاً أن الجهود مستمرة نحو الحل، وتتواصل الاتصالات الهاتفية مع طرفي النزاع في السودان.

القوى السياسية

دعت قوى الحرية والتغيير في بيان لها يوم 16 أبريل الحالي قيادات الجيش السوداني والدعم السريع لـ”تحكيم صوت الحكمة ووقف المواجهات العسكرية فوراً والعودة لطاولات التفاوض”، ووجهت قوى الحرية والتغيير خطابها لشعب السودان داعية للتصدي لما وصفتها بمخططات النظام المحلول واعتزال خطابات الكراهية وتأجيج الحرب.

كذلك ندد الحزب الشيوعي السوداني بالأحداث في بيان له، وحمّل  أطراف من القوى السياسية ومن اسماهم” قوى الهبوط الناعم”  مسؤولية الصراع المسلح الحالي في السودان، كما أشار لتامر من قوى اقليمية ودولية.

وأشار الشيوعي لضرورة الحد من هذا الصراع المتفاقم، حيث قال “إنه من واجب الساعة إيقاف هذه الحرب ونزع فتيلها و بدء إجراءات لتخفيف آثارها “، كما أشار البيان على ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأن المتورطين.

كذلك دعا تجمع المهنيين لجان الأحياء والقوى النقابية لحماية الأحياء عبر تكوين ما أسماها بـ”لجان سلم مجتمعي”، مشيرا لغياب الدولة ومؤسساتها ضمن بيانه عن الأحداث الجارية.

تفاقم الأوضاع الإنسانية والصحية

مع دخول المواجهات المسلحة الدامية في السودان يومها الرابع، تتفاقم الأزمة الصحية والإنسانية في البلاد بوتيرة متسارعة إذ تضع السودانيين في مواجهة شبح الموت أينما ولوا وجوههم.

وبالتزامن مع استمرار المواجهات العسكرية، تفاقمت الأوضاع الصحية والإنسانية بصورة متسارعة، وتشكل مشكلة شح أكياس نقل الدم، التي برزت في الأسبوعين الماضيين تحدٍ حقيقي، مع تزايد الإصابات والحاجة الماسة لعمليات نقل الدم.

كذلك يعاني مرضى السكر من نقص في دواء منظم السكر (الأنسولين) مما عجل بأطباء بتقديم موجهات عملية، تشكل تنظيم الغذاء، للتقليل من تأثير عدم الحصول على جرعات الدواء. وهي المعاناة نفسها التي يعيشها المواطنون والمواطنات، مرضى الفشل الكلوي، حيث أنه وفي ظل ظروف الحركة الصعبة، علاوة على غياب احتياجات المراكز وصعوبة وصول الكوادر الطبية للمستشفيات، فإن استمرار الأوضاع بشكلها الحالي ينبئ بكارثة حقيقية بالنسبة للمرضى.

أما في الجانب الإنساني، فإن انقطاع التيار الكهربائي من عدد كبير من الأحياء، في العاصمة الخرطوم وولايات مختلفة، أثرت على توفر الإمداد المائي، ومع الأعطال التي تسبب لها القتال، وصعوبة صيانة محطات الكهرباء والمياه التي تعرضت لأعطال، فإن المعاناة اليومية مستمرة، وتشهد اتساعاً لحظة بعد لحظة.

المواجهات العسكرية

استمرت يوم الاثنين المواجهات العسكرية العنيفة في محيط القيادة العامة للجيش ومطار الخرطوم الدولي. فيما ذكر شهود عيان أن الجيش قصف مقار تابعة للدعم السريع في منطقة  جبرة جنوب الخرطوم مساء يوم الاثنين.

اندلعت كذلك الاشتباكات في محيط مباني هيئة الإذاعة والتلفزيون بأمدرمان، وسلاح المظلات ببحري، منذ الساعات الأولى لصباح الاثنين ثم استؤنف إطلاق النار مجدداً مساء في المنطقتين.

فيما لا تبدو الصورة واضحة في مطار مروي بالولاية الشمالية، بشأن الجهة التي تسيطر عليه.

وفي إقليم دارفور، غربي البلاد، أعلن الجيش سيطرته على الحامية العسكرية بمدينة الفاشر بعد يومين من مواجهات محتدمة خلفت عدداً من القتلى والجرحى، بينما تشهد مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور حالة من الهدوء الحذر بعد مواجهات عنيفة خلال اليومين الماضيين.

فيما كشف شهود عيان استيقاظ مدينة الفاشر يوم الاثنين على دوي قصف باتجاه مقار للدعم السريع في منطقتي (المنهل) و(دائرة النقل والإصلاح)، وأفاد الشهود بأن الاشتباك أسفر عن عدد كبير من القتلى والجرحى من مواطني الأحياء القريبة من تلك المقار، لكن السلطات المحلية لم تعلق على هذه الأخبار حتى الانتهاء من كتابة التقرير.

 

طلاب مدرسيون يقضون ليلتهم في محتجز قسري بوسط الخرطوم تحت صخب القذائف 

تحت دوي الأسلحة الثقيلة وصخب القذائف يقضي 450 طالبا بمدرسة كمبوني بوسط العاصمة السودانية الخرطوم ليلتهم، في أعقاب الأحداث الأمنية والعسكرية التي اندلعت صباح السبت.

وفي ظل التعقيدات الأمنية التي شهدتها ولاية الخرطوم عامةً، ومنطقة وسط الخرطوم القريبة من القصر الرئاسي بصفة خاصة، أصبح خروج الطلاب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 13- 16 عاماً أمراً بالغ التعقيد. ورصدت (بيم ريبورتس) على مواقع التواصل الاجتماعي مناشدات لحماية الأطفال بمدرسة كمبوني وتأمين عودتهم إلى منازلهم، بسلام.

في المقابل، أعربت لجنة أطباء السودان المركزية عن تعاطفها مع الطلاب، وطالبت بضرورة إجلائهم بأمان من محتجزهم القسري.

وناشدت اللجنة (جميع القوات) كذلك، بضرورة فتح ممرات آمنة لخروج مرضى غسيل الكلى المحتجزين في مركز (الشهيدة سلمى) الواقع بالقرب من القيادة العامة للجيش، منوهة إلى أن المرضى يواجهون ظروفاً صحية بالغة التعقيد.

ويواجه مواطنون في مناطق متفرقة بوسط الخرطوم أوضاعاً مشابهة بسبب عجزهم عن الحركة، من بينهم بعض أساتذة جامعة الخرطوم الذين يسكنون في حي المطار، بجانب الطلاب في سكن جامعة الخرطوم الواقع بالقرب من محيط القيادة العامة للقوات المسلحة.

كما لايزال أكثر من 110 موظفين برئاسة بنك الخرطوم بشارع الجمهورية، عاجزين عن الخروج من مقر البنك منذ صباح السبت.

وبالتزامن مع بداية الأحداث صباح السبت، اٌحتُجز عشرات المواطنين المسافرين والموظفين بمطار الخرطوم بعد اندلاع اشتباكات مسلحة داخل  المطار. 

أيضاً، تسبب دخول قوات عسكرية إلى أكاديمية الخرطوم للطيران واحتجاز الطلاب بها، إلى مقتل أحد الطلاب بعد إصابته برصاصة في الصدر، بجانب وقوع إصابات وسطهم.

عطلة في الخرطوم

في الأثناء، أعلنت لجنة تنسيق شؤون أمن ولاية الخرطوم التابعة للسلطة العسكرية الحاكمة، في وقت متأخر من يوم أمس، بأن اليوم الأحد سيكون عطلة بالولاية. كما حثت اللجنة، المواطنين الابتعاد عن المناطق العسكرية والأماكن المستهدفة بالعمليات العسكرية الجارية.

ومع أن اللجنة الأمنية، أعلنت عن العطلة، لكن بحكم الأمر الواقع، فإن العاصمة الخرطوم تحولت إلى شبه ثكنة عسكرية، وهو الأمر الذي أدى إلى إغلاق المحال التجارية بجانب صعوبة الوصول إلى المرافق الخدمية المهمة مثل المستشفيات. 

ومع تسارع الأحداث الأمنية والعسكرية في البلاد، أعلن الجيش السوداني، أن الدعم السريع أصبحت قوات متمردة، قبل أن يعلن قائده عبد الفتاح البرهان حلها، بحسب ما ذكر جهاز المخابرات العامة

نقابة الصحفيين السودانيين تدعو لإسكات صوت الرصاص

دعت نقابة الصحفيين السودانيين، في بيان أصدرته، يوم السبت، (طرفي الصراع) القائم لوقف إطلاق النار و”تحكيم صوت العقل”، قبل أن تندد بحالة التردي الأمني الماثلة في البلاد منذ عقود، وصولاً للصراع الدائر حالياً.

وكانت نقابة الصحفيين، قد أعلنت عن لقاء جمع عدداً من الأجسام المطلبية في مقرها بالخرطوم يوم الجمعة الماضي، حيث توافقت الأجسام “على التصدي لمحاولات خلق الفتنة وزعزعة استقرار البلاد والوقوف ضد الحرب والانفلات الأمني وظاهرة الإفلات من العقاب”، وفق ما ذكر البيان. 

وفي خضم خلافات متصاعدة منذ عدة أسابيع وسط السلطة العسكرية الحاكمة، بدأت صباح السبت، وعلى نحو بدا مباغتاً، اشتباكات مسلحة جنوبي العاصمة الخرطوم، سرعان ما امتدت إلى أنحاء مختلفة من البلاد خلفت عدداً غير معلوم من الضحايا المدنيين، بالإضافة إلى العسكريين.

ولاحقاً مع تسارع الأحداث الأمنية والعسكرية في البلاد، أعلن الجيش السوداني، أن الدعم السريع أصبحت قوات متمردة، قبل أن يعلن قائده عبد الفتاح البرهان حلها، بحسب ما ذكر جهاز المخابرات العامة.

الأجسام والنقابات الموقعة على البيان والتنسيق في دار نقابة الصحفيين السودانيين

1. نقابة الصحفيين السودانيين

2. اللجنة التسييرية لنقابة المحامين 

3. لجان المنطقة الصناعية بحري

4. تضامن نقابات السودان 

5. اللجنة التمهيدية للهيئة النقابية لأساتذة جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا 

6. اللجنة التسييرية للاتحاد العام للمهندسين السودانيين.

7. لجنة المعلمين السودانيين.

8. اتحاد الكتاب السودانيين

9. اللجنة التمهيدية للنقابة العامة لصيادلة ولاية الخرطوم 

10.هيئة محامي دارفور

11. الهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم

كيف تصاعدت الأحداث في السودان وصولاً إلى الخامس عشر من أبريل؟

مع انفجار الأحداث العسكرية والأمنية في العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من ولايات البلاد المختلفة صباح السبت، توضح (بيم ريبورتس) كيف تصاعدت الأحداث.
ففضلاً عن توترات مستمرة بين الجيش السوداني والدعم السريع منذ عدة أسابيع، بسبب خلافات متعلقة بالجداول الزمنية لدمج الدعم السريع في الجيش وفقاً للعملية السياسية المستندة على الاتفاق الإطاري. كان هنالك تباين كبير حول عملية الإصلاح العسكري، ما أدى إلى تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي، ولاحقاً توقف الاجتماعات الفنية المشتركة بين الجانبين.
أيضاً تزامنت هذه التوترات، مع حشود عسكرية للدعم السريع وصلت إلى العاصمة الخرطوم من إقليم دارفور، بما في ذلك مدرعات عسكرية.

في خضم هذه الأزمة والتوترات وصلت عشرات المركبات العسكرية المدججة بالأسلحة الثقيلة تتبع للدعم السريع إلى مدينة مروي بالولاية الشمالية، حيث تمركزت في وحول المطار والقاعدة الجوية التابعة للجيش لترتفع حدة التوترات إلى درجة غير مسبوقة.
في هذه الأثناء، أصدر الجيش بياناً شديد اللهجة حذر فيه من أن البلاد تعيش في منعطف تاريخي خطير وأنه يدق ناقوس الخطر، مشيراً إلى أن قوات الدعم السريع تحركت إلى مروي بدون التنسيق معه. في المقابل، قالت الدعم السريع إن قواتها ذهب إلى مروي ضمن ما وصفتها بمهامها المنصوص عليها في القانون.

ويومي الخميس والجمعة دقت القوى السياسية ناقوس الخطر محذرة من خطر وشيك يتهدد البلاد، قبل أن تبدأ قوى سياسية بالإضافة إلى حركات مسلحة مبادرات للتوسط بين البرهان وحميدتي، واللذين أبديا لوفود الوساطة التزامهما بوقف التصعيد.
لكن في صباح اليوم السبت، وعلى نحو بدا مباغتاً، بدأت اشتباكات مسلحة جنوبي العاصمة الخرطوم، سرعان ما امتدت إلى أنحاء مختلفة من البلاد خلفت عدداً غير معلوم بعد من الضحايا المدنيين، بالإضافة إلى العسكريين.
وكان الجيش السوداني، قد أعلن في وقت سابق من اليوم السبت، أن الدعم السريع أصبحت قوات متمردة، ولاحقاً أعلن قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان حلها، بحسب ما أعلن جهاز المخابرات العامة.

أطفال السودان… ظروف مميتة وحرمان من التعليم، كيف تتسع الهوة كلما دلفنا إلى الريف؟

تعطي حالة تسمم عشرات التلميذات والتلاميذ في أقصى إقليم النيل الأزرق جنوب شرقي البلاد مثالاً واضحاً ومتكرراَ للفوارق التنموية، كلما خرجت من العاصمة السودانية الخرطوم، ويممت وجهك إلى أي إقليم آخر ناءٍ، أو حتى قريب، مثل الجزيرة أو نهر النيل. 

مثال تسمم أكثر من 50 تلميذة وتلميذ في قرية سمسور بمحافظة باو (إقليم النيل الأزرق) في الثالث عشر من مارس الماضي، نتيجة تناولهم عقار طبي وصف لهم خطأً، ونقلهم على إثره إلى مستشفى الدمازين، يحدث مراراً وتكراراً حتى في أطراف العاصمة التي فر إليها الملايين من جحيم الحروب والفقر.

وحادثة سمسور التي كادت تودي بحياة عشرات الأطفال، ليست حادثة معزولة يتجلى فيها سوء الاهتمام بما يحدث داخل المؤسسات التعليمية بخاصة المدارس، وإنما تمتد القضية إلى بنية التعليم في مناطق وأرياف السودان المختلفة والتي ترتبط في الأساس بغياب الدولة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها.

غياب الدولة المنهجي في أطراف البلاد كان قد تجسد بشكل واضح في حادثة وفاة 24 طفلاً في أغسطس من عام 2018 في منطقة المناصير بولاية نهر النيل شمالي السودان، بعدما غرقت المركب المتهالكة التي كانت تقلهم إلى المدرسة. حيث أنهم في العادة يقطعون المسافة سيراً على الأقدام، ولكن مع دخول فصل الخريف اضطروا لاستخدام القوارب نسبة للفيضانات التي غمرت المنطقة. وغرباً، نشهد بصورة تكاد تكون سنوية،  تعرض الطلاب في مراحل مختلفة وخاصة الشهادة السودانية في دارفور لحوادث سير تودي بحياتهم، وهم في طريقهم إلى مراكز الامتحانات بعواصم الإقليم، وتسببت آخر تلك الحوادث في وفاة 7 طلاب فيما تعرض 12 آخرين لجروح جراء انقلاب الحافلة التي كانت تقلهم.

أوضاع قاسية

أوضاع التعليم والأطفال خاصةً، تصل إلى ذروة الخطر، فبحسب تقرير لمنظمة (اليونيسيف) في سبتمبر 2022، فإن هناك ما يقدر بحوالي 6.9 مليون طفل وطفلة من هم خارج الحقل التعليمي في السودان، أي ما يعادل وجود طفل من ضمن كل ثلاثة أطفال في سن الدراسة لا يتلقون تعليماً مدرسياً. ويشير التقرير إلى أن دراسة 12 مليون طفل ستتعرض للانقطاع، نسبة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يعيشها السودان، والتي ستتسبب في نقص المعلمين وتدهور البنية التحتية للتعليم.

فوارق تنموية… فوارق تعليمية

 

 تتمظهر هذه الفوارق الجوهرية والتأثيرات البنيوية بصورة أكبر وأعنف في أطراف وأرياف السودان التي تشهد نزاعات أو تهميش اقتصادي وفوارق تنموية. فضلاً عن إهمال الدولة، دمرت الحروبات المتواترة غالبية المؤسسات والمنشآت التعليمية، كما شردت الملايين من مناطقهم الأصلية إلى مخيمات نزوح ومدن جديدة لا توفر لهم أدنى مقومات الحياة اليومية، مما يضطر آلاف الأسر للانخراط  كلياً في السعي إلى توفير متطلبات الحياة اليومية من طعامٍ ومياه. 

وفي ظل هذه الظروف القاسية، سواء في أطراف الخرطوم أو أقاليم أخرى مثل شرق السودان، حيث تضطر عائلات كثيرة في المناطق النائية والفقيرة هناك، لإرسال أبنائها لجلب مياه الشرب بدلاً عن إرسالهم إلى المدارس، إذ تستغرق في العادة هذه الرحلة ما بين 4 إلى 10 ساعات يومياً، في حال استقلال الحمير والإبل. حيث في هذه الحال، في ظل سعي مستمر لتوفير أساسيات الحياة، يصبح تحقيق التعليم نوعاً من الاستحالة.

آثار مدمرة

لا يقتصر ما يحدثه غياب التعليم، في أرياف ومناطق السودان المهمشة بصورة خاصة، على حرمان الأطفال من حقهم الدستوري والإنساني وزيادة نسبة الأطفال غير المتعلمين فحسب، بل تمتد آثاره لتشمل تعرض الأطفال للاستغلال والانتهاك في أماكن العمل التي يضطرون للالتحاق بها، علاوة على تعزيز الفوارق التنموية بين المدينة والريف عبر الخلل في معادلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإعادة خلق دائرة مفرغة من الحروب والفقر.

الحرب والفقر

وتدهور التعليم، خارج الخرطوم عامةً وفي أطراف السودان خاصةً، له صلة وثيقة بما تعيشه تلك المجتمعات تحت وطأة الحروب والفقر المدقع. وفق دراسة (اليونيسيف) يتمركز جل الأطفال المحرومين من التعليم في إقليم دارفور الذي يعاني من تبعات حرب أهلية وصراعات قبلية، الأمر الذي تسبب في نزوح الملايين واستيطانهم في مخيمات النزوح داخل السودان، واللجوء إلى دول أخرى. ومع فقد الكثير من الأسر لوسائل وأدوات كسب رزقهم، إضافة إلى أفراد أسرهم المعيلين، فإن الأطفال أنفسهم دخلوا ضمن سلسلة لا متناهية من العمل وامتهان مهن هامشية وشاقة، سعياً لتوفير لقمة العيش.

وفي المناطق التي لا تشهد حروباً أو نزاعات، لكنها مهمشة تنموياً، مثل شرق السودان، فإن غالبية سكانه يرزحون تحت طائلة الفقر المدقع، وسط انهيار كامل لقطاع الخدمات، مما يجعل السكان موزعين على مناطق نائية، لا توفر أدنى فرصة لتوفير مساحة للتفكير في التعليم كضرورة.

تعليم الرحل

في ظل سياسات حكومية غير مكترثة كثيراً تجاه التعليم العادل، فإن القضية تكاد تمس كل الشرائح المختلفة في السودان، ومن ضمنهم الرحل، الذين يمثلون شريحة كبيرة من السكان. فبحسب تعداد العام 2008، بلغت نسبتهم 1.7% من جملة السكان، ولهم دور اقتصادي كبير ضمن الناتج القومي في السودان، والذي بلغ في العام 2007 حوالي 15.4%. لكن برغم ذلك، فإن الرحل يعانون من صعوبات جمة في مسائل التعليم، نسبة لطبيعة أنشطتهم الحياتية القائمة على الترحال وعدم مقدرة الدولة في الإيفاء بالالتزام اتجاههم.

غياب الدولة

يتجسد غياب الدولة في تدني الموازنة السنوية المخصصة للتعليم وعدم استعداد في كل المجالات من تهيئة بيئة مدرسية وإعداد معلمين بل حتى ايجاد مدارس بديلة لتلك التي دمرتها الحروب في أقاليم: جنوب كردفان، النيل الأزرق ودارفور.

وفي خضم هذه المأساة، أصبح السودان يحمل أعلى نسبة للأطفال خارج التعليم في منطقة الشرق الأوسط، وهي ما تعادل ثلث نسبة العدد الإجمالي من الأطفال. كما أن التحدي الماثل لا يكمن فقط في إلحاق هؤلاء الأطفال بالتعليم، ولكن في توفير مساحات لمواصلة رحلتهم، حيث يتسرب معظم الأطفال من المدارس قبل إكمال المرحلة الابتدائية. ومع ذلك، نجد غياب دور الدولة وتقشفها في الصرف على التعليم، قد ازداد بعد انقسام السودان، ليتحول التعليم لمجال استثمار وسلعة غالية وغير متاحة لعامة السودانيين، الأمر الذي تضاعف برفع الدولة يدها بشكل شبه كامل عن التعليم، خاصة في الريف ومناطق النزاع والحروب والضعف التنموي، ليصير الحصول على التعليم  نشاط تحفه المخاطر القاتلة، في ظل بنية تحتية متهالكة وفقر بنيوي يحيط بالأطفال ويرسم مستقبلاً ضبابي لمصائرهم.

سياسات حكومية ترسل المزارعين إلى السجون، وتغيرات مناخية تعمق أزمة الغذاء في السودان

أية السماني

أية السماني

“زجت السلطات بعدد من المزارعين بسبب تخلفهم عن سداد ديون البنك الزراعي. خسرنا الكثير هذا العام واضطررنا لبيع القمح بنصف تكلفة إنتاجه، كما لم تفِ الدولة بشراء المحاصيل، لذلك بالتأكيد لن يتمكن أحد من سداد الدين”. يقول عضو اتحاد مشروع سندس الزراعي بالولاية الشمالية،مأمون الفكي، لـ(بيم ريبورتس).

لم يقف القطاع الزراعي بمعزل عن بقية القطاعات التي تأثرت بالتوجه الاقتصادي الحديث للسودان، حيث كان له نصيبُ متعاظم من الضغط الناجم عن السياسات التي أقرتها حكومة السودان الانتقالية، في فبراير 2021، بتحرير اقتصادي اقتضى رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء والسلع الاستهلاكية، بدواعي قطع الطريق أمام الفساد في بعض القطاعات وإنعاش بعضها.

وبالنسبة للمزارعين، فإن التكاليف قد ارتفعت بشكل عام للمشاريع الزراعية، إلا أن الأسعار تتفاوت حسب أنظمة الري؛ وكان للمشاريع المروية بولايتي نهر النيل والشمالية التأثير الأعظم، نسبة لاعتمادها على مضخات الديزل، في المقابل كان التأثير أقل على المشاريع التي تعتمد على التوليد الكهربائي كمشروع الجزيرة.

الجدير بالذكر أن ارتفاع الأسعار كان له أثراً بالغاً في ارتفاع تكاليف النقل والتوزيع، علاوة على ارتفاع تكلفة مدخلات الزراعة من تهيئة للتربة وحصاد وعمالة.

سياسات تزداد شراسة

لم يتوقف الأمر، بالنسبة للمزارعين، على رفع الدعم المحروقات، فمع انقلاب قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر 2021، بدا واضحاً أن حكومة الأمر الواقع ستنتهج ذات السياسات ولكن بصورة أشرس وأوسع، عبر فرض الضرائب على جميع القطاعات ورفع الدعم عن مزيد من السلع.

كان اتجاه وزارة المالية متوقعاً نسبة لتوقف المانحين الدوليين عن تمويلهم للسودان، فخسارة السودان للتعهدات المالية التي قدرت بأكثر من 4 مليارات دولار من دول وصناديق اقتصادية دولية كان لابد أن يقابل بحلول فورية، ولم تخف موزانة العام 2022 اعتمادها، على  الإيرادات الداخلية التي تمثلت في الضرائب وحدها  في سبيل تغطية عجزها المقدر بنحو 40%.  

احتجاجات وإغلاق

في يناير 2022، نفذت حكومة الأمر الواقع زيادة في تعرفة الكهرباء وصلت الى 600% وفور تنفيذ القرار طُبقت الزيادة مباشرة على استهلاك القطاع الزراعي.

أطلق هذا القرار شرارة الاحتجاجات في أوساط سكان المناطق التي تمثل فيها الزراعة عصب الحياة للمواطنين والوسيلة الوحيدة لكسب عيشهم، وبتنفيذ قرار مفاجئ في خضم الموسم الشتوي، أصبح المزارعون بين خيار إيقاف مشاريعهم التي لم تُهيأ لاستقبال هذه الزيادة أو الاحتجاج حتى إلغاء التعرفة الجديدة للكهرباء. حيث أغلقوا في 9 يناير طريق شريان الشمال القاري (الذي يربط بين السودان ومصر) وأُعِدت مذكرة قدمها المحتجون إلى والي الولاية، حيث حوت المذكرة مطالب بتقليل تعرفة الكهرباء إلى جانب مطالب أخرى تمس المزارعين بالمنطقة.

وعود مجهضة

أقرت السلطات بتجميد مؤقت في تعرفة الكهرباء لأصحاب المشاريع الزراعية، كما قدمت الكثير من الوعود لسكان المنطقة، بسبب أن إغلاق الطريق كان مكلفاً لحكومة الأمر الواقع التي تواجه في الأصل احتجاجات متفرقة في مناطق السودان المختلفة. وبالرغم من أن الحراك وجد تضامناً واسعاً من كافة أنحاء السودان، وكان له تأثيراً مباشراً على حكومة الأمر الواقع وأجهزتها، إلا أن الحكومة تنصلت عن تلك الوعود لاحقاً.

السجون في انتظارهم

 تواصلت سياسات رفع الدعم وفرض الجبايات والضرائب، كما استمر الارتفاع في تكاليف مدخلات الزراعة من تقاوٍ وأسمدة وجازولين طوال العامين المنصرمين، الأمر الذي أدخل المزارعين بمختلف قطاعاتهم الزراعية، في تعقيداتٍ عديدة ضاعفت العبء الاقتصادي الذي يعاني منه جميع مواطني السودان وقطاعاته.

وألقت السلطات، خلال الأشهر السابقة، القبض على عدد من المزارعين المعسرين والمتخلفين عن سداد قروض البنك الزراعي والجهات الزراعية الممولة، في الوقت الذي يرى فيه المزارعون أن الموسم الزراعي كان فاشلا ومكلفاً، نسبة لشح الأمطار في قطاع الزراعة المطرية، علاوة على ارتفاع تكاليف مدخلات الزراعة ذاتها.

ويوضح مأمون في هذا السياق قائلاً:” فوجئنا فور حصاد القمح،  بأنه يباع في السوق بنصف السعر المحدد للمزارعين من البنك الزراعي، ولاحقاً علمنا أن الدولة حصلت على منحة قمح خارجية أدت لانخفاض أسعاره”.

وكانت حكومة الأمر الواقع قد استقبلت في نوفمبر 2022 شحنة قمح بميناء بورتسودان، قُدرت بـ 52,521 طن، مقدمة من المملكة العربية السعودية.

ويضيف مأمون:”يعمل المزارعون وفق السعر الذي يحدده البنك الزراعي، والغالبية يعتمدون على نظام الاستدانة من البنك الزراعي لشراء مدخلات الزراعة، فيما تطمئنهم الوعود الحكومية بشراء المحاصيل. والآن، بعد انخفاض أسعار القمح إلى نصف التكلفة المبذولة للإنتاج، فإن المزارعين تعرضوا للخسارة، ولم تف الدولة بشراء المحاصيل وأصبح المزارعون يواجهون أزمة حصادهم الخاسر والعجز عن سداد ديون البنك الزراعي وانتهى الأمر ببعضهم في السجون”.

سياسات مغايرة :

وخلال الفترة 2012 -2021 أبدت حكومة السودان الانتقالية اهتماما واضحا بالقطاع الزراعي، و في الفترة التي سبقت انقلاب 25 اكتوبر شهد السودان أحد أنجح مواسم زراعة القمح منذ أعوام. 

في 8 مارس 2021 وجه رئيس وزراء حكومة السودان الانتقالية، عبد الله حمدوك، بزيادة سعر شوال القمح من المزارعين قائلا “ما يحكمنا في السياسة السعرية لمحصول القمح ليس فقط أن يكون السعر مجزياً، بل أن يكون محفزاً للإنتاج». وأضاف لذلك قررنا رفع السعر التأشيري لجوال القمح من 10000 جنيه إلى 13500 جنيه”.

وشهد موسم القمح 2021 إنتاجا غير مسبوق في محصول القمح حيث بلغت جملة المساحة المزروعة بالقمح هذا الموسم 510 آلاف فدان، وسط توقعات أن يغطي الإنتاج أكثر من 60 في المائة من احتياجات الاستهلاك الداخلي.

مهددات المناخ

تقدر ثلث مساحة السودان باعتبارها أراضٍ صالحة للزراعة، في حين يشكل الجزء المستغل للزراعة منها 25% فقط، وتهدد هذه المساحة المتواضعة، ونظيرتها غير المُستغلة آفة التغير المناخي، التي أصبحت من أهم القضايا الشاغلة لدول عدة في العالم. لكن وبرغم المخاطر التي في انتظاره لا تقع قضية تغير المناخ بين هموم السودان الحالية، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول مستقبل موارد البلاد الطبيعية، والتي تعتبر احتياطي محتمل قابل للتطوير في المستقبل، ضمن سردية إمكانية أن يصبح السودان سلة غذاء عالمية وفي أقل الفروض سلة إقليمية ولمواطنيه قبلاً.

يتمظهر التغير المناخي في أشكال عدة، يواجه السودان منها حالياً السيول والفيضانات، وفي مناطق أخرى متفرقة يواجه نقيضها من موجات جفاف وارتفاع مطرد في درجات الحرارة . 

على الرغم من خطورة قضايا التغير المناخي وتأثيره المباشر على الاقتصاد والوضع الاجتماعي في البلاد، إلا أنه في خضم صراع سياسي متواصل وانهيار اقتصادي، تدخل هذه القضية ضمن موضوعات الترف السياسي ويتغذى هذا المفهوم على الفكرة العامة بأن السودان إحدى الدول الأقل نموا ولا يصنف بين الدول الصناعية، ما يجعل نسبة الانبعاثات ضئيلة جدا مقارنة بدول أخرى، وفي حقيقة الأمر، فإن ذلك لا يلغي كون السودان متأثرا ضمن بقية الدول.

 

وتشير تقارير إلى أن مناطق شاسعة في السودان قد تصبح غير قابلة للحياة البشرية، و بالنسبة للزراعة في السودان، فيمكن التكهن بمدى الضرر الذي سيقع على القطاع إذا ما استمر التجاهل الرسمي للقضية.

وفي نوفمبر 2021 حذر تقرير صادر بعد انعقاد مؤتمر (كوب 26) المرتبط بالمناخ في غلاسكو أن 65 دولة متأثرة بتغير المناخ على رأسها السودان ستشهد انخفاضا في إجمالي ناتجها المحلي بمعدل 20% خلال العقود الثلاث المقبلة.

وخلال العقد الأخير شهدت مواسم الزراعة المطرية بالخريف تذبذباً في كميات الأمطار مما أربك عملية الزراعة، التي تعتمد بشكل كامل على توقع كميات الأمطار وتوقيت دخول الخريف الذي يتطلب استقراراً مناخياً لنجاحه.

انعدام الأمن الغذائي

شهد القطاع الزراعي خلال العقود الثلاثة الأخيرة تدميراً وفساداً طال كافة المشاريع الزراعية بالسودان، بما في ذلك فقدان أكبر المشاريع الزراعية في السودان (مشروع الجزيرة) لأكثر من 85% من شبكة ريّه التصميمية، وهو المشروع المعتمد في الأساس على الري الانسيابي. 

وتهدد تداعيات إنهيار القطاع الزراعي الأمن الغذائي في السودان، وأعلنت الأمم المتحدة في تحديثها الأخير أن عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في تزايد مستمر، وبحسب إحصاءاتها تشير الأمم المتحدة إلى أن 4 ملايين امرأة وطفل دون السن الخامسة يحتاجون إلى مساعدات إنقاذ وتغذية خلال العام 2023، كما تشير التقديرات إلى أن ربع سكان السودان (11.7 مليون شخص) يواجهون الجوع الحاد.

وبينما تتسع فجوة انعدام الأمن الغذائي، في المقابل يواجه القطاع الزراعي تدهوراً مستمراً، ليغلق بذلك الأبواب أمام التعويل عليه لسد الفجوة الغذائية بالبلاد. وحتى الآن لا يبدو أن حكومة الأمر الواقع تستشعر عواقب الانهيار الذي يعاني منه القطاع الزراعي، إذ ما تزال مستمرة في سياساتها بالتضييق على المزارعين، من خلال فرض الجبايات والزيادات المطردة في مدخلات إنتاجهم، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى عزوف مزيد من المزارعين عن العمل بالزراعة لاستحالة قدرتهم على مجاراة هذه السياسات.

ويعتمد اقتصاد السودان بشكل كبير على القطاع الزراعي، حيث يسهم القطاع الزراعي بشقيه المروي والمطري بنحو 44% من إجمالي الناتج القومي بالبلاد.  وبحسب المنظمة العالمية للغذاء والزراعة (الفاو)، فإن عدد الأشخاص الذين يعملون بالزراعة يبلغ نحو 65% من سكان السودان.

السفير جون غودفري.. دبلوماسية واشنطن المتسارعة في سودان الثورة والانقلاب

في أواخر أغسطس العام الماضي، حطت على أرضية مطار الخرطوم قدمي أول سفير أمريكي للولايات المتحدة في السودان منذ حوالي 25 سنة. 

وصل الدبلوماسي الأمريكي الرفيع، جون غودفري، ذو الخلفية الأمنية، والذي خدم في بعض دول العالم العربي ذات الوضع الشبيه بوضع السودان، إلى العاصمة الخرطوم، سفيراً فوق العادة في مهمة تبدو متشابكة ومعقدة في أعقاب ثورة وانقلاب في أقل من  3 سنوات.

غداة وصوله، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي السودانية بالتعليقات، خاصة ما اعتبره البعض، أن مقدم غودفري في ذلك التوقيت يعد اعترافاً بانقلاب 25  أكتوبر 2021. 

ومع ذلك، فإن مرحلة تطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشنطن التي أتت بغودفري، هي، عصارة مجهودات رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، التي دشنت برفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في ديسمبر 2020، وقبلها توقيع اتفاق لتبادل السفراء بي البلدين.

خطابات عدائية

يأتي تعيين أول سفير أمريكي بالسودان، بعد عقود من خطابات عدائية تجاه الدول الغربية ظلت تلقيها قيادات حكومة الرئيس المخلوع، عمر البشير، على مسامع الشعب السوداني مثل خطاب البشير في  ٨ نوفمبر ٢٠٠٨ الشهير في منطقة (الصباغ) بولاية القضارف في شرق البلاد، الذي ذكر فيه أن : “أمريكا وبريطانيا وفرنسا كلهم تحت مركوبي ده”، قبل أن يشير بإصبعه الى حذائه. 

غداة وصوله في خضم انقلاب عسكري وثورة مستمرة وعلاقات كانت مضطربة لعقود، وجه سفير واشنطن بالخرطوم، في سبتمبر الماضي، في أول خطاب له حديثه إلى السودانيين مباشرةً، معلنا نيته تعزيز علاقة الولايات المتحدة مع الشعب السوداني ودعم رغبتهم في دفع عجلة التحول الديمقراطي تحت قيادة مدنية.

سفارة ضخمة بالخرطوم بدون سفراء

رغم توتر العلاقات بين البلدين، على مدى عقود، إلا أن واشنطن نقلت مقر سفارتها من وسط الخرطوم إلى منطقة سوبا، جنوباً، بعدما شيدت مبنى ضخماً، احتل مساحة 40 ألف متر مربع. وهو يعد أكبر مبنى لسفارة أمريكية في أفريقيا بعد سفارتيها في القاهرة وجنوب أفريقيا. رغم ذلك، ظل ممثلو واشنطن الدبلوماسيين بدرجة قائم بالأعمال، فيما ظلت سياستها على مدى ربع قرن قائمة على تعيين مبعوثين خاصين لها في السودان.

الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب

وغودفري حاصل على درجة البكالوريوس من جامعة كاليفورنيا ودرجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من جامعة ميتشيغان، وكان يشغل منصب القائم بأعمال منسق مكافحة الإرهاب والمبعوث الخاص بالإنابة للتحالف العالمي لمكافحة (داعش) في مكتب مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية.

وفي وقت سابق شغل منصب المستشار السياسي في سفارة الولايات المتحدة في الرياض، ورئيساً لموظفي نائب وزير الخارجية، وعمل مستشاراً سياسياً واقتصادياً في سفارة الولايات المتحدة في عشق آباد، تركمانستان، ومسؤولًا سياسياً في سفارة الولايات المتحدة في دمشق.

كما عمل أيضاً رئيس الموظفين لنائب وزير الخارجية آنذاك ويليام بيرنز، الذي يشغل الآن منصب مدير وكالة المخابرات المركزية في إدارة بايدن ، ومستشار الحد من التسلح في البعثة الدائمة للولايات المتحدة لدى المنظمات الدولية في فيينا (2010-2013)؛ نائب المستشار السياسي للشؤون الشمالية في سفارة الولايات المتحدة في بغداد (2009-2010). والمستشار السياسي والاقتصادي في سفارة الولايات المتحدة في طرابلس (2007-2009)، حيث كان جزءاً من الفريق الصغير الذي وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية تسوية مطالبات الولايات  المتحدة من ليبيا التي تضمنت تعويض أسر ضحايا تفجير لوكربي وغيره من الأعمال الإرهابية.

سفيراً لكل السودانيين

 منذ تعيينه استفتح السفير خطاباته أكثر من مرة بتعبيره عن سعادته بالعمل في السودان والتعرف على شعبه وتعزيز العلاقات الثنائية والروابط معه، مشيرا إلى أن فهم الشعوب هي مهمة كل الدبلوماسيين في البلاد التي يعملون بها.

 “سأكون سفيرا لكل السودانيين، وسأسافر لكل أنحاء البلد لفهم الثقافة السودانية، وأرى الضيافة المعروف بها السودان”، هكذا تحدث غودفري لحظة توليه المنصب ورغم شغله الرأي العام السوداني والعالمي، وقتها، إلا أن أحداً ربما، لم يأخذ حديثه عن فهم الثقافة السودانية على محمل الجد باعتبار أنه حديث دبلوماسي عابر.

لكن، ومنذ أن تسلم مهامه رسمياً، ظل غودفري يفاجئ الرأي العام بزياراته إلى مختلف الأماكن والولايات السودانية، ومحاولة الاندماج في المجتمع وتقربه من المشايخ وقادة الطرق الصوفية وفنانين وشخصيات عامة. 

فتارة يغرد مروجاً للآثار السودانية وتارة يظهر كمشجع لكرة القدم النسائية، فيما غلب على منشوراته طابع يوميات الزيارات الاجتماعية والتهاني في المحافل والمناسبات الدينية، وهو ما جعله محط  تعليق دائم في محاولة لفهم النهج الذي يتبعه في السودان منذ قدومه.

أما الراهن السياسي، فلم يجد حظاً كبيراً في تغريداته الرسمية التي خلت من أي لهجة تشديد أو توجيه.

زيارات خارج الخرطوم

في العاشر من سبتمبر  العام الماضي، في أولى جولاته خارج الخرطوم، منذ تسلمه مهامه، زار السفيرالأمريكي ولاية شمال درفور لمدة 3 أيام، بهدف التعرف على الأوضاع في الإقليم خاصة فيما يلي تنفيذ اتفاق سلام جوبا بجانب التعرف على قضايا التنمية والاستقرار بما يمكن أمريكا من الاضطلاع بدور أكبر في تعزيز الأمن في السودان، وفق ما قالت السفارة في تغريدة رسمية لها.

 كما زار غودفري مخيم زمزم للنازحين (15كلم) جنوب مدينة الفاشر، وعقد لقاء مع المنظمات والهيئات الدولية العاملة بالولاية، فضلاً عن  لقاء آخر جمعه مع والي الولاية وقادة الإدارات الأهلية ولجان المقاومة، وشملت الزيارة جامعة الفاشر وقرية طرة شمال الفاشر.

شرق السودان كان مسرحاً لثاني زيارات الدبلوماسي الأمريكي خارج العاصمة، إذ نشرت السفارة الأمريكية تغريدة عن زيارة السفير في أكتوبر الماضي ومقابلته قادة أهليين مثل الناظرين عامر علي إبراهيم دقلل ومحمد الأمين ترك. إذ قال حساب السفارة وقتها إن غودفري أجرى “نقاشاً حافلاً بالمعلومات مع ناظر الهدندوة محمد الأمين ترك وأعرب عن تقديره لسماع وجهات نظره حول تحديات شرق السودان وأولوياته، فضلاً عن الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق بشأن حكومة مدنية جديدة”.

فيما أشارت تغريدة أخرى إلى نقاش عميق وغني بالمعلومات جمع بين “السفير ودقلل” عن وجهات نظره حول تحديات شرق السودان وأولوياته.

الاحتفاء بالمائدة السودانية

” فضولي تجاه المأكولات السودانية أثارته أحاديث أصدقائي وزملائي الذين امتدحوا مائدة سكان هذا البلد في شهر الصوم وضرورة تذوقها”، بتاريخ 18 أبريل 2021، عبر القائم بالأعمال الأمريكي السابق في الخرطوم براين شوكان وزوجته عن استمتاعهما بمائدة سودانية، لكن التجربة التي كانت ليوم واحد عند شوكان، أصبحت الاهتمام الدائم لدى غودفري، إذ نشر السفير تغريدة أثناء زيارته للولاية الشمالية في  منتصف يناير الماضي  يقول فيها: “سعدت كثيراً بوجبة القراصة مع أسرة الأستاذ عبد الوهاب علي عيسى بمنزلهم العامر في كريمة. كما تناولت تموراً وفواكه طازجة من هذا الموسم في الملتقى”. كما وثق لزيارته قهوة أم الحسن على طريق شريان الشمال والتقى عائلة السيدة الراحلة.

 

وفي فبراير الماضي، بعد نشره صوراً له من داخل مزراع الموز بمدينة الدمازين عاصمة إقليم النيل الأزرق أرفقها بقوله: “سُررت بزيارة إحدى مزارع الموز التي يشتهر بها إقليم النيل الأزرق. وهذا تذكير بالإمكانيات الهائلة لزيادة الإنتاج الزراعي التي يمكن للولايات المتحدة والسودان العمل معًا لتحقيقها عند تشكيل حكومة جديدة بقيادة مدنية”. 

 

يومها عقد غودفري لقاءات عديدة مع مكونات الإقليم ومجموعات شبابية للتعرف على التحديات التي يواجهونها ومجتمعاتهم، وآمالهم في الحرية والسلام والعدالة. بجانب إقامة فعالية له في مجمع الدمازين الثقافي الذي تدعمه الوكالة الأمريكية للتنمية بالعروض والموسيقى من مجموعات مختلفة بالنيل الأزرق.

الجبل المقدس

وفي الشمالية، وثّق السفير لزيارته لمناطق أثرية بالولاية ونشر صوراً له من أعلى قمة جبل البركل ومن مقابر الكرو ” 15 كلم من البركل”، قائلاً: “استمتعت بمنظر خلاب هذا الصباح على قمة جبل البركل المقدس، أحد الكنوز الثقافية العديدة التي تشرفت بزيارتها في السودان كما أتيحت لي الفرصة لزيارة المواقع الأثرية في الكرو”. مضيفاً “تعلمت الكثير عن التاريخ السوداني من الخبراء في متحف جبل البركل”. وتخللت الزيارة لقاءات جمعته بالسكان المحليين وبطلاب آثار إذ قال عنها: “شرفني كثيرا لقاء سكان محليين وعلماء وطلاب آثار سودانيين يعملون جنباً إلى جنب مع نظرائهم الدوليين للكشف عن المواقع الآثرية الموجودة هنا في السودان والمحافظة عليها، وأشار إلى تاريخ السودان قائلا: “يعد تاريخ السودان الغني جزءا مهما من تاريخ العالم”.

وتضمنت جولة السفير بالولاية الشمالية زيارة منطقة الكاسنجر السياحية ختمها بجلسة في منزل أولاد حاج الماحي الذين قدموا له درع هدية، وأشاد بحفاوة استقبالهم وعبر عن سعادته برؤيتهم ماضين في إرث العائلة المتمثل في دعم وتعزيز السلام والتسامح ضمن تغريداته.

السفير ومشايخ الطرق الصوفية

“أنا أقدر دور الصوفية في تشكيل الهوية السودانية والتسامح” ، غرد السفير في سبتمبر الماضي بعد زيارته مقبرة الشيخ حمد النيل بأمدرمان، مشيرا إلى أنه كان يتوق إلى مشاهدة الدراويش الصوفيين قبل وصوله السودان. كما كان حضوراً في أمدرمان أثناء احتفالات المولد النبوي الشريف بحوش الخليفة في أكتوبر الماضي، وطاف على عدد من خيام الطرق الصوفية وتوقف بخيمة الختمية واستقبله الخليفة البكري الخليفة أحمد.

ظهور سياسي شحيح

بعد توليه مهامه رسمياً التقى غودفري وفداً من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وشدد بعد لقائه قيادات التحالف، على أن سياسة حكومة الولايات المتحدة ثابتة في دعم التحول المدني الديمقراطي في السودان وأنها ستستأنف التعاون المشترك بين البلدين حين يتم استعادة مسار التحول الديمقراطي الذي تقوده حكومة مدنية ذات مصداقية.  

وقتها نقل إليه وفد الحرية والتغيير رؤيته عن “جوهر الأزمة في البلاد” هو انقلاب 25 أكتوبر، وأن تأسيس سلطة مدنية كاملة لن يكون إلا بإنهائه.  كما التقى وفود من العسكر وممثلي الحركات المسلحة، وجمعه لقاء مع  لجان المقاومة الذين شددوا بدورهم على عدم القبول بأي تسوية مع قادة الانقلاب، إلا أنه لم يعلق بشكل كبير على الأحداث السياسية ولم يظهر كشخصية دبلوماسية مؤثرة في التحولات السياسية بالبلاد.

ورغم أن السفير الأمريكي لم يجرِ مقابلات صحفية كثيرة للتعليق على الشأن السياسي، إلا أن المقابلة التي أجراها مع صحيفة التيار أواخر سبتمبر الماضي اعتبرت الأشهر وأثارت جدلاً واسعاً، إذ عبر فيها عن قلقه من تجدد ذكرى انقلاب 25 أكتوبر دون وصول السودانيين إلى اتفاق، وأشار إلى ضرورة الاعتراف بوجود قلق بين السودانيين وعند الشركاء الدوليين من الذكرى.  وأوضح أن بلاده ترغب في أن تكون الشريك الذي يختاره السودان واصفا إياه بالهدف الذهبي بالنسبة لها، لكنها تشترط أن يكون مفتاح هذا التواصل وقدوم الاستثمارات هو وجود حكومة بقيادة مدنية والإطار الدستوري الذي يستعيد المسار الانتقالي في السودان ورحب وقتها بمبادرة دستور نقابة المحامين ووصفها بـ التطور الإيجابي.

ولعل أبرز ماعلق عليه غودفري في تلك المقابلة، رده على تصريحات المستشار الإعلامي لقائد الجيش، الطاهر أبو هاجة قائلاً: “ليس صحيحا ما قاله أبو هاجة بأن مشاركة البرهان في الأمم المتحدة تعني أنها صفحة جديدة مع الغرب وأمريكا”، وهو ما أوضح كثيراً عن مدى اعتراف أمريكا بالانقلاب وقتها ونظرتها للبرهان”.

خلع الدبلوماسي الأمريكي الرفيع، للحظة وجه الحكمة والهدوء، عندما أشار الصحفي المحاور إلى سيرة اعتزام روسيا إنشاء قاعدة في البحر الأحمر، قائلاً باقتضاب “إذا مضت حكومة السودان قدمًا نحو إنشاء قاعدة روسية في البحر الأحمر أو استأنفت التفاوض بشأنها فسيكون هذا الأمر مضراً بمصلحة السودان”. وهو ما ترك صدى جعله موضع تحقيق، حيث أشارت تقارير إخبارية إلى أن وزارة الخارجية السودانية استدعته للتوضيح، لكن مع ذلك لم تشر الوزارة إلى هذا الأمر بشكل رسمي.

إطلاق سراح أبو زيد يثير أزمة دبلوماسية

في الأول من فبراير الماضي، أصدرت محكمة سودانية، قراراً، وضع الدبلوماسي والخبير في مكافحة الإرهاب، في اختبار يفترض أنه سيثير غضبه ويوتر وجوده في السودان ويؤثر على مساره الدبلوماسي الهادئ، بعد إعلان محكمة سودانية سراح عبد الرؤوف أبو زيد أحد المدانين بقتل الدبلوماسي الأمريكي جون جرانفيل موظف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الخرطوم عام 2008. غير أن السفير تعامل مع الموقف بردة فعل لا تتماشى مع غضب بلاده من القرار. ففي الوقت الذي دعت فيه الولايات المتحدة، الحكومة السودانية لاستخدام جميع الوسائل القانونية المتاحة للعدول عن قرار الإفراج، إذ قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية السابق، نيد برايس، في تصريحات للصحفيين “ندعو الحكومة السودانية لاستخدام جميع السبل القانونية المتاحة للعدول عن ذلك القرار وإعادة احتجاز أبو زيد” وأضاف مشددا ” لن نهدأ”.

بينما علق  مساعد الوزير لشؤون شرق أفريقيا والسودان وجنوب السودان، بيتر لورد قائلا إنه سيناقش الأمر ويطالب باتخاذ إجراء خلال زيارته إلى الخرطوم الأسبوع المقبل.

فيما وصف السيناتور الأمريكي جيم ريش “أبرز عضو جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي” أن الإفراج عن أبو زيد أمر “شائن”، وقال في تغريدة على موقع تويتر “هذا الإجراء يدق إسفينا بين الولايات المتحدة والسودان ويكشف إفلات النظام من العقاب ويعقد مستقبل المساعدات الأمريكية”.

في الوقت الذي تتابعت فيه تصريحات المسؤولين الأمريكيين وتهديداتهم، بينما تم استدعاء سفير السودان لدى الولايات المتحدة محمد عبد الله إدريس بخصوص القضية، اكتفى غودفري الموجود في الخرطوم بأنه سيجري لقاءات مع الحكومة السودانية بدون لهجة تحمل صيغة تهديد أو وعيد، فيما واصل في زياراته الاجتماعية مع حلول شهر رمضان الذي ظهرت فيه السفارة الأمريكية بمنظر الراعي للإفطارات والفعاليات الرمضانية. 

 يقول السفير السوداني السابق لدى واشنطن نور الدين ساتي لـ( بيم ريبورتس): “ليس هناك في الاتفاقات والأعراف الدبلوماسية ما يحظر تحرك السفراء والدبلوماسيين في أنحاء البلاد المضيفة. وربما يتم الحظر أو التقييد لأسباب أمنية، أو لحالة عداء بين دولة السفير والدولة التي يعتمد لديها، أو لعدم توفر الثقة المطلوبة بينهما. وربما يتم الحظر بسبب إخفاء بعض الحقائق التي لا تود الدولة المضيفة أن يطلع عليها السفراء المعتمدين لديها، كحالات التجاوزات في إطار حقوق الإنسان على سبيل المثال”.

 

ويرى ساتي، أن السفير الأمريكي ربما يود انتهاج دبلوماسية الانفتاح على الواقع في البلد الذي يمثل بلاده فيه، مع مراعاة الظروف الأمنية في بعض الأحوال، أو الشكوك التي تنشأ في بلد كالسودان عانى خلال عدة حقب من العزلة الدولية والانغلاق السياسي والاجتماعي بسبب الأنظمة الشمولية المتعاقبة، أو لأسباب أيديولوجية ترتبط بالنظرة للولايات للمتحدة من قبل بعض الأطراف السياسية أو الاجتماعية في السودان.

 

ويتابع الدبلوماسي المخضرم: “يبدو من استقبال الناس له أنهم يستحسنون هذا الانفتاح علي المجتمع، قبل أن يشير إلى أن انتقاد آخرين لهذا التصرف يأتي بسبب الظروف السياسية والاجتماعية السائدة، أو لموقفهم المبدئي من الولايات المتحدة”.

 

وفيما يتعلق بتعامل الولايات المتحدة مع السفير السوداني هناك يشير ساتي إلى أن السفير السوداني يستطيع التجول في كافة أرجاء الولايات المتحدة دون قيود بعد رفع الحظر الذي كان مفروضاً خلال النظام السابق.

 

ورغم أن وزارة الخارجية السودانية، ممثلة في ناطقها الرسمي، عبد الرحمن خليل أشارت لـ(بيم ريبورتس) إلى علمها التام بتحركات السفير والتنسيق الكامل فيما بينهما.

 

ومع ذلك، قال خليل إن زيارات السفير الاجتماعية لا تتطلب بالضرورة موافقة الخارجية وتتبعها لحركته، مشيرًا إلى أنه عرفياً يفترض أن تتواصل الخارجية والسفارة الأمريكية في كافة الأحوال مع السفير.

 

 ورداً على سؤالنا حول سياسية السودان في المقابل تجاه الولايات المتحدة، تحفظ الناطق الرسمي على الرد، حيث رأى أن الحديث عن سياسات البلاد الخارجية يحتاج إلى حوار منفصل مع الوزارة.

 

في الأثناء، يواصل السفير تحركاته وأنشطته الرمضانية ذات الطابع الاجتماعي، فيما ترعى السفارة مهرجانات سودانية كبيرة مثل مهرجان بلاد النور حيث أحضرت (فرقة روك) أمريكية كبيرة في إحدى فعاليات المهرجان في مدينة عطبرة. أما على الصعيد السياسي، ما تزال الأنشطة محصورة فقط في إطار استعادة الانتقال الديمقراطي والذي تشترط واشنطن حدوثه لتمضي قدماً في تعميق العلاقات الرسمية بين البلدين.