Tag: حملات التضليل

«مرصد بيم» يكشف عن منصة باسم «ملفات عربية» تمارس التضليل ضد الجيش السوداني

مع تزايد الاعتماد على وسائل الإعلام الرقمية ومنصات التواصل الاجتماعي، كمصدر أساسي للمعلومات، تتفاقم مشكلة الانتشار السريع للمعلومات غير الدقيقة أو المضللة، مما يساهم في تشويه الحقائق وإرباك الجمهور، ويؤدي -في المحصلة- إلى تأثيرات سلبية في عملية صنع القرار وإدراك الجمهور للقضايا المهمة.

تعد الحروب والنزاعات المسلحة بيئة خصبة لانتشار الشائعات والمعلومات المضللة التي تهدف إلى التأثير في الرأي العام، أو ما يعرف بـ«التضليل الحربي» أو «الدعاية الحربية». ومنذ اندلاع النزاع في السودان في أبريل 2023، نشطت حملات تضليل تعمل على نشر المحتوى المضلل وتداوله، للتشويش على الجمهور وخداعه. وعمل فريق «مرصد بيم»، عبر مجموعة من التقارير، على رصد هذه الحملات الممنهجة وكشفها للجمهور.

في هذا السياق، لاحظ فريق «مرصد بيم» نشاطًا مريبًا لمنصة إخبارية إلكترونية تنشط في نشر معلومات غير دقيقة ومضللة أحيانًا عن الأوضاع في السودان، مستندةً إلى مصادر غير موثوقة، مما خلق حالةً من الضبابية حول ما تقدمه من محتوى. ويعرض هذا التقرير تحليلًا معمقًا لهذه المنصة وأهدافها والمصادر التي استعانت بها، بالإضافة إلى مدى توافق منهجها مع الدعاية الحربية لأحد طرفي  النزاع.

تبرز منصة «ملفات عربية» التي تملك حسابات على منصتي «إكس» و«فيسبوك» كمصدر لافت للانتباه بما تنشره من محتوى يتعلق بالدول العربية. ومنذ إنشائها في مايو 2020، اتخذت منصة «ملفات عربية»، عبر حسابها على «إكس» تحديدًا، منحًى تضليليًا في تناول الأحداث الجارية في السودان، إذ سلطت الضوء على الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» مع التركيز على مهاجمة أحد طرفي النزاع دون الآخر.

تحليل الحسابات:

لاحظ «مرصد بيم» تعدد حسابات منصة «ملفات عربية» على شبكة الإنترنت، مما يُظهر إستراتيجية متنوعة الأساليب للوصول إلى الجمهور، بدءًا من موقعها الإلكتروني الذي يقدم محتوًى مركزيًا بشأن أنشطة المنصة، ويمكِن للجمهور العثور على مقالات عن مواضيع مختلفة تتعلق بالعالم العربي على الموقع.

أما على منصة «إكس» (المعروفة سابقًا باسم «تويتر»)، فنجد أن  حساب «ملفات عربية» ظل نشطًا مع متابعين يبلغ عددهم نحو (33.5) ألف متابع. ونشر الحساب نحو (14.4) ألف تغريدة، بمعدل نشر يومي، منذ انضمامه إلى المنصة في مايو 2020. وصاحبَ هذا النشاط المكثف تفاعل مع الأحداث الجارية في السودان بطريقة مضللة، وهو ما يسعى هذا التقرير إلى كشفه. 

أما في منصة «فيسبوك» فيتابع حساب «ملفات عربية» متابعون أقلّ مقارنةً بمنصة «إكس»، إذ يبلغ عددهم (8.5) ألف متابع. وانضم الحساب إلى «فيسبوك» في يونيو 2020. والمثير للاهتمام هو أنّ اسم الحساب تغيّر مرتين في العام نفسه، مع العلم بأن الحساب غير نشط منذ 2020.

وفي منصة «يوتيوب»، يركز حساب «ملفات عربية» على إنتاج مقاطع فيديو لنشرها على المنصات الأخرى. ويحظى الحساب بـ(2.92) ألف مشترك مع (4.9) ألف فيديو، فيما بلغ عدد مشاهداته أكثر من (933) ألف مشاهدة.

ومن تحليل «مرصد بيم» لطبيعة حسابات منصة «ملفات عربية» ومدى انتشارها، يتضح أنّ المنصة تحاول الاستفادة من تنوع الوسائط الاجتماعية للوصول إلى جمهور واسع مع التركيز على التفاعل السريع والمحتوى المتنوع.

تحليل الخطاب:

من خلال متابعة دقيقة لنشاط حسابات «ملفات عربية» منذ أبريل المنصرم وحتى أواخر مايو 2024، لا سيما حسابها على «إكس»، اتضح لفريق بيم أن منصة «ملفات عربية» تركز، بدرجة كبيرة، على نشر محتوى يهاجم الجيش السوداني والحركات المسلحة المتحالفة معه. ويعتمد حساب المنصة، اعتمادًا ملحوظًا، على نشر تقارير مصوّرة معدّة بعناية لتأليب الرأي العام على الجيش السوداني وتقويض الثقة فيه، إذ تحاول هذه التقارير أن تصوّر الجيش السوداني كقوة تأتمر بأوامر الحركة الإسلامية السودانية ورئيسها «علي كرتي»، مما يساهم في تشكيل صورة سلبية عن الجيش لدى الرأي العام، تتوافق مع ادعاءات الطرف الآخر «قوات الدعم السريع»، وتعزز الاتهامات الموجهة إلى الجيش من خصومه بـ«التحيز إلى الإسلاميين والتطرف الديني».

ويكشف تحليل محتوى الحساب عن نمط معين في سرد الأحداث، إذ تحاول أن تعرض صورة سلبية عن الجيش السوداني، مع التركيز على إبراز دوره المزعوم في زعزعة الاستقرار وتبعيته لقادة الحركة الإسلامية. ويكشف هذا التوجه الإعلامي عن تحيزات معينة أو ارتباطات محتملة بجهات معادية للجيش السوداني. ويصيغ الحساب المعلومات التي يريد إيصالها إلى الجمهور، عبر مقاطع فيديو، مما يزيد من جاذبيتها للمتلقي ويعزز فرص انتشارها. كما لاحظ «فريق بيم» أن حساب «ملفات عربية» ينشر تلك السرديات دون ذكر أي أدلة واضحة تؤكد صحة الادعاءات التي ينشرها.

حركة الشباب الصومالية و جماعات أرهابية :

عمد حساب «ملفات عربية» على منصة «إكس» إلى نشر مقاطع فيديو تسرد، بطريقة شيقة، معلومات غير دقيقة وبلا أيّ دليل؛ ما يثير الريبة إزاء المحتوى. ووجد «فريق بيم» أن الحساب نشر مقطع فيديو زعم فيه أن الجيش، وباتفاق مسبق مع «علي كرتي»، استجلب مرتزقة صوماليين من «حركة الشباب الصومالية» للقتال في صفوفه في الحرب المشتعلة بينه وبين قوات «الدعم السريع». وسرد مقطع الفيديو مزاعم معلقة بلا دليل عن وجود مجموعات من «حركة الشباب الصومالية» المصنفة «جماعةً إرهابية» من دون ذكر أيّ أسانيد تعضد تلك السردية، وهو ما يقدح في صحة الادعاء.

وفي سياق متصل، واصل حساب «ملفات عربية» نشر محتوى غير دقيق ينسبه إلى مصادر يصفها بـ«المطلعة» من دون ذكر هذه المصادر أو تعريفها. ونشر الحساب في مايو الماضي مقطع فيديو زعم فيه وجود مخطط لتدمير البنى التحتية ممن أسماهم «جماعات إرهابية» قال إنها داخل الجيش السوداني. ويتضمن مقطع الفيديو بعض المنشورات في محاولة لتعضيد المزاعم الواردة فيه، إلا أن تلك المنشورات مأخوذة من حسابات معروفة بالتضليل لمصلحة قوات «الدعم السريع»، وعمل «مرصد بيم» على تفنيد بعض المعلومات المضللة التي استندت إليها المنصة في تقريرها، من قبل.

 

واصل حساب «ملفات عربية» في نشر معلومات متداولة عن وجود «جماعات إرهابية وتكفيرية» داخل الجيش السوداني، من دون تقديم أي دليل واضح يؤكد صحة هذا الادعاء، ما خلق حالةّ من الضبابية حول صحة هذه المعلومات أو دقتها. ونجد كذلك أنّ الحساب تناول، ضمنيًا، سردية تفوّق قوات «الدعم السريع» على الجيش، في ما تداوله عن استجلاب الجيش «مرتزقة أجانب» لسد تلك الفجوة وتحقيق التوازن.

وتجدر الإشارة في هذا السياق أيضًا إلى أن الحساب يستخدم مفردة «كيزان» لوصف المنتمين إلى الحركة الإسلامية، وهو لفظ يستخدم في السودان لتوصيف أفراد الحركة الإسلامية وعناصر نظام الرئيس المخلوع «عمر البشير» الذي أطاحت به ثورة شعبية اندلعت في أواخر العام 2018؛ وهو ما يبدو غريبًا بعض الشيء، فمن غير المعتاد أن تتناول منصات غير سودانية موضوعًا عن أعضاء الحركة الإسلامية بوصفهم «كيزان».

انقسامات داخل الجيش :

وفي سياق متصل أيضًا، واصل حساب «ملفات عربية» نشر مقاطع فيديو أخرى، من بينها مقطع فيديو حوى مزاعم بشأن انقسامات داخل الجيش وتسريبات عن احتمالية سقوط كلٍّ من الفاشر «عاصمة شمال دارفور» والأبيض «عاصمة شمال كردفان» في قبضة قوات «الدعم السريع»، من دون أن تسند هذه المزاعم بأيّ دليل أو تنسب تسريباتها المزعومة إلى أيّ مصدر موثوق، فقط مجرد سرد لما تداولته بعض الحسابات على منصة «إكس». ويُذكر أن مقطع الفيديو المذكور شاركته حسابات موالية لقوات «الدعم السريع».

ولاحظ فريق «مرصد بيم» أيضًا تشابهًا بين محتوى حساب «ملفات عربية» ومحتوى «شبكة مكونة من حسابات إماراتية إسرائيلية» كان المرصد قد نشر تقريرًا بشأنها في يونيو الماضي. ويتجلى أحد أوجه الشبه في الادعاءات المتعلقة بسيطرة من يصفهم الحساب بـ«الجماعات الإرهابية والتكفيرية»، مثل «الأخوان المسلمين» أو «القاعدة» و«داعش»، على الجيش السوداني دون ذكر أدلة واضحة تؤكد صحة هذا الادعاء.

أجندة أخرى :

 يعمل حساب «ملفات عربية» على نشر العديد من مقاطع الفيديو والتقارير حول جماعة «الإخوان المسلمين» وعرض سرديات على نوايا الجماعة فرض هيمنتها وسيطرتها على بعض البلدان كما يغطي الحساب بشكل مستمر مجريات الأحداث في إيران خصوصًا عقب التطورات الأخيرة واغتيال رئيس المكتب  السياسي « لحماس » «إسماعيل هنية »   كما يعمل الحساب على النشر بشكل مكثف عن جماعة « الحوثي»  وعن ما تفعله داخل اليمن بحق المواطنين وعلاقتها بإيران

حسابات داعمة:

لاحظ فريق «مرصد بيم» أيضًا أن حساب «ملفات عربية» على «إكس» مدعوم من مجموعة من الحسابات والصفحات المحسوبة على الآلة الدعائية لقوات «الدعم السريع»، ويتعامل حساب «ملفات عربية» مع بعض تلك الحسابات على أنها «مصادر موثوقة للمعلومات»، مثل حساب «الجنا الفقر» الذي يعد أحد أبرز الحسابات التي تعمل على التضليل الحربي لمصلحة قوات «الدعم السريع» على منصة «إكس». وهذا التشابه الملحوظ في المحتوى دفع بعض الحسابات الداعمة لقوات «الدعم السريع» إلى نشر المحتوى الذي تقدمه منصة «ملفات عربية» ومشاركته. ومن ضمن تلك الحسابات أيضًا  حساب «بشر تكيزو» الذي ينشط في الدعاية الحربية لـ«الدعم السريع»، وكذلك حسابات مثل «سيد السنوسي» و«على أحمد» و«Adil» وغيرها من الحسابات التي تشارك ما ينشره حساب «ملفات عربية». وليس واضحًا ما إن كان هناك تنسيق مسبق بين تلك الحسابات لنشر محتوى المنصة أم لا، ولكن من الواضح أن تلك الحسابات رأت في ما تنشره المنصة ما يدعم توجهها، لذا تعمل على إعادة نشره.

الخلاصة: 

بناءً على جهود «مرصد بيم» في متابعة منصة «ملفات عربية» وتحليل محتوى حساباتها، اتضح للمرصد أن المنصة تعمل على نشر معلومات مضللة بشأن وجود «جماعات إرهابية» داخل الجيش السوداني، من دون ذكر أسانيد واضحة وموثوقة تعضد ما تنشره من ادعاءات. كما تستمد المنصة معلوماتها، فيما يخص النزاع في السودان، من حسابات على منصة «إكس» عُرفت بنشر محتوى غير دقيق مع الدعاية والتضليل لمصلحة قوات «الدعم السريع». وتساهم المنصة، بما تقدمه من محتوى، في نشر المعلومات المضللة بشأن النزاع الذي يشهده السودان منذ أبريل من العام الماضي.

الفاعلون في حملات التضليل داخل الفضاء السوداني

تستخدم العديد من الجهات، المحلية والإقليمية والدولية، التضليل الإعلامي، كسلاحٍ سياسي لتمرير أجندتها الخاصة، تمهيدًا للظفر بمصالح ومكتسبات سياسية، أو اقتصادية، أو عسكرية، وهو ما وثقته قاعدة بيانات تقارير (مرصد بيم)، بالإضافة إلى تقارير المؤسسات الدولية، وشركات التكنولوجيا الكبرى.

إذن، فالتضليل الإعلامي ليس مقتصرًا على المصالح السياسية الداخلية فحسب، بل يمتد ليشمل المصالح الإقليمية والدولية. نستعرض في هذا التقرير بعض الفاعلين المحليين والأجانب، وفقًا لما أوردته الدراسة التي أعدها (مرصد بيم)، المتعلقة ببيئة المعلومات المضللة والدعاية في السودان.

أولا: الفاعلون المحليون:

1- جهات تناهض الحكم العسكري:

في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، نفذ القائد العام للقوات المسلحة السودانية، عبدالفتاح البرهان، إنقلابًا عسكريًا، لغى على إثره شراكة السلطة التي كانت قائمة بين القوات المسلحة و قوى الحرية والتغيير. وجد الانقلاب معارضة شعبية حادة في أيامه الأولى، وسرعان ما انتظمت لجان المقاومة في تنظيم المواكب المعارضة للانقلاب.

وفي الضفة الأخرى، نشطت قوى الحرية والتغيير في إقامة فعاليات وجلسات لنقاش مآلات الانقلاب وما يترتب عليه. أيضًا، نشطت العديد من الأحزاب والأجسام السياسية التي ناهضت الانقلاب -حزب المؤتمر الشعبي والحركة الوطنية للبناء والتنمية كمثال-، في إصدار بيانات و تنظيم فعاليات تُعلن بها رفضها القاطع للانقلاب العسكري.

وجد (مرصد بيم) أن هناك بعض المعلومات المضللة المتداولة على الفضاء الرقمي السوداني، تستهدف شخص عبدالفتاح البرهان. فقد تداول مستخدمو (فيسبوك)، مقطع فيديو، يعرض ولي العهد السعودي وهو يغادر جلسته مع البرهان، في مشهد يبدو أنه حدث بعد خلاف بينهما. أتى تداول هذا المقطع إبان زيارة البرهان للسعودية، في مارس 2022. بيد أننا وجدنا أن المقطع المتداول قديم ويعود للعام 2019م.

أيضًا، تداول مستخدمون بمواقع التواصل الاجتماعي، صورة إطارية لصفحة (الجزيرة – السودان)، تحوي تصريحًا منسوبًا لنائب رئيس الشرطة والأمن العام في إمارة (دبي) بدولة الإمارات العربية المتحدة، الفريق ضاحي خلفان تميم، معلقًا فيه على إطلاق سراح بعض أعضاء حزب المؤتمر الوطني المحلول، في أبريل 2022، واصفًا إياه بـ”المناورة السياسية” من البرهان للضغط على الإمارات و السعودية و مصر. وجدنا أن الصورة المتداولة (مفبركة)، حيث أن ضاحي خلفان لم يذكر ذلك في أي من صفحاته الشخصية، ولم يُصرح لأي وسيلة إعلامية.

و في يونيو 2022، تداول العديد من مستخدمي (فيسبوك) بكثافة صورة لإحدى الصحف الإسرائيلية الناطقة باللغة العبرية، يظهر فيها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان. وتداول مروجو الصورة الادعاء الآتي: “الصحف الإسرائيلية تودع بحسرة البرهان، وعدد من الادعاءات الأخرى” وجدنا أن الخبر منشور في يوم 4 فبراير 2020م، عقب يوم من لقاء (البرهان ـ نتنياهو) في عنتيبي.

بناء على المعلومات أعلاه، يتضح أن هناك بعض الجهات التي تُعارض حكم البرهان، تَعمد على ترويج معلومات مضللة، تستهدف بها البرهان في شخصه.

2- الدعم السريع:

قوات الدعم السريع، هي مليشيا عسكرية كانت تقاتل نيابة عن الحكومة السودانية خلال الحرب في دارفور. ومنذ 2019م، تشارك في حكم السودان عبر مشاركة قائدها، محمد حمدان دقلو، في مجلس السيادة السوداني، ليصبح الرجل الثاني في السلطة.

شاركت قوات الدعم السريع في (عملية الخرطوم)، التي أطلقها الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة غير الشرعية عام 2014م في روما، ووجدت العملية انتقادات في السودان وفي أوساط الرأي العام الأوروبي، ووُصِفت بأنها مسيسة، وساعدت أنظمة تنتهك حقوق الإنسان، ومن بينها نظام المؤتمر الوطني، لكن الاتحاد الأوروبي نفى لاحقاً تقديم أي دعم لوجستي وفني للقوات العسكرية السودانية.

عَمدت الدعم السريع على نشر معلومات مضللة على وسائط التواصل الاجتماعي -مستغلة مشاركتها في عمليات محاربة الهجرة غير الشرعية وتجارة البشر- من أجل تلميع صورتها وغسيل سمعتها الموصومة بإنتهاكات حقوق الإنسان، التي وثقتها منظمة (هيومن رايتس ووتش)، بارتكابها مجازر في دارفور بالعام 2015.

ولذلك، نَشرت قوات الدعم السريع منشورًا ذَكرت فيه أن مركزًا بحثيًا يدعى بـ (مركز رصد الصراعات في الساحل الإفريقي)، ومقره في باريس، قد أصدر تقريرًا وصف فيه الدعم السريع بالقوات التي “لعبت دوراً مهماً في تحريك المياه الراكدة في السياسة الأوروبية تجاه السودان، وأسهمت في ترسيخ التعاون بين السودان والاتحاد الأوروبي لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، التي باتت تهدد حياة الآلاف من المهاجرين”.

نشر (مرصد بيم)، تحقيقًا فند فيه ادعاء الدعم السريع بإصدار المركز المذكور لهذا التقرير. وخلُص التحقيق إلى عدم وجود مركز باسم “مركز رصد الصراعات في الساحل الإفريقي”، وأن اسم المركز مرتبط بشخص يدعى بـ “محمد علي كلياني”، له علاقة بوسائل إعلام روسية، وأن التقرير المنشور على صفحات الدعم السريع غيرَ موجود على الإنترنت.

بناءً على ما ذكر أعلاه، يتضح أن قوات الدعم السريع، تعمل على نشر معلومات مضللة، لتلميع صورتها.

3- جهات ذات توجه إسلامي:

تحدث تقرير فيسبوك لشهر يونيو 2021، عن حملة نشأت في السودان، واستهدفت الجماهير المحليّة. الحملة تم ربطها بأفراد في السودان؛ بما في ذلك المرتبطين بحركة (المستقبل للإصلاح والتنمية)، وهو حزب سياسي تأسس نهاية عام 2019م. وُجدت هذه الشبكة بعد مراجعة معلومات حول بعض أنشطتها التي شاركها الباحثون في مشاريع (فالنت)، وهي وكالة رقمية تعمل على أبحاث البيانات، وإنتاج المحتوى الرقمي، والإعلان، على وسائل التواصل الاجتماعي.

كانت منشورات هذه الحملة تُنشر باللغة العربية بشكل أساس بشأن الأخبار والأحداث الجارية في السودان؛ بما في ذلك دعم الأحزاب السياسية الإسلامية، والإخوان المسلمين، والتوجهات السياسية لنظام المؤتمر الوطني، ودعم اتجاه تطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية، وانتقاد الحزب الشيوعي، والعلمانية، والنسوية، والحكومة الانتقالية، التي انقلب عليها الجيش لاحقًا.

تفاصيل الشبكة:

  • الوجود على فيسبوك وإنستغرام: تضم الشبكة 53 حسابًا على (فيسبوك)، و51 صفحةً، و3 مجموعات، و18 حسابًا على (انستغرام).
  • المتابعون: حوالى 1.8 مليون حساب متابع لصفحة واحدة أو أكثر، حوالى 43.000 عضو لمجموعة واحدة أو أكثر، وحوالى 8.700 متابع لحساب واحد أو أكثر على انستغرام.
  • الإعلانات: حوالى 700 دولار أمريكي، أُنفقت في الإعلانات على (فيسبوك) و(انستغرام)، ودفعت بالليرة التركية والريال السعودي.

بحسب التقرير، فإن حركة المستقبل للإصلاح والتنمية قادت هذه الحملة من داخل السودان. والملاحِظ للقطات الشاشة أعلاه، يجد أن اثنتين منهن تحويان كلمة (الإسلامي)، وهي إشارة إلى أن محتوى الصفحات يناصر التوجه الإسلامي في السياق السياسي السوداني.

في أبريل 2022م، انضمت الحركة لما يسمى بـ(التيار الإسلامي العريض)، وهو تحالف يضم العديد من الأحزاب والكيانات السياسية الإسلامية، من ضمنها الحركة الإسلامية السودانية، ووقع نيابة عنها القيادي السابق بحزب المؤتمر الوطني المحلول، أمين حسن عمر.

ذكرت العديد من التقارير أن أمين حسن عمر، هو أحد أعضاء حركة المستقبل للإصلاح والتنمية، ولكنه نفى ذلك في أحد اللقاءات الصحفية، مع تأكيده على كونه جزءًا من الحوارات التي تبلورت في فكرة الحركة قبل تأسيسها.

بحث (مرصد بيم) عن الأمين السياسي للحركة، الدكتور ناجي مصطفى، فوجد أن اسم الأمين السياسي للحركة مرتبط بصفحة إخبارية تدعى بـ(الرائد). مصطفى، كثير الظهور على هذه الصفحة، ويُقيم بثًا مباشرًا من الصفحة، وتروج له الصفحة حتى في أحداث حياته الشخصية اليومية، كما هو ظاهر في الصورة أدناه.

لمزيد من التأكيد، وجدنا أن صفحة حركة المستقبل للاصلاح والتنمية قد بثت بثًا مباشرًا، لناجي مصطفى، يحوي شعار “الرائد”. ما يُشير إلى أن للصفحتين علاقة تربطهما معًا.

4- القوات المسلحة السودانية:

تستخدم القوات المسلحة، منصاتها المختلفة، للترويج لأجندة سياسية، مستهدفة أحزابًا وجماعات سياسية بعينها. فقد نشرت الصفحة الرسمية للقوات المسلحة في موقع (فيسبوك)، مقالًا كتبه رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة، العقيد ابراهيم الحوري، يصف فيه الحزب الشيوعي بـ”الحزب ذو التاريخ الأسود، والسجل الحافل بالجرائم التي يندى لها الجبين”.

أيضًا، تدخلت القوات المسلحة السودانية، في حملة طرد ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، فولكر بيرتس، عبر صحيفتها (القوات المسلحة). حيث نشرت الصحيفة أن لفولكر مشروع يود إقامته في السودان، واصفة إياه بـ“خبير الفوضى وتنشيط تكنولوجيا الإرهاب في السودان”. ووصف رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة، العقيد ابراهيم الحوري، فولكر بـ (النازي)، في تعقيب على ما نشرته الصحيفة.

أتى نشر هذه المواد الصحفية، وتعقيب الحوري عليها، في تزامن مع حملة منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو لطرد فولكر من السودان، مروجة لتدخله في الشأن السوداني الداخلي.

5- جهاز الأمن والمخابرات:

تأسس جهاز الأمن والمخابرات الوطني، عام 2004، بعد دمج جهاز الأمن الوطني، الذي كان معنيًا بالأمن الداخلي، مع جهاز المخابرات، الذي كان يُعنى بالأمن الخارجي للسودان.

في عام 2011، أسس جهاز الأمن وحدة تُدعى بـ (وحدة الجهاد الإلكتروني). وهي وحدة تم تأسيسها للرقابة على ما يُنشر في الفضاء الرقمي، ونَشر معلومات مضللة وكاذبة، والعمل على التضييق على الفاعلين السياسيين والناشطين، الذين يعارضون حكم حزب المؤتمر الوطني.

بعد عزل نظام المؤتمر الوطني، وخلال الفترة الانتقالية، حذرت منظمة (مراسلون بلا حدود)، من أن وحدة الجهاد الإلكتروني لا تزال مستمرة في التجسس على الصحفيين ومراقبتهم، بجانب سيطرة وسائل إعلام تابعة للنظام المعزول، على إعلام الفترة الانتقالية. وأن هذه الوسائل تعمل على إفشال هذه الفترة، منوهة إلى أن السودان يحتاج إلى بناء إعلام فاعل مِن الأنقاض.

ثانيا: الفاعلون الأجانب:

1- روسيا:

أشارت العديد من التقارير، إلى أن روسيا، تعمل من أجل التأثير على الرأي العام في السودان، عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي. ففي مارس 2022، أصدرت مجموعة (ترويكا) -الولايات المتحدة الأمريكية والنرويج وبريطانيا- بيانًا ذكرت فيه أن مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية خاصة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بـ(الرئيس الروسي فلاديمير بوتين)، ظلت تنشر معلومات مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتُشارك في أنشطة غير مشروعة مرتبطة بتعدين الذهب. لاحقاً، نفت السلطات السودانية هذه الادعاءات.

أشار تقرير فيسبوك لشهر مايو 2021، إلى شبكة نَشرت باللغة العربية أخباراً عن إفريقيا وأحداثاً جارية في المنطقة، بما في ذلك أخبارًا خاصة بالسياسة في السودان، وبالتوترات في تشاد وإثيوبيا وفلسطين، بالإضافة إلى تعليقات داعمة لرئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، ولمبادرات الإغاثة في السودان من قبل الممول الروسي يفغيني بريغوجين، كما وجهت انتقادات لوزارة الصحة السودانية، إثر مزاعم منع الحكومة دخول مساعدات روسية للبلاد.

تفاصيل الشبكة

  • الوجود على (فيسبوك) وإنستغرام: 83 حسابًا على “فيسبوك”، و30 صفحة، و6 مجموعات، و49 حسابًا على (انستغرام).
  • المتابعون: حوالى 440.000 حساب متابع لصفحة واحدة أو أكثر، حوالى 4.300 عضو لمجموعة واحدة أو أكثر، وحوالى 50.000 متابع لحساب واحد أو أكثر على (انستغرام).
  • الإعلانات: حوالى 500 دولار أمريكي، أنفقت في الإعلانات على (فيسبوك) و(انستغرام)، وقد دُفعت بالريال القطري والدولار الأمريكي.
  • استهدفت هذه الشبكة السودان بشكل أكبر، وكشف تقرير (فيسبوك) أن هذا النشاط له علاقة بالشبكة التي تمت إزالتها في أكتوبر 2019م، وكانت ترتبط بالأفراد المنسوبين لوكالة أبحاث الإنترنت الروسية.

حسب تقرير مرصد ستانفورد للإنترنت التابع لجامعة ستانفورد، فإن الشبكات الروسية التي كشفت عنها تقارير (فيسبوك) لشهر أكتوبر 2019م قد استهدفت عدداً من الدول الإفريقية، منها ليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ومدغشقر.

وكشف التقرير عن أن الشبكات منسوبة إلى كيانات مرتبطة ببريغوجين ووكالة أبحاث الإنترنت الروسية. بما في ذلك مجموعة فاغنر، وهي منظمة روسية عملت كمقاول عسكري خاص في العديد من البلدان الإفريقية.

بالنسبة للسودان تمت إزالة عدد من الصفحات الإخبارية والسياسية التي تم إنشاء معظمها في الفترة ما بين أغسطس وأكتوبر 2018، قبل ثورة ديسمبر، وكان الكثير منها يَنشر بنشاط اعتباراً من أكتوبر 2019م، وبدأ في توسيع وجوده، ليشمل منصات التواصل الاجتماعي الأخرى مثل (تويتر).

وكانت هذه الصفحات داعمة بصورة عامة للحكومات المختلفة حسب الوضع السياسي الراهن. ومن الملاحظ أن مجموعة كبيرة من الصفحات احتوت على كلمة راديو في عنوان الصفحة؛ مثل صفحة (راديو إفريقيا)، وهي الأكبر، حيث يبلغ عدد متابعيها حوالى 356.560 متابعاً.

أما تقارير حسابات (انستغرام) فقد كشفت عن شخصين؛ أحدهما صحفي سوداني له علاقة بصفحة (خرطوم إستار)، حيث تبين أنه قضى بعض الوقت في روسيا. وآخر موسيقي روجت له صفحة (Royal Crew News) في أيامها الأولى عندما كانت تسمى (Royal Crew Music).

ومن المثير للاهتمام أن كل من المراسل والموسيقي لهما علاقات بالتعدين السوداني؛ حيث كان يقول حساب المراسل الشخصي على (فيسبوك) إنه مدير العلاقات العامة في وزارة المعادن، ويقول الحساب الشخصي للموسيقي إنه مترجم في شركة كوش الروسية، وهي شركة لتعدين الذهب في السودان.

2- الإمارات:

دولة الإمارات العربية المتحدة، جزء من الواقع الجيوسياسي للسودان، فهي جزء من منطقة الشرق الأوسط كما السودان، وهي عضو في جامعة الدول العربية مع السودان. هذا الواقع الجيوسياسي، جعلها تهتم بالأحوال في السودان، ووضعها في موقف المحارب من أجل مصالحها السياسية في الإقليم، ومصالحها الاقتصادية عبر استثماراتها في السودان. وكما ذكرنا سابقًا، فإن تقاطعات المصالح بين الفاعلين الإقليميين والدوليين، تفرض عليهم تنويع وسائل الصراع السياسي، ومن ضمنها الحرب الإعلامية.

دولة الإمارات معروفة بعدائها الحاد لجماعة الإخوان المسلمين، التي كانت تحكم في السودان ومصر. لذلك، استخدمت جهات تناصر الإمارات العربية المتحدة، منصة (تويتر)، لنشر معلومات مضللة، وللترويج للدور الإيجابي للإمارات في السودان.

نَشر (مارك أوين جونز)، وهو بروفيسور مساعد في جامعة حمد بن خليفة في قطر، وخبير في مجال المعلومات المضللة، سلسلة تغريدات أوضح فيها أن 26 حسابًا على (تويتر)، تعمل على الترويج للدور الإيجابي للإمارات في السودان، وأحيانًا تنتقد جماعة الإخوان المسلمين.

3- مصر:

جمهورية مصر العربية هي الجارة الشمالية لجمهورية السودان، ويبلغ طول الحدود بينهما 1,276 كم. يخضع الجزء الشرقي من الحدود، أو ما يعرف بـ (مثلث حلايب)، لنزاع بين الدولتين. مصالح مصر الاقتصادية في السودان، بالإضافة إلى تحفظاتها الأمنية تجاه التغيرات السياسية، وضعتها وسط موجة المعلومات المضللة، عقب عزل نظام المؤتمر الوطني.

ليس من الغريب أن تتدخل مؤسسات أو جهات تُناصر المصالح المصرية، في الفضاء الرقمي السوداني. ففي يونيو 2019م، ناصرت حملة قادتها شركة مصرية الحكم العسكري في السودان، عقب فض اعتصامات المدن. حيث قادت الشركة التي يملكها ضابط سابق بالجيش المصري، وفقًا لما أوردته صحيفة (نيويورك تايمز)، حملة استهدفت (فيسبوك)، و(تويتر)، و(إنستغرام)، و(تليغرام)، من خلال كتابة محتوى مؤيد للحكم العسكري في السودان، لكن لم يتسنى لنا في (بيم ربيورتس) التحقق من صحة هذا الادعاء بشكلٍ مستقل.

أيضًا، نشأت حملة لإخفاء المحتوى الثوري، مقرها مصر، بسبب تطابق مصالح لجان المقاومة، مع حملة المعلومات المضللة، التي وجهت سهامها تجاه مصر.

4- إثيوبيا:

تَحُدُ إثيوبيا السودان من حدوده الشرقية، ويبلغ طول الحدود المشتركة بين البلدين، حوالى 1600 كلم. وبين السودان وإثيوبيا خلاف حدودي خاص بمنطقة الفشقة، وخلاف آخر خاص بملف سد النهضة.

كما ذكرنا سابقًا، اتضح أن هنالك جهات تستخدم منصة (فيسبوك)، لإنتاج محتوىً يُروج لمعلومات مضللة تجاه مصر، للتأثير على الرأي العام السوداني، تجاه بعض القضايا، التي تؤثر على مسار العلاقات السودانية المصرية.

وكمثال، تابع (مرصد بيم) منشورات على فيسبوك لصفحة توسم بـ (Ethiopia – اثيوبيا)، يتابعها أكثر من 374 ألف متابع، و تعرف نفسها كالتالي:

“إن مهمتنا هي العمل على النهوض بالوعي لتعزيز مصالح إثيوبيا في العالم العربي، وزيادة ثقة العالم العربي ومصالحه في إثيوبيا، وتعزيز العلاقات والتنمية، وبناء علاقات طويلة الأمد بين إثيوبيا والدول الأخرى. وتبني القضايا الإثيوبية والدفاع عنها، وعكس وجهة النظر الإثيوبية والتصدي لحملات التشويه، التي تتعرض لها إثيوبيا إعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.”

المتابع للصفحة، يلاحظ أنها مهتمة بنشر منشورات تعمل على حشد الرأي العام لمتابعيها من دول حوض النيل -المقصود هنا السودان وجنوب السودان بسبب نطقهما للعربية- تجاه مناصرة مشروع سد النهضة، ونشر خطاب يروي أن مصر تتمتع بمياه النيل وحدها، دون بقية دول حوض النيل.

أيضًا، تنشر الصفحة الأخبار الإيجابية تجاه السودان فقط، وتروج للأخوية بين شعبي البلدين، بينما تنشر أخبارَا سلبية تجاه مصر، وتروج لخطاب كراهية تجاهها.

كيف تم استهداف العلاقات المصرية السودانية عبر حملة تضليل باستثمار “ترس الشمال”

أعد (مرصد بيم ريبورتس) دراسة متعلقة ببيئة المعلومات المضللة والدعاية في السودان، وتمكنت الدارسة من توضيح قدر وافٍ من الخارطة الخاصة بالحملات الإعلامية التي استهدفت أو تستهدف مواقع التواصل الاجتماعي، والقائمين على أمر تلك الحملات، والأدوات المستخدمة لصنعها، والأساليب المتبعة لتمرير أهدافها، وتنشر (بيم ريبورتس) تباعًا أهم المعلومات المرتبطة بهذه الدراسة.

وقد عَمِدَ البحث على تعريف بعض الحملات التي رُصدت ضمن تقارير (مرصد بيم). هذه الحملات المذكورة أدناه، تُعرف على أنها موجات من نشر محتوى مفبرك كليًا أو جزئيًا بطريقة ممنهجة، بهدف تضليل أو إلهاء أو قياس الرأي العام، تجاه قضية أو حدث بعينه.

موقع السودان الجغرافي بين إثيوبيا ومصر جعله في موقف لا يحسد عليه، وسط ما يشبه الحرب الباردة حول المياه، بين المنبع والمصب.

تقاطعات المصالح بين الدولتين والسودان -وخصوصا الصراع الدائر حول سد النهضة الإثيوبي- فرضت عليه أن يكون جزءا من هذا النزاع، باتباع أساليب وأدوات الإعلام المختلفة، للتأثير على الرأي الداخلي تجاه سياسات وقرارات السلطات السودانية، خصوصا مع السيولة السياسية التي ظل يشهدها السودان منذ فترة.

مع بدء الاحتجاجات السلمية بالولاية الشمالية، المناهضة لقرار زيادة تعرفة الكهرباء، التي سرعان ما تحولت إلى حركة احتجاجية متعددة المطالب، رصدت “بيم ريبورتس” حملة تضليل تستهدف علاقة السودان بمصر، عبر فبركة تصريحات مستفزة لمسؤولين حكوميين وإعلاميين مصريين تستهدف السودان.

احتوت الحملة على العديد من المنشورات، التي لم نجد دليلًا على صحتها. نستعرض أدناه بعض التقارير التي نشرناها عن المعلومات المضللة ضمن هذه الحملة.

نشرت العديد من الصفحات تصريحًا منسوبًا لوزير الدفاع المصري يصف فيه إغلاق الطريق الرابط بين مصر والسودان بأنه “أمر غير مقبول ويهدد الأمن الإستراتيجي المصري”.

وجدنا أن التصريح “مفبرك“.

أيضا، نشرت بعض الصفحات تصريحًا للإعلامي المصري عمرو أديب، يذكر فيه وجوب إيجاد بديل لقائد القوات المسلحة السودانية، عبدالفتاح البرهان.

وجدنا أن هذا التصريح “مفبرك“.

في وقت لاحق، نشأت حملة مكثفة تستهدف نشر أخبار تصور أن مصر تتعرض لخسائر مليارية جراء إغلاق الطريق القاري الرابط بينها وبين السودان. بعد ذلك، نشرت العديد من الصفحات تصريحات منسوبة للرئيس الإثيوبي آبي أحمد، يقول فيها:

“توليد الكهرباء من سد النهضة خطوة كبيرة، سوف نشغل المصانع، وحينها نحتاج إلى السودان، لاستيراد القطن والفول والسمسم والتمور والثروة الحيوانية وغيرها بسعر السوق العالمي. وقد يصل الاستيراد من السودان في العام ما بين 5 – 5.5 مليار دولار”. وقال أحمد، حسب المنشور، “نريد صفقات كبرى بين البلدين، وتبادل تجاري عبر القنوات الرسمية لننهض”.

وجدنا أن التصريح “مفبرك.”

تجاوب الجمهور مع هذه الحملات

تعاطف قطاع من السودانيين مع إغلاق الطريق القاري بين السودان ومصر، المعروف بـ “ترس الشمال”، جعله يدعم الحملة المشار إليها أعلاه، خصوصا أن الحملة قد ناصرت إغلاق الطريق، وادعت أن إغلاق الطريق يؤثر على مسارات تهريب البضائع إلى مصر.

بالتوازي مع الدعم الشعبي العفوي، أبدت لجان المقاومة تضامنها مع “ترس الشمال”، ما أضاف زخمًا كبيرًا للحراك بالولاية الشمالية، وأثر في قبول عدد كبير من السودانيين لما تتضمنه الحملة.

“لجان المقاومة هي لجان تشكلت في أحياء المدن السودانية، لمقاومة نظام حزب المؤتمر الوطني. سطع نجم اللجان إبان ثورة ديسمبر 2018، وأثبتت قدرتها على التأثير على سياق الأحداث بالسودان، بسبب قيادتها للحراك المناهض لإنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م”.

اختفاء محتوى لجان المقاومة بعد هذه الحملة

بعد دعم لجان المقاومة والعديد من المهتمين بالشأن العام من السودانيين لإغلاق الطريق القاري بين السودان ومصر، ظهرت شكاوى من مستخدمي منصة “فيسبوك”، تضمنت عدم ظهور ما أسموه “المحتوى الثوري”، ويُقصد به المحتوى الذي يتناول أحداث الثورة السودانية.

أشار العديد من المتابعين إلى أن منشورات صفحات لجان المقاومة لا تظهر لمتابعيها أبدًا. وذكر بعض مديري الصفحات، أن مستخدمي “فيسبوك” اتجهوا للبحث عن الصفحات، حتى يطلعوا على محتواها. ووجه العديد من المهتمين إتهامات للعديد من الجهات الأجنبية بسعيها لحجب المحتوى الثوري على “فيسبوك”.

لاحقًا، أوضح تقرير نشره موقع “جلوبال فويسز” أن سبب إختفاء “المحتوى الثوري” هجوم إلكتروني تُشير القرائن المتصلة به أنه صادر ومُدار من مصر.

وأشار التقرير إلى أن استهداف “مؤشر الصلة” أو “relevance score“، عبر استخدام خاصية “دمج الصفحات”، مؤشر الصلة: “هو خوازرمية بمنصة “فيسبوك” تعمل على ترتيب أولويات عرض المحتوى للمستخدم حسب اهتماماته التي يبديها تبعا لتفاعله على المنصة”.

أما “خاصية الدمج” فتعمل على دمج صفحتين أو أكثر، وبالتالي يتم ترحيل متابعي الصفحات المدمجة لمتابعة الصفحة الوليدة نتيجة لعملية الدمج، بصورة قسرية دون موافقتهم. بعد ذلك، يتم التلاعب في مؤشر الصلة، عبر نشر كم كبير من المنشورات التي لا علاقة لها بالمحتوى الثوري. عندها، يصبح المحتوى الثوري في قاع المنشورات التي يعرضها حسب “مؤشر الصلة” لكل مستخدم.

خلاصة الحملة الأولى

بفبركة تصريح لوزير الدفاع المصري يهدد فيه السودان، وفبركة تصريح للإعلامي المصري عمرو أديب، وتصوير أن مصر تواجه خسائر مليارية؛ بسبب “ترس الشمال”، دون وجود مستند يثبت صحة الإدعاء، وفبركة تصريح للرئيس الإثيوبي عما سيجنيه السودان من سد النهضة، يتضح أن هنالك جهة ما تناصر إثيوبيا وتنتج خطاب كراهيةٍ تجاه مصر.

وبالمقابل، تحاول تبييض صورة إثيوبيا عبر ترويج معلومات مضللة، توحي بأن إثيوبيا يمكن أن تعوض خسائر السودان في حال خروج مصر من الميزان التجاري السوداني.

في الضفة الأخرى، فوجود قرائن على أن الهجوم الإلكتروني على “المحتوى الثوري” قد تم من داخل الأراضي المصري، يشير إلى أن هناك جهة ما، أرادت ألا يتم التصعيد الإعلامي في الاتجاه المساند لخط “ترس الشمال”.