كيف مهدت حملة منظمة من المعلومات المضللة لـ “انقلاب 25 أكتوبر”؟

تؤثر حملات المعلومات المضللة الممنهجة، على توجهات الرأي العام، وقرارات السلطات، وحركة التجارة، كما أنها تتضمن أبعادًا أخرى متعلقة بالسياسة الخارجية، والقرار الوطني، وغيرها من مناحي الحياة المختلفة.

وبالتزامن مع الذكرى الأولى لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، نستعرض في هذا التقرير، كيفية مساهمة المعلومات المضللة في التمهيد للانقلاب؛ كآخر حملة من الحملات المضمنة في الدراسة المتعلقة ببيئة المعلومات المضللة والشائعات في السودان التي أعدها (مرصد بيم).

منذ العاشر من أكتوبر 2021م، انتظمت في وسائل التواصل الاجتماعي السودانية عملية تبدو ممنهجة، لإغراقها بالشائعات والمعلومات المضللة، حيث تبادلت صفحات بعينها على “فيسبوك” الكثير من المعلومات المضللة والشائعات، التي كانت تدور حول قضايا سياسية وأمنية.

في صبيحة الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، نفذ القائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان انقلابًا عسكريًا على شركائه في الحكم من قوى الحرية والتغيير. منذ الإنقلاب، لاحظ (مرصد بيم) قلة انتشار الشائعات والمعلومات المغلوطة على مستوى وسائل التواصل الإجتماعي “فيسبوك” و”تويتر”.

تبعًا لذلك، اتجهت “بيم ريبورتس” لتحليل هذه الظاهرة التي كانت تنهك و تؤرق الكثيرين من متابعي الأوضاع بالسودان. في هذا القسم، نتناول كيف تم التمهيد للانقلاب عن طريق تضليل الرأي العام، وبث بعض المعلومات المضللة، التي من الممكن أن تكون قد بُثت بغرض قياس الرأي العام ورصد ردود الأفعال.

منذ استهلال بيم ريبورتس لعملها، كان أحد أهدافها التي أنشئت من أجلها، محاربة المعلومات المضللة وتفنيدها، والعمل على توعية المتلقي السوداني بكيفية التعاطي مع الأخبار. منذ أغسطس 2021م وحتى يوم الإنقلاب، نشرت “بيم ريبورتس” 23 عملية تحقق لصحة الأخبار (Fact-check) وجاءت نتائجها كالتالي:

  • صحيح: 3
  • مضلل: 11
  • مفبرك: 9

الملفت للانتباه هو كثافة انتشار المعلومات المضللة تزامنًا مع كل حدث مؤثر في السياق السياسي. فمثلا، عند إغلاق الطريق القومي بشرق السودان في سبتمبر 2022م، أعلنت صفحة “إعلام المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة” في 24 سبتمبر، عن “إغلاق مطار كسلا”.

وعلى الفور، نقلت منصات إعلامية يتابعها الملايين مثل صفحة (الحدث السوداني) التي يتابعها 1.6 مليون متابع، وقناة العربية هذا المنشور. ووصفت العربية هذه الخطوة بأنها “خطوة لم تكن في الحسبان”.

تحققت (بيم ريبورتس) من هذا الادعاء، فوجدت أن المطار يعمل بخطة عمله الروتينية، ولم يتم المساس به بتاتًا، ما يجعله خبرًا مضللًا.

التسلسل الزمني للمعلومات المضللة التي مهدت للانقلاب

بعد أسبوعين تقريبًا، بدأ ما يبدو أنه خطة ممنهجة لإغراق الفضاء الرقمي السوداني بالمعلومات المضللة لغرض ما. فمنذ العاشر من أكتوبر 2021م، تحققت بيم ريبورتس من 13 منشورًا -مضللًا أو مفبركًا- تم تداولهم حتى لحظة انقلاب الجيش في 25 أكتوبر 2021م، وهو ما يمثل نسبة 56.5 بالمئة من جملة التقارير التي نشرتها “بيم ريبورتس” عن الشائعات والمعلومات المضللة في السودان منذ تأسيسها في أغسطس 2021م حتى لحظة الانقلاب.

الرسم البياني أدناه يوضح كمية المعلومات المضللة المتداولة قبل الانقلاب بأسبوعين، و قبل تلك الفترة، مما يشير إلى أن هنالك جهة ما، أرادت قياس الرأي العام للسودانيين في المواضيع والقضايا، التي تمت إثارتها ضمن هذه المنشورات.

10 أكتوبر 2021م

في العاشر من أكتوبر 2021م، تداولت صفحات عديدة منشورًا يذكر أن فولكر بيرتس، رئيس البعثة المتكاملة لمساعدة الانتقال الديموقراطي في السودان، “يونيتامس”، قد اقترح على رئيس الوزراء عبدالله حمدوك “حل الحكومة، وتشكيل حكومة يكون 70% من أعضائها من الكفاءات، بالإضافة إلى الإبقاء على مريم الصادق ووزراء السلام”، وأن يعاد تشكيل مجلس السيادة ليتكون من ستة أشخاص؛ ثلاثة عسكريين وثلاثة مدنيين غير حزبيين.

يأتي هذا المنشور في ظل اضطراب واضح بين شركاء الحكم في السودان حينها، ما يجعل من تدخل يونيتامس أمرًا طبيعيًا لضمان استمرارية عملية الانتقال الديموقراطي في السودان، بيد أن اقتراح حل الحكومة لا يتفق مع التفويض الممنوح للبعثة، إذ أن ليس من صلاحياتها التدخل في هكذا مواضيع.

وجدت “بيم ريبورتس” أن المنشور المتداول مفبرك بعد التواصل مع إعلام “يونيتامس”.

18 أكتوبر 2021م

بعد الانتشار الكثيف للمنشور السابق، الذي ذكر عبارة “حل الحكومة” ضمن الادعاء الذي تناوله، أعلنت مجموعة “الميثاق الوطني” تسيير احتجاجات للاعتصام أمام القصر الجمهوري بالخرطوم، مطالبين بـ”حل الحكومة”.

كان عدد المعتصمين كبيراً في أول يومين، لكن سرعان ما قلّت أعداد المشاركين به. بعد ذلك، انتشر مقطع فيديو يعرض موكبًا من الشاحنات، ادعى متداولوه أنه قادم من الشرق، ومتجه إلى مقر الاعتصام أمام القصر الجمهوري لدعمه.

تحققت (بيم ريبورتس) من صحة المقطع، ووجدت أن تاريخ تصوير المقطع يعود للعام 2019م.

أبرز صفحة من الصفحات التي تداولت المنشور هي صفحة “أنصار هيئة العمليات”، فهي تناصر هيئة العمليات -المحلولة- التي تتبع لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وتدين بولائها للنظام المعزول.

*عند كتابة هذه الدراسة وجدنا أن صفحة “أنصار هيئة العمليات” قد حذفت المقطع المذكور.

23 أكتوبر 2021م

انتشرت منشورات بكثافة بين مستخدمي تطبيق (واتساب) تتحدث عن “قرار أمني بإغلاق مطار الخرطوم الدولي”. وجدت (بيم ريبورتس) أن هذا الادعاء “مفبرك”، وأن المطار كان يعمل بخطته الطبيعية.

23 أكتوبر 2021م

نشرت العديد من الصفحات منشورًا نصه كالتالي:

“أول رد فعل من البرهان بعد ٢١ أكتوبر.. الآن يتم ترحيل البشير وزمرته إلى لاهاي. وقد ضربت القوات الأمنيه والجيش طوقًا حول كوبر ومحيطها تحسبًا وحماية لعملية ترحيله”.

منقول من صفحة الأستاذ ياسر عرمان. المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء”.

بعد التحقق، وجدت (بيم ريبورتس) أن هذا المنشور “مفبرك”.

23 أكتوبر 2021م

انتشرت رسالة بين مستخدمي مواقع التراسل الفوري ومواقع التواصل الاجتماعي مفادها: “توجيه من السفارة الأمريكية بالخرطوم عبر البريد الإلكتروني لرعاياها بعدم الخروج من منازلهم بسبب توقع لتغيير في قيادة القوات المسلحة”.

تحققت (بيم ريبورتس) من محتوى الرسالة المتداولة ووجدت أنها “مفبركة”.

خلاصة الحملة الخامسة

بناءً على المعلومات والحقائق المذكورة أعلاه، وبالنظر إلى التسلسل الزمني للأحداث، بداية بفبركة محادثة بين فولكر بيرتس وحمدوك، يدعو فيها فولكر لحل الحكومة، وهو الموقف ذاته الذي جرى تبنيه في اعتصام القصر الجمهوري بعد ستة أيام من فبركة المحادثة، ومروراً بنشر مقطع فيديو يضلل الرأي العام، ليظهر أن اعتصام القصر الجمهوري يحظى بدعم شعبي، بالإضافة إلى فبركة رسالة تؤكد إغلاق مطار الخرطوم، وليس انتهاءً بفبركة رسالة بريد إلكتروني منسوبة لسفارة الولايات المتحدة، تحذر فيها رعاياها في السودان من تغيير مرتقب سيحدث داخل القوات المسلحة، يتضح أن المحتوى التضليلي المذكور آنفًا قد تمت صناعته؛ بهدف استطلاع الرأي العام حول ما سيترتب على أي تحرك لإحداث تغيير في المشهد السياسي، تمهيدًا للانقلاب على الحكومة الانتقالية.

مشاركة التقرير

Share on facebook
Share on twitter
Share on whatsapp

اشترك في نشرتنا الإخبارية الدورية

مزيد من المواضيع