رؤية أخرى حول المسألة يطرحها الكاتب والمحلل السياسي عبد الرحمن الغالي. يقول الغالي إن مصطلح المناطق الآمنة يُستخدم لمناطق مؤقتة تهدف لتأمين وحماية المدنيين وتجنيبهم آثار العدائيات.
وأضاف «هو مصطلح، وإن لم يظهر في أدبيات القانون الدولي الإنساني أو المعاهدات الشبيهة، لكنه ظهر في القانون الدولي الإنساني حديث عن أشكال من المناطق المحمية، مثل المستشفيات والمناطق المحايدة والمناطق منزوعة السلاح، مؤكدًا أن إنشاء مثل هذه المناطق يتطلب اتفاق أطراف النزاع المسلح على ذلك، أو صدور قرار من مجلس الأمن».
وقال إن مناطق حظر الطيران هي مناطق يمنع فيها الطيران العسكري دون إذن الجهة الممنوعة من الطيران في مناطق غالبًا ما تكون خاضعة لسيطرتها وتنفذه قوة عسكرية أخرى (قوات دولية أو خارجية أخرى مفوضة) لأسباب إنسانية أو عسكرية.
وأشار الغالي إلى أن تجارب حظر الطيران عديدة وتمت في سياقات متعددة، لكنها كلها، لم تخل من البعد السياسي المباشر وليس الإنساني، ومع ذلك مُنيت العديد منها بالفشل الذريع، مثل حالة البوسنة والعراق وليبيا.
كذلك فشلت تجارب كثير من المناطق الآمنة، حيث تم ذبح المسلمين في البوسنة رغم وجود قوات الأمم المتحدة وتم خرق حظر الطيران بواسطة صربيا أكثر من 500 مرة دون رد، يوضح الغالي وهو قيادي سابق بحزب الأمة القومي ومهتم ومنقب في التاريخ السياسي.
ويتابع «كذلك لم تنجح بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان في حماية المدنيين الذين لجأوا إليها ولا في حماية نفسها.. كذلك الحال بالنسبة ليوناميد في السودان وفشلها في حماية المدنيين في دارفور».
أما بالنسبة لنجاح مثل هذه الدعوة فيتطلب توافر عددًا من الشروط وأولها، بحسب التجارب، أن تتم بموافقة أطراف النزاع ولا تأتي بقرار دون الاتفاق، وأن تتوافر لها الموارد المادية والبشرية والأسباب اللوجستية وأن تحظى بتعاون دول الإقليم المحيط بالنزاع، يقول الغالي.
ويضيف «هناك محاذير كثيرة تصعب نجاح المناطق الآمنة، منها إمكانية وصول المدنيين إليها في ظل عدم الاتفاق، وكذلك مخاطر قربها من مواقع المتقاتلين ومن البنيات التحتية».
كما أن هناك مخاطر استخدام الأطراف لها كمخازن سلاح مما يعرض المدنيين لأخطار أكبر أو استخدامها كتاكتيك سياسي لإخلاء أراض واحتلالها وتهجير المواطنين، هذا إضافة لعدم رغبة أو قدرة قوات الحماية في التصدي للهجمات وحماية المدنيين.
ورأى الغالي أن هذه الدعوة تأتي في ظروف منها، تغير ميزان القوى وتحسن موقف الجيش وحاجة الدعم السريع لالتقاط الانفاس بالتجنيد وإعادة التسليح، وفي ظل تراجع شعبية وسمعة «تقدم» والسخط الشعبي عليها وتعويلها على بقاء الدعم السريع في مستقبلها لذلك الحرص على بقائها في المعادلة.
ولفت إلى تزايد الضغوط الاعلامية والسياسية على الإمارات، وقال «لا تخفى العلاقة الوثيقة للدعم السريع وتقدم بهذا المحور» وذلك بعد تزايد انتهاكات الدعم السريع واستهدافه للمواطنين وتهجيرهم وتجويعهم وإفقارهم والرفض الشعبي الواسع للتعايش مع الدعم السريع.
وكذلك رغبة الجيش في استعادة أكبر قدر من المناطق التي فقدها وتحسين موقفه على الأقل. وكما هو معلوم، فإن اللجوء لحل فرض المناطق الآمنة يجئ بعد فقدان الأمل في حماية المدنيين بالاتفاق ووقف الحرب، يوضح الغالي.
وتابع «بناء على ما سبق، فإن فرص الحل الساسي حاليًا ليست كبيرة ولكنها في النهاية ستحدد بالموقف العسكري وتحرك الأطراف الإقليمية والدولية للوصول لحل أو فرض حل».
وأشار إلى أن السيناريوهات مفتوحة ولكن إذا تم اقتراح تسوية تخاطب المصلحة الوطنية في نظر الشعب وتعيد له الأمان وتخاطب مخاوف ومطلوبات أطراف النزاع يمكن ابتدار عملية سياسية تبدأ بالبعد الإنساني ثم وقف العدائيات ثم وقف إطلاق النار ثم عملية سياسية شاملة تزيل أسباب النزاع عامة في السودان، وفي هذا الصدد يمكن اقتراح تفاصيل تلك الخطوات وإصلاح العملية السياسية العقيمة الجارية حاليًا.
ويعتقد الغالي أن هناك ثلاثة طرق لتحقيقه، إما بتوافق طرفي القتال، وهذا غير وارد، لأن المعني به فقط تحييد سلاح الجيش وخدمة الدعم السريع. وإما عبر مجلس الأمن تحت الفصل السابع وهذا صعب جداً في ظل الفيتو وإشكاليات أخرى تتعلق بتكوين القوة والقبول بالمشاركة في وضع كهذا والتمويل، والخيار الثالث أن يتم خارج إطار القانون الدولي مثلما حدث في العراق وهذا أيضًا مستبعد جدا.
وبشأن تاريخ التدخل الدولي في السودان وكيف تم وإلى ماذا أدى، قال الغالي «في تقرير قدمته لجنة تقييم بعثة يوناميد ذكرت أن البعثة لازمها كثير من الإخفاقات، فهي فشلت في حماية المدنيين في كثير من الحالات بل وفشلت في حماية نفسها من الهجمات وفشلت الدور السياسي في الوصول لحل».
ومن خارج التقرير يقول الغالي «كلنا نعلم أنها فشلت حتى في حماية نفسها من الهجمات رغم أنها ظلت تحتمي في معسكراتها ولا تخرج لحماية المدنيين، بل وكانت تعتمد في تحركها على استصدار إذن من الحكومة، بينما من المفترض أنها جاءت لتحمي المواطنين من هجمات الحكومة».
لكن المهم أن أهم توصية في التقرير كانت «أن ضغط الرأي العام الدولي قد يكون عاملًا مساعدًا قويًا لفعل شيء لحماية المدنيين، ولكن هذا لا يجب أن يقود وحده لنشر عملية سلام إذا كانت الشروط السياسية لنجاحها غائبة».
وأوضح الغالي أنه في الغالب لن يتم نشر قوات ولا إقامة مناطق حظر طيران، لاسيما في ظل تضارب الأجندة الإقليمية والدولية.
فالبعض يريد إضعاف السودان واستمرار الحرب يخدم هذا الهدف، والبعض لا يتدخل إلا إذا كان في التدخل مصلحة استراتيجة كبيرة وعاجلة، وهذا حتى الآن غير منظور، وإن كان وارداً في مستقبل قريب، إذا تدخلت عوامل الصراع الاستراتيجي العالمي والاقليمي.
وكذلك صعوبة حدوث إجماع في مجلس الأمن يجعل التدخل خارج الشرعية ذا كلفة عالية ولا يحدث إلا لمصلحة أو خطر كبير تحسه الولايات المتحدة وكل هذا مستبعد الآن اضافة لتكلفة التدخل وعدم حماس الدول لإرسال جنود دون اتفاق ودون موافقة الحكومة.