Category: اجتماعي

وفاة  «200» شخص في شمبات بالأوبئة والحميات خلال «3» أشهر والميادين تتحول إلى مدافن

ملاذ حسن

ملاذ حسن

في الأشهر الثلاثة الماضية فقط، توفي حوالي 200 شخص جراء انتشار أمراض وبائية وحميات في منطقة شمبات العريقة بمدينة بحري شمالي العاصمة السودانية الخرطوم، كما تحولت ميادينها إلى مدافن، بعدما كانت ساحة للثقافة والرياضة. وتشتد أهوال سكان شمبات الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب بانعدام المياه الصالحة للاستخدام الآدمي، وكذلك الدواء والأطباء والأمن، حيث تبدو أقرب للموت منها للحياة.

وقال مصدر من مواطني شمبات لـ«بيم ريبورتس» إن العشرات من السكان توفوا بسبب انتشار حالات أوبئة، لم يتم تحديدها بعد، في منطقة لا يوجد بها معامل طبية وأصبح أطباؤها، هم المسعفون، موضحًا أن أبرز أعراض تلك الأوبئة المتفشية هي الإسهال والاستفراغ. فضلًا عن أعراض أخرى في المعدة، مضيفًا “أكثر الحالات في مربع 2 ومربع 4.

كما أن أكثر مناطق شمبات التي ترزح تحت معاناة الأوبئة والأمراض هي شمبات الأراضي وتحديدًا مربعات: (2 ، 4 ،15،14) وفي شمبات الحلة، يوضح المصدر.

قبل تفشي الوباء الشهر الماضي كانت شمبات تعاني من انتشار الحميات مثل حمى الضنك، لتنتشر ترافقَا مع الوباء، الإسهالات والاستفراغات الحادة بصورة كبيرة بدءًا من منتصف سبتمبر الماضي ولاحقًا انحصرت في مربعي 4 و 2 بشمبات الأراضي.

وأكد المصدر أن هناك فترة قبل بداية الحصول على علاجات للوباء كان يتوفى فيها حوالي 10-14 فرد في اليوم الواحد من شمبات بينهم 4 أفراد من أسرة واحدة، مؤكدًا أن الوفيات مازالت مستمرة والأعراض متفشية.

وأوضح أن الإصابات ظهرت بشكل أقل في مربع 5 إذ يوجد به ما بين 7-5 حالات فقط من ضمنها حالتي وفاة.

وكشف عن أن غالبية المواطنين الذين توفوا بسبب الوباء، لم يتمكنوا من احتماله ليوم واحد، وقال “الفيروس يأخذ حوالي 24 ساعة، إذا تمكن المريض من تجاوز هذه الفترة يمكن أن ينجو”.

وتوقع المصدر أن يكون سبب المرض هو وجود تلوث في بئر مياه جديدة حفرها المواطنون لاستخدامها للشرب والأطعمة، وذلك بعد انعدام مصادر المياه.

وأكد إلى أن متطوعين ذوي خبره في الإسعافات الأولية أجروا جولة في شمبات ووجدوا أن معظم المصابين بالأعراض شربوا من البئر.

وأضاف “بعض التقارير تحدثت عن أن سبّب الوباء هو الجثث الموجودة في النهر، أو تلوث الجو من الرصاص والبارود، وبعضها ذكر أن المرض عبارة عن  بكتريا أو فايروس، وليس كوليرا”.

وفاة 200 شخصًا في شمبات خلال ثلاثة أشهر

أكد المصدر وفاة  200 شخص في شمبات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بينهم من قتلته الحميات وآخرون بسبب الوباء، موضحًا أن غالبية المتوفين هم فوق الأربعين عامًا، لافتًا إلى قلة الإصابات وسط الأطفال، وقال “حتى المصابون القلائل من الأطفال تمكنوا من النجاة”.

وأشار إلى أن المقابر امتلأت ما اضطرهم إلى دفن الموتى في الميادين، وقال “أي ميدان به 20-30 قبر”، بينها استاد شمبات الأراضي مربع 2 وميدان جنوب مسرح خضر بشير، وميدان السلام مربع 3 ، وأخرى  بالقرب من شارع الموية مع شارع جنوب تقاطع سوبر ماركت المائدة، منوهًا إلى أن هذه المدافن الجديدة بشمبات الأراضي فقط، مشيرًا إلى وجود أخرى في شمبات الحلة.

أدوية منتهية الصلاحية

فيما يتعلق بوضع المرافق الطبية، قال المصدر إن هناك مستشفيين فقط يعملان في المنطقة. الأول هو مستشفى حاج الصافي، لافتاً إلى أنه خال من الأطباء والمتخصصين حيث يتم معالجة المرضى بواسطة 4 مسعفين فقط يقومون باستقبال أصحاب الأمراض المزمنة والمصابين بالإسهالات والاستفراغ، لافتاً إلى أنهم ليسوا أطباء بل متطوعين درسوا دورات إسعافية. أما المستشفى الثاني، هو مركز النيمة الصحي، وهو المركز الوحيد الذي يعمل في شمبات، مشيرًا إلى وجود كوادر طبية به.

والوسيلة الوحيدة لنقل المرضى في المنطقة، بحسب المصدر هي عربات الكارو أو عبر الدرداقات. وقال إن شمبات خالية من منافذ بيع الأدوية، كاشفًا عن أنه يتم استجلاب الدواء من منطقة شرق النيل، الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع أيضًا عبر متطوعين من غرف الطوارئ ومتبرعين.

وأوضح أن الذهاب إلى شرق النيل يكلف بين 100- 150 ألف جنيه سوداني كرسوم تدفع قسريًا لقوات الدعم السريع مقابل نقلهم بعربة إلى منافذ توزيع الدواء بصيدليات شرق النيل، ومن ثم توزيع العلاجات وسط المواطنين، لافتاً إلى أن الأولوية لعقاقير الحالات المستعجلة من دربات وأدوية استفراغ وإسهال.

وتابع “في الشهر الماضي تمكن المتطوعون من توفير جزء كبير من الأدوية وتوزيعها على دفعتين من خلال التبرعات التي وصلتهم، لكن الاستهلاك كان كبيرًا خاصة المحاليل الوريدية وعلاجات الاستفراغ”، وأردف “ومع ذلك، مازال النقص في الأدوية مستمر خاصة دربات الملح والجلكوز في ظل كثرة الحالات”.

هذه الأوضاع الصحية أجبرت غالبية المرضى لتناول أدوية منتهية الصلاحية، مثل أدوية الملاريا والضغط والسكري، مشيرًا إلى أنهم يعتبرونها أفضل من العدم وفق ما ذكر.

محاليل وريدية وأدوية

أمنيًا، قال المصدر إن تفلتات قوات الدعم السريع في المنطقة ما تزال مستمرة متمثلة في النهب والسرقة واقتحام المنازل وترهيب المدنيين، موضحًا أنهم لا يتعرضون للمرضى والمُسعفين، لكنهم يعطون أفرادهم الأولوية في العلاج.

المياه قد تعرضك للموت مرتين، مرة مسمومًا، إذا تم جلبها من بئر يُعتقد أنها مسمومة حيث يقوم المواطنون بغلي المياه على أمل أن تصبح صالحة للاستخدام ومرة أخرى قد تُقتل قنصًا، أو تتعرض للضرب في أحسن الفروض إذا كانت الفكرة جلب المياه من نهر النيل، يوضح المصدر.

توقف عدد من التكايا

قال المصدر إن مواطني شمبات يعتمدون في غذائهم اعتمادًا كليًا على التكايا، مشيرًا إلى توقف حوالي 4 تكايا من تقديم الطعام بسبب نقص المواد التموينية، مضيفًا أن المربعات التي ما تزال التكايا فيها تعمل، هي مربعات: 5 و2 و4 و14 و15 بشمبات الأراضي. أما شمبات الحلة توجد بها تكايا في حي الشلعاب والحضراب وعلى جهة الشيخ البشير، لافتًا إلى أن أقل تكية توفر كمية تترواح ما بين 150 -200  إناء في الوجبة الواحدة.

مواطنين في انتظار الطعام بإحدى التكايا

 

سوق العرب هو السوق الوحيد الذي يوفر بعض السلع في شمبات، لافتًا إلى غلاء الأسعار به حيث يبلغ سعر كيلو السكر 8 آلاف جنيه وكيلو العدس والأرز 7  آلاف وربع البصل 15 ألف ورطل الزيت 6 آلاف فيما يبلغ سعر عبوة زيت الطعام 1 لتر 10 آلف فيما يتراوح سعر كيلو الدقيق بين 4 إلى آلاف. 

وذكر أنه يتم استخدام الفحم بدلًا عن الغاز، موضحًا أنه يتم بيعه بكمية بسيطة ويبلغ سعره ألفي جنيه، ومع ذلك يكفي لعمل الشاي فقط. كما يشير إلى توفر بعض الخضروات في السوق مثل الرجلة والخدرة.

مواطنون يقطعون الأشجار لاستخدامها في طهي الطعام

وأكد عدم وجود قدرة شرائية لدى المواطنين تمكنهم من شراء حاجياتهم من سوق العرب، ما عدا أولئك الذين تصلهم تحويلات مالية من أقاربهم داخل وخارج السودان.

يأتي كل ذلك في ظل انقطاع الكهرباء منذ شهرين حيث أرجع المصدر ًالسبب إلى عدم تمكن فريق الصيانة من الوصول إلى الحلفايا التي يرتكز فيها الجيش وتشهد اشتباكات مستمرة عند منطقة درة بحري، لافتاً إلى أن الكهرباء لن تعود ما لم يستعيد الجيش منطقة شمبات.

مواطنون في انتظار الطعام

شهادات من مدني المنسية تكشف عن تراجع عاصمة الجزيرة عقودًا إلى الوراء

ملاذ حسن

ملاذ حسن

في نهار 18 ديسمبر 2023 اقتحمت قوات الدعم السريع مدينة ود مدني من الجانب الشرقي عبر جسر حنتوب بعد انسحاب الجيش منها. ومنذها، يومًا بعد يوم، لم تعد تلك المدينة التي عرفها سكانها، أو أولئك الذين يكنون لها المحبة. 

وكانت مدني التي يبلغ عدد سكانها قرابة 700 ألف شخص تستضيف معظم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في السودان بعد تدهور الأوضاع الأمنية في العاصمة الخرطوم، بينما كانت ملجأ لمئات الآلاف من نازحي الخرطوم قبل أن تدفعهم الأحداث الأمنية الجديدة إلى الفرار مرة أخرى حيث نزح أكثر من 300 ألف شخص مع بدء القتال فيها.

وقبل سيطرة الدعم السريع عليها كانت ود مدني التي تقع وسط السودان تضج بالحياة، لكنها اليوم، وبعد ما يقارب العام من سيطرة الدعم السريع عليها أصبحت مدينة أشباح واختفت مظاهر الحياة فيها، حيث يعاني ما تبقى من السكان الذين آثروا البقاء فيها، من غلاء الأسعار وصعوبة في المعيشة والحصول على العلاج وأبسط الخدمات ومقومات الحياة.

اثنان من سكان مدني تحدثوا لـ«بيم ريبورتس» نهاية الأسبوع الماضي، ورسما صورة قاتمة لحياة قاسية وجحيمية الطابع وأوضاعًا معيشية متردية يحياها الآلاف تحت سلطة قوات الدعم السريع وإدارتها المدنية. المصدران اللذان تحدثا إلينا وهما عضو غرفة طوارئ وسيدة من مواطنات مدني انتهزا فرصة نادرة للتواصل مع العالم الخارجي عندما أتيح لهما استخدام الانترنت الفضائي «ستارلينك» بعد مدة طويلة من الانقطاع.  

وقال عضو غرفة الطوارئ إن سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة تمبول شرقي الجزيرة، أثرت سلبًا إذ أنها كانت تمد غالبية مناطق الجزيرة بالمؤن الغذائية وغيرها من الاحتياجات. 

وأضاف أن هناك أسواقًا بديلة تم تشغيلها داخل المدينة، وهي «سوق جزيرة الفيل، سوق حلة محجوب، سوق عووضة، سوق مارنجان»، بالإضافة إلى جزء من السوق الصغير في مدني جنوب.

وأوضح أن بعض السلع يتم جلبها من المنهوبات والمسروقات من سنجة والخرطوم وتمبول.

وأشار إلى أنه تمت تغذية الأسواق المحلية بكمية من السلع المنهوبة بعد إغلاق طريق تمبول، قبل أن يؤكد أن هذا الانخفاص سيكون مؤقتًا بسبب كون المصدر الأساسي – سوق تمبول – تم نهبه، لافتاً إلى أن السلع التي دخلت إلى أسواق مدني خلقت حالة من الركود.

 وفيما يتعلق بالتداول النقدي، كشف عن وجود مشكلة سيولة نقدية حاليًا في المدينة، موضحًا أن غالبية السلع تجلبها قوات الدعم السريع وتقوم ببيعها للمواطنين، لكن عبر الكاش وليس عبر التطبيقات المصرفية.

وقال المصدر إن المواطنين الذين يحاولون جلب السلع بأنفسهم يتعرضون للنهب في ارتكازات الدعم السريع الكثيرة، أو بواسطة لصوص متخصصين في السرقة.

وأكد أنهم يعانون في الحركة بسبب حالات النهب سواء للنقد أو البضائع بعد الشراء، وتابع “الطريق غير آمن والوصول للسلع غير متوافر”.

 

 وأوضح أن  مدينة ود مدني بها  مايزيد عن  25 تكية بينها مجموعة تكايا في (حنتوب ،وفي جزيرة الفيل،وحي ناصر ،والحلة الجديدة،وحي المدنيين، والكريبة).

 

وفيما يخص الأدوية والعقارات الطبية، ذكر المصدر أن هناك ندرة وشح في الأدوية بشكل كبير، خاصة علاجات الملاريا والأطفال، وندرة نسبية في أدوية الأمراض المزمنة والنفسية.

كذلك كشف عن وجود صيدليات تجارية شغلتها الدعم السريع، بالإضافة إلى تملكها عدد من المراكز التجارية. وعلى الرغم من ذلك، توجد صيدلية خيرية تم عملها بمبادرة من شباب مدني في مركز بانت بمدني جنوب.

كما أكد انعدام في لقاحات الأطفال ولقاحات مرض التتنس للحوامل ،وأمصال العقارب والسعر لأكثر من ثلاثة شهور وفق المصدر.

المصدر أكد أيضًا إن هناك مستشفيات ومراكز  تجارية قامت الدعم السريع بتشغيلها لفائدتها التجارية، بينها المستشفى البريطاني وسط مدني. كما كشف عن استمرار عمل مركز غسيل الكلى بتبرعات الشباب الموجودين في مدني.

لا كهرباء ولا غاز طبخ ومعاناة في الحصول على مياه الشرب

في جانب الخدمات، ما يزال التيار الكهربائي منقطعًا منذ 7 يونيو الماضي، بجانب المعاناة في الحصول على المياه النقية، حيث يتم الحصول عليها عبر الآبار باستخدام المولدات.

كذلك تعاني ود مدني من انعدام غاز الطبخ حيث اضطر السكان إلى الاعتماد على الفحم بشكل أساسي، كما يتم عمل جزء منه في المنازل، وأشار المصدر إلى وجود كمائن فحم في منطقة شرق مدني في جزيرة الفيل والمكي.

وضع أمني سيئ ولا وسائل للتنقل

إحدى مواطنات مدينة ود مدني قالت إنها تعاني من صعوبة في التحرك لاستجلاب المؤن والمواد بسبب الوضع الأمني وازدياد أسعار السلع بشكل كبير، كما أشارت إلى تحليق طيران الجيش بشكل أكبر مؤخرًا موضحةً أن ذلك حرمهم من القدرة للذهاب لشراء السلع.

وأكدت عدم وجود وسائل للتنقل، باستثناء عربة الكارو، وقالت إن أسعار السلع في ازدياد مع ارتفاع أعداد الوافدين من مناطق أخرى من الجزيرة لود مدني.

وقالت إن سعر لتر الزيت 9 آلاف جنيه سوداني، والكيلوجرام الواحد من السكر بين 6-7 ألف جنيه، أما الأرز بلغ سعره 6 آلاف جنيه.

وأكدت معاناة المواطنين من الجوع والفقر، وأن بعضهم يظل لمدة يومين بدون غذاء، موضحة أن الغالبية من أرباب الأسر إما معاشيين أو موظفين لم تصرف رواتبهم، أو تمت سرقة كل ما يمتلكون من الدعم السريع.

وذكرت أنها ووالدتها تعرضتا إلى وعكة صحية واضطرتا لشراء العلاج من صيدلية قريبة منهم، مشيرة إلى وجود صيدليات تعمل في مدني، لكن دون أطباء. وقالت إن سعر صندوق أقراص (البندول) يبلغ ألفي جنيه.

 

وفيما يتعلق بالمستشفيات أوضحت أن المستشفى البريطاني بمدني يستقبل حالات مشيرةً إلى غلائه مستشهدة بسعر عمليات الولادة القيصرية الذي يبلغ 500 جنيه.

وعند سؤالنا لها بشأن التفاصيل الأمنية وتعامل الدعم السريع مع المواطنين قالت إنها لا تستطيع أن تعكس لنا ذلك بسبب مراقبة مستخدمي الإنترنت . 




عنف «الدعم السريع» والأمراض الوبائية يسرقان حيوات سكان الهلالية

ملاذ حسن

ملاذ حسن

7 نوفمبر 2024 – بينما كانت منطقة الهلالية شرقي ولاية الجزيرة وسط السودان تعيش تحت وطأة عنف قوات الدعم السريع من قتل وحصار ونهب وتدمير منذ اقتحامها لها في 29 أكتوبر الماضي، تضاعفت مأساتها بتفشي حالات التسمم والأمراض الوبائية بما في ذلك الكوليرا. حينها لم يكن بالإمكان إنقاذ مئات المرضى، بسبب تدمير ونهب المستشفى والمراكز الصحية، ما أدى إلى وفاة العشرات، حسبما أكد مصدر صحفي من أهالي المنطقة لـ«بيم ريبورتس»، واللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان في بيان أصدرته أمس الأربعاء.  

وتجئ انتهاكات قوات الدعم السريع في شرقي الجزيرة عامةً وفي منطقة الهلالية بشكل خاص، في ظل انقطاع خدمات الاتصالات والانترنت، وسحب أجهزة الإنترنت الفضائي «الإستارلينك».

وقال الصحفي محمد احمد الفاضل إن مستشفى أم ضوًابان جنوب العاصمة السودانية الخرطوم استقبل حوالي 150 حالة إصابة بالكوليرا للنازحين من المنطقة هربًا من انتهكات الدعم السريع هناك.

ووصف الفاضل ما يحدث في الهلالية، بأنه موت للمواطنين بالجملة نتيجة لحالات يصفها البعض بالتسمم الغذائي، لافتًا إلى أن بعض الروايات تشير إلى أن التسمم بسبب مبيد حشري زراعي تم تناوله مع الوجبات.

 ومع ذلك، أكد أن الاحتمال الأرجح هو أن حالات الوفيات جاءت نتيجة وباء الكوليرا، مشيرًا إلى أن ذلك يؤكده وصول 150 حالة إلى مستشفى أم ضواًبان تم تشخيصها، على انها حالات إصابة بوباء الكوليرا.

وأوضح أن ما يُصعب التشخيص في الهلالية عمليات النهب الواسعة التي طالت المستشفى والمراكز الصحية الخاصة والصيدليات ومركز غسيل الكلى، كاشفًا عن أنه يتم نشر ما يزيد عن 12 حالة وفاة يوميًا في مجموعات أهالي الهلالية والإعلان عنهم، بعد التأكد من ذويهم.

وأشار كذلك إلى أن أرقام الوفيات المنشورة والمتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن الضحايا في أوساط سكان الهلالية أقل بكثير من الإحصائيات الحقيقية على الأرض، وذكر أنه تأكد من دفن قرابة 25 شخصًا في يوم واحد قبل أسبوع جراء التسمم.

واعتبر أن ما يحدث من قوات الدعم السريع في الهلالية هو عملية انتقام، مشيرًا إلى أنه تم نهب وتكسير كل المعدات الخدمية والطاقة الشمسية المعتمدة عليها الآبار في توليد المياه، بالإضافة إلى جميع المخازن ومعظم المنازل.

وذكر أن المواطنين اضطروا لشرب مياه الآبار الموجودة منذ عشرات السنين، لعدم استطاعهم الوصول إلى مورد مياه النيل الأزرق، مضيفًا «يبدو أن الآبار هي سبب الوفيات العديدة التي بلغت حوالي أكثر من 70 حالة حسب المرصود، بما في ذلك الذين قتلو بالرصاص».

وأوضح أن الأطباء والكوادر الصحية من أبناء المنطقة الذين لا زالوا موجودين داخل الهلالية، قاموا بعمل جولات على الأهالي، في محاولة لتقديم خدمات طبية، لكنهم لم يكن لديهم أي معينات، ولا حتى أملاح تروية. وتابع «الجميع ماتوا بالكوليرا وحتى النازحين الناجين اتجهوا نحو المجهول».

لجنة أطباء السودان: وفاة أكثر من 73 شخصًا

في السياق، قالت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان،  إن «منطقة شرق الجزيرة تعاني من كارثة إنسانية متفاقمة ومن حملة الجنجويد الانتقامية»، مشيرة إلى أن الإسهالات المائية تحصد أرواح مواطني الهلالية والمناطق المجاورة.

 

وأكدت في بيان أن مناطق شرق الجزيرة تواجه كارثة إنسانية متفاقمة، نتيجة لهجمات عنيفة ومستمرة تشنها مليشيا الدعم السريع، وأن المنطقة تشهد حملة انتقامية ممنهجة تستهدف المدنيين، مما أدى إلى مقتل وترحيل الآلاف وتهجيرهم قسريًا. 

 

وأضاف البيان أن الوضع الصحي في المنطقة تفاقم بشكل مقلق حيث تفشت الإسهالات المائية في مدينة الهلالية والمناطق المجاورة، ويحتجز من تبقى من سكانها في المساجد مما أدى إلى وفاة أكثر من 73 شخصًا حتى الآن.

 

 ويعاني مستشفى الصباغ الريفي، الذي يعد المحطة الرئيسية لتقديم الرعاية الطبية للنازحين، من تدفق هائل للمرضى يفوق طاقته الاستيعابية، بالإضافة إلى نقص حاد في الكوادر الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.

مجازر وحشية

في السياق، قال حزب المؤتمر السوداني-ولاية الجزيرة، في بيان الخميس، إنه يتابع الوضع المأساوي الذي تعيشه مدينة الهلالية، شرق ولاية الجزيرة، حيث تتعرض منذ أيام لحصار خانق وهجمات مستمرة من قبل قوات الدعم السريع، «في مشاهد تقشعر لها الأبدان وتزيد من عمق مأساة الحرب على بلادنا».  

 

وأكد البيان سقوط العشرات من الضحايا الأبرياء في مدينة الهلالية نتيجة إطلاق الأعيرة النارية، وتدهور الحالة الصحية ونقص الغذاء والدواء، إضافة إلى انتشار موجة من التسمم الغذائي والكوليرا، ما أدى إلى وفاة عدد من المواطنين والمواطنات، بينهم أطفال ونساء وكبار في السن. 

 

وبحسب البيان «فقد بلغ عدد الضحايا الذين روت دماؤهم أرض الهلالية أكثر من سبعين، في وقت تعاني فيه المدينة من ظروف صعبة وحرجة تنذر بالمزيد من الكوارث».  

 

وأدان البيان بشدة المجازر الوحشية التي ترتكبها قوات الدعم السريع، معتبرًا أن الحصار المفروض على المدينة يعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية وجرمًا ضد كل الأعراف والقوانين الدولية. 

 

وحمل البيان قوات الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة الإنسانية، مشددًا على ضرورة وقف هذه الممارسات القمعية والإجرامية التي تطال المدنيين العزل.  

 

كما دعا المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى التدخل العاجل لتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، ومطالبة الأطراف المتورطة بإنهاء حصار المدينة فورًا، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية والأدوية لإنقاذ الأرواح والحد من انتشار الأمراض.

ورأى البيان أن صمت المجتمع الدولي أمام هذه الجرائم يعُدّ تواطؤًا لا مبرر له. 

حملة انتهاكات ممنهجة شرقي الجزيرة

وبدايةً من 20 أكتوبر الماضي شنت الدعم السريع حملة انتهاكات ممنهجة ضد المواطنين بشرق وشمال الجزيرة، في أعقاب انشقاق قائدها السابق بولاية الجزيرة، أبو عاقلة كيكل، وانضمامه للجيش.

 

ونشرت الدعم السريع قواتها في كل وحدات شرق الجزيرة: (تمبول، ريفي رفاعة، رفاعة، الهلالية وود راوة)، بالإضافة إلى قرى السريحة وأزرق في الكاملين شمالي الجزيرة.

 

وبتاريخ 29 أكتوبر الماضي قالت لجان مقاومة مدني إن مواطني مدينة الهلالية شرق الجزيرة  يتعرضون إلى اقتحام شرس و استباحة من قبل مليشيا الجنجويد  ما أدى  إلى مقتل أكثر من 4 أشخاص وإصابة العشرات وتم نهب منازل المواطنين واعتقالهم.

 

فيما قال شهود عيان وقتها لـ«بيم ريبورتس» وقتها إنه تم نهب منطقة الهلالية بشكل كامل بدايةً من حي الشاطئ وحتى حي الشكرية، بعد محاصرتها من أربعة اتجاهات.

معاناة لا تنتهي.. رحلة الأهوال من شرقي الجزيرة إلى حلفا الجديدة

28 أكتوبر 2024 – قطعت المواطنة نجلاء عطا المنان «40 عامًا» سبع قرى بمنطقة تمبول شرقي الجزيرة على قدميها المصابتين بمقذوفات من رصاص الدعم السريع استهدفت منزلها في حي الشقالو وأصابتها في أجزاء أخرى من جسدها، في محاولة للبحث عن مكان آمن بعيدًا عن دوي أسلحة الدعم السريع، لتصل بعد رحلة نزوح استمرت يومين، إلى مدينة حلفا الجديدة شرقي البلاد.

وبدايةً من 20 أكتوبر الجاري شنت عناصر الدعم السريع حملات عنف على مواطني شرق الجزيرة تركزت في القتل والنهب والاغتصاب والتعذيب، ما أدى إلى فرار الآلاف من بطشها. 

وقالت نجلاء لـ«بيم ريبورتس» إنها وصلت إلى مدينة حلفا الجديدة واستقرت في المدرسة المصرية التي فُتحت لإيواء النازحين، لكنها ما تزال قلقة على والديها وشقيقتها اللذين لا تعلم عنهم شيئًا بعد تفرقهم إثر هجمات قوية نفذتها الدعم السريع.

الثلاثاء الماضي وصلت نجلاء إلى مدينة حلفا، حيث ما تزال تتلقى العلاج جراء الإصابات، ووسط آلامها تتذكر عبارات عناصر الدعم السريع حين هجموا عليهم «انتو عيال كيكيل».. وسيلًا متصلًا من الإهانات، حسب ما تقول نجلاء.

حملات عنف

جاءت حملات عنف قوات الدعم السريع على مناطق شرق الجزيرة في أعقاب سيطرتها على أكبر مناطقها مدينة تمبول بعد معارك عنيفة ضد الجيش أدت إلى انسحابه في نهاية المطاف.

ومنذ ذلك الوقت نشرت الدعم السريع قواتها في كل وحدات شرق الجزيرة الخمس (تمبول، وريف رفاعة، ورفاعة، والهلالية،  وود راوة)  ليسقط في حملات تنكيلها بالمدنيين مئات الضحايا والجرحى في ظل انعدام الخدمات الطبية ومحاصرة المنطقة ومنع المواطنين من الخروج، مما أجبر الآلاف على نزوح على القدمين بحثًا عن الأمان.

لغة السلاح التي استخدمتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين، دفعت الداخل والخارج إلى إدانتها بشدة. إذ نددت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية محلية ودولية بالانتهاكات التي ترتكبها عناصر الدعم السريع بحق المواطنين. كما حذرت من مخاطر تحول الصراع إلى حرب أهلية وناشدت الأهالي بعدم الانجرار وراء ما وصفتها بدعوات زج المواطنين في أتون الحرب عبر شحن خطاباتها بالنعرات القبلية وما وصفته بـ«الاستقطاب الأهلي الحاد».

من جهتها، حثت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، في بيان الجمعة، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي على البدء في التخطيط لنشر بعثة لحماية المدنيين في السودان، مشددًة على أنه لا يمكن انتظار محادثات وقف إطلاق النار لتؤتي ثمارها أو الظروف المثالية لنشر البعثة، وقائلةً: «يحتاج المدنيون إلى الحماية الآن».

نزوح 10 آلاف

في السياق، أحصت مجموعة «محامو الطوارئ» الحقوقية السبت نزوح نحو 10 آلاف شخص من شرق الجزيرة بحثًا عن الأمان، موضحةً، في بيان، أن هجمات الدعم السريع على قرى (كريعات، وزرقة، والعقدة، والعبوداب، والطندب، وود موسى، والشقالو)، خلفت مئات القتلى والمصابين.

أيضًا قالت المنسقة المقيمة للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في السودان كليمنتين نكويتا سلامي، في بيان السبت، إنها تشعر بالقلق إزاء التقارير التي تفيد بتصاعد العنف المسلح الذي أودى بحياة عشرات المدنيين في الولاية، مقارنة إياه بانتهاكات حقوق الإنسان التي شهدها إقليم دارفور العام الماضي.

وتابعت كليمنتين: «لقد صدمت وذهلت بشدة من تكرار انتهاكات حقوق الإنسان من النوع الذي شهدناه في دارفور العام الماضي مثل الإغتصاب والهجمات المستهدفة والعنف الجنسي والقتل الجماعي في ولاية الجزيرة».

وفي الوقت الذي تستمر فيه انتهاكات الدعم السريع على هذه المناطق في ظل اختفاء تام للجيش، قال مصدر محلي من شرق الجزيرة لـ«بيم ريبورتس» إن عدد القتلى الفعلي من المنطقة يفوق 500 شخص.

كما كشف عن تعرض نحو 40 فتاة للاغتصاب، بينهن طفلة على الأقل، جميعهن من منطقة رفاعة، مشيرًا إلى أن أصغر حالة اعتداء لطفلة تبلغ من العمر ست سنوات، وهو ما عزّزه بيان صدر عن وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، الجمعة، وأشار إلى ورود تقارير غير مؤكدة من المنطقة عن حالات عنف جنسي ضد نساء وفتيات على يد الدعم السريع في بعض القرى.

وقالت مديرة الوحدة، في مقابلة تلفزيونية أول أمس، إن الرصد يأتيها عبر وحدات الخدمات الصحية بالمناطق، وعزت عدم ورود معلومات دقيقة من الجزيرة إلى انهيار الخدمات الصحية بالولاية، وأوضحت أن إحصائية الاعتداءات التي وردت إليهم من الولاية منذ دخول الدعم السريع إليها تبلغ 29 حالة أصغرهن لفتاة بعمر 6 سنوات.

وكانت لجان المقاومة الحصاحيصا قد أطلقت نداء استغاثة عاجل لمنظمة الصليب الأحمر ووكالات الأمم المتحدة تطالبها بالتدخل الفوري والعاجل لإنقاذ المدنيين.

تدفق النازحين إلى حلفا الجديدة

ومنذ الخميس وصل آلاف النازحين الفارين من ويلات القتال في شرق الجزيرة إلى مدينة حلفا الجديدة، حيث ناشدت غرفة الطوارئ المنظمات الخيرية والمبادرات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني لتوجيه الدعم اللازم لتغطية الاحتياجات الضرورية للنازحين الذين أووا في المدرسة المصرية والمركز البيطري، مشيرةً إلى أنهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

وقال المتطوع محمد فرغلي لـ«بيم ريبورتس» إن عدد الأسر الموجودة في مركز إيواء المدرسة المصرية والبيطري، بينهم كبار سن وحالات خاصة، فيما يسكن البعض مع أقاربهم.

وأشار فرغلي إلى تبرع عدد من الأشخاص لتقديم الخدمات الغذائية بالإضافة إلى أجسام طبية، لافتًا إلى وجود مقترح لإنشاء عيادة.

والجمعة فُتح مركزان لاستقبال النازحين؛ هما: المدرسة المصرية استقبلت في نفس اليوم نحو 114 أسرة 64 منها في المصرية و50 في البيطري، فيما لا تزال أعداد هائلة من القادمين تفد إلى المنطقة بينهم عشرات المصابين الذين يتلقى بعضهم العلاج بمستشفى حلفا.

وبحسب مصادر من المنطقة، فإن المركز البيطري يقع عند مدخل حلفا الجديدة بالاتجاه الشمالي بالقرب من السوق الشعبي، وكان مركز تطعيم وحجر للأغنام والقطيع، وبه مخازن، وليس مهيئًا لاستقبال الأسر، ولكن فتح نسبة للظرف الحالي، ولا يسع أكثر من 100 أسرة. أما المدرسة المصرية فهي تقع وسط حلفا الجديدة حي مربع 7.

أيضًا، استقبلت عدد من القرى الواقعة قبل مدينة حلفا أعداد من النازحين وهي: (قرية ستة عرب، وقرية ثمانية عرب).

وأوضح متطوع آخر من الغرفة أن هذه المراكز غير مهيئة وبها مشكلة كهرباء ومياه، مشيرًا إلى توفير المياه عن طريق (براميل كبيرة تابعة للدفاع المدني). وأضاف المتطوع: «هناك جهد متكامل في حلفا الجديدة من كل القطاعات سواء كانت حكومية أو مدنية أو أهلية لتقديم الدعم للنازحين»، وأشار إلى وجود قوات أمنية في مناطق الوصول لحفظ الأمن والترتيب.

وعند سؤالنا عن إمكانية فتح مراكز جديدة، أشار المتطوع إلى أنه ليس هناك نقاش في هذا الصدد وأن التركيز حاليًا على توفير خدمات للقادمين الحاليين، لافتًا إلى أن النقاش بشأن إمكانية ترحيل النازحين إلى مراكز جديدة خيار محتمل حال أصبحت الأعداد أكبر.

وكشف عن إنشاء مطابخ في المراكز بواسطة غرف الطوارئ ومبادرات أخرى فاعلة لتوفير الغذاء والوجبات للقادمين.

في السياق، قالت غرفة طوارئ حلفا الجديدة، في بيان مساء السبت، إن عدد الأسر المستضافة نحو 200 أسرة، مشيرةً إلى أن هناك أسر أخرى في الطريق من المخطط استضافتهم في المركز البيطري والمدرسة المصرية.

أهوال تمبول

أكد عضو لجنة الإشراف على مخيم المدرسة المصرية عوض السر البخيت، وهو أحد الذين تمكنوا من مغادرة قريتهم «الشقالوة» ووصل إلى مدينة حلفا الخميس الماضي لـ«بيم ريبورتس»، أن المنطقة ما زالت تستقبل النازحين القادمين من شرق الجزيرة وأغلبهم في حالة سيئة، وتعرض معظمهم للنهب والسرقة والإذلال.

وقال البخيت إن حدة الهجمات الدعم السريع في اليوم الأول دفعت جميع مواطني القرية إلى التجمع في المسجد العتيق بوسط مدينة تمبول.

وأوضح أن الضرب كان يتركز على السوق ووسط المدينة في مناطق: (العيشاب، الشقالو، السروراب والعقدة)، مشيرًا إلى أنها أكثر الأحياء التي تضررت جراء عمليات قصف عشوائي تجاه المواطنين.

وأضاف البخيت: «كانت هناك فترة هدأ فيها الاشتباك، اغتنمها غالبية الأهالي للخروج من المنطقة عبر الناحية الشمالية للمدينة»، قبل أن يشير إلى اعتراضهم بواسطة الدعم السريع وإرجاعهم، وشنها حملات نهب واسعة واقتحام للمنازل. وتابع: «عاملونا دون رحمة».

«أما الأحياء الأخرى فقد تصدى بعضها للدعم السريع، مثل حي العقدة.. هؤلاء كانوا مستعدين» – يردف البخيت.

وعن رحلة نزوحه يحكي عوض البخيت أن المسار الذي اتخذه مواطني قرية «الشقالو»، تضمن توجههم شرقًا إلى قرية العيشاب، لافتًا إلى مواجهتهم معاناة كبيرة في الطريق بسبب ارتكاز الدعم السريع في كل اتجاه ومدخل وتعاملهم بقسوة مع النازحين، بالإضافة إلى سرقتهم الأهالي دون تمييز وإذلالهم، ورأى عوض أنهم تبدوا عليهم علامات تعاطي مخدرات بسبب تصرفاتهم الغريبة.

وتابع: «كنا نرى جثثًا ملقاة على الطريق من تمبول إلي القرى الواقعة شرقها حتى وصولنا منطقة آمنة عند مجمع قرى كريعات التي كانت  نقطة ارتكاز للجيش»، منوهًا بأنها «خالية من أفراد الجيش والمواطنين». وذكر أنهم نزحوا بعدها إلى مجمع قرى زرقة (كيلومتر واحد من الكريعات)، ومنها إلى مسيد خليفة الفاضل (على بعد كيلومترين من قرى الزرقة)، مشيدًا بالاستقبال الكبير من أهل المنطقة. وأضاف: «عند  الساعة الواحدة ظهرًا في اليوم الثاني من نزوحنا توجهنا مسافة ثلاثة كيلومترات إلى قرية النيب، ووصلنا إلى حلفا الجديدة بعد خمس ساعات».

وأشار عوض إلى وجود عربات ترحيل كبيرة لتوصيل المواطنين إلى حلفا يبلغ سعر التذكرة فيها للفرد الواحد من 250 ألف إلى 300 ألف جنيه، فيما ذكر أن بعض أهالي تمبول في حلفا تحركوا إلى القرى الآمنة وتطوعوا لنقل المواطنين مجانًا.

من الناجين الذين تحدثوا لـ«بيم ريبورتس» أيضًا الطبيبة إيمان عبد القادر التي أسعفت بعض المواطنين بمعدات متواضعة قبل نزوحها بمعية سبعة من أفراد أسرتها من تمبول إلى حلفا، وتعمل حاليًا متطوعة في مخيم صحي بمركز المدرسة المصرية.

تقول إيمان إنها أسعفت في منزلها عدد من المواطنين المتضررين من ضربة الطائرات الحربية للجيش السوداني بالقرب من مستشفى تمبول، وأوضحت أن أقارب أحد المصابين كانوا يملكون صيدليات وأحضروا إليها معينات طبية.

وتواصل إيمان: «حاولت قوة من الدعم السريع على منزلنا واستفسرت عن سبب التجمهر به»، مشيرةً إلى مهاجمتهم شقيقها جراء ذلك.

وتتابع: «تراجعت القوة بعد إجابة الرجال بأن التجمع بسبب علاج أحد المصابين من طيران الجيش».

وأشارت إيمان إلى عدم وجود حالات اغتصاب في تمبول حتى لحظة نزوحها الثلاثاء الماضية، موضحةً أن قوات الدعم السريع في تمبول كانت تركز على السرقة والنهب وتهديد وترويع المواطنين، لكنها تابعت: «لكن سبب عدم وقوع حالات اغتصاب هو أن الرجال كانوا يضحون بأرواحهم من أجل النساء».

وأكدت الناجية نجلاء عطا المنان أن قوات الدعم السريع تعمدت إذلال النساء بشكل خاص، وقالت في هذا السياق إن أحد أهالي تمبول يدعى «ع.أ» قتل وهو يدافع عن نساء بيته بعد تهديده بهن.

وشملت رحلة نزوح نجلاء التي اختارت الخروج بعد اشتداد هجمات الدعم السريع: (من تمبول إلى قرى  الزرقة وحتى الطندب)، مشيرةً إلى أن الرحلة استغرقت نحو يومين، منها 8 ساعات سيرًا على الأقدام حتى الزرقة، تعرضت فيها لعملية نهب وتفتيش من الدعم السريع.

وتحكي عن دفع أسرتها وآخرين نزحوا معهم ملياري جنيه لسائق عربة كبيرة «دفار» لترحيلهم إلى حلفا.

وعن وضع المستشفيات والمراكز الصحية في تمبول، تقول إيمان إنها تعمل على الرغم من الضرب الشديد والخطر الأمني وانعدام المعينات، وتشير إلى استقبال مستشفى حلفا عشرات المصابين.

وهي كما تقول لـ«بيم ريبورتس» بدأت رحلة البحث عن عمل لإعالة أسرتها بعد تشردهم وقلقة مما يحمله لهم المستقبل.

«إنسان سنجة» الذي مزّقته عربات الدفع الرباعي في مهده النيلي القديم

16 سبتمبر 2024 – سيكون على إنسان سنجة الرابع في إفريقيا، وفق ما يقول أستاذ علم الآثار والبيئة في جامعة الخرطوم، البروفيسور يحيى فضل طاهر. الانتظار طويلًا، ربما لعقود أو قرون من الزمن، لينسى ما حدث له في يوم السبت التاسع والعشرين من يونيو 2024 حين تمزقت حياته بمجئ أسراب من عربات الدفع الرباعي التابعة لقوات الدعم السريع تحمل على متنها آلة الموت والنزوح والتشرد والاغتصاب، بعضهم غرق في النهر فرارًا ليرسخ في أعماق طين الأرض، في لحظة حب مشهود وقاتل.

ذلك السبت سيظل يومًا عصيبًا في ذاكرة مئات الآلاف من سكان سنجة ما بقيوا على قيد الحياة، وستبقى سيرته التي تفوح منها روائح الموت تُروى للأجيال جيلًا بعد جيل كيوم نحسٍ تستمر أصداؤه تنهش في ذاكرة المدينة الواقعة على ضفاف النيل الأزرق والمشدودة إلى الحدود الدولية مع جنوب السودان وإثيوبيا، ومركزًا يحن جغرافيًا إلى الوسط والجنوب ومحتضنًا تنوعه الكبير كمجتمع غارق في سنجاويته الهادئة. 

فرار سكان سنجة بعد اجتياح الدعم السريع للمدينة. تصوير: الجوكر

سنجة مدينة التنوع والرموز والتاريخ العريق، تقع على الضفة الجنوبية الغربية للنيل الأزرق وتطل على مجموعة من الجنائن في الضفة الشرقية للنيل الأزرق، وتبعد نحو 369 كيلومترًا جنوب شرق العاصمة السودانية الخرطوم و70  كيلومترًا جنوب شرقي مدينة سنار.

 

ساعد موقع سنجة النادر، بحسب الكاتب والمهتم بتاريخ المنطقة، مهند رجب الدابي، في إفادته لـ«بيم ريبورتس» أن تكون منطقة زراعية ذات طبيعة غابية غاية الكثافة والخضرة والإنتاج، إذ تتميز بأرضها الخصبة وتحيط بها الغابات وجنائن الفاكهة والمشاريع الزراعية. كما تعد منطقة إنتاج وفير للأسماك والحبوب الزيتية والموارد الأخرى.

ملامح من مدينة سنجة: من مواقع التواصل الاجتماعي، صفحة السينجاوي طارق العرش.

أصل التسمية

تتعدد الروايات بشأن أصل اسم مدينة سنجة، بينها أنه نبات بالمنطقة كان يُعرف بالسنج ومفرده سنجة. والسنج: هو مرادف لكلمة المروج، وهي الأشجار والنباتات الخضراء المعمرة، ولذلك فإن هناك عددًا من المناطق ذات الخضرة والغطاء النباتي تحمل الاسم نفسه مثل «سنجة العزازة، وسنجة حريري، وسنجة الدبكرة، وسنجة تيفو». كما أن هناك مناطق تحمل الاسم نفسه، لكنها تقع خارج نطاق المدينة، مثل «سنجة نبق» الواقعة بإقليم النيل الأزرق.

 

كما نُسبت سنجة أيضًا إلى شخصيات في فترات محددة، وأشهر الذين سُميت عليهم، «سنجة عبد الله» نسبة إلى عبد الله ود الحسن الكناني زعيم قبيلة الكنانية التي استوطنت المنطقة منذ زمن بعيد.  

 

كذلك توجد رواية أخرى تنسب الاسم إلى تاجر جائل كان يأتي إلى المنطقة لبيع بضاعته ويستعمل السنج، وهي قطع معدنية لوزن البضائع، ويردد على زبائنه «دعوني أحضر السنج لأوزن لكم».

أيضًا، رجح بعض المهتمين أن سنجة سُميت على رجل ذو مكانة عالية ورفيع المقام، وفق ما يذكر الكاتب السينجاوي، الصادق إبراهيم عبيد الله، في كتابه «بانوراما سنجاوية».

النشأة والتكوين

يقول خالد الطيب عبد الرازق، وهو ناشط ثقافي وأحد المهتمين بتاريخ سنجة لـ«بيم ريبورتس»، إن المدينة كانت تعرف باسم «سنجة حريري» حتى العام 1821، وكانت عاصمة مديرية النيل الأزرق، مشيرًا إلى أنها تعد مركزًا من الناحية الإدارية وشيدت بها بعض المنشآت.

 

ويضيف عبد الرازق: «مع اندلاع الثورة المهدية والتفاف المواطنين السودانيين حولها، تشكلت ملامح مجتمع مدينة سنجة وأصبحت سنجة كناني. كما يمكن القول إن سنجة أصبحت مدينة بشكلها الحالي في نهايات الحكم التركي – المصري وبداية الحكم الثنائي الانجليزي – المصري». 

تاريخ سنجة

صحيح أن مدينة سنار تعد أول عاصمة للسلطنة الزرقاء في الفترة بين 1504 ـ 1820 واستمرت لأكثر من ثلاثمائة عام، لكن وبعد الغزو التركي المصري للسودان في العام 1821 وسقوط السلطنة الزرقاء «مملكة سنار» برزت سنجة بوصفها عاصمة لإقليم شمال الفونج، قبل أن تتحول لاحقًا إلى مدينة ود مدني وسط السودان.

 

وفي خضم التطورات الإدارية، في عهود الحكم الوطني المختلفة، تحولت سنار إلى ولاية ضمن النظام الإداري لحكومة السودان وعُينت سنجة عاصمة لها. 

وبحسب الكاتب والمهتم بتاريخ المنطقة، مهند رجب الدابي، فإن الغرض من اختيارها عاصمة كان لإنعاش منطقة جديدة وإضافة نقاط مدنية في خارطة الطرق السريعة التي تربط أطراف السودان المتباعدة.

إنسان سنجة الرابع في إفريقيا

يقول أستاذ علم الآثار والبيئة في جامعة الخرطوم، البروفيسور يحيى فضل طاهر، لـ«بيم ريبروتس» إن الجمجمة التي عُثر عليها في سنجة في السودان ليست أقدم جمجمة في إفريقيا والعالم، وربما لا تكون للإنسان الأول في السودان، مع استمرار البحوث والاكتشافات حتى اللحظة.

 

ويضيف طاهر: «حتى الآن هنالك جمجمة أقدم عثر عليها في المغرب ترجع إلى 315 ألف سنة قبل الميلاد، وأخرى في جنوب إفريقيا أرخت لـ259 ألف سنة، وثالثة في إثيوبيا عمرها نحو 233 ألف سنة، جميعها أقدم من إنسان سنجة الذي يصل حتى 150 ألف سنة». وتابع: «بذلك فإن إنسان سنجة (هيموسيبيان سيبيان) يعد ترتيبه الرابع في إفريقيا».


ولفت طاهر إلى أن الدراسات الآثارية الأخيرة التي اعتمدت على تسلسل الـDNA، وليس الجماجم، تحدثت عن أن الإنسان الأول بمنطقة في صحراء شرق «أبو حمد» بولاية نهر النيل شمالي السودان. وهي دراسة أجراها عدد من الباحثين في العام 2018 لرسالة دكتوراه مشتركة بين جامعة هارفارد وأكسفورد تحت إشراف الباحثة كيندرا سيراك.

مشاهد من مدينة سنجة: «صفحة طارق العرش».

مجتمع سنجة

وفق عبد الرازق، فإن المجتمع السينجاوي، غلبت عليه سمة الترابط والتكافل وهو مزيج من عدد من القبائل والأسر والمكونات التي شكلت ملامح المدينة الاجتماعية بدرجة كبيرة، واستوطن معظمهم فيها في أعقاب قيام الدولة المهدية.

 

وأبرز القبائل التي استوطنت سنجة، هي: «الشكابة، والكواهلة، والكنانة، والأشراف، والتعايشة» الذين وفدوا إليها مع جيش حمدان أبو عنجة الذي قاتل الطليان في الحبشة وعاد مهزومًا، يضاف إليهم الدناقلة والجعليين، وأغلب هذه القبائل اتخذت من سنجة موطنًا لأنها «مشرع ومورد» وفق ما ذهب إليه عبد الرازق وعبيد الله.

 

«كانت سنجة مقسمة في السابق إلى فرقان يُسمى كل فريق باسم الإثنية التي تسكنه (فريق الكنانة، وفريق القرعان، وفريق القوتاب، وفريق الحويرصاب، وفريق التعايشة، وفريق الفلاتة، وفريق الصواردة، وفريق الحامدية، وفريق البسايين، وفريق الشايقية، وفريق الدناقلة)، ثم بعد ذلك أعيد تخطيطها وقُسمت إلى أحياء بأسمائها الحالية نفسها»، وفق ما أكدا.

 

«عدد كبير من سكان سنجة القديمة كانوا يتمركزون في منطقة خور خليفة، لكن بعد حريق بت الخزين الشهير في أواخر ثلاثينات القرن الماضي رُحلت أسر من هذه المنطقة في ما يعرف بالتكسيرة إلى المنطقة الواقعة جنوب غرب الصهريج الحالي شمال ووسط المدينة»، بحسب ما يذكر كتاب (بانوراما سنجاوية).

الأهمية الاقتصادية

كانت سنجة سوقًا رائجًا لتجارة المحاصيل، إذ تتميز بغزارة إنتاجها الزراعي وتنوعه، وكان بها سوق ضخم للمحاصيل يعرف بـ«الدخولية»، وكان موقعه في السوق المحلي الحالي.

 

وتعرض في هذا السوق المحاصيل في أشكال هرمية كبيرة تعرف بالصبرة، وتنشط فيه حركة الشاحنات «اللواري» التي تدخل السوق محملة بالمحاصيل من مناطق الإنتاج، فيما تخرج أعداد أخرى محملة بالمحاصيل إلى أسواق مدني وسنجة.

 

تتميز سنجة بإنتاجها فاكهة المانجو والجوافة والموز إلى جانب أنواع مختلفة من الخضروات التي لا تعتمد كثيرًا على الأسمدة الكيماوية لخصوبة تربة المنطقة.

 

وكانت سنجة تملك عددًا من المشاريع التي أصابها الإهمال ومعظمها توقف، بينها مشروع الكوكب والرماس ومشروع التوفقية ومشاريع شرقي سنجة مثل شاشينا وأبو قرع والسوكي وغيرها، وهي مشاريع ساعدت في نهضة إنسان المدينة وزيادة دخله ورفع مستوى معيشته.

 

ولكونها أكبر سوق للمحاصيل في المنطقة، كانت مشاريع الدالي والمزموم والمناطق الواقعة غرب ود النيل، تورد إنتاجها من الذرة والسمسم والصمغ العربي إلى سنجة، كما كانت تقام بها معارض للإنتاج الزراعي يتقاطر إليها الناس من جميع أنحاء السودان.

سوق الخضروات بمدينة سنجة. تصوير: طارق العرش

أول مصنع للزيوت

يذكر كتاب «بانوراما سنجاوية» أن سنجة اشتهرت منذ زمن بعيد بإنتاج زيوت السمسم وكانت تملك معاصر للزيوت شرق المدينة على مدخل غابة السنط أشهرها «معصرة حمور، معصرة محمد إمام، خليل فرح». ويتابع «ثم تلا ذلك افتتاح أول مصنع للزيوت في ستينات القرن الماضي للعم الجزولي الجلقني». ويضيف: «وكان بالمدينة أيضًا مصنعًا لليمونادة جوار منزل عمر معتوق وآخر للصابون بالقرب من منزل الرشيد عثمان هذا بجانب مصنع للفراد».

التعليم في سنجة

«أيضًا كانت سنجة سباقة ورائدة في مجال التعليم، إذ تعد من أوائل المدن التي نشأت بها مؤسسات التعليم في جميع المراحل بالنسبة للأولاد والبنات معًا. وقبل بداية التعليم الرسمي اشتهرت فيها بعض الخلاوى لتعليم القرآن منها خلاوي: (ود الفكي أم جبو، ود الأزيرق، الفكي سبيل والفكي جبر الله)»، بحسب خالد عبد الرازق. 

 

ويضيف عبد الرازق: «في أواخر عهد الحكم التركي – المصري وبدايات الحكم الثنائي الإنجليزي – المصري بدأ التعليم الرسمي في سنجة»، مشيرًا إلى أن أول وأشهر المدارس بالمدينة، هي مدرسة سنجة الغربية للبنين التي أسست في العام 1897 وتعد من المباني التي تُبعت لليونسكو. 

 

وتلا قيام مدرسة الغربية بعد فترة تأسيس «المدرسة الشرقية» والتي مثلت تتويجًا للجهد الشعبي الأهلي في التعليم. كذلك أنشئت المدرسة الأولية للبنات في العام 1925 وساهمت في التعليم المبكر للمرأة، وكان بها فصول محو الأمية للنساء وتعرف هذه المدرسة الآن باسم خديجة الكبرى وأم المؤمنين.

 

وعلى مستوى التعليم المتوسط، أنشئت مدرسة سنجة الوسطى، في نحو العام  1948 وكان يأتيها الطلاب من الروصيرص وجنوب مدني وسنار والسوكي للدراسة، بالإضافة إلى المدرسة الأميرية في العام 1950. بعدها قامت المدارس الوسطى الأهلية مثل المدرسة الأهلية الوسطى التي أنشأها الخيرون من أبناء سنجة ومدارس «محمد أحمد الحويرص، والمعهد الديني، وإبراهيم سعيد».

 

ومن المدارس المهمة أيضًا مدرسة سنجة التجارية، ثاني مدرسة في الإقليم الأوسط بعد مدني التجارية وافتتحت في العام 1980، والمدرسة الصناعية التي افتتحت في العام 1989 وحاليًا هي مبنى كلية التربية التي أسست في العام 1991 وكلية الصيدلة وكلية سنجة التقنية.

مشهد لأحد شوارع مدينة سنجة: تصوير طارق العرش

معالم سنجة

يذكر الكاتب الصادق عبيد الله، إن هناك مجموعة من المعالم شكلت التاريخ ومثلت علامات راسخة في الذاكرة السنجاوية، منها ما اندثر، ومنها ما يزال قائمًا. 

من بين تلك المعالم «قبر أبو رفاس» الذي يوجد داخل غابة السنط شرق المدينة، ويقول إنه لمفتش مركز سنجة زكي بك ناصف الذي كانت نهايته على يد عبد الله ود الحسن زعيم كنانة في العام 1906، ويعد قبره شاهدًا على بطولات أهل سنجة الذين أنهوا عهد طغيانه.

 

يذكر أيضًا أنه من ضمن المعالم «ميعتان مشهورتان» الأولى «ميعة نورا» التي كانت تمتلئ بالمياه في الخريف مما يجعل كمية من الأوز تلجأ إليها بعد انتهاء الخريف، غير أنه يشير إلى أن التخطيط الحديث للمدينة تسبب في اندثارها وقام مكانها جزء من الحي الغربي (أ).

 

أما الميعة الثانية، فهي «ميعة ستنا» التي قام عليها الحي جنوب السودنة وكانت في السابق مكب ومحرقة للنفايات وكانت تتجمع عندها النسور العملاقة والمعروفة باسم «كلدنغ أبو صلعة» وكان الصبية يذهبون إليها للفرجة على هذا الطائر الضخم غريب الشكل والحركات.

 

ومن المعالم المذكورة في «بانوراما سنجاوية» أيضًا ثلاث شجرات شهيرات بالنسبة لسكان المدينة، أولها «شجرة التعايشة» وهي شجرة عرديب ضخمة ما زالت قائمة في قلب الحي وكانت تمثل سوقًا كبيرًا للمنتجات البلدية وبيع اللبن. بالإضافة إلى شجرة «سوق ليبيا» وهي شجرة هجليج كانت تعرف في السابق بشجرة موقف الدالي لأن المواطنين كانوا يركبون «اللواري» المتجهة إلى الدالي منها، ويذكر أنها كانت قائمة منذ أواخر الخمسينات، وما زالت تؤدي دورها كسوق صغير في المنطقة. وأخيرًا «شجرة المركز» وهي شجرة هجليج عتيقة في الجزء الشمالي الشرقي لمركز الشرطة، وقد كانت وما زالت مكتبًا على الهواء الطلق لكتبة العرض ولم يعرف لها عمر. ويشير عبيد الله إلى أن أشهر من عمل تحت هذه الشجرة من أعلام المدينة هم «إسماعيل العاقب، وجميل ضو البيت، ومحمد عبد الحميد» وأجيالاً أخرى تلت هذا الجيل.

 

من المعالم أيضًا، بحسب عبيد الله، «معلقة» على شجرة سجن سنجة، تطرق عند رأس كل ساعة وتسمع في جميع أنحاء سنجة وما عليك إلا أن تحسب عدد الطرقات لتعرف الزمن فإذا طرقت تسع مرات مثلًا فهذا يعني أنها الساعة التاسعة وهكذا.

 

بالإضافة إلى بروجي الشرطة الذي كان يطلق عند صباح كل يوم وبه يبدأ الجميع مزاولة أنشطتهم اليومية، هناك أيضًا مدفع الشرطة الذي كان يعتمد عليه أهل المدينة في رمضان، وكان يطلق عليه «مدفع الدلاقين»، إذ يطلق عند حلول وقت الإفطار ويفطر عليه الصائمون في المدينة وبعض القرى حول سنجة. 

معدية نيلية في سنجة – تصوير: طارق العرش

شخصيات سنجاوية

تميزت سنجة بنخبة من الشخصيات المتنوعة في المجالات المختلفة، وأخرجت للسودان عددًا من الكتاب والسياسيين المؤثرين. يقول خالد عبد الرازق ويذكر منهم: مؤسس مؤتمر الخريجين محمد خير المحامي والشريف حسين الهندي الذي تعود جذوره إلى سنجة حيث درس في مدارسها، وكذلك د. شريف إبراهيم التهامي. ويواصل: «أيضًا من أبرز الشخصيات السنجاوية المك حسن عدلان وهو من مؤسسي حزب الأمة القومي وناظر الفونج من منطقة جنوب مدني وحتى الكرمك، وزين العابدين أبو حاج  من أوائل الممولين لسفر السودانيين للدراسة في بريطانيا ومصر».

 

ورفدت سنجة السودان بأكثر من 25 دبلوماسيًا أبرزهم: د. حسن بشير عبد الوهاب مدير المعهد الإفريقي للدراسات الدبلوماسية، والسفير دفع الله حاج علي أول مندوب للسودان في الأمم المتحدة، والسفير عمر يوسف بريدو.

 

ولا يخفى على أحد الكاتب والمؤرخ حسن نجيلة أحد رواد تعليم الرحل في السودان والذي دون تجربته في كتابه «ذكرياتي في البادية»، بالإضافة إلى ميرغني نجيلة، ومحمد نور برير، وأمين محمد زين «لديه أكثر من أربع روايات» وعمر عدلان المك. ومن الصحفيين والكتاب: عبد الله رجب، ومحمد أحمد السلمابي، وأمين نابري.

الأستاذة بخيتة المقبول

 

تعد الروائية زينب بليل ورائدة تعليم البنات طيبة أنس والأستاذة بخيتة المقبول، أوائل من درسن كليات تعليم البنات، بالإضافة إلى الرضية الطيب، وثريا عبد الرازق وسعاد أم ضفيرة وعلوية حبورة.

 

وفي مجال الطب تميزت أسرة آل الريس، وعلى رأسهم عبد القادر الريس وعبد الوهاب الريس، وهما من أوائل المتعلمين في بريطانيا ومن رواد التعليم في السودان.

 

وفي الرياضة، علي أفندي السنجاوي، وهو أحد مؤسسي نادي الهلال أم درمان، بالإضافة إلى أنه كان سكرتير رئيس الوزراء الأسبق إسماعيل الأزهري، إلى جانب لاعبي الهلال السابقين الخطيب جمال كامل، والفاتح ريحان الذي لعب أيضًا للمنتخب القومي.

 

ومن الخبراء الزراعيين علي الحويرص الذي يُعد أول خبير زراعي في وزارة الزراعة السودانية، وعثمان الحويرص مدير خزان سنار والروصيرص والذي أشرف على بناء خزان الروصيرص، ويعد آل الحويرص من الذين أسسوا الزراعة الآلية في الدالي والمزموم.

 

وأيضًا من الشخصيات السينجاوية المتميزة حسن صالح الشوية وهو من واضعي اللبنات الأولى للحكم المحلي في السودان بعد السودنة.

الحركة النسوية في سنجة

كان للرائدات الأوائل من المعلمات الدور الأساسي في تكوين فرعية الاتحاد النسائي بسنجة التي أسست في العام 1967 برئاسة الأستاذة فاطمة ريحان وعضوية عدد من المعلمات ومواطنات المدينة، تقول أمل بشير يوسف العجب، وهي من أوائل العضوات بالاتحاد النسائي لـ«بيم ريبورتس».

 

وتضيف أن من بينهن أيضًا «سعاد وكوكب نجيلة، ونبوية أيوب، وسكينة الخير، وآسيا نجيلة، وفائزة نقد، ومريم بشير، ورقية علي أفندي، وسعاد الخير وغيرهن»، مشيرةً إلى إنشاء فصول محو الأمية وتعليم الخياطة، في حين واصل بعض الفتيات تعليمهن بعد ذلك لمراحل نظامية متقدمة، وبينهن من تعلمن الخياطة في مدرسة متخصصة باستعمال البترون في أم درمان، وهي آسيا علي نجيلة التي ساعدت في فتح فصول الخياطة التابعة للاتحاد النسائي لاحقًا.

 

وتتابع آمل: «تعاقبت على رئاسة الاتحاد النسائي عدد من المواطنات بالانتخاب في العام 1965 تولت رئاسته كوكب علي نجيلة التي أضافت الاقتصاد المنزلي إلى نشاطاته واستمرت حتى العام 1967، أعقبتها منيرة كامل حتى العام 1969، ثم بعدها الأستاذة فائزة نقد حتى حُل في العام 1971 وصودرت ممتلكاته».

وتذكر أن الاتحاد أقام ندوات عديدة، أشهرها ندوة على مستوى المنطقة بحضور الرائدة النسوية فاطمة أحمد إبراهيم في العام 1986 أمّتها الجماهير من مختلف الفئات العمرية والتوجهات الفكرية والطائفية.

الأستاذة سكينة الخير

تقارير: بيم ريبورتس – سلسلة مدن السودان

قوات «الدعم السريع» تمزق الحياة في توتي بعد 15 شهرا من تحويلها لثكنة عسكرية

 

26 أغسطس 2024 – بعد أكثر من عام على فرض قوات الدعم السريع سيطرتها على جزيرة توتي المنطقة المدنية الواقعة في قلب العاصمة السودانية الخرطوم لم تعد تعمل فيها إلا حوالي 10 محال تجارية ومركز صحي تخدم قلة من سكانها الذين ظلوا يعيشون هناك على مدى قرون محاطين بمياه النيل من كل اتجاه. 

 

تمزقت توتي منذ مايو من العام الماضي بحكم استبدادي مارسته قوات الدعم السريع على سكانها قتلا ونهبا واغتصابا وحصارا.

 

وقال ثلاثة مصادر من سكان توتي لـ«بيم ريبورتس»، إنه يوجد في الجزيرة حاليًا حوالي 10 محال تجارية تعمل، ثلاثة منها عند المحطة الرئيسية وأربعة بالقرب من المسجد الكبير وفي فريق فور (فرق الإمام) ومع ذلك توفر سلعًا بسيطة ويعاني أصحابها في إحضار المواد. إذ عليهم الذهاب عبر النيل إلى بحري لجلبها. 

 

وتشهد توتي بشكل مستمر عمليات نهب وسرقة للسكان حيث لم يسلم منزل من قوات الدعم السريع وتضييق على المواطنين وتنفيذ اعتقالات قسرية وفرض حظر التجوال الذي عُدلت مواعيده إلى الخامسة مساءً، بحسب المصادر.

تكايا مهددة بالتوقف

 

مثلها مثل بقية المناطق المدينة المتضررة من الحرب اتخذ سكان توتي من التكايا، أسلوبًا لتوزيع الطعام على أكبر قدر من الناس.

 

والتكايا هي نظام تكافل اجتماعي يتم فيه إعداد الطعام وتوزيعه بشكل جماعي مجانا وزادت الحاجة إليها مع حالة الجوع التي تسببت بها الحرب.

 

تم فتح التكايا في توتي منذ الأسبوع الأول للحرب بتبرعات المواطنين وكانت تقدم العدس والفول بدون خبز، ولاحقًا اعتمدت اعتمادًا كليًا على أبناء الجزيرة المقيمين خارج السودان في دعمها.

لكن قوات الدعم السريع لم تكتفِ بمضايقتهم أمنيًا فحسب بل أصبح أفرادها يشاركون المواطنين في الطعام بنهبه بالقوة، وقال المصادر الثلاثة لبيم ريبورتس إن التكايا مهددة بالإغلاق.

 

وأضافت المصادر أن قوات الدعم السريع نهبت مواد تموينية تم إنزالها من قبل الجيش منها دقيق الخبز ومن ثم قامت ببيعه للمواطنين بواقع ألفي جنيه سوداني للكيلوجرام.

 ومع استمرار حصارها على المنطقة تشددت قوات الدعم السريع في إعطاء تصريحات للخروج من توتي لشراء المؤن كما منعت خروج الأسر حتى بمبالغ مالية.

مركز صحي وحيد

يوجد في جزيرة توتي مركز صحي واحد يعمل في ظل ظروف عصيبة منذ بداية الحصار. 

وبحسب المصادر، فإن الوضع في المركز الصحي مترد وسط شح في الأدوية بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء المستمر وهو ما أدى إلى تشغيله بالطاقة الشمسية لكنها لا تكفي حاجة كل المركز.

 في وقت يوجد معمل الفحوصات خارج المركز وكان يعمل به طبيب مختبرات يتبع للدعم السريع عمل فيه لمدة سبعة أشهر ثم غادر. 

يُشار إلى أن القابلة الوحيدة التي كانت تعمل بالمركز توفت ولا توجد به طبيبة نساء وتوليد، في الوقت الحالي.

 

 ووفق المصادر، فإن عدد الأسر التي نزحت من توتي بصعوبة بسبب الأحداث 209 أسرة بينما يبلغ عدد المعتقلين في سجون الدعم السريع بسوبا والرياض 30 شخصًا بالخرطوم توفي منهم ما يزيد عن خمسة.

 في وقت لا تزال مئات الأسر التي فضلت البقاء في توتي تعايش أوضاعًا أمنية ومعيشية صعبة، بينما تواصل الدعم السريع استباحة الجزيرة. 

 

ويوم السبت قبل الماضي أشار بيان صادر عن أبناء جزيرة توتي بالخارج عن تواتر أنباء لهم تفيد بمقتل ستة من أبناء المنطقة كانوا محتجزين قسريًا في معتقلات الدعم السريع ، كما أشار البيان إلى اختطافها 25 شخصًا منهم مرضى وكبار سن بحاجة للرعاية الصحية.

 

ومنذ الأيام الأولى للحرب تحاصر قوات الدعم السريع المواطنين وتمنع الدخول والخروج من الجزيرة بعد سيطرتها على جسر توتي الأمر الذي خلف أوضاعًا إنسانية صعبةً وشح المواد التموينية والخدمات الطبية وتوفر الأغذية للسكان بل ووصل الأمر إلى صعوبة دفن الموتى.

 

وبتاريخ 31 مايو العام الماضي قالت مجموعة محامو الطوارئ إن الدعم السريع تحاصر الجزيرة لليوم الثامن على التوالي من خلال إغلاق جسر توتي بالإضافة إلى إطلاق النار على كل من يقترب من ضفاف النيل محاولاً الخروج من المدينة.

 

أيضاً ذكر البيان أن القوات أطلقت النار على أحد عمال الكمائن مما أدى إلى وفاته كما منعوا دفن الموتى في مقابر حلة حمد واضطر الأهالي إلى دفن موتاهم في الجزيرة بالإضافة إلى منعها خروج الحالات المرضية الحرجة والوصول للمستشفى.

بداية الحصار

في الأول من مايو 2023 تم دخول أول قوة للدعم السريع الجزيرة ومنع المواطنين من الخروج وبعد استيلاء الدعم على الجزيرة بأربعة أيام بدأت بوادر شح المواد التموينية بما فيها ملح الطعام، لكن سكان المنطقة كانوا يدبرون أمورهم بالخروج  بالمراكب إلى بحري، أيضاً تشهد المنطقة انقطاع الكهرباء والمياه منذ مايو 2023.  

 

مع اشتداد الحصار على الجزيرة وتقييد الدعم السريع حركة مرور المواطنين والسلع الاستهلاكية والأدوية، لجأ السكان إلى التحرك بقوارب إيجارها 5 آلاف عن طريق النيل إلى حلة حمد والصبابي وحلة خوجلي بعد دفع مبلغ 1200 أو 1800 للأسرة الواحدة بتصريح من قائد الدعم السريع في توتي.

 

ولاستجلاب المؤن الغذائية إلى المنطقة المنكوبة منذ بدايات الحرب يدفع تجار توتي مبالغ كبيرة لأخذ تصريح من الدعم السريع ليوفر لهم عربة كبيرة (دفار) توصلهم إلى السوق المركزي جنوبي الخرطوم.

وفيات واغتصاب

مع استمرار الحصار يوماً عن يوم، سجلت الجزيرة عددًا من الوفيات بسبب ضعف الخدمات وانعدام الأمن، حيث أشارت هيئة محامي الطوارئ مطلع أكتوبر العام الماضي إلى تلقيها شكاوى عن وفاة مواطنين قائلة: “الحصار أدى إلى تجويع مواطني الجزيرة ووفاة البعض نتيجة انعدام الرعاية الصحية ونقص الدواء والغذاء وتلقينا شكاوى أكدت وفاة ثلاثة مواطنيين بينهم طفلة مصابة بالسكري ولم تحصل على جرعة الأنسولين.

 

“إن أهل الجزيرة صبروا على نهب ممتلكاتهم وسياراتهم والتضييق لكن الأمر تجاوز الحدود عندما وصل لانتهاك الأعراض والحرمات ولا ينبغي السكوت عليه”، قال إمام مسجد توتي خلال خطبة صلاة عيد الفطر الماضي في أعقاب قيام أفراد من الدعم السريع باغتصاب  فتاة تحت تهديد السلاح في التاسع من أبريل الماضي.

 

واعتدت الدعم السريع على المواطنين السلميين الذين تجمعوا في مسجد توتي للاحتجاج على الحادثة والتطورات الخطيرة لقوات الدعم السريع بحقهم مما تسبب في مقتل طفل وإصابة 6 آخرين.

 

واستمرت الأوضاع كما هي في توتي حتى لحظة استعادة الجيش السوداني مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان بعد نحو 11 شهراً من القتال، حيث كثفت الدعم السريع بعدها عملياتها في توتي وفق ناجين من الجزيرة تحدثت معهم بيم ريبورتس ونفذت اعتقالات كثيرة وبلغ عدد المتوفين جراء الحصار وانعدام الرعاية الصحية  حوالي 100 شخص.

 

وتقع جزيرة توتي عند نقطة التقاء نهري النيل الأزرق والأبيض في العاصمة الخرطوم وتحيط بها  مدن العاصمة الثلاث وتبلغ مساحتها تسعمائة وخمسين فدانًا وتشتهر بجمال الطبيعة الخلاب وتتميز بشواطئها ذات الرمال البيضاء.

«15» شهراً من بدايتها.. كيف تطارد محنة الحرب اللاجئين السودانيين في مصر؟

 «انفتح باب مفوضية تسجيل اللاجئين، وتوجهت الموظفة بالحديث إلينا، نحن مئات المتكدسين منذ الصباح الباكر أمام وحول مبنى المفوضية، وقالت بكلمات قليلة حفظناها من شدة التكرار: أكتمل العدد لليوم، وعليكم القدوم غداً للحصول على موعد آخر».

 

هذا ما قاله عامر الهادي – اسم مستعار- ، في إفادته لـ«بيم ريبورتس» عن معاناته المستمرة لأربعة أشهر، وذلك بعد دخوله مصر هو وأسرته عن طريق الحدود البرية بين البلدين، وذلك هرباً من وطأة الصراع المستعر في السودان، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ الخامس عشر من أبريل 2023.

 

فمع بداية الحرب آثرت أسرة عامر البقاء في منزلها بأم درمان (حي الفتيحاب)، ولكن بعد أشهر من اشتداد وطأة الصراع وصعوبة الحصول على علاج والده المريض بالقلب، ووصول الاشتباكات المسلحة إلى حيهم، قرروا أخيرًا الخروج من منزلهم والذهاب إلى الولاية الشمالية التي لم يكن فيها الوضع مختلفًا كثيرًا في صعوبته، وربما أكثر قسوة في الحصول على مسكن مع غلاء الإيجارات ومحدوديتها، علاوة على انتفاء مصادر الدخل والعمل، الأمر الذي حدا بهم لأن يقرروا أخيرًا السفر إلى القاهرة عبر الطريق البري.


واليوم، مع دخول الحرب عامها الثاني، فإن التقارير تفيد بأن هناك 5 ملايين سوداني على حافة المجاعة، بينما 18 مليون يواجهون الجوع الحاد، في أزمة إنسانية جسيمة تقع على عاتق السودانيين والسودانيات بشكل يومي، وهو ما يجعل الوضع الإنساني في السودان يوصف بالمأساة، وقد قدرت الأمم المتحدة أن تكلفة الاستجابة لهذه الأزمة يقدر بحوالي 2.7 مليار دولار، لم يتوفر ويدعم منها سوى 6% فقط من إجمالي التكلفة الكلية.

الحرب والشتات

تسببت الحرب في تهجير ما يزيد عن 10 ملايين سوداني من منازلهم، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد الذين عبروا حدود السودان إلى دول الجوار المختلفة (مثل مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى) يزيد عن الـ 1.8 مليون سوداني، منهم 500 ألف وصلوا مصر حتى تاريخ أبريل 2024، في رحلاتٍ واجهوا فيها مخاطر جمة في رحلات نزوحهم، بدءاً بالخروج من أحيائهم ومدنهم التي تشهد اشتباكاتٍ مسلحة، من انتشار للجنود المسلحين ونقاط التفتيش، وتعطل الخدمات المصرفية وانعدام السيولة.

 

 علاوة على شح الوقود وارتفاع أسعار تذاكر السفر البري إلى 10 أضعاف، وليس انتهاءً بالمتطلبات والإجراءات الحدودية التي وقفت عائقًا أمامهم في المعابر الحدودية بين السودان ومصر.

 

 في مدينة حلفا ومعبر أرقين البري، حيث تكدس المواطنون في انتظار الحصول على تأشيرة، وسط أوضاع مأساوية وشكاوى من تردي الخدمات وبطء الإجراءات المطلوبة للدخول، والتي استغرقت  لبعض الأشخاص أكثر من شهر ولم يتمكن البعض الآخر من إكمال إجراءاته.


 وهنا حيث ظهرت بدائل غير رسمية أخرى لعبور الحدود، خاصة مع توقيف الخارجية المصرية التعامل بوثائق السفر المؤقتة، والتي كانت هي الأمل الوحيد للسودانيين الذين لم يتسن لهم تجديد جوازاتهم أو إحضار مستنداتهم الرسمية اللازمة للسفر.

الطريق إلى مصر قبل الحرب

كان تنقل المواطنين السودانيين والمصريين بين البلدين يسيرًا ولا يتضمن تعقيداتٍ كبيرة، خاصة ضمن اتفاقية الحريات الأربع، الموقعة بين البلدين في العام 2004، والتي تكفل لمواطني البلدين حرية التنقل والعمل والتملك. 

ووفق هذه الاتفاقية فإن كافة النساء، والفتيات السودانيات في عمر أقل من 16 والرجال فوق عمر الـ 49 معفيون من الحصول على تأشيرة من أجل التواجد في الأراضَ المصرية، بينما تحصل عليها الفئات الأخرى من القنصلية المصرية في السودان.

 

لكن مع بداية تدفق اللاجئين السودانيين إلى مصر، علاوة على وجود لاجئين من دول أخرى، وبعد أربعة أشهر من اندلاع الحرب في السودان، أصدر رئيس الوزراء المصري في نهاية أغسطس 2023، قراراً بالرقم 3326، والذي يلزم جميع الأجانب الذين دخلوا إلى مصر بطريقة غير رسمية  بضرورة توفيق وتقنين أوضاعهم في غضون ثلاثة أشهر.

 ولكن بعد اندلاع الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023، استحدثت الحكومة المصرية إجراءات جديدة فيما يخص دخول السودانيين إلى مصر، حيث فرضت على كل السودانيين، في أواخر شهر مايو 2023، ضرورة الحصول على تأشيرات دخول مسبقة.


وبالرغم من مناشدة جهات دولية السلطات المصرية بضرورة تسهيل عبور الفارين من الحرب للحدود، وعدم وضع العراقيل أمامهم، إلا أن السلطات المصرية، منذ سبتمبر 2023، شنت حملة اعتقالات قسرية على اللاجئين السودانيين ورحلتهم إلى السودان، دون اتباع الإجراءات الواجبة أو إتاحة أي فرصة لطلب اللجوء، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 3 ألف لاجئ سوداني رحلوا من مصر إلى السودان في شهر سبتمبر 2023.

الحصار الداخلي وزيادة النزوح

مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني، واستعار الاشتباكات المسلحة وانتقالها إلى مدن ومناطق جديدة (مدني والنيل الأبيض وسنجة وسنار) يجد الملايين من السودانيين في ولايات وأقاليم السودان المختلفة أنفسهم محاصرين بالمجاعة والعنف وعدم الأمان وغياب الوسائل المعيشية والخدمات الصحية، والسؤال الأكثر الحاحاً: إلى أين نذهب؟. 

 

وبرغم أن هذا السؤال كان حاضرًا منذ انطلاق الرصاصة الأولى للحرب في العاصمة السودانية، الخرطوم، إلا أن الإجابات عنه، والاستجابة له كانت متفاوتة وترتبط بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر والأفراد المختلفين، وهو ما جعل من عمليتي النزوح واللجوء موجات مختلفة ومتباينة. فالذين كان لهم القدرة إلى اللجوء في بدايات الحرب لم يواجهوا التعقيدات الحالية، والتي تتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تساهم  في تدفق 860 ألف لاجئ وعائد من السودان في الشهور المقبلة.

احتجاجات واعتقالات في ظروف قاسية

بدأت الاعتقالات التي يتعرض لها السودانيون بعد الحرب منذ سبتمبر من العام الماضي، وذلك بعد القرارات الجديدة التي انتهجتها السلطات المصرية، حيث تعرض السودانيين للاعتقال أثناء سفرهم بعد دخولهم الحدود المصرية، في محافظة أسوان، ومن المستشفيات التي كانوا يتلقون فيها العلاج جراء إصاباتهم في حوادث سير. وزادت حدة الاعتقالات في الشهور اللاحقة لتشمل حتى الذين ينتظرون مواعيد تسجيلهم في مفوضية اللاجئين، وأعيدت أعداد كبيرة، قدرتها منظمة العفو الدولية بـ 800 شخص إلى السودان، دون امتلاك حق الإستئناف أو الاعتراض على هذا الترحيل.

كيف أصبحت «فاشر السلطان» العاصمة التاريخية لدارفور محط أنظار السودانيين؟

20 يوليو 2024 – في لحظة فارقة من أزمنة السودانيين القاسية، أصبحت مدينة الفاشر عاصمة دارفور التاريخية، محط أنظار السودانيين منذ مايو الماضي وسط حرب مشتعلة للشهر السادس عشر على التوالي توزع الموت والنزوح واللجوء والخراب على سكان 11 ولاية من أصل 18 تشكل السودان.

الفاشر، عاصمة السلطان علي دينار، الحاكم القوي وآخر سلاطين مملكة الفور والذي لجأ إلى جبل مرة واغتيل هناك في عام 1916 ببنادق الجيش الانجليزي الغازي، بعد هزيمة جيشه في معركة برنجية على تخوم الفاشر، وهي أحد أحياء المدينة حاليًا.

 ومع ذلك، ظلت مدينة الفاشر، مركز دارفور التاريخي، مكانًا رحيبًا يضم الأعراق السودانية بلا تمييز ويصهر مجتمعها. وهكذا؛ تمضي فيها الحياة، كفضاء مكاني غارق في المحبة والفنون تشده الذكريات إلى تاريخ إداري تليد وتقاليد للدولة استمرت لقرون، كان مجلس سلطانها الحربي، يتشكل من جميع الأعراق، ويوزع قمع سلطته القابضة حينها على الجميع.

وضمن إرث الدولة في سلطنته، أنشأ السلطان علي دينار الحدائق العامة وشق الطرقات ومجاري المياه وسك العملة في إطار نظم إدارية للدولة الحديثة.  

ويشكل إقليم دارفور المنكوب منذ أكثر من عشرين عامًا 20% من مساحة السودان ويعيش فيه نحو 14% من سكان البلاد البالغ عدهم نحو 42 مليون نسمة.

فيما تحتل مدينة الفاشر موقعًا استراتيجيًا في شمال دارفور، فهي حاليًا تعتبر المدينة الكبيرة الوحيدة التي يمكن الوصول إليها من مدن شمال السودان مثل الدبة، نظرًا لقربها الجغرافي من تلك المناطق، وبالتالي فهي تعتبر المدخل الوحيد لقوافل المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء بورتسودان – على ساحل البحر الأحمر – الذي يستقبل المساعدات الخارجية في الوقت الحالي، ومن ثم يتم نقل المساعدات منها إلى بقية أرجاء الإقليم.

جغرافيًا، تحدها من الغرب دولة تشاد، ومن الشمال ليبيا، ما يجعلها في موقع استراتيجي عسكري للجهة التي تسيطر عليها، خاصة في ظل وجود فصائل مسلحة وقوات سودانية داخل حدود الدولتين الجارتين.

وبعد سقوط مدن: «نيالا، زالنجي، الجنينة والضعين» على التوالي في يد الدعم السريع نهاية العام الماضي، تضع الدعم السريع أعينها حاليًا نصب الفاشر حتى تبسط سيطرتها على كامل إقليم دارفور عدا منطقة جبل مرة التي تخضع لسيطرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور

لذلك، تسعى الأطراف المتقاتلة إلى فرض سيطرتهما على الفاشر نظرًا لأهميتها الاستراتيجية البالغة في دارفور إذ تعد بوابة بحكم موقعها الجغرافي، حيث تقع على بعد 195 كيلو مترًا شمال شرق نيالا وتربطها طرق رئيسية، بمدن: أم كدادة والجنينة وبها أهم وأكبر مراكز النزوح مثل أبوشوك وزمزم والسلام ما يعزز من أهميتها الإنسانية واللوجستية.

مدخل مدينة الفاشر، الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

مولد الفاشر

بعد تداعي حكم السلطان علي دينار، في عام 1916، حافظت الفاشر الواقعة في شمال دارفور والقريبة من دولتي تشاد وليبيا ومصر عبر الصحراء الكبرى والطرق البرية، على ذلك العالم الإداري والاجتماعي والروابط الاجتماعية ونما شعبها بشكل مثالي متحدًا ومتماسكًا. ومع دخول التعليم الحديث، ما فتئت الفاشر تقدم أبنائها وبناتها لعموم السودانيين في المجالات العلمية والإدارية والطبية والتجارية، لتنصهر مرة أخرى مع عموم السودان.

وبحسب مؤرخين فاشريين، فإن نشأة الفاشر كانت في نهايات القرن السابع عشر، وتميزت بأنها كانت عاصمة لسلطنات متعددة وفي العهد الحديث كانت عاصمة لمحافظة دارفور قبل الحكم الإقليمي في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري. ثم توسعت لاحقًا وازدادت كثافتها السكانية بسبب النزوح إليها من القرى المجاورة لها هربًا من المجاعات والحروب.

كما اختلفت الروايات وتعددت حول معنى واسم الفاشر إلا أن أكثرها شيوعًا وأقواها حجة تلك التي تذهب إلى أن اللفظ يعني مجلس السلطان، كما ورد في الأعمال الأدبية والغنائية بالسودان مثل الأغنية التراثية التي تقول في «..الفاشر الكبير طلعوا الصايح» أي مجلس السلطان الكبير، والفاشر أبو زكريا، أي مجلس السلطان زكريا بن محمد الفضل والد علي دينار.

وفي السياق نفسه، عرفت الفاشر بأنها مكان إقامة السلطان أو قلعته. فهناك عدة فواشر منتشرة في دارفور مثل «فاشر قرلي» التي بناها السلطان تيراب في منطقة جبل مرة، كما شيّدت فواشر في المناطق المجاورة لها في الغرب الأوسط لإفريقيا.

وهناك رواية تقول إن الفاشر هو اسم الوادي الذي تقوم على ضفتيه المدينة بمعنى الفاخر.

وتلقب الفاشر كذلك بالفاشر أبو زكريا نسبة إلى الأمير زكريا والد السلطان علي دينار الذي كان له فضل كبير في تطويرها. ويعود تاريخ الفاشر العريق إلى أيام السلطان عبد الرحمن الرشيد ( 1787ـ 1802 ) والذي اختار رهيد تندلتي موطنًا لمملكته قبل أن يتحول اسمها إلى الفاشر.

الميارم يلعبن دورًا كبيرًا في مجتمع الفاشر، الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

ميارم السلطنة

كانت النساء في الفاشر في ذلك العهد، عهد السلطان علي دينار ذوات وجود وتأثير واضح المعالم، حيث توجد الميارم وهن نسوة قويات شكلن شبكة من النفوذ الاجتماعي والسياسي في عاصمة سلطنة الفور الأخيرة، وأشهر الميارم هي ميرم تاجة شقيقة السلطان علي دينار.

يقول الباحث في التراث الدارفوري، محمود الشين، إن الميارم هن العنصر النسائي في منزل السلطان ويتم إعدادهن من تنشئة وتربية على نسق نساء الدولة في العصر الحديث.

مضيفًا “لكن ما يميزهن في هذا الجانب هو الإلمام بكافة تقاليد وقيم المجتمع لأن المرأة في سلطنة الفور مسؤولة عن إعداد وتنشئة رجال الدولة بما في ذلك السلاطين أنفسهم”.

وأكد أن لقب ميرم أطلق علي سائر النساء اللائي يبدعن في إعداد وطهي الطعام، مشيرًا إلى أنها جزئية ضئيلة من مهامها الكبرى.

لكن مع مرور الزمن أصبح لقب ميرم مماثلًا للقب الكنداكة في شمال السودان، والمرأة السودانية عمومًا. 

«نكاد نجزم بأنه لا توجد قبيلة في السودان ليس لها امتداد أو تمثيل مقيم في مدينة الفاشر ومنذ عهد قديم» يقول الدكتور جبريل عبد الله أحد أشهر المؤرخين للفاشر عن مجتمعها في كتابه (من تاريخ مدينة الفاشر)، ويتابع «أما تاريخها الاجتماعي يمكننا وصفه بالتمازج والتداخل».

وتعتبر الفاشر مدينة المصاهرات المفتوحة وبها ذابت الحدود القبلية وصار أهلها يعرفون بعضهم على اختلاف قبائلهم، إذ استقرت مكونات إثنية عديدة أتت من مختلف مناطق الإقليم، وهو ما جعل مجتمعها متراحمًا ومتواددًا يرحبون بالضيوف الوافدين إلى مدينتهم للخدمة المدنية أو العسكرية، أو لأجل التجارةـ أو أية أغراض أخرى حتى صار بعضهم جزءًا من نسيجها الاجتماعي.

ومع مرور الزمن تشكل مجتمع الفاشر وحيواتها بما في ذلك من فنون ورياضة وسياسة ومسرح ودور تعكس ذلك لتنطلق في عملية تنمية بطيئة ككل السودان وخاصة أركانه البعيدة عن مركز السلطة في الخرطوم. وكما غيرها من المدن السودانية، ظلت بمنأى عن العنصرية والقبلية، وإنما تعكس قيمها الاجتماعية وفاشريتها فقط.

وفي أعقاب اندلاع حرب دارفور الأولى في السابع والعشرين من أبريل عام 2003، اهتز أمان وأمن الفاشر للمرة الأولى منذ عقود حين نفذت حركات مسلحة هجومًا على مطارها الدولي كإعلان لتمردها على السلطة المركزية، لكن سرعان ما عاد إليها هدوئها كمجتمع، رغم القبضة الأمنية الباطشة لنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير. 

ورويدًا رويدًا تم ربطها بطريق بري بالعاصمة الخرطوم، وأصبحت أنديتها لكرة القدم أحد أعمدة الدوري السوداني الممتاز لكرة القدم، حيث شهد استاد النقعة ملاحم كروية وألتراسات صاخبة، وكانت فرق الخرطوم الرفيعة مثل الهلال، المريخ والخرطوم، تخشى ما تخشاه، أن تحل باستاد النقعة، حيث الهزائم المتتالية لها.

التعليم والفنون في الفاشر

قصر السلطان علي دينار، الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

تعتبر دارفور(أرض التقابة) وهي نار توقد من الحطب في الخلاوى مساءً لتعين الطلاب على حفظ القرآن بضيائها، والفاشر باعتبارها إحدى أهم مدن الإقليم، كان التعليم فيها قرآنيًا وانتشرت فيها خلاوى تحفيظ القرآن وتعليم علومه للتلاميذ، وهو من بين أقدم نظم التعليم التقليدي في السودان ككل.

وتأسست أول مدرسة فيها في العام 1916 وهي مدرسة المزدوجة الأولية ثم المدرسة الأهلية الوسطى الأميرية ومدرستي دارفور والفاشر الثانويتين وازداد عدد المدارس بعدها بإزدياد كثافة السكان، ثم أتت جامعة الفاتح من سبتمبر كهدية من الحكومة الليبية قبل أن يتم تغيير اسمها إلى جامعة الفاشر.

ويوجد بالفاشر عدد من المسارح منها مسرح نادي الفاشر وتم تحويل اسمه إلى مسرح (المجمع الثقافي)، ومسرح القيادة، إضافة إلى المسارح المدرسية، وتوجد بها عدد من الفرق المسرحية، بينها: (فرقة فنون دارفور) بإوركسترا كاملة ومغنيها العديدين الذين تغنوا بأغانيهم الخاصة من التراث الشعبي.

وكتب أبناءها وبناتها الشعر باللغات المحلية والعربية، ومنهم الشاعر عالم عباس وشقيقه حافظ، والدكتور محمد الأمين “سيكا “، وعايدة أحمد عبد القادر “ننيه”، وعواطف إسحق وأستاذ الصافي.

ومن الشخصيات العامة أيضًا الطبيب الجراح، إبراهيم حسن، الشهير بـ”كوجان” والذي كتب رواية (خور جهنم)، وأيضًا هناك المحامي محمد بدوي الذي كتب كتابًا من ثلاثة أجزاء أسماه “وجوه ” وثق فيه التاريخ الاجتماعي لشخصيات عاشت في الفاشر في مختلف الحقب. 

وتعتبر الفاشر من أبرز المدن التاريخية في السودان، وتشمل أهم معالمها، قصر السلطان علي دينار ويضم مركزاً لتحفيظ القرآن ومسجدًا ومكتبة الكترونية، بالإضافة إلى آبار حجر قدو وهناك مقولة مشهورة بحقها، وهي: “من شرب من مياه آبار قدو لا بد أن يعود ويشرب منها مرة أخرى”. أيضًا، من ضمن معالمها  الفولتيين الكبيرة والصغيرة ، سجن خير خنقا، سوق المواشي الخاص ببيع اللحم المشوي والطازج، وسوق أم دفسو الخاص بالفواكه الناتجة من جبل مرة، وأشهر ما يباع به ” المرس، الكول، السمن الطبيعي وعسل الجبل”، وسوق المدينة الكبير وبه المحال التجارية والمقاصف والدكاكين وبرج الفاشر.

أيضًا توجد أسواق أخرى مهمة مثل: (سوق الخضار، ، سوق نيفاشا، سوق المواسير والسوق المركزي).

على مستوى التجارة الحدودية، كانت الفاشر بمثابة مركز تجاري بين السودان ودول غرب إفريقيا، واشتهرت بتصدير البضائع.

وتصل البضائع والمؤن إلى الفاشر عبر الحدود مع دول غرب إفريقيا، ومن مدن أخرى في إقليم دارفور، وعبر الشمال بطريق الدبة ـ مليط.

صورة جوية لمدينة الفاشر، تصوير: محمد زكريا

عام من الحصار وأسابيع من اشتداد الحرب

يُسرع الزمن بالسودانيين وهو يحمل في جوفه المخاطر لتنفجر الحرب في الخرطوم في أبريل 2023، أي، بعد عشرين سنة تمامًا من اندلاع حرب دارفور، لتنتقل إلى إقليم دارفور، لكنها لم تصل إلى الفاشر بشكل قوي إلا في مايو الماضي، حين بدأت قوات الدعم السريع شن هجوم غير مسبوق على المدينة بهدف الاستيلاء عليها بقوة السلاح.

وعلى مدار أكثر من شهرين، تحولت الفاشر إلى محرقة استثنائية، بعدما حول القصف المدفعي الذي تشنه الدعم السريع على أعيانها المدنية، تلك البنية التحتية التي بنيت على مدار عقود من الزمن إلى رماد، وفر مئات الآلاف منها، وأصبحت العاصمة الغنية والواقعة تحت الحصار بحاجة إلى أن تطعم أطفالها وشيوخها ونسائها وكل شعبها، ولم يكن أمامهم سوى التكايا التي تحول الطعام إلى كونه حق للجميع.

والآن، تحت رماد الحرب، يحاول الجيش والقوة المشتركة والمتطوعين للدفاع عن آخر معاقل الدولة المركزية الكبرى في إقليم دارفور وسط سيل هجمات عنيفة تشنها الدعم السريع. كما أن حرب الفاشر، تعكس وجهة نظر سياسية أخرى، فبالحفاظ عليها، يعني ذلك عمليًا عدم قدرة الدعم السريع على إنشاء سلطة كاملة ومستقلة في إقليم دارفور، على غرار النموذج الليبي.

وكانت الفاشر ظلت على مدار حوالي عام تحت الحصار الذي تضربه عليها قوات الدعم السريع من حوالي ثلاثة اتجاهات خاصة بعد استيلائها على عواصم الإقليم الأخرى نهاية العام الماضي.  

وفي أواخر أبريل الماضي يبدو أن صبر قوات الدعم السريع قد نفد في محاولتها للسيطرة على كامل إقليم دارفور الذي تعادل مساحته مساحة الجمهورية الفرنسية، لتبدأ في حشد قواتها من جميع أماكن سيطرتها في أنحاء البلاد المختلفة في تخوم العاصمة الأخيرة في إقليم دارفور الخاضعة للسلطة المركزية.  

وقبل بدئها الهجوم المباشر على الفاشر، شنت الدعم السريع هجمات على ما يزيد عن 12 قرية غرب الفاشر، شملت قرى: (درماء، ازباني، كارو، جروف، حلة محمد علي ، حلة عبد الله، سرفاية، حلة خميس، ام عشوش، تركينية، جخي، ام هجاليج، جقي مقرن، جرونقا) ونزح جراء تلك الهجمات غالبية سكانها إلى مخيم زمزم بالفاشر وبلدة شقرة ومحلية طويلة.  

وتزامنًا، مع بداية تحركات الدعم السريع في اتجاه الفاشر، انطلقت التحذيرات الأممية والدولية لها بتجنب الهجوم على المدينة التي كانت مركزًا رئيسيًا لتوزيع الإغاثة والمساعدات. وحذرت الولايات المتحدة أطراف النزاع المختلفة من مغبة محاولة السيطرة على مدينة الفاشر، فيما أبدى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش قلقه من هجوم وشيك محتمل على الفاشر، مشيراً إلى أن القتال سيؤدي إلى توسيع نطاق الصراع على طول الخطوط القبلية في أنحاء ولايات دارفور الخمس.  

بينما اعتبر المبعوث الأمريكي للسودان توم بيريلو في حسابه على منصة إكس إن الهجوم على الفاشر سيضيف زيتاً على النار التي تحرق السودان.

 أيضًا، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن نافذة الوقت تضيق أمام مساعي منع حدوث مجاعة في هذه المنطقة الشاسعة، وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من خطر يتهدد حياة ورفاه 750 ألف طفل في الفاشر وربما ملايين آخرين في حال شن هجوم عسكري وشيك على المدينة. وقالت إن تصاعد القتال في الولاية تسبب في خسائر بشرية مميتة بين الأطفال مشيرة إلى مقتل مالا يزيد عن 43 شخصاً بينهم أطفال ونساء في فترة أسبوعين.

ومع اشتداد حدة الصراع في مايو الماضي، أعلنت وزارة الصحة في الولاية عن مقتل  38 شخصاً وإصابة 280 في هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد يومين من الاشتباكات الحادة بتاريخ 13 و 14 مايو، قبل أن يرتفع عدد الضحايا لاحقًا إلى مئات. كما تأثرت عدد من المستشفيات وخرجت عن الخدمة بينها مستشفى الفاشر للأطفال الذي تعرض لغارة جوية من الجيش 13 مايو، تسببت في انهيار سقف وحدة العناية المركزة ومقتل طفلين وفق ماذكرت منظمة أطباء بلا حدود.

ومع استمرار القتال يومًا عن يوم خرجت جميع المرافق الطبية في الفاشر عن الخدمة بعد تعرضها للاستهداف بغارات جوية للدعم السريع، لكن في المقابل ظلت أيادي المتطوعين والخيرين تحاوط المراكز وتقوم بعمليات صيانه وترميم عديدة وإنشاء عيادات جديدة رغم القصف.

تسلسل زمني للصراع الحالي في الفاشر

بدأت محاولات الدعم السريع للهجوم على المدينة منذ شهر مايو 2023 إذ تم رصد أول محاولة في نهاية الشهر وأعلن الجيش عن صده الهجمة.

  • تلا هذا الهجوم العديد من الهجمات الأخرى، ففي منتصف سبتمبر شنت قوات الدعم السريع هجومًا آخر أعلن الجيش تصديه له وقتل 30 من أفراد القوة المهاجمة.
  • شهدت الهجمات تغيرًا في استراتيجية الدعم السريع، ففي نهاية أكتوبر شنت القوات هجومًا على قيادة الجيش في الفاشر باستخدام الطائرات المسيرة، مصحوبًا باشتباكات بالأسلحة الثقيلة في عدد من الأحياء شمال شرقي المدينة. أدى هذا الهجوم إلى موجة نزوح نحو المناطق الآمنة في وسط المدينة وخارجها. 
  • تفاقمت أزمة النزوح في الفاشر بعد إعلان الدعم السريع سيطرته على حاميات الجيش في نيالا وزالنجي والجنينة، حيث أصبحت الفاشر تؤوي عشرات الآلاف من المواطنين الذين فروا إليها من ولايات دارفور المختلفة.
  • في بداية نوفمبر، حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من وجود مؤشرات على هجوم وشيك واسع النطاق لقوات الدعم السريع على المدينة، وسط تحذيرات من حدوث أزمة إنسانية ضخمة نظرًا للعدد الكبير من المدنيين المحتمين في المدينة. 
  • في 8 نوفمبر، وبعد أيام من التحذيرات الأمريكية، هاجمت قوات الدعم السريع منطقة أم كدادة بولاية شمال دارفور وسيطرت على خزان قولو، أحد أهم مصادر المياه الرئيسية في مدينة الفاشر.
  • في أبريل الماضي بدأ العد التنازلي للمعركة الكبرى حول الفاشر،بحشد الدعم السريع قواتها عند تخوم الفاشر ، في أعقاب تنفيذها عدد من الهجمات على قرى غربي الفاشر لتبدأ ضربتها المباشرة للعاصمة التاريخية في مايو.
  • بدأت الإشتباكات في الأسبوع الأول من مايو وازدادت بشكل يومي حتى بلغت أقصى مستوياتها بعد تاريخ العاشر من الشهر مما تسبب في دمار عدد من المرافق الحكومية والخاصة كما حُرقت أحياء ومنازل ومعسكرات نزوح ودفعت حدة الإشتباكات حاكم إقليم دارفور،لإعلان الإستنفارالعام في المدينة.
  • قلة حدة الإشتباكات أواخر مايو بتمكن الجيش والقوى المشتركة لحركات الكفاح المسلح الموالية له  في 27 مايو من دحر الدعم السريع وجعلها تتراجع إلى خارج المدينة بينما توزعت بعضها في أحياء قليلة شرق الفاشؤ وأصبحت الأخيرة تنتهج سياسة القصف العشوائي بالمدفعية الثقيلة  والصواريخ قصيرة المدى على أحياء المدينة والهجمات مستمرة حتى اللحظة.

مئات الآلاف نزحوا من مدينة الفاشر، الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

على مدى أكثر من شهرين لفتت الفاشر أنظار السودانيين والعالم. فبالنسبة للسودانيين، كان ترابط مجتمع الفاشر بكل مكوناته أمرًا مثيرًا للاهتمام، رغم المعاناة الفائقة التي يواجهونا مع بدء هجوم الدعم السريع على المدينة في مايو الماضي. 

كذلك، لفتت الفاشر أنظار العالم بحجم المعاناة الإنسانية الكبيرة بسبب حصارها وانقطاع طرق قوافل المساعدات الإنسانية إليها. 

سياسيًا وعسكريًا، تمثل الفاشر نقطة الصراع الفاصلة في إقليم دارفور، لذا تبدو العاصمة التاريخية على وشك كتابة تاريخ جديد للوحدة الوطنية في السودان.

تقارير بيم: سلسلة مدن السودان

أولئك الذين أرسلتهم الحرب إلى «عطبرة» يحاولون ضبط إيقاعهم على وقع مائة عام من موسيقى القطارات

 عطبرة، 4 مايو 2024  – لم تتهيأ تلك القرى المتناثرة قبل أكثر من قرن، على ضفاف الاتبراوي ونهر النيل، والتي حولها من بعد ذلك البريطانيون إلى مدينة عطبرة، أكثر مناطق شمالي السودان عمرانًا وحداثة بتأثير السكة الحديد، أن تتغير في غضون عام واحد، ويجد مجتمعها الذي وحده إيقاع هدير القطارات التي لم تكف عن إطلاق صافرتها منذ أكثر من مائة عام، وجهًا لوجه أمام آلاف القادمين على غير موعد – مع أولئك الذين أرسلتهم الحرب إليها نازحين في مدارسها و هائمين في طرقاتها، لا يلوون على شيء، وهم من فقدوا أصولهم وأموالهم وديارهم في عاصمة الحرب السودانية الخرطوم، ومدن أخرى. 

كان العطبراويون، وهم الذين قدموا إلى مدينتهم في هجرات متواترة على مدى عقود من كل أنحاء البلاد، قبل اندلاع الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم في منتصف أبريل 2023، يعيشون حيواتهم كما ألفوها، صباحًا في القهاوي لتناول الشاي والقهوة، وتضج سودنتهم وحصايتهم وداخلتهم وغيرها من الأحياء، وأنديتهم وأسواقهم، وسكتهم الحديد وهناك على ضفة النهر جلساتهم وأمسياتهم، يعرفون بعضهم البعض، فيما الغرباء، هم من يرسلهم الميناء البري أو القطار لأي غرض كان على مدار اليوم، أو من ترسلهم القرى القريبة في سيارات قديمة الطراز إلى سوقها ولكونداتها العريقة، ثم أتت الحرب، وتغير كل شيء هناك، إما للأبد أو لوهلة الحرب الطويلة التي يمكن أن تكون أبدًا.        

إذن؛ تغيرت عاصمة السكة الحديد والمدينة العمالية وبلد الهجرات الواقعة على ضفاف نهري النيل وعطبرة والتي تبعد حوالي 360 كيلو مترًا شمالي العاصمة الخرطوم، ذات الأسماء والألقاب العديدة والتاريخ السياسي الكبير والمرتبطة بالثورات السودانية والنضال السياسي ضد السلطات الاستعمارية البريطانية السابقة. 

وإذ لم يكن أمام قاطرة المدن- كما يطلق عليها أحيانًا، إلا أن تصبح ملاذًا للنازحين، غير أن السلطات، ترى أن الدور الحكومية التي لجأ إليها الفارون من الحرب، أغلى ثمنًا من الإنسان، وهكذا أصبح حضن اتبرا، وهو أحد أسمائها، حانيًا من مجتمعها وقاسيًا من سلطتها. 

ميلاد عطبرة

عندما نقلت السلطات الاستعمارية البريطانية إدارة السكة الحديد من وادي حلفا في العام 1906 إلى مدينة عطبرة ووضعت ونفذت الخارطة المعمارية للمدينة لخدمة مصالحها في المنطقة الجديدة، لم يتوقع أحد أن تنهض -اتبرا- التي كانت تعرف وقتها بقرية الداخلة، قبل أن تحولها السكة الحديد لواحدة من أهم المدن السودانية. 

 

بمرور السنوات نمت المدينة وتطورت لتصبح أهم مدينة عمالية في السودان وأكبر مركز عمراني في شمال البلاد، يضاف إلى ذلك الأدوار المركزية التي لعبتها المدينة على الصعيد القومي اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وسرعان ما أصبحت بمثابة النافذة التي أطلت منها البلاد بأسرها على إنجازات غير مسبوقة في كافة المجالات حتى أسماها البعض – المدينة القاطرة -.

قبل السكة الحديد كان المكان الذي تقوم فيه المدينة الآن «شرق نهر النيل وشمال نهر اتبرا» فضاءً شاسعًا ومنطقة غابية قوامها أشجار الدوم والسدر والطلح والسيال والعشر وغيرها وكثير من الحشائش التي اشتهرت بها في الشريط الممتد من قرية السيالة شمال المنطقة وحتى نقطة اقتران نهر اتبرا بنهر النيل جنوبًا.

وكانت تسكنها مجموعات سكانية صغيرة من الرباطاب والجعليين الذين شكلوا النواة التركيبية للمنطقة وتوزعوا في ثلاث قرى، السيالة والكريماب والداخلة، والأخيرة ظلت ردحًا من الزمن اسماً لما يعرف حاليًا بعطبرة.

منذ عهد الممالك السودانية التي سبقت الغزو التركي للسودان، حملت عطبرة اسم «الداخلة» وظلت ترد على ألسنة العسكريين في تقاريرهم كاسم للمنطقة بينهم رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل إبان الحرب العالمية الثانية في كتابه «حرب النهر» والذي تحدث فيه عن معركة النخيلة التي جرت بين جيش المستعمر وجيش المهدية عند نهر اتبرا.

منذ بواكير نشأتها شهدت مدينة عطبرة العديد من موجات النزوح أبرزها في العام 1908 وحتى 1918، عندما ظهرت فيها جماعات من قبائل شمال السودان «شايقية، دناقلة، جعليين، ميرفاب، انقرياب، البديرية، الشكرية، الهواوير، مناصير، محس، سكوت، فدجا». وقبائل أخرى قدمت من مصر، وهي: «المغاربة، الجعافرة، العبابدة، العليقات والكنوز» بالإضافة إلى السودانيين من أصول شامية ومصرية، مسلمين ومسيحيين، كما سكنها قلة من جنود جيش الأمير محمود ود أحمد الذي قاد معركة النخيلة والذين تعود أصولهم إلى قبائل غرب السودان حيث استقروا في ضفة الاتبراوي الشمالية في منطقة العشش التي سميت بحي الموردة  في السبعينات، قبل أن تلحق بهم جماعات من الفلاتة،ولاحقاً  الهدندوة والبشاريين والرشايدة.

ومما يميز عطبرة أنه لا يمكن القول إن قبيلة بكاملها قطنتها  لكن أفراد وأسر وجماعات من مختلف القبائل والأعراق انصهرت جميعها في بوتقة واحدة وشكلت تركيبة سكانية فريدة عرفت بالمجتمع الاتبراوي.

أتبرا النهر

برزت كلمة اتبرا كاسم بعد معركة النخيلة وارتبطت بنهر اتبرا آخر روافد نهر النيل قبل مصبه في البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، لم يتفق المؤرخون على أصل التسمية لكن أكثر التفسيرات تتحدث عن أن اتبرا مكونة من كلمتين أتى وبرا وترمز لفيضان النهر في موسم الخريف أي أتى دون إخطار كما ذكروا أنها من «متبر، تبرنا، وتتبيراً»، وتعني أتى محطمًا ومدمرًا لأنه كان قوي الدفع والجريان ثم تم استبدال حرف التاء لتصبح عطبرة.

عطبرة الثورة

لم تمثل عطبرة أحد مراكز المقاومة للمستعمر البريطاني وحسب، بل عرفت بصمودها التاريخي في مواجهة أنظمة الحكم الشمولية التي أعقبت الاستقلال، إذ شكلت نقطة انطلاقة لثورتي أكتوبر 1964 ضد نظام الرئيس إبراهيم عبود، وأبريل 1985 ضد نظام الرئيس جعفر النميري، إلى جانب ثورة ديسمبر 2018 ضد نظام الرئيس عمر البشير والتي لعبت المدينة دورًا حاسمًا في نجاحها بتغيير مسار حركة الاحتجاجات من مطالب معيشية إلى سياسية بعد إحراق المحتجين لمقر حزب المؤتمر الوطني – الحاكم آنذاك.

ولطالما خشيت الأنظمة الشمولية من عطبرة بسبب احتضانها مركز نقابة السكة الحديد التي كانت المحرك لأغلب التظاهرات والاحتجاجات وهي المخاوف التي دفعت نظام الإنقاذ إلى قمع حراك عمال السكة الحديد في بدايات استيلائه على السلطة بفصله ما يزيد عن 4 آلاف عامل وتشريدهم.

اجتماعيًا، قدمت المدينة للسودان شخصيات مؤثرة في تاريخ البلاد السياسي، الاجتماعي والثقافي. سياسيًا، بينهم عددًا من القادة الشيوعيين والعماليين، مثل الشفيع أحمد الشيخ وقاسم أمين والأكاديمي والسياسي البارز عبد الله علي إبراهيم. كما أن عددًا من المؤثرين السودانيين الذين لم يكونوا من مواليدها، إما تلقوا تعليمهم في مدراسها الصناعية أو عملوا في السكة الحديد وتأثروا بها، بينهم الزعيم إسماعيل الأزهري الذي عمل بالتدريس فيها، والشاعر محمد الحسن سالم حميد الذي درس الثانوية فيها بالإضافة لآخرين. 

وبسبب الوقوع في حبها، سخّر عدد من الفنانين والأدباء أشعارهم لها وتغنوا في جمالها وتاريخها كما تعتبر من أكثر المدن التي كتبت فيها الإصدارات الثرة التي توثق لتاريخها حتى كادت تنافس مدينة أم درمان في المجلدات.

عطبرة في أزمنة الحرب

 

لعقود ظلت مدينة عطبرة شمالي البلاد تمثل وجهة رئيسية تفد إليها العديد من القوميات، ومع نشوب حرب الخامس عشر من أبريل، شهدت المدينة موجات نزوح كبيرة باعتبارها من أكثر المدن قربًا من العاصمة السودانية الخرطوم.

واستقبلت ولاية نهر النيل في المجمل والتي تعتبر عطبرة أكثر مدنها حيوية، آلاف النازحين وتصدرت في كثير من الأحيان ترتيب أولى ولايات السودان من حيث أعداد النازحين داخليًا، مما جعل الضغط على الولاية لم يسبق له مثيل ووضعها أمام تحد كبير، خاصة اقتصاديًا.

ووفق مفوضية العون الإنساني فإن عطبرة تحوي  95 مركزًا موزعة بين الأحياء المختلفة وفي 52 جمعية-زاوية-و4 أندية رياضية و39 مدرسة فيما يبلغ عدد النازحين في المدينة أكثر من 15 ألف شخص .

 وفي بدايات الحرب عاشت-عطبرة- حالة من الحذر إذ شهدت نكسة اقتصادية، بسبب تحسب التجار من الأزمة الاقتصادية التي قد تتسبب فيها الحرب، لكن سرعان ما تدفقت الصادرات عبر الحدود البرية الشمالية ومن خلال الشرق عبر موانئ البحر الأحمر ودخلت كمية من البضائع السوق في وقت توقفت فيه جميع الشركات المحلية التي كان مقرها العاصمة الخرطوم. 

كذلك أنعشت حركة التجار النازحين من الخرطوم السوق لكنه أيضاً شهد ضغطًا كبيرًا من القادمين الجدد وما زالت المحاولات لتنظيمه بعد أن أصبح يضج بالتجار والمحال، مستمرة.

ومع دخول الحرب شهرها السادس، كانت عطبرة قد شهدت تصعيدًا من النازحين بسبب قرار الحكومة بإخلاء مراكز النزوح في الولاية من أجل بدء العام الدراسي الجديد كأول منطقة تقوم بالخطوة، وبعد اشتباك ورفض من النازحين تم فتح بعض المدارس وإخلاء النازحين منها وتوزيعهم في مدارس أخرى.

لكن السلطات التي رضخت مؤقتاً لرغبات النازحين، عاودت مضايقتهم الأسبوع الماضي بطردها 27 أسرة نازحة في مدرستين بقوة السلاح، وهددت مدارس وداخليات أخرى بمعايشتهم نفس المصير.

بوادر خطاب كراهية

 

وما إن تنفست المدينة الصعداء من تلك الأزمة حتى عاشت أحداثًا جديدة وضعت المنطقة التي يغلب علي أهلها صفة التعايش والتسامح أمام امتحان اجتماعي، فبعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم وانسحاب الجيش منها دون قتال أواخر ديسمبر الماضي، تشكلت بوادر خطاب كراهية على السطح ضرب المدينة والولاية ككل في نسيجها الاجتماعي الذي ولد من رحم السكة الحديد لعقود وظل متماسكاً، رغم الهزة العابرة. 

كما شهدت المنطقة انتشارًا كبيرًا للسلاح لأول مرة في تاريخها، إذ قبلها كان يوجد في أيدي مجموعات قبلية بسيطة في أطراف الولاية، وفي بعض مناطق التعدين، لكن مع التطورات الأمنية أصبح مشهد تجول المواطنين بالسلاح أكثر من اعتيادي تحت مرمى نظر السلطات التي فتحت الباب على مصراعيه لتقنين الأسلحة.

وتحت مظلة ما أطلق عليها بالمقاومة الشعبية، أضحت عطبرة منطقة مركزية للحشد الأهلي، كما انتشرت دعوات تدريب المدنيين على استخدام السلاح حتى وسط النساء. وبالتزامن مع حملات الاستنفار شنت الحكومة حملات اعتقال ذات خلفية عنصرية في بعض الأحيان، إذ تم استهداف العشرات من المقيمين في المدينة من أبناء أقاليم أخرى والتشدد معهم في التفتيش ربما بحجة انتمائهم للدعم السريع والتخابر معها، إلى الحد الذي جعل حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي يشكل لجنة لإطلاق سراح المحتجزين من أبناء دارفور في سجون ولايتي الشمالية ونهر النيل. 

وفي أواخر رمضان الماضي، عاشت المدينة صدمة كبيرة بتفجير مسيرة إفطارًا نظمه لواء البراء بن مالك المحسوبة على الإسلاميين في زيارة لها للمنطقة حضره عدد كبير من أبناء المدينة وعدد من عائلات قتلى الجيش ومصابيه في الحرب في تطور أمني جديد جعل اللجنة الأمنية بالولاية تمنع المواطنين من أداء صلاة العيد في الساحات والميادين العامة.

كما ما يزال المواطنون يعيشون حالة من الترقب والحذر الشديدين إلى اليوم بسبب التهديدات الكثيرة والوعيد من منتسبي قوات الدعم السريع بالهجوم على المدينة التي برزت ميدانيًا، أيضاً في ظل الحرب، عبر قوات المدفعية عطبرة ذائعة الصيت.

فيتشرات بيم – سلسلة مدن السودان

«زالنجي».. قصة مدينة لفها النسيان ومزقتها الحرب

كانت مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور والمعروفة بأجوائها الجميلة والقريبة من جبل مرة إحدى أجمل البقاع في السودان، مثلها ومثل معظم مدن البلاد بما في ذلك العاصمة الخرطوم ليست في ثوب مثالي، لكنها مع ذلك تعيش حدًا معقولًا من السلام والحياة بأفراحها و أتراحها، غير أنها بعد عام من الحرب تحولت إلى بقعة ممزقة ومنسية لا تكاد تقوى على البقاء.

 

بدأت قصة زالنجي مع الحرب بعد أيام قليلة من اندلاع القتال في عاصمة البلاد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لتدخل بعدها المدينة في دورة حرب عبثية بين الطرفين انتهت بسيطرة الدعم السريع على الفرقة 21 مشاة التابعة للجيش، بعد معارك قضت على البشر والحجر وحولت عاصمة وسط دارفور إلى ركام. 

 

في أكتوبر الماضي انتهت مرحلة المواجهات المباشرة بعدما تمكنت الدعم السريع من السيطرة على حامية الجيش والمدينة كثاني عاصمة من عواصم ولايات إقليم دارفور الخمس تسيطر عليها بعد نيالا في الجنوب. ومع ذلك، لم تنته الحرب حيث يعيش الآلاف في زالنجي حياتهم تحت رمادها وسلطتها القهرية. كما أضحى الوضع في المدينة أكثر ضبابية وهشاشةً لتصبح أكثر مدن الإقليم انعزالاً وبعدًا عن الإعلام.

 

وتعتبر مدينة زالنجي من بين أجمل مدن السودان من حيث الطبيعة كما أنها غنية بالموارد الطبيعية وتتميز بموقع استراتيجي في الإقليم، إذ تتاخم شمال دارفور من ناحية الشمال وشرقها ولاية جنوب دارفور وفي الشمال الغربي ولاية غرب دارفور وغربها تشاد وجنوبًا تحدها جمهورية أفريقيا الوسطى.

 

وتتكون زالنجي من ثلاث وحدات إدارية. فبالإضافة لزالنجي، توجد أبطأ وتريج، وبها سلسلة وديان وجبال على امتداد أراضيها وسهولها الخصبة وهي مدينة غنية بالزراعة والرعي وتتميز بالأراضي السهلية الطينية والرملية والتي تجعلها خصبة للزراعة في فصل الخريف والموسم الشتوي.

تداخل تجاري

بشكل عام، يقوم اقتصاد ولاية وسط دارفور على الزراعة والثروة الحيوانية والتجارة والتعدين (خام الحديد، النحاس، الزنك، الألومنيوم، الرصاص والذهب)، كما توجد بها حركة تجارية محلية بين القرى في شكل أسواق موسمية بالإضافة للتداخل التجاري الممتد بين دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى بميناء تجاري بري في منطقة تيسي.

 

لكن ورغم كون الولاية غنية بكافة الموارد، لم تتقدم عجلة التنمية فيها بسبب إهمالها من الحكومات المتعاقبة خاصة حكومة الرئيس المخلوع، عمر البشير والتي انتهى في عهدها أبرز مشاريع التنمية في إقليم دارفور ككل (مشروع جبل مرة للتنمية الريفية) حيث تأثر بالعقوبات الاقتصادية التي فرضت على السودان وتوقف الدعم الذي كانت توفره السوق الأوروبية المشتركة للمشروع في عام 1995 وضمه لوزارة الزراعة  بولاية غرب دارفور، ومنذها عملت حكومة البشير على خصخصة أملاكه واستهداف عمال المشروع الذي بدأ منذ منتصف القرن الماضي بالفصل التعسفي.

 

فضلًا عن زالنجي توجد بالولاية مدن أخرى ذات أهمية بينها، نيرتتي وقارسيلا وأزوم والأخيرة تعد أكبر منطقة زراعية في الولاية. أما بالنسبة للتقسيم الإداري للولاية، فتوجد بها تسع محليات، هي: (أزوم، وادي صالح، قارسيلا، مكجر، أم دخن، غرب جبل مرة “نيرتتي”، شمال جبل مرة “روكرو”، بندسي، وسط جبل مرة “قولو” وأخيراً العاصمة زالنجي).

 

لكن إحدى مميزات زالنجي التي عززت حركة التجارة والتواصل فيها، هي وجود مطار يبلغ طول مدرج مهبطه تقريباً حوالي 2000 متر وعرضه أكثر من 50 مترًا، كما يوجد مهبط ترابي للطائرات تم انشاؤه بمدينة قارسيلا بواسطة إدارة مشروع جبل مرة.



من أين جاء اسم زالنجي؟

 

وتسمية زالنجي وفق روايات محلية من المدينة، ترجع إلى اسم حشائش تنمو على الوادي والكلمة بلغة قبيلة الفور أكبر مجموعة عرقية في المدينة. كما من ضمن الروايات، أن التسمية ترجع لقصة سلطان منطقة (وداي) بتشاد عندما استدعاه السلطان علي دينار لأمر ما لكن طريقة الاستدعاء لم تنل رضاه، وعند وصوله أخبر وفد المقدمة السلطان علي دينار بإحساس سلطان وداي قائلين باللهجة المحلية “سطان وداي زعلان، كما قالوا، زعلان جي ..أي حضر”، لكن هذه الروايات لم تذكر في أي وثائق عن تاريخ المنطقة بل متداولة عند بعض المثقفين المتحدرين من الولاية.

اندلاع الحرب في زالنجي

شهدت المدينة في أواخر مايو وعقب عمليات القتال العنيفة بين الجيش والدعم السريع، انتشارًا واسعًا لعمليات نهب وتخريب لمقار المؤسسات الحكومية بما فيها مخازن الأدوية التابعة لوزارة الصحة والأسواق  وجامعة زالنجي ومقار المنظمات الوطنية والأممية والبنوك، بينها البنك المركزي فرع زالنجي، مما تسبب في أزمة نقدية غير مسبوقة بواسطة مسلحين على متن دراجات نارية – ودرجت هذه المجموعة على مشاركة الدعم السريع في الميدان وتنفيذ أعمال عنف وتخريب وقتل-.

 

ومنذ تاريخ 17 مايو العام الماضي، أي بعد شهر من اندلاع الحرب وإلى اليوم، تعيش المدينة في عزلة تامة كما تشهد انقطاعًا تاماً لشبكات الإتصال والإنترنت، بجانب انقطاع المياه والكهرباء نتيجة تعرض وقود المحطة الرئيسية للكهرباء في المدينة للنهب.



كيف تبدو زالنجي؟

 

وفق مصادر تواصلت بيم ريبورتس معها في زالنجي بشكل متقطع بسبب انعدام الشبكة واعتمادهم على أجهزة الإنترنت الفضائي (إستارلينك) التي توفرها الدعم السريع للمواطنين مقابل المال، فإن الصورة في المدينة تبدو قاتمة بعد عام على الحرب خاصة في وجود ما يسمى بهيئة الإسناد المدني التي شكلتها الدعم السريع من المدنيين الموالين لها لإدارة المدينة. 

 

ووفق المصادر، فإن سوق زالنجي وسوق مرين وسوق آخر شرق المدينة وأسواق أسبوعية مثل سوق الخميس تعمل في المدينة بشكل دوري وأحيانًا بشكل غير منتظم وتتوفر فيها السلع الاستهلاكية والخضر والفواكه بالإضافة إلى المحاصيل والماشية لكن لا تتوفر سيولة للشراء، كما أن محال الإجمالي لم تفتح أبوابها إلى اليوم.

كما تنتشر في زالنجي عملة مزورة، وعملة أخرى تبدو أصلية لكن ليس بها أرقام رجحت المصادر أنها سُرقت من مطبعة العملة في الخرطوم.

انعدام المساعدات الإنسانية

منذ اندلاع الصراع لم تصل إلى مدينة زالنجي سوى ست شاحنات تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود محملة ببسكويت للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وكانت تخص معسكرات النزوح بالإضافة إلى بعض الأثاثات.  وبشكل عام لا توجد سوى منظمتي IMC (الهيئة الطبية الدولية)، وأطباء بلا حدود، كما علمنا أن باقي المنظمات الوطنية والأممية كانت ترسل وفودًا لزيارات ميدانية فقط وتعود أدراجها، فيما لم تصل زالنجي أياً من المساعدات الجديدة التي خُصِصت للإقليم مؤخرًا.

أعلى نسبة نازحين في الولاية

وتضم زالنجي أربعة معسكرات رئيسية موجودة ما قبل الحرب هي (معسكر الحصاحيصا، الحميدية، معسكر خمسة دقائق ومعسكر طيبة). أما المعسكرات في باقي محليات ولاية وسط دارفور فتشمل بين معسكرين إلى ثلاثة في كل محلية من محليات الولاية الثماني الأخرى، وتعاني جميعها من سوء الأوضاع وانعدام الخدمات والدعم.

 

وقدرت مصفوفة تتبع النزوح في آخر تقرير لها مارس الماضي أن 428,180 نازحًا تمت استضافتهم في وسط دارفور اعتبارًا من 21 مارس 2024. وكانت المحليات التي استضافت أعلى نسبة من النازحين هي زالنجي (24%)، وشمال جبل مرة (20%)، ووسط جبل مرة (19%). ووفق التقارير، فإن ما يقرب من 63 في المائة قد نزحوا من مواقع أخرى داخل وسط دارفور، في حين نزح آخرون من ولايات في جميع أنحاء منطقة دارفور، بما في ذلك شمال دارفور (17٪)، وغرب دارفور (14٪)، وجنوب دارفور (5٪).

 

وذكرت التقارير أن ديناميكيات عمليات النزوح هذه عكست الروابط القبلية، مما يشير إلى درجة من التركيز حسب الأصل. وكان سبعة وتسعون في المائة من النازحين من شمال دارفور موجودين في محلية شمال جبل مرة، بينما لوحظ أن 85 في المائة من النازحين أصلاً من غرب دارفور في محلية أزوم. ومع ذلك، تمت ملاحظة النازحين في الأصل من وسط دارفور عبر نطاق أوسع من المحليات، حيث تمت ملاحظة 75 في المائة منهم في محليات زالنجي ووسط وغرب جبل مرة. وتفيد التقارير أن حوالي 35 في المائة من أسر النازحين داخلياً في وسط دارفور يقيمون في مجتمعات مضيفة، وهو ما يعكس عادة هذه الروابط القبلية وأنظمة الدعم الاجتماعي.

مستشفى و4 مراكز صحية

ما يزال مستشفى زالنجي التعليمي و4 مراكز صحية في الخدمة لكنها توفر خدماتها بشكل شبه تجاري ويعجز المواطنون عن تلقي العلاج بسبب الحالة الاقتصادية المتردية وفق ما أكد سكان محليون من زالنجي لبيم ريبورتس.

الحدود مفتوحة للنزوح

رغم ما شهدته زالنجي من أحداث ما زالت حدود بعض المدن والولايات متاحة للتنقل من وإلى زالنجي، إذ تبلغ التذكرة من زالنجي لنيالا  25 ألف جنيه سوداني وللجنينة 20 ألف جنيه وباقي المحليات 15 ألف جنيه، بينما الحدود مع دول تشاد، أفريقيا الوسطى وليبيا تبلغ تكلفة السفر إليها 500  ألف جنيه سوداني.

الدعم السريع تكمم أفواه الأصوات المناهضة لها



وفق روايات متطابقة من زالنجي، فإن الدعم السريع تشن اعتقالات ضد الذين يحاولون عكس الوضع الإنساني والأمني سواء في صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الإعلام، ويتم استهدافهم وتهديدهم وهو ما جعل أغلب المصادر التي تحدثت إلينا تطلب عدم ذكر هوياتهم خوفًا من بطش قوات الدعم السريع. 

 

ومن أبرز حالات الاعتقال التي شهدتها زالنجي مؤخرًا بواسطة استخبارات الدعم السريع ، اعتقال أحد قيادات النازحين بمعسكرات زالنجي، الشيخ عبد الرازق سليمان، إذ اعترضته من أمام الساحة الشعبية بزالنجي وهو في طريقه مع وفد من شيوخ النازحين إلى مفوضية العون الإنساني للبحث عن سبل وصول المساعدات الإنسانية.

 و اقتادته إلى مقر الدعم السريع الذي يسمى بـ(الفوج) الواقع بجوار مبنى جهاز الأمن السابق وفق ما أعلنت مجموعة ( يلا نرصد الحقوقية) في منتصف فبراير الماضي.

وكان  بيان المجموعة الحقوقية  قد أوضح وقتها أن الاعتقال تم عن سابق رصد على خلفية تصريحات أدلى بها خلال مقابلات إذاعية تحدث فيها عن الوضع الإنساني بالولاية.

 

ما مصير زالنجي بعد توقف الإنترنت الفضائي؟

 

رغم حالة العزلة شبه الكاملة التي تعيشها زالنجي حالياً إلا أن تواصلها مع العالم خارج حدودها يظل مرهونًا فقط بأجهزة استارلينك التابعة لشركة SPACE X، مع استمرار انقطاع الإتصالات والانترنت.

 لكن حتى هذا الأمل المحدود  أضحى معلقاً بمدى جدية تنفيذ قرار إيقاف خدمة الإنترنت الفضائي في السودان بعد إعلان الشركة عن قطعها الخدمة عن المشتركين اعتباراً من تاريخ 30 أبريل الجاري لحين الموافقة على العمل من الحكومات المعنية، إذ بتنفيذه لن تصبح زالنجي وحدها بقعة من الظلام بل جميع مناطق السودان المتأثرة بالنزاع بما فيها العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في الوسط.

تقارير بيم