Category: اجتماعي

خارطة تفاعلية للخسائر التي خلفتها السيول والفيضانات في السودان خلال العام الحالي

اجتاحت السيول والفيضانات (16) ولاية بالسودان من  أصل (18) ولاية، هذا الموسم، وخلفت خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.

يحاول فريق (بيم ريبورتس) في هذا الرسم البياني التفاعلي، تسليط الضوء على الأضرار الناجمة عن هذه الكارثة الطبيعية، منذ بدء موسم الأمطار وحتى تاريخ اليوم.

وعادةً ما يبدأ موسم الأمطار في السودان، في شهر يونيو ويستمر حتى سبتمبر، مع ملاحظة أن ذروة هطول الأمطار والفيضانات هي بين شهري أغسطس وسبتمبر.

اضغط على الرسم التفاعلي أدناه لتصفية البيانات العامة حسب الولاية، التاريخ، عدد المنازل المدمرة أو المتضررة.

لإلغاء خاصية التصنيف (Filter)، اضغط مرتين على الجزء المختار، أو اضغط Reset أسفل الرسم البياني.

كيف تسببت فيضانات السودان بخسائر كارثية في الأرواح والممتلكات؟

استيقظ سكان مدينة المناقل، في صبيحة 16 أغسطس الجاري، على واقع لم يألفوه من قبل، إذ اجتاحت سيول مفاجئة المدينة ومحيطها، ودفعت بسكانها إلى العراء.

لم تشهد مدينة المناقل، في التاريخ القريب، سيول بهذه الكيفية. “سألنا كبار السن في المنطقة هل مَرّ عليهم مثل هذا السيل، هناك من يقول قبل 80 سنة، وآخرون يقولون 60 سنة. لكنني طوال حياتي (48 سنة) لم أر مثل هذا السيل”، يقول محمد عبد الله، أحد سكان منطقة (الكرميت) بمحلية المناقل، ولاية الجزيرة.

والمناقل ليست وحدها في مواجهة هذه المأساة، فعلى امتداد البلاد استيقظت مدن وقرى عديدة، لتجد نفسها خارج خارطة اليابسة، وقد تحولت مساحاتها إلى نهر جرف كل شئ.

فقد اجتاحت السيول والفيضانات 15 ولاية من بين ولايات السودان، البالغ عددها 18 ولاية، وتسببت في مقتل 99 شخصاً وخلفت 93 إصابة حتى يوم أمس، الأحد 29 أغسطس. وبلغ عدد المتأثرين والمتضررين من الأمطار والفيضانات نحو 226.179 شخصاً منذ مايو وحتى تاريخ اليوم. ويبدأ موسم الأمطار في السودان في شهر يونيو ويستمر عادةً حتى سبتمبر، وتكون ذروة هطول الأمطار والفيضانات ما بين شهري أغسطس وسبتمبر.

وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، يوم أمس، الأحد 29 أغسطس، فإن أكثر الولايات تضرراً هي القضارف (45,270 نسمة) وسط دارفور (39,448) وجنوب دارفور (30,677) والنيل الأبيض (26,592) وكسلا (25,890) ونهر النيل (15,722) وغرب دارفور (15,504). كما تأثرت ولايات أخرى بدرجات متفاوتة وهي: غرب كردفان (5,855)، وجنوب كردفان (5,765)، وشمال كردفان (4,410)، وشرق دارفور (3,650)، وسنار (3,164)، والجزيرة (2,250)، والخرطوم (1,296)، وشمال دارفور (686).

الكارثة الإنسانية في مدينة المناقل، لم تحدث من قبل، فمنذ تأسيس مشروع الجزيرة في العام 1925، كانت قنوات المشروع تشكل حماية للمدينة. “في الماضي، كانت الأمطار الغزيرة تتسبب في القليل من السيول، التي ربما تستمر ليوم أو أثنين ثم تجف المياه، دون حدوث أي أضرار. لكن هذه المرة، استمر تدفق المياه لنحو خمسة عشر يوماً ولم يتوقف جريان الماء بعد” – هكذا يقول محمد عبد الله، في إفادته لـ (بيم ريبورتس) عن السيل الذي ضرب منطقة المناقل بولاية الجزيرة.

وكانت القنوات والترع، خلال السنوات الماضية، تشكل شبكة حماية قوية ضد السيول والفيضانات القادمة من مناطق بعيدة، لكنها لم تصمد هذا العام. حيث تدفقت المياه خارج قنوات الري وخرجت عن السيطرة، وانهارت السدود الترابية. لتجتاح المياه قرى المناقل، وتحولها لجزر سابحة وسط الماء، مما اضطر السكان إلى هجرتها بالكامل إلى مناطق أخرى نشداناً لسلامتهم.

وفي الفترة ما بين 16 إلى 19 أغسطس الحالي، تسببت السيول في نزوح ما يزيد عن الـ 2,500 شخص وهم يشكلون 17 قرية ضمن محلية المناقل، بالإضافة إلى الكنابي التابعة لها. ويقيم النازحون حالياً في أربعة مدارس حكومية واستاد رياضي للناشئين.

وشرقاً، امتد تأثير السيول والفيضانات ليجتاح ولاية كسلا، شرقي السودان، إذ ارتقت أرواح سبعة أشخاص، أمس الأحد، في أحدث موجة فيضانات لنهر القاش، وشهد النهر ارتفاعاً في مناسيب المياه خلال الأربعين يوماً الأخيرة نتيجة لتدفق أمطار غزيرة من الهضاب الأرترية. وبالإضافة إلى الخسائر في الأرواح فإن هناك أكثر من 36 قرية تحاصرها المياه ولا يمكن الوصول إليها بحسب لجنة الطوارئ المحلية بكسلا. وشهدت الولاية انهيار أكثر من 4 آلاف منزل جراء السيول.

وتنذر كارثة السيول والفيضانات الحالية بأزمة كبيرة ، في جميع أنحاء البلاد، فيما يتعلق بانتشار الأمراض وانعدام الأمن الغذائي، ويأتي القلق من انهيار 2500 مرحاض واختلاط مخلفاتها مع المياه الجارية، الأمر الذي يشكل خطراً يفاقم من تفشي الأمراض، ومن جهة أخرى فإن المرافق التي تقدم الخدمات الصحية لم تسلم من الانهيار، حيث تهدم  500 مرفق صحي.

ويزداد هذا الخطر في ولاية نهر النيل، شمالي السودان، حيث جرفت السيول مخلفات التعدين المليئة بالزئبق والسيانيد (مواد كيميائية ضارة تستخدم في عمليات التعدين) إلى مجاري المياه، مما يهدد بكارثة بيئية كبيرة، خاصة وأن هذه المواد الكيميائية لا تذوب في المياه، ولها مخاطر صحية كبيرة على الجهاز التنفسي والكثير من الأمراض.

ومع هذه الأوضاع المأساوية فمن المتوقع أن يتأثر حوالي 460,000 شخص بالفيضانات خلال هذا العام، وهو رقم مرتفع للغاية مقارنة مع الأعوام الماضية، والتي كان عدد المتأثرين فيها 314,500 شخص (عام 2021)، ومتوسط 388,600 شخص ما بين أعوام 2017 إلى 2021.

ما هو منهج (تاج الحافظين) الذي اعتمدته وزارة التربية والتعليم السودانية؟

كانت مهمة إعداد المناهج في السودان موكلة بشكل كامل لمعهد التربية ببخت الرضا، بولاية النيل الأبيض، والذي أنشئ في عام 1934م، تحت اسم (معهد التربية بخت الرضا، لتدريب المعلمين وإعداد المناهج)، وعمل كمؤسسة متخصصة في إعداد المناهج التربوية وتأهيل المعلمين، والذي حُوّل لاحقاً إلى جامعة بخت الرضا.

اعتمد المعهد على تشكّيل لجان متخصصة لإعداد أيّ منهج للمدارس، وكل منهج يجب أن يلبي شرط رئيسي وهو ملائمته لكل البيئات السودانية بتعدّدها الجغرافي والعرقي والثقافي، مع تجريب كلّ مقرر دراسي لمدّة لا تقلّ عن عامَين اثنَين قبل إلزام المدارس بالعمل به.

ظل هذا النظام متواتراً، حتى مطلع التسعينيات، حين عمدت حكومة النظام البائد (الإنقاذ 1989-2019)، تغيير كل شئ في حياة السودانيين، وتبنت توجه ايديولوجي هدفه (إعادة صياغة الإنسان السوداني)- كما كان يدعي ذلك النظام.

كانت مناهج التعليم أول ضحايا سياسات (نظام الانقاذ) حيث عمد النظام إلى إعداد مناهج لخدمة توجهه الأيديولوجي، واستبعد كل المواد التي قد تهدد بقائه، وأدخل مواد اخرى كالتربية العسكرية. 

وطالما ارتبط تغيير المناهج في السودان بتغيير الأنظمة السياسية، وخلال فترة الحكومة الانتقالية (2019- 2021) تصاعد الجدل حول المناهج الموروثة من العهد البائد ومحاولات تغييرها. كان آخر عمل مرتبط بتغيير المناهج الدراسية ما شهدته الفترة الانتقالية خلال فترة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والتي أوكلت للمركز القومي للمناهج والبحث التربوي برئاسة عمر القراي، أثار عمل المنهج الكثير من الجدل، على إثره أصدر حمدوك قراراً بإيقاف عملية تغيير المناهج. 

انفتح النقاش حول المناهج -مرة أخرى- خلال الأسبوع الماضي، ولكن هذه المرة ليس بسبب تغيير المناهج، إنما على خلفية إعلان وزير التربية والتعليم المكلف، محمود سر الختم الحوري، اعتماد نظام تعليم (تاج الحافظين) كنظام تعليم ديني في مختلف ولايات السودان. وقال الوزير خلال ورشة أقيمت بوزارة التربية والتعليم، لمناقشة (منهج تاج الحافظين)، أن مدراء التعليم بالولايات تلقوا تنويراً لتأسيس مدارس متخصصة بتدريس منهج تاج الحافظين بجميع الولايات.

ما هو منهج تاج الحافظين؟ ولماذا ثار الجدل حوله؟

منهج تاج الحافظين هو نظام تعليم ديني بدأ في العام 2012م، حيث يمزج ما بين تعليم القرآن في الخلاوي والتعليم الأكاديمي المدرسي. وبحسب الوصف الذي يضعه القائمون على المنهج، فإنه: “نظام تربوي يخضع لوزارة التربية والتعليم مقسم لعدة مستويات، الرياض: جزء عم وتبارك ونور البيان، بإضافة اللغة الإنجليزية والرياضيات (التربية الإسلامية). ثم الابتدائي يحفظ كتاب الله في الصف الرابع، واجادة بقية المواد، ثم يتفرغ التلميذ لبقية المواد الاكاديمية كاملة، ليمتحن الابتدائي قبل أقرانه بعام كامل.. يلي المتوسط يراجع ما درس ثم يمتحن بعد عامين فقط… اخيراَ الثانوي يدرس الفصلين الأول والثاني كل فصل سبعة أشهر، ليجلس الطالب لامتحان الشهادة مختصرا لعام كامل”. ويُلاحظ أنه وفقاً لهذا المنهج فإن الطالب يدخل الجامعة في عمر ما بين 13 إلى 15 سنة.

اُعلن عن منهج تاج الحافظين، رسمياً في أبريل 2013م، حين قررت وزيرة التربية والتعليم -وقتها- سعاد عبد الرازق تحويل 25% من مدارس المرحلة التعليمية في الأساس إلى مدارس قرآنية، وتبنيها منهج تاج الحافظين الدراسي.

أثار إعلان الوزيرة حينها موجة كبيرة من الجدل داخل الأوساط الفاعلة في التربية والسياسات التربوية وكانت أوجه النقاش حول المنهج وإجازته، وما يحاول التوصل إليه.

منهج تاج الحافظين في الميزان التربوي

كثيراً ما ينتقد التربويون المناهج التي تعتمد على (الحفظ والتسميع)، ومن هذا الباب لاقى منهج تاج الحافظين الكثير من الانتقاد من خبراء متخصصون في التربية، وفي هذا الخصوص يقول الخبير التربوي البروفيسور محمد الأمين التوم، وزير التربية والتعليم السابق، في إفادة لـ(بيم ريبورتس)، حول قرار تعميم تدريس منهج تاج الحافظين: “لقد أكتفى الشعب السوداني من المتاجرة بالدين طوال الثلاثين عاماً الماضية، وواحدة من كوارث الإنقاذ تتمثل في تدميرها للعملية التعليمية”، ووصف التوم تعميم منهج تاج الحافظين بـ “الكارثة”.

وأضاف، في حديثه لـ(بيم ريبورتس) : “لا يمكن أن يعتمد منهج دراسي على تحفيظ الأطفال، سواء القرآن أو غيره”.

يُذكر أن التوم كان من المنادين بضرورة تغيير المناهج، حيث يرى أن الانتقال من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي يتطلب تغيير جذري لنظام التعليم، ليتواءم مع المجتمع المنشود، كما أن الوضع المعرفي المتفجر في العالم ومهارات القرن والنظام التعليمي يجب أن يزود بها الطالب.

تاريخ المدارس القرآنية في السودان

ترجع فكرة إدخال المدارس القرآنية (المزج ما بين الخلوة والتعليم الأكاديمي) ضمن النظام التعليمي الرسمي في السودان إلى عبد الجليل النذير الكارورى، الأمين العام لجمعية الإصلاح والمواساة، وعضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني المحلول. إذ كانت تهدف الفكرة إلى استيعاب خريجي (الخلاوي) في الخدمة المدنية، وذلك للتسويق للمدرسة القرآنية التي كانت لا تجد القبول وسط سكان المناطق الحضرية، الذين تجاوزوا تعليم الخلوة التقليدية إلى التعليم الحديث.

ومنح التصديق الأول من قبل وزارة التربية والتعليم (بموجب لائحة التعليم التجريبي) لقيام أول مدرسة قرآنية في العام 1991م، وكانت باسم “الرخا القرآنية” بمحلية أم بدة، وارتفع عدد المدارس القرآنية في عهد نظام الإنقاذ البائد، حيث بلغ عددها 28 مدرسة في أنحاء السودان المختلفة في العام 2003م. وأصدر الرئيس المخلوع عمر البشير، قراراً بتعميم نظام المدارس القرآنية ليصبح عددها ثلاث مدارس في كل محلية.

وفي التسعينات أسست إدارة التعليم الديني، والتي كانت في بدايتها قسم مسؤول عن التنسيق، وبعد ذلك أصبحت إدارة عامة بعد توصيات مؤتمر التعليم العام في عام 2012م.

وبلغ عدد المدارس التي يدرس فيها منهج تاج الحافظين 320 مدرسة في العام 2019م. بالإضافة إلى أكاديمية تاج الحافظين، وهي أكاديمية جامعية بالخرطوم (المعمورة مربع 84)، وتدور اتهامات بالفساد حول العقار المشيدة عليه، والتهم موجهة ضد أحد أمناء الأكاديمية ورئيس مفوضية الإيرادات المالية أحمد علي الفششوية.

منذ عقود ومسألة المناهج الدراسية في السودان تشغل حيزاً من النقاشات المثارة في الفضاء العام، ومع وجود اتفاق مشترك على ضرورة إصلاح المناهج ومضامينها وطرق تدريسها، واتباع الطرق المنهجية الحديثة في التربية. فإن ما يحدث واقعياً في السودان هو توظيف العملية التعليمية برمتها في صراعات أيديولوجية دون مراعاة احتياجات الدارسين، في حين أن إصلاح المناهج وإخراجها من تقليديتها التي تعتمد على الكم وليس الكيف يمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل الأجيال القادمة.

ما دور الحركة التعاونية في تحسين حياة الأسر السودانية؟

“الحركة التعاونية هي؛ مجموعة الجمعيات والاتحادات والمؤسسات التي ينشئها و يديرها أعضاؤها وفقاً لمبادئ التعاون ونظمه لتحقيق أهدافهم الاقتصادية والاجتماعية، بجانب أنها حركة شعبية شورية تؤدي نشاطها في تكامل ووحدة وفقاً لسياسة الدولة ونهجها ومواثيقها”، هكذا يُعرف قانون التعاون لعام 1999م، الحركة التعاونية، مشيراً لدورها المهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وترسيخ قيم التكافل ومبادئ الديمقراطية في المجتمع.

وتعود جذور الحركة التعاونية في السودان، إلى أواخر عشرينات القرن الماضي، وكان أول تمظهر منظم لها بظهور جمعيات التسليف الزراعي بدلتا طوكر شرقي البلاد، سبقت تكوين أول جمعية تعاونية بمبادرة شعبية في عام 1937م سميت بالشركة التعاونية. ثم اتخذت الحركة شكلها القانوني في عام 1948م بعد تقديم مذكرة لحكومة الاحتلال البريطانية، تعلن عن صدور أول قانون للتعاون والذي اكتمل في عام 1952م. (1)

ومع ذلك، شهدت حركة التعاونيات تقلبات كثيرة مع اختلاف الأنظمة الحاكمة في البلاد، لكن مثلت حقبة نظام مايو 1969م فترة ازدهار الحركة التعاونية، حيث اعتمدت الدولة على التعاونيات في الإصلاح الزراعي، وحولت عدد من المصانع المؤممة للحركة، وساهم ذلك في مضاعفة عدد التعاونيات إلى 9 أضعاف مما كانت عليه في الفترة بين عامي 1954م – 1955م، وتواصل العدد في الارتفاع حتى بلغ 10 آلاف منظمة تعاونية في 2007م. (1)

وتعتبر التعاونيات، إحدى وسائل تخفيف الأزمات الاقتصادية وتحسين المستوى المعيشي للأعضاء المنتسبين إليها، وذلك عن طريق زيادة دخلهم الحقيقي بمختلف الوسائل الإنتاجية والتسويقية الاقتصادية. ويكمن سبب فاعلية التعاونيات، في تحقيق ذلك، هو أن الهدف النهائي لها ليس تحقيق الربح، بل تعتبر وسيلة لتحرير أعضائها من السيطرة الاجتماعية والاستغلال الاقتصادي اللذين يتمتع بهما المسيطرون على المواقع الاستراتيجية في المجتمع.

في الدول النامية، يتعدى دور التعاونيات البعد الاقتصادي الذي يتمثل في توفير فرص العمل والمعيشة ومصادر الدخل، حيث تمثل التعاونيات مؤسسات ترتكز على  رأس المال البشري وتساعد في تعزيز العدالة والمساواة الاجتماعية. كما أنها مؤسسات ديمقراطية يديرها الأعضاء، مما يعزز من دورها الريادي في المجتمعات لتحقيق التنمية المستدامة.

وبالعودة إلى الحركة التعاونية في البلاد، شكلت حقبة النظام البائد (نظام الإنقاذ) 1989م – 2019م، ضربة كبيرة لها، بعدما توقف نشاط المنافذ التعاونية المخصصة لتوزيع حصص السلع المدعومة، مصحوبة بسياسات الخصخصة صاحبه تحول اهتمام الدولة إلى القطاع الخاص، وتنامي تدخل الجهات الحكومية المعنية بالتعاون في شؤون التعاونيات، مما أفقدها استقلاليتها وذاتيها، كما شهدت أيضاً توسع بنك التنمية التعاوني الإسلامي، على حساب حساب أصول الجمعيات التعاونية ودورها في الريف والحضر، خاصة الجمعيات الإنتاجية والحرفية والزراعية. (1)

الحركة التعاونية بعد الثورة

لكن، بعد ثورة ديسمبر في عام 2018م، حاولت الحكومة الانتقالية، التي شكلت في أعقاب إطاحة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، في أبريل 2019م، إعادة الحركة التعاونية للواجهة حيث عملت وزارة التجارة والصناعة على العودة للجمعيات التعاونية للحد من ارتفاع السلع والخدمات، حيث عرضت رؤيتها في تكوين جمعيات تعاونية بمواصفات ومقاييس عالمية تعتمد على الموارد الذاتية. (1)

بعد تعيينه مستشاراً للتعاون وشؤون التعاونيات في وزارة الصناعة والتجارة الاتحادية في الحكومة الانتقالية الأولى. صرح الخبير الفاتح العتيبي في ذلك الوقت، أن رؤية الوزارة تتمثل في “تكوين جمعيات سودانية أصيلة بمواصفات ومقاييس تعاونية عالمية، تعتمد على الموارد الذاتية بناءً على قانون التعاون ولكن في إطار مفهوم ومبادئ والقيم التعاونية العالمية وذلك بالدخول للمنظومة العالمية للاستفادة من الميز والحقوق العالمية”.

وأوضح العتيبي أن الوزارة تعمل على توسيع المشاركة الشعبية من كل قطاعات المجتمع في تنفيذ رؤية الوزارة، كما ستعمل الجهات الإدارية المختصة على التثقيف والتوعية لهذه القطاعات. مضيفاً أن الحكومة قامت بحل الاتحادات التعاونية التي أنشأتها الحكومة السابقة لتغولها على الاتحادات التعاونية المنتخبة، وتم تعيين لجان تسييرية لإعادة هيكلة الاتحادات والاستعداد لانتخابات صحيحة تأتي بقيادة تعاونية منتخبة، كما تم حل مجلس إدارة المركز القومي للتنمية والتدريب التعاوني، وتعيين إدارة جديدة مصحوبة بلجنة تسييرية تعمل على إعادة هيكلة إدارة التعاون وترفيعها لوكالة للتعاون باختيار كفاءات.
وأشار العتيبي، إلى أن الطريق لتحقيق هذه الرؤية ملئ بالمصاعب، حيث تمثل المفاهيم الخاطئة التي يتم على أساسها تكوين التعاوينات أحد المشكال وتطلب عدم تمرير الجهات المسؤولة لهذه الأخطاء، عليه قامت الوزارة في ذلك الوقت بإصدار قرار يغضي بإيقاف تكوين الجمعيات التعاونية قبل ستة أشهر وبعدها أصدر قراراً لاحقاً بإلغائه وفتح المجال لتكوينها على الأسس والضوابط الصحيحة التي وضعتها الوزارة.

أنواع الجمعيات التعاونية

تنقسم الجمعيات التعاونية للأنواع الآتية

  1. الجمعيات التعاونية متعددة الأغراض، وهي: التي تباشر جميع فروع النشاط الاقتصادي والاجتماعي.
  2. الجمعيات التعاونية الاستهلاكية، وهي: التي تعمل على البيع بالتجزئة، للسلع الاستهلاكية التي تشتريها أو التي قد تقوم بإنتاجِها بنفسها أو بالتعاون مع الجمعيات التعاونية الأخرى.
  3. الجمعيات التعاونية الزِراعية الإنتاجية، وهي: التي تنشأ للقيام بإنتاج السلع الزِراعية وتخزينها وتحويلها وتسويقها، وكذلك مد الأعضاء عن طريق البيع أو الإيجار بما يحتاجونه من أدوات زراعية للمساعدة على زيادة الإنتاج الزراعي، سواء كانت هذه الأدوات من صنع الجمعية أو من صنع الغير.
  4. الجمعيات التعاونية المهنية، وقصد بها: تلك الجمعيات التي يكونها صغار أو متوسطو الحال، من المنتخبين المشتغلين بمهنة معينة، بقصد خفض نفقات إنتاجهم، وتحسين ظروف بيع منتجاتهم.
  5. الجمعيات التعاونية للخدمات، وهي: التي تقدم لأعضائها خدمات بطريقة تعاونية، كجمعيات الإسكان التعاونية والجمعيات التعاونية المدرسية والجمعيات التعاونية للنقل والمواصلات وجمعيات الكهرباء التعاونية، وغيرِها من الجمعيات.
  6. البنوك التعاونية والفدراليات التعاونية الخاصة بالتمويل والادخار والتسليف والاقراض وهي: التي يكنها الاعضاء من اجل تقديم كافة الخدمات المتعلقة بالتمويل والادخار والتسليف والاقراض.

أسباب اضمحلالها في فترة حكم الإنقاذ البائد

  • توجه الدولة 

واجهت التعاونيات في ظل النظام البائد، عقبات تمثل أكبرها في توجه الدولة المناهض للتعاونيات، وانعكس هذا التوجه في إصدار التشريعات المناهضة للتنمية التعاونية (قانون الضرائب، قانون الجمارك، الرسوم المختلفة، …) وإلغاء الإعفاءات والمزايا المتعلقة بالتعاونيات. بالإضافة إلى ذلك، وضعت هذه التشريعات العديد من القيود علي التعاونيات مما أثر في استقلاليتها وحريتها. كذلك، واجهت التعاونيات أزمة أخرى تمثلت في مصادرة ممتلكاتها وأصولها، بدايةً من المركز القومي لتدريب التعاونيات وحتى مقار ومخازن الجمعيات من دون تقديم تعويض، كما تجاهلت الدولة رغبات التعاونيين في إصدار التشريعات المناسبة والتي تضمن العلاقة بين التعاونيات وأجهزة الدولة. 

أيضاً، استمرت الهمينة الحكومية على المؤسسات التعاونيية وسيطرتها على الهيئات الحكومية وتوجيه امورها دون أن تقوم بأي حركة جادة في سبيل تحسين أوضاعها حتى سقوط النظام. 

  • ثقافة التعاونيات

من ناحية أخرى، مثلت الثقافة التعاونية الرسمية والشعبية، أحد معوقات التطور التعاوني، حيث يسود التصور الخاطئ عن التعاون والخلط بينها وبين أجهزة الدولة في أذهان متخذي القرار في قمة أجهزة الدولة، والموظفين، والجماهير، وحتى بعض القيادات التعاونية. وقد ساهم الإعلام الرسمي في مرحلة من المراحل في ترسيخ هذه الأفكار، الأمر الذي أدى إلى ضعف الثقة في الفكرة التعاوني وفي المنظمات التعاونية. 

  • الهيكل التنظيمي

عانت أيضاً الحركة التعاونية من مشكلات أخرى، مثل حالة الجمود التي ضربت الكثير من الهياكل التنظيمية والإدارية للتعاونيات، بحيث أصبحت مختلة وغير متوازنة، بالإضافة لعدم وجود أي نظم إحصائية أو قواعد بيانات يُعتمد عليها في إدارة وتخطيط قطاع التعاونيات. كذلك، ساهم ضعف الهياكل الإدارية في إضعاف أنشطة التدريب والتثقيف التعاوني وأصبحت شكلية في معظم الأحيان، كما تزايدت الأعباء المالية من نفقات جارية واستثمارية بسبب غياب المصادر التمويلية المناسبة التي تواجه التعاونيات مع تقلص حجم مواردها وإلغاء معظم المزايا التي كانت تتمتع بها. 

  • الضعف العام

رغم تاريخها القديم في البلاد، إلا أن التعاونيات لم تكن منيعة ضد الضعف والترهل الذي أصاب الكثير من القطاعات في النظام البائد، وصاحب هذا الترهل ضعف في الإنتاجية وسيطرة البيروقراطية والفساد وتغليب المصالح الفردية على المصلحة العامة. وقد أدت هذه الظروف مجتمعة على عزوف الأعضاء عن المشاركة في الأنشطة التعاونية بشكل اختياري، وفقدانهم الثقة في التعاونيات كمنظومة والقدرة على إصلاحها، وقد تمدد هذا العزوف إلى المواطنين بمستوياتهم المختلفة، حيث أصبحوا يترددون في اختيار التعاونيات كبديل لمواجهة مشاكلهم المختلفة وإيجاد الحلول لها عبر التعاونيات.  

  • التغيرات في السياسة الاقتصادية

ومن ناحية السياسات الحكومية، مثل تغير توجه السياسيات الاقتصادية للدولة بالأخض الزراعية منها على التعاونيات، حيث تغير توجهها نحو تسيير سياسة التحرير غير المتوازنة للقطاع التعاوني، واعتماد آليات السوق الحر في توجيه الموارد، مما أدى إلى تغيير البيئة الاقتصادية التي كانت تعمل فيه التعاونيات. كما واجهت التعاونيات مجموعة من التغييرات الإضافية نتيجة إلغاء الدعم وكثير من الامتيازات، تحرير سعر الفائدة، والتحرير النسبي لسعر الصرف وغيرها من الإجراءات التي دفعتها لإعادة النظر في أساليب عملها واستراتيجياتها حتى تستطيع الاستمرار، الأمر الذي أثر في أداء التعاونيات في مختلف القطاعات.

مع تاريخها المتأرجح صعوداً وهبوطاً، حسب الأنظمة السياسية الحاكمة، وجه انقلاب 25 أكتوبر الماضي، ضربة جديدة للحركة التعاونية، بعدما بدأت الحكومة الانتقالية خطوات في إعادة الحياة إليها.

كيف يدمر التنقيب عن الذهب حياة الإنسان والبيئة بجنوب كردفان؟

أٌقيم في العاشر من أبريل الماضي بمدينة “كادقلي” مؤتمر التعدين الأول بولاية جنوب كردفان، والذي نظمته الشركة السودانية للموارد المعدنية (الحكومية) بمشاركة بعض مكونات الإدارات الأهلية. لكن أجسامَ مهنية ونقابية متعددة، بينها اللجنة العليا لمناصرة البيئة، بالإضافة للجان المقاومة في محليات الولاية المختلفة قاطعت المؤتمر.

وارتفع صدى الأصوات المعارضة بعد نهاية المؤتمر وتقديم توصياته، والتي كان من ضمنها قرار والي جنوب كردفان، موسى جبر محمود، القاضي باستئناف عمل شركات التعدين بالولاية بعد نحو عامين على توقيفها بقرار من رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك في أكتوبر 2019م.

وجاء قرار حمدوك بإيقاف عمل تلك الشركات في أعقاب الحراك الشعبي والنقابي الذي طالب بإبعادها بسبب استخدامها مواد الزئبق والسيانيد -وهي مواد ضارة بالبيئة- في عمليات التعدين، دون الالتزام والتقيد بضوابط وإجراءات السلامة والاشتراطات البيئية والصحية.

آثار بيئية متفاقمة وغياب المحاسبة

في منتصف مايو الماضي، وبعد أقل من شهرين على مؤتمر التعدين، ضُبطت مصانع تعمل في معالجة مخلفات التعدين عن الذهب (الكرتة) داخل مدينة أبو جبيهة بولاية جنوب كردفان. وحسب اللجنة الوطنية لمناصرة البيئة، فإن فحوصات معملية أجريت بمعمل استاك بالخرطوم أثبتت وجود مواد السيانيد والزئبق وحمض الكبريتيك، وهي مواد عالية السمية وتشكل ضرراً على صحة الإنسان والبيئة، وهو الأمر الذي  أثار المخاوف بحدوث تلوث بيئي في مدينة أبو جبيهة، خاصة مع بداية موسم هطول الأمطار.

وتعيد مخالفة اشتراطات التعدين الشكاوى المستمرة لناشطين بيئيين ولجان مستقلة من الآثار البيئية والصحية المدمرة لتنقيب الذهب على حياة المواطنين المحليين في جنوب كردفان، حيث تشير العديد من التقارير لظهور أمراض جلدية ونفوق أعداد من الماشية جراء استخدام مادتي الزئبق والسيانيد في مناطق التعدين، وحالات إجهاض متعددة لنساء حوامل وتشوهات وسط الأطفال حديثي الولادة، علاوة على تلوث مصادر مياه الشرب والمياه الجوفية وتجريف التربة مما تسبب في تدمير الأراضي الزراعية.

وتنسحب الآثار القاتلة والمدمرة لعمليات تعدين الذهب بولاية جنوب كردفان على مناطق التعدين بأنحاء البلاد المختلفة، دون أن تقابلها إجراءات جدية من السلطات المختصة تضمن سلامة الإنسان والبيئة المحيطة به. وفي ظل عدم تلبية الحكومة لاشتراطات التعدين المعروفة، لم يبق أمام المواطنين المتضررين ونشطاء البيئة سوى مناهضة هذه العمليات سلمياً.

توترات مستمرة ومواجهات

والتوتر بين المجتمعات المحلية وشركات ومصانع التعدين في ولاية جنوب كردفان مستمر منذ سنوات، ويتمحور بصورة أساسية حول؛ وجود الشركات والمصانع ومعالجتها للـ(الكرتة).

والكرتة هي الحجارة المتبقية بعد استخراج الذهب عن طريق المعدنين التقليديين واستخدام الشركات لمواد ضارة بالبيئة. 

وأثناء مؤتمر التعدين الأول الذي أقيم في كادقلي شهدت قرية كابوس (شرق محلية رشاد) اشتباكات بين المواطنين وإحدى شركات التعدين التي قدمت للعمل في المنطقة، ووقعت الاشتباكات إثر رفض المجتمعات المحلية عمل الشركة ومطالبتهم بوجود إجراءات سلامة حتى لا تؤثر عملية التعدين على البيئة.

بدء عمليات تعدين الذهب في ولاية جنوب كردفان ليست قديمة حيث كان يمارس التعدين الأهلي بمستويات قليلة في مناطق: تلودي ورشاد والليري وأبو جبيهة. لكن هذا النشاط شهد تفجراً كبيراً في العام 2012م، عقب انقسام السودان في العام 2011م وخروج النفط من قائمة الموارد الأساسية التي تعتمد عليها الحكومة في ميزانيتها، ليتجه التركيز على مورد الذهب كتعويض عن خروج النفط.

عقب تلك الفترة أُدخِلت الآلات الثقيلة والمواد الكيميائية في استخدامات التعدين، وانتشرت شركات ومصانع التعدين عن الذهب في محليات الولاية المختلفة. ومع غياب الاشتراطات البيئية وإجراءات السلامة التي تحدد مناطق استخدام هذه المواد ومقدار استخدامها، فإن قضية آثار التعدين على البيئية في ولاية جنوب كردفان قد شهدت تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، في كل من مناطق (الترتر) و(بلولة) ومحلية التضامن، وأبو جبيهة، ورشاد، وتلودي وكالوقي، وهي مناطق تقع في الجزء الشرقي من ولاية جنوب كردفان (الجبال الشرقية).

مقاومة ومواجهات مستمرة

صاحب انتشار مساحات التعدين في جنوب كردفان، وزيادة نشاط التعدين الأهلي والمنظم من قبل الشركات والمصانع، دخول الآليات الثقيلة والمواد الكيميائية في عمليات التعدين، والتي شكلت خطراً كبيراً على العاملين في قطاع التعدين والمجتمعات المحلية المتاخمة لآبار ومناجم التعدين. ليثير ذلك الأمر الرعب وسط المجتمعات المحلية، ويجعلها تخوض حراكاً شعبياً للمطالبة بمنع استخدام المواد الكيميائية (الزئبق والسيانيد) في عمليات التعدين، خاصة أن استخدامها لا يخضع لضوابط تراعي البيئة. 

وشهد الحراك ضد عمليات التعدين التي لا تلبي اشتراطات البيئة والسلامة تصاعداً مستمراً بلغ ذروته في العام 2017م، حيث أحرق مواطنو مدينة كالقوي في مارس 2017م مصنع (التقولا) والآليات التابعة للمصنع، وجاء الحريق بعد المهلة التي منحها المواطنون لإدارة المصنع لإغلاقه وترحيله من المنطقة.

لم يكن هذا التصعيد هو الأخير المناهض لشركات ومصانع التعدين عن الذهب بولاية جنوب كردفان، بل امتد إلى محليات أخرى، فبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، في أبريل 2019م، انفتح الأفق أمام مواطني جنوب كردفان للضغط على الحكومة الانتقالية بضرورة اتخاذ تدابير جديدة فيما يتعلق بالشركات والمصانع، وانتظم مواطنو تلودي في اعتصام استمر لأكثر من شهر، احتجاجاً على عمل شركات التعدين.

ومن تلودي انتقل الحراك الشعبي إلى محلية أبو جبيهة هذه المرة، لتنضم لقائمة الاعتصامات التي شهدتها ولاية جنوب كردفان، وكان مطلب إنهاء عمل شركات التعدين من المطالب الأساسية للاعتصام الذي انتظم المنطقة في يوليو 2020م.

ولا تتعلق قضية التعدين عن الذهب في جنوب كردفان والآثار البيئية المترتبة عليها بإخراج الشركات والمصانع فقط، بل في إعادة النظر لكل هذه العملية والسياسات الحاكمة لها ودخول المواد الكيميائية المستخدمة في التعدين من زئبق وسيانيد ومراقبة طرق استخدام هذه المواد في التعدين الأهلي كذلك.

كيف يكافح فنانون لربط السودان على إيقاع الموسيقى؟

يذخر السودان، على امتداد جغرافيته الشاسعة، بتنوع ثر، عرقي وثقافي وديني ولغوي، وحتى التنوع المناخي والبيئي، وكثيراً ما دارت السجالات، في الماضي، لنفي هذا التنوع، وتحولت بعضها إلى حروب واقتتال. لكن برز جيل سوداني جديد يؤمن بأهمية الاعتراف بالتنوع، واستلهامه لرتق جراحات الحروب وتضميدها وبث اصوات السلام والموسيقى.

يُسافر الموسيقار والمغني محمد آدم أبوه، غرباً إلى منطقة سويلقنا (شرقي ولاية شمال دارفور)، حاملاً معه مشروعه في خلق مساحات جديدة للمجموعات التي لم تلق حظها من التمثيل الإعلامي، فيدخلنا إلى عوالم مجموعة (الكِينين) الإثنية أو طوارق السودان كما يعرفون، نلتقي بنسائها وشيوخها ويعرفنا على تاريخ هذه المجموعة، عاداتها وتقاليدها ومن ثم يستلهم لغتهم من خلال إنتاج موسيقى تستصحب هذا التراث الغني والمتنوع.

ومن جهة ثانية يمزج الفنان إيبو كردوم، الألحان الأفريقية مع بعضها مستلهماً تجارب البلوز الأفريقي ويواصل خلق مساره الموسيقي الخاص مستخدماً اللغات المحلية في السودان وأفريقيا، ويغني من أجل السلام والحرية والثورة، وهو مشروع موسيقي بدأه منذ نعومة أظافره.

ننتقل من موسيقى البلوز والجيتار إلى الفنان وباحث الفلكلور عاصم الطيب قرشي يتوسط تلميذات في مرحلة الأساس بجنوب كردفان ويعلمهنْ قواعد اللغة العربية من خلال تلحينها وغنائها، وفي مرة ثانية تلمحه رفقة بعض بائعات الشاي يغني لهن ومعهن بلغاتهنْ المحلية وأغاني من الحقيبة، وفي ثالثة يكون في إقليم النيل الأزرق تحديداً في منطقة الأنقسنا يغني مع فرقها الشعبية.

مشروع نقارة… جسر بين الثقافات

يوضح مؤسس مشروع نقارة محمد آدم لـ (بيم ريبورتس): “نقوم بجمع وتوثيق وعرض التنوع الثقافي عبر الموسيقى الشعبية لكل إثنية في السودان بصورة عامة”. ونقارة هو مشروع موسيقي ثقافي يقوم على البحث الاجتماعي وتعزيز الثقافات السودانية وربط الثقافات مع بعضها البعض.

ويضيف آدم “يركز المشروع على دارفور باعتبارها منطقة شهدت نزاعات لفترة طويلة ولا يعرف الناس عنها الكثير، في حين أنها منطقة غنية بالتنوع الثقافي الكبير بالإضافة للتنوع اللغوي والتاريخي ولكل مجموعة طريقتها في الغناء والكلام”. 

فمن خلال الجهد الذاتي بدأ مشروع نقارة في 2021م، وشكلت نواته مجموعة من الشباب؛ فنانين وباحثين اجتماعيين، وعمل المشروع في بدايته مع مجموعة (الكينين) في دارفور، ومجموعة (الداجو) بالإضافة إلى (البجا) في شرق السودان.

ويقول آدم: هدف المحتوى الذي ننتجه أن يربط المجتمع المعين مع تاريخه وموسيقته وثقافته المهددة بالضياع، لأن معظم الناس تركوا مناطقهم بسبب النزاعات وذهبوا إلى أماكن جديدة، فهي محاولة لربط الناس بأصولهم، بالاضافة لأن يكون هذا المحتوى وسيلة للتواصل مع الجماعات المختلفة.

عاصم الطيب.. الموسيقى كطريقة للمقاومة

يرى عاصم الطيب قرشي أن للموسيقى جانب اجتماعي كبير، في تعزيز السلام والمحبة، لذلك نجد أن عاصم مهموم بالمحافظة على التراث الموسيقي للمناطق المتأثرة بالنزاعات في إقليم النيل الأزرق (جبال الأنقسنا). إلا أن مشروع عاصم لا يقف هناك فقط، بل يمتد من الروصيرص إلى منطقة البطانة والجموعية وكل المجموعات الإثنية في السودان جنوباً وغرباً، شمالاً وشرقاً. وفي أسفاره هذه يقوم قرشي بالبحث عن القواسم المشتركة في الموسيقى وآلات العزف بين المجموعات المختلفة، ليمزج كل هذه الثقافات المتعددة والمختلفة مع بعضها البعض ويعيد انتاج الموسيقى السودانية بآلات جديدة وتوزيع موسيقي جديد. 

إيبو كردوم.. موسيقى من أجل السودان وأفريقيا

“سلام سلام، سودانا وطن الجميع… دارفورنا وطن الجميع… أفريقيا أرض الجميع” على إيقاع موسيقى البلوز يصدح إيبو بهذه الكلمات في أغنيته وطن للجميع من ألبوم سلام، ويغني إيبو من أجل العدالة والسلام والحرية والمساواة والتنوع والثورة من أجل السودان وعموم أفريقيا. لذلك نجده يستخدم لغات مختلفة ومتنوعة.

ففي ألبومه (Diversity) يوجد ما لا يقل عن 8 لغات، تشمل الفولاني، الفور، الدارجية السودانية، المساليت، البجا، الداجو بالإضافة للغة الأنجليزية ويمثل هذا التنوع انعكاساً لمشروع إيبو المتمثل في تمكين الموسيقى الأفريقية في السودان، حيث لم تجد حظها من الاعتراف أو تتاح لها المساحات للتواجد في الفضاء الغنائي السوداني. ويقول إيبو أنه فنان ملتزم تجاه الناس وأوطانهم، وأنه ملتزم بقول الحقيقة وتمثيل كل من يحتاج لإيصال صوته ومعاناته وألمه، وأنه يحارب بكلماته. 

كان صوت إيبو مهماً مع بداية الحرب في دارفور  2003م حيث كان يغني لأجل الثورة السلمية ضد نظام الإنقاذ بالإضافة لنشاطه السياسي ضد النظام، لكن هذا النشاط كان هو السبب الذي أجبره على الهجرة. يقيم إيبو حالياً في دولة السويد، حيث انتقل إلى هناك وانشأ فرقته الموسيقية في نهاية العام 2017م والتي تتكون من 7 موسيقيين، وهو الآن يكرس وجهده في مشروعه الفني، وأصدر عدد من الأغاني منفردة أو ضمن ألبومات، حيث أصدر عدد 11 أغنية ضمن مشروعه ذاكرة الحرب ، كما أصدر أول ألبوم منفرد له (تنوع) في سبتمبر 2021.

اختار هؤلاء الفنانون الموسيقى كطريقة لمخاطبة العالم، كل منهم يعمل في مشروعه الخاص، بلغات مختلفة وآلات مختلفة، إلا أنهم يشتركون في مساحة العمل على تعزيز السلام والمحبة بين السودانيين، ومد جسور التواصل بينهم على إيقاع الموسيقى.

ما خيارات السودانيين للأضحية في ظل ارتفاع هائل للأسعار؟

“سأكتفي بشراء القليل من اللحم، صبيحة يوم العيد، لكن لن أستطيع شراء أضحية هذا العام، نظراً لغلاء أسعار الأضاحي، وهذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر”، بهذه الكلمات لخص، أحمد زكريا نور، قصة تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية للسودانيين في مواجهة أزمة ارتفاع الأسعار عموما، وارتفاع أسعار خراف الأضاحي على وجه الخصوص.

ويواجه السودانيين ضائقة اقتصادية ومعيشية خانقة في ظل تدهور عام تشهده البلاد.

والنور، وهو موظف، يسكن بأحد أحياء مدينة امدرمان، يمثل شريحة واسعة من المواطنين الذين يعتمدون في دخلهم على رواتب حكومية محدودة، لا تكفيهم لتدبير معيشة عائلاتهم في الأوضاع الطبيعية، ناهيك عن شراء أضحية يتجاوز سعرها أضعاف الرواتب الحكومية.

وعادةً ما ترتفع أسعار الخراف مع اقتراب عيد الأضحى، سنوياً، لكن هذا العام شهدت أسعار المواشي ارتفاعاً فوق المتوقع، أعقبه عزوف عديد من المواطنين عن شراء الأضاحي.

(Photo by ASHRAF SHAZLY / AFP)

“يمثل الأسبوع الذي يسبق العيد وقت ذروة، حيث نبدأ في استقبال طلبات الزبائن…لكن هذا العام يكاد يكون الطلب معدوماً، ويواجه سوق الماشية ركوداً شديداً”، هكذا يحدثنا محمد الخير الخاتم، صاحب ملحمة في منطقة الخرطوم (2)، ويؤكد في حديثه لـ (بيم ريبورتس) إحجام العديد من الناس عن شراء الأضاحي هذا العام.

ويتخوف الخاتم من ضعف القوة الشرائية، حتى من زبائنه الدائمين، نسبة لركود عام في سوق المواشي مع إقتراب عيد الأضحى.

وقال الخاتم، بأنه سيضطر إلى “تقليل عدد الخراف التي اعتاد جلبها كل عام”، حتى يتجنب الخسارة. ويتخوف الخاتم ورفاقه في سوق المواشي، من أن يتسبب ارتفاع الأسعار في ركود السوق، والذي يشكل لهم “أزمة كبيرة في مبيعات التجار السنوية”– بحسب الخاتم، إذ يعتبر عيد الأضحى الموسم الأهم بالنسبة إليهم.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها البلاد، فمن المتوقع أن يحرم ارتفاع الأسعار العديد من الأسر من شراء الأضاحي هذا العام.

وبحسب إفادات متعاملين بسوق المواشي، فإن ارتفاع الأسعار يعود لعدة أسباب، من بينها ارتفاع تكاليف الترحيل من مناطق تربية المواشي إلى مناطق الاستهلاك بالمدن، وهو الذي تسبب فيه الارتفاع الكبير في أسعار الوقود والمواد البترولية.

يقول محمد الخير، أن “أسعار الخراف في الخرطوم في منتصف شهر يونيو كانت تتراوح ما بين 50 إلى 60 ألف جنيه سوداني، وكانت هناك توقعات تشير إلى أن يصل أقصى سعر لها بحلول عيد الأضحى إلى 90 ألف جنيه سوداني. لكن موجة ارتفاع الأسعار لم تتوقف، حيث بلغت أسعار الخراف قبل أسبوع من العيد حوالي 90 إلى 150 ألف جنيه سوداني، وتصل حتى 200 ألف جنيه سوداني للخراف كبيرة الحجم”.

وعزا الخير، ارتفاع الأسعار بولاية الخرطوم، إلى الأرباح التي يضيفها تجار المواشي إلى أسعارها الفعلية بمنطقة (سوق قندرهار) – سوق مواشي غربي مدينة أمدرمان- ويقول الخير إن أسعار الخراف بتلك المنطقة “تتراوح بين 80 إلى 130 ألف جنيه سوداني”، ويتابع، “يضيف التجار مبالغ تتراوح بين 5 وحتى 20 ألف جنيه كأرباح في أوقات انتعاش السوق”. لكنه استبعد إمكانية حدوث انتعاش في الأمد القريب، مستشهداً بازدياد أعداد المواطنين الذين يلجأون لشراء مقادير قليلة من اللحم “كيلوغرام أو أثنين” لعدم تمكنهم من شراء الأضاحي.

(Photo by ASHRAF SHAZLY / AFP)

وبخلاف ما يراه المتعاملين بأسواق الخرطوم، يقدم معاوية أحمد، وهو راعي مواشي، بمحلية سودري، بولاية شمال كردفان، تفسيراً لأسباب ارتفاع الأسعار هذا العام، إذ يقول في إفادته لــ(بيم ريبورتس)، “أسعار الخراف في ولاية شمال كردفان تتراوح بين 40 إلى 70 ألف جنيه، لكن ترتفع الأسعار عند ترحيلها إلى مناطق خارج الولاية”، إذ تسبب تكاليف الترحيل والشحن والحراسة والرعاية والأعلاف ومصروفات العمال والرسوم وغيرها من المصروفات في مضاعفة الأسعار، ويضيف، “تختلف أسعار الخراف من منطقة إلى أخرى، فالمناطق التي يضطر فيها مربي المواشي إلى شراء الأعلاف تكون فيها الأسعار مرتفعة بخلاف المناطق التي يعتمدون فيها على الرعي”.

ويضيف أحمد، متحدثاً من منطقة سودري، “تراوحت أسعار الخراف في منطقتنا مع تأخر الأمطار ما بين 40 ألف جنيه سوداني للأحجام المتوسطة، وحتى 70 ألف جنيه سوداني للأحجام الكبيرة. وترتفع الأسعار عند نقل الخراف إلى الولايات الأخرى، حيث يباع الخروف بزيادة أكثر من 30 ألف جنيه على سعره في منطقتنا”.

وعن تكاليف الترحيل، يقول أحمد، “تبلغ تكلفة نقل الخروف الواحد من شمال كردفان إلى الخرطوم حوالي 4 ألف جنيه سوداني، بالإضافة للتكاليف الأخرى التي يصل مجموعها حوالي 10 ألف جنيه سوداني”. ويعتقد أحمد أن السبب وراء ارتفاع أسعار الخراف بالخرطوم والولايات الأخرى هو،  “السماسرة (الوسطاء) والتجار الذين يريدون أن يربحوا اضعافاً”– طبقاً لرأي أحمد.

(Photo by ASHRAF SHAZLY / AFP)

ويتفق رئيس جمعية حماية المستهلك السودانية، ياسر ميرغني مع ما ذهب إليه معاوية، في أن “أحد الأسباب الرئيسية في زيادة أسعار الأضاحي تتمثل في السماسرة (الوسطاء)، الذين يتحكمون في الأسعار”– وفقاً لقوله.

وأشار ميرغني، إلى أن وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري كانت قد طرحت خطة لبيع خراف الأضاحي بالوزن الحي، وذلك في عدد من المواقع في ولاية الخرطوم، وحددت اللجنة الوزارية المختصة بهذا الأمر سعر الكيلو بالوزن الحي بقيمة (2,150) جنيه سوداني، وهو سعر مقارب لأسعار السوق، و يتطابق معها في بعض الأماكن.

لكن ميرغني يشكك في فاعلية هذه الخطوة، ويقول أن “بيع الماشية في السودان ما زال عشوائياً وغير منظم”.

واًوضح ميرغني في إفادته لـ (بيم ريبورتس)، “البيع بالوزن هو الوضع الطبيعي للمستهلك، ولكن هناك تحايل، حيث لا توجد موازين حديثة أو تمت معايرتها والتأكد من موثوقيتها”. وتابع، “كان يجب على الحكومة تحديد أماكن وتجهيزها بموازين حديثة وتقديم هذه الخدمة في أماكن أكثر احتراما للمستهلكين”.

ازمة اقتصادية خانقة تمر بها البلاد، قد يعجز في ظلها كثير من السودانيين عن شراء الأضاحي هذا العام، لا سيما مع الارتفاع الكبير في أسعار المواشي، بجانب ضعف الرواتب، وانفلات السوق، وعدم قدرة الحكومة على طرح حلول اقتصادية تخفف قسوة هذه الأوضاع على المواطنين.

ما الخسائر التي خلفها العنف الأهلي في أبوجبيهة؟

خلفية عن النزاع:

اندلع صراع أهلي عنيف بين مجموعتين إثنيتين هما (الحوازمة) و (كنانة) في محلية أبو جبيهة، بولاية جنوب كردفان، في الخامس من يونيو الحالي، بسبب حادثة سطو على (توك توك) يمتلكه أحد أفراد المجموعة الأولى من قبل أفراد يتبعون للمجموعة الثانية. وقُتل أحد أفراد المجموعة الثانية خلال عملية السطو.

في السادس من يونيو، تصاعد النزاع وامتد القتال بين المجموعتين، ووصل إلى مناطق أخرى مثل:أم عدارة، وفريق القوز، والدخج، وأولاد كبوش، والقردود جنوبًا، وحلة بارجو في بلدة أبو جبيهة.

وأحرقت منازل وفر السكان، ومعظمهم من النساء والأطفال، إلى مناطق غرب وجنوب بلدة أبو جبيهة مع أمتعتهم، حيث لجأوا إلى الأصدقاء والأقارب.

استمر القتال لمدة ثلاثة أيام حتى وصول قوات الأمن الحكومية، في 8 يونيو. 

وبالرغم من وصول القوات إلا ان الوضع لا يزال متوتراً.

في 8 يونيو ، فرضت السلطات المحلية حظر تجول من الساعة 8:00 مساءً حتى الساعة 6:00 صباح اليوم التالي

تعرف على توقعات الأحوال المناخية والبيئية في السودان خلال الربع الثالث للعام الجاري

أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، في يونيو الجاري، تقريرها الفصلي حول التوقعات الموسمية لهطول الأمطار ودرجة الحرارة في الفترة من يونيو إلى سبتمبر 2022.

ويقدم التقرير توصيات لصانعي القرار في الدول الأعضاء بالإيغاد حول إدارة مخاطر الكوارث، والزراعة والأمن الغذائي، والثروة الحيوانية، وصحة المياه والطاقة، والإنذار المبكر للنزاع ، والبيئة والغابات، بالإضافة إلى ملخص وآثار القطاعات المذكورة على دولهم.

وتضم عضوية الإيغاد كل من السودان، و جنوب السودان، و الصومال، وبوروندي، وجيبوتي، وإريتريا، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، وأوغندا، وتنزانيا.

وفيما يلي تقدم (بيم ريبورتس) تلخيصاً لأهم مؤشرات التقرير، بالتركيز على المتعلقة بالسودان، وكذا أهم التوصيات.

يورد التقرير بأن موسم هطول الأمطار القادم (من يونيو إلى سبتمبر) سيكون موسمًا مهمًا ،على وجه الخصوص، في الأجزاء الشمالية من القرن الإفريقي، حيث تشكل هذه الفترة 70٪ من إجمالي هطول الأمطار السنوي.

وطبقاً للتقرير، تشير توقعات درجة الحرارة الموضوعية الموحدة إلى زيادة احتمالية ارتفاع درجات الحرارة السطحية عن المتوسط (فوق العادي) في شمال السودان. من ناحية أخرى ستتمتع معظم الأجزاء الجنوبية من السودان بفرص أكبر للتعرض إلى درجات أقل من المتوسط خلال موسم من يونيو إلى سبتمبر.

وتماشياً مع معدل هطول الأمطار المرتقب، فمن المتوقع أن تهطل الأمطار في وقتها الطبيعي أو في وقت مبكر في معظم أنحاء شرق السودان، مع تأخر هطولها في غرب السودان. 

وتماشياً مع معدل هطول الأمطار المرتقب، فمن المتوقع أن تهطل الأمطار في وقتها الطبيعي أو في وقت مبكر في معظم أنحاء شرق السودان، مع تأخر هطولها في غرب السودان. 

مخاطر الكوارث المتوقعة وإدارتها

قد يؤدي تزايد هطول الأمطار المتوقع في السودان إلى تعريض السكان لعدة مخاطر مثل السيول المفاجئة في الجزء الغربي من السودان، و دارفور وشمال دارفور. بالإضافة إلى تفشي الأمراض مثل الملاريا ، وارتفاع مستويات المياه في الأنهار مما يؤدي إلى فيضانها. 

لتجنب مثل هذه الكوارث، أوصى التقرير بـ:

  • نقل المياه بالشاحنات للماشية والاستخدام المنزلي.
  • تنبيه المواطنين في المناطق المعرضة للجفاف.
  • تشجيع زراعة المحاصيل سريعة النضج.
  • تفعيل فرق العمل (مثل الدفاع المدني) حتى تكون قادرة على الاستجابة للفيضانات في الوقت المناسب، ويشمل ذلك الوزارات و القطاعية المختصة.
  • تفعيل آليات التنسيق على مستوى الولايات والمستوى الاتحادي.
  • بناء قدرات المواطنين والجهات المسؤولة بشأن تدابير الاستجابة.

الزراعة والأمن الغذائي:

تعتبر الفترة بين يونيو إلى سبتمبر بمثابة موسم لعدة محاصيل رئيسة في السودان. ويتوقع أن يتضاعف إنتاج محاصيل مختلفة مثل الذرة الرفيعة والدخن وعباد الشمس والسمسم وما إلى ذلك. ومن المرجح أيضًا أن يقوم المزارعون بتوسيع المساحة المزروعة بسبب الأمطار المؤاتية المتوقعة.

وفي هذا الصدد يوصي التقرير، بـ:

  • الشروع في التحضير المبكر للأرض و عملية الغرس.
  • تحسين عملية تأهيل وصيانة البنية التحتية للري.
  • التوسع في تقنيات حصاد/تجميع المياه.
  • استبدال نظام توزيع البذور الحالي ببرنامج بقيادة وطنية من أجل توفير البذور المعتمدة للمزارعين بصورة أكبر.

الماء والطاقة:

زيادة تدفق المياه في النيل الأزرق ونظام سد تيكيز (الأثيوبي) – سد أعالي عطبرة – سد ستيت بسبب زيادة هطول الأمطار خاصة في منابع الحوض، الأمر الذي سيزيد  من مخاطر الفيضانات النهرية والسيول المفاجئة وحالة تشبع التربة بالمياه لفترات طويلة. من الإيجابيات أن متوسط هطول الأمطار المتوقع سيؤدي إلى تحسن في تخزين المياه وإنتاج الطاقة الكهرومائية.

وفي هذا المنحى، يوصي التقرير بـ: 

  • زيادة وعي المواطنين في المجتمعات المعرضة لخطر الفيضانات بسبب توقعات تزايد هطول الأمطار.
  • تحديث خطة تشغيل السدود وإدارتها بناءً على التوقعات.
  • الإنذار المبكر عن طريق توفير المعلومات المطلوبة عن المخاطر المحتملة.

الماشية:

من المتوقع أن تهطل الأمطار بغزارة في معظم أنحاء البلاد، بناء على ذلك فمن المتوقع أن  تتزايد وفرة الأعلاف والمياه، بالإضافة إلى تراجع الصراعات القائمة على الموارد إلى حدها الأدنى. مع ذلك ، فإن هذا الأمر يطلب العمل على رفع وعي المواطنين على طول ممرات الثروة الحيوانية.

كما يتوقع أن تتحسن الحالة الجسمانية لقطعان الماشية، وأن تكون حركتها من الأجزاء الجنوبية إلى الشمالية من البلد، هذه التوقعات تنذر باحتمالية حدوث حمى الوادي المتصدع في نقاط الجذب. ومن المتوقع أيضاً حدوث زيادة في السيول المفاجئة في مناطق الأراضي المنخفضة.

ولتفادي الأضرار المحتملة، يوصي التقرير بـ: 

  • تكثيف حملة التطعيم ضد طاعون المجترات الصغيرة (PPR) والالتهاب الرئوي الجنبي المعدي

(CPP) والجمرة الخبيثة والتسمم الغذائي.

  • زيادة الوعي وتنسيق حركة الثروة الحيوانية على طول ممرات الثروة الحيوانية لتجنب النزاعات القائمة على الموارد.
  • تكثيف برامج توزيع البذور لدعم إعادة زراعة المراعي.
  • تنبيه نظام مراقبة الأمراض في المناطق عالية الخطورة في ولايات الجزيرة، النيل الأبيض، نهر النيل، وولاية النيل الأزرق. مع المراقبة الدقيقة للأمراض النزفية وغيرها من الأمراض التي تصيب الحيوانات مثل حمى الوادي المتصدع وحمى الضنك.
  • دعم إعادة تأهيل نقاط المياه وتكثيف حصاد/تجميع المياه خاصة في الأجزاء الجنوبية من السودان.
  • تحسين عملية مراقبة الفيضانات في الأراضي المنخفضة لتجنب نفوق الماشية.

البيئة والغابات:

من المتوقع أن تؤدي زيادة هطول الأمطار في السودان إلى توفير بيئة مواتية لغرس الأشجار وتحسين العلف وتوفر المياه من أجل الحياة البرية والثروة الحيوانية، الأمر الذي يحد من التنافس على الموارد.

وفي هذا الصدد يوصي التقرير بـ: 

  • توفير الشتول الكافية لبرامج غرس الأشجار.
  • زيادة التوعية المجتمعية، وتوفير مواقد محسنة وبدائل الطاقة الأخرى لتقليل الضغط على الغابات (تقليل إستخدام خشب الأشجار في المهام اليومية).

لماذا يتضاءل حضور السودانيين الأولمبي؟

لماذا يتضاءل حضور السودانيين الأولمبي؟

لم تحظ الرياضة في السودان بحصتها من الاهتمام والتطوير، يعضد الزعم ضعف المشاركات القومية في المنافسات العالمية مثل الأولمبياد الصيفية؛ التي عرفت تاريخيا كرمز للسلام الدولي والمنافسة والإلهام.

جملة من العوامل ربما كانت هي السبب وراء تراجع مشاركات الرياضيين السودانيين في المنافسات العالمية، وعدم ظهورهم في محافل التتويج ضمن قائمة الأبطال الدوليين، فما هي أبرز هذه العوامل؟

لمحة تاريخية

أول مشاركة للسودان في الأولمبياد كانت في محفل روما 1960، والتي كانت اول اولمبياد تبث على التلفاز، ومن ثم توالت مشاركات الرياضيين السودانيين في الألعاب الأولمبية الصيفية كل أربع سنوات باستثناء دورة 1964، كما قاطع السودان دورة 1976 في مونتريال مع معظم الدول الافريقية احتجاجاً على رفض اللجنة الأولمبية الدولية حظر نيوزيلندا من الدورة، بعد مشاركة فريقها الوطني للرجبي في جولة بجنوب إفريقيا اعتبرت وقتها تحدٍّ لدعوات الأمم المتحدة لفرض حظر رياضي ضد سياسات الفصل العنصري في بريتوريا.  قاطع السودان أيضا دورة عام 1980 مقتفياً خطى الولايات المتحدة التي رفعت لواء الاحتجاج على الغزو السوفيتي لأفغانستان.

وشكلت اولمبياد ميونيخ 1972 علامة فارقة ضمن المشاركات السودانية، إذ شاركت فيها البلاد بأكبر تمثيل أولمبي في تاريخها بعدد 26 رياضي، تباروا في مناشط ألعاب القوى والملاكمة وكرة القدم ورفع الأثقال، وحمل علم السودان يومها لاعب الملاكمة عبد الوهاب عبد الله صالح.

 أما أضعف تمثيل سوداني فقد كان ضمن أولمبياد سيدني عام 2000 حيث شارك ثلاثة لاعبين فقط ممثلين للبلاد في المحفل.

وعلى الرغم من ذلك فقد شهدت تلك الدورة أول مشاركة نسائية سودانية في شخص العداءة أميمة محمد، التي اعتزلت بعدها مباشرة بسبب “تفرغها لبيتها وتربية أطفالها” كما أوضحت في مقابلة لها مع جريدة “الصحافة” عام 2012.

وبحسب أميمة فإنها “لم تتمكن من إحراز نتيجة جيدة لعوامل كثيرة منها حداثة التجربة وصغر السن وكذلك اللغط الذي كان دائرا فى ذلك الوقت بعدم الموافقة على مشاركتي بسبب اللبس الذي يخص ألعاب القوى، ولكن اخيرا توصل المسؤولون باللجنة الأولمبية إلى أن أشارك، وفعلا شاركت وارتديت زيا طويلا عكس ما ترتديه اللاعبات من الدول الاخرى…”

العداء اسماعيل احمد اسماعيل في بكين2008 بعد فوزه بفضية السباق (Getty Images)

وفي أولمبياد بكين عام 2008 نال العداء اسماعيل أحمد اسماعيل ميدالية فضية في سباق 800 متر، على الرغم من أن العداء ابوبكر كاكي كان المرشح الأبرز لإحراز ذهبية السباق. ذلك التتويج كان هو الأول والأخير للسودان طوال مشاركاته في الأولمبياد.

ضعف التدريب والفرص

من الواضح أن البلدان ذات الدخل المنخفض لا تملك نفس الإمكانيات وتوفير الفرص للتدريب والدعم، لكن بالرغم من ذلك فإن النظرة الفاحصة كفيلة بتنبيهنا إلى أن مستوى السودان متدنٍ حتى بالمقارنة مع نظرائه الإقليميين؛ إذ حازت إثيوبيا من قبل 58 ميدالية، فيما صعد الرياضيون من دولة كينيا زهاء 113 مرة إلى منصات التتويج طوال تاريخ بلادهم الأولمبي.

الجدير بالتنويه كذلك أن مستوى القارة ككل في الآونة الأخيرة يعتبر متدهوراً قياساً بالسنين الماضية؛ فعلى الرغم من أن أكبر عدد للدول والأقاليم المشاركة في أولمبياد طوكيو 2020 كان من نصيب قارة أفريقيا، إلا أن إجمالي الميداليات الافريقية لم يتجاوز 37 ميدالية فقط، كأقل نسبة للقارة منذ دورة برشلونة عام 1992، أي مساوٍ لعدد ميداليات دولة ألمانيا وحدها. ويمثل العدد نسبة 3.43% من جميع الميداليات التي قدمت في هذه الدورة.

أكبر عائق بالنسبة للقارة هو أن الرياضيين يتنافسون في عدد قليل جداً من البطولات بالمقارنة بأوروبا أو أمريكا او أستراليا، لكن القسط الأكبر من أسباب التدني ربما يمكن أن يُعزى إلى جائحة كورونا التي ادت الى اغلاق تام في كثير من البلدان وأزمات اقتصادية أضعفت التمويل للرياضة والتدريب، بالاضافة الى غياب او تأجيل كثير من البطولات التي كانت توفر مساحة لهؤلاء الرياضيين للمنافسة.

يمكن الاشارة ايضا الى أن كثير من الرياضيين من أصل أفريقي ينتمون لفرق من أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية، مما أدى حتماً إلى انخفاض عدد الميداليات للدول الأفريقية نفسها.

الاعتماد على رياضات محددة

من الملاحظ ان اغلب مشاركات السودان الاولمبية – مثل العديد من الدول الافريقية – منحصرة في ألعاب القوى. ويؤثر ذلك سلبا على احتمالات الفوز بميداليات في رياضات متفرقة فمثلا في اولمبياد سيدني عام 2000 أكثر من 80% من الميداليات الافريقية كانت في العاب القوى، كما أوضح عضو اللجنة الاولمبية العالمية ويليام بليك “تشارك العديد من الدول الأفريقية في ألعاب القوى، لذا فهي لا تترك مجالًا كبيرًا للفوز بميداليات في رياضات أخرى – على عكس العديد من الدول الأوروبية التي ترسل الرياضيين إلى جميع أحداث البرنامج الأولمبي تقريبًا.”

ضعف التخطيط والتنظيم

إن نقص الموارد لا يؤثر سلباً فقط على الدعم المادي للرياضيين، بل يكثف ايضاً الفساد المادي والاداري وضعف التنظيم وبعد النظر، على عكس الحال في الدول المتقدمة كما قال الصحفي الرياضي ننامدي اوكوسيمي لجريدة Premium Times النيجيرية: “أتذكر قصة أخبرنا بها أسترالي عن كيفية رعايتهم لطفلاً يبلغ من العمر – أعتقد – 11 عامًا ليصبح بطلاً للعالم في الجمباز. أستراليا ليست دولة قوية في الجمباز، ولكن مع التخطيط والتنظيم المناسبين، قاموا ببناء بطل من الصفر عن قصد. معظم البلدان الأفريقية ليست منظمة بما يكفي لتحقيق مثل هذه المآثر”.

السودان كان يشارك في الماضي في رياضات أخرى مثل الملاكمة ورفع الأثقال ولكن تضاءلت هذه المشاركات في السنين الماضية وانحصرت في ألعاب القوى والسباحة فقط.

 

“الثورة الشبابية، ثورة ديسمبر المجيدة موضع احترام…”

وتعزو نجلاء الياس، المنسق الإعلامي باللجنة الأولمبية السودانية ضعف الحضور السوداني وقصور الوصول إلى منصات التتويج حسب توصيفها بكون “الحضور الأولمبي مرتبط بالاتحادات الأولمبية فقط، وعلى هذه الإتحادات أن تقيم بطولات محلية وإقليمية لعمل تصفيات يتم من خلالها اختيار منتخب او لاعبين بالنسبة للألعاب الجماعية او الفردية ومن ثم يبدأ الإعداد لهذه الفئة للمشاركات الخارجية حتى يتم من خلالها تحقيق أرقام تأهيلية للاعبين والمنتخبات قبل أربعة سنوات من الأولمبياد، وتتوالى المشاركة لحين إعلان المنتخب واللاعبين بعد المشاركات الخارجية والتصفيات.”

وبحسب نجلاء ينبغي أن يتم توفير دعم مادي للمؤسسات التي تدعم الرياضيين، وازالة جميع أوجه الفساد داخل اللجان والاتحادات والمؤسسات حتى يتم تدريبهم بصورة ممنهجة ومنظمة ومن ثم المشاركة في منافسات إقليمية وعالمية، وهي خطوة من وجهة نظرها تتراءى، خصوصاً في ظل بوادر التنظيم الحالية، حيث أن اللجنة الأولمبية السودانية تتأهب لجمعيتها العمومية والانتخابات المزمع قيامها منتصف سبتمبر الحالي، و”الثورة الشبابية، ثورة ديسمبر المجيدة موضع احترام، وبعد المجلس المنتخب حالياً فإن أياماً قلائل تفصلنا عن الانتخابات الأولمبية ومجلس جديد”، كما تقول نجلاء.