Category: اجتماعي

«الدعم السريع» توطن المأساة بولاية الجزيرة وتحولها إلى بقعة منسية

 

14 مارس 2024 – تحولت أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم إلى موطن انتهاكات لقوات الدعم السريع بعد سيطرتها على أجزاء كبيرة منها في ديسمبر الماضي وانسحاب الجيش من عاصمتها ود مدني.

 

تأتي استباحة ولاية الجزيرة وسط استمرار انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت لليوم السادس والثلاثين على التوالي وانقطاع الكهرباء في أغلب المناطق.

 

وتعيش قرى ولاية الجزيرة تحت رحمة قوات الدعم السريع التي تستمر في استباحة إحدى أكبر ولايات السودان مساحةً والأكثر من حيث التعداد السكاني. فمنذ دخولها مدينة ود مدني في ديسمبر العام الماضي بعد انسحاب الجيش منها، ظلت تمارس أبشع أنواع الانتهاكات من وقتها وحتى اليوم، بحسب تقارير عديدة.

 

دفع انتقال الحرب إلى الولاية المتاخمة للخرطوم مئات الآلاف لمغادرة قراهم قسرًا، أما الذين آثروا البقاء رغم اشتداد الظروف الأمنية تعرضوا لحالات نهب وسرقة للمتلكات واعتقالات واعتداءات، وفقد العشرات أرواحهم فيما تحدثت تقارير عن حدوث حالات اختطاف للفتيات في المنطقة المنكوبة منذ ما يزيد عن الشهرين.


وتضاعفت معاناة أهالي الجزيرة بدخول الولاية في عزلة تامة جراء انقطاع خدمات الاتصال والإنترنت، مما تسبب في فقدان التواصل بالمواطنين وبالتالي ضعف وصول معلومات عن حجم الانتهاكات هناك إذ لا تتوافر أي تفاصيل من الولاية المعزولة، غير التقارير والبيانات التي ترد من لجان المقاومة الحصاحيصا ولجان مقاومة ود مدني. وعلى الرغم من عودة شبكات الاتصال في أغلب المناطق، إلا أنها ما تزال مقطوعة عن الجزيرة المنكوبة حتى اليوم.

الصحة خارج الخدمة

 

بتمدد الدعم السريع وتوغلها في الجزيرة التي كانت تحتضن عاصمتها ود مدني أفضل المستشفيات والمراكز العلاجية الخاصة مثل مراكز القلب وعلاج السرطان والكُلى والتي كانت المنفذ الذي يتلقى عبره مئات الآلاف من النازحين  والمقيمين الخدمات العلاجية، والمستجدات الأمنية بالولاية اضطرت جميع هذه المستشفيات والمراكز بود مدني ومدن الجزيرة المختلفة  إلى الإغلاق حفاظاً على سلامة المرضى والكوادر العاملة، علاوة على فرار أغلب المدنيين المرضى إلى مناطق أخرى بحثًا عن الأمن.

 

وأصدرت منظمة أطباء حول العالم تقريراً عن الوضع الإنساني بالولاية، قالت فيه إن 112 قرية بـ6 محليات من أصل 8 تضررت عدا القرشي والمناقل، وذكرت إن عدد المتوفين بلغ 166 منهم 4 أطفال والمصابين 1800، أما المفقودين 53 بالإضافة إلى 7 حالات اغتصاب.

 

 كما أعلنت لجان مقاومة الحصاحيصا عن مقتل ثلاثة أطباء، اثنين منهما بمستشفى المدينة عرب الريفي بعد فشل عملية جراحية أجريت لأحد جنود الدعم السريع والثالث بمستشفى الحصاحيصا على يد الدعم السريع، بالإضافة لاختطاف الأخيرة فردين من الكوادر الطبية في مدينة رفاعة شرق الجزيرة وقرية الدوحة جنوبي الولاية.

 

 في الأثناء، كشف تقرير أولي صادر عن لجان مقاومة ود مدني أواخر فبراير الماضي، عن انتهاك الدعم السريع 53 قرية فقط خلال ثلاثة أسابيع شملت مجازر وإرهاب وسلب ونهب بحق المواطنين، وقالت اللجنة  “رغم صعوبة الوصول للمعلومات بسبب العزلة التامة المفروضة على ولاية الجزيرة بسبب انقطاع الإنترنت والإتصالات، ما زال الحصر مستمرًا لباقي القرى التي وقعت فيها انتهاكات وجرائم حرب”.

 

يأتي ذلك في وقت سحب فيه الجيش قواته من مدينة ود مدني، مشيراً إلى أنه شرع في إجراء تحقيق في أسباب الانسحاب ومن ثم إعلانها للرأي العام بعد رفع النتائج إلى جهات الاختصاص، لكنه لم يعلن عن أي شيء بعد. 

 

لكن الجيش رغم انسحابه من على الأرض واصل عبر الطيران التابع له في شن هجمات، إذ نفذ ضربات في الجزيرة آخرها استهدفت تمركزات للدعم السريع أمام محكمة مدينة الحصاحيصا لم تخلف اصابات وسط المدنيين، وفي مدينة رفاعة قبلها بيوم تسببت في مقتل سيدة وإصابة آخرين.

 

وانتقدت لجان مقاومة ود مدني تركيز الجيش على الشارع الرئيسي الرابط بين محليتي ود مدني والمناقل وتجاهله قرى جنوب وغرب الجزيرة مما نتج عنه استباحة الدعم السريع القرى المحيطة بمحلية المناقل وعدم تدخل حاميته في المناقل لحماية المدنيين الذين استنجدوه في المنطقة لحماية القرى التي أُستبيحت والتزام القوة المتمركزة في الحامية بالتعليمات الموجهة لها بعدم مغادرة الفرقة.

 

لجان المقاومة الحصاحيصا بدورها قالت في بيان إن الدعم السريع استباحت قرى: الحلاوين، ومنطقة فداسي الحليماب وقرية منى، مما تسبب في حدوث موجة من النزوح وعدد من المصابين والقتلى. ولم تكتف بذلك إذ اعتدت على موكب تشييع ضحايا الهجوم وفق ما ذكر البيان، أيضاً حاولت دخول قرية الكُبر بتاريخ 29 فبراير الماضي بغرض السرقة والنهب وأثناء تصدي شباب القرية للهجوم سقط قتيل شاب وأصيب آخرون.

 

وشددت لجان المقاومة الحصاحيصا في بيان على أنها تعتبر مليشيا الدعم السريع المتهم الأول والأخير في عملية عزل الولاية عن العالم لما ظلت تمارسه من أعمال عنف وقتل وسلب ونهب وتهجير في القرى والمدن حول الولاية خلال الشهر الماضي.

 

واستنكرت قيام الدعم السريع بالمتاجرة بالإنترنت من خلال امتلاكها أجهزة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية (إستارلنك) واحتكارها وتأجيرها بالساعة في المناطق الأكثر استقراراً، مشيرة إلى أن جريمة قطع الاتصالات والإنترنت هي جريمة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومن جرائم الحرب التي طبعت في سجل كل من تسبب بها لما أحدثته من أزمة للمواطنين المرابطين تحت هذا الحصار في التواصل والتعامل.

إدانات سياسية

“ما يحدث سيدفع الآلاف من شباب الجزيرة لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم مما يخدم مخطط الفلول، والأفضل لنا جميعاً أن نعمل على تجنيب بلادنا من الإنزلاق للحرب الإثنية التي ستدمر السودان أكثرمما دمرته المرحلة الحالية من الحرب”، قال رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي، ياسر عرمان، على حسابه الرسمي بمنصة اكس محذراً من مغبة المجاملة في  أمر انتهاكات حقوق الإنسان ومتهماً النظام السابق بصنع حرب 15 أبريل التي يريدون ان تأخذ طابعاً إثنياً بمساعدة الدعم السريع.

 

ووجه رسالة مباشرة لقائد قوات الدعم السريع لإدانة ما يجري في الجزيرة والعمل على وقفه، داعياً الدعم السريع بعقد اجتماع شامل بينهم وبين قادة المجتمع والقبائل والمجتمعين السياسي والمدني بالجزيرة لوضع حد للوضع المأسوي. 

 

كما طالب حزب الأمة القومي في بيان  الدعم السريع بالخروج الفوري والعاجل من كافة القرى وحسم الإنتهاكات المستمرة من قواتهم والوفاء بتعهداتهم تجاه حماية المدنيين ،قائلاً إنها ليست المرة الأولى التي يخاطب فيها الدعم السريع بذلك،ومتأسفاً على عدم استجابته للمطالب.

 

في السابع من مارس الجاري نشرت لجان مقاومة الحصاحيصا انتهاكات جديدة للدعم السريع، بينها استباحتها قرية المريبيعة للمرة الثانية خلال اسبوعين وقتلها خمسة مواطنيين وإصابتها العشرات مما تسبب في نزوح جماعي للسكان.

 

كما أعلنت في وقت لاحق نفس اليوم وفاة مواطن كان قد أصيب أثناء هجوم الدعم السريع على قرية الكبر بريفي المسلمية بتاريخ 29 فبراير الماضي وتم نقله للعلاج بمستشفى القضارف.

 

كذلك نشرت تفاصيل عن حادثة تهجم الدعم السريع على أسرة بحي (السرايات) بالحصاحيصا وقتل ثلاثة أفراد منهم بحجة انتماء فرد منهم للقوات المسلحة.

 

أيضاً ذكرت لجان مقاومة أبو قوتة وهي أولى القرى التي دخلتها الدعم السريع ما قبل الاستيلاء على ود مدني، تحديثاً بالوضع هناك وكشفت عن مقتل أربعة مواطنين وإصابة ما يزيد عن 15 فردًا بينهم نساء في هجوم للدعم السريع  على قرية (كترة الضقالة) للمرة الثانية بغرض النهب والتهجير. وتابعت في البيان : “كما امتدت أيادي المليشيا الآثمة للنساء والأطفال والعجزة في مسكنهم بقنطرة 17 حيث قامت بالتعدي على الأسر التي تسكن القنطرة بالجلد واهانتهم وتهديدهم”. وكشفت في نفس البيان عن اغتيال المواطن عبد السلام بيلو (الحداد) من ابو قوتة قائلة إنه كان معتقلاً في سجونهم.

أزمة مجاعة في رمضان

مع قدوم شهر رمضان قالت لجان مقاومة الحصاحيصا إن الولاية ما زالت تعاني من انقطاع التيار الكهربائي والمياه ونقص حاد في السلع الاستراتيجية وسط استمرار انقطاع شبكات الإنترنت، مشيرةً إلى أن الوضع دفع كثير من المواطنيين لمغادرة المدينة بسبب ظروف الحرب.

 

كما نشرت لجان مقاومة ود مدني تقريرًا بالأوضاع في ولاية الجزيرة ثاني أيام رمضان، أوضحت فيه استمرار انتهاكات الدعم السريع بحق المواطنين ومواصلتها عمليات اقتحام القرى وما يترتب عليها من قتل ونهب وسلب بينها حوادث نهب مسلح للمسافرين عبر طريق المناقل – سنار، وطريق رفاعة – القضارف (البطانة) بواسطة قطاع الطرق بمعاونة الدعم السريع.

 

وفي منطقة رفاعة تمارس الدعم السريع اعتداءات وانتهاكات بحق المواطنين متحججةً بالبحث عن السلاح الذي تم توزيعه للمستنفرين وفق ما ذكرت لجان مقاومة رفاعة أمس الأربعاء.

 

 وكشفت اللجنة عن أوضاعاً إنسانيةً سيئة تعيشها المنطقة بإرتفاع أسعار السلع الأساسية بمعدل زيادة يفوق السبع أضعاف، وتحكم الدعم السريع في النقد والتحويلات والمواد البترولية وفرض ضرائب إضافية على المواطنين وعلى البصات السفرية مما أدى لإرتفاع أسعار تذاكر السفر.

وذكرت اللجنة أن الوضع الصحي متردٍ في المنطقة مع انقطاع الإمداد الدوائي لأغلب الأدوية المنقذة للحياة، وتوقف المعامل الطبية في المدينة والمستشفى بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

 

في الأثناء، تستمر الدعم السريع في انتهاك قرية أبو قوتة وقتل مواطنيها حتى اللحظة، إذ نشرت صفحة اللجنة اليوم الخميس خبرًا عن مقتل مواطن في منزله على يد الدعم السريع بعد منتصف الليل. كما نشرت شهادة عيان من المنطقة عن اتخاذ الدعم السريع المدارس والمنازل في المنطقة كمعتقلات دون توفير أدنى الخدمات للمعتقلين من كل الفئات والأعمار.

 

وفي وقت تواصل فيه الدعم السريع ممارسة انتهاكاتها في ولاية الجزيرة وأجزاء من مناطق غرب وشرق سنار، بدأ الجيش ،الذي عين قائداً جديداً لقيادة الفرقة الأولى مشاة بود مدني، مطلع الشهر ،يحشد حراكاً برياً في الجزيرة وذلك بالتزامن مع شنه هجمات جوية منذ البارحة.  

«منطقة صناعة العرض المسرحي».. خشبة مزدهرة في أزمنة الحرب السودانية

قبل أسبوع من اندلاع الحرب، في 8 أبريل 2023، احتشد جمهور غفير بمركز أم درمان الثقافي لمشاهدة عرض مسرحية «آيس دريم» والتي قدمت معالجة فنية لقضية تكدس جثث المتظاهرين في المشارح إبان فض اعتصام القيادة العام في 3 يونيو 2019 وحتى ما بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.

 

منحت مسرحية «آيس دريم» الجثث صوتًا للكلام عن آمالها وأحلامها وما تعيشه من مآسٍ، وعن رغبتها في التعرف عليها وأن تدفن بمقام يليق بالموتى، لكن وبعد طول انتظار، تقرر الجثث الخروج للمدينة فتجدها خاوية من السكان الذين غادروها بسبب حرب أهلية، فتقرر الجثث أن تدفن نفسها بنفسها.

 

كان العرض الأول الذي تشهده ولاية الخرطوم للمسرحية، وذلك بعد عرضين في كلٍ من ولايتي سنار (مدينة سنجة) ولاية النيل الأزرق (مدينة الدمازين) خلال شهر مارس من العام نفسه، ضمن ما أطلقت عليه منطقة صناعة العرض المسرحي، وهي الجماعة القائمة على المسرحية، مسمى (مسرح الشِدّة).

من عرض مسرحية آيس دريم بسنار

لم يكن الجمهور الذي حضر المسرحية في الولايات الثلاث، ولا حتى منتجي المسرحية على علم بأن الحرب قادمة، وأن الجثث ستدفن في باحات البيوت وفي الشوارع، وأن مزيداً من الناس سيقتلون، وتسيل دمائهم في الشوارع والبيوت بعد أسبوع فقط، إثر اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 في الخرطوم، وتوسعها غربًا إلى دارفور وكردفان، وأخيراً إلى وسط السودان في ولاية الجزيرة.

منطقة صناعة العرض المسرحي

انطلق ميلاد مشروع (منطقة صناعة العرض المسرحي)  بصورة فعلية في العام 2016، وهو عام تسجيلها ضمن المسجل العام للجماعات الثقافية. لكن النقاش حول المشروع كان مستمرًا منذ العام 2004.

 

كما أن المشروع استلهم وبني على عدد من التجارب المسرحية السابقة؛ مثل جمعية (البسانس للآداب والفنون)، والتي تأسست في العام 1996، واعتمدت على البيئة كمصدر للتدريب وصناعة العرض، وتجربة طالبات مدرسة العلوم الإدارية بجامعة الأحفاد والتي تأسست في عام 2004  وتجربة (جماعة المشيش) في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور. 

 

وقد أقامت المنطقة منذ تأسيسها ما يزيد عن الـ 100 ورشة وندوة ومنتدى، حيث استهدفت أكثر من ألف موقع في العاصمة الخرطوم وبقية الولايات، علاوةً على أكثر من 64 عرضًا مسرحيًا في مختلف أقاليم السودان، بالإضافة إلى مشاركتها في مهرجانات محلية ودولية.

 

كما أن ثورة ديسمبر قد فتحت أفقاً للفنون عامة، ولمنطقة صناعة العرض بصورة خاصة، للاشتغال والعمل والتحرك والعمل في مناطق سودانية مختلفة، كما أنها عالجت تلك الوضعية المأزومة التي عاشها السودان في مختلف مناحي الحياة خلال فترة نظام الإنقاذ، في مسرحية (النسر يسترد أجنحته) والتي انتصرت للفن عبر الفن. لكن يبدو أن النسر، – السودان كما رمزت له المسرحية – لم يسترد أجنحته بالكامل، حيث باغتته الحرب في الأخير، بعد مجازر اعتصام القيادة وانقلاب 25 أكتوبر والكثير من الأحداث السياسية التي قلمت الأجنحة.

من عرض مسرحية النسر يسترد أجنحته  بقاعة الصداقة 2021

مسارات جديدة رغم الحرب

تسببت حرب 15 أبريل 2023 في فواجع كبيرة لملايين السودانيين في مختلف أنحاء البلاد، فقد الآلاف أرواحهم جراء الحرب، ونزح ما يقارب 11 مليون شخص داخليًا وخارجيًا، وفقدت قطاعات واسعة من السودانيين والسودانيات مصادر دخلهم، خاصة الفئات الاجتماعية الهشة في القطاعات غير الرسمية، والتي من ضمنها الفنانين.

لم تكن منطقة صناعة العرض المسرحي استثناءًا، وذلك لأن قطاع الفنون بمختلف مجالاتها هشة، فنزحت الجماعة مع الآخرين إلى إقليم النيل الأزرق.

مسرح البنات

وبعد أشهر من بداية الحرب، في 18 أكتوبر 2023، أعلنت الجماعة عن انطلاق أول ورشة لها في ضمن مشروع (مسرح البنات) والتي وجّهت إلى السكان في ولاية النيل الأزرق، حيث سعت إلى تمليك المتدربات والمتدربين، والذين كانوا من المجتمع المحلي في إقليم النيل الأزرق، المهارات والمعارف الكافية حول صناعة العرض المسرحي والمتعلقة بتوظيف الجسد والأغاني والموروث الشعبي كمواد للعرض المسرحي.

 

وخلال الورشة استلهمت الجماعة الثقافة المحلية لإقليم النيل الأزرق من الأغاني والإيقاعات الموسيقية المختلفة، ومن بعدها انطلقت عدة عروض في مدن باو والرصيرص والدمازين في نوفمبر 2023.

 

وفي 14 نوفمبر الماضي، قدم العرض الختامي من سلسلة عروض مسرح البنات بمدينة الدمازين، وذلك بحضور غفير، من ضمنه عائلات المتدربات والمتدربين، الذين شاهدوا العرض وتوزيع الشهادات في نهاية مشروع تمكن من تقديم 9 عروض في أماكن مختلفة شملت 3 محافظات في إقليم النيل الأزرق.

صور العرض الختامي (من صفحة منطقة صناعة العرض المسرحي بفيسبوك)

ما تجترحه منطقة صناعة العرض المسرحي من مسارات في معالجة الواقع الاجتماعي والسياسي في السودان يتسم بالكثير من الحساسية الجمالية والسياسية، وهي حساسية منحازة بصورة جليلة للناس وحياتهم ومعيشهم اليومي، عبر استلهام الثقافات، وإشراك الناس كمقدمين لفنون تتماس مع حياتهم وقضاياهم، دون إغفال الجانب الفني الإبداعي، وذلك بتمليكهم أدوات الحرفة.

«محجوب محمد صالح».. رحيل قلم الصحافة السودانية الذهبي وعميدها


14 فبراير 2024 – «بدأتُ المشاغبة في العام 1940 وأنا طالب في المدرسة الوسطى السنة الثانية.. نشرت مقالًا في صحيفة صوت السودان اتهمت فيه أساتذة المدرسة الأولية بأنهم يمارسون المجاملة لمعارفهم وأصدقائهم في القبول للمدرسة الأولية، بدلًا من أن يخضعوا الجميع لامتحان واحد ويختاروا على أساسه».

يحكي عميد الصحافة السودانية وناشر ورئيس تحرير صحيفة الأيام اليومية، محجوب محمد صالح الذي رحل في العاصمة المصرية القاهرة أمس، عن عمر يناهز الـ96 عامًا، بدايات قصته مع عالم الصحافة والسياسة.

يواصل صالح في مقابلة تلفزيونية مع قناة الغد: «المدرسين اعتبروا هذا إهانة لهم وتشكيك في نزاهتهم و اشتكوني للناظر.. والناظر أمر بجلدي أربعين جلدة خُفضت إلى عشرة بعد واسطات ونفذت في طابور عام. منذ ذلك الوقت بدأت قصتي مع الصحافة».

فصل من الدراسة وبداية احتراف الصحافة


لعميد الصحافة السودانية تاريخ مبكر مع العمل العام الطلابي دفع ثمنه فصلًا من الدراسة. يقول «دخلت كلية الآداب سنة 1947 في أول دفعة تجلس لامتحان جامعة لندن الخارجي لنيل البكالوريوس.. وهذه كانت مجموعة فيها 28 طالبًا اجتازوا امتحان (كامبردج) الشهادة الثانوية البريطانية».

وتابع «قررنا إنشاء اتحاد عام للطلبة في كل السودان وكان رأي المدرسة أن هذا عمل مخرب ويدخل الطلبة في السياسة.. تصاعدت الأزمة وعملنا إضراب عام للطلبة في كل السودان ونجح الإضراب، تم فصلنا كنا 3 طلاب».

بدأت رحلة صالح الاحترافية في عالم الصحافة في أكتوبر 1949، بالعمل كمحرر في صحيفة سودان ستار الانجليزية التي كانت تصدر في الخرطوم عبر شركة تجارية بريطانية، في الوقت نفسه التحق بصحيفة السودان الجديد الناطقة بالعربية قبل أن يؤسس مع رفيقيه محجوب عثمان وبشير محمد سعيد صحيفة الأيام في عام 1953.

خلال رحلته مع عالم الصحافة ألف صالح المولود في عام 1928 بمدينة الخرطوم بحري عددًا من الكتب ونال جوائز عالمية كما شارك في تأسيس اتحادات صحفية عربية وأفريقية.

جوائز وشهادات فخرية وكتب

نال صالح العديد من الدرجات والجوائز حيث منحته جامعة الأحفاد للبنات الدكتوراه الفخرية في عام 2002 وحصل على جائزة المنظمة العربية لحرية الصحافة وجائزة منظمة فريدريش ايبرت لحقوق الإنسان (بالمشاركة مع ابيل الير) عام 2004. بالإضافة لجائزة القلم الذهبي من المنظمة العالمية للصحافة ومقرها باريس عام 2005.

كما حاز أيضًا، بحسب الموقع الإلكتروني لجائزة محجوب محمد صالح للصحافة السودانية، على جائزة مؤسسة نايت والمركز الصحفي العالمي واشنطن عام 2006 ومنحته جامعة الزعيم الأزهري الدكتوراة الفخرية عام 2006 . شغل منصب رئيس جمعية الصداقة السودانية الشمالية الجنوبية كما تقلد وظيفة رئيس مركز الأيام للدراسات الثقافية والتنمية واختارته لجنة تخليد ذكرى الروائي الراحل الطيب صالح شخصية العام في فبراير عام 2013، علاوةً على ذلك حصل على جائزة حقوق الإنسان للعام 2018 من قبل الاتحاد الأوروبي.

ألف صالح والذي أشتهر بزاويته اليومية «أصوات وأصداء» عددًا من الكتب بينها تاريخ الصحافة السودانية في نصف قرن، أضواء على قضية الجنوب، مستقبل الديمقراطية في السودان، العدالة الاجتماعية في السودان، دراسات حول الدستور بجزئيه الأول والثاني دراسات حول الدستور الجزء الثالث.

مدافع شرس عن السلام والديمقراطية

وأعلنت نقابة الصحفيين وفاة عميد الصحافة السودانية، محجوب محمد صالح، الثلاثاء بمستشفى «هيفن» بالعاصمة المصرية القاهرة.

وقالت في بيان أمس «لقد كان الفقيد شخصية بارزة في وسائل الإعلام السودانية، حيث ساهم في إعداد أجيال من الصحفيين بنزاهته ومهنيته وتفانيه والتزامه الثابت بالحقيقة».

وأضاف بيان النقابة «لم تكن الصحافة التي أرساها (العميد) قط تدور حول الإثارة أو تحقيق مكاسب شخصية. لقد كان مدافعًا شرسًا عن السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، مستخدمًا منصته لفضح الظلم وإعطاء صوت لمن لا صوت لهم. غالبًا ما وضعه عمله على خلاف مع السلطات، لكنه لم يتردد أبدًا في سعيه وراء الحقيقة والمساءلة».

وتابعت النقابة «يعد الأستاذ أحد المساهمين في تأسيس نقابة الصحفيين، وظل من الداعمين لعودتها بعد ثورة ديسمير منذ أن كانت حلمًا وعمل عبر مبادرته للإصلاح بين الأجسام المختلفة، كما سلم النقابة المنتخبة أرشيفًا يضم محاضر تاريخية للنقابة ويعد الأرشيف إرثاً للأجيال السابقة والحالية واللاحقة للصحفيين والصحفيات. بفقده تفقد البلاد رجلاً حكيماً ووطنياً غيوراً، وبرحليه تطوي الصحافة السودانية سيرة ملهمة للصحفيين والصحفيات».

جائزة محجوب محمد صالح للصحافة السودانية

في عام 2017، تم إطلاق جائزة محجوب محمد صالح للصحافة السودانية والتي تهدف، بحسب موقعها الإلكتروني، إلى تعزيز دور الصحافة في خدمة المجتمع وإعلاء قيمة حرية التعبير والإسهام في إثراء وتجويد العمل الصحفي وتشجيع روح التنافس وإبراز الأقلام الصحفية الواعدة والإسهام في تطوير الفنون الصحفية واستنهاض روح الابتكار والإبداع في العمل الصحفي.

«الدلنج».. مدينة التنوع والتاريخ السياسي تحت نيران الحرب ومخاوف الصراع الاجتماعي

تعيش مدينة الدلنج، ثاني أكبر مدن ولاية جنوب كردفان بعد عاصمتها كادوقلي، أوضاعًا أمنية عصيبة على إثر المعارك التي استمرت لأسبوعٍ كامل، في أعقاب سيطرة قوات الدعم السريع على منطقة هبيلة (شرق الدلنج) وتقدمها نحو المدينة. 

 

وإثر محاولتها التوغل إلى داخل مدينة الدلنج تصدى لها الجيش السوداني وقوات يُعتقد أنها تتبع للجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية – شمال بزعامة عبد العزيز الحلو، بالتزامن مع تقارير صحفية أشارت إلى وجود تنسيق مشترك بين الطرفين.  

 

لكن زعيم الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو، نفى وجود أي تنسيق لقواته مع الجيش السوداني، وقال إنه لا علاقة للحركة الشعبية بالحرب التي تدور حاليًا في السودان، مضيفًا «هذه حرب بين مؤسسات السودان القديم».  

 

وتابع في تصريح لموقع الحركة الشعبية على الانترنت إن هناك بعض الجهات تعمل على نشر الشائعات والترويج لتحالف الحركة الشعبية مع الدعم السريع تارة، والقوات المسلحة تارة أخرى. وهذا كله غير صحيح.

 

ولم يستبعد الحلو أن تتقسم البلاد إلى عدة دويلات في حال عدم تدارك القوى السياسية السودانية للوضع الراهن ومخاطبة ما وصفها بجذور المشكلة، مضيفًا «لقد ناقش وفدنا المفاوض جميع هذه القضايا مع وفد الحكومة الانتقالية دون الوصول إلى نتيجة».

 

من جانبه، أكد المدير التنفيذي لمحلية الدلنج، إبراهيم عبدالله عمر، في بيان تعاون وتضامن الجيش السوداني والجيش الشعبي والقوات النظامية الأخرى في حماية المدينة والمواطنين والسوق من السرقات والنهب وحفظ الأمن.

وطالب عمر التجار بفتح المحال التجارية، داعيًا المواطنين العودة إلى منازلهم بعد أن تم «دحر الدعم السريع ومليشيات الجنجويد منها الأسبوع الماضي». كما أصدرت المحلية قرارًا بمنع ترحيل المواد الغذائية إلى خارج المحلية تجنبًا لحدوث ندرة في المواد والسلع الاستراتيجية.

 

وتسببت هذه المعارك العسكرية في تصعيد آخر على المستوى الاجتماعي بين المجموعات الإثنية التي تسكن المنطقة وهو ما ينذر بتصاعد خطاب الكراهية والعنف الموجه بناء على الانتماء العرقي في مدينةٍ عُرفت تاريخيًا بالتنوع والتعدد الإثني والاجتماعي.

صورة عن الدلنج

يعود تاريخ مدينة الدلنج، الواقعة في أقصى شمال ولاية جنوب كردفان إلى القرن التاسع عشر، حيث كانت مجرد قرية صغيرة تقطنها إثنية النوبة لتتطور بعدها إلى سوقٍ موسمية للتجارة وتبادل السلع بين سكانها والرحل الذين يمرون بها. هذا النشاط التجاري فتح المدينة على الثراء الإثني وجعلها فضاءً للتعدد بين مختلف الإثنيات بما في ذلك النوبة والحوازمة والفلاتة والرزيقات والمسيرية.

 

وتعتمد المدينة في نشاطها الاقتصادي على قطاعي التجارة وهناك طيف من الحرف اليدوية. كما تشتهر بصناعة الجلود، والزراعة، والرعي، علاوة على الزراعة التي يمثلها مشروع هبيلا الزراعي (شرق المدينة) وهو أحد أكبر المشاريع الزراعية، وينتج الغلال؛ مثل الذرة البيضاء المعروفة محلياً باسم الفيتريته وكذلك الذرة الشامية، بالإضافة إلى السمسم.

تشكل الأفق السياسي للمدينة

برزت مدينة الدلنج إلى الفضاء السياسي السوداني في العام 1881، مع انطلاق الثورة المهدية في السودان ضد الاستعمار التركي – المصري، بزعامة الإمام محمد أحمد المهدي، حيث اعتصم ورابط رفقة قواته في جبال النوبة، لتمثل الدلنج قاعدة انطلاق وتقدّم عسكري لجيوش المهدية ضد القوات الاستعمارية. 

 

وبعدها، ما بين عامي 1912 – 1913، انطلقت مقاومة أخرى، وهذه المرة ضد الاستعمار البريطاني، بزعامة السلطان عجبنا، قبل أن تتمكن سلطات الاستعمار من إلقاء القبض عليه وإعدامه. 

 

تجدر الإشارة إلى أن الدلنج قد شهدت حركة مقاومة أخرى ترأسها الفكي على الميراوي، والتي كانت مقاومة مسلحة ضد الاستعمار البريطاني أيضاً، والتي استمرت في السنوات ما بين 1914 وحتى 1927.

جامعة الدلنج

مثَل معهد المعلمين بمدينة الدلنج، والذي أنشئ في العام 1948، أحد أهم منارات تدريب المعلمين السودانيين، وذلك بجانب معهد بخت الرضا في سنوات الخمسينيات والستينيات وحتى بداية التسعينيات. وفيما بعد أصبح المعهد نواة لكلية التربية بجامعة كردفان ثم جامعة الدلنج التي تأسست فى العام 1994 وتضم حوالى خمس كليات أبرزها كلية التربية وكلية تنمية المجتمع والعلوم الزراعية وكلية العلوم.

المدينة في ظل حرب 15 أبريل

أثرت الحرب، التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل 2023، في العاصمة الخرطوم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، على التحركات العسكرية وخارطة السيطرة على ولاية جنوب كردفان ككل. حيث شهدت عاصمة الولاية كادوقلي، اشتباكاتٍ مسلحة بين الجيش السوداني والجيش الشعبي والتي نزح على إثرها الآلاف من أحياء حجر المك الشرقية إلى أحياء أخرى داخل المدينة. 

 

أما في مدينة الدلنج، فكانت قوات الدعم السريع قد سيطرت على منطقة هبيلة الزراعية (شرق الدلنج) ضمن محاولاتها لدخول المدينة، إلا أن قوات الجيش الشعبي استبقها إلى المدينة لتدور بعدها اشتباكات بين الجيش السوداني والجيش الشعبي من جهة ضد قوات الدعم السريع، فيما لم يُعلن عن تحالف بشكل رسمي بين الطرفين. 

خطر التصعيد الإثني

بدأ، مزامنة مع تقدم الدعم السريع إلى منطقة هبيلا شرق الدلنج، صعود خطاب التصعيد الإثني والانحيازات القبيلة ما بين المجموعات الإثنية من النوبة والمجموعات العربية التي تعيش في نفس المنطقة من أزمان سحيقة وهو ما هدد النسيج الاجتماعي في المدينة، وأعاد رسم خارطة التحالفات الاجتماعية والعسكرية على أساس إثني. وهو ما انعكس في مهاجمة شرسة لحي أبو زيد بالدلنج والاعتداء على مواطنيه من مكون «الحوازمة» على أسس إثنية واتهامهم بالانتماء إلى الدعم السريع.

عربات الدفع الرباعي تنقل المأساة إلى «ود مدني» وأجزاء من ولاية الجزيرة

الجزيرة، 20 ديسمبر 2023 – لم يكن يتوقع سكان قرى شرق الجزيرة ومدينة ود مدني ونازحوها الذين فرّ غالبيتهم من الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم، أن يستيقظوا صبيحة يوم الجمعة الماضي، على وقع اشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع على بعد مسافة 15 كيلو مترًا، من إحدى أكبر مدن البلاد والتي تأوي مئات الآلاف من النازحين، فضلًا عن حوالي مليون من مواطنيها. 

 

يومها، لأول مرة منذ اندلاع الحرب دوى صوت رصاص قوات الدعم السريع على بعد حوالي 186 كيلو مترًا جنوب العاصمة السودانية الخرطوم المنكوبة بالحرب على مدى التسعة أشهر الماضية، على تخوم مدينة ود مدني عاصمة  ولاية الجزيرة وأكثرها احتضاناً للنازحين الفارين من حرب الخرطوم. 

 

انطلقت الرصاصات الأولى صبيحة الخميس في قرية أبو قوته الصغيرة ليُسمع صداها في وود مدني ورفاعة الجمعة، ناقلة بذلك قوات الدعم السريع الحرب إلى الولاية المجاورة للخرطوم، ومعلنةً  ميلاد مأساة جديدة على متن عربات الدفع الرباعي.  

 

ومع مغيب شمس اليوم نفسه تنفست أبو قوتة الصعداء بعد تراجع القوات التي عاثت فيها فسادًا لساعات، لتشرق شمس يوم الجمعة بحرب في شرق مدينة ود مدني شملت مناطق أبوحراز وحنتوب وأم عليلة والأخيرة بها مستودع للنفط حاولت الدعم السريع الحصول على إمداد منه قبل أن يلاحقها الطيران الحربي التابع للجيش وتتراجع إلى أبوحراز.

 

بالتزامن مع التصعيد الجديد، أصدر والي الجزيرة، الطاهر إبراهيم، أمر طوارئ قضى بحظر تجوال الأفراد والمركبات بداية من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحًا، فيما استثنى أمر الطوارئ الكوادر الصحية وعربات الإسعاف والنيابة والجيش.

 

وفيما توالت بيانات الإدانة المحلية لهجوم الدعم السريع، حثت الولايات المتحدة الأمريكية في بيان الدعم السريع لوقف تقدمها في ولاية الجزيرة فورًا والامتناع عن مهاجمة ود مدني، وطالبت الجيش السوداني بعدم الاشتباك معها أو ارتكاب أي أعمال تعرض حياة المدنيين للخطر.


إقليميًا، ناشد سكرتير الهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا (إيقاد)، اورقيني قبيهو، في تغريدة على حسابه بمنصة (X) طرفي القتال لوقف التصعيد، وقال : «إنني أدعو كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى الاستجابة لدعوة الجمعية العمومية غير العادية الحادية والأربعين للإيقاد لوقف الأعمال العدائية وحل النزاع من خلال الحوار».

أزمة إنسانية جديدة:

 

بإستشعار المواطنين وخاصة النازحين الخطر للمرة الثانية وتوغل قوات الدعم السريع إلى تخوم ود مدني، بدأ تدفق النازحين منذ الساعات الأولى في اليوم الثاني للهجوم، بالقدر الذي عجز الطريق القومي ود مدني – سنار عن تحمله إذ علق عشرات المسافرين إلى سنار والقضارف في زحمة سير كبيرة مما أخر وصولهم إلى الوجهات الجديدة، كما ارتفعت أسعار التراحيل ثلاثة أضعاف.

 

وقالت الأمم المتحدة، إن 14 ألف شخص فروا من المنطقة، وإن بضعة آلاف وصلوا بالفعل إلى مدن أخرى، مشيرة إلى أن الولاية كانت قد استضافت نصف مليون شخص منذ بداية الحرب، معظمهم من الخرطوم.

 

وكان والي الجزيرة، قد أعلن في نهاية نوفمبر الماضي عن استضافة الولاية 7 ملايين و121 ألف و144 متأثر بالحرب.

 

ومن جانبها أعلنت لجان مقاومة مدني عن قطوعات في التيار الكهربائي  منذ ظهر الجمعة.  ونعت أحد سكان منطقة حنتوب قائلة إنه قتل أثناء دفاعه عن عرضه وماله أثناء اقتحام قوات تتبع للدعم السريع منزله.

 

بدوره، أصدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) تحديثًا طارئًا حول الوضع في ولاية الجزيرة وأعلن عن تعليق كافة البعثات الإنسانية داخل الولاية.

 

وكشفت المنظمة أن الولاية كانت تحتضن عددًا من المنظمات التي تعمل في المجال الإنساني بما في ذلك 25 منظمة غير حكومية دولية و 21 منظمة غير حكومية وست وكالات تابعة للأمم المتحدة.

وقالت إن خمسة ملايين شخص يعيشون في ولاية الجزيرة من بينهم 700 ألف شخص في مدينة ود مدني وحدها، فضلًا عن وجود ما يقارب نصف المليون نازح في الولاية بينهم 86 ألف منهم في مدينة ود مدني.

 

في اليوم الثاني لسيطرة الدعم السريع على مدينة ود مدني ناشد أحد العاملين بدار الرعاية للاطفال فاقدي السند (المايقوما) في فيديو مصور الجهات المسؤولة لإنقاذ أكثر من مئتي طفل بينهم أطفال ذوي احتياجات خاصة. وعبر عن تخوفه من تكرار ما حدث للأطفال في الخرطوم، وطالب المنظمات الإنسانية للتدخل العاجل من أجل إخراج الأطفال إلى بر الأمان.  

ووجهت اللجنة التمهيدية لنقابة اطباء السودان نداءً عاجلاً اطفال المايقوما الى جانب 91 من الأمهات البديلات العاملات في الدار الذين تم ترحيلهم من الخرطوم إلى مدني، مشيرة إلى أن جميعهم في وضع خطير ويحتاجون إلى المساعدة الفورية.

يذكر أن أطفال المايقوما كانوا قد واجهوا ظروفًا عصيبة في أعقاب اندلاع الحرب في مدينة الخرطوم، حيث قبع الأطفال تحت مرمى النيران لأسابيع قبل أن يتم إنقاذهم و إجلائهم إلى مدينة ود مدني في يونيو السابق .

استهداف المراكز الصحية:

 الاثنين، أعلنت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء السودانين عن إغلاق مستشفى رفاعة بعد اقتحامه من قبل قوات الدعم السريع، مشيرة إلى أن الوضع لم يعد آمنًا في المستشفى وما حولها، خاصة بعد ما أسفر الهجوم عن مقتل طبيب واختفاء طبيبين من كوادر المستشفى.

و السبت حذرت اللجنة من نتائج الحرب مشيرة الى اننا نواجه احد أكبر الكوارث الإنسانية في ظل الحرب، بعدما تحولت المدينة التي أضحت ملاذاً آمنًا لمرضى أمراض القلب والسرطان والكلى و الحالات الطبية المستعصية، بما في ذلك مصابي الحرب والمرضى بأقسام العناية المركزة على شفا كارثة صحية وإنسانية جديدة.

وبحسب اللجنة، فإن المستشفيات أضحت خاوية وغير قادرة على تقديم الخدمات الطبية، من بينها مستشفى الجزيرة للطوارئ والإصابات الذي خرج عن الخدمة عقب (احتلاله) بحسب بيان اللجنة، فضلًا عن إغلاق مركز ود مدني لأمراض وجراحة القلب لكونه يقع في مرمى نيران الاشتباكات العسكرية.

خسائر ميدانية:

 

لم تلبث ولاية الجزيرة التي تنفست الصعداء، أن تحظى بليلة هادئة على وقع خبر انتصار الجيش في معركة الليلة الثانية منذ هجوم الدعم السريع عليها، إذ تواردت الأخبار منذ عصر الأحد حول تراجع قوات الدعم السريع من مدينة ود مدني. 

وشهدت ليلة الأحد الموافق 17 ديسمبر اشتباكات وانتشار متفرق لقوات الطرفين في القرى المجاورة لمنطقة ود مدني. 

لكن، مع طلوع فجر الاثنين 18 ديسمبر عادت الاشتباكات لمنطقة حنتوب شرقي ود مدني. وأعلنت الدعم السريع سيطرتها على رئاسة اللواء الأول الفرقة الأولى مشاة و معسكر الاحتياطي المركزي بالقرب من كبري حنتوب. 

 

وبعد ساعات تواردت الأنباء عن انسحاب الجيش من مدينة ود مدني ومنطقة حنتوب بشكل كامل لتدخل بذلك ولاية الجزيرة في عداد الولايات الواقعة تحت وطأة سيطرة الدعم السريع وانتهاكاتها المتواصلة. 

 

وخلال يومين فر الآلاف من قرى ومدن الجزيرة بينما تمكنت بعض القرى من عقد اتفاق بين الإدارة الأهلية والدعم السريع للسماح لهم بفتح الأسواق وعدم التعرض للأهالي.

 

أما المواطنون في مدينة ود مدني يعيشون حالة من الهلع ويحاول الآلاف الخروج إما سيرًا على الأقدام أو عن طريق عربات خاصة وجميع وسائل النقل المتاحة، إلا أن عددًا كبيرًا من الأسر المتجهة جنوبًا نحو طريق مدني – سنار فوجئوا باعتراض قوات الدعم السريع طريقهم قبل الخروج من المدينة، إذ قامت بإرجاعهم ومنع الحركة جنوبًا. 

 

واليوم دخلت قوات الدعم السريع مدينة الحصاحيصا واستولت على رئاسة شرطة المحلية. 

وقالت لجان مقاومة الحصاحيصا في تحديث لها إن قوات الدعم السريع اقتحمت السوق ونهبت عددًا من الدكاكين و نفت وجود أي قوة عسكرية من الجيش في كامل المنطقة.

 وشهدت المنطقة أحداث نهب وتخريب طال منازل (المايقوما) وتعرض المواطنون إلى سرقة أموالهم وعرباتهم تحت تهديد السلاح.

تقارير بيم

أزمنة النزوح الجديدة.. «20» عامًا من الصراع تضاعف مأساة إقليم دارفور

 

مع اشتداد حدة  المعارك، ترك ياسر إسحق عبد الرحيم، بائع المياه المتجول في أحياء مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور غربي البلاد، عربته التي يجرها حصان «كارو»، محاولًا مسابقة الرصاص الذي كان ينهمر كالمطر، جراء هجوم قوات «الدعم السريع» على قيادة الفرقة 16 مشاة بنيالا أواخر أكتوبر الماضي، وهي إحدى اكبر الحاميات التابعة للجيش السوداني في دارفور والبلاد.

 

قطع ياسر – 23 عامًا – عشرات الأميال مشيًا على الأقدام إلى أن التقطه أحد المسافرين في طريق نيالا- الفاشر وأوصله إلى عاصمة ولاية شمال دارفور بعد رحلة استمرت يومين. وهو كما يقول لـ«بيم ريبورتس» لا يعرف أحدًا في الفاشر أو نيالا، إذ أنه قدم إلى نيالا من منطقة نيرتتي بجبل مرة بحثًا عن الرزق.

 

وفي المدرسة الجنوبية لإيواء نازحي نيالا في الفاشر التي وصل إليها عبد الرحيم في حالة يُرثى لها وصدمة جعلته غير قادرعلى الكلام، واصفًا ما عايشه خلال الأشهر الماضية في نيالا. ومع ذلك، تعرفت عليه إحدى الأسر التي كان يجلب إليها المياه، وهو حاليًا تحت رعايتها، لكنه بحالة صحية ونفسية سيئة.

تمدد الحرب

بعد اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني والدعم السريع في الخرطوم ومروي قبل أكثر من ستة أشهر، سرعان ما انتقلت الاشتباكات إلى مدن أخرى في ولايات كردفان ودارفور، مما أودى بحياة المئات ونزوح الآلاف داخل وخارج السودان.

 

ونيالا التي تعد ثاني أكبر مدن السودان بعد العاصمة الخرطوم، ظلت تشهد اشتباكات متقطعة منذ أبريل، اشتدت في مايو، ومن ثم في أغسطس تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش والدعم السريع فيها الأمر الذي أجبر الآلاف للنزوح إلى مدينة الضعين بولاية شرق دارفور، وإلى الفاشر عاصمة شمال دارفور منذ أغسطس وحتى اليوم.

 

في الثامن عشر من أغسطس الماضي وجراء التدهور الأمني بالمدينة الذي انعكس بدوره على الوضع الإنساني، وجهت مبادرة غرفة طوارئ نيالا نداء إنساني عاجل إلى جميع المنظمات الإنسانية والأممية والمحلية قائلة: «إن مدينة نيالا تعيش أوضاعًا إنسانية كارثية تجاوزت فيها كل حدود التوقع»، كما أعلنت خروج كل مستشفيات الولاية عن الخدمة مع انقطاع خدمات الاتصال.

 

لاحقًا، بعد شهرين في السادس والعشرين من الشهر الماضي، أعلنت الدعم السريع سيطرتها على قيادة الفرقة 16 مشاة بنيالا بعد يومين من هجمات شنتها الأخيرة للسيطرة على المقر، مما زاد موجة النزوح على المناطق المجاورة والأقل توترًا بعد سقوط نيالا في يدها.

الحرب تضاعف أسعار الترحيلات

 

 

اضطرت أسماء عبد العزيز – 26 عامًا – وهي حبلى بجنينها الأول للبقاء برفقة زوجها وأسرته لمدة 5 أشهر بنيالا وسط الاشتباكات بسبب عدم قدرتهم على الانتقال من جنوب دارفور إلى ولاية أخرى، خاصة مع ارتفاع أسعار الترحيل.

 

وبعد سقوط دانة في منزل جارتهم ووفاتها على إثرها، انتقلت أسماء من حي الجير جنوب إلى الجير الشمالي، واستقرت هناك حتى تمكنت العائلة من توفير ثمن التذاكر لـ15 فردًا بينهم أسماء زوجة ابنهم.

تقول أسماء لـ«بيم ريبورتس»، إنها عانت من وعورة الطريق للفاشر والذي علاوة على خطورته، استغرق 5 أيام خصمت من صحتها وصحة جنينها، وتضيف: «سعر التذكرة للفرد الواحد بلغ 30 ألف ارتفعت بعد أحداث أكتوبر إلى 50 ألف، كما أن الدعم السريع فرضت ضريبة على كل سائقي البصات عند بوابات الفاشر الرئيسية ونقاط التفتيش وقدرها 40 ألف».

 

ورغم وصول أسماء إلى الفاشر واستقرارها في المدرسة الجنوبية لإيواء النازحين القادمين من نيالا، إلا أنها لا تزال تعيش على حافة الخطر ما بين خوفها من ألم مخاض مولودها الأول، وانتقال التوتر الأمني إلى الفاشر مؤخرًا.

9 مراكز لإيواء نازحي نيالا

تحتضن مدارس «أم شجيرة بنات وبنين، والتربة والثورة أساس للبنين والثورة الثانوية للبنات والمدرسة الجنوبية والرديف والإسراء ومدرسة الرفيدة»، نازحي نيالا في الفاشر، يقول المنسق العام بغرفة طوارئ نيالا، إدريس مناوي لـ«بيم ريبورتس».

 

 ويضيف: «هناك مدارس أخرى لم يتم حصرها، بالإضافة إلى مدارس أخرى يوجد بها نازحي نيالا مع نازحي مناطق أخرى»، مشيرًا إلى توزيع النازحين  الجدد في معسكر زمزم بسبب صعوبة فتح مدرسة جديدة في الفاشر.



بحسب تقرير لمفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور اطلعت «بيم ريبورتس» على نسخة منه، فإن الولاية وزعت النازحين في 56 مدرسة، فيما بلغ العدد الكلي للنازحين حتى تاريخ 22 أكتوبر الماضي أكثر من 10 ألف. 

 

 وقال المدير التنفيذي لمفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور، بشير محمد علي، لـ«بيم ريبورتس» إنه تم فتح مدارس جديدة مع أحداث الفاشر الأخيرة وارتفاع عدد النازحين إلى ما يزيد عن 13 ألف.

 

وفي نهاية أكتوبر الماضي، تجددت الاشتباكات في مدينة الفاشر مما فتح باب التساؤلات عن مصير هؤلاء النازحين، خاصة بعد سقوط غالبية مدن دارفور في يد الدعم السريع، وتوجيه والي ولاية شمال دارفور نمر عبد الرحمن في الأول من نوفمبر الجاري، نداء إلى مواطني الفاشر بمغادرتها نظرًا للتوترات الأمنية الأخيرة.

 

شرق درفور.. الملاذ الثاني

 

في أواخر أغسطس الماضي، قال مفوض العون الإنساني بشرق دارفور محمد أحمد محمد في تصريح صحفي، إن المفوضية أحصت عبر المنظمات العاملة في الولاية 83 ألف أسرة فرت اإلى مدينة الضعين قادمين من مدن نيالا وزالنجي والجنينة والفاشر، مشيرًا إلى أن 28 ألف أسرة تقيم في الضعين مع أقاربهم أو بإيجار منازل.

 

وكان مكتب الأمم المتحدة للشئون الإنسانية «أوتشا» قد كشف عن نزوح50 ألف شخص من نيالا جراء تجدد الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع في 11 أغسطس الماضي، بعد مقتل 60 شخصًا على الأقل واصابة 250 آخرين. 

 

 وأشار إلى  تعذر تحرك الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية من مدينة الضعين إلى نيالا وتأجيل التوزيع المخطط له وقتها من قبل اليونيسيف بسبب الوضع الأمني.

 

ومع تدفق النازحين القادمين من نيالا، تضاعف سعر التذكرة إلى الضعين بعد اشتباكات شهر أغسطس إلى 60 ألف بعدما كانت 30 ألف.

تقول حواء خليل عبد الله وهي من سكان حي الوحدة بنيالا ونازحة بمدينة الضعين لـ«بيم ريبورتس» إنها غادرت المدينة في وقت كانت فيه هدنة لمدة ثلاثة أيام لرفع الجثث، وذلك بعد تأزم الوضع في نيالا، كما أنها كانت شاهدة على مآساة جارها الذي فقد 6 من أفراد عائلته بعد سقوط دانة على منزله أثناء ذهابه لجلب عربة  للخروج بهم من نيالا.

 

وتذكر حواء التي وصلت برفقة أطفالها إلى الضعين الواقعة شرقي نيالا، بعد رحلة استمرت 8 ساعات، أول يوم لها في المدينة التي تزورها لأول مرة ولا تعرف فيها أحدًا، إذ أنها اضطرت للمبيت معية أطفالها في السوق الكبير قرب محطة اللوكندة القديمة ونامت على الأرض تحت مظلة آوتهم من مطر غزير حتى وصلتهم مبادرة طوارئ الضعين صباح اليوم التالي، حيث قدمت العلاج  لأطفالها وتوفير سكن مؤقت لها.


أما أحمد محمد الذي نزح من حي خرطوم بليل بنيالا إلى الضعين بعد حضوره مجزرة  كبري طيبة ومشاركته في دفن القتلى ووفاة أغلب أقاربه وجيرانه، فلا يبدو حاله مختلف كثيرًا عن حال أغلب النازحين المقيمين بالمراكز، فعلى الرغم من انتقاله من مركز النزوح للسكن مع أقاربه، إلا أن الحرب في نيالا أفقدته عمله كتاجر مواشي ومنزله وكل ما يملك وهو المعيل الوحيد لبناته وزوجته.

5 مدارس لإيواء النازحين في الضعين

«لدينا 5 مدارس لإيواء النازحين، والعدد الكلي للنازحين بولاية شمال دارفور حتى آخر إحصائية نهاية أغسطس 83 ألف نازح»، يقول آدم عثمان نجيب المتطوع لـ «بيم ريبورتس»، مضيفًا: «الغرفة قامت بعلاج ما يزيد عن  أكثر من خمسة آلاف نازح بينها حالات تم تحويلها لمستشفيات ربك ومدني وكوستي، فيما هناك عمليات جراحية تمت لنازحين بمستشفى الضعين».

وأشار نجيب إلى أن الغرفة تعمل بجهد الخيرين من سكان الضعين ولديها صندوق خيري وأطلقت حملة أسمتها «كلنا أهل» يتم عبرها عمل سلات غذاء توزع على النازحين.

وبعد دخول الحرب شهرها السابع يعيش النازحون في ولايتي شرق وشمال دارفور الذين فروا إلى مدن يجهلون تفاصيلها بحثًا عن الآمن، حالة من الترقب الحذر مع التطورات الأمنية الأخيرة، إذ أن ويلات الحرب التي تركوها خلفهم لاحقتهم إلى مناطق النزوح.

ومع سيطرة الدعم السريع على نيالا والجنينة وزالنجي لم يبق في دارفور كلها سوى أمل محدود بالمنطقتين.

تقارير بيم

تقرير: «715» حالة اختفاء قسري منذ اندلاع الحرب في السودان

الخرطوم، 22 أكتوبر 2023 – قالت المجموعة السودانية للاختفاء القسري، إنها رصدت 715 حالة اختفاء قسري منذ اندلاع الحرب وحتى منتصف أكتوبر الجاري، في ولايات السودان التي تدور فيها عمليات عسكرية.

وتضمن تقرير «المجموعة السودانية للاختفاء القسري» والذي أطلقت عليه اسم: «مثلث برمودا، المدن التي تدور في رحاها الحرب»، تفاصيل تصنيف مدن وجنس المختفين والشهور التي تم فيها الاختفاء.

وصنّفت المجموعة المختفين حسب النوع إلى 666 من الذكور منذ بداية الحرب بينهم 16 قاصرًا ، و49 من الإناث بينهم قاصرتين.

وذكر التقرير، أن هنالك 309 مختفين قسريًا من مدينة الخرطوم، و156 من مدينة أم درمان و130 من مدينة بحري و3 أشخاص من مدينة الأبيض وإثنين من الفاشر و3 من نيالا وشخص واحد في كل من الجنينة وزالنجي.

وقالت إن 110 مختفين قسريًا لم يحدد مكان فقدهم بشكل دقيق رغم اختفائهم داخل نطاق ولايات الحرب.

ومن حيث الشهور، أوضح التقرير، أن شهر أبريل وحده شهد اختفاء 124 شخصًا ومايو 141 شخصًا، بينما يونيو 49 ويوليو 44 وأغسطس 35 وسبتمبر 22، فيما اختفى 4 خلال شهر أكتوبر الجاري.

وأضاف التقرير، أن 296 مختفيًا لم يحدد تاريخ اختفائهم بشكل دقيق رغم اختفائهم خلال الفترة الزمنية للتقرير.

وذكر التقرير، أنه رصد 9 حالات لأصحاب اضطرابات نفسية من المختفين، مشيرًا إلى أن التقرير عصارة تواصل مع مصادر موثوقة وعدد من ذوي الضحايا ومقابلات مع أشخاص تم اطلاق سراحهم بعد اختطافهم.

تقييد بلاغات بولاية الجزيرة

وتأسف التقرير على عدم وجود ممارسة فعالة في القانون السوداني للحد من جريمة الاختفاء القسري، رغم توقيع السودان على الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري في العام 2021، مشيرة إلى أن وكلاء النيابة يكتفون بتدوين بلاغات تحت المادة 47 إجراءات ثم إصدار نشرة جنائية.

كما أشارت إلى توقف عمل النيابات وأقسام الشرطة وحتى المحاكم في المدن التي شملها التقرير، بالإضافة إلى تحول مقارها إلى ثكنات عسكرية وأماكن احتجاز، وذكرت أن أول بلاغ تحت المادة 186 الفقرة (ن) التي تنص على الإختفاء القسري كان بتاريخ 27 يوليو الماضي.

وفي 31 أغسطس الماضي الذي صادف اليوم العالمي للاختفاء القسري، كشفت المجموعة في تصريحات لـ«بيم ريبورتس» عن تقييدها بلاغات بنيابة ولاية الجزيرة وفقًا لنص المادة 32 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 في حالات المختفيين قسريًا من ولاية الخرطوم عبر تقديم طلب للنيابة العامة وتدوينهم 446 بلاغ بمدينة ود مدني، علاوة على بلاغات في ولايات أخرى.

قرارات مضطربة للوزارة.. الحرب تمزق مستقبل مئات الآلاف من طلبة الجامعات السودانية

الخرطوم، 8 أكتوبر 2023 - كان الطالب بكلية القانون جامعة الخرطوم المستوى الثالث، محمد بابكر، «22 عامًا»، مثل مئات الآلاف من طلبة الجامعات في السودان، يكافح لأجل إكمال دراسته، ومن ثم الولوج إلى عتبة المستقبل.    

غير أن أحلامه، إن لم تتبخر، فهي على الأقل تعلقت إلى أجل غير مسمى، صباح الخامس عشر من أبريل الماضي. ومع ذلك، يجسد بابكر معاناة مئات الآلاف من الطلبة الجامعيين في السودان، بعد توقف مسيرتهم الأكاديمية لحوالي ستة أشهر. 

تحدث بابكر الذي فرّ من الحرب بالخرطوم إلى شمالي البلاد، لـ«بيم ريبورتس» من تحت جذوع أشجار النخيل في بلدته بعد نهاية يوم مضن من حصاد التمور، قائلًا: «قطعت شوطًا كبيرًا في دراستي الجامعية.. المستقبل مجهول.. ولا ندري متى ستنتهي الحرب».

هذا التشاؤم المفرط الذي يحسه بابكر اليوم، لا يقارن بتفاؤله قبيل كابوس الحرب والذي تغيّر بعده كل شيء، لكنه مع ذلك صار يفكر هو زملائه عن حلول ربما لا تتحقق. يقول بابكر: «أصبحنا نفكر بشكل جاد في البحث عن منح دراسية ممولة، على الرغم من رغبتنا المتجذرة في تكملة تعليمنا في السودان».

 ومع ذلك، هذا الحل قد لا يكون مجديًا، يقول بابكر: «اندلاع الحرب بشكل مفاجيء صاحبه بالضرورة عشوائية في رحلة الفرار من الخرطوم، حيث لم يتمكن غالبية الطلبة من اصطحاب الأوراق والمستندات المهمة، الأمر الذي جعل من إكمال التعليم بالخارج أمرًا معقدًا».

فقدان الأمل، هو ألم مشترك يتقاسمه طلبة الجامعات السودانية، تقول الطالبة بكلية الطب كلية ود مدني للعلوم الطبية والتكنولوجيا، وفاء الهميم، لـ«بيم ريبورتس»، إنها فقدت الأمل في عيش حياة أكاديمية أو عملية مستقرة في السودان».

يتمثل فقدان الأمل في الأرقام الكبيرة لعدد الجامعات السودانية وطلابها الذين يقتربون من المليون، في ما يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي في السودان حوالي «155» مؤسسة تتنوع بين القطاع الحكومي والخاص، حيث يحوز القطاع الحكومي منها على «39» جامعة، والقطاع الخاص على «116» مؤسسة سواء جامعات أو كليات، بينما يبلغ العدد التقريبي لطلاب التعليم العالي في السودان «720» ألف طالباً وطالبة. 

مستقبل مجهول ورؤية ضبابية

في الرابع عشر من أغسطس من الماضي، أصدر وزير التعليم العالي والبحث العلمي المكلف، محمد حسن دهب، قرارًا بإيقاف الدراسة في كافة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة إلى أجل غير مسمى، على أن ينظر فيه في منتصف أكتوبر، بحسب قرار مجلس الوزراء.

وجاءت حيثيات قرار التعليم، بناء على قرار مجلس الوزراء والذي برره لظروف الحرب التي اضطرت مجموعات كبيرة من المواطنين للنزوح من العاصمة إلى الولايات مما خلف واقعًا قضى باستخدام المقار التابعة لصندوق دعم الطلاب كمقار للإيواء. بالإضافة إلى اللجوء خارج السودان وظروف موسم الخريف مما ينتج عنه صعوبة التنقل بين الولايات، فضلاً عن عدم استقرار التيار الكهربائي وشبكات الاتصالات.

مبنى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- المصدر: مواقع التواصل الأجتماعي

في الثامن والعشرين من أغسطس الماضي أعلنت وزارة التعليم العالي عن تعرض «104» من مؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة للتخريب نتيجة للحرب الدائرة ، بما فيها المراكز البحثية والصندوق القومي لرعاية الطلاب إلى جانب رئاسة الوزارة التي تضررت باشتعال النيران في عدد من طوابقها.

ووفقاً لتقرير وزارة التعليم ، فإن جميع الجامعات الحكومية بالخرطوم تضررت من دمار الحرب، بالإضافة إلى «6» جامعات حكومية وكليات جامعية خاصة بالولايات ، فضلًا عن استهداف لممتلكات ومساكن أعضاء هيئة التدريس والعاملين في مناطق كثيرة من العاصمة وبعض الولايات.

محاولة إيجاد الحلول

حول التصور القاتم لمستقبل التعليم العالي في إطار نيران الحرب التي تحرق في البلاد، بدأت العديد من الجامعات الحكومية والخاصة، تفعيل بعض الحلول التي يمكن أن تكون مجدية منها، التعليم الالكتروني، أو حتى إكمال العملية التعليمية خارج السودان كحل تبنته بعض المؤسسات الخاصة، مثل جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، والجامعة الوطنية .

في أجواء عدم اليقين هذه، يعود بابكر ويقول: «قدمت كليتنا مقترح التعليم الالكتروني الذي يتضمن أيضًا حفظ الحقوق الأكاديمية لغير القادرين على الانتظام من خلاله، معظم الجامعات لها المقدرة أن تفعّل هذا النمط من التعليم، وبالفعل بعض الجامعات بدأت في التطبيق». مضيفًا «كنا نتمنى من وزارة التعليم العالي تذليل المصاعب للطلاب، لكن برفضها للمقترح أتذكر مقولة رائجة، أن الوزارة تجد المشاكل للحلول».

العقبات في كل مكان

بالانتقال إلى مدينة ود مدني وسط السودان، لا تزال العقبات نفسها، حيث استأنفت فعليًا إدارة كلية ود مدني للعلوم والتكنولوجيا عمل المؤسسة عبر التعليم الالكتروني كحل للأزمة الراهنة، بعدما فنّدت إدارة الكلية كل البنود التي استند عليها قرار الوزارة في خطاب مكتوب، حيث أكدت أن أسباب توقيف الدراسة لا تنطبق عليها. 

وقالت إدارة الكلية «الوزارة تحدثت عن صعوبة المواصلات الأمر الذي قابلته الكلية بتعهدها توفير وسائل المواصلات للطلاب على نفقتها الخاصة. أما عن حاجة الوزارة لمرافق السكن الجامعي لاستخدامها في تسكين النازحين، أكدت إدارة الكلية أن جميع طلابها يسكنون في مرافق خاصة بهم وعلى نفقتهم». لكن في نهاية المطاف، كل إجابات كلية ود مدني قابلتها الوزارة بالرفض.

عقوبات صارمة من الوزارة

في العاشر من سبتمبر الماضي، أصدر وزير التعليم العالي المكلف، محمد دهب، قرارًا تحت مسمى «عقوبات عدم تنفيذ قرار إيقاف الدراسة» يحوي جزاءات صارمة تطبق على الجامعات التي خالفت قرار إيقاف الدراسة -الصادر في أغسطس- بمواصلتها للعملية التعليمية داخل أو خارج السودان. وشملت العقوبات المقررة، عدم اعتماد وتوثيق الدراسة أو أي نشاط أكاديمي بعد صدور القرار، وعدم إجازة أي برامج جديدة على مستوى الدبلوم والبكالوريوس أو الدراسات العليا لعام دراسي كامل، بالإضافة إلى تجميد القبول لمستوى الدبلوم والبكالوريوس والدراسات العليا للعام الدراسي «2023-2024».

وفي هذا السياق، تقول الطالبة بكلية ود مدني وفاء الهميم «إننا نتوقع توقف الدراسة عن طريق الانترنت في أي لحظة ؛ نظرًا للعقوبات التي فرضتها وزارة التعليم العالي مؤخرًا».

طلبة أجانب في قلب المعاناة

«وطأة الحرب القاسية دفعت بي وبأسرتي ضمن آلاف الأسر شمالًا نحو العاصمة المصرية القاهرة» تقول الطالبة بجامعة الخرطوم من الجمهورية العربية السورية آمال ياسر لـ«بيم ريبورتس»، مضيفة «أخاف أن تتوقف حياتي الجامعية لسنوات طويلة أو تنتهي.. أخاف أن أخسر دراستي وتخصصًا أمضيت فيه ثلاث سنوات من عمري». 

«شقيقتي ليست بمنأى عن مآسي التعليم العالي في ظل الحرب، فقد انفجرت الحرب وهي في الفصل الدراسي الأخير والذي كان من المقرر استئنافه إلكترونيًا، لكن بعد قرار الوزارة الأخير تبدد حلمهم بالتخرج، وها هي الآن تبدأ الدراسة في مجال مختلف عن الطب في إحدى جامعات القاهرة، لتخسر بذلك 6 سنوات من التعب والجهد المتواصل»، تقول ياسر.

توجيه وزاري باستئناف الدراسة في «الولايات الآمنة»

في السابع من أكتوبر الجاري، أصدر الوزير المكلف بتسيير مهام رئيس مجلس الوزراء توجيهًا بفتح المدارس والجامعات في الولايات التي «تتيح الظروف الأمنية فيها ذلك» ، على أن يتم في تاريخ لا يتجاوز نهاية شهر أكتوبر الجاري.

«أغرب القرارات في تاريخ السودان»، هكذا وصف الكاتب الصحفي معاوية الجاك القرار الوزاري، وتساءل: «هل يعلم مجلس الوزراء أن المدارس والداخليات الخاصة بالجامعات أصبحت دورًا لإيواء النازحين والفارين من جحيم الحرب بالخرطوم؟، أين يذهب هؤلاء بعد فتح الجامعات والمدارس». وأضاف الجاك:«هناك عشرات الآلاف من الطلاب خارج السودان مع أسرهم، ولا يمتلكون مقرًا بالولايات يأويهم حال تم فتح الجامعات.. مئات الأساتذة بالجامعات والمدارس خارج السودان.. باختصار لا يوجد مسوغ منطقي واحد لاتخاذ هذا القرار الغريب».

مصدر الصورة: الموقع الألكتروني ل سوداني نت

واقع معقد

في خضم الحرب المستمرة والقرارات الوزارية الصارمة التي تتجاوز الحلول المقدمة من المؤسسات التعليمية، يعيش طلاب التعليم العالي في السودان واقعًا معقّدًا. 

ومع ذلك، تبدو ملامح الحل فيه ممكنة، بحسب خبراء، بمسايرة واقع الحرب واتخاذ العديد من التدابير البديلة مثل التعليم الالكتروني، مع ضمان الحفاظ على الحقوق الأكاديمية لغير المستطيعين الالتحاق بهذا النمط، أو ربما على الجميع، انتظار الحرب حتى تضع أوزارها، وهو ما يمثل انتظارًا للمجهول.

تقارير بيم 

زراعة الأمل.. كيف يقاوم السودانيون الحرب؟

بدلاً من الشكوى وندب حظّها، رغم ويلات الحرب، اختارت عنايات محكر التي نزحت إلى ولاية النيل الأبيض وسط السودان، أن تقضي وقت إقامتها هناك – والتي قد تطول – في الزراعة المنزلية، مستغِلّة بذلك اتّساع مساحة المنازل هناك، والتي لا تُقارن بمنازل الخرطوم الضيّقة، الخرطوم التي ضاقت بساكنيها؛ فلفظتهم في اتّجاهات متفرّقة بعنف بالغ.

الباحثة عنايات وزملاء لها كانوا قد شاركوا في المؤتمر العالمي للتكنولوجيا الملائمة في نسخته العاشرة الذي أقيم في الخرطوم بورقة علميّة اختيرت كواحدة من أفضل الأوراق في المؤتمر في فئة التغيّر المناخي.

 

بعدما أجبرتها الحرب الدائرة في الخرطوم منذ منتصف أبريل الماضي للنزوح مع عائلتها إلى ولاية النيل الأبيض، قامت بتحويل خبرتها العلميّة إلى تجربة الزراعة المنزليّة وإنتاج الغاز الحيوي بكميّات محدودة. وتقول عنايات، إنّه بإمكانها تخيّل مشروع ناجح جدّاً قادر على توفير كميّات أكبر من الخضراوات ومن الغاز المنزلي؛ لأنّه بات لديها الآن الخبرة العمليّة.

مبادرة بيتنا أخضر

تقوم المبادرة منذ إطلاقها قبل ثلاثة أعوام على نشر المعرفة الزراعيّة وتشجيع الزراعة المنزليّة بتقديم أمثلة واقعيّة لتحويل المساحات المنزليّة غير الشاغرة لإنتاج الخضراوات وتحقيق الاكتفاء الذاتي لكثير من الأُسر.

 

كما تقوم المبادرة بتوزيع البذور والشتول المجانيّة وتقديم الدورات التدريبية.

شبح الجوع

تجاوزت الحرب بين الجيش السوداني وقوّات الدعم السريع شهرها الثالث مخلّفة مئات القتلى وآلاف المصابين بحسب آخر تحديثات نقابة أطباء السودان.

كما تسبّبت الحرب في نزوح أكثر من مليوني شخص داخليّاً وعبور أكثر من 560 ألف شخص إلى البلدان المجاورة، بحسب إفادة مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة.

ليس ذلك فحسب، فقد تعطّلت أوجه الخدمة المدنيّة كالمدارس والجامعات وجميع المؤسسات الحكوميّة في المناطق الأكثر تأثّراً، في ولاية الخرطوم وولايات دارفور. ولم يحصل المواطنون في القطاعات الحكوميّة على رواتبهم لثلاثة أشهر، وتُرك السودانيون ليُلاقوا مصيرهم وتدبّر شؤونهم دون مساعدة، إلّا تلك المساعدات التي يتردّد صداها فقط في قنوات الإعلام الخارجي، ودون أيّ دعم من الدولة التي رفعت يدها كليّاً عن تحمّل مسؤوليتها أمام مواطنيها في كلّ من دارفور والخرطوم بشكل خاص.

وتتوقّع منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتّحدة “فاو” تصاعد انعدام الأمن الغذائي الحادّ بسبب الحرب الحاليّة في السودان.

لذلك اتّجه العديد من السودانيين إلى خيار الزراعة ليحقّقوا كفايتهم من الطعام، خاصّة بعد الارتفاع الكبير لأسعار السلع الغذائيّة وندرتها في السوق بعد الحرب. بل إنّ بعضهم قام بإنتاج الفحم منزليّاً كبديل لغاز الطهي غير المتوفّر أصلاً.

يقول الكاتب آصف بيات، بأن أفراد المجتمع يمكنهم إحداث تغيير، بصفتهم فاعلين غير سياسيين، على مستوى قاعدي، فقط من خلال تدبّر شؤون حياتهم اليوميّة و ابتكار الأساليب التي تمكّنهم من النجاة في الظروف الصعبة.

وهذا ما يفعله السودانيّون العاديّون اليوم؛ حيث يقاومون الحرب بهدوء وبدون حمل بنادق أو الانخراط في القتال، بل بالانخراط في الحياة.

خرق الهدنة الإنسانية يمنع السودانيين من التقاط أنفاسهم والحرب تدخل يومها الخامس

أنعش اتفاق هدنة إنسانية لمدة 24 ساعة، كان قد عقد بين الأطراف المتقاتلة في السودان، بوساطة أمريكية، الآمال بالتقاط الملايين أنفاسهم، لكن سرعان ما تم خرقه، فيما تصاعدت وتيرة العنف بشدة، في وقت دخلت الحرب يومها الخامس.

ومع تصاعد حدة المواجهات العسكرية، أطلقت وزارة الصحة السودانية، نداءُ عاجلاً لإخلاء مستشفى فضيل بوسط الخرطوم، بعدما تعرض لقصف بالأسلحة الثقيلة. وقالت الوزارة، إن المستشفى الذي يعج بالمرضى تعرض لقصف بالأسلحة الثقيلة مما أدى لثقب في الغاز المركزي وصهاريج المياه الرئيسية المخصصة لمرضى غسيل الكلى.

كما أفاد شهود عيان بوجود اشتبكات عنيفة في أنحاء متفرقة من مدن العاصمة.

ولفترة محدودة يوم الثلاثاء، تمكن بعض المواطنين من التنقل والسفر على عجالة. كذلك، بعد مرور 4 أيام تمكن نحو 89 شخصاً  كانوا في محتجز قسري بمباني جامعة الخرطوم معظمهم طلبة وبينهم موظفون وأساتذة من الخروج مساء الثلاثاء والوصول الى أماكن أقل خطرا في مدينة الخرطوم.

من جهتها، أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية يوم الثلاثاء، ارتفاع عدد قتلى المواجهات المسلحة وسط المدنيين والعسكريين إلى 144 والإصابات إلى 1409، وهي إحصائية تشمل الذين تمكنوا من الوصول إلى المستشفيات فقط.

وتعيش عدد من مستشفيات العاصمة أوضاعا مأساوية بسبب انقطاع التيار الكهربائي والمعينات الطبية فيما تعرضت بعضها للقصف والاعتداءات، مثل مستشفى ابن سيناء في العمارات ومستشفى بشائر.

في وقت حذرت فيه وزارة الصحة، من أن المرافق الصحية في ولاية الخرطوم أصبحت على حافة الإغلاق، داعية إلى إيجاد حل مستدام لنقص إمدادات الطاقة وأكياس الدم.

كما طالبت اللجنه التمهيدية لنقابة أطباء السودان بتوفير مسارات آمنة لإجلاء أطباء قالت إنهم ما زالوا يعملون منذ اليوم الأول للمواجهات وتبديل الخدمة مع آخرين، وأوضحت أن المستشفيات مازالت تعاني نقصاً حاداً في المعدات الطبيه والمستلزمات الصحية.

وكانت إحدى شركات البترول، قد أعلنت توفير جازولين مجانا للطواريء لكل المستشفيات، أما هيئة مياة ولاية الخرطوم أصدرت بيانا بعدم قدرة موظفيها على إصلاح الأعطال في شبكات المياه.

تطورات ميدانية وسياسية

مع الساعات الأولى لصباح يوم الثلاثاء، عادت أصوات القصف الجوي في مناطق: “الرياض وأحياء شرق وجنوب الخرطوم، وحول القصر الرئاسي وشارع المطار وفي مدينة بحري شمال الخرطوم تعرض سوق بحري  لحريق ضخم تمدد حتى الكنيسة الإنجيلية”.

قبل أن تبدأ الولايات المتحدة برد فعل حاسم حيال ما يجري في البلاد، بعدما أجرى وزير الخارجية الأمريكي، انتوني بلينكين، محادثتين منفصلتين مع كلاً من قائدي الجيش والدعم السريع، حيث ناقش معهما وقف إطلاق النار لمدة 24 ساعة، بينما وافق قائد الجيش عبد الفتاح البرهان والجنرال شمس الدين الكباشي، على الهدنة الإنسانية، أشار الجيش في بيان إلى عدم علمه بأي تنسيق مع الوسطاء والمجتمع الدولي بشأن الهدنة.

ولاحقاً، تراجع  الجيش على لسان الكباشي معلناً التزامه بالهدنة ابتداء من الساعة السادسة مساء اليوم ولمدة 24 ساعة. غير أن هدنة سابقة طالب بها المبعوث الأممي في السودان فولكر بيرتس أمس الأول لم يلتزم بها الطرفان في الـ3 ساعات المحددة. كما فشل اتفاق الهدنة الجديد.

ترحيب لم يكتمل بالهدنة الإنسانية

بعد إعلان الأطراف عن اتفاق الهدنة، سرعان ما رحبت 16 جهة نقابية في تنسيقية التحالف النقابي بينها نقابة الصحفيين السودانيين ودعت الجيش للعدول عن موقفه وقبولها، لكن بحكم الأمر الواقع فقد خرقت الهدنة تماماً، بعد وقت وجيز من سريانها.

أيضاً، عبرت 42 كتلة مدنية من أحزاب وتنسيقيات لجان المقاومة عن مناهضتها للحرب ودعت للإيقاف الفوري لصوت البنادق وعدم قبول نتائجها مهما كانت.

وكشفت عن اعتزامها الاتفاق على آلية مشتركة لمتابعة التطورات وتنسيق المواقف ودعت بقية القوى المدنية لأخذ زمام المباردة والتوحد لإدانة الحرب، وحملت أطراف الحرب المسؤولية عن أي انتهاك لحقوق الإنسان.

في السياق، أعلنت قوى الحرية والتغيير ترحيبها بالبيان الصادر من القوى السياسية والمدنية والمهنية، وأشارت إلى  تواصلها مع الآلية الثلاثية والرباعية لدعم المبادرة.

وأضافت في بيان لها اليوم: “تواصلنا مع قيادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع حاثين إياهم على قبول مقترح هدنة الـ24 ساعة”، مشيرة إلى استمرار النقاش حول أحكام هذه الهدنة وآلياتها.

ودعت الحرية والتغيير إلى التصدي لفلول النظام البائد الذين ينشرون خطابات تأجيج الحرب وإشعالها رغبة في العودة إلى السلطة وشددت على ضرورة عزلها.

وضع السلاح والعودة للحوار

التقى عدد من الفاعلين السياسيين و موقعون على الاتفاق الإطاري ورؤساء حركات مسلحة عبر لقاء إسفيري نظمته الآلية الثلاثية تبادل فيه الحضور النقاشات حول الأحداث الجارية في السودان.

وأفضى اللقاء الى عدة نقاط أهمها دعوة طرفي الصراع الى وضع السلاح والعودة للحوار، كما وجه الموقعون دعوة لمكونات السودان السياسية والمدنية والاجتماعية لنبذ الخطابات التي تؤجج العنف، والعمل المشترك من أجل وقف الحرب فوراً.

كما ثمن الموقعون مبادرة الآلية الثلاثية والولايات المتحدة الأمريكية في التوصل لهدنة لأغراض إنسانية.