في الخامس من نوفمبر الجاري، أعلنت قوات الدعم السريع، استيلائها على معسكر الفرقة 15 مشاة بمدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، لتبسط بذلك سيطرتها على المعقل الثالث للجيش من أصل خمسة في الإقليم المحترق منذ 20 عامًا.
وسيطرت الدعم السريع أولًا على الفرقة 16 نيالا في صباح 26 أكتوبر، ثم الفرقة 21 زالنجي في 31 من الشهر نفسه، لتضم بذلك رقعًا أوسع في أرض دارفور، بالتزامن مع ارتكابها انتهاكات لم تتوقف منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي في السودان.
وبينما ينقل إعلام الدعم السريع ما يصفها بالانتصارات بتفانٍ تام، تصمت في المقابل بيانات الجيش لتثير تساؤلات عديدة حول مدى رغبة المؤسسة العسكرية في القتال من أجل دارفور، خاصة وأنه من المرجح أن سقوط الحاميتين 16 نيالا و15 الجنينة قد تم بانسحاب القوات الموجودة، وهذا ما أشار إليه قائد الدعم السريع في آخر تسجيل مصور منسوب إليه قال إنه بمناسبة تخريج دفعة جديدة من القوات.
في بداية اندلاع الحرب، صرح والي ولاية غرب دارفور السابق، خميس أبكر، في آخر ظهور له قبيل اغتياله بواسطة الدعم السريع، أن مدينة الجنينة تشهد هجومًا شرسًا، مشيرًا إلى أن الفرقة 15 مشاة لم تخرج حتى من ثكناتها لحماية المواطنين، أو لفرض هيبة الدولة.
وبين توسع الدعم السريع وخطط الجيش غير المعلن عنها، يرزح مواطنو دارفور تحت وطأة حرب طاحنة، دفعت بمئات الآلاف لترك منازلهم والهروب إلى داخل وخارج البلاد، ولاحقت البعض في الأماكن التي نزحوا إليها.
ظروف إنسانية قاسية
ومنذ اندلاعها؛ حكمت الحرب على السودانيين بظروف قاسية ورحلة مريرة لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا، حيث نزح ولجأ الملايين من ولايات السودان المختلفة إما خارج البلاد، أو نحو مدن لم تسلم من وعيد وصول الحرب إليها.
وبالرغم من أن جميع السودانيين قد أخذوا نصيبهم من ويلات الحرب، إلا أن الأمر اختلف عندما انتقلت الحرب إلى الإقليم المضطرب سلفًا، إذ لم تكن هي الأولى بالنسبة لدارفور التي تشهد حروبًا أهلية ونزاعات امتدت لعقدين من الزمن.
وفور انتقالها إلى دارفور، بدأت الحرب في اتخاذ وتيرة أعنف بالنسبة لبقية الولايات وتفرعت لتخرج من حيز صراع الجيش والدعم السريع إلى مليشيات متعددة لتتخذ طابعًا ينذر بحرب أهلية جديدة في دارفور.
وفي ظل هذه الظروف واجه المدنيون في دارفور، المأساة مجددًا بين موجات نزوح وتنقل بين معسكرات النزوح التي تقبع كذلك في سجل أهداف الدعم السريع.
منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة يونيسيف، ذكرت في تقرير أن الوضع في دارفور يشكل مصدر قلق خاص، مشيرة إلى أكثر من خمسة ملايين طفل في الإقليم يعيشون في خطر شديد، بينما قدرت عدد الأطفال الذين نزحوا بنحو 270 ألف بسبب القتال الدائر.
غرب دارفور
«نؤكد بأن ما يجمعنا بدولة السودان هي أرض دار مساليت، التي أصبحت جزءًا منه بموجب اتفاقية قلانى والتي نحن بصدد مراجعتها» اختتم بهذه العبارة سلطان دار مساليت سعد بحر الدين بيانه عقب خروجه من مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، منوهًا بأنه خرج بعد دخول الحرب في الجنينة يومها الخمسين، مشيرًا إلى أحداث دامية شهدتها المدينة وصفها بالمخطط المدروس.
وبحلول الرابع والعشرين من أبريل الماضي كانت شرارة الحرب في الخرطوم قد انتقلت إلى منطقة غرب دارفور التي تعد في الأصل منطقة هشة بالأساس وشهدت نزاعات دامية في السنوات الأربع الأخيرة.
تواصلت الاشتباكات في الجنينة لأيام وفي 27 أبريل هاجمت الدعم السريع الأحياء أسفر عن مقتل المئات وحرق مراكز إيواء للنازحين.
واستهدفت المليشيات الموالية للدعم السريع رؤوس وأعيان مجتمع المساليت في مدينة الجنينة، حيث قتل أولًا طارق عبد الرحمن بحر الدين، شقيق السلطان برفقة آخرين من الأعيان.
وفي يونيو تعرض والي غرب دارفور، خميس أبكر، للقتل والتمثيل بجثته وانتشر مقطع على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر أبكر غارقًا في دمائه وسط مسلحين بعد اقتياده من داخل مكتبه بواسطة مسلحين الى مكان غير معروف.
فيما تشير أصابع الاتهام إلى تورط الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها في الجريمة، حيث أظهر مقطع فيديو وهو يتم اقتياده إلى مكتب في وجود قائد الدعم السريع بغرب دارفور وعناصر من قواته. بالمقابل، أعلن الجيش في بيان اختطاف الوالي، متهمًا الدعم السريع باختطافه، مشيرًا إلى أن الوالي ليس جزءًا من الصراع.
وجاء مقتل الوالي بعدما أدلى بتصريح على إحدى القنوات الإعلامية، مستعرضًا الانتهاكات التي تعرضت لها الجنينة منذ 23 أبريل، وقال إن الوضع سيئ للغاية، مشيرًا لتوقف المستشفيات والانتهاكات التي طالت المدنيين وعمليات النهب والتدمير الواسعة التي تتعرض لها الجنينة، موضحًا أن الجيش لم يتدخل طوال الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة.
وضاق الحصار أكثر على الجنينة في الأيام التي أعقبت مقتل الوالي، حيث شهدت أعمال عنف وانتهاكات جسيمة للحد الذي دعا المنظمة العالمية أطباء بلا حدود الى وصفها «بالمكان الأسوأ على الاطلاق في العالم»، ودفعت أعمال العنف منذها إلى فرار أكثر من 500 ألف شحص إلى الجارة تشاد. فيما تواردت شهادات مرعبة من الناجين حول الأحداث التي شهدتها الجنينة والتي تعرض لها المدنيون طوال الطريق إلى الحدود التشادية – السودانية.
موجة جديدة من الانتهاكات
في الرابع من نوفمبر الجاري، أعلنت الدعم السريع سيطرتها على قيادة الفرقة 15 مشاة الواقعة ببلدة أردمتا شرقي شمال الجنينة بعد انسحاب الجيش من قيادته نحو منطقة «كلبس».
عادت الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها لترتكب مزيدًا من الانتهاكات في المنطقة التي أصبحت تحت سيطرتها وعادت لاستهداف الأعيان الاهلية واغتالت «الفرشة» محمد أرباب وهو بمثابة نائب سلطان دار مساليت في منطقته، وقتل ابنه وثمانية من أحفاده ببلدة أردمتا.
وتم تداول عدد من مقاطع الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر مجازر مروعة ارتكبت بحق المدنيين ببلدة أردمتا بواسطة الدعم السريع. وقال نائب منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنساني بدارفور، طوبي هاورد، في منشور على حسابه بموقع إكس أنه تلقى صورًا تظهر اغتيالات وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين داعيًا «أولئك الذين يتمتعون بالسلطة» لاحترام القانون الإنساني الدولي، وحماية المدنيين، وضمان سيادة القانون.
وسط دارفور
منذ سبتمبر الماضي تحاصر الدعم السريع معسكر الحصاحيصا للنازحين في مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، وشهدت المنطقة هجومًا واشتباكات متقطعة أودت بحياة 150 من المدنيين.
وفي أواخر أكتوبر هاجمت الدعم السريع بجانب مليشيات موالية لها حامية زالنجي أعلنت في أعقابه استيلائها على الفرقة 21 التابعة للجيش بمدينة زالنجي. وتسبب الهجوم على زالنجي في فرار الآلاف من المدينة.
شمال دارفور
شهدت مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال اشتباكات متقطعة طوال السبعة أشهر الماضية، إلا أن المعارك اشتدت في أواخر أكتوبر الماضي، حيث شهدت اشتباكات عسكرية عنيفة بين الجيش والدعم السريع بعد إعلان الأخيرة سيطرتها على حاميتي نيالا وزالنجي، في وقت تحتضن فيه الولاية آلاف النازحين، بحسب مفوضية العون الإنساني في آخر حصر لها في 22 أكتوبر الماضي.
في الثامن من نوفمبر عادت الدعم السريع لتعلن في منشور على منصة «إكس» استيلائها الكامل على اللواء 24 مشاة بمنطقة أم كدادة فيما أطلقت تحذيرها الأخير للفرقة السادسة بالفاشر، ونشرت قواتها في المنطقة. وقال شهود على إن البلدة التي نزح اليها مواطنو المدن المجاورة شهدت أعمال عنف أدت إلى مقتل مدني ونهب منازل المواطنين، وممتلكاتهم فضلًا عن نهب السوق الكبير.
دفعت الاشتباكات العنيفة بالفاشر والي ولاية شمال دارفور نمر عبد الرحمن إلى حث مواطني المدينة على مغادرة المناطق الواقعة في دائرة اشتباكات طرفي الصراع.
وخلال الأشهر الماضية، نزح عشرات الآلاف من ولايات وسط وجنوب وغرب دارفور إلى الفاشر. وفي تصريح لـ«بيم ريبورتس» قال المنسق العام بغرفة طوارئ نيالا، إدريس مناوي، إن هناك 9 مدارس لإيواء نازحي نيالا بالفاشر، مشيرًا إلى أن الولاية لم تتمكن من فتح مراكز للنازحين الجدد القادمين من نيالا، مشيرًا إلى توزيعهم في معسكر زمزم للنازحين.
من جهتها، نددت الولايات المتحدة بالتقارير الواردة حول نية الدعم السريع الهجوم على الفاشر في مطلع نوفمبر، ورأت أن من شأن الهجوم أن يعرض المدنيين ومئات الاف النازحين الذين فروا إلى الفاشر للخطر، مشيرة إلى فشل الجيش والدعم السريع في التزاماتها بحماية المدنيين السودانيين و منع سقوط الضحايا.
جنوب دارفور
ظلت ولاية ولاية جنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا تعيش تحت وطأة النيران المدمرة لأشهر متواصلة.
وفي أغسطس الماضي أعلن الجيش اغتيال قائد الفرقة 16 في نيالا على يد الغدر والخيانة بينما لم يوضح تفاصيل أوفر حول مقتله.
وشهد أغسطس معارك دامية بين الجيش والدعم السريع راح ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى وفي 19 أغسطس قتل أكثر من 40 مدني إثر قصف جوي عنيف نفذه الجيش في منطقتي السكة حديد وكبري طيبة في مدينة نيالا، بحسب هيئة محامي دارفور.
ومع اشتداد وتيرة المعارك، أعلنت القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة إجلاء المدنيين من نيالا بعد إعلان الدعم السريع سيطرتها على مقر الفرقة 16 التابعة للجيش والتي تعد أكبر حامية عسكري في غرب البلاد.
وفي أعقاب سيطرتها على المدينة، أبرزت شهادات شهود استباحة الدعم السريع لنيالا، حيث شهدت عمليات نهب وفوضى أمنية واسعة دفعت آلاف المدنيين إلى الهروب منها، كما شملت الانتهاكات عمليات اغتيالات واعتقالات.
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا» أعلن في مطلع نوفمبر الجاري عن مقتل 17 شخص على الأقل في نيالا وإصابة عشرات إثر الاشتباكات الدائرة بين الجيش والدعم السريع، وتحدث التقرير عن نزوح أكثر من 17 الف شخص من أحياء نيالا المتضررة من القتال.
شرق دارفور
تعيش ولاية شرق دارفور هدوءًا حذرًا منذ اندلاع الحرب ويعود ذلك لعقد الإدارات الأهلية اتفاقا بين الجيش الدعم السريع في المنطقة لتجنب اندلاع صراع مسلح بين الطرفين، وألزمت الإدارات الأهلية الجيش والدعم السريع بموجب الاتفاق بالبقاء في مقارهما، على أن تحدد الإدارات الأهلية تحركات الطرفين.
جعل ذلك من ولاية شرق دارفور ملاذًا آمنًا لمواطني الإقليم الفارين من ويلات الحرب في بقية المناطق، حيث استقبلت الولاية أكثر من 80 ألف نازح حتى سبتمبر الماضي.
لكن الوضع كاد أن ينفجر حيث شهدت مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور توترات أمنية على خلفية عمليات نهب وخطف طالت مواطنين تحت تهديد السلاح.
وفي أواخر أكتوبر صادرت الدعم السريع شحنة أسلحة كانت في طريقها للجيش، ما دفع الجيش إلى نشر قواته خارج مقاره ردًا على الخطوة التي قامت بها الدعم السريع، وقبل أن ينفجر الوضع تدخلت وساطات من الإدارة الاهلية وأعادت شحنة الأسلحة للجيش مرة أخرى.
مصير الإقليم
في وقت ينتحب فيه الإقليم على وقع الموت والتدمير تضاف مأساة جديدة لسجل دارفور الحافل بالحروب، بينما تتجول آلة الحرب بين الولايات الخمس متخذة شكلًا جديدًا للعنف في كل رقعة تطأها.
وعلى قدر سيطرتها يأتي حجم انتهاكات الدعم السريع وفظائعها التي لم تفلح اتفاقية أو مناشدة لوضع حد لها، فيما يلتزم الجيش السوداني صمتًا مريبًا حول الأحداث في دارفور.
أما بالنسبة للمدنيين الذين يكتوون بنار الحرب الدائرة في دارفور تصبح الأخبار الميدانية العسكرية ومآلات النصر والخسارة ضربًا من عدم الاتساق، حيث أنهم يتجرعون مرارة الحرب على كل حال، في وقت يعلمون فيه جيدا أن الطرفين قد اتفقا على مسألة واحدة وحسب، وهي مواصلة الحرب دون الالتفات إلى أدنى مستويات التحلي بالمسؤولية وتقدير لحجم خسائرهم.
وفي العام 2003 تفجرت الحرب في إقليم دارفور، بعدما تمردت حركات مسلحة على الحكومة المركزية في الخرطوم، وبعد خمس سنوات نشرت في عام 2008 بعثة حفظ سلام مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي يونياميد، كان قوامها 20 ألف جندي.
وفي مارس 2009، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس المخلوع، عمر البشير، بتهمة بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، ولاحقًا شملت وزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين، وقبلاً كانت قد صدرت مذكرات توقيف بحق قائد المليشيات السابق، علي كوشيب والقيادي بحزب المؤتمر الوطني المحلول، أحمد هارون.
كان السودانيون، رغم التوترات العسكرية التي بلغت ذروتها، منهمكون في قضايا حياتهم اليومية، وعشرات الملايين بينهم يستعدون لاستقبال العيد، عندما عادوا إلى دورة الحروب ثانيةً، لكن من قلب العاصمة الخرطوم، هذه المرة.
منذها؛ أي في أعقاب انطلاق الرصاصة الأولى، في صباح الخامس عشر من أبريل الماضي بالخرطوم، لم يعد السودان البلاد التي عرفوها، وانحدرت حياتهم، تحت أزيز الطائرات ودوي المدافع وغيرها من الأسلحة، في متتالية هندسية من القتل والدمار والموت والنزوح واللجوء والمرض والتهجير القسري، وفقدان كل ما لم يختاروا فقدانه.
اليوم؛ تُكمل حرب المدن التي اندلعت فوق رؤوس الملايين، بين الجيش السوداني، ووحدته السابقة قوات الدعم السريع، ستة أشهر منذ بدايتها، راسمةً خريطة واسعة من الفوضى الدامية والمدمرة.
كما أن الحرب لم تعد محصورة بين الجيش والدعم السريع، وعبر فوهة البندقية فقط، إذ تتوسع خارطتها الجغرافية يومًا بعد يوم، وتتنوع أدواتها المدمرة في وضع حد لحياة السودانيين وآمالهم بالسلام.
اتساع رقعة الحرب
كان مبلغ الآمال ألا تتمدد الحرب، وأن تحصر في مكمنها وتحل، لكن الحريق امتد شمالًا بشكل نسبي، ثم انتقلت غربًا على مدى رقعة جغرافية واسعة النطاق، قبل أن تتوطن جنوبًا، فيما لا يزال مركزها الخرطومي نازفًا ومشتعلًا.
حوالي 10 آلاف شخص فقدوا حياتهم، ويعتقد أن العدد أكبر من ذلك بكثير، وأضعافهم من المصابين، ونحو 6 ملايين نازح داخلي ولاجئ في دول جوار السودان، بالإضافة للأعداد غير المعروفة للعسكريين الذين قتلوا وأصيبوا في الحرب من كل الأطراف.
قائمة طويلة من الفقد والخسارة بأشكالهما المختلفة، يتشاركها أكثر من 40 مليون سوداني، على وقع الاختلاف عبر السلاح، الذي وسم تاريخ ثالث أكبر بلد أفريقي منذ استقلاله في 1956، غير أنها خسارة محملة بمخاطر الانقسام مجددًا، كما المرات السابقة، مع فرق أنها تأتي على أسس ما قبل الدولة.
تفاقم الأزمات
لم يكن السودان قبل الحرب، بعيدًا عن الأزمات الخانقة في شتى المجالات، والصراع السياسي والعسكري، ومع ذلك لا يبدو في مخيلة بناته وأبنائه بعد ستة أشهر منها، أقل من جنة دمرتها الأخطاء الاستراتيجية المتراكمة والشقاق السياسي.
إنسانيًا، وسياسيًا، وأمنيًا، وعسكريًا، وصحيًا، واقتصاديًا وكل مقومات الحياة، أصبحت حلمًا بعيد المنال، بعد ستة أشهر من حرب المدن الدامية، رسمت كثيرًا من الظلمة العاتية والقليل جدًا من الأمل بالنجاة بالنسبة للسودانيين.
وبلغ عدد الفارين من الحرب في السودان، منذ اندلاعها وحتى 11 أكتوبر الجاري، ما يزيد عن 5.8 مليون شخص. حيث شهدت الأشهر الماضية عدداً من موجات النزوح، وجاء بعضها داخليًا إلى الولايات التي لم ينتقل إليها الصراع، حيث تجاوز عدد النازحين في الداخل الـ 4.5 مليون شخص، يتوزعون على نهر النيل، جنوب دارفور، شرق دارفور، ولاية الجزيرة، الولاية الشمالية، شمال دارفور. بينما لجأ ما يزيد عن الـ 1.2 مليون شخص إلى دول الجوار «مصر، جنوب السودان، إثيوبيا، تشاد، ليبيا وأفريقيا الوسطى» ودولٍ أخرى. فيما لا يزال آلاف المواطنين محاصرين في المدن الكبرى.
وما تزال موجات النزوح مستمرة إلى اليوم، والتي كان آخرها الخميس الماضي، عندما نزح عدد من سكان مدينة الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، من الأحياء الغربية، التي تشهد اشتباكاتٍ مستمرة، إلى الأحياء الشرقية الأقل عنفاً.
أزمة إنسانية متفاقمة
تسببت الحرب في أزمة إنسانية مريعة تضاعفت مع استمرار الحرب. قتل ما يزيد عن تسعة آلاف شخص وفق منظمة أكليد المتخصصة في جمع بيانات النزاع وأحداثها مع إكمال الحرب شهرها السادس.
ويعيش ملايين السودانين في ظروف عصيبة، ويستحيل على الكثيرين توفير متطلبات الحياة اليومية من طعام ودواء، بالإضافة للحصول على الخدمات والعلاج والدواء. وكانت الأمم المتحدة قد أشارت في سبتمبر الماضي إلى أن أكثر من ستة ملايين شخص في السودان على بعد خطوة واحدة من المجاعة، وأن هذه الأعداد ستزداد مع استمرار الحرب. ولفت تقرير لمنظمة الغذاء العالمي الفاو، في أغسطس الماضي، إلى أن أكثر من 6.2 مليون شخص في السودان يصنفون ضمن مستوى الطوارئ، فيما يحتاج 24.7 مليون شخص للمساعدات الإنسانية.
الصحة والتعليم
بلغت نسبة المرافق الصحية المتوقفة عن العمل في المناطق التي تشهد اشتباكات مسلحة 70% ، خلال أكتوبر الجاري، فيما تعاني المناطق الأخرى من ضغط كبير بسبب نزوح السكان، يأتي ذلك بالتزامن مع تفشي الوبائيات التي تتمثل في الكوليرا وحمى الضنك والملاريا.
وتفاقم سوء الأوضاع الإنسانية بمجئ الخريف، مع بداية يوليو الماضي، إذ تأثر 72 ألف شخص في 17 محلية بسبع ولايات جراء الفيضانات والأمطار وفقًا للوحة بيانات فيضانات السودان لعام 2023. حيث تضرر نحو 12 ألف منزل، مما تسبب في تأثر وتضرر 80 ألف شخص، كما لقي أكثر من 10 أشخاص مصرعهم في مناطق عدة بولاية نهر النيل، شمالي البلاد.
أثرت الحرب أيضًا على التعليم في مراحله المختلفة، وكان للأطفال النصيب الأكبر، حيث أن 19 مليون طفل لا يتلقون تعليمهم، ما يعني أن واحد من بين كل ثلاثة أطفال خارج أسوار المدارس، كما يصعب استعادة مسار التعليم بكل مراحله بسبب الدمار الذي طال مؤسسات التعليم. بالإضافة إلى اتخاذ المدارس كمراكز لإيواء النازحين.
العمل في ظروف صعبة
منذ اندلاع الصراع، تعمل المنظمات الإنسانية في السودان في ظروف غير آمنة، الأمر الذي تسبب في مقتل 19 من العاملين في الحقل الإنساني، علاوة على ظروف شح الوقود ومحدودية شركات النقل التجارية وتضخمًا في تكاليف النقل، مما يخلق تحديًا أمام إتاحة الوصول إلى المحتاجين، لا سيما في المناطق التي يصعب الوصول إليها في الخرطوم وولايات دارفور.
وهناك عقبات أخرى تتمثل في تعليق 221 تأشيرة مقدمة من المنظمات غير الحكومية الدولية، ولم يجر تجهيز سوى 22 % فقط من طلبات التأشيرات المقدمة من المنظمات غير الحكومية الدولية وذلك حتى 4 أكتوبر ولم يبت في أمر بعض طلبات التأشيرات لأكثر من أربعة أشهر ولم تجهز سوى 23 % من الطلبات المقدمة إلى الأمم المتحدة منذ 20 أغسطس.
ومع استمرار الصراع وتصاعد وتيرة العنف وغياب الدور الحكومي، ما يزال المواطن السوداني يعيش ظروفًا معيشية وصحية صعبة في ظل ترد أمني مستمر.
اقتصاد يتداعى
يبدو الحديث عن الاقتصاد السوداني، بعد ستة أشهر من الحرب، ضربًا من ترف الخيال وخيطًا رفيعًا من الأمل. خدميًا، تآكلت البنية التحتية بوتيرة متسارعة تحت نيران الحرب، فيما يعجز القطاع الحكومي عن الإيفاء بمستحقات عامليه للشهر السادس على التوالي، في وقت تتعقد الأزمة المعيشية والإنسانية تحت وطأة الدمار الهائل وفقدان مصادر الدخل والأعباء التي ألقت بها الحرب على كاهل المواطنين.
في المقابل، تصرف حكومة الأمر الواقع، أنظارها عن الثمن الباهظ الذي يدفعه المواطنون في الحرب، بدايةً بتوفير السلع الأساسية في ظل غلاء طاحن وانعدام للسيولة وارتفاع في تكاليف التنقل وتذاكر السفر، وهو العامل الأول الذي اصطدم به السودانيون عند اندلاع الحرب في محاولتهم للهروب من مناطقهم التي أصبحت ساحات للقتال بين الجيش والدعم السريع.
وفي وقت تغيب فيه مظاهر الحكومة في المناطق التي تشهد صراعًا مسلحًا، تتعمق الأزمة الاقتصادية في ظل انهيار للبنى التحتية ودمار هائل يطال جميع مؤسسات الدولة المركزية والمباني الحيوية، التي إما تعرضت للتدمير، أو تحولت لثكنات عسكرية.
وتسبب انعدام الأمن والمواجهات المسلحة المستمرة لستة أشهر في خروج مئات المنشآت العاملة في القطاع الصناعي والتجاري عن الإنتاج تمامًا، ليزيد ذلك من أعباء المواطنين بارتفاع تكاليف السلع، بسبب توقف سلاسل الإمداد.
صورة توضح احتراق شركة النيل للبترول
عاد الاقتصاد السوداني، الذي تنفس الصعداء، على الأقل في مستوى الآمال، في أعقاب تولي الحكومة الانتقالية السلطة في 2019، إلى الانتكاس بسبب تداعيات انعدام الاستقرار السياسي، بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021.
ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل الماضي، لم تتمكن الحكومة من حساب أو الإعلان عن مستويات التضخم، في وقت يُلاحظ فيه ارتفاع هائل في أسعار السلع الاستهلاكية، إلى جانب غلاء في جميع مستويات المعيشة، فضلًا عن انخفاض متسارع لقيمة الجنيه السوداني، حيث يتم تداوله بأكثر من 800 مقابل الدولار الأمريكي.
وقدر وزير المالية السابق، إبراهيم البدوي، حجم الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية بنحو 60 مليار دولار، منوهًا بأن الوضع سيزداد سوءًا في حال استمرار الحرب في السودان.
وقبيل نشوب الحرب بشهر واحد، أعلن وزير المالية بحكومة الأمر الواقع، جبريل إبراهيم، أن الوزارة رصدت مبلغًا يصل لخمسة تريليونات جنيه لموازنة العام 2023، والتي تواجه في الأصل عجزًا يقدر بنسبة 15%.
أجيزت الموازنة في ظل وضع سياسي محتقن و ضائقة معيشية خانقة، قالت الوزارة وقتها إنها ستعتمد على سد عجز الموازنة من خلال الاستدانة من بنك السودان المركزي، الى جانب اعتمادها بشكل كبير على الجبايات والضرائب.
فضلا عن جميع العوامل التي تشير الى هشاشة موازنة هذا العام، اصطدمت بعوامل أخرى أفرزتها الحرب المستمرة والمواجهات العسكرية التي أخرجت القاعدة الصناعية بالبلاد عن الخدمة، وألحقت أضرارًا جسيمة بالمصرف المركزي والمصارف الأخرى، كما توقفت حركة التجارة والبيع وانقطعت الخدمات المالية وخدمات الاتصالات والتكنولوجيا والمعلومات، وتضررت المرافق الصحية والتعليمية بشكل كبير.
وبحسب صندوق النقد الدولي من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد السوداني بنسبة 18٪، أما البنك الدولي فيتوقع انكماشه بنسبة 12% في عام 2023، على أن يتباطأ الإنكماش إلى ما يقرب من 0.2 % في المتوسط بين عامي 2024 و 2025 في حال تمكنت الأسر والشركات من التكيف مع الأزمة.
ويضيف في تقرير، بأنه من الممكن أن يؤدي الصراع الذي اندلع في أبريل 2023 إلى إرجاع تنمية السودان عدة عقود إلى الوراء وأن تتأخر مجهودات إعادة الإعمار حتى بعد انتهاء الحرب بسبب الوضع الهش للدولة التي ستخلفه الحرب والعجز عن توفير الخدمات الأساسية .
يتضافر مع جميع ما سبق، فشل الموسم الزراعي في السودان الى حد كبير لهذا العام، ومن المتوقع أن تزداد حدة أضرار الحرب على الموسم القادم بسبب محدودية الوصول إلى المواد الأساسية من أسمدة وبذور وتمويل، فضلًا عن نزوح العمالة و المزارعين و تركهم مناطق زراعتهم. بالإضافة إلى احتمالية انحسار في العرض الزراعي في الأسواق المحلية، والصادرات الرئيسية «الذهب والسمسم الصمغ العربي، والثروة الحيوانية»، الأمر الذي سينعكس مباشرة على الأسر الزراعية، و التي تمثل 44% من القوى العاملة السودانية، حيث سيتدمر دخلهم السنوي في حال انحسر الاستهلاك.
في ظل هذه كل الظروف، تثور التساؤلات حول الخطط الإسعافية لوزارة المالية لمعالجة الأزمة الحالية، في وقت لم تتمكن المالية بإيفاء أي من مستحقات الموظفين الحكوميين، إلا بشكل محدود، ولم تتمكن من نشر أرقام حقيقية حول نسب التضخم الذي أصبح ارتفاعه واضحًا يتمظهر في جميع جوانب الحياة.
صورة توضح احتراق مصنع سيقا للغلال
إرهاصات الحرب
بعد أربع سنوات تمامًا، من استيلائهما على السلطة في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير في أبريل 2019، ومرورًا بالفترة الانتقالية وانقلاب 25 أكتوبر 2021، انهارت ثنائية قائدي الجيش والدعم السريع عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو «حميدتي»، عبر الحرب، كتتويج لخلافات سياسية وعسكرية ظلت تعتمل، واستحالة استمرار إدارة الجيش عبر قائدين.
كان العديد من المراقبين، يعتقدون أن المواجهة بين الجنرالين محتومة وأنها مسألة وقت، باعتبار أن تضارب المصالح بينهما سيؤدي في نهاية المطاف إلى محاولة كل طرف الانقضاض على الآخر وسحقه.
إلا أن تطور العملية السياسية لاحقًا، بتوقيع الاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022، أنعش الآمال باحتمالية التوصل إلى حل سلمي للأزمة والذي كان من المفترض أن يمهد لعملية إصلاح أمني وعسكري، يمكنها أن تحول دون المواجهة العسكرية.
البرهان وحميدتي
بداية الحرب والموقف العسكري قبيل اندلاعها
يبلغ عدد جنود «الجيش السوداني» حوالي «250» ألف بينهم «100» ألف قيد الخدمة، في ما يصل عدد مقاتلي قوات الدعم السريع حوالي «100» ألف جندي أيضًا. ويتفوق الجيش السوداني – بالإضافة إلى الدبابات والمدرعات والآليات الثقيلة – بامتلاكه لسلاح الجو والذي لا يتوافر لدى قوات الدعم السريع.
عسكريًا، يسيطر «الجيش السوداني» بشكل كامل على ولايات شرق وشمالي السودان والنيل الأبيض «6» وبشكل شبه كامل على الجزيرة «1» وإقليم النيل الأزرق «2» وغالبية ولايات كردفان «3».
في وقت لم تحسم السيطرة بشكل مطلق على ولايات إقليم دارفور الخمس والعاصمة السودانية الخرطوم. في غرب دارفور تسيطر الدعم السريع على معظم مدينة الجنينة عاصمة الولاية، بينما لا يزال الجيش متحصنًا بحاميته العسكرية القوية بكامل عتاده الحربي، فيما لم يندلع قتال في شرق دارفور في الأساس.
خارطة السيطرة في الخرطوم
العاصمة السودانية الخرطوم، وهي مهد الحرب، تعد من أكثر المدن التي تشهد نشاطًا للعمليات العسكرية بشكل يومي، في محاولات مستميتة من قبل طرفي القتال للسيطرة عليها نسبة لثقلها السياسي ورمزيتها.
وتتكون ولاية الخرطوم من ثلاث مدن كبرى، هي الخرطوم، أم درمان وبحري. في مدينة الخرطوم، تنتشر «الدعم السريع» في معظم أنحائها، لكنها فعليًا تسيطر على القصر الرئاسي، بالإضافة إلى مصنع «اليرموك» العسكري ومقر قيادة «الاحتياطي المركزي» ومعسكر طيبة وبعض الوحدات الصغيرة الأخرى. فيما يحتفظ الجيش بمنطقة الشجرة العسكرية أحد معاقله الاستراتيجية والقيادة العامة. في وقت يتقاسم الطرفان السيطرة على مطار الخرطوم الدولي، لكن ليس واضحًا مدى سيطرة كل طرف.
بالنسبة للجسور النيلية التي تربط مدن العاصمة الثلاث تتفاوت السيطرة بين الطرفين، حيث يسيطر الجيش على جسر النيل الأزرق الذي يربط الخرطوم ببحري بشكل كامل، كما يسيطر على جسر النيل الأبيض بشكل كامل، وجزئيًا من جهة أم درمان على كبري الفتيحاب، أيضًا يسيطر على جسر الحلفايا الذي يربط أم درمان ببحري من جهة أم درمان.
في المقابل، تسيطر الدعم السريع بشكل كامل على جسر شمبات أحد خطوط إمدادها الاستراتيجية الذي يربط أم درمان ببحري، وأيضًا جسر سوبا بين الخرطوم وبحري والمنشية الذي يربط الخرطوم بمنطقة شرق النيل، فيما يتقاسم الجانبان السيطرة على جسري المك نمر وكوبر.
وتنتشر عناصر الدعم السريع بشكل مكثف داخل الأحياء حيث تحتل المنازل والمؤسسات المدنية، الأمر الذي ساهم في تحويل الحرب إلى حرب عصابات ومدن، ليصبح طول أمد المعارك وصعوبة حسمها هي الصفة السائدة.
مدينة أم درمان:
تعد مدينة أم درمان من أكبر مناطق العاصمة الخرطوم التي يفرض فيها الجيش نفوذه، إذ يسيطر على شمال المدينة بالكامل وأجزاء من جنوبها القريب وجنوبها الأقصى في جبل أولياء، بينما تسيطر الدعم السريع على أحياء الصالحة وجزء من منطقة الفتيحاب جنوبًا، فيما توجد بشكل كبير في منطقة أم بدة غربي أم درمان.
ويستفيد الجيش في أم درمان من معاقله الاستراتيجية؛ مثل منطقة وادي سيدنا العسكرية شمالًا وسلاح المهندسين جنوبًا والذي يستخدم بشكل مكثف الطائرات المسيّرة والتي تعد عاملًا مؤثرًا في تحجيم قدرات قوات الدعم السريع، لاتصاف هذا الأسلوب الجديد من الحرب بقلة التكلفة والكفاءة العالية في إصابة الأهداف العسكرية.
مدينة بحري:
تغلب عليها سيطرة قوات الدعم السريع في معظم مناطقها، بالإضافة إلى منطقة شرق النيل، حيث تتوسع فيها داخل الأحياء، كما تنتشر جنوبًا حتى مناطق «العيلفون» والتي سيطرت عليها مطلع أكتوبر الجاري، لكن أكبر المنشآت المدنية التي تسيطر عليها هي مصفاة الجيلي لتكرير البترول، وتعد المنطقة الأكثر هدوءًا من حيث العمليات العسكرية في الخرطوم.
شمال كردفان
تعتبر مدينة الأبيض منطقة تماس بين مناطق سيطرة الدعم السريع غرب السودان، ومناطق سيطرة الجيش شرقًا.
ظلت عاصمة ولاية شمال كردفان – والتي تضم أحد أكبر المطارات الإقليمية المهمة – تشهد من اشتباكات متفرقة منذ بداية الحرب من حين لآخر، كانت أكثرها كثافة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة.
يمتلك الجيش السوداني فيها الفرقة الخامسة مشاة والتي تعرف بـ«الهجانة». ومازالت محاولات الدعم السريع متواصلة لإخضاع المدينة لسيطرتها، لكن حتى الآن باءت كلها بالفشل، حيث يفرض الجيش سيطرته على معظمها.
إقليم دارفور
يعتبر إقليم دارفور غربي البلاد، بالإضافة إلى الخرطوم، أكثر مناطق السودان تأثرًا بالحرب الدائرة، لأهميته الاستراتيجية من حيث اتساع رقعته الجغرافية وثرائه بالموارد، واعتباره المنفذ الأساسي لقوات الدعم السريع لاستقطاب الدعم العسكري من خارج البلاد وفق ما أشارت تقارير صحفية عديدة، لذا يعتبر الإقليم ثقلًا استراتيجيًا مهمًا لقوات الدعم السريع.
وتسيطر الدعم السريع في الإقليم بشكل شبه كامل على مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور الحدودية مع دولة تشاد، بينما تدور اشتباكات متواصلة من حين لآخر في مدينة «الفاشر» عاصمة شمال دارفور و«زالنجي» في وسطها. بينما تعتبر الاشتباكات في «نيالا» جنوبي دارفور هي الأعنف في الفترة الأخيرة.
الجنوب
عنوان النزاع الأبرز في جنوب السودان – مع وجود مناوشات مسلحة في ولاية النيل الأزرق- هو ولاية جنوب كردفان حيث الوجود الكثيف للحركة الشعبية – شمال بزعامة عبد العزيز الحلو والذي تسيطر قواته على مناطق واسعة داخل الولاية قبيل اندلاع الحرب، لكنه بعدها، تمدد وسيطر على بعض حاميات الجيش الصغيرة بداية من يونيو الماضي.
ومع ذلك، تدور الاشتباكات بشكل متقطع بين الجيش السوداني والحركة الشعبية في مدينتي «كادوقلي» عاصمة الولاية، ومدينة «الدلنج» ثاني أكبر مدنها والتي كانت محط الصراع خلال الأيام الماضية.
وتسبب الصراع بين الجيش والحركة الشعبية في نزوح عشرات الآلاف داخليًا، خاصة من مدينة كادقلي عاصمة الولاية.
سياسيًا؛ لم يحدث أي اختراق قد يساهم في إيقاف الحرب في ظل انقسام داخلي كبير. ومع حديث جميع الأطراف تقريبًا، عن ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار دائم، إلا أنه لم تتم بلورة أي مبادرة مشتركة تمهد الطريق إلى ذلك.
أما على المستوى الإقليمي والدولي، طرحت العديد من المبادرات الساعية إلى إيقاف الحرب في البلاد، أبرزها منبر جدة الذي تتوسط فيه السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من توقيع طرفي القتال في 12 مايو الماضي إعلان جدة، والذي بدأ بإعلان هدن قصيرة، كان من المنتظر أن تتحول إلى وقف طويل الأمد لإطلاق النار، إلا أنه فشل في تحقيق هذا الأمر، لكنه مع ذلك ما يزال النافذة السياسية الأكثر حظوظًا لوضع حد للحرب التي تعصف بالبلاد منذ ستة أشهر.
بالنسبة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا أعلنت التزامها بالحياد تجاه القتال بين الجيش والدعم السريع، كما تتشارك الموقف نفسه حول ضرورة إيقاف الحرب، لكنها مع ذلك تختلف حول تصوراتها لحل الأزمة.
فيما يتعلق بالحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق سلام جوبا، بينما تقاتل الحركة الشعبية – شمال الجيش السوداني في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق «المنطقتين»، تمددت حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور خارج مناطق سيطرتها في إقليم دارفور، لكن من دون قتال مع الجيش حتى الآن.
مع انغلاق أفق الحل السياسي بعد ستة أشهر من عمر الحرب والتي عاشها السودانيون، ويعيشونها عبر اجتراح طرق للنجاة من آثار الحرب المدمرة، ليستيقظ السودانيون وهم، بدلاً من مواجهة معارك الحياة اليومية، يجدون أنفسهم في مواجهة الموت والاغتصاب، والتهجير والشتات. مواجهة تزداد عنفاً يوم بعد آخر، مستدعين تاريخ الأسلاف المليء بالحروب والمعاناة، وكأنهم يقولون إن آلاف السنين من الحياة والوجود على هذه الأرض لن تهزمها الحرب.
أفاق السودانيون، في صباح الخامس عشر من أبريل على وقع أصوات المدافع، وقبل أن يفيقوا من هول الصدمة، طُرحت الأسئلة على منصات التواصل الاجتماعي، من خطط وجهز للحرب؟ ومن أطلق الرصاصة الأولى فيها؟ ومن هم الفاعلين فيها على أرض الميدان، أو في ميدان السياسة؟.
كانت هذه الأسئلة تنتظر أجوبة من القوى الفاعلة، جاء بيان قوات الدعم السريع بعد ثلاث ساعات من اندلاع الحرب حمل فيه الجيش مسؤولية إشعال الحرب وقالت في البيان إنها «فوجئت بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل الى مقر وجود القوات في أرض المعسكرات سوبا بالخرطوم»، وبالتالي، فإن الجيش هو من أطلق الرصاصة الأولى واعتبرت ذلك سببًا للتحرك في جميع أنحاء البلاد.
استغرق رد الجيش مفندًا 3 ساعات أخرى، متهمًا «الدعم السريع» بمحاولة السيطرة على مواقع استراتيجية تشمل القصر الجمهوري، والقيادة العامة للجيش. وبحسب هذه الرواية، اعتبر أن ما قامت به قوات الدعم السريع تمردًا على سلطة الدولة، وحملها مسؤولية جر البلاد إلى العنف.
ومثلما تبادل أطراف الصراع الاتهامات، جاءت بيانات القوى السياسية لتدلوا بدلوها، حيث أصدرت قوى الحرية والتغيير بيانًا في السادس عشر من أبريل حملت فيه فلول النظام البائد «حزب المؤتمر الوطني المحلول» مسؤولية إشعال الحرب والتخطيط لها، ودعت قيادتي الجيش والدعم السريع إلى وقف القتال فورًا. بينما أصدرت الحركة الإسلامية السودانية، بيانًا أعلنت فيه تأييدها للجيش ونفت مسؤليتها عن إشعال الحرب، وحملت مسؤولية إشعال الحرب إلى من أسمتهم بعملاء الإطاري.
هذه الروايات المتضاربة والاتهامات المتبادلة، شكلت البيئة الأكثر خصوبة لصناعة المعلومات المضللة، وبالتالي نشطت الأطراف في نشر وصناعة معلومات كاذبة ومضللة، تخدم رواياتها للحرب وتروج لدعايتها الإعلامية.
المعلومات المضللة المتعلقة بسير المعارك والسيطرة:
امتد تضارب الحقائق بين الأطراف المتحاربة من مسؤولية بدء الحرب، إلى السيطرة على الأرض فكانت، «قاعدة مروي الجوية – القصر الجمهوري – الإذاعة والتلفزيون – مطار الخرطوم الدولي»، أكثر المواقع التي تنازع عليها طرفي الصراع، وقد صاحبتها جملة من المعلومات المضللة التي صدرت من المنصات الرسمية لطرفى النزاع، في بواكير الصراع ولا تزال الاتهامات متبادلة إلي يومنا هذا.
الحملات على النطاق الداخلي:
مثلت الأشهر الستة الأخيرة، مناخًا خصبًا لكافة أشكال التضليل الإعلامي والمعلوماتي، الأمر الذي ساهم في تغييب الحقيقة عن الرأي العام وخلق وضع ضبابي، أثر على المتلقين وتشويش رؤيتهم حول الوضع الراهن.
مورست عمليات التضليل المذكورة في شكل حملات مخطط لها. وفيما يلي تستعرض «بيم ريبورتس» أبرز تلك الحملات التي دارت في الفضاء الرقمي السوداني، خلال سته أشهر من الحرب.
1. الحملات التي استهدفت القوى المدنية والمرافق والشخصيات العامة
مورست حملة ممنهجة استهدفت القوى المدنية الفاعلة في الشأن السوداني، حيث تمت مواجهة الجانب المدني بعدد من أنماط التضليل، بينها صياغة البيانات والتصريحات ونسبها إليهم منذ بدء العملية السياسية التي انبثق منها الاتفاق الإطاري وإلى حين اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل الماضي.
بالإضافة إلى ذلك، تم استهدافهم بالأخبار المزيفة في فترات النشاط السياسي الذي يقومون به سواء، أكان داخليًا أو خارجيًا، كما طال التضليل المرافق المدنية، وممثلي البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، والشخصيات العامة ذات الأثر على الواقع السياسي السوداني.
2. الحملات التي استهدفت الجيش
أشارت دراسة بيئة المعلومات المضللة في الفضاء الرقمي السوداني التي أجرتها «بيم ريبورتس» في نوفمبر من العام 2022، أن الجيش وجهاز المخابرات العامة، من الجهات الفاعلة في الفضاء الرقمي السوداني، والآن باعتبار الجيش أحد طرفي النزاع، يؤثر في صناعة المعلومات المضللة في الفضاء الرقمي السوداني، ويتأثر بحملات التضليل التي تستهدفه، ونسبة إلى الأدوار التي يمارسها في أروقة السياسة من خلال المفاوضات واللقاءات التي يجريها.
ونتيجة لذلك، طالته أنماط مختلفة من التضليل في الحملات التي استهدفته، فكان بعض تلك الأنماط يركز على فبركة البيانات ونسبها لقيادة الجيش ونشطت تلك الأنماط منذ اندلاع الحرب في أبريل، بجانب التزييف الذي طال الموقف العملياتي، حيث صيغت عدد من الأخبار حول تقدم أو تقهقر عملياتي غير موجود بالأصل.
3. الحملات التي استهدفت الدعم السريع
الدعم السريع، بوصفها جزءًا من القوى الفاعلة في الفضاء الرقمي السوداني، وأحد طرفي النزاع على الأرض، أُستهدفت بأنماط من التضليل تنوعت بين صياغة البيانات والتصريحات، ونشر مقاطع فيديو قديمة منسوبة لها، وصياغة الأخبار حول موقف العمليات وتوسعت أشكال التضليل لتستهدف بعض الشخصيات القيادية في الدعم السريع.
ومثلما يتم استهداف الدعم السريع، تقوم من جهتها، بحملات ضد خصومها، أو للترويج لدعايتها الحربية والسياسية، حيث نشر فريق «مرصد بيم» قبل وبعد نشوب الحرب ، تحقيقات تكشف عن شبكات تضليل تروج للدعم السريع وتدعم روايتها للحرب.
الفاعلون الخارجيون
موقع السودان الجيوسياسي، يجعل منه بلدًا ذا أهمية لدول المنطقة والإقليم، من حيث تقاطعات مصالح هذه الدول مع السودان، سواء كان ذلك في الجوانب الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية، مما يجعل من الفضاء الرقمي السوداني ساحة لنشر دعاية تروج لمصالح هذه الدول أو تدعم حلفائها في الداخل السوداني، وهو ما وثقته قاعدة تقارير «مرصد بيم» وتقارير شركات التكنلوجيا الكُبرى.
في هذا السياق، كان فريق «مرصد بيم» قبل وبعد نشوب الصراع في السودان، نشر ثلاثة تقارير تحقق عن شبكات تضليل في موقع تويتر تستهدف الرأي العام السوداني تروج لمصالح دولة الإمارات تهاجم قوى سياسية وتدعم الدعم السريع.
بينما تنشر شبكة الحسابات المعنية محتوى يروج لمصالح اقتصادية لدولة الإمارات في السودان، فكان «ميناء أبوعمامة» الواقع على ساحل البحر الأحمر، ومشروع «الهواد الزراعي» أكثر الأجندة الاقتصادية تداولاً من قبل الشبكة.
أثر هذا الكم الهائل من المعلومات المضللة التي تم تداولها منذ الخامس عشر من أبريل، سلبًا على اتجاهات الرأي العام السوداني، حول حقيقة الحرب التي تدور في البلاد والموقف منها. حيث تباينت اتجاهات الرأي العام وفق روايات طرفي القتال أو الفاعلين فيه من ميدان السياسية، وهو الأمر الذي انعكس سلبًا على نجاح أي جهود تقود إلى إيقاف الحرب.
وبينما تدخل الحرب شهرها السابع، غدًا الاثنين، مخلفةً ورائها أكثر من تسعة آلاف قتيل ودمار هائل للبنية التحتية، ونحو 6 ملايين نازح ولاجئ وآلاف الجرحى، لا تزال غرف التضليل مستمرة في دعايتها.
«9» آلف قتيل منذ اندلاع الحرب في السودان بينهم «1500» في سبتمبر
الخرطوم، 8 أكتوبر 2023 - قال مشروع رصد النزاعات المسلحة «ACLED»، إنه منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل الماضي، تم تسجيل أكثر من «2,300» حالة عنف سياسي مرتبط بالنزاع الجاري في البلاد وأكثر من «9» آلاف قتيل بينهم «465» حادثة عنف وأكثر من «1,500» قتيل في سبتمبر فقط.
ويعمل مشروع رصد النزاعات المسلحة، الذي تأسس عام 2014 في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يوسع نشاطه للعالم أجمع عام 2022، على جمع بيانات أحداث العنف والاحتجاج السياسية حول العالم، وتحليل سيناريوهات الصراع والحروب.
وبحسب تقرير نشره المشروع، الجمعة، صاحب ازدياد حدة النزاع والسيطرة على المواقع الاستراتيجية، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، نشاطا لجماعاتٍ مسلحة أخرى في الصراع، حيث سيطرت حركة جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور على مناطق واسعة من الأراضي في إقليم دارفور. كدما أعلنت عدة جماعات مسلحة دعمها لأحد طرفي الحرب، مما وسع رقعة النزاع في جميع أنحاء البلاد.
وفي سبتمبر، سجلت الخرطوم أعلى نسبة أحداث عنف في البلاد، تلتها جنوب دارفور، التي شهدت صراعًا قبليًا في محلية «كبم» ينسب إليه أكثر من نصف أحداث العنف بالولاية.
وبينما تعتبر المعارك المباشرة هي شكل أحداث العنف الأكثر شيوعاً، إلا أن عمليات القصف، والتي وقعت جميعها تقريباً في الخرطوم، تضاعف عددها عن الشهر السابق.
نزاع القبلي وسط صراع متصاعد على السلطة
بينما تدخل الحرب في السودان شهرها السادس، يكثف كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع جهودهما لفرض السيطرة على مواقع استراتيجية في البلاد؛ حيث ازدادت حدة عمليات القصف في الخرطوم الشهر الماضي.
وتصاعدت الاشتباكات في جميع قواعد الجيش السوداني، والمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
أيضًا، تشهد المدن والقرى في إقليمي دارفور وكردفان أحداث عنف متواصلة تسببت في ظروف إنسانية سيئة للمدنيين، حيث شهدت الحرب في سبتمبر انضمام مجموعات جديدة للقتال، ما يشير إلى احتمال مقلق مفاده أن خفض التصعيد قد يزداد صعوبة في المستقبل القريب، كذلك يضيف تنافس الطرفين على الشرعية الدولية توترًا على ديناميكيات الصراع.
تزايد القصف في معارك الخرطوم
وفقًا للتقرير، تطورت ديناميكيات المعارك في الخرطوم بشكل كبير، حيث تزايد مؤخرًا اعتماد الطرفين على آليات التفجير مثل الغارات الجوية، والطائرات المقاتلة بدون طيار، فضلًا عن القصف المدفعي.
وجاء هذا التطور بعد محاولات كلا الطرفين لتحقيق تقدم كبير على الأرض والدفاع عن المواقع المكتسبة خلال الاشتباكات المباشرة، مما أدى إلى وقوع إصابات كبيرة للجانبين.
ودار الصراع بشكل أساسي في الخرطوم حول القواعد العسكرية الحيوية وطرق الإمداد ذات الأهمية القصوى لكلا الطرفين. ومنذ بداية الحرب، اعتمدت استراتيجية الدعم السريع على مهاجمة القواعد العسكرية للجيش السوداني، والدفاع عن طرق الإمداد الخاضعة لسيطرتها؛ بهدف تعطيل عمليات الجيش السوداني وتأمين طرق الإمداد اللوجستي، الأمر الذي نتج عنه اكتساب قوات الدعم السريع سيطرة كبيرة على المناطق الحضرية في الخرطوم.
وفي غضون ذلك، اعتمد الجيش السوداني على الضربات الجوية منذ الأيام الأولى للحرب لمجابهة وجود قوات الدعم السريع على نطاق واسع على الأرض.
ومنذ منتصف أغسطس، واجهت قواعد الجيش السوداني - سلاح المدرعات على وجه الخصوص - هجمات شديدة من قبل قوات الدعم السريع، وردًا على ذلك، لجأ الجيش السوداني بشكل متزايد إلى قصف مواقع قوات الدعم السريع، وتركزت عمليات القصف على المناطق المحيطة بالقواعد العسكرية والجسور الرئيسية والأحياء التي تحتلها قوات الدعم السريع.
وبالرغم من أنه لهذه المواقع أهمية استراتيجية حاسمة بالنسبة للقدرات العملياتية لقوات الدعم السريع، إلا أن كسر حصار قوات الدعم السريع على القواعد العسكرية في ولاية الخرطوم لا يزال يمثل تحديًا للجيش السوداني.
علاوة على ذلك، شهد سبتمبر زيادة ملحوظة في استخدام الطائرات المقاتلة بدون طيار من قبل كل من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وكان ذلك بسبب العدد المحدود من الطائرات المقاتلة التابعة للجيش السوداني، بالإضافة إلى النجاح المتزايد لقوات الدعم السريع في إسقاطها.
وفي الآونة الأخيرة، ورد أن الجيش السوداني أدمج طائرات «كاميكازي» بدون طيار في عملياته، ما أعطاه أفضلية ترجع لتفوقه في العمليات الجوية، إلا أن قوات الدعم السريع كيّفت استراتيجيتها لذلك من خلال الحصول على طائرات دون طيار، ونشرها لاستهداف القواعد العسكرية للجيش السوداني، وكان مصدر هذه الطائرات بدون طيار موضع تكهنات منها أنه تم الاستيلاء عليها من مجمع اليرموك أو تقديمها إلى قوات الدعم السريع من قبل الحلفاء الإقليميين.
علاوة على ذلك، حدث تغير ملحوظ في الاستراتيجية العسكرية لقوات الدعم السريع في العاصمة منذ 14 سبتمبر، ويتضح ذلك بشكل خاص في نقل العمليات من سلاح المدرعات إلى مقر القيادة العامة، كذلك تحولت استراتيجية قوات الدعم السريع، بعد انخفاض قصير الأمد في وتيرة أعمال العنف في بدايات سبتمبر، نحو التركيز على قواعد محددة للجيش السوداني وشن هجمات من جبهات متعددة يمكن أن تستمر لأيام أو حتى أسابيع.
الصورة من الموقع الألكتروني للعربية
وكان لتزايد الاعتماد على القصف في الحرب عواقب وخيمة من حيث الخسائر في صفوف المدنيين، فقد تم تسجيل أكثر من «70» حادثة استهداف مدني في الخرطوم في سبتمبر وحده، مما أدى إلى مقتل «213» شخصًا على الأقل. علاوة على ذلك، فإن «75٪» من إجمالي القتلى المدنيين في السودان كانوا بسبب القصف في الخرطوم.
نشاط متزايد للمجموعات المسلحة في دارفور
وفي خضم استمرار التوترات القبلية في إقليم دارفور، انخرط عدد متزايد من الجماعات المسلحة في الصراع بالمنطقة، حيث وسع جيش تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور سيطرته في ولايات شمال وجنوب ووسط دارفور في أواخر سبتمبر، وجاء ذلك عقب النزوح الجماعي لآلاف الأسر من المناطق المتضررة من الحرب في دارفور إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة، وقالت إن توسعها خارج مناطق سيطرتها السابقة، يهدف لحماية المدنيين من الحرب الدائرة بين الجيش السوداني والدعم السريع.
علاوة على ذلك، كثفت القوات المشتركة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا اشتباكاتها العسكرية في المنطقة في سبتمبر، بعد إنشائها لقوات أمن مشتركة بغرض حماية المدنيين في 27 أبريل، إلا تركيزهم تحول في الشهر الماضي من مرافقة القوافل التجارية والإنسانية بشكل أساسي، إلى المشاركة بنشاط في العمليات العسكرية.
وفي جنوب دارفور، استمرت الاشتباكات بين جماعات مسلحة تتبع لقبائل «السلامات» و«بني هلبة» في قرية «كبم» طوال شهر سبتمبر، وفشلت حتى الآن محاولات عديدة للمصالحة بين الطائفتين منذ بدء الاشتباكات في مايو، وفي 28 سبتمبر، أطلق موسى هلال، قائد مجلس الصحوة، مبادرة مصالحة بعد رفض «بني هلبة» وساطة القائد الثاني لقوات الدعم السريع.
علاوة على ذلك، وردت تقارير عن اقتتال بين جنود قوات الدعم السريع من قبيلة «السلامات» مع مجموعات مسلحة في «ماركوندي» في 10 سبتمبر، مما أسفر عن سقوط «40» قتيلًا على الأقل، وإحراق المدينة.
وفي شمال دارفور، استؤنف القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، بعد أكثر من 10 أيام دون تسجيل حوادث بين الجانبين، ووقعت الاشتباكات في بشكل أساسي في مخيمات النازحين في الفاشر، وأدت إلى سقوط عشرات الضحايا المدنيين ونزوح ما لا يقل عن «190» أسرة.
وفي بداية سبتمبر، أكد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التزامهما بوقف الأعمال العدائية في «الجنينة»، غرب دارفور، عقب مناقشات مع الحكومة المحلية ومبادرة مجتمعية. وعلى الرغم من هدوء القتال بين الطرفين، اشتبكت قوات الدعم السريع، على مدى عدة أيام في سبتمبر، مع قبائل «الأرنقا» في «سربا»، مما أدى إلى نزوح المدنيين إلى تشاد.
ولا تزال الحالة في وسط دارفور مثيرة للقلق ومتقلبة، مع استمرار الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة زالنجي، وشهدت المدينة تحولات كبيرة ذهابًا وإيابًا في مناطق السيطرة بين أطراف الحرب.
وسيطرت قوات الدعم السريع بالكامل على المدينة في 4 أغسطس، إلا أن الجيش السوداني استعاد السيطرة في وقت وجيز، وفي 14 سبتمبر، استعاد الجيش السوداني السيطرة على المواقع التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في معسكر «حصاحيصا» للنازحين ومواقع أخرى داخل «زالنجي».
وتشير التقارير إلى أن قصف قوات الدعم السريع استهدف مراكز المعسكرات مما أسفر عن وقوع إصابات بين المدنيين، ونتيجة لذلك، اضطر المدنيين إلى الفرار بحثا عن ملجأ من العنف المتصاعد.
الصورة من الموقع الألكتروني ل صوت الهامش
ديناميكيات معقدة
شهدت كردفان مواجهات مكثفة الشهر الماضي، شاركت فيها جهات فاعلة مختلفة، بما في ذلك الجيش السوداني والدعم السريع والمجموعات المسلحة القبلية والجماعات المسلحة الموالية للجيش.
وتشير التقارير إلى وقوع اشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مناطق متعددة في ولايتي شمال وغرب كردفان، وفي جنوب كردفان، استؤنف القتال بين القوات المسلحة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال جناح عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان، بعد هدوء في القتال في الفترة من 7 إلى 27 سبتمبر، ويسيطر جناح الحلو على أراض واسعة في جنوب كردفان، وفي خضم هذا الإضطراب، ظهرت جماعة مسلحة جديدة موالية للجيش، انخرطت في اشتباكات مسلحة مع جماعات مسلحة تابعة لقبائل «المسيرية»، مما زاد من تعقيد الوضع.
وفي شمال كردفان، تصاعد العنف بعد أن اعترضت قوات الدعم السريع شاحنة في الأول من سبتمبر، واختطفت أكثر من «100» من عمال التعدين الأهلي من «دار حامد»، وأفيد بأن بعض المختطفين أُجبروا على حمل أسلحة، بينما احتُجز آخرون في منشأة عسكرية تابعة لقوات الدعم السريع.
ودفع ذلك المجموعات المسلحة التابعة لقبائل «دار حامد» بالتهديد باستخدام القوة لإطلاق سراحهم، واشتبكت بالفعل مع قوات الدعم السريع في 24 يوليو. وأيضاً بعد ثلاثة أسابيع، انخرط أفراد من «دار حامد» في اشتباكات مع قوات الدعم السريع في «أم سميمة» بعد أن قتلت قوات الدعم السريع رجل أعمال خلال محاولة نهب.
وبعد فترة قصيرة من توقف أحداث العنف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، اندلع القتال بين الجانبين في «أم روابة» عقب أنباء عن قتل قوات الدعم السريع لأحد المدنيين بالرصاص، وسيطر الجيش السوداني مؤقتًا على المدينة بعد اشتباكات مع قوات الدعم السريع في 12 سبتمبر، وردًا على ذلك، هاجمت قوات الدعم السريع المدينة ونهبت عشرات المركبات ودمرت الممتلكات واستعادت السيطرة على المدينة بعد تراجع الجيش السوداني إلى «كوستي».
وفي أواخر أغسطس، شكل الجيش السوداني لواء قوات نسور الاحتياط في «دار حمر»، غرب كردفان، بعد أن زودتها بالأسلحة، وفي وقت لاحق، اشتبكت هذه القوات مع مجموعات مسلحة تتبع لقبائل «المسيرية» لمدة ثلاثة أيام متتالية في «أم كدادة» وما حولها في سبتمبر، مما أسفر عن وقوع «12» إصابة، وتشريد أكثر من «300» شخص.
حرب ممتدة
وصل الصراع في السودان إلى نقطة حرجة بعد ستة أشهر، شهدت قتالًا مكثفًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وازدياد المعارك على المواقع الاستراتيجية في جميع أنحاء البلاد.
وأوضح التقرير، أن التزايد الملحوظ في عمليات القصف في الأسابيع الأخيرة، بشكل خاص في الخرطوم، يدل على تصعيد مقلق، كما تصاعدت الاشتباكات في قواعد الجيش السوداني ومناطق سيطرة الدعم السريع، وتوسعت الاشتباكات لتشمل المدن والقرى في دارفور وكردفان، حيث ازداد عدد الأطراف الفاعلة في الصراع.
وفي خضم هذه التحديات، يزيد التنافس بين الطرفين على الاعتراف الدولي من تعقيد الحالة، حيث ألقى قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما شارك قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، رسالته من خلال تسجيل فيديو، هدد فيه بتشكيل حكومة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، إذا قام الجيش السوداني بتشكيل حكومة من بورتسودان، مما زاد التوترات في مشهد الصراع المعقد بالفعل.
عشرات الشهادات المروعة أدلى بها المعتقلون والمخفيون قسريًا داخل معسكرات احتجاز «الدعم السريع»، أو في الوحدات التابعة للجيش السوداني.
مع اندلاع الحرب، منتصف أبريل الماضي، شهدت البلاد انتهاكات مروعة تعرض لها السودانيون والسودانيات من جرائم قتل وعنف جنسي وتشريد. فضلًا عن جانب آخر للانتهاكات، تمثل في حملات اعتقال المدنيين وإخفائهم قسريًا من قبل طرفي القتال.
استمرت حملات الاعتقالات، التي بدأت منذ الأيام الأولى للحرب، في أحياء ومدن سودانية عديدة. في حين تزيد كثافتها في مناطق الاشتباكات المسلحة، إلا أنها مستمرة كذلك في مختلف الولايات التي تشهد استقرارًا نسبيًا.
مع تواتر أيام الحرب الدامية، ووصولها شهرها السادس، تشير تقارير حقوقية إلى أن المعتقلين والمخفيين قسريًا تتجاوز أعدادهم الآلاف، وأن عدد مراكز اعتقال طرفي القتال داخل ولاية الخرطوم فقط، تتوزع بعدد «44» معتقلًا للدعم السريع، و«8» معتقلات للجيش، علاوة على مراكز الاعتقال المؤقتة.
تجدر الإشارة إلى أن هناك كثيرًا من الشواهد تؤكد أن جزءًا من حملات الاعتقالات هذه يجري على أسس إثنية ومناطقية، وهي مدفوعة بخطابات الكراهية التي تشكلت منذ اندلاع الحرب.
ذرائع الاعتقالات:
وقعت البلاد في حالة من الاضطراب العام منذ اليوم الأول للحرب، الأمر الذي كثّف من حجم العمل الاستخباراتي لطرفي القتال ودفعهما لتنفيذ حملات اعتقالات طالت المئات من المواطنين، بذريعة مشتركة، وهي اتهام المعتقلين بالانتماء والتعاون الاستخباراتي لمصلحة الطرف الآخر. أو تقديم معلومات إرشادية للتحركات وكشف أماكن التجمعات العسكرية، أو تقديم الخدمات الطبية للطرف الآخر.
تسببت هذه الاتهامات في اعتقال آلاف المدنيين في العاصمة الخرطوم والولايات الأخرى التي تشهد اشتباكات مسلحة، وتعرض المعتقلون إلى أشد صنوف التعذيب والانتهاكات. كما أن تقاريرَ عديدة تحدثت عن الأوضاع السيئة التي يعيشها المعتقلون داخل معسكرات الاعتقال، وحالات الموت التي شهدتها تلك الأماكن.
«الدعم السريع» والاعتقالات
امتدادًا لانتهاكات «الدعم السريع» تجاه المدنيين، منذ بداية الحرب، بجرائم موثقة للقتل والاغتصاب، واحتلال منازل المواطنين، فإنها بجانب ذلك قد شنت حملات اعتقالات واسعة، بدأت منذ الأيام الأولى لاندلاع المواجهات المسلحة. وفي 18 أبريل اقتحمت قوة من استخبارات «الدعم السريع» شقة المصور، سعد التني، بوسط الخرطوم، واعتقلته بذريعة اتهامه بالانتماء للاستخبارات العسكرية، ولم يطلق سراحه إلا في بداية مايو، بعدما نظمت أسرته، التي لم تعلم مكان اعتقاله، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عنه.
وفي سبيل إضفاء المشروعية على خطابها الحربي ودعم سرديتها المتعلقة بمحاربة نظام المؤتمر الوطني والإسلاميين، اعتقلت «الدعم السريع» قيادات بارزة مثل أنس عمر، محمد علي الجزولي، كما أنها لم تتوان عن اعتقال كثير من المواطنين للاشتباه بانتمائهم للجيش واستخباراته العسكرية.
ويشير تقرير صحفي لرويترز، إلى أن هناك ما يزيد عن الـ 5 آلاف معتقل ومخفي قسرياً في معسكرات سرية تتبع لـ«الدعم السريع»، وهي أماكن يعيش فيها المعتقلون ظروفًا إنسانية بالغة السوء.
الجيش واعتقال الفاعلين المدنيين
في الساعات الأولى من يوم الأربعاء 5 يوليو، اقتحمت قوة ملثمة من الاستخبارات العسكرية، منزل عضو التجمع الاتحادي، الشريف الحامدابي، بالولاية الشمالية، ليطلق سراحه في بداية سبتمبر الجاري.
أُعتقل الشريف بالسجن الحربي لقيادة الجيش بمدينة مروي (الفرقة 19) وأكدت مصادر من داخل الفرقة تعرضه للتعذيب وإصابات بالغة بالرأس والعنق، فيما وجهت له اتهامات بدعم الحرب والوقوف مع الدعم السريع، لكن وبنظرة سريعة لنشاط الحامدابي يتبين أنه من أشد المناهضين للحرب.
لم تقتصر اعتقالات الجيش على الحامدابي فقط، حيث اعتقلت الكثير من الناشطين السياسيين والمحامين في ولايات مختلفة.
وتشترك دوافع هذه الاعتقالات في الوقوف ضد الحرب ورفضها. وفي 2 يوليو، أٌعتقل عضو الحزب الشيوعي، خالد اليسع، بمدينة سنار وذلك بعد يوم من مشاركته في وقفة احتجاجية مناهضة للحرب، كما اعتقل الناشط السياسي، أحمد أبو هريرة، بتاريخ 9 يوليو وهو في طريقه من الخرطوم إلى مدينة عطبرة، حيث اعترضته قوة من الاستخبارات العسكرية في مدينة شندي.
وجميع الاعتقالات التي يتعرض لها المدنيون، من قبل طرفي القتال، منذ اندلاع الحرب تمثل انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. تأتي هذه الانتهاكات، في ظل غياب أي مؤسسات يمكن أن تتبع وتحقق حول هذه الاعتقالات، الأمر الذي يعمل على استمرارها. في وقت ما يزال آلاف المفقودين، المعتقلين والمخفيين قسريًا، لا يعلم ذووهم عن أوضاعهم أو مصيرهم شيئًا.
الخرطوم، 20 سبتمبر 2023 – توصل تحقيق للسي إن إن، إلى أن القوات الخاصة الأوكرانية في الغالب هي وراء هجمات جوية وعمليات أرضية على قوات مدعومة من فاغنر بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، الأمر الذي يثير احتمال انتشار تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا بعيدًا عن خطوط المعركة الأمامية.
وصف مصدر عسكري أوكراني للسي إن إن العملية بأنها “ليست من الجيش السوداني” وبشأن ما إذا كانت كييف خلف الهجوم، قال المصدر إن “القوات الأوكرانية الخاصة هي المسؤولة في الغالب”.
تضمنت العملية سلسلة من الهجمات على قوات الدعم السريع شبه العسكرية، التي يعتقد أنها مدعومة من ڤاغنر في معركتها ضد الحيش السوداني على السيطرة على البلاد.
لم تستطع السي إن إن، أن تؤكد بشكل مستقل التورط الأوكراني في الهجمات، ولكن أظهرت مقاطع الفيديو التي تحصلت عليها سمات الأسلوب الأوكراني في الهجوم بالطائرات دون طيار.
تضمن الفيديو ما لا يقل عن ٨ من الهجمات طائرتي «درون» متوفرة تجاريًا يغلب استخدامها من قبل أوكرانيا، وكذلك حملت الطائرات كتابات باللغة الأوكرانية.
كذلك قال الخبراء، إن الأسلوب المتبع، وبشكل خاص هجوم الطائرات بشكل مباشر على الهدف، أمر غير معتاد في السودان والمنطقة الأفريقية.
توسع درامي
وبعيدًا عن سلسلة الهجمات بالطائرات من دون طيار التي شنتها أوكرانيا على مناطق سيطرة روسيا، حيث تتركز هجمات أوكرانيا المضادة الحالية على المناطق المحتلة جنوبًا وشرقًا، فإن ضربات سرية أوكرانية بالسودان تمثل توسعًا دراميًا واستفزازيًا في مسرح كييف للحرب ضد موسكو .
ولم تعلن أوكرانيا مسؤوليتها عن الهجمات التي تم التقاطها بطائرات الدرون، وبعضها متداول على منصات التواصل الاجتماعي منذ الخميس. وقال مصدر عسكري سوداني رفيع المستوى، إن لا علم له بعمليات أوكرانية بالسودان وأنه لا يعتقد أن هذه المعلومات صحيحة.
كذلك أبدى عدد من المسؤولين الأمريكيين عدم علمهم بهذه العمليات المزعومة، كما عبرو عن تفاجؤهم من الإشارة لتورط القوات الأوكرانية في هجمات جوية وعمليات أرضية بالسودان.
والفيديو، الذي يتنقل بين منظورات مختلفة، يظهر سلسلة هجمات داخل وحول أمدرمان، التي تعتبر منطقة قتال محورية بين الطرفين.
كذلك، فإن طائرات الدرون ذات منظور الشخص الأول تسمح للمتحكم بها بمراقبة العملية من منظور الطائرة، عن طريق ارتداء نظارات مخصصة واستخدام شاشة لمشاهدة النقل المباشر، وأيضًا تظهر في الفيديو الذي يوثق الهجمات ما تبدو أنها طائرة درون «DJI MAVIC 3»، وكلتا الطائرتين تباع تجاريًا وتستخدم بكثرة من القوات الأوكرانية.
علاوة على ذلك، فإن الـ«DJI MAVIC 3» لديها حد أقصى لمسافة رحلة يبلغ 30 كيلوميتر، ويصل نطاق بثها حتى 15 كيلومتر لمدة 45 دقيقة، مما يشير لأن المتحكم في الطائرة كان داخل المدينة أو على مسافة قريبة منها.
في الفيديو الذي يوضح شاشة التحكم بالدرون، تظهر كتابة بالإنجليزية والأوكرانية منها ما يعني “توقف” والمتحكم في الطائرة، والذي يبدو أجنبي يظهر كذلك في الإنعكاس، إلا أنه يرتدي قناع ولا يمكن التعرف عليه.
وقال باحث بريطاني يدير «كاليبر اوبسكيورا» الموقع الذي يهتم بالأسلحة، إن الجهاز بتطابق مع الأجهزة التي تستخدمها أوكرانيا للتحكم في طائرات درون «DJI MAVIC».
وتمكنت السي إن إن من تحديد مواقع العمليات التي تظهر في الفيديو ولكن لم تستطع تحديد مواقيت حدوثها. إلا أن الفيديو الذي أظهر هجمات على كبري شمبات تزامنًا مع أخبار محلية عن هجمات على الكبري في الثامن من سبتمبر.
شحنة أسلحة
وأتت الهجمات بعد يومين من إيصال ڤاغنر شحنة أسلحة كبيرة عن طريق حامية للدعم السريع في منطقة «الزرق» الواقعة بالقرب من الحدود التشادية حسب ما ذكر مصدر سوداني رفيع المستوى.
وأخبر مخبران تشاديان السي إن إن، أن الشحنة انتقلت من تشاد إلى الزرق، الأمر الذي يدل على توسع مناطق نفوذ روسيا وڤاغنر في أفريقيا التي كانت تحدد بليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى ومالي .
وقد لعبت ڤاغنر دورًا معروفًا ومحوريًا في عمليات موسكو العسكرية في الخارج، خاصة في أوكرانيا، واتهمت في العديد من المرات بارتكاب المجازر الوحشية، وساعدت في تعزيز نمو نفوذ موسكو واغتنامها للموارد.
واستهدفت ست هجمات طائرة عربات نقل متحركة على كبري شمبات، كما استهدفت ثمانية هجمات أخرى عربات مركونة ومباني وأشخاص مسلحين في أمدرمان والريف الغربي لأمبدة التي نفذ الحيش السوداني فيها غارات جوية استهدفت مواقع ارتكاز الدعم السريع في الأسابيع الماضية وحصدت أرواح مدنيين. وأظهر الفيديو ما لا يقل عن 3محاربات أجنبية تغزو مبنى. وفي الفيديو الذي يظهر أنه تم تصويره عن طريق كاميرا مثبتة بالجسم، يظهر جنود يرتدون نظارات رؤية ليلية، ويحمل أحدهم مطلق صواريخ. وقامت السي إن إن بتحديد موقع لقطة جوية تظهر تقدم الجنود في أحد الأحياء القريبة لمكان الهجمات الجوية. وقد قالت السي إن إن في تقرير سابق إن ڤاغنر تمد الدعم السريع بصواريخ أرض – جو في المعارك ضد الجيش السوداني.
ظهور أول في أفريقيا
وقال وين جويفنينبيرق مدير المشروع لنزع السلاح لأغراض إنسانية في «باكس» منظمة السلام الهولندية، إن المقاتلات التي رصدتها البسي إن إن لم تظهر من قبل في أفريقيا.
جويفنينبيرق، الذي يختص في التكنولوجيا الحربية الحديثة، قال “شاهدنا زيادة في استخدام هذه الدرونات في أوكرانيا في العام الماضي”.
وكذلك قال إنه منذ اجتياح روسيا لأوكرانيا ظل الروس والأوكرانيين على حد سواء يختبرون بطائرات الدرون ذات منظور الشخص الواحد، حيث يتم تحميلها بصواريخ ومتفجرات، كما أن قدرتها العالية على المناورة وحمل الذخيرة تمكنها من القضاء على مركبة كاملة. وبالرغم من أن طائرات الدرون تم استخدامها من قبل في رمي المتفجرات في ليبيا وإثيوبيا، إلا أن استخدام طائرات الدرون المسلحة التي تنفجر عند الاصطدام يعتبر أمرًا جديدًا في أفريقيا.
وبعض الأشخاص الذين تم استهدافهم كانوا يرتدون أزياء باهتة اللون تشبه تلك التي ترتديها قوات الدعم السريع.
وظلت قوات الدعم السريع التي توجد بكثرة في الخرطوم وأمدرمان، تتعرض لقصف جوي متواصل من الجيش السوداني منذ اندلاع الحرب بين الطرفين في ابريل، وفي خطابه يوم الخميس قال قائد قوات الدعم السريع إن قواته تحكم السيطرة على الخرطوم، وتحدث عن غارات جوية عشوائية في أمدرمان وبعض المدن الأخرى. وقبل انفجار المعارك بين الاثنين، كان البرهان وحميدتي في حلف عسكري أطاح بالحكومة الانتقالية المعترف بها دوليًا في 2021، وقد تلقى السودان دعمًا عسكريًا من ڤاغنر في الماضي إلا أن قائد قوات الدعم السريع هي حليف المجموعة المفضل في السودان.
ممرات أسلحة
وكشفت السي إن إن، عن ممرات أسلحة ساعدت على استمرار هذا النزاع تعبر خلال نقاط تابعة لڤاغنر منها القاعدة الجوية والبحرية الروسية في الساحل السوري، ومطار بانغي في أفريقيا الوسطى.
وتمتلك ڤاغنر نفوذًا واسعًا في أفريقيا الوسطى ومناطق واسعة من شرق ليبيا الذي يحد السودان، والذي يحوز القائد المتمرد خليفة حفتر على السيطرة على أجزاء واسعة منه.
“حوالي ٩٠٪ من أسلحة الدعم السريع تأتي من ڤاغنر” قال مصدر سوداني رفيع المستوى للسي إن إن. مضيفًا أن دعم ڤاغنر للدعم السريع لم ينقطع بالرغم من موت بريغوجين، قائد المجموعة في تحطم الطائرة.
وأثارت وفاة بريغوجين تساؤلات حول مستقبل نشاط المجموعة في افريقيا التي استخدمت فيها ڤاغنر أساليب وحشية في توسيع نفوذ المليشيات والانظمة الاستبدادية مقابل ثروات معدنية، هذه الغنائم التي تضمنت نسب كبيرة من انتاج الذهب في السودان يعتقد انه تم استخدامها في دعم حرب روسيا في أوكرانيا وكذلك في التحايل على العقوبات.
ويرى الباحثون والمحللون أن الكرملين قد احكم قبضته على عمليات المجموعة في افريقيا باتجاه هدفه لدمج المجموعة داخل وزارة الدفاع الروسية بعد تمرد ڤاغنر الفاشل في يونيو.
ويذكر أنه بعد يومين من تحطم طائرة بريغوجين في طريقها من أفريقيا لروسيا، ومقتل جميع من كان على متنها، قام وزير الدفاع الروسي بجولة على خمسة دول تعتبر مناطق نفوذ لڤاغنر وهي ليبيا وسوريا ومالي وبورينا فاسو وأفريقيا الوسطى.
علاوة على ذلك، اجتمع قائد العمليات الهجومية السرية في المديرية الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية اثناء قمة روسيا – افريقيا في يوليو في سانت بيتسبرغ برؤساء مالي وإرتريا وأفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو قبل أقل من شهر من وفاة بريغوجين.
وقال مصدر سوداني رفيع المستوى للسي إن إن “لقد وجهنا أسئلة متكررة للكرملين عن دعم ڤاغنر لقوات الدعم السريع، وكان الرد أنه ليس لديهم أي معلومات عن هذا الشأن”.
وأثناء معاركها مع روسيا، وضعت كييف توطيد العلاقات الخارجية، ومن ضمنها العلاقات مع الدول الأفريقية، هدفًا استراتيجيًا، وقام وزير الخارجية الأوكراني بثلاث زيارات للقارة هذا العام تضمنت 10 دول.
“تحاول روسيا إبقاء الدول تحت سيطرتها عن طريق الإكراه والرشاوي والترهيب، روسيا لديها أداتين للعمل في أفريقيا هما ڤاغنر والبروبقاندا” قال وزير الخارجية الأوكراني في مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية. مضيفًا “هدفنا ليس استبدال روسيا ولكن تحرير افريقيا من قبضتها”.
بدلاً من الشكوى وندب حظّها، رغم ويلات الحرب، اختارت عنايات محكر التي نزحت إلى ولاية النيل الأبيض وسط السودان، أن تقضي وقت إقامتها هناك – والتي قد تطول – في الزراعة المنزلية، مستغِلّة بذلك اتّساع مساحة المنازل هناك، والتي لا تُقارن بمنازل الخرطوم الضيّقة، الخرطوم التي ضاقت بساكنيها؛ فلفظتهم في اتّجاهات متفرّقة بعنف بالغ.
الباحثة عنايات وزملاء لها كانوا قد شاركوا في المؤتمر العالمي للتكنولوجيا الملائمة في نسخته العاشرة الذي أقيم في الخرطوم بورقة علميّة اختيرت كواحدة من أفضل الأوراق في المؤتمر في فئة التغيّر المناخي.
بعدما أجبرتها الحرب الدائرة في الخرطوم منذ منتصف أبريل الماضي للنزوح مع عائلتها إلى ولاية النيل الأبيض، قامت بتحويل خبرتها العلميّة إلى تجربة الزراعة المنزليّة وإنتاج الغاز الحيوي بكميّات محدودة. وتقول عنايات، إنّه بإمكانها تخيّل مشروع ناجح جدّاً قادر على توفير كميّات أكبر من الخضراوات ومن الغاز المنزلي؛ لأنّه بات لديها الآن الخبرة العمليّة.
Previous
Next
مبادرة بيتنا أخضر
تقوم المبادرة منذ إطلاقها قبل ثلاثة أعوام على نشر المعرفة الزراعيّة وتشجيع الزراعة المنزليّة بتقديم أمثلة واقعيّة لتحويل المساحات المنزليّة غير الشاغرة لإنتاج الخضراوات وتحقيق الاكتفاء الذاتي لكثير من الأُسر.
كما تقوم المبادرة بتوزيع البذور والشتول المجانيّة وتقديم الدورات التدريبية.
Previous
Next
شبح الجوع
تجاوزت الحرب بين الجيش السوداني وقوّات الدعم السريع شهرها الثالث مخلّفة مئات القتلى وآلاف المصابين بحسب آخر تحديثات نقابة أطباء السودان.
كما تسبّبت الحرب في نزوح أكثر من مليوني شخص داخليّاً وعبور أكثر من 560 ألف شخص إلى البلدان المجاورة، بحسب إفادة مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانيّة.
ليس ذلك فحسب، فقد تعطّلت أوجه الخدمة المدنيّة كالمدارس والجامعات وجميع المؤسسات الحكوميّة في المناطق الأكثر تأثّراً، في ولاية الخرطوم وولايات دارفور. ولم يحصل المواطنون في القطاعات الحكوميّة على رواتبهم لثلاثة أشهر، وتُرك السودانيون ليُلاقوا مصيرهم وتدبّر شؤونهم دون مساعدة، إلّا تلك المساعدات التي يتردّد صداها فقط في قنوات الإعلام الخارجي، ودون أيّ دعم من الدولة التي رفعت يدها كليّاً عن تحمّل مسؤوليتها أمام مواطنيها في كلّ من دارفور والخرطوم بشكل خاص.
وتتوقّع منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتّحدة “فاو” تصاعد انعدام الأمن الغذائي الحادّ بسبب الحرب الحاليّة في السودان.
لذلك اتّجه العديد من السودانيين إلى خيار الزراعة ليحقّقوا كفايتهم من الطعام، خاصّة بعد الارتفاع الكبير لأسعار السلع الغذائيّة وندرتها في السوق بعد الحرب. بل إنّ بعضهم قام بإنتاج الفحم منزليّاً كبديل لغاز الطهي غير المتوفّر أصلاً.
يقول الكاتب آصف بيات، بأن أفراد المجتمع يمكنهم إحداث تغيير، بصفتهم فاعلين غير سياسيين، على مستوى قاعدي، فقط من خلال تدبّر شؤون حياتهم اليوميّة و ابتكار الأساليب التي تمكّنهم من النجاة في الظروف الصعبة.
وهذا ما يفعله السودانيّون العاديّون اليوم؛ حيث يقاومون الحرب بهدوء وبدون حمل بنادق أو الانخراط في القتال، بل بالانخراط في الحياة.
تقرير (مضلل) لقناة الجزيرة حول مخرجات قمة اللجنة الرباعية التابعة لدول وحكومات الإيقاد. (مرصد بيم) يتحقق من الادعاءات المضللة التي سردها الإعلامي السوداني فوزي بشرى.
أوردت قناة (الجزيرة) الفضائية تقريراً مصوراً بعنوان(انقسام القوى الفاعلة في السودان يزيد تأزيم الصراع على الأرض) حول قمة اللجنة الرباعية لدول وحكومات الإيقاد المعنية بالوضع في السودان والتي انعقدت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في العاشر من يوليو الحالي.
تضمن تقرير الإعلامي السوداني بالجزيرة فوزي بشرى، جملة من الادعاءات المضللة والخاطئة والتي قمنا بالتحقق منها وتفنيدها كما يلي:
1- رئيس الوزراء الإثيوبي رفض مجرد تعاطي الاتحاد الأفريقي في الشأن الإثيوبي
ورد ضمن التقرير، ادعاءً يفيد، بأن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، رفض مجرد تعاطي الاتحاد الأفريقي في الشأن الإثيوبي إبان الحرب التي اندلعت بين الحكومة الإثيوبية والجبهة الشعبية لتحرير تقراي في العام 2020م.
تحقق فريق (مرصد بيم) من صحة الادعاء، وتوصلنا إلى أن الاتحاد الأفريقي هو من توسط لحل الأزمة الإثيوبية بين الحكومة وقوات (التقراي)، حيث تم التوقيع على اتفاق دائم لوقف العدائيات بين الطرفين المتحاربين في جنوب أفريقيا عبر وساطة من الاتحاد الأفريقي.
2- المجموعة الأفريقية تشكك في قيادة البلاد وتدعو إلى تدخل عسكري لوقف الحرب
ورد ضمن التقرير الذي بثته قناة (الجزيرة)، ادعاء يفيد؛ بأن “المجموعة الأفريقية” تشكك في قيادة السودان، وتدعو إلى تدخل عسكري لوقف الحرب.
للتحقق من صحة الادعاء، بحث فريق (مرصد بيم) في الموقع الرسمي لـ(الإيقاد) وتوصلنا إلى أن البيان الصادر عن المنظمة بشأن الوضع في السودان، ذكر في الفقرة الأخيرة والخاصة بتوصيات المجموعة، مقترحاً يفيد بطلب انعقاد قمة القوة الاحتياطية لشرق أفريقيا(EASF)، للنظر في إمكانية نشر قوة لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
يُشار إلى أن لوائح قوة شرق أفريقيا تحظر نشر القوات في أي دولة بدون موافقة حكومتها، وهو ما أكده العميد عثمان عباس رئيس الأركان المشتركة للقوات الاحتياطية لشرق أفريقيا (EASF) في تصريح صحفي.
3- الوفد المدني يبدو مباركاً قرارات الإيقاد
ورد ضمن التقرير أيضاً، ادعاء يفيد، بأن وفد (القوى المدنية) الموجود في (إثيوبيا)، “بارك” قرارات جلسة مجموعة الإيقاد الأخيرة الخاصة بشأن السودان.
للتحقق من صحة الادعاء، بحث فريق (مرصد بيم) في الصفحة الرسمية (لقوى الحرية والتغيير) على الفيسبوك، ووجدنا أن الصفحة قد نشرت بياناً يوضح موقف القوى المعنية من مخرجات اجتماع مجموعة الإيقاد، ولم يتضمن البيان أي إشارة إلى أن (القوى المدنية) باركت جميع قرارات الإيقاد الصادرة في اجتماع (أديس أبابا)، بينما نص البيان تحديداً على الترحيب (بتجديد وتأكيد المجتمعين الإقليمي والدولي بالعمل على إنهاء الحرب وإشراك المدنيين وتحقيق تطلعات الشعب السوداني في استعادة الانتقال الديمقراطي وتسليم السلطة كاملة للمدنيين).
4- وفد القوى المدنية زار أوغندا وربما أراد الاستئناس بتجربة أوغندا في التحول الديمقراطي
ورد ضمن التقرير الذي بثته الجزيرة أيضاً، ادعاء يفيد، بأن وفد (القوى المدنية) الذي زار (أوغندا) في الثالث من يوليو الجاري، ربما أراد الاستئناس بتجربة (أوغندا) في التحول الديمقراطي.
بحث فريق (مرصد بيم) في حيثيات زيارة وفد (القوى المدنية) إلى جمهورية (أوغندا)، وقد أصدر الوفد بياناً أوضح فيه الأجندة التي ناقشتها الزيارة، وقد حوت عدداً من الموضوعات ليس من ضمنها الاستئناس بتجربة (أوغندا) في التحول الديمقراطي، كما ذهب التقرير.
ولمزيد من التأكد، بحث (فريق مرصد بيم) في الحساب الرسمي للرئيس الأوغندي يوري موسفيني على موقع (تويتر)، وقد غرد الرئيس حول الزيارة، ولم يرد من ضمنها أي نص يؤكد صحة الادعاء موضع التحقق.
5- الاتفاق (الإطاري) الذي مثل الوصفة السحرية بين الدعم السريع والقوى المدنية المؤيدة له، (وتمت عبره) شراكة غير مكتوبة بين بنادق حميدتي وشعارات القوى المدنية المؤيدة له
ورد ضمن التقرير الذي بثته قناة (الجزيرة)، ادعاءً يفيد، بأن الاتفاق (الإطاري) الذي تم توقيعه بين (القوى المدنية) والمكون العسكري، يمثل الوصفة السحرية بين الدعم السريع والقوى المدنية، وتمت عبره شراكة غير مكتوبة بين “بنادق حميدتي” وشعارات القوى المدنية المؤيدة له.
ادعى التقرير أن القوى المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري أقامت شراكة (غير مكتوبة) مع (الدعم السريع) عبر الاتفاق الإطاري، كما أكد في أكثر من مرة الادعاء بأنها تؤيد (الدعم السريع)، وهي ادعاءات لم يوفر التقرير أي دلائل تدعمها، مع العلم أن الاتفاق الإطاري كانت قد وقعت عليه القوات المسلحة والدعم السريع وعدد من القوى المدنية والحركات المسلحة.
في المجمل، احتوى تقرير قناة الجزيرة حول اجتماع اللجنة الرباعية لدول وحكومات الإيقاد المعنية بالسودان، على عدد من الادعاءات المضللة والخاطئة وبعض الآراء السياسية التي قيلت على لسان القناة، وجميعها تجاوزات ابتعدت بها عن الأسس المهنية والحيادية والتغطية الصحفية المتزنة والتي خالفت حتى السياسة التحريرية المعلنة للقناة.
تحرك السودانيون، في رحلة بحثهم عن ملاذاتٍ آمنة، نحو الاتجاهات الأربعة لحدود البلاد، إلا أن بعض الدول الجارة والصديقة بدأت تغلق أبوابها في وجوه الصغار والكبار، ما أضاف إلى معاناة السودانيين رهقاً آخر، في ظل معابر ملؤها الانتظار والمرض ونفاذ ما أمكن ادخاره من أموال.
في 15 أبريل، استيقظ السودانيون على وقع أصوات الرصاص والمدافع الحربية، وذلك بعد أن وصلت الخلافات بين قائدي القوات المسلحة والدعم السريع ذروتها، لتتحول إلى معارك دامية، بداية من مروي (شمال السودان) وجنوب العاصمة الخرطوم، وصولا إلى الأبيض( شمال كردفان) وإقليم دارفور، الذي لم تنج ولاياته من لعنة الحرب، ما عدا شرق دارفور.
لكن أول ما سلبته الحرب كان أرواح الناس وأمنهم، ومع تقادم الزمن، شهدت المناطق التي يدور فيها النزاع، خاصة ولاية الخرطوم، ومؤخراً مدينة الجنينة بغرب دارفور، نزوح الآلاف، هرباً من الحرب، وطلباً للأمن، ومتطلبات الحياة الأساسية.
فالخرطوم، منذ اندلاع الصراع فيها، بدأت تفقد أمنها تدريجيا، حيث تحتد المواجهات المسلحة ويتسع نطاقها، علاوة على الفراغ الأمني الذي امتدت تداعياته لحوادث احتلال البيوت من قبل قوات الدعم السريع، بالإضافة لأعمال النهب والترويع التي طالت المواطنين داخل منازلهم.
الوجهات
خلفت الحرب، منذ بدايتها، أوضاعاً مأساوية. الأمر الذي حدابالدول الأخرى للعمل والتنسيق من أجل إجلاء رعاياها، حيث دخل مبعوثوها في عمليات تواصل مع طرفي الصراع في السودان، للمطالبة بهدنة من أجل ضمان عمليات الاجلاء بأمان.
وفي 11 مايو أعلنت المملكة العربية السعودية – التي بادرت برعاية عمليات اجلاء الأجانب في السودان – عن إكمال عمليات إجلاء مواطنيها ورعايا الدول الأخرى من السودان، تم ذلك بالتزامن مع حركة نزوح كبيرة من مدينة الخرطوم. اختلفت وجهات السودانيين، فمنهم من توجه شمالاً نحو مصر أو شرقاً نحو إثيوبيا وغربا نحو تشاد، بينما اختار الكثير النزوح نحو مناطق أقل خطرا ومدن أخرى داخلية.
رحلة غير مأمونة
واجه النازحون في رحلاتهم أهوالاً ومصائر مجهولة، فالطرق لم تكن آمنة بسبب انتشار الجنود المسلحين ونقاط التفتيش، حيث تعرض البعض لحوادث ترهيب ونهب أو اعتداءات في المسارات التي سلكوها للوصول إلى مناطق أقل خطراً.
لم تكن الخرطوم مستعدة للحرب التي أتت مباغتة للجميع، وكان لذلك تأثيرا جليا على إمكانية تحرك المواطنين، وحصولهم على وسائل تنقل آمنة.
واجه السواد الأعظم من سكان الخرطوم صعوبات جمة بسبب تعطل الخدمات المصرفية وانعدام السيولة، علاوة على شح الوقود وارتفاع أسعار تذاكر السفر البري إلى 10 أضعاف .
وبالرغم من جميع العراقيل، إلا أن النازحين تمكنوا من الوصول لمناطق متفرقة داخل السودان، وكانت المدن الشرقية والشمالية والجنوبية هي المنفذ لدول الجوار، حيث توجه البعض للقضارف للعبور إلى أثيوبيا أو شمالاً نحو حلفا للوصول لجمهورية مصر العربية.
الرحلة إلى مصر
يعتبر أبو بكر الحسن نفسه من القلة المحظوظة، فبالرغم من الصعوبات التي واجهها ليصل إلى عائلته في مصر إلا أنه يرى أوضاعه أقل تعثراً بالنظر للمسافرين في مدينة حلفا. فالحسن قد اختار أن يحصل على التأشيرة عن طريق القنصلية المصرية في مدينة بورتسودان، نظراً للأعداد الكبيرة التي سبقته إلى حلفا. وبالرغم من أنه شرع في تنفيذ إجراءات الحصول على تأشيرة الدخول، منذ ما يقارب الشهر، إلا أنه لم يتمكن من الحصول عليها حتى الآن.
يصف الحسن الأوضاع في مدينة بورتسودان بالصعبة، حيث أن الإيجارات مرتفعة للغاية وتصل إلى 30 ألف جنيه لليوم الواحد، وكل يوم جديد في الانتظار يعد حملاً مادياً على القادمين من الخرطوم.
وفي مدينة حلفا ومعبر أرقين البري (الرابط بين السودان ومصر) تكدس المواطنون في انتظار الحصول على تأشيرة، وسط أوضاع مأساوية وشكاوى من تردي الخدمات وبطء الإجراءات المطلوبة للدخول، يذكر أن إجراءات الحصول على التأشيرة لبعض الأشخاص قد استغرقت أكثر من شهر ولم يتمكن البعض الآخر من إكمال إجراءاته حتى اللحظة.
تجميد الوثائق المؤقتة
وكانت الخارجية المصرية قد أعلنت، في 25 مايو، عن توقف التعامل بوثائق السفر المؤقتة، والتي كانت هي الأمل الوحيد للسودانيين الذين لم يتسنى لهم تجديد جوازاتهم أو إحضار مستنداتهم الرسمية اللازمة للسفر.
ولاحقاً أعلنت الخارجية المصرية عن اشتراطات جديدة لدخول السودانيين لأراضيها، ودخلت حيز التنفيذ في 10 يونيو الجاري. والتي اقتضت الحصول على تأشيرة مسبقة لجميع السودانيين، حيث أُلغي الاستثناء الممنوح للنساء والأطفال وكبار السن، بإمكانية الدخول لمصر دون الحصول على تأشيرة مسبقة، وذلك ضمن التزامها باتفاقية (الحريات الأربع) الموقعة بين السودان ومصر في 2004، والتي تنص على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك لكافة المواطنين بين البلدين.
لكن على النقيض من ذلك، نشرت قنصلية مصر في وادي حلفا تعميماً يلزم جميع السودانيين الراغبين بالدخول إلى مصر، بضرورة ملء استمارة طلب الحصول على تأشيرة، وأخرى تتضمن بيانات الأموال التي بحوزتهم، إلى جانب بيانات الأقارب والمعارف الموجودين بمصر، والموعد المتوقع للعودة إلى السودان.
لاقت الخطوة استياءاً حقوقياً في مصر، حيث علقت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، عبر بيان لها، عن أسفها بشأن هذا التعميم. وقالت أن القرار قد يمثل شرارة تشعل كارثة إنسانية ذات أبعاد عديدة، كما دعت الشبكة حكومة مصر إلى إعادة النظر في القرار.
اللجوء غرباً…إلى تشاد
“ أصبحت عملية حصر الفارين إلى مدينة أدري التشادية بالغة الصعوبة، فهناك من وصل بصحة جيدة وآخرون مصابون؛ بإصابة وقعت في مدينة الجنينة، أو في الطريق نحو تشاد. كما قُتلت أعداد كبيرة في خلال هذه الرحلة” – هكذا صرح مسؤول رفيع بولاية غرب دارفور، وشاهد عيان – فضل عدم ذكر اسمه – لـ( بيم ريبورتس).
حولت المواجهات المسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع إقليم دارفور وولاية غرب دارفور بصورة خاصة، إلى بؤرة صراع بين عدد من المجموعات المسلحة، حيث تشهد ولاية غرب دارفور أوضاعاً أمنية بالغة التعقيد، وتعد الأسوأ على الإطلاق حتى الآن.
وكان التقرير الصادر عن الهيئة النقابية لأطباء غرب دارفور، في 8 يونيو، قد وضح أن حصر القتلى والجرحى قد تعذر عليها، في ظل تعدد أسباب الموت والوضع الأمني الكارثي الذي تقاسيه المنطقة.
لتصدر تقريراً لاحقاً، يقدر عدد الضحايا، في الفترة ما بين 24 أبريل إلى 12 يونيو، بالـ 5 آلاف شخص، فيما فاقت الإصابات الـ 8 آلاف. حيث وضعت الأزمة المواطنين بغرب دارفور أمام هجرة قسرية نحو الحدود التشادية وخلال الشهر المنصرم وثقت تقارير ووسائط عدداً من حركات النزوح الجماعية سيراً على الأقدام .
وينزح الأهالي في ظل أوضاع صعبة، نتيجة للحصار الواقع على المنطقة ووصفت الهيئة النقابية في بيان آخر، في 10 يونيو، الانتهاكات التي تعرض لها السكان حتى عند محاولة الفرار، حيث تعرض بعضهم لمنع مغادرة المناطق المنكوبة بفعل الحصار، علاوة على منع وصول المساعدات الاهلية من المحليات المجاورة .
السودانيون دون غيرهم
شرع السودانيون، بالتزامن مع استمرار المواجهات المسلحة، في البحث عن حلول فردية للنجاة من الحرب المتصاعدة في السودان، واتجهوا إلى دول جوار وبلدان عربية للاستقرار، إلى حين انجلاء الأزمة. وفي أحيان أخرى دخول بلدان من أجل العبور لأماكن إقامتهم الأصلية خارج السودان.
لكن سرعان ما أخذت بعض الدول في فرض قيودٍ وقراراتٍ بدت مفاجئة للسودانين، وكانت عاملاً جديداً في مضاعفة معاناتهم وعبء هجرتهم القسرية.
فعلى خطى مصر، أخذت دولة الإمارات خطوة جديدة بشأن دخول السودانيين إلى أراضيها، حيث أوقفت هيئة الجوازات التأشيرة السياحية للسودانيين دون غيرهم، وشمل القرار أولئك المقيمين خارج السودان.
كما أوقفت الهيئة جميع التأشيرات السارية التي حصل السودانيون عليها، حتى من قبل أن يدخل القرار حيز التنفيذ، الأمر الذي أسفر عن وجود أعداد كبيرة من السودانيين العالقين في بلدان كانوا قد ذهبوا إليها من أجل الوصول إلى دولة الإمارات.
قيود حديثة
تجدر الإشارة إلى أنه يمنع، بموجب القانون الدولي، التمييز على أساس الجنسية بشكلٍ عام، لا سيما عندما يتعلق الأمر بحماية اللاجئين وطالبي اللجوء. ومع ذلك ، هناك حالات قد تفرض فيها الدول قيوداً مؤقتة على التأشيرات أو إجراءات أخرى لبعض الجنسيات بسبب مخاوف أمنية أو ظروف معينة تتعلق بالصراع أو الحرب. وغالبًا ما يتم تنفيذ هذه الإجراءات لأسباب تتعلق بالأمن القومي وتخضع للقوانين الوطنية والمبادئ القانونية الدولية، بما في ذلك عدم الإعادة القسرية لمناطق الخطر.
وتعتمد شرعية القوانين التي تضع قيودا للتأشيرات على أساس الجنسية بسبب “الحرب أو النزاع” على عوامل مختلفة، بما في ذلك السياق الذي تفرض فيه القيود، بمراعاة القوانين المحلية والالتزامات الدولية، بالاضافة للطرق التي يتم بها تنفيذ هذه القيود.
مخاوف حول الوضع في السودان
تثير التعقيدات الأمنية وحدة العنف المتصاعدة منذ اندلاع الحرب قلقاً واسعاً بشأن السودانيين وأوضاعهم، لتضاعف القيود التي وضعتها الدول المجاورة أو تلك التي تقع ضمن وجهات السودانيين العبء الثقيل عليهم أصلاً بسبب الحرب.
وكان البرلمان الأوروبي قد عقد، في 14 يونيو الجاري، جلسةً صوت فيها بالأغلبية على قانون يدين الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان ويدعو الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى الاستعداد لتقديم المساعدات الضرورية للسودانيين، بما في ذلك “إصدار وثائق سفر طارئة لمن يلتمسون اللجوء في الخارج”. ومن المعروف أن القانون الدولي يوفر الأساس القانوني لحماية اللاجئين وحقوقهم ضمن اتفاقية عام 1951 لأوضاع اللاجئين، إلى جانب البروتوكول الإضافي لعام 1967، حيث تعد هي الصك القانوني الدولي الذي يحكم حماية اللاجئين. وتنص هذه الاتفاقيات على حقوق اللاجئين والتزامات الدول بتوفير اللجوء للأفراد الفارين من الاضطهاد. من المهم ملاحظة أن الاتفاقية لا تفرض التزامًا على الدول بمنح وضع اللاجئ أو توفير إعادة التوطين لجميع الأفراد الذين يلتمسون اللجوء. ومع دخول المواجهات المسلحة حيز الشهر الثالث، يشتد بأس الازمة في السودان، و تتعاظم مخاوف السودانيين يوما عن يوم، حتى بالنسبة لاولئك المتواجدين في مناطق آمنة، وسط مخاوف وإنذارات أممية بتداعيات الحرب والازمة الإنسانية في البلاد.
مضت أربعون يوما منذ إطلاق الرصاصة الأولى لحرب الجنرالات، كانت اللحظة الفارقة التي ضاعفت نصيب السودانيين من المعاناة، عندما قرر الجنرالان تحويل الخلاف المتصاعد على مدى أشهر سابقة إلى مواجهات مسلحة دامية، في وقت يصر فيه الطرفان على ضرورة حسم الأمر عسكريا، متجاهلين التكلفة التي لن يستطيع السودان سدادها، وهشاشة مؤسسات البلاد و بنيتها التحتية الحيوية، و بالطبع غير آبهين في المقام الأول بالمواطنين الذين أضحت منازلهم وأزقة أحيائهم ساحة اشتباك مسلح ضمن معركة لا يد لهم في صنعها، والأسوأ، أن المواطنين أنفسهم صاروا أرقاما في عداد “خسائر جانبية” لا يأبه له الطرفان.
كيف انطلقت شرارة الحرب
مثّل سبت الخامس عشر من أبريل ذروة تصاعد الخلافات الممتدة بين القائد العام للجيش (عبد الفتاح البرهان) ونائبه قائد قوات الدعم السريع (محمد حمدان حميدتي)، والتي أتت بعد توترات متعلقة بالجداول الزمنية لدمج الدعم السريع داخل القوات المسلحة وفقا للعملية السياسية المندرجة بالاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر 2022، ولاقت مسألة الإصلاح العسكري خلافا واسعا في الآراء والمواقف الأمر الذي انتهى بتأجيل توقيع الاتفاق الإطاري وتوقف الاجتماعات الفنية بين الطرفين.
بالتزامن مع كل هذه الأحداث وصلت حشود عسكرية إلى ولاية الخرطوم من ولاية شمال دارفور، كما تحركت عشرات العربات العسكرية المدججة إلى مدينة مروي بالولاية الشمالية وارتكزت في مناطق عسكرية وبالقرب من مطار مروي.
لم يتردد الجيش في إصدار بيان شديد اللهجة يحذر فيه من تحركات قوات الدعم السريع و ينذر بأن البلاد تسير نحو “منعطف تاريخي خطير”، من جهتها ردت قوات الدعم السريع بأن تحركاتها جاءت ضمن مهامها المنصوص عليها قانونيا.
لم يلبث الطرفان حتى اتجها نحو السلاح، رغم التزامهما السابق بعدم التصعيد المقدم للوساطة التي استشعرت خطر الخلافات بينهما.
أزمة إنسانية متفاقمة
كانت النتائج شاخصة للعيان منذ غروب شمس اليوم الأول للمواجهات الدامية، قاست فيه مدن متفرقة من السودان الأمرين، حيث أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية سقوط (56) قتيلا وجريحا جراء العنف العشوائي الذي مارسته القوات العسكرية داخل المدن والأحياء في الخرطوم و الولايات التي شهدت اشتباكات ومعارك بين الدعم السريع والجيش، علاوة على احتجاز مواطنين في أماكنهم التي تواجدوا فيها ولم يتمكن معظمهم من الخروج لأكثر من 3 أيام متواصلة.
تسارع وتيرة الانهيار
تعمقت الأزمة الإنسانية، في خضم حرب مدن تجاوزت كافة الأعراف والقوانين التي تفسح المجال لحفظ حياة وكرامة السودانيين. لم تتوقف الحرب عن حصاد حيوات المواطنين وحتى هذه اللحظة لقي (865) شخص حتفه، فيما أصيب أكثر من ثلاثة آلاف بحسب نقابة أطباء السودان إثر الاشتباكات المتواصلة بين الجيش والدعم السريع.
شهد القطاع الطبي انهيارا غير مسبوق حيث خرجت عن الخدمة (61) مستشفى من أصل (89) في العاصمة والولايات، علاوة على شح الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية، الأمر شكل ضغطا هائلا على أصحاب الأمراض المزمنة والمرضى ممن يحتاجون رعاية طبية دورية.
وأفادت الأمم المتحدة في بيان لها عن توثيق (34) هجوما على مرافق صحية، ما أودى بحياة 8 عاملين في المجال الصحي.
انتهاكات ضد المدنيين
في الوقت الذي لم تفلح فيه المناشدات الأممية والإقليمية، والاتفاقات الموقعة في إحراز أي تحسن ملموس للأوضاع الإنسانية على الأرض.
وفيما تدور المواجهات العسكرية العنيفة، بشكل رئيسي في العاصمة السودانية الخرطوم ومدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، وسط ملايين المدنيين، تزايد العنف الموجه ضد النساء، حيث تم الإبلاغ عن عدد من حالات الاعتداء الجنسي ارتكبت بواسطة قوات الدعم السريع.
حيث أفادت منظمة حاضرين، بأنه تم التأكد من عشر حالات اغتصاب ارتكبت بواسطة قوات الدعم السريع، وأشارت في بيان أصدرته الاثنين 16 مايو، أنها اتبعت البروتوكول المعتمد لتوثيق مثل هذه الحالات بما في ذلك اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وكانت المنظمة أعلنت في وقت سابق، بأنها تحقق في خمس حالات عنف جنسي، موضحة أن ثلاث منهن أكدن اغتصابهن بواسطة أفراد من قوات الدعم السريع.
كما أشارت المنظمة – التي ظلت تعمل على توثيق الانتهاكات بأشكالها كافة منذ عدة سنوات – إلى ” أن هناك العديد من الحالات المسكوت عنها”. وشدد بيان المنظمة، على أنه “بدون مزيد من الضغط والإدانة المفضية لفضح مثل هذه الانتهاكات البربرية وجرائم الحرب الصريحة، فسيستمر أفراد الدعم السريع في ارتكاب مثل هذه الفظائع”.
وفي السياق نفسه، قالت غرفة طوارئ أمدرمان القديمة، في تصريح صحفي، يوم الثلاثاء، “إن ضحيتين تحملان جنسيات أجنبية اغتصبتا بواسطة قوات الدعم السريع يوم السبت 13 مايو”.
أطفال السودان في خطر
وفي ذات سياق معاناة الحرب التي طالت كل وجوه الحياة في السودان، كشفت اليونسيف عن تلقي تقارير تفيد بمقتل 9 أطفال على الأقل جراء أحداث العنف في السودان حتى يوم 20 أبريل 2023، علاوة على إصابة أكثر من 50 طفلا، وأفادت بصعوبة جمع المعلومات الكاملة بسبب الوضع الأمني المحفوف بالمخاطر في جميع أنحاء البلاد.
وحذرت اليونيسيف من ما قد يصل إليه حال الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، حيث أن استمرار القتال أدى إلى تعطيل الرعاية الحرجة “المنقذة للحياة” التي يتلقاها الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية و يقدرون ب 50 ألف طفل.
و قالت المنظمة “حتى قبل تصاعد العنف، كانت الاحتياجات الإنسانية في السودان أعلى من أي وقت مضى. لكن لا يمكن لليونيسف وشركائها تقديم هذا الدعم إذا لم يتم ضمان سلامة وأمن موظفينا.”
وأدانت المنظمة في بيانها قيام القوات المنخرطة في الاشتباك المسلح في السودان بتعطيل الإغاثة التي يمكن للمنظمة تقديمها “تعرضت اليونيسف ووكالات إنسانية أخرى للنهب من قِبَل أفراد مسلحين. مثل هذه الهجمات على عمال الإغاثة والمنظمات هي هجمات على الأطفال والعائلات التي نخدمها”.
إجلاء الرعايا الأجانب
مع تصاعد حدة الأحداث و انهيار الوضع الامني في العاصمة الخرطوم أصبح إجلاء الرعايا الأجانب ضرورة ماسة، و بالفعل أجلت 50 دولة مختلفة رعاياها من السودان، كما قامت المملكة العربية السعودية بإجلاء أكثر من 8 آلاف شخص ينتمون ل(110) دولة مختلفة.
في تلك الاثناء كانت عمليات الإجلاء تمثل قلقا بالنسبة للسودانيين الذين التمسوا في العمليات المتسارعة مؤشرا ينذر بطول فترة الحرب، و انعدام حلول وقف القتال.
فشل مساعي التهدئة
يقاسي السودانيون أوضاعا مأساوية، وتشهد البلاد ندرة في السيولة، حيث أن البنوك التي تعرض جزء منها للنهب لم تعمل منذ منتصف أبريل، كما شهدت السلع الاستهلاكية ارتفاعا هائلا في أسعارها، بالإضافة لارتفاع أسعار الوقود إلى أربعة أضعاف، في وقت يستحيل فيه وصول مساعدات إنسانية، و كل ذلك في ظل 6 هدنات اتفق طرفا النزاع على فشلها، و على الرغم من الآمال التي علقها السودانيون على الاتفاق الأخير بوقف إطلاق النار لمدة 7 أيام تحت رقابة دولية، إلا أن الجنرالين قد شرعا في خرقها قبل أن تكمل 48 ساعة.
مع دخول المواجهات العسكرية الدامية في السودان شهرها الثاني، تتعمق الأزمات في جميع القطاعات الحيوية، وفي ظل مؤشرات تشير لانهيار متسارع الوتيرة في البلاد يستمر طرفا النزاع في تبادل إطلاق النار والاتهامات في تجاهل تام للكارثة الإنسانية التي ألقت بظلالها على جميع مؤسسات السودان و قطاعاته الصحية الحيوية.