Category: سياسي

«15» شهراً من بدايتها.. كيف تطارد محنة الحرب اللاجئين السودانيين في مصر؟

 «انفتح باب مفوضية تسجيل اللاجئين، وتوجهت الموظفة بالحديث إلينا، نحن مئات المتكدسين منذ الصباح الباكر أمام وحول مبنى المفوضية، وقالت بكلمات قليلة حفظناها من شدة التكرار: أكتمل العدد لليوم، وعليكم القدوم غداً للحصول على موعد آخر».

 

هذا ما قاله عامر الهادي – اسم مستعار- ، في إفادته لـ«بيم ريبورتس» عن معاناته المستمرة لأربعة أشهر، وذلك بعد دخوله مصر هو وأسرته عن طريق الحدود البرية بين البلدين، وذلك هرباً من وطأة الصراع المستعر في السودان، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ الخامس عشر من أبريل 2023.

 

فمع بداية الحرب آثرت أسرة عامر البقاء في منزلها بأم درمان (حي الفتيحاب)، ولكن بعد أشهر من اشتداد وطأة الصراع وصعوبة الحصول على علاج والده المريض بالقلب، ووصول الاشتباكات المسلحة إلى حيهم، قرروا أخيرًا الخروج من منزلهم والذهاب إلى الولاية الشمالية التي لم يكن فيها الوضع مختلفًا كثيرًا في صعوبته، وربما أكثر قسوة في الحصول على مسكن مع غلاء الإيجارات ومحدوديتها، علاوة على انتفاء مصادر الدخل والعمل، الأمر الذي حدا بهم لأن يقرروا أخيرًا السفر إلى القاهرة عبر الطريق البري.


واليوم، مع دخول الحرب عامها الثاني، فإن التقارير تفيد بأن هناك 5 ملايين سوداني على حافة المجاعة، بينما 18 مليون يواجهون الجوع الحاد، في أزمة إنسانية جسيمة تقع على عاتق السودانيين والسودانيات بشكل يومي، وهو ما يجعل الوضع الإنساني في السودان يوصف بالمأساة، وقد قدرت الأمم المتحدة أن تكلفة الاستجابة لهذه الأزمة يقدر بحوالي 2.7 مليار دولار، لم يتوفر ويدعم منها سوى 6% فقط من إجمالي التكلفة الكلية.

الحرب والشتات

تسببت الحرب في تهجير ما يزيد عن 10 ملايين سوداني من منازلهم، وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة، فإن عدد الذين عبروا حدود السودان إلى دول الجوار المختلفة (مثل مصر وتشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى) يزيد عن الـ 1.8 مليون سوداني، منهم 500 ألف وصلوا مصر حتى تاريخ أبريل 2024، في رحلاتٍ واجهوا فيها مخاطر جمة في رحلات نزوحهم، بدءاً بالخروج من أحيائهم ومدنهم التي تشهد اشتباكاتٍ مسلحة، من انتشار للجنود المسلحين ونقاط التفتيش، وتعطل الخدمات المصرفية وانعدام السيولة.

 

 علاوة على شح الوقود وارتفاع أسعار تذاكر السفر البري إلى 10 أضعاف، وليس انتهاءً بالمتطلبات والإجراءات الحدودية التي وقفت عائقًا أمامهم في المعابر الحدودية بين السودان ومصر.

 

 في مدينة حلفا ومعبر أرقين البري، حيث تكدس المواطنون في انتظار الحصول على تأشيرة، وسط أوضاع مأساوية وشكاوى من تردي الخدمات وبطء الإجراءات المطلوبة للدخول، والتي استغرقت  لبعض الأشخاص أكثر من شهر ولم يتمكن البعض الآخر من إكمال إجراءاته.


 وهنا حيث ظهرت بدائل غير رسمية أخرى لعبور الحدود، خاصة مع توقيف الخارجية المصرية التعامل بوثائق السفر المؤقتة، والتي كانت هي الأمل الوحيد للسودانيين الذين لم يتسن لهم تجديد جوازاتهم أو إحضار مستنداتهم الرسمية اللازمة للسفر.

الطريق إلى مصر قبل الحرب

كان تنقل المواطنين السودانيين والمصريين بين البلدين يسيرًا ولا يتضمن تعقيداتٍ كبيرة، خاصة ضمن اتفاقية الحريات الأربع، الموقعة بين البلدين في العام 2004، والتي تكفل لمواطني البلدين حرية التنقل والعمل والتملك. 

ووفق هذه الاتفاقية فإن كافة النساء، والفتيات السودانيات في عمر أقل من 16 والرجال فوق عمر الـ 49 معفيون من الحصول على تأشيرة من أجل التواجد في الأراضَ المصرية، بينما تحصل عليها الفئات الأخرى من القنصلية المصرية في السودان.

 

لكن مع بداية تدفق اللاجئين السودانيين إلى مصر، علاوة على وجود لاجئين من دول أخرى، وبعد أربعة أشهر من اندلاع الحرب في السودان، أصدر رئيس الوزراء المصري في نهاية أغسطس 2023، قراراً بالرقم 3326، والذي يلزم جميع الأجانب الذين دخلوا إلى مصر بطريقة غير رسمية  بضرورة توفيق وتقنين أوضاعهم في غضون ثلاثة أشهر.

 ولكن بعد اندلاع الحرب في السودان، في 15 أبريل 2023، استحدثت الحكومة المصرية إجراءات جديدة فيما يخص دخول السودانيين إلى مصر، حيث فرضت على كل السودانيين، في أواخر شهر مايو 2023، ضرورة الحصول على تأشيرات دخول مسبقة.


وبالرغم من مناشدة جهات دولية السلطات المصرية بضرورة تسهيل عبور الفارين من الحرب للحدود، وعدم وضع العراقيل أمامهم، إلا أن السلطات المصرية، منذ سبتمبر 2023، شنت حملة اعتقالات قسرية على اللاجئين السودانيين ورحلتهم إلى السودان، دون اتباع الإجراءات الواجبة أو إتاحة أي فرصة لطلب اللجوء، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 3 ألف لاجئ سوداني رحلوا من مصر إلى السودان في شهر سبتمبر 2023.

الحصار الداخلي وزيادة النزوح

مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني، واستعار الاشتباكات المسلحة وانتقالها إلى مدن ومناطق جديدة (مدني والنيل الأبيض وسنجة وسنار) يجد الملايين من السودانيين في ولايات وأقاليم السودان المختلفة أنفسهم محاصرين بالمجاعة والعنف وعدم الأمان وغياب الوسائل المعيشية والخدمات الصحية، والسؤال الأكثر الحاحاً: إلى أين نذهب؟. 

 

وبرغم أن هذا السؤال كان حاضرًا منذ انطلاق الرصاصة الأولى للحرب في العاصمة السودانية، الخرطوم، إلا أن الإجابات عنه، والاستجابة له كانت متفاوتة وترتبط بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للأسر والأفراد المختلفين، وهو ما جعل من عمليتي النزوح واللجوء موجات مختلفة ومتباينة. فالذين كان لهم القدرة إلى اللجوء في بدايات الحرب لم يواجهوا التعقيدات الحالية، والتي تتوقع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن تساهم  في تدفق 860 ألف لاجئ وعائد من السودان في الشهور المقبلة.

احتجاجات واعتقالات في ظروف قاسية

بدأت الاعتقالات التي يتعرض لها السودانيون بعد الحرب منذ سبتمبر من العام الماضي، وذلك بعد القرارات الجديدة التي انتهجتها السلطات المصرية، حيث تعرض السودانيين للاعتقال أثناء سفرهم بعد دخولهم الحدود المصرية، في محافظة أسوان، ومن المستشفيات التي كانوا يتلقون فيها العلاج جراء إصاباتهم في حوادث سير. وزادت حدة الاعتقالات في الشهور اللاحقة لتشمل حتى الذين ينتظرون مواعيد تسجيلهم في مفوضية اللاجئين، وأعيدت أعداد كبيرة، قدرتها منظمة العفو الدولية بـ 800 شخص إلى السودان، دون امتلاك حق الإستئناف أو الاعتراض على هذا الترحيل.

كيف أصبحت «فاشر السلطان» العاصمة التاريخية لدارفور محط أنظار السودانيين؟

20 يوليو 2024 – في لحظة فارقة من أزمنة السودانيين القاسية، أصبحت مدينة الفاشر عاصمة دارفور التاريخية، محط أنظار السودانيين منذ مايو الماضي وسط حرب مشتعلة للشهر السادس عشر على التوالي توزع الموت والنزوح واللجوء والخراب على سكان 11 ولاية من أصل 18 تشكل السودان.

الفاشر، عاصمة السلطان علي دينار، الحاكم القوي وآخر سلاطين مملكة الفور والذي لجأ إلى جبل مرة واغتيل هناك في عام 1916 ببنادق الجيش الانجليزي الغازي، بعد هزيمة جيشه في معركة برنجية على تخوم الفاشر، وهي أحد أحياء المدينة حاليًا.

 ومع ذلك، ظلت مدينة الفاشر، مركز دارفور التاريخي، مكانًا رحيبًا يضم الأعراق السودانية بلا تمييز ويصهر مجتمعها. وهكذا؛ تمضي فيها الحياة، كفضاء مكاني غارق في المحبة والفنون تشده الذكريات إلى تاريخ إداري تليد وتقاليد للدولة استمرت لقرون، كان مجلس سلطانها الحربي، يتشكل من جميع الأعراق، ويوزع قمع سلطته القابضة حينها على الجميع.

وضمن إرث الدولة في سلطنته، أنشأ السلطان علي دينار الحدائق العامة وشق الطرقات ومجاري المياه وسك العملة في إطار نظم إدارية للدولة الحديثة.  

ويشكل إقليم دارفور المنكوب منذ أكثر من عشرين عامًا 20% من مساحة السودان ويعيش فيه نحو 14% من سكان البلاد البالغ عدهم نحو 42 مليون نسمة.

فيما تحتل مدينة الفاشر موقعًا استراتيجيًا في شمال دارفور، فهي حاليًا تعتبر المدينة الكبيرة الوحيدة التي يمكن الوصول إليها من مدن شمال السودان مثل الدبة، نظرًا لقربها الجغرافي من تلك المناطق، وبالتالي فهي تعتبر المدخل الوحيد لقوافل المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء بورتسودان – على ساحل البحر الأحمر – الذي يستقبل المساعدات الخارجية في الوقت الحالي، ومن ثم يتم نقل المساعدات منها إلى بقية أرجاء الإقليم.

جغرافيًا، تحدها من الغرب دولة تشاد، ومن الشمال ليبيا، ما يجعلها في موقع استراتيجي عسكري للجهة التي تسيطر عليها، خاصة في ظل وجود فصائل مسلحة وقوات سودانية داخل حدود الدولتين الجارتين.

وبعد سقوط مدن: «نيالا، زالنجي، الجنينة والضعين» على التوالي في يد الدعم السريع نهاية العام الماضي، تضع الدعم السريع أعينها حاليًا نصب الفاشر حتى تبسط سيطرتها على كامل إقليم دارفور عدا منطقة جبل مرة التي تخضع لسيطرة حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور

لذلك، تسعى الأطراف المتقاتلة إلى فرض سيطرتهما على الفاشر نظرًا لأهميتها الاستراتيجية البالغة في دارفور إذ تعد بوابة بحكم موقعها الجغرافي، حيث تقع على بعد 195 كيلو مترًا شمال شرق نيالا وتربطها طرق رئيسية، بمدن: أم كدادة والجنينة وبها أهم وأكبر مراكز النزوح مثل أبوشوك وزمزم والسلام ما يعزز من أهميتها الإنسانية واللوجستية.

مدخل مدينة الفاشر، الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

مولد الفاشر

بعد تداعي حكم السلطان علي دينار، في عام 1916، حافظت الفاشر الواقعة في شمال دارفور والقريبة من دولتي تشاد وليبيا ومصر عبر الصحراء الكبرى والطرق البرية، على ذلك العالم الإداري والاجتماعي والروابط الاجتماعية ونما شعبها بشكل مثالي متحدًا ومتماسكًا. ومع دخول التعليم الحديث، ما فتئت الفاشر تقدم أبنائها وبناتها لعموم السودانيين في المجالات العلمية والإدارية والطبية والتجارية، لتنصهر مرة أخرى مع عموم السودان.

وبحسب مؤرخين فاشريين، فإن نشأة الفاشر كانت في نهايات القرن السابع عشر، وتميزت بأنها كانت عاصمة لسلطنات متعددة وفي العهد الحديث كانت عاصمة لمحافظة دارفور قبل الحكم الإقليمي في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري. ثم توسعت لاحقًا وازدادت كثافتها السكانية بسبب النزوح إليها من القرى المجاورة لها هربًا من المجاعات والحروب.

كما اختلفت الروايات وتعددت حول معنى واسم الفاشر إلا أن أكثرها شيوعًا وأقواها حجة تلك التي تذهب إلى أن اللفظ يعني مجلس السلطان، كما ورد في الأعمال الأدبية والغنائية بالسودان مثل الأغنية التراثية التي تقول في «..الفاشر الكبير طلعوا الصايح» أي مجلس السلطان الكبير، والفاشر أبو زكريا، أي مجلس السلطان زكريا بن محمد الفضل والد علي دينار.

وفي السياق نفسه، عرفت الفاشر بأنها مكان إقامة السلطان أو قلعته. فهناك عدة فواشر منتشرة في دارفور مثل «فاشر قرلي» التي بناها السلطان تيراب في منطقة جبل مرة، كما شيّدت فواشر في المناطق المجاورة لها في الغرب الأوسط لإفريقيا.

وهناك رواية تقول إن الفاشر هو اسم الوادي الذي تقوم على ضفتيه المدينة بمعنى الفاخر.

وتلقب الفاشر كذلك بالفاشر أبو زكريا نسبة إلى الأمير زكريا والد السلطان علي دينار الذي كان له فضل كبير في تطويرها. ويعود تاريخ الفاشر العريق إلى أيام السلطان عبد الرحمن الرشيد ( 1787ـ 1802 ) والذي اختار رهيد تندلتي موطنًا لمملكته قبل أن يتحول اسمها إلى الفاشر.

الميارم يلعبن دورًا كبيرًا في مجتمع الفاشر، الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

ميارم السلطنة

كانت النساء في الفاشر في ذلك العهد، عهد السلطان علي دينار ذوات وجود وتأثير واضح المعالم، حيث توجد الميارم وهن نسوة قويات شكلن شبكة من النفوذ الاجتماعي والسياسي في عاصمة سلطنة الفور الأخيرة، وأشهر الميارم هي ميرم تاجة شقيقة السلطان علي دينار.

يقول الباحث في التراث الدارفوري، محمود الشين، إن الميارم هن العنصر النسائي في منزل السلطان ويتم إعدادهن من تنشئة وتربية على نسق نساء الدولة في العصر الحديث.

مضيفًا “لكن ما يميزهن في هذا الجانب هو الإلمام بكافة تقاليد وقيم المجتمع لأن المرأة في سلطنة الفور مسؤولة عن إعداد وتنشئة رجال الدولة بما في ذلك السلاطين أنفسهم”.

وأكد أن لقب ميرم أطلق علي سائر النساء اللائي يبدعن في إعداد وطهي الطعام، مشيرًا إلى أنها جزئية ضئيلة من مهامها الكبرى.

لكن مع مرور الزمن أصبح لقب ميرم مماثلًا للقب الكنداكة في شمال السودان، والمرأة السودانية عمومًا. 

«نكاد نجزم بأنه لا توجد قبيلة في السودان ليس لها امتداد أو تمثيل مقيم في مدينة الفاشر ومنذ عهد قديم» يقول الدكتور جبريل عبد الله أحد أشهر المؤرخين للفاشر عن مجتمعها في كتابه (من تاريخ مدينة الفاشر)، ويتابع «أما تاريخها الاجتماعي يمكننا وصفه بالتمازج والتداخل».

وتعتبر الفاشر مدينة المصاهرات المفتوحة وبها ذابت الحدود القبلية وصار أهلها يعرفون بعضهم على اختلاف قبائلهم، إذ استقرت مكونات إثنية عديدة أتت من مختلف مناطق الإقليم، وهو ما جعل مجتمعها متراحمًا ومتواددًا يرحبون بالضيوف الوافدين إلى مدينتهم للخدمة المدنية أو العسكرية، أو لأجل التجارةـ أو أية أغراض أخرى حتى صار بعضهم جزءًا من نسيجها الاجتماعي.

ومع مرور الزمن تشكل مجتمع الفاشر وحيواتها بما في ذلك من فنون ورياضة وسياسة ومسرح ودور تعكس ذلك لتنطلق في عملية تنمية بطيئة ككل السودان وخاصة أركانه البعيدة عن مركز السلطة في الخرطوم. وكما غيرها من المدن السودانية، ظلت بمنأى عن العنصرية والقبلية، وإنما تعكس قيمها الاجتماعية وفاشريتها فقط.

وفي أعقاب اندلاع حرب دارفور الأولى في السابع والعشرين من أبريل عام 2003، اهتز أمان وأمن الفاشر للمرة الأولى منذ عقود حين نفذت حركات مسلحة هجومًا على مطارها الدولي كإعلان لتمردها على السلطة المركزية، لكن سرعان ما عاد إليها هدوئها كمجتمع، رغم القبضة الأمنية الباطشة لنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير. 

ورويدًا رويدًا تم ربطها بطريق بري بالعاصمة الخرطوم، وأصبحت أنديتها لكرة القدم أحد أعمدة الدوري السوداني الممتاز لكرة القدم، حيث شهد استاد النقعة ملاحم كروية وألتراسات صاخبة، وكانت فرق الخرطوم الرفيعة مثل الهلال، المريخ والخرطوم، تخشى ما تخشاه، أن تحل باستاد النقعة، حيث الهزائم المتتالية لها.

التعليم والفنون في الفاشر

قصر السلطان علي دينار، الصورة: مواقع التواصل الاجتماعي

تعتبر دارفور(أرض التقابة) وهي نار توقد من الحطب في الخلاوى مساءً لتعين الطلاب على حفظ القرآن بضيائها، والفاشر باعتبارها إحدى أهم مدن الإقليم، كان التعليم فيها قرآنيًا وانتشرت فيها خلاوى تحفيظ القرآن وتعليم علومه للتلاميذ، وهو من بين أقدم نظم التعليم التقليدي في السودان ككل.

وتأسست أول مدرسة فيها في العام 1916 وهي مدرسة المزدوجة الأولية ثم المدرسة الأهلية الوسطى الأميرية ومدرستي دارفور والفاشر الثانويتين وازداد عدد المدارس بعدها بإزدياد كثافة السكان، ثم أتت جامعة الفاتح من سبتمبر كهدية من الحكومة الليبية قبل أن يتم تغيير اسمها إلى جامعة الفاشر.

ويوجد بالفاشر عدد من المسارح منها مسرح نادي الفاشر وتم تحويل اسمه إلى مسرح (المجمع الثقافي)، ومسرح القيادة، إضافة إلى المسارح المدرسية، وتوجد بها عدد من الفرق المسرحية، بينها: (فرقة فنون دارفور) بإوركسترا كاملة ومغنيها العديدين الذين تغنوا بأغانيهم الخاصة من التراث الشعبي.

وكتب أبناءها وبناتها الشعر باللغات المحلية والعربية، ومنهم الشاعر عالم عباس وشقيقه حافظ، والدكتور محمد الأمين “سيكا “، وعايدة أحمد عبد القادر “ننيه”، وعواطف إسحق وأستاذ الصافي.

ومن الشخصيات العامة أيضًا الطبيب الجراح، إبراهيم حسن، الشهير بـ”كوجان” والذي كتب رواية (خور جهنم)، وأيضًا هناك المحامي محمد بدوي الذي كتب كتابًا من ثلاثة أجزاء أسماه “وجوه ” وثق فيه التاريخ الاجتماعي لشخصيات عاشت في الفاشر في مختلف الحقب. 

وتعتبر الفاشر من أبرز المدن التاريخية في السودان، وتشمل أهم معالمها، قصر السلطان علي دينار ويضم مركزاً لتحفيظ القرآن ومسجدًا ومكتبة الكترونية، بالإضافة إلى آبار حجر قدو وهناك مقولة مشهورة بحقها، وهي: “من شرب من مياه آبار قدو لا بد أن يعود ويشرب منها مرة أخرى”. أيضًا، من ضمن معالمها  الفولتيين الكبيرة والصغيرة ، سجن خير خنقا، سوق المواشي الخاص ببيع اللحم المشوي والطازج، وسوق أم دفسو الخاص بالفواكه الناتجة من جبل مرة، وأشهر ما يباع به ” المرس، الكول، السمن الطبيعي وعسل الجبل”، وسوق المدينة الكبير وبه المحال التجارية والمقاصف والدكاكين وبرج الفاشر.

أيضًا توجد أسواق أخرى مهمة مثل: (سوق الخضار، ، سوق نيفاشا، سوق المواسير والسوق المركزي).

على مستوى التجارة الحدودية، كانت الفاشر بمثابة مركز تجاري بين السودان ودول غرب إفريقيا، واشتهرت بتصدير البضائع.

وتصل البضائع والمؤن إلى الفاشر عبر الحدود مع دول غرب إفريقيا، ومن مدن أخرى في إقليم دارفور، وعبر الشمال بطريق الدبة ـ مليط.

صورة جوية لمدينة الفاشر، تصوير: محمد زكريا

عام من الحصار وأسابيع من اشتداد الحرب

يُسرع الزمن بالسودانيين وهو يحمل في جوفه المخاطر لتنفجر الحرب في الخرطوم في أبريل 2023، أي، بعد عشرين سنة تمامًا من اندلاع حرب دارفور، لتنتقل إلى إقليم دارفور، لكنها لم تصل إلى الفاشر بشكل قوي إلا في مايو الماضي، حين بدأت قوات الدعم السريع شن هجوم غير مسبوق على المدينة بهدف الاستيلاء عليها بقوة السلاح.

وعلى مدار أكثر من شهرين، تحولت الفاشر إلى محرقة استثنائية، بعدما حول القصف المدفعي الذي تشنه الدعم السريع على أعيانها المدنية، تلك البنية التحتية التي بنيت على مدار عقود من الزمن إلى رماد، وفر مئات الآلاف منها، وأصبحت العاصمة الغنية والواقعة تحت الحصار بحاجة إلى أن تطعم أطفالها وشيوخها ونسائها وكل شعبها، ولم يكن أمامهم سوى التكايا التي تحول الطعام إلى كونه حق للجميع.

والآن، تحت رماد الحرب، يحاول الجيش والقوة المشتركة والمتطوعين للدفاع عن آخر معاقل الدولة المركزية الكبرى في إقليم دارفور وسط سيل هجمات عنيفة تشنها الدعم السريع. كما أن حرب الفاشر، تعكس وجهة نظر سياسية أخرى، فبالحفاظ عليها، يعني ذلك عمليًا عدم قدرة الدعم السريع على إنشاء سلطة كاملة ومستقلة في إقليم دارفور، على غرار النموذج الليبي.

وكانت الفاشر ظلت على مدار حوالي عام تحت الحصار الذي تضربه عليها قوات الدعم السريع من حوالي ثلاثة اتجاهات خاصة بعد استيلائها على عواصم الإقليم الأخرى نهاية العام الماضي.  

وفي أواخر أبريل الماضي يبدو أن صبر قوات الدعم السريع قد نفد في محاولتها للسيطرة على كامل إقليم دارفور الذي تعادل مساحته مساحة الجمهورية الفرنسية، لتبدأ في حشد قواتها من جميع أماكن سيطرتها في أنحاء البلاد المختلفة في تخوم العاصمة الأخيرة في إقليم دارفور الخاضعة للسلطة المركزية.  

وقبل بدئها الهجوم المباشر على الفاشر، شنت الدعم السريع هجمات على ما يزيد عن 12 قرية غرب الفاشر، شملت قرى: (درماء، ازباني، كارو، جروف، حلة محمد علي ، حلة عبد الله، سرفاية، حلة خميس، ام عشوش، تركينية، جخي، ام هجاليج، جقي مقرن، جرونقا) ونزح جراء تلك الهجمات غالبية سكانها إلى مخيم زمزم بالفاشر وبلدة شقرة ومحلية طويلة.  

وتزامنًا، مع بداية تحركات الدعم السريع في اتجاه الفاشر، انطلقت التحذيرات الأممية والدولية لها بتجنب الهجوم على المدينة التي كانت مركزًا رئيسيًا لتوزيع الإغاثة والمساعدات. وحذرت الولايات المتحدة أطراف النزاع المختلفة من مغبة محاولة السيطرة على مدينة الفاشر، فيما أبدى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش قلقه من هجوم وشيك محتمل على الفاشر، مشيراً إلى أن القتال سيؤدي إلى توسيع نطاق الصراع على طول الخطوط القبلية في أنحاء ولايات دارفور الخمس.  

بينما اعتبر المبعوث الأمريكي للسودان توم بيريلو في حسابه على منصة إكس إن الهجوم على الفاشر سيضيف زيتاً على النار التي تحرق السودان.

 أيضًا، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن نافذة الوقت تضيق أمام مساعي منع حدوث مجاعة في هذه المنطقة الشاسعة، وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” من خطر يتهدد حياة ورفاه 750 ألف طفل في الفاشر وربما ملايين آخرين في حال شن هجوم عسكري وشيك على المدينة. وقالت إن تصاعد القتال في الولاية تسبب في خسائر بشرية مميتة بين الأطفال مشيرة إلى مقتل مالا يزيد عن 43 شخصاً بينهم أطفال ونساء في فترة أسبوعين.

ومع اشتداد حدة الصراع في مايو الماضي، أعلنت وزارة الصحة في الولاية عن مقتل  38 شخصاً وإصابة 280 في هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بعد يومين من الاشتباكات الحادة بتاريخ 13 و 14 مايو، قبل أن يرتفع عدد الضحايا لاحقًا إلى مئات. كما تأثرت عدد من المستشفيات وخرجت عن الخدمة بينها مستشفى الفاشر للأطفال الذي تعرض لغارة جوية من الجيش 13 مايو، تسببت في انهيار سقف وحدة العناية المركزة ومقتل طفلين وفق ماذكرت منظمة أطباء بلا حدود.

ومع استمرار القتال يومًا عن يوم خرجت جميع المرافق الطبية في الفاشر عن الخدمة بعد تعرضها للاستهداف بغارات جوية للدعم السريع، لكن في المقابل ظلت أيادي المتطوعين والخيرين تحاوط المراكز وتقوم بعمليات صيانه وترميم عديدة وإنشاء عيادات جديدة رغم القصف.

تسلسل زمني للصراع الحالي في الفاشر

بدأت محاولات الدعم السريع للهجوم على المدينة منذ شهر مايو 2023 إذ تم رصد أول محاولة في نهاية الشهر وأعلن الجيش عن صده الهجمة.

  • تلا هذا الهجوم العديد من الهجمات الأخرى، ففي منتصف سبتمبر شنت قوات الدعم السريع هجومًا آخر أعلن الجيش تصديه له وقتل 30 من أفراد القوة المهاجمة.
  • شهدت الهجمات تغيرًا في استراتيجية الدعم السريع، ففي نهاية أكتوبر شنت القوات هجومًا على قيادة الجيش في الفاشر باستخدام الطائرات المسيرة، مصحوبًا باشتباكات بالأسلحة الثقيلة في عدد من الأحياء شمال شرقي المدينة. أدى هذا الهجوم إلى موجة نزوح نحو المناطق الآمنة في وسط المدينة وخارجها. 
  • تفاقمت أزمة النزوح في الفاشر بعد إعلان الدعم السريع سيطرته على حاميات الجيش في نيالا وزالنجي والجنينة، حيث أصبحت الفاشر تؤوي عشرات الآلاف من المواطنين الذين فروا إليها من ولايات دارفور المختلفة.
  • في بداية نوفمبر، حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من وجود مؤشرات على هجوم وشيك واسع النطاق لقوات الدعم السريع على المدينة، وسط تحذيرات من حدوث أزمة إنسانية ضخمة نظرًا للعدد الكبير من المدنيين المحتمين في المدينة. 
  • في 8 نوفمبر، وبعد أيام من التحذيرات الأمريكية، هاجمت قوات الدعم السريع منطقة أم كدادة بولاية شمال دارفور وسيطرت على خزان قولو، أحد أهم مصادر المياه الرئيسية في مدينة الفاشر.
  • في أبريل الماضي بدأ العد التنازلي للمعركة الكبرى حول الفاشر،بحشد الدعم السريع قواتها عند تخوم الفاشر ، في أعقاب تنفيذها عدد من الهجمات على قرى غربي الفاشر لتبدأ ضربتها المباشرة للعاصمة التاريخية في مايو.
  • بدأت الإشتباكات في الأسبوع الأول من مايو وازدادت بشكل يومي حتى بلغت أقصى مستوياتها بعد تاريخ العاشر من الشهر مما تسبب في دمار عدد من المرافق الحكومية والخاصة كما حُرقت أحياء ومنازل ومعسكرات نزوح ودفعت حدة الإشتباكات حاكم إقليم دارفور،لإعلان الإستنفارالعام في المدينة.
  • قلة حدة الإشتباكات أواخر مايو بتمكن الجيش والقوى المشتركة لحركات الكفاح المسلح الموالية له  في 27 مايو من دحر الدعم السريع وجعلها تتراجع إلى خارج المدينة بينما توزعت بعضها في أحياء قليلة شرق الفاشؤ وأصبحت الأخيرة تنتهج سياسة القصف العشوائي بالمدفعية الثقيلة  والصواريخ قصيرة المدى على أحياء المدينة والهجمات مستمرة حتى اللحظة.

مئات الآلاف نزحوا من مدينة الفاشر، الصورة مواقع التواصل الاجتماعي

على مدى أكثر من شهرين لفتت الفاشر أنظار السودانيين والعالم. فبالنسبة للسودانيين، كان ترابط مجتمع الفاشر بكل مكوناته أمرًا مثيرًا للاهتمام، رغم المعاناة الفائقة التي يواجهونا مع بدء هجوم الدعم السريع على المدينة في مايو الماضي. 

كذلك، لفتت الفاشر أنظار العالم بحجم المعاناة الإنسانية الكبيرة بسبب حصارها وانقطاع طرق قوافل المساعدات الإنسانية إليها. 

سياسيًا وعسكريًا، تمثل الفاشر نقطة الصراع الفاصلة في إقليم دارفور، لذا تبدو العاصمة التاريخية على وشك كتابة تاريخ جديد للوحدة الوطنية في السودان.

تقارير بيم: سلسلة مدن السودان

«بيم ريبورتس» تحلل تطور الصراع بـ«الفاشر» وأهميتها الاستراتيجية بالنسبة لأطراف الصراع

12 يونيو 2024 – «قتلت عائلة كاملة نتيجة لقصف قوات الدعم السريع لمنازل المواطنين في معسكر أبو شوك للنازحين في مدينة الفاشر خلال شهر مايو الماضي»، هكذا يضع أحد سكان المدينة صورة مكبرة للمآساة التي تضرب العاصمة التاريخية لإقليم دارفور منذ أبريل الماضي. 

هؤلاء النازحون الذين يعيشون بمعسكر أبوشوك ودمرت حياتهم بسبب القصف، يعيشون في المعسكرات  منذ العام 2003  في الحدود الدنيا للخدمات، ثم دُفع بهم في أتون الدمار مرةً أخرى، وكأن الحرب تلاحقهم، من مكان إلى مكان.

وكانت موجة المعارك الحالية الدائرة في الفاشر العاصمة التاريخية لإقليم دارفور غربي البلاد قد بدأت منذ منتصف أبريل 2024، بالتزامن مع إكمال الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع عامها الأول.

تقع الفاشر في شمال دارفور، وهي المدينة الرئيسية التي ما تزال تسيطر عليها السلطة المركزية في البلاد في كامل الإقليم الذي تعادل مساحته الجمهورية الفرنسية و تسيطر الدعم السريع على أربع من عواصمه من أصل خمس.

وتكتسب الفاشر أهمية استراتيجية وعسكرية نظرًا لموقعها الجغرافي المحوري الذي يربط السودان بثلاث دول مجاورة، وهي تشاد وليبيا ومصر. كما تعتبر الفاشر مركزًا رئيسيًا لتوزيع المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء بورتسودان، شرقي البلاد مما يجعلها هدفًا استراتيجيًا لكافة الأطراف المتصارعة.

منذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني والحركات المسلحة المتحالفة معه ضد قوات الدعم السريع، شهدت الفاشر سلسلة من الهجمات المكثفة التي أدت إلى تدمير واسع ونزوح كبير للسكان. ومع تصاعد حدة الاشتباكات، تزايدت التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية وشيكة، خاصة مع تفاقم أزمة النزوح ونقص الموارد الأساسية.

يهدف هذا التقرير إلى تحليل تطور الصراع في الفاشر واستعراض أبرز الهجمات التي تعرضت لها المدينة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للفاشر بالنسبة لأطراف الصراع. بالإضافة إلى استعراض الأضرار التي تعرضت لها أحياء المدينة وبنيتها التحتية، مع تحليل مختصر لأبرز الإشاعات التي رصدها فريق «بيم ريبورتس» المرتبطة بالهجمات الأخيرة.

1. كيف تطور الصراع في الفاشر؟

لم تلبث الفاشر طويلاً حتى وصلتها نيران الصراع بعد اندلاعه في 15 أبريل 2023 في ولاية الخرطوم، حيث بدأت محاولات الدعم السريع للهجوم على المدينة منذ شهر مايو 2023، تستعرض هذه الجزئية أبرز الهجمات التي تعرضت لها المدينة قبل اجتياح الدعم السريع الأخير:  

  • تم رصد أول هجوم على الفاشر في نهاية مايو 2023، حيث أعلن الجيش عن صد هجوم لقوات الدعم السريع على المدينة أثناء محاولة الأخير التوسع في ولايات غرب وسط وشمال دارفور. 
  • تلا هذا الهجوم العديد من الهجمات الأخرى، ففي منتصف سبتمبر شنت قوات الدعم السريع هجومًا آخر أعلن الجيش تصديه له وقتل 30 من أفراد القوة المهاجمة.
  • شهدت الهجمات تغيرًا في استراتيجية الدعم السريع، ففي نهاية أكتوبر شنت القوات هجومًا على قيادة الجيش في الفاشر باستخدام الطائرات المسيرة، مصحوبًا باشتباكات بالأسلحة الثقيلة في عدد من الأحياء شمال شرقي المدينة. أدى هذا الهجوم إلى موجة نزوح نحو المناطق الآمنة في وسط المدينة وخارجها. 
  • تفاقمت أزمة النزوح في الفاشر بعد إعلان الدعم السريع سيطرته على حاميات الجيش في نيالا وزالنجي والجنينة، حيث أصبحت الفاشر تؤوي عشرات الآلاف من المواطنين الذين فروا إليها من ولايات دارفور المختلفة.
  • في بداية نوفمبر، حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من وجود مؤشرات على هجوم وشيك واسع النطاق لقوات الدعم السريع على المدينة، وسط تحذيرات من حدوث أزمة إنسانية ضخمة نظرًا للعدد الكبير من المدنيين المحتمين في المدينة. 
  • في 8 نوفمبر، وبعد أيام من التحذيرات الأمريكية، هاجمت قوات الدعم السريع منطقة أم كدادة بولاية شمال دارفور وسيطرت على خزان قولو، أحد أهم مصادر المياه الرئيسية في مدينة الفاشر، مما فاقم الأزمة الإنسانية في المدينة. خلال الشهور اللاحقة، شهدت الفاشر فترة من التوترات والتخوف من تنفيذ الدعم السريع هجومًا جديدًا على المدينة. أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على الخزان مرة ثانية في 26 مايو الماضي، حيث اطلعت «بيم ريبورتس» على فديو لقائد ميدان للقوات يأمرهم بإغلاق الخزان. لم تدم سيطرة الدعم السريع طويلا حيث أعلن حاكم اقليم دارفور، مني أركو مناوي، في يوم 27 مايو أن القوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة استعادت الخزان.

في أبريل الماضي، نفذت قوات الدعم السريع هجمات متتابعة على عدد من القرى غرب الفاشر  تمهيدًا للهجوم الأخير على العاصمة، لتبدأ ضربتها المباشرة مطلع مايو وتدخل في مواجهة مع الجيش والحركات المسلحة المنضوية تحت لواء القوة المشتركة  التي شُكِلت لتأمين المرافق في الولاية وإيصال المساعدات الإنسانية، قبل أن يعلن اثنين من قادة الحركات في نوفمبر الماضي انحيازهم للجيش في معركته ضد الدعم السريع، وهي قوات حركة جيش تحرير السودان، بقيادة، مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة التي بقيادة وزير المالية، جبريل إبراهيم، بالإضافة إلى رئيس حركة تحرير السودان، مصطفى تمبور.  

بدأت الإشتباكات في الأسبوع الأول من مايو وازدادت بشكل يومي حتى بلغت أقصى مستوياتها بعد تاريخ العاشر من الشهر مما تسبب في دمار عدد من المرافق الحكومية والخاصة كما حٌرِقت أحياء ومنازل ومعسكرات نزوح.

ودفعت الهجمات الشديدة على الفاشر حاكم إقليم دارفور لإعلان الاستنفار العام في المدينة. واستمرت الاشتباكات بين الأطراف حتى 27 مايو، ومن ثم قلت حدتها بتمكن الجيش والقوة المشتركة من دحر الدعم السريع التي تراجعت إلى خارج المدينة، بينما توزعت بعضها في أحياء قليلة شرق الفاشر وأصبحت تنتهج سياسة القصف العشوائي بالمدفعية الثقيلة والصواريخ قصيرة المدة على أحياء المدينة.

2. أهمية الفاشر لأطراف النزاع

الجيش السوداني: يعتبر الفاشر المعقل الأخير له في إقليم دارفور، حيث تتمركز الفرقة السادسة مشاة التابعة له بعد سيطرة الدعم السريع على أربع من أصل خمس ولايات في دارفور. 

تحتضن مدينة الفاشر، البالغ مساحتها 802 كيلومترات مربع، ربع سكان إقليم دارفور البالغ عددهم نحو 6 ملايين نسمة، بحسب آخر إحصاء سكاني. وتعتبر الفاشر موقعًا استراتيجيًا عسكريًا للجهة التي تسيطر عليها، حيث تقع جغرافيًا في ملتقى طرق ثلاث دول مجاورة للسودان: تشاد، ليبيا، ومصر. كما يمكن الوصول للمدينة بسهولة من مدن شمال السودان مثل الدبة بالولاية الشمالية، نظرًا لقربها الجغرافي من تلك المناطق. وبالتالي، فهي تعتبر المدخل الوحيد لقوافل المساعدات الإنسانية القادمة من ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، ومن ثم تُنْقَل المساعدات منها إلى بقية أرجاء الإقليم، بالإضافة إلى احتوائها على مطار دولي.

 

قوات الدعم السريع: تركز الدعم السريع على الفاشر في محاولة لتأمين خطوط إمداد للأسلحة عبر الحدود الغربية، مع إنشاء مركز قيادة يُسهل شن هجمات على ولايات كردفان، وتعزيز دفاعاتهم في ولاية الجزيرة، وتهديد ولايات الشرق حتى الحدود الإثيوبية.

و في حالة سيطرة الدعم السريع على المدينة، فإن أحد السيناريوهات المحتملة هو إعلان حكومة في إقليم دارفور ومناطق سيطرتهم في ولاية الجزيرة وولاية الخرطوم، مما يثير قلق الجيش. في حالة تحقق هذا السيناريو، سوف تُقسَّم البلاد بين حكومة الدعم السريع وحكومة يسيّرها قادة الجيش من مدينة بورتسودان في شرق البلاد، بالإضافة إلى السلطة المدنية للحركة الشعبية في منطقة جبال النوبة في جنوب كردفان. وقد بدأت الدعم السريع خطوات نحو هذا الاتجاه، كان آخرها افتتاح نقطة جمارك مليط بشمال دارفور وتشكيل إدارة جديدة للمنطقة.


الحركات المسلحة: تتمثل أهمية الفاشر للحركات المسلحة في جوانب أخرى، ويظهر هذا الأمر في تصريح حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، بأن دوافع الدعم السريع لدخول المدينة هي دوافع “إثنية” وليست سياسية. في هذا السياق، يمكن استرجاع تحليل وزير الإعلام السابق، فيصل محمد صالح، لصحيفة «الشرق الأوسط» في نوفمبر 2023، حيث ذكر أن اقتراب دخول الدعم السريع لولاية شمال دارفور يمكن أن يؤدي إلى استهدافهم لإثنية الزغاوة التي ينتمي إليها مناوي وجبريل إبراهيم. أضاف صالح أن انحياز حركات مناوي وجبريل قد يكون مدفوعًا جزئيًا بهذه المخاوف، مما دفعهم للخروج من حالة الحياد التي أعلنوها في بداية الحرب.

3. الانتهاكات ضد المدنيين

ازدادت حدة تدهور الوضع الإنساني المصاحب لاندلاع أحداث العنف في الفاشر منذ منتصف مايو، حيث امتدت المعارك الى المناطق التي كانت آمنة نسبيًا، ونزح ما يقارب 1,500 شخص حتى 20 مايو 2024، من أحياء القشلاق، والقاضي، والعظمة بسبب القتال بين الجيش السوداني والحركات المسلحة المتحالفة معه وقوات الدعم السريع في الأحياء الشمالية والشرقية والغربية من المدينة نحو جنوب المدينة.

وكانت معسكرات النازحين في الفاشر تعاني من ظروف سيئة من قبل الأحداث الأخيرة، بما في ذلك نقص المأوى وتدهور البنية التحتية والإمدادات الطبية.

وأفادت منظمة أطباء بلا حدود في 29 مايو أن المستشفيات الثلاثة الرئيسية في الفاشر تعرضت لأضرار بالغة. وتعرضت مستشفى الجنوب، المدعومة من منظمة أطباء بلا حدود، للقصف مرتين في الأيام الأخيرة، مما أسفر عن مقتل وإصابة العديد من المرضى وأفراد الطاقم الطبي.

وأضافت أطباء بلا حدود أنه مع تزايد القصف العشوائي في أحياء المدينة، تزايد استخدام البنية التحتية المدنية لأغراض عسكرية من قبل أطراف الحرب  ووجود عناصر مسلحين في جميع أنحاء المدينة، ما يزيد من مخاطر الحماية التي يواجهها المدنيون. وتلقت الجهات الإنسانية تقارير تشير إلى أن الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك المياه، أصبحت بعيدة المنال لجزء متزايد من السكان المدنيين بسبب القتال المستمر

القيود على الحركة

في تقريره عن الأوضاع في الفاشر في 23 مايو، ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن أغلب الطرق الرئيسية للخروج من الفاشر إما مغلقة أو تتعرض لحواجز كبيرة للحركة أو غير آمنة بسبب وجود الأنشطة العسكرية والجماعات المسلحة. وأضاف أنه في حين أن بعض التحركات خارج الفاشر باتجاه الجنوب نحو زمزم، أبو زريقة، دار السلام ونيالا ما زالت مستمرة، إلا أن التقارير تشير إلى أن المسافرين يتعرضون للتفتيش في نقاط التفتيش، علاوة على تقارير عن فرض رسوم على المدنيين الذين يحاولون مغادرة المدينة.

وتسهم المعارك وانعدام الأمن في وضع قيود طويلة الأمد على وصول المعونات الانسانية عبر الخطوط الحدودية.  وذكرت الأمم المتحدة في 23 مايو أنه منذ بداية العام 2024 وحتى الآن وصلت فقط 39 شاحنة إلى الفاشر عبر الخطوط الحدودية تنقل إمدادات الصحة والتغذية لما يقدر بـ 186,000 شخص. بالإضافة إلى ذلك، هناك 1,500 طن متري من المعونات تنتظر الموافقة على التحرك منذ ثلاثة أسابيع، ما يحرم أكثر من 94,000 شخص من المساعدة. بالإضافة إلى ذلك، توجد 13 شاحنة محملة بالمعونات الإنسانية لأكثر من 121,000 شخص تم إرسالها من بورتسودان في 3 أبريل لم تصل إلى الفاشر حتى الآن بسبب التأخير في الحصول على التصاريح عند نقاط التفتيش، وانعدام الأمن.

4. نظرة على الأحداث في الفاشر

المناطق والمعسكرات التي تعرضت للقصف:

توضح الخريطة رقم «1» واحد 36 منطقة وحي تم قصفهم خلال شهر مايو في مدينة الفاشر. اعتمد الفريق في عملية الحصر على عدد من المصادر المفتوحة منها: صفحات لجان المقاومة ومجموعات خاصة بأهالي الفاشر في موقع فيسبوك، وفي بعض الحالات تم العمل مع فريق “Bellingcat” للتحقق من عدد من الفيديوهات التي تم نشرها لأحداث الفاشر باستخدام صور الأقمار الصناعية. 

للتأكد من المعلومات التي تم جمعها من المصادر المفتوحة تواصل فريق «بيم ريبورتس» مع عدد من الناشطين والمتطوعين وسكان الفاشر للتأكد من صحة المواقع المذكورة.

خريطة رقم «1»

توضح الخريطة أيضًا معسكرات النزوح في الفاشر والتي تعرض أكبرها وأبرزها وهو معسكر أبو شوك الذي يضم قرابة 17 مركز مليئة بالفارين من نيران الحرب للقصف والنهب من قبل قوات الدعم السريع خلال فترة البحث، وبشكل عام تضم  الفاشر ثلاث معسكرات كبيرة هي:

  1. معسكر أبو شوك غرب معسكر السلام:  يقع شمال الفاشر بالقرب من حي النصر من ناحية الشمال. (كانت تدور فيه المعارك بشكل مستمر، ولكن تحولت إلى جنوب شرقي المدينة).
  2. معسكر زمزم: يقع جنوب غرب الفاشر وبعيد من منطقة الاشتباكات.
  3. معسكر أبوجا ” السلام” : متاخم لحي الشهداء بالاتجاه الشمالي الشرقي للمدينة (يعتبر طريق مفتوح لتحرك الدعم السريع إلى الولايات الأخرى). 

توضح الصورة رقم «1» تحليل مؤسسة «Bellingcat» لبيانات “NASA FIRMS” التي تظهر إشارات حرارية شرقي الفاشر في الفترة ما بين 10 إلى 13 مايو الماضي، والتي من المحتمل أن تكون ناتجة عن القتال الدائر في تلك المنطقة. تشير هذه البيانات إلى وجود نشاط حراري غير طبيعي. يمكن أن تكون هذه الإشارات نتيجة لنيران الأسلحة الثقيلة أو القصف، مما يساهم في رسم صورة أوضح عن حجم ونطاق العمليات العسكرية وتأثيرها على المناطق المدنية في الفاشر.

Img1 - Credit: NASA FIRMS annotation Bellingcat

توضح الصور رقم «2» المأخوذة بتاريخ 26 مايو الماضي إلى وجود إشارات حرارية في جنوب شرقي مدينة الفاشر.

Img2 - Credit: NASA FIRMS annotation Bellingcat

الأضرار في البنية التحتية:

توضح الخريطة رقم «2» عدد من المنشآت والمؤسسات التي تعرضت للقصف والضرر خلال شهر مايو الماضي، والتي بلغ عددها 12 منشأة، وهي: 

  • كهرباء الفاشر
  • مستشفى الفاشر التخصصي للأطفال
  •  مركز صحي بابكر نهار
  • مخازن الإمدادات الطبية لولاية شمال دارفور
  • المخازن الرئيسية لـ UNHCR
  • المستشفى السعودي للولادة (أقصى غرب المدينة).
  • سوق الفاشر
  • مستشفى نبض الحياة الخاص
  • المستشفى التعليمي
  • إذاعة الفاشر
  • بعض المكاتب الإدارية بوزارة الصحة
  • مقر حكومة إقليم دارفور

بالإضافة للمنشآت تم رصد عدد من المدارس التي تضررت خلال الاشتباك، وهي:

  •  مدرسة الاتحاد الثانوية بنات.
  • مدرسة الرباط الثانوية بنات.
  • مدرسة الإسراء الأساسية بنين.
  • مدرسة الجنوبية الثانوية بنين

كما توضح الخريطة أيضًا بعض المنشآت المهددة بالقصف خلال الفترة القادمة نتيجة لارتكاز قوات الدعم السريع فيها.

خريطة رقم «2»

صورة رقم «3» - على اليسار: صورة توضح تأثير قصف قوات الدعم السريع على الألواح الشمسية وخزان المياه في المستشفى السعودي للولادة (credit: Facebook annotation Bellingcat)، على اليمين: تعليق توضيحي مطابق للمعالم الموضحة في الصورة (credit: Google Maps 13.629360, 25.329815 annotation Bellingcat)

5. توزيع القوات داخل الفاشر

  1. مناطق توزع قوات الدعم السريع: 
    • الأحياء التي تتمركز فيها الدعم السريع شرق المدينة :
      • حي الشاكرين.
      • حي الوفاق.
      • حي الكهرباء.
      • حي الشهداء.
      • حي النخيل (سم الجراد).
      • حي المعهد.
      • حي مثاني.
      • حي الصفاء.
      • حي القاضي.
  • أحياء تمددت فيها الدعم السريع جنوب المدينة وجنوب شرق بشكل كبير:
    • الوحدة.
    • السلام.
    • البشارية.
    • التيمانات 
  1. مناطق توزع القوة المشتركة: 
    • مناطق تمركز الحركات المسلحة (القوة المشتركة):
      • مقر اليوناميد “قيادة الحركات المسلحة”،  شمال غرب المدينة 
      • حي ابشوك الحلة وليس المعسكر.
  • منطقة تقع بين تمركز الدعم السريع والحركات:
    • حي التجانية.

6. التضليل المرتبط بالأحداث في الفاشر

منذ اندلاع النزاع في أبريل 2023، تم استخدام المعلومات المضللة بشكل كبير من قبل طرفي النزاع وحلفائهم. حيث يخوض الطرفان حرب معلومات على مواقع التواصل الاجتماعي بضراوة لا تقل عن ضراوة المعارك على أرض الواقع. تم استخدام التضليل لنشر معلومات عن انقسامات داخل القوات، تضخيم حجم العمليات العسكرية والخسائر بين الطرفين، أو لتقديم روايات بديلة لبعض الأحداث وتبادل الاتهامات.

لم تكن الهجمات على الفاشر استثناءً من هذا النهج. فقد رصد فريق «بيم ريبورتس» خمسة أخبار مضللة خلال شهر مايو مرتبطة بالأحداث في الفاشر، والتي استُخدمت للتأثير على الرأي العام. 

  1. انقسامات بين الجيش السوداني وحاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي

رصدت فريق «بيم ريبورتس» تداول تصريح منسوب لحاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، قائد جيش حركة تحرير السودان، حول زج «النظام البائد» لهم في هذه الحرب وسعيهم للعودة إلى الحياد. يأتي هذا الادعاء في سياق احتدام المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في دارفور، حيث أعلن مناوي الاستنفار ضد قوات الدعم السريع.

نُشر هذا التصريح على صفحات عديدة في وسائل التواصل الاجتماعي بتاريخ 16 مايو، بعضها يضم أكثر من 500 ألف متابع. كما نُسب التصريح إلى مقابلة قام بها مناوي مع قناة «الحدث». إلا أن فريق «بيم ريبورتس» تحقق من أن هذا الخبر مفبرك.

في نفس سياق الإدعاء السابق، رصد الفريق تداول صورة أخرى منسوبة لقناة «الحدث» تفيد بنقل خبر عن تفاقم الخلافات بين مناوي والجيش السوداني. من الواضح أن نشر هذه الأخبار يهدف إلى زرع الشكوك حول وجود انقسامات بين صفوف الجيش السوداني وحلفائهم في حركة مناوي، التي تعتبر أحد أكبر القوى المقاتلة في الفاشر، وهو جزء من حرب المعلومات المستمرة التي تخوضها الأطراف المتنازعة.

2. العمليات العسكرية في الفاشر

رصد فريق «بيم ريبورتس» تداول صورة لعربة محترقة تابعة لقوات الدعم السريع، مصحوبة بإدعاء بأن الحدث مرتبط بالأحداث الأخيرة في الفاشر. يدعي المنشور بأن الجيش السوداني وحلفائه من الحركات المسلحة دمروا 34 عربة دفع رباعي مقاتلة (تاتشر) وقتلوا 19 من قوات الدعم السريع. بعد التحقق، أكد الفريق أن الصورة ليس لها علاقة بأحداث الفاشر، بل هي صورة قديمة نشرت أول مرة في أبريل الماضي في سياق مختلف. ورغم ارتباط الصورة بالصراع بشكل عام، إلا أن إعادة توظيفها لتصوير تقدم في العمليات العسكرية في الفاشر يعد تضليلاً.

كما رصد الفريق فيديو آخر يزعم توثيق استهداف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني لقاعدة الزرق العسكرية التابعة للدعم السريع بولاية شمال دارفور. بعد تحليل الفيديو، تبين أن الفيديو تم نشره لأول مرة في أبريل الماضي وليس له ارتباط بالأحداث الأخيرة في الفاشر. كما حلل الفريق لهجة الأشخاص المتحدثين في الفيديو، واتضح أنها ليست لهجة سودانية بل من شمال مالي. وعليه، فإن التحليل يوضح أن الفيديو ليس لديه ارتباط بالصراع في السودان بشكل كامل، ناهيك عن أحداث الفاشر. توضح هذه الحوادث نهج التضليل الذي يعتمد على إعادة توظيف صور وفيديوهات من دول أخرى لدعم ادعاء التقدم العسكري لأحد الأطراف. 

وأخيراً، رصد الفريق تداول صورة لقوات عسكرية على متن عربات قتالية في منطقة شبه صحراوية، ادعى مروجوها أنها لقوات تابعة لقوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، متجهة إلى مدينة الفاشر لدعم الجيش السوداني وحلفائه من الحركات المسلحة. بعد تحليل الصورة للتحقق من صحة الادعاء. توصل الفريق إلى أن الصورة قديمة، حيث تم نشرها لأول مرة في عام 2021 في سياق مختلف تماماً. كانت الصورة الأصلية مصحوبة بإدعاء مختلف وهو وصول القائد العام لجيش تجمع قوى تحرير السودان إلى الفاشر في طريقه إلى الخرطوم لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية. وبذلك، يتضح أن الصورة لا علاقة لها بالصراع الحالي في الفاشر.

تشير هذه الأمثلة إلى استخدام واسع النطاق للمعلومات المضللة في النزاع الحالي في الفاشر، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز موقفه وتشويه صورة الآخر باستخدام صور وفيديوهات قديمة أو من سياقات مختلفة تماماً. من المهم ملاحظة أن هذه الصور والفيديوهات دائماً ما تُنشر على منصات وصفحات تتبنى الدعاية الحربية لصالح أحد طرفي النزاع، مستخدمة في ذلك معلومات مضللة وزائفة. تحوز هذه الصفحات على عدد كبير من المتابعين، يتراوح بين 10 آلاف ويصل إلى ما يزيد عن 800 ألف متابع، مما يساعد في انتشار هذه الأخبار بشكل كبير بين المواطنين.

خاتمة

في ختام هذا التقرير، يتبادر إلى الذهن صورة مؤلمة لمدينة الفاشر وسكانها الذين يتعرضون لمختلف أشكال العنف والتهجير. رغم الأحداث الصادمة التي شهدتها المدينة، فإن روحها الصلبة وإرادتها القوية تبقى قائمة، حيث يستمر أهلها في التصدي للتحديات بشجاعة وإصرار.

أولئك الذين أرسلتهم الحرب إلى «عطبرة» يحاولون ضبط إيقاعهم على وقع مائة عام من موسيقى القطارات

 عطبرة، 4 مايو 2024  – لم تتهيأ تلك القرى المتناثرة قبل أكثر من قرن، على ضفاف الاتبراوي ونهر النيل، والتي حولها من بعد ذلك البريطانيون إلى مدينة عطبرة، أكثر مناطق شمالي السودان عمرانًا وحداثة بتأثير السكة الحديد، أن تتغير في غضون عام واحد، ويجد مجتمعها الذي وحده إيقاع هدير القطارات التي لم تكف عن إطلاق صافرتها منذ أكثر من مائة عام، وجهًا لوجه أمام آلاف القادمين على غير موعد – مع أولئك الذين أرسلتهم الحرب إليها نازحين في مدارسها و هائمين في طرقاتها، لا يلوون على شيء، وهم من فقدوا أصولهم وأموالهم وديارهم في عاصمة الحرب السودانية الخرطوم، ومدن أخرى. 

كان العطبراويون، وهم الذين قدموا إلى مدينتهم في هجرات متواترة على مدى عقود من كل أنحاء البلاد، قبل اندلاع الحرب في العاصمة السودانية الخرطوم في منتصف أبريل 2023، يعيشون حيواتهم كما ألفوها، صباحًا في القهاوي لتناول الشاي والقهوة، وتضج سودنتهم وحصايتهم وداخلتهم وغيرها من الأحياء، وأنديتهم وأسواقهم، وسكتهم الحديد وهناك على ضفة النهر جلساتهم وأمسياتهم، يعرفون بعضهم البعض، فيما الغرباء، هم من يرسلهم الميناء البري أو القطار لأي غرض كان على مدار اليوم، أو من ترسلهم القرى القريبة في سيارات قديمة الطراز إلى سوقها ولكونداتها العريقة، ثم أتت الحرب، وتغير كل شيء هناك، إما للأبد أو لوهلة الحرب الطويلة التي يمكن أن تكون أبدًا.        

إذن؛ تغيرت عاصمة السكة الحديد والمدينة العمالية وبلد الهجرات الواقعة على ضفاف نهري النيل وعطبرة والتي تبعد حوالي 360 كيلو مترًا شمالي العاصمة الخرطوم، ذات الأسماء والألقاب العديدة والتاريخ السياسي الكبير والمرتبطة بالثورات السودانية والنضال السياسي ضد السلطات الاستعمارية البريطانية السابقة. 

وإذ لم يكن أمام قاطرة المدن- كما يطلق عليها أحيانًا، إلا أن تصبح ملاذًا للنازحين، غير أن السلطات، ترى أن الدور الحكومية التي لجأ إليها الفارون من الحرب، أغلى ثمنًا من الإنسان، وهكذا أصبح حضن اتبرا، وهو أحد أسمائها، حانيًا من مجتمعها وقاسيًا من سلطتها. 

ميلاد عطبرة

عندما نقلت السلطات الاستعمارية البريطانية إدارة السكة الحديد من وادي حلفا في العام 1906 إلى مدينة عطبرة ووضعت ونفذت الخارطة المعمارية للمدينة لخدمة مصالحها في المنطقة الجديدة، لم يتوقع أحد أن تنهض -اتبرا- التي كانت تعرف وقتها بقرية الداخلة، قبل أن تحولها السكة الحديد لواحدة من أهم المدن السودانية. 

 

بمرور السنوات نمت المدينة وتطورت لتصبح أهم مدينة عمالية في السودان وأكبر مركز عمراني في شمال البلاد، يضاف إلى ذلك الأدوار المركزية التي لعبتها المدينة على الصعيد القومي اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وسرعان ما أصبحت بمثابة النافذة التي أطلت منها البلاد بأسرها على إنجازات غير مسبوقة في كافة المجالات حتى أسماها البعض – المدينة القاطرة -.

قبل السكة الحديد كان المكان الذي تقوم فيه المدينة الآن «شرق نهر النيل وشمال نهر اتبرا» فضاءً شاسعًا ومنطقة غابية قوامها أشجار الدوم والسدر والطلح والسيال والعشر وغيرها وكثير من الحشائش التي اشتهرت بها في الشريط الممتد من قرية السيالة شمال المنطقة وحتى نقطة اقتران نهر اتبرا بنهر النيل جنوبًا.

وكانت تسكنها مجموعات سكانية صغيرة من الرباطاب والجعليين الذين شكلوا النواة التركيبية للمنطقة وتوزعوا في ثلاث قرى، السيالة والكريماب والداخلة، والأخيرة ظلت ردحًا من الزمن اسماً لما يعرف حاليًا بعطبرة.

منذ عهد الممالك السودانية التي سبقت الغزو التركي للسودان، حملت عطبرة اسم «الداخلة» وظلت ترد على ألسنة العسكريين في تقاريرهم كاسم للمنطقة بينهم رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل إبان الحرب العالمية الثانية في كتابه «حرب النهر» والذي تحدث فيه عن معركة النخيلة التي جرت بين جيش المستعمر وجيش المهدية عند نهر اتبرا.

منذ بواكير نشأتها شهدت مدينة عطبرة العديد من موجات النزوح أبرزها في العام 1908 وحتى 1918، عندما ظهرت فيها جماعات من قبائل شمال السودان «شايقية، دناقلة، جعليين، ميرفاب، انقرياب، البديرية، الشكرية، الهواوير، مناصير، محس، سكوت، فدجا». وقبائل أخرى قدمت من مصر، وهي: «المغاربة، الجعافرة، العبابدة، العليقات والكنوز» بالإضافة إلى السودانيين من أصول شامية ومصرية، مسلمين ومسيحيين، كما سكنها قلة من جنود جيش الأمير محمود ود أحمد الذي قاد معركة النخيلة والذين تعود أصولهم إلى قبائل غرب السودان حيث استقروا في ضفة الاتبراوي الشمالية في منطقة العشش التي سميت بحي الموردة  في السبعينات، قبل أن تلحق بهم جماعات من الفلاتة،ولاحقاً  الهدندوة والبشاريين والرشايدة.

ومما يميز عطبرة أنه لا يمكن القول إن قبيلة بكاملها قطنتها  لكن أفراد وأسر وجماعات من مختلف القبائل والأعراق انصهرت جميعها في بوتقة واحدة وشكلت تركيبة سكانية فريدة عرفت بالمجتمع الاتبراوي.

أتبرا النهر

برزت كلمة اتبرا كاسم بعد معركة النخيلة وارتبطت بنهر اتبرا آخر روافد نهر النيل قبل مصبه في البحر الأبيض المتوسط. ومع ذلك، لم يتفق المؤرخون على أصل التسمية لكن أكثر التفسيرات تتحدث عن أن اتبرا مكونة من كلمتين أتى وبرا وترمز لفيضان النهر في موسم الخريف أي أتى دون إخطار كما ذكروا أنها من «متبر، تبرنا، وتتبيراً»، وتعني أتى محطمًا ومدمرًا لأنه كان قوي الدفع والجريان ثم تم استبدال حرف التاء لتصبح عطبرة.

عطبرة الثورة

لم تمثل عطبرة أحد مراكز المقاومة للمستعمر البريطاني وحسب، بل عرفت بصمودها التاريخي في مواجهة أنظمة الحكم الشمولية التي أعقبت الاستقلال، إذ شكلت نقطة انطلاقة لثورتي أكتوبر 1964 ضد نظام الرئيس إبراهيم عبود، وأبريل 1985 ضد نظام الرئيس جعفر النميري، إلى جانب ثورة ديسمبر 2018 ضد نظام الرئيس عمر البشير والتي لعبت المدينة دورًا حاسمًا في نجاحها بتغيير مسار حركة الاحتجاجات من مطالب معيشية إلى سياسية بعد إحراق المحتجين لمقر حزب المؤتمر الوطني – الحاكم آنذاك.

ولطالما خشيت الأنظمة الشمولية من عطبرة بسبب احتضانها مركز نقابة السكة الحديد التي كانت المحرك لأغلب التظاهرات والاحتجاجات وهي المخاوف التي دفعت نظام الإنقاذ إلى قمع حراك عمال السكة الحديد في بدايات استيلائه على السلطة بفصله ما يزيد عن 4 آلاف عامل وتشريدهم.

اجتماعيًا، قدمت المدينة للسودان شخصيات مؤثرة في تاريخ البلاد السياسي، الاجتماعي والثقافي. سياسيًا، بينهم عددًا من القادة الشيوعيين والعماليين، مثل الشفيع أحمد الشيخ وقاسم أمين والأكاديمي والسياسي البارز عبد الله علي إبراهيم. كما أن عددًا من المؤثرين السودانيين الذين لم يكونوا من مواليدها، إما تلقوا تعليمهم في مدراسها الصناعية أو عملوا في السكة الحديد وتأثروا بها، بينهم الزعيم إسماعيل الأزهري الذي عمل بالتدريس فيها، والشاعر محمد الحسن سالم حميد الذي درس الثانوية فيها بالإضافة لآخرين. 

وبسبب الوقوع في حبها، سخّر عدد من الفنانين والأدباء أشعارهم لها وتغنوا في جمالها وتاريخها كما تعتبر من أكثر المدن التي كتبت فيها الإصدارات الثرة التي توثق لتاريخها حتى كادت تنافس مدينة أم درمان في المجلدات.

عطبرة في أزمنة الحرب

 

لعقود ظلت مدينة عطبرة شمالي البلاد تمثل وجهة رئيسية تفد إليها العديد من القوميات، ومع نشوب حرب الخامس عشر من أبريل، شهدت المدينة موجات نزوح كبيرة باعتبارها من أكثر المدن قربًا من العاصمة السودانية الخرطوم.

واستقبلت ولاية نهر النيل في المجمل والتي تعتبر عطبرة أكثر مدنها حيوية، آلاف النازحين وتصدرت في كثير من الأحيان ترتيب أولى ولايات السودان من حيث أعداد النازحين داخليًا، مما جعل الضغط على الولاية لم يسبق له مثيل ووضعها أمام تحد كبير، خاصة اقتصاديًا.

ووفق مفوضية العون الإنساني فإن عطبرة تحوي  95 مركزًا موزعة بين الأحياء المختلفة وفي 52 جمعية-زاوية-و4 أندية رياضية و39 مدرسة فيما يبلغ عدد النازحين في المدينة أكثر من 15 ألف شخص .

 وفي بدايات الحرب عاشت-عطبرة- حالة من الحذر إذ شهدت نكسة اقتصادية، بسبب تحسب التجار من الأزمة الاقتصادية التي قد تتسبب فيها الحرب، لكن سرعان ما تدفقت الصادرات عبر الحدود البرية الشمالية ومن خلال الشرق عبر موانئ البحر الأحمر ودخلت كمية من البضائع السوق في وقت توقفت فيه جميع الشركات المحلية التي كان مقرها العاصمة الخرطوم. 

كذلك أنعشت حركة التجار النازحين من الخرطوم السوق لكنه أيضاً شهد ضغطًا كبيرًا من القادمين الجدد وما زالت المحاولات لتنظيمه بعد أن أصبح يضج بالتجار والمحال، مستمرة.

ومع دخول الحرب شهرها السادس، كانت عطبرة قد شهدت تصعيدًا من النازحين بسبب قرار الحكومة بإخلاء مراكز النزوح في الولاية من أجل بدء العام الدراسي الجديد كأول منطقة تقوم بالخطوة، وبعد اشتباك ورفض من النازحين تم فتح بعض المدارس وإخلاء النازحين منها وتوزيعهم في مدارس أخرى.

لكن السلطات التي رضخت مؤقتاً لرغبات النازحين، عاودت مضايقتهم الأسبوع الماضي بطردها 27 أسرة نازحة في مدرستين بقوة السلاح، وهددت مدارس وداخليات أخرى بمعايشتهم نفس المصير.

بوادر خطاب كراهية

 

وما إن تنفست المدينة الصعداء من تلك الأزمة حتى عاشت أحداثًا جديدة وضعت المنطقة التي يغلب علي أهلها صفة التعايش والتسامح أمام امتحان اجتماعي، فبعد سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة المتاخمة للخرطوم وانسحاب الجيش منها دون قتال أواخر ديسمبر الماضي، تشكلت بوادر خطاب كراهية على السطح ضرب المدينة والولاية ككل في نسيجها الاجتماعي الذي ولد من رحم السكة الحديد لعقود وظل متماسكاً، رغم الهزة العابرة. 

كما شهدت المنطقة انتشارًا كبيرًا للسلاح لأول مرة في تاريخها، إذ قبلها كان يوجد في أيدي مجموعات قبلية بسيطة في أطراف الولاية، وفي بعض مناطق التعدين، لكن مع التطورات الأمنية أصبح مشهد تجول المواطنين بالسلاح أكثر من اعتيادي تحت مرمى نظر السلطات التي فتحت الباب على مصراعيه لتقنين الأسلحة.

وتحت مظلة ما أطلق عليها بالمقاومة الشعبية، أضحت عطبرة منطقة مركزية للحشد الأهلي، كما انتشرت دعوات تدريب المدنيين على استخدام السلاح حتى وسط النساء. وبالتزامن مع حملات الاستنفار شنت الحكومة حملات اعتقال ذات خلفية عنصرية في بعض الأحيان، إذ تم استهداف العشرات من المقيمين في المدينة من أبناء أقاليم أخرى والتشدد معهم في التفتيش ربما بحجة انتمائهم للدعم السريع والتخابر معها، إلى الحد الذي جعل حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي يشكل لجنة لإطلاق سراح المحتجزين من أبناء دارفور في سجون ولايتي الشمالية ونهر النيل. 

وفي أواخر رمضان الماضي، عاشت المدينة صدمة كبيرة بتفجير مسيرة إفطارًا نظمه لواء البراء بن مالك المحسوبة على الإسلاميين في زيارة لها للمنطقة حضره عدد كبير من أبناء المدينة وعدد من عائلات قتلى الجيش ومصابيه في الحرب في تطور أمني جديد جعل اللجنة الأمنية بالولاية تمنع المواطنين من أداء صلاة العيد في الساحات والميادين العامة.

كما ما يزال المواطنون يعيشون حالة من الترقب والحذر الشديدين إلى اليوم بسبب التهديدات الكثيرة والوعيد من منتسبي قوات الدعم السريع بالهجوم على المدينة التي برزت ميدانيًا، أيضاً في ظل الحرب، عبر قوات المدفعية عطبرة ذائعة الصيت.

فيتشرات بيم – سلسلة مدن السودان

«زالنجي».. قصة مدينة لفها النسيان ومزقتها الحرب

كانت مدينة زالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور والمعروفة بأجوائها الجميلة والقريبة من جبل مرة إحدى أجمل البقاع في السودان، مثلها ومثل معظم مدن البلاد بما في ذلك العاصمة الخرطوم ليست في ثوب مثالي، لكنها مع ذلك تعيش حدًا معقولًا من السلام والحياة بأفراحها و أتراحها، غير أنها بعد عام من الحرب تحولت إلى بقعة ممزقة ومنسية لا تكاد تقوى على البقاء.

 

بدأت قصة زالنجي مع الحرب بعد أيام قليلة من اندلاع القتال في عاصمة البلاد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لتدخل بعدها المدينة في دورة حرب عبثية بين الطرفين انتهت بسيطرة الدعم السريع على الفرقة 21 مشاة التابعة للجيش، بعد معارك قضت على البشر والحجر وحولت عاصمة وسط دارفور إلى ركام. 

 

في أكتوبر الماضي انتهت مرحلة المواجهات المباشرة بعدما تمكنت الدعم السريع من السيطرة على حامية الجيش والمدينة كثاني عاصمة من عواصم ولايات إقليم دارفور الخمس تسيطر عليها بعد نيالا في الجنوب. ومع ذلك، لم تنته الحرب حيث يعيش الآلاف في زالنجي حياتهم تحت رمادها وسلطتها القهرية. كما أضحى الوضع في المدينة أكثر ضبابية وهشاشةً لتصبح أكثر مدن الإقليم انعزالاً وبعدًا عن الإعلام.

 

وتعتبر مدينة زالنجي من بين أجمل مدن السودان من حيث الطبيعة كما أنها غنية بالموارد الطبيعية وتتميز بموقع استراتيجي في الإقليم، إذ تتاخم شمال دارفور من ناحية الشمال وشرقها ولاية جنوب دارفور وفي الشمال الغربي ولاية غرب دارفور وغربها تشاد وجنوبًا تحدها جمهورية أفريقيا الوسطى.

 

وتتكون زالنجي من ثلاث وحدات إدارية. فبالإضافة لزالنجي، توجد أبطأ وتريج، وبها سلسلة وديان وجبال على امتداد أراضيها وسهولها الخصبة وهي مدينة غنية بالزراعة والرعي وتتميز بالأراضي السهلية الطينية والرملية والتي تجعلها خصبة للزراعة في فصل الخريف والموسم الشتوي.

تداخل تجاري

بشكل عام، يقوم اقتصاد ولاية وسط دارفور على الزراعة والثروة الحيوانية والتجارة والتعدين (خام الحديد، النحاس، الزنك، الألومنيوم، الرصاص والذهب)، كما توجد بها حركة تجارية محلية بين القرى في شكل أسواق موسمية بالإضافة للتداخل التجاري الممتد بين دولتي تشاد وأفريقيا الوسطى بميناء تجاري بري في منطقة تيسي.

 

لكن ورغم كون الولاية غنية بكافة الموارد، لم تتقدم عجلة التنمية فيها بسبب إهمالها من الحكومات المتعاقبة خاصة حكومة الرئيس المخلوع، عمر البشير والتي انتهى في عهدها أبرز مشاريع التنمية في إقليم دارفور ككل (مشروع جبل مرة للتنمية الريفية) حيث تأثر بالعقوبات الاقتصادية التي فرضت على السودان وتوقف الدعم الذي كانت توفره السوق الأوروبية المشتركة للمشروع في عام 1995 وضمه لوزارة الزراعة  بولاية غرب دارفور، ومنذها عملت حكومة البشير على خصخصة أملاكه واستهداف عمال المشروع الذي بدأ منذ منتصف القرن الماضي بالفصل التعسفي.

 

فضلًا عن زالنجي توجد بالولاية مدن أخرى ذات أهمية بينها، نيرتتي وقارسيلا وأزوم والأخيرة تعد أكبر منطقة زراعية في الولاية. أما بالنسبة للتقسيم الإداري للولاية، فتوجد بها تسع محليات، هي: (أزوم، وادي صالح، قارسيلا، مكجر، أم دخن، غرب جبل مرة “نيرتتي”، شمال جبل مرة “روكرو”، بندسي، وسط جبل مرة “قولو” وأخيراً العاصمة زالنجي).

 

لكن إحدى مميزات زالنجي التي عززت حركة التجارة والتواصل فيها، هي وجود مطار يبلغ طول مدرج مهبطه تقريباً حوالي 2000 متر وعرضه أكثر من 50 مترًا، كما يوجد مهبط ترابي للطائرات تم انشاؤه بمدينة قارسيلا بواسطة إدارة مشروع جبل مرة.



من أين جاء اسم زالنجي؟

 

وتسمية زالنجي وفق روايات محلية من المدينة، ترجع إلى اسم حشائش تنمو على الوادي والكلمة بلغة قبيلة الفور أكبر مجموعة عرقية في المدينة. كما من ضمن الروايات، أن التسمية ترجع لقصة سلطان منطقة (وداي) بتشاد عندما استدعاه السلطان علي دينار لأمر ما لكن طريقة الاستدعاء لم تنل رضاه، وعند وصوله أخبر وفد المقدمة السلطان علي دينار بإحساس سلطان وداي قائلين باللهجة المحلية “سطان وداي زعلان، كما قالوا، زعلان جي ..أي حضر”، لكن هذه الروايات لم تذكر في أي وثائق عن تاريخ المنطقة بل متداولة عند بعض المثقفين المتحدرين من الولاية.

اندلاع الحرب في زالنجي

شهدت المدينة في أواخر مايو وعقب عمليات القتال العنيفة بين الجيش والدعم السريع، انتشارًا واسعًا لعمليات نهب وتخريب لمقار المؤسسات الحكومية بما فيها مخازن الأدوية التابعة لوزارة الصحة والأسواق  وجامعة زالنجي ومقار المنظمات الوطنية والأممية والبنوك، بينها البنك المركزي فرع زالنجي، مما تسبب في أزمة نقدية غير مسبوقة بواسطة مسلحين على متن دراجات نارية – ودرجت هذه المجموعة على مشاركة الدعم السريع في الميدان وتنفيذ أعمال عنف وتخريب وقتل-.

 

ومنذ تاريخ 17 مايو العام الماضي، أي بعد شهر من اندلاع الحرب وإلى اليوم، تعيش المدينة في عزلة تامة كما تشهد انقطاعًا تاماً لشبكات الإتصال والإنترنت، بجانب انقطاع المياه والكهرباء نتيجة تعرض وقود المحطة الرئيسية للكهرباء في المدينة للنهب.



كيف تبدو زالنجي؟

 

وفق مصادر تواصلت بيم ريبورتس معها في زالنجي بشكل متقطع بسبب انعدام الشبكة واعتمادهم على أجهزة الإنترنت الفضائي (إستارلينك) التي توفرها الدعم السريع للمواطنين مقابل المال، فإن الصورة في المدينة تبدو قاتمة بعد عام على الحرب خاصة في وجود ما يسمى بهيئة الإسناد المدني التي شكلتها الدعم السريع من المدنيين الموالين لها لإدارة المدينة. 

 

ووفق المصادر، فإن سوق زالنجي وسوق مرين وسوق آخر شرق المدينة وأسواق أسبوعية مثل سوق الخميس تعمل في المدينة بشكل دوري وأحيانًا بشكل غير منتظم وتتوفر فيها السلع الاستهلاكية والخضر والفواكه بالإضافة إلى المحاصيل والماشية لكن لا تتوفر سيولة للشراء، كما أن محال الإجمالي لم تفتح أبوابها إلى اليوم.

كما تنتشر في زالنجي عملة مزورة، وعملة أخرى تبدو أصلية لكن ليس بها أرقام رجحت المصادر أنها سُرقت من مطبعة العملة في الخرطوم.

انعدام المساعدات الإنسانية

منذ اندلاع الصراع لم تصل إلى مدينة زالنجي سوى ست شاحنات تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود محملة ببسكويت للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية وكانت تخص معسكرات النزوح بالإضافة إلى بعض الأثاثات.  وبشكل عام لا توجد سوى منظمتي IMC (الهيئة الطبية الدولية)، وأطباء بلا حدود، كما علمنا أن باقي المنظمات الوطنية والأممية كانت ترسل وفودًا لزيارات ميدانية فقط وتعود أدراجها، فيما لم تصل زالنجي أياً من المساعدات الجديدة التي خُصِصت للإقليم مؤخرًا.

أعلى نسبة نازحين في الولاية

وتضم زالنجي أربعة معسكرات رئيسية موجودة ما قبل الحرب هي (معسكر الحصاحيصا، الحميدية، معسكر خمسة دقائق ومعسكر طيبة). أما المعسكرات في باقي محليات ولاية وسط دارفور فتشمل بين معسكرين إلى ثلاثة في كل محلية من محليات الولاية الثماني الأخرى، وتعاني جميعها من سوء الأوضاع وانعدام الخدمات والدعم.

 

وقدرت مصفوفة تتبع النزوح في آخر تقرير لها مارس الماضي أن 428,180 نازحًا تمت استضافتهم في وسط دارفور اعتبارًا من 21 مارس 2024. وكانت المحليات التي استضافت أعلى نسبة من النازحين هي زالنجي (24%)، وشمال جبل مرة (20%)، ووسط جبل مرة (19%). ووفق التقارير، فإن ما يقرب من 63 في المائة قد نزحوا من مواقع أخرى داخل وسط دارفور، في حين نزح آخرون من ولايات في جميع أنحاء منطقة دارفور، بما في ذلك شمال دارفور (17٪)، وغرب دارفور (14٪)، وجنوب دارفور (5٪).

 

وذكرت التقارير أن ديناميكيات عمليات النزوح هذه عكست الروابط القبلية، مما يشير إلى درجة من التركيز حسب الأصل. وكان سبعة وتسعون في المائة من النازحين من شمال دارفور موجودين في محلية شمال جبل مرة، بينما لوحظ أن 85 في المائة من النازحين أصلاً من غرب دارفور في محلية أزوم. ومع ذلك، تمت ملاحظة النازحين في الأصل من وسط دارفور عبر نطاق أوسع من المحليات، حيث تمت ملاحظة 75 في المائة منهم في محليات زالنجي ووسط وغرب جبل مرة. وتفيد التقارير أن حوالي 35 في المائة من أسر النازحين داخلياً في وسط دارفور يقيمون في مجتمعات مضيفة، وهو ما يعكس عادة هذه الروابط القبلية وأنظمة الدعم الاجتماعي.

مستشفى و4 مراكز صحية

ما يزال مستشفى زالنجي التعليمي و4 مراكز صحية في الخدمة لكنها توفر خدماتها بشكل شبه تجاري ويعجز المواطنون عن تلقي العلاج بسبب الحالة الاقتصادية المتردية وفق ما أكد سكان محليون من زالنجي لبيم ريبورتس.

الحدود مفتوحة للنزوح

رغم ما شهدته زالنجي من أحداث ما زالت حدود بعض المدن والولايات متاحة للتنقل من وإلى زالنجي، إذ تبلغ التذكرة من زالنجي لنيالا  25 ألف جنيه سوداني وللجنينة 20 ألف جنيه وباقي المحليات 15 ألف جنيه، بينما الحدود مع دول تشاد، أفريقيا الوسطى وليبيا تبلغ تكلفة السفر إليها 500  ألف جنيه سوداني.

الدعم السريع تكمم أفواه الأصوات المناهضة لها



وفق روايات متطابقة من زالنجي، فإن الدعم السريع تشن اعتقالات ضد الذين يحاولون عكس الوضع الإنساني والأمني سواء في صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر الإعلام، ويتم استهدافهم وتهديدهم وهو ما جعل أغلب المصادر التي تحدثت إلينا تطلب عدم ذكر هوياتهم خوفًا من بطش قوات الدعم السريع. 

 

ومن أبرز حالات الاعتقال التي شهدتها زالنجي مؤخرًا بواسطة استخبارات الدعم السريع ، اعتقال أحد قيادات النازحين بمعسكرات زالنجي، الشيخ عبد الرازق سليمان، إذ اعترضته من أمام الساحة الشعبية بزالنجي وهو في طريقه مع وفد من شيوخ النازحين إلى مفوضية العون الإنساني للبحث عن سبل وصول المساعدات الإنسانية.

 و اقتادته إلى مقر الدعم السريع الذي يسمى بـ(الفوج) الواقع بجوار مبنى جهاز الأمن السابق وفق ما أعلنت مجموعة ( يلا نرصد الحقوقية) في منتصف فبراير الماضي.

وكان  بيان المجموعة الحقوقية  قد أوضح وقتها أن الاعتقال تم عن سابق رصد على خلفية تصريحات أدلى بها خلال مقابلات إذاعية تحدث فيها عن الوضع الإنساني بالولاية.

 

ما مصير زالنجي بعد توقف الإنترنت الفضائي؟

 

رغم حالة العزلة شبه الكاملة التي تعيشها زالنجي حالياً إلا أن تواصلها مع العالم خارج حدودها يظل مرهونًا فقط بأجهزة استارلينك التابعة لشركة SPACE X، مع استمرار انقطاع الإتصالات والانترنت.

 لكن حتى هذا الأمل المحدود  أضحى معلقاً بمدى جدية تنفيذ قرار إيقاف خدمة الإنترنت الفضائي في السودان بعد إعلان الشركة عن قطعها الخدمة عن المشتركين اعتباراً من تاريخ 30 أبريل الجاري لحين الموافقة على العمل من الحكومات المعنية، إذ بتنفيذه لن تصبح زالنجي وحدها بقعة من الظلام بل جميع مناطق السودان المتأثرة بالنزاع بما فيها العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة في الوسط.

تقارير بيم

عام من الحريق.. كيف يقطع السودانيون الطريق من الحرب إلى السلام؟

مثّلت المواجهات المسلحة التي اندلعت صبيحة السبت الخامس عشر من أبريل 2023 في عدة مناطق بالعاصمة السودانية الخرطوم، بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والتي دخلت أمس عامها الثاني، أكثر الإشارات المقلقة، في دورات الصراع المسلح في تاريخ السودان الحديث.

وبالفعل، لم تمضِ سوى أيام وأسابيع وأشهر معدودة، حتى تحولت، حياة ملايين السودانيين في معظم أنحاء البلاد إلى جحيم حقيقي، إذ قُتلوا وجرحوا وشردوا كما فقدوا ما بُني ورُوكم عبر السنين، عامًا كان أم خاصًا ليبدأوا رحلتهم إلى المجهول يرافقهم الإفقار المتعمد والحطام الشامل، مع نور للأمل بكل تأكيد.

فالبلاد وشعبها وأرضها، تحدوا على مدى آلاف السنين، الحروب، الكوارث والصراعات، باقين في أرضهم بكل صلابة مادّين أياديهم للحياة في جغرافية عضوية مترامية الأطراف تكمل بعضها بعضا، اقتصادًا، روحًا وتنوعًا تحت العنوان الأكبر، السودان.

بعد عام من انطلاق الرصاصة الأولى والتي ما تزال تثير جدلًا في أوساط الرأي العام السوداني حول من أطلقها من طرفي القتال، انزلقت البلاد في أتون حرب مدمرة و واسعة النطاق، تعيد تعريف السودان بالسلاح، ومع ذلك تستمر المجهودات الدولية في محاولة إنهاء الحرب الدامية في السودان.

وفي هذا السياق، برز ملف العودة إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حل سلمي للصراع ،بإعلان المملكة العربية السعودية عن استئناف محادثات جدة في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة.

في وقت رحب المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، الاثنين، بالقرار السعودي، وقال إن المفاوضات ستعود بين الأطراف المتقاتلة في السودان خلال ثلاثة أسابيع وذلك عقب اجتماعه مع نائب وزير الخارجية السعودي، وليد الخرجي، على هامش مؤتمر باريس حول السودان.

وشدد المسؤول الأمريكي  قائلًا «إن الحرب على الشعب السوداني يجب أن تنتهي الآن».

ورغم مخاوف التمزق والانهيار التي تحيط بثالث أكبر بلد إفريقي، إلا أن بعض الخبراء والسياسيين، يرون أن هناك فسحة من الأمل وخطوات عملية قد تؤدي إلى إنهاء الحرب. وبالتالي، تبدو محاولة تفادي المزيد من الانهيار ممكنة، إذا بدأ السودانيون السير في طريق السلام.

الظهور بموقف منسجم ضد الحرب أمام المجتمع الدولي

جمعة كندة

الخبير في دراسات السلام ومستشار رئيس الوزراء السابق لشؤون السلام، جمعة كندة يضع مصفوفة من عدة محاور يرى أنها تقود إلى السلام في السودان.

وقال كندة لـ«بيم ريبورتس» إن الطريق إلى السلام سيكون ممهدًا من خلال تنامي الصوت الرافض للحرب وتراجع القوى الداعمة لها بالإضافة إلى توحد أو تنسيق القوى المدنية حول أجندة إيقاف الحرب والظهور بموقف منسجم ضد الحرب أمام المجتمع الدولي.

ورأى أن قدرة القوى المدنية والسياسية المؤثرة على استيعاب مصالح دول بعض الجوار والدول المجاورة ومدى تضاربها مع مصالح السودان ومحاولة إيجاد صيغة سياسية توفر أرضية لمعادلة (كسب- كسب) في علاقات السودان الإقليمية والجوارية، أمر محوري ومهم.

ويعتقد كندة أن اقتناع القوى الدولية والإقليمية الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوداني بضرورة ممارسة الضغط الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي المطلوب على أطراف الحرب بما فيها داعمي المجهود الحربي من قوى إقليمية ودولية ودول جوار، مسألة محورية ومهمة في تحقيق السلام.

مؤتمر مائدة مستديرة

«عام لم يكن أحد يظن أنه سينقضي دون أن تضع الحرب أوزارها؛ لا نحن المدنيون المجني عليهم ولا الجناة الذين أشعلوا الحرب وقد ظنوها تنتهي في ليلة وضحاها»، تقول مساعدة رئيس حزب الأمة القومي،رباح الصادق المهدي.

ورأت المهدي في حديث لـ«بيم ريبورتس» أن الطريق إلى السلام رهين بتنامي شعور عام وسط المدنيين بضرورة وقفها فورًا وبأن أي مكاسب منظورة من استمرارها ثمنها أغلى من التفكير في دفعه، وأضافت «فإذا صار هذا هو الشعور العام سيجد الطرفان أنهما عزلا ونضب معينهما البشري وانهارت روحهما المعنوية وألا مناص من الجلوس للتفاوض حول السلام».

رباح الصادق

وتعتقد المسؤولة الحزبية الكبيرة أن الوضع الحالي في البلاد يشهد استقطابا، وقالت «الآن على العكس يتفاقم المد المدني بالغضب ويزداد استقطاب المستنفرين الغاضبين من انتهاكات الدعم السريع مع القوات المسلحة. وفي المقابل، يستمر الإمداد القبلي والانحياز للدعم السريع على أسس بعضها جهوي وبعضها باعتباره مخلص السودان من الإخوان».

وتقول المهدي  «حتى رافعي شعار لا للحرب للأسف انتهى ليكون في غالبه منصة للغاضبين من الجيش والإسلامويين من خلفه. وبالتالي صار منصة لتأجيج الكراهية والاستقطاب ولسان حاله يقول: نعم للحرب حتى القضاء على آخر كوز».

تابعت قائلة «نحتاج إلى منصة ترفض الحرب بصورة مخلصة وحقيقية لا مجرد شعار.. منصة تفلح في تجميع أكبر قدر من القوى المدنية والديمقراطية الرافضة للحرب حقًا والتي لا تنظر لمكاسبها، بقدر ما تنظر، إلى مصير البلد المشؤوم حال استمرت هذه الحرب».

وأضافت «إذا قامت هذه المنصة و أفلحت في جذب غالبية السودانيين يمكن حينها أن تفلح الدعوة إلى مؤتمر مائدة مستديرة يشارك فيها الجميع وتضع تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار الكامل والترتيبات الأمنية وملامح الإصلاح والبناء الأمني والعسكري وترتيبات خروج العسكريين من المشهدين السياسي والاقتصادي».  وقالت «الآن للأسف فإن الحرب لا تزال في حالة مد وسط المدنيين؛ وجزرها يحتاج إلى نفوس جديدة تأخذ من درس هذا العام اللعين عبرة لتغيير شامل».

تعرية المتحاربين وفضح أجندة الحرب

للجان المقاومة السودانية رؤيتها لإنهاء الحرب وتحقيق السلام الذي تشتد الحاجة إليه، يقول ممثل تنسيقيات لجان المقاومة الميثاق الثوري، عصام الدين أحمد، إن الطريق إلى السلام يبدأ بإيقاف الحرب وإنهاء مسبباتها عبر تعرية المتحاربين ورفع الغطاء السياسي عنهم.

كما دعا إلى فضح أجندة الحرب التي قال إنها عملت على تعطيل مسار ثورة ديسمبر وتغيير تركيبة الشعب السوداني الاجتماعية والاقتصادية لصالح القوى المضادة للثورة ممثلة في المحاور الإقليمية والدولية وحلفائهم في الداخل من الإسلاميين والدعم السريع والحركات المسلحة المصطفة مع ذات المحاور.

ورأى أحمد في حديث لـ«بيم ريبورتس» أن الخطوة التالية تتمثل في العمل على تكوين قاعدة برامجية واحدة من أصحاب المصلحة في التغيير قادرة على إدارة الأزمة.

وأضاف أنه وفقًا للرؤية السياسية لا بد من قيام مؤتمر بتمثيل جماهيري للوصول إلى كيف يحكم السودان، معربًا عن اعتقاده أن الرؤية السياسية والميثاق الثوري من أفضل المنجزات الثورية لمخاطبة قضايا السودان وإيقاف وإنهاء الحرب.

تظاهرات في شوارع الخرطوم - 19 ديسمبر2021 CNN

ممارسة المزيد من الضغوط على طرفي الحرب

المتحدث الرسمي باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم»، بكري الجاك، رأى أنه لا بد من وصول طرفي الحرب إلى قناعة بأنه لا يوجد خيار نصر عسكري حاسم لأي منهما وأن الاستمرار فى الحرب سينتهي بفقدان قياداتهما السيطرة على القوات.

وقال الجاك لـ«بيم ريبورتس» إن المجتمعين الإقليمي والدولي يجب أن يقوما بممارسة المزيد من الضغط لحث الطرفين على الجلوس للتفاوض، كما أكد أن على القوى المدنية عدم التماهي مع سردية أي من أطرافها وحشد الهمة الوطنية على رفضها و المطالبة بهدنة إنسانية يمكن أن تغير طبيعة الصراع.

بكري الجاك

التمسك بالحوار والوسائل السلمية

رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية تقدم ورئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك يقول إن هذه الحرب لم تندلع فجأة بل كانت أسباب تفجرها تتراكم يوماً بعد يوم، مشيرًا إلى تحذيره من لحظة اقترابها وعما ستجلبه على بلادنا من كوارث.

ودعا حمدوك في كلمة متلفزة بمناسبة مرور عام على اندلاع الحرب في البلاد، للتمسك بالحوار والوسائل السلمية «مستلهمين هذه الروح من ثورتنا التي تمسكت بسلميتها رغم كل ما واجهها من عنف وعنت وتآمر».

ورأى حمدوك أن «التآمر على الثورة بدأ منذ يومها الأول بالإعلان عن الالتزام بأهدافها ثم التخلي عنها ومحاولة وأدها مثلما حدث في مذبحة فض الاعتصام ثم التوقيع على المواثيق والاتفاقات ونقضها والعمل مع أعداء الثورة وتم تتويج ذلك بالانقلاب الذي وقع في 25 أكتوبر 2021. سدوا كل منافذ الضوء التي قدمها لهم شعبنا وقادو بلادنا لهذه المحرقة».

عبدالله حمدوك

وتابع «ظلت القوى المدنية حريصة على استعادة مسار الانتقال الديمقراطي، لكن رغم ذلك نحن لا ننكر الأخطاء التي ارتكبت خاصة فيما يتعلق بوحدة قوى الثورة والتي كانت يجب أن تكون فوق كل اعتبار لأنها هي الضمان الوحيد للحفاظ على الثورة وأهدافها. انشغلت القوى المدنية بالخلافات الصغيرة وفتحت ثغرات في جدار الثورة نفذ من خلالها أعداءها».

وقال «رغم كل ما تقدم لقد ترفعنا عن كل دافع ذاتي وشخصي وظلت بوصلتنا مصوبة نحو مصلحة وسلامة أمن بلادنا وشعبنا، بذلنا مع الحريصين جهوداً لمنع انفجار الأوضاع ولم تتوقف الاتصالات الداخلية والخارجية لمنع الحرب إلا أن النية كانت مبيتة عند البعض لإشعال الحرب غير مبالين بنتائجها وآثارها على البلاد».

وأكد حمدوك أنهم قدموا الدعوات لطرفي الحرب للقاء مع قيادة تقدم لبحث سبل إنهاء الحرب لافتًا إلى أنهم تلقوا ردودًا ايجابية وتم تدشين ذلك باللقاء مع حميدتي وتوقيع اتفاق أديس أبابا، وقال «نتطلع للقاء القائد العام للقوات المسلحة».

وفيما يتعلق بمؤتمر باريس، قال حمدوك إن مشاركتهم تأتي للفت أنظار العالم للظروف المأساوية التي يعيشها شعبنا ولندعوه لتحمل مسؤولياته تجاه بلادنا وشعبنا. مضيفًا «لسنا محايدين أو وسطاء.. نحن منحازون لأسر الشهداء من العسكريين والمدنيين ومنحازون للشعب الذي تعرض لانتهاكات كثيرة ومنحازون للبرنامج الوطني الديمقراطي ولن يتحقق ذلك إلا عبر العودة لمنبر التفاوض واتخاذ الحل السلمي التفاوضي».

وشدد قائلًا «إننا نتفهم حجم الغبن والغضب الذي اعتمر في قلوب الذين تعرضوا لهذه الانتهاكات ونحترم حقهم في المطالبة بالقصاص، لكننا نرى أن على القيادات السياسية والعسكرية والمجتمعية والمدنية أن تنظر أبعد من ذلك وتدرك أن نار الحرب لن تعيد الحقوق بل تفتح الباب لمزيد من الجرائم والانتهاكات».

تقارير بيم

عام كامل من حرب المعلومات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع

  

 

على مدى عام كامل من الحرب الميدانية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تدور في المقابل حرب إعلامية ليست أقل شراسة مما يدور على الأرض، على جميع وسائل الإعلام، خاصة وسائل التواصل الاجتماعي، تتولى فيها جيوش إلكترونية موالية للطرفين، الدعاية الحربية. 

 

وفي أعقاب اندلاع الصراع في السودان قبل عام بين الجيش وقوات الدعم السريع، بدأ الطرفان في إغراق وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بسيل من المعلومات الكاذبة والمضللة، حيث يعملان على تعزيز خطابهم الإعلامي المتعلق بالدعاية الحربية أو الدعاية السياسية المصاحبة لها، أو لصناعة معلومات مضللة للتهرب من انتهاكات حقوق الإنسان التي نتجت عن الحرب المستعرة بينهما.

 

بعد عام من اندلاع الحرب في السودان، نستعرض في هذا التقرير محاولات الطرفين وداعميهم الخارجيين والداخليين لتوجيه الرأي العام السوداني، ومدى تأثير حملات المعلومات المضللة الممنهجة التي أنتجها الطرفان على الرأي العام السوداني والدولي.

 

بدأت محاولات التأثير على الرأي العام السوداني منذ لحظة إطلاق الرصاصة الأولى حيث تبادل الطرفان الاتهامات بشأن مسؤولية بدء القتال، وامتد تبادل الاتهامات من مسؤولية بدء المعارك إلى السيطرة على الأرض. فنشرت المنصات الرسمية لطرفي الحرب معلومات كاذبة ومضللة تعود إلى موقفها الميداني، لتتطور في هذا العام إلى جيوش إلكترونية تتولى الدعاية الحربية عنهما. 

هذا التضارب، مثل قاعدة صلبة لعمليات التضليل اللاحقة التي شهدها الفضاء الرقمي السوداني على مدى عام من الحرب في ميادين الحرب الإعلامية، منتجًا معه خطاب الطرفين الإعلامي والدعائي.

الدعاية الحربية

لكل حرب خطابها الإعلامي الذي يهدف عادةً إلى رفع الروح المعنوية للجنود ومخاطبة مخاوف المناصرين، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية يمتلك طرفي الحرب جيوشًا إلكترونية تتولى الدعاية الحربية عنهما. ولتعزيز موقفهما يصنع الطرفان معلومات مزيفة ومضللة لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض. 

 

على سبيل المثال، في اليوم الأول من القتال في 15 أبريل العام الماضي، نشرت المنصات الرسمية للجيش السوداني وقوات الدعم السريع، روايات متضاربة ومعلومات مضللة عن حقيقة السيطرة على الأرض، حيث مثلت تلك البداية، المناخ الأكثر خصوبة لنشاط شبكات التضليل المناصرة لهما لاحقاً.

في اليوم نفسه، تداولت مجموعة حسابات مناصرة للجيش السوداني على منصات التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تشيد بالجيش “لشنّه ضربات جوية على مقرات لقوات الدعم السريع، والاستيلاء على كميات ضخمة من النقود من منزل دقلو، وشنّ غارات جوية في شمال البلاد”. لكن اتضح أن اللقطات قديمة وتعود الى اليمن وليبيا، كما أن بعضها كان ألعاب الفيديو.

وبالمثل، تداولت حسابات مناصرة للدعم السريع مقاطع فيديو لإسقاط طائرات حربية مقاتلة مدعية أنها تتبع للجيش السوداني تم إسقاطها من قبل الدعم السريع في المعارك، وبعد التحقق منها اتضح أنها قديمة حيث تعود إلى عمليات القتال في سوريا.

لاحظ فريق مرصد بيم أن نشاط المعلومات المضللة المتعلق بالسيطرة والتقدم على الميدان، يتزامن في التوقيت مع المعارك التي تدور بين الطرفين، وبالتزامن مع ذلك تتولى مجموعة من الحسابات المناصرة للطرفين مسؤولية نشر هذه المعلومات على أوسع نطاق. 

على سبيل المثال، شهدت مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور معارك دامية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع استمرت لأشهر انتهت بسيطرة الدعم السريع على المدينة في أكتوبر الماضي.

بالتزامن مع تلك المعارك، نشرت مجموعة من الحسابات المناصرة للجيش السوداني، صورة مضللة مدعية أنها لجنود من الدعم السريع يهربون من نيالا. كما نشرت الحسابات الموالية للجيش في اليوم نفسه قبل سيطرة الدعم السريع على مقر (الفرقة 16) التابعة للجيش السوداني بمدينة نيالا، محتوى مفبركًا يتعلق بمحادثات جدة التي تدور بين الطرفين يفيد بأن الجيش انسحب من المفاوضات نتيجة لهجوم الدعم السريع على نيالا. 

وبالتحقق من تلك الادعاءات، توصلنا إلى أن الصورة قديمة وهي لم تكن في السودان ولا علاقة لها بالأحداث الجارية فيه. 

بالبحث في الادعاء القائل بأن الجيش ينسحب من مفاوضات (جدة)، وجدنا أن المفاوضات كانت ما تزال جارية في ذلك الوقت ولم ينسحب الجيش منها.

حملة المعلومات المضللة التي صاحبت المعارك في نيالا، تنطبق كذلك على معارك ولاية الجزيرة ود مدني، حيث بالتزامن مع القتال نشطت مجموعة كبيرة من الحسابات والصفحات المناصرة للطرفين في بث دعاية حربية، ومعلومات مزيفة ومضللة، جميعها تتعلق بالمعارك في ولاية الجزيرة.

الرواية السياسية للحرب

مثلما سرد الطرفين روايتهما عن الحرب، أدلت القوى السياسية بدلوها، حيث اتهمت قوى الحرية والتغيير حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية بإشعال الحرب، بينما نفت الحركة الإسلامية السودانية في بيانها المعنون بـ(ادعاءات الفتنة) تورطها في إشعال الحرب وحملت مسؤولية قيامها لقوى الاتفاق الإطاري، وأعلنت أنها تقف مساندة للجيش وأنها لن تتوانى في تلبية نداء القتال بجانب الجيش متى ما طلب منها ذلك. 

ومثّل تباين روايات القوى السياسية حول حقيقة الحرب لاحقاً مناخًا خصبًا للتضليل السياسي، نشطت فيه كل الأطراف السياسية والعسكرية عبر صناعة معلومات مضللة تعزز من سردياتهم وتهاجم خصومهم السياسيين. 

 

عمل فريق مرصد بيم منذ اندلاع القتال قبل عام على عدد من التقارير التي صنفناها بين (مفبرك ومضلل) استهدفت القادة السياسيين والعسكريين على حدٍ سواء. 

على سبيل المثال، رصد فريق مرصد بيم محاولة تلاعب بالرأي العام عبر صناعة معلومات مفبركة تستهدف القوات المسلحة وداعميها السياسيين وتستثني قوات الدعم السريع. كما رصد فريقنا عددًا من المعلومات المضللة والمفبركة التي تقوم بنشرها منصات تناصر الدعم السريع وتهاجم القوات المسلحة وداعميها.

في المقابل، رصد فريقنا منذ اندلاع القتال عشرات الحسابات والصفحات بعضها تقول إنها مؤسسات إعلامية. جميع هذه المنصات تناصر الجيش السوداني وتعمل على صناعة معلومات مضللة تستهدف قادة من الدعم السريع وقادة القوى المدنية الديمقراطية (تقدم).

التضليل وسيلة للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان

لم تقتصر عمليات التضليل على الوضع الميداني أو الجانب السياسي للحرب فحسب، بل عمل طرفي الحرب على بث معلومات مضللة بالتزامن مع أحداث على الأرض تمثل إنتهاكات لحقوق الإنسان في مسعى منها للتهرب من المسؤولية عن تلك الانتهاكات عبر إغراق الفضاء الرقمي بمعلومات مضللة.

 

على سبيل المثال قصف الجيش السوداني في يناير الماضي مدينة نيالا، وقالت وسائل إعلام إن القصف طال أحياء مدنية حيث تركز على «حي المطار، وحي تكساس»، كما شمل مركز المناعة ومستشفى شفاكير وميز الأطباء الواقع في منطقة السوق الكبير في المدينة، وقد أسفر القصف عن سقوط عدد من الضحايا وسط المدنيين وإصابة آخرين بجروح متفاوتة. 

بالتزامن مع عملية القصف نشرت مجموعة من المواقع الإلكترونية والحسابات والصفحات على منصات التواصل الاجتماعي المناصرة للجيش السوداني ادعاء قالت فيه إن الجيش قام بتدمير طائرة شحن إماراتية كانت تحمل إمدادًا للدعم السريع بالقرب من نيالا. 

تحقق فريقنا من صحة الادعاء وتوصلنا إلى أنه مضلل، حيث أن الجيش قام بقصف المدينة في صباح ذات اليوم ولكنه لم يقصف طائرة شحن إماراتية بل قصف مرافق صحية وأحياء سكنية راح ضحية ذلك مدنيين وأصيب أخرين بجروح.

 يبدو أن الحسابات التي قامت بنشر الادعاء ربما تٌريد التغطية على هذه الانتهاكات، حيث تمت عملية النشر على نطاق واسع بالتزامن مع حدوث تلك الانتهاكات. 

بالمقابل، تتخذ الدعم السريع ذات الأساليب لتحميل مسؤولية قصف المرافق المدنية للجيش السوداني. 

على سبيل المثال، سيطرت الدعم السريع على ولاية الجزيرة وسط السودان في ديسمبر الماضي، وفي الأشهر التالية تحرك الجيش السوداني لاستعادة المدينة حيث جرت معارك بينه وبين الدعم السريع في تخوم الجزيرة وفي بعض قراها، ولا تزال مستمرة. وقالت لجان مقاومة مدني ومنظمات حقوقية أخرى إن الدعم السريع ارتكبت انتهاكات ضد المدنيين.

وفي هذا السياق، نشرت مجموعة من الحسابات والمنصات المناصرة للدعم السريع في السادس من أبريل الجاري صورة تظهر مبنى محترق ادعت بأنه يتبع لجامعة الجزيرة وأن طيران الجيش هو من قام بتدميره. 

تحقق فريقنا من صحة الصورة تبين لنا أنها مفبركة حيث تم تخليقها عبر الذكاء الاصطناعي، بيد أن هذه المعلومة جاءت بالتزامن مع استمرار المواجهات في ولاية الجزيرة التي يتهم الدعم السريع بارتكاب مجموعة من الانتهاكات فيها بحق السكان المدنيين.

ويبدو أن مجموعة الحسابات التي تداولت الادعاء المفبرك تعمل بصورة منظمة لإدانة الجيش السوداني بقصف مرافق مدنية، أو للتهرب من الانتهاكات التي ارتكبتها ومحاولة تحميل الجرم إلى الخصم.

أساليب قديمة متجددة لصناعة المعلومات المضللة

 

عرف الفضاء الرقمي السوداني عمليات التضليل منذ وقت مبكر في عهد حكم الرئيس المخلوع، عمر البشير حيث أسس جهاز المخابرات العامة (جهاز الأمن والمخابرات الوطني) سابقًا، ما يعرف بـ(وحدة الجهاد الإلكتروني) كانت مهمتها جمع المعلومات عن الناشطين السياسيين المعارضين للنظام واستهداف الرأي العام السوداني. 

ومع تطور الأحداث السياسية والتغيرات التي جرت على البلاد، تشير قاعدة بيانات تقارير مرصد بيم إلى أن جهات داخلية من بينها الجيش السوداني والدعم السريع وجهاز المخابرات العامة وجهات ذات توجه إسلامي وجهات مناهضة للحكم العسكري تنشط في الفضاء الرقمي السوداني وتنشر معلومات كاذبة ومضللة. 

 

تتبع الجهات المشار إليها في سابق الأمر أساليب تقليدة وتكتيكات قديمة، منها فبركة تصريحات وإعادة تصميمها في صور إطارية لقنوات عالمية مثل الجزيرة والعربية وغيرها ثم نسبها إلى قادة سياسيين ومدنيين، أيضًا من تلك الأساليب هو إعادة نشر مقاطع فيديو قديمة على إنها بتاريخ حديث، كذلك نشر صور ومقاطع فيديو جرت أحداثها في دول أخرى مع الادعاء بأنها من السودان. 

 

ومع تطور التكنولوجيا ودخول حقبة الذكاء الاصطناعي، لجأ طرفي الصراع إلى أساليب جديدة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لاستنساخ أصوات بشرية حقيقة لقادة عسكريين وسياسيين وفبركة محتوى يخدم رواية الأطراف المتحاربة. 

حيث أشار تقرير أعده مرصد بيم أن مجموعة من الحسابات المناصرة للدعم السريع على منصة إكس نشرت محتوى صوتيًا مزيفًا تم تخليقه عبر الذكاء الاصطناعي يستهدف قائد الجيش السوداني. الملاحظ في الأمر أن هذه المحتوى أول من قام بنشره حسابات لصحفيين بريطانيين على منصة إكس تدعم إسرائيل والتطبيع بين إسرائيل والإمارات. كما أن المحتوى  تناقله سياسيون سودانيون ومنصات موالية للدعم السريع.

 

وفي السياق نفسه، نشر حساب في تويتر محتوى أكد بأنه مفبرك، وبعد عملية الفحص تبين لنا أنه تم تخليقه عبر الذكاء الاصطناعي بنسبة أكثر من 97%. يفيد محتوى المقطع الصوتي بأنه مكالمة تجمع قادة من (تقدم) مع قائد الدعم السريع، نشر المحتوى المزيف تلفزيون السودان القومي ومجموعة أخرى من المواقع والصفحات والحسابات المناصرة للجيش السوداني مدعين أنه مكالمة تجمع (حميدتي) ووزير شؤون مجلس الوزراء السابق خالد عمر يوسف ورئيس الحركة الشعبية التيار الديمقراطي ياسر عرمان وهم يخططون للاستيلاء على السلطة بالقوة في 15 أبريل من العام الماضي.

بناء على ما سبق ذكره يتضح أن طرفي الحرب في السودان، بالتوازي مع معاركهما في الميدان، يخوضان حربًا أخرى على منصات التواصل الاجتماعي، تستخدم فيها مختلف أسلحة التضليل لتعزيز دعايتهم الحربية، أو لمهاجمة خصومهم السياسيين والعسكرين، متبعين أساليب أكثر تطورًا مما سبق، في مسعى لكسب التأييد الداخلي والخارجي أو للتأثير على الرأي العام المحلي والدولي أو للتهرب من مسؤوليتهما في انتهاكات حقوق الإنسان الناتجة عن الحرب المستمرة بينهما. 

ومع بلوغ الصراع عامه الأول ما تزال تلك الجهات تنشط بصورة عالية داخل الفضاء الرقمي السوداني، في محاولة لتوجيه الرأي العام والتأثير على المعلومات الحقيقية المتعلقة باستمرار الحرب أو سبل إيقافها.

الإعلان عن «سلطة جديدة» موالية للدعم السريع بالجزيرة.. ولجان مقاومة ترفض الاعتراف

29 مارس 2024 – ما تزال تداعيات سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة وسط البلاد تُخيم على المشهد الإنساني فيها، فيما برزت على السطح تطورات سياسية جديدة بتنصيب إدارة مدنية موالية لها الثلاثاء.

وقالت ما أطلق عليها الإدارة المدنية إنها ستعمل على استعادة النظام الإداري وحماية المدنيين وتوفير الخدمات الإنسانية بالتنسيق مع قوات الدعم السريع في خطوة مفاجئة لاقت جدلاً ورفضًا.

وأعلن رئيسها، صديق أحمد، في مؤتمر صحفي الثلاثاء في مدينة ود مدني، أن الإدارة تعد بمثابة ما وصفه بوضع «الخطوة الأولى في بناء الدولة السودانية ورسم معالم التاريخ الجديد لوطن يتطلع له الشعب السوداني من ولاية الجزيرة»

وقال رئيس السلطة الموالية لقوات الدعم السريع إن قائدها محمد حمدان دقلو «حميدتي» أوفى بتسليم السلطة للمدنيين بعد اقتلاع ما وصفها بدولة التمكين للحزب الواحد، متعهدًا بوضع الأسس المتينة للحكم الاتحادي.

يأتي تشكيل السلطة المدنية الموالية للدعم السريع وسط استمرار انتهاكاتها للشهر الرابع على التوالي وفي ظل تحشيد عسكري كبير للجيش على حدود الولاية المختلفة تمهيدًا لمهاجمتها. 

والأربعاء، قلل نائب قائد الجيش السوداني، شمس الدين الكباشي، خلال حديثه إلى قواته بمدينة القضارف من خطوة إعلان إدارة مدنية بولاية الجزيرة، معلنًا اكتمال الخطوات لـ«تحرير مدينة ود مدني» من قبضة قوات الدعم السريع.

وكان «حميدتي» قد هدد في سبتمبر الماضي بتشكيل سلطة في العاصمة الخرطوم في حال شكل قائد الجيش،عبد الفتاح البرهان، حكومة مدنية بمدينة بورتسودان شرقي البلاد التي انتقل إليها بعد خروجه من القيادة العامة.

وفتحت الخطوة باب التساؤلات حول اقتران الإدارة المدنية  ببنود إعلان أديس أبابا الذي كان قد وقعه قائد قوات الدعم السريع ورئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية «تقدم»، عبد الله حمدوك، في العاصمة الإثيوبية مطلع يناير الماضي.

وكان إعلان أديس أبابا حوى نصوصًا تضمنت التزام الدعم السريع بتشكيل إدارات مدنية بتوافق أهل المناطق المتأثرة بالحرب تتولى مهمة ضمان عودة الحياة لطبيعتها وتوفير الإحتياجات الأساسية للمدنيين. 

كما توافق الطرفان على تشكيل لجنة وطنية لحماية المدنيين من شخصيات قومية داعمة لوقف الحرب تتولى مهام مراقبة إجراءات عودة المدنيين وتشغيل المرافق المدنية وتوفير الإحتياجات الإنسانية. 

ومع ذلك، لم تصدر قوات الدعم السريع أي بيان رسمي حول صلتها بالإدارة أو مباركتها للخطوة، فيما لم تعلق أي من القوى المنضوية في تنسيقية تقدم بشكل رسمي على إعلان إدارة مدنية في ولاية الجزيرة بما في ذلك حزب الأمة القومي والذي أشارت تقارير إعلامية إلى أن من تولى رئاسة الإدارة الجديدة بالجزيرة، هو أحد قياداته.

-التيار الوطني- أحد الأجسام التي نددت بشدة بالإعلان عن تشكيل سلطة مدنية في الجزيرة عبر بيان الثلاثاء، واعتبر الخطوة استمرارًا لنهج الانتهاكات ضد الشعب السوداني المحكوم بتهديد السلاح، وقال إن الشعب قادر على بناء دولته المدنية دون الحاجة لتدخل أي جهة خارجية، مشيرًا إلى أن المواطنين أجبروا على المشاركة تحت ضغط حماية أنفسهم وأهلهم.

كذلك أعلنت لجان مقاومة ود مدني في بيان الأربعاء عن استغرابها من الخطوة، بإعلان «مليشيا الدعم السريع الغاصبة ما أسمته بالمجلس المدني لولاية الجزيرة».

وتساءل البيان، «أي سُلطة مدنية يمكن أن يمنحها القاتل والسارق والمغتصب والغازي لحماية المدنيين من أنفسهم كما هو معهود من مليشيا تهلك الحرث والنسل وتتوهم البطولة ونصرة المستضعفين وهي من أضعفتهم وشردتهم وسرقت كل ممتلكاتهم».

وشددت على رفضها القاطع التمثيل المباشر وغير المباشر العسكري والمدني وكل أشكال ودهاليز وتبعيات ومعاوني الدعم السريع في الولاية.

 وذكرت أنها  متربصة بكل من وصفتهم بالمرجفين الداعمين لحكومة القتلة من جميع التنظيمات السياسية والإدارات الأهلية والمستنفعين، وأن بينها وبينهم الحساب وشر العقاب.

وفي ظل تداعيات ما أطلق عليها الإدارة المدنية، رفضت لجان المقاومة الحصاحيصا، الإدارة التي وصفتها بالمزعومة معتبرةً أن الخطوة تعبر عن عجز الدعم السريع عن تحجيم الانتهاكات والسيطرة على قواتها المتفلتة على حد تعبيرها وأنها تبحث عن من يحمل جرمها معها.

واعتبرت أن تشكيل الجسم تنفيذًا لما جاء في مقررات اتفاق أديس أبابا بين من وصفتها بمليشيا الدعم السريع وتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية «تقدم» الحليف السياسي للمليشيا وفق ما ذكرت.

ورأت اللجنة أن هذه الخطوة لها تبعاتها الكارثية التي ستؤدي إلى تقسيم البلاد إلى دويلات مستشهدةً بالنموذج الليبي.

وتواصلت «بيم ريبورتس» مع عدد من القياديين في تنسيقية تقدم  وفي حزب الأمة القومي كذلك للحصول على رد حول موقفهم بشأن التطورات السياسية في الجزيرة وتعليقهم علي مايتداول عن تبعية رئيس الإدارة لحزب الأمة، لكن أسئلتنا لم تجد ردًا منهم.

ورغم خطابه الذي تغلب عليه لغة الموالاة للدعم السريع نفى رئيس ما أطلق عليها الإدارة المدنية في ولاية الجزيرة، صديق أحمد، في مقابلة صحفية مع قناة الشرق تبعية ادارته للدعم السريع، قائلاً إن الأخيرة تسرعت في الإعلان عن الإدارة، مؤكدًا أنهم أصحاب الشأن.

وأضاف: «نحن لم نأتي بوصايا من الدعم السريع ولم تكن الدعم السريع واجهة سياسية ننتمي لها.. نحن مواطنين شرفاء ننتمى لحواضن سياسية مختلفة نشكل مجموعة من المدنيين لكي نوفر للمواطنين وسائل تحفظ لهم مستحقاتهم بانسياب الخدمات الأساسية وإيقاف الانتهاكات التي تحدث من متفلتين في مناطق سيطرة الدعم السريع».

لكن التقارير المستمرة للجان المقاومة في ولاية الجزيرة ومنظمات حقوقية أكدت أن من يرتكب الانتهاكات هم عناصر قوات الدعم السريع وليس من وصفهم بالمتفلتين. 

وذكر أن آليات الادارة المدنية للوقوف في وجه من وصفها بالقوات المتفلتة تشمل التنسيق مع قوات الدعم السريع التي أشار إلى استجابتها ووعدها لهم بإيقاف هذه الإنتهاكات، واتخاذها خطوات إيجابية لذلك، مشدداً على أن ذلك لا يعني تبعيتهم للدعم السريع أو أي طرف من المتنازعين.

ممثلون للدعم السريع في السلطة الجديدة

المحلل السياسي والصحفي، حافظ كبير، أحد حضور إعلان ما أُطلق عليها السلطة المدنية في مدينة ود مدني، الثلاثاء، قال لبيم ريبورتس، إن دور الدعم السريع يكمن في التنسيق مع الإدارة المدنية بخصوص التفاصيل الأمنية، مشيرًا إلى أنها ممثلة بعضوين داخل الإدارة هما قائد الفرقة ورئيس الاستخبارات.

وأوضح كبير أن التأسيس تم بمبادرة من أهالي الجزيرة تشمل من وصفهم بـ«حكماء الجزيرة»، مضيفاً هناك جسمين. هما مجلس التأسيس المدني والإدارة المدنية، لافتًا إلى أن اختيار المجلس الذي يشمل 31 عضوًا تم بتوافق قرى ومحليات الجزيرة، ولاحقاً اُنتُخِب صديق رئيسًا للإدارة المدنية، على حد قوله، مضيفًا «وهو بمثابة المجلس التنفيذي بينما المجلس مهامه تشريعية».

وبحسب كبير، فإن عملية الانتخاب تمت بشكل وصفه بالعادي في مدينة ود مدني عبر لجنة فنية شكلوها بأنفسهم، وقال إنها من قامت بإدارة العملية، موضحًا أنه كان هناك مرشحين آخرين غير صديق لكنه فاز بأعلى نسبة، وفق ما قال.

لا تبدو تجربة ود مدني هي الأخيرة، يقول كبير إن هناك حراكًا واسعًا لتعميم المبادرة في كل مناطق سيطرة الدعم السريع للقيام بمهام حماية المدنيين وتوفير الخدمات الأساسية والتنسيق مع الجهات ذات الصلة للإغاثة وغيره. 

حملة إعلامية

على الضفة الأخرى يرى مقربون من الجيش أن خطوة تأسيس ما أطلق عليها الإدارة المدنية بولاية الجزيرة مجرد حملة إعلامية. 

ووصف الخبير العسكري، أمين إسماعيل مجذوب، الخطوة بكونها مجرد فذلكة إعلامية في محاولة لشغل الرأي العام الإقليمي والدولي وإقناعه بأن الدعم السريع مسيطرة على بعض المناطق، في حين أن الأمر ليس كذلك.

وقال مجذوب لبيم ريبورتس إن الدعم السريع قامت بخطوة مماثلة سابقًا في الخرطوم ولم تحدث أي أثر فعلي، خاصة وأن الإداري الذي تم تعيينه غير موجود الآن في الخرطوم وليست له إدارة مدنية في العاصمة.

عسكريًا، رأى مجذوب أن الخطوة لا تؤثر إطلاقًا في التحركات الميدانية التي يقوم بها الجيش لأنها لا تعنيه في شيء وغير معترف بها في الأساس، منوهاً إلى أن الأشخاص الذين قبلوا أن يكونوا جزءًا من هذه الإدارة المدنية أشخاص غير معروفين وليس لهم تأثير في الحاضنة الشعبية الموجودة في ولاية الجزيرة.

وذكر أن الدعم السريع يهدف إلى إظهار أن هناك قبول ورضا من المواطنين في الجزيرة اتجاهها. كما تسعى بالخطوة إلى قطع الطريق أمام التحركات العسكرية لاسترداد ولاية الجزيرة باعتبار أن المواطنين يتماهون مع الدعم السريع، مشيرًا إلى أن انتهاكات الدعم السريع في قرى الجزيرة مصورة وموثقة وتمت إدانتها من قبل المنظمات الأممية.

تقارير بيم

«الدعم السريع» توطن المأساة بولاية الجزيرة وتحولها إلى بقعة منسية

 

14 مارس 2024 – تحولت أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم إلى موطن انتهاكات لقوات الدعم السريع بعد سيطرتها على أجزاء كبيرة منها في ديسمبر الماضي وانسحاب الجيش من عاصمتها ود مدني.

 

تأتي استباحة ولاية الجزيرة وسط استمرار انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت لليوم السادس والثلاثين على التوالي وانقطاع الكهرباء في أغلب المناطق.

 

وتعيش قرى ولاية الجزيرة تحت رحمة قوات الدعم السريع التي تستمر في استباحة إحدى أكبر ولايات السودان مساحةً والأكثر من حيث التعداد السكاني. فمنذ دخولها مدينة ود مدني في ديسمبر العام الماضي بعد انسحاب الجيش منها، ظلت تمارس أبشع أنواع الانتهاكات من وقتها وحتى اليوم، بحسب تقارير عديدة.

 

دفع انتقال الحرب إلى الولاية المتاخمة للخرطوم مئات الآلاف لمغادرة قراهم قسرًا، أما الذين آثروا البقاء رغم اشتداد الظروف الأمنية تعرضوا لحالات نهب وسرقة للمتلكات واعتقالات واعتداءات، وفقد العشرات أرواحهم فيما تحدثت تقارير عن حدوث حالات اختطاف للفتيات في المنطقة المنكوبة منذ ما يزيد عن الشهرين.


وتضاعفت معاناة أهالي الجزيرة بدخول الولاية في عزلة تامة جراء انقطاع خدمات الاتصال والإنترنت، مما تسبب في فقدان التواصل بالمواطنين وبالتالي ضعف وصول معلومات عن حجم الانتهاكات هناك إذ لا تتوافر أي تفاصيل من الولاية المعزولة، غير التقارير والبيانات التي ترد من لجان المقاومة الحصاحيصا ولجان مقاومة ود مدني. وعلى الرغم من عودة شبكات الاتصال في أغلب المناطق، إلا أنها ما تزال مقطوعة عن الجزيرة المنكوبة حتى اليوم.

الصحة خارج الخدمة

 

بتمدد الدعم السريع وتوغلها في الجزيرة التي كانت تحتضن عاصمتها ود مدني أفضل المستشفيات والمراكز العلاجية الخاصة مثل مراكز القلب وعلاج السرطان والكُلى والتي كانت المنفذ الذي يتلقى عبره مئات الآلاف من النازحين  والمقيمين الخدمات العلاجية، والمستجدات الأمنية بالولاية اضطرت جميع هذه المستشفيات والمراكز بود مدني ومدن الجزيرة المختلفة  إلى الإغلاق حفاظاً على سلامة المرضى والكوادر العاملة، علاوة على فرار أغلب المدنيين المرضى إلى مناطق أخرى بحثًا عن الأمن.

 

وأصدرت منظمة أطباء حول العالم تقريراً عن الوضع الإنساني بالولاية، قالت فيه إن 112 قرية بـ6 محليات من أصل 8 تضررت عدا القرشي والمناقل، وذكرت إن عدد المتوفين بلغ 166 منهم 4 أطفال والمصابين 1800، أما المفقودين 53 بالإضافة إلى 7 حالات اغتصاب.

 

 كما أعلنت لجان مقاومة الحصاحيصا عن مقتل ثلاثة أطباء، اثنين منهما بمستشفى المدينة عرب الريفي بعد فشل عملية جراحية أجريت لأحد جنود الدعم السريع والثالث بمستشفى الحصاحيصا على يد الدعم السريع، بالإضافة لاختطاف الأخيرة فردين من الكوادر الطبية في مدينة رفاعة شرق الجزيرة وقرية الدوحة جنوبي الولاية.

 

 في الأثناء، كشف تقرير أولي صادر عن لجان مقاومة ود مدني أواخر فبراير الماضي، عن انتهاك الدعم السريع 53 قرية فقط خلال ثلاثة أسابيع شملت مجازر وإرهاب وسلب ونهب بحق المواطنين، وقالت اللجنة  “رغم صعوبة الوصول للمعلومات بسبب العزلة التامة المفروضة على ولاية الجزيرة بسبب انقطاع الإنترنت والإتصالات، ما زال الحصر مستمرًا لباقي القرى التي وقعت فيها انتهاكات وجرائم حرب”.

 

يأتي ذلك في وقت سحب فيه الجيش قواته من مدينة ود مدني، مشيراً إلى أنه شرع في إجراء تحقيق في أسباب الانسحاب ومن ثم إعلانها للرأي العام بعد رفع النتائج إلى جهات الاختصاص، لكنه لم يعلن عن أي شيء بعد. 

 

لكن الجيش رغم انسحابه من على الأرض واصل عبر الطيران التابع له في شن هجمات، إذ نفذ ضربات في الجزيرة آخرها استهدفت تمركزات للدعم السريع أمام محكمة مدينة الحصاحيصا لم تخلف اصابات وسط المدنيين، وفي مدينة رفاعة قبلها بيوم تسببت في مقتل سيدة وإصابة آخرين.

 

وانتقدت لجان مقاومة ود مدني تركيز الجيش على الشارع الرئيسي الرابط بين محليتي ود مدني والمناقل وتجاهله قرى جنوب وغرب الجزيرة مما نتج عنه استباحة الدعم السريع القرى المحيطة بمحلية المناقل وعدم تدخل حاميته في المناقل لحماية المدنيين الذين استنجدوه في المنطقة لحماية القرى التي أُستبيحت والتزام القوة المتمركزة في الحامية بالتعليمات الموجهة لها بعدم مغادرة الفرقة.

 

لجان المقاومة الحصاحيصا بدورها قالت في بيان إن الدعم السريع استباحت قرى: الحلاوين، ومنطقة فداسي الحليماب وقرية منى، مما تسبب في حدوث موجة من النزوح وعدد من المصابين والقتلى. ولم تكتف بذلك إذ اعتدت على موكب تشييع ضحايا الهجوم وفق ما ذكر البيان، أيضاً حاولت دخول قرية الكُبر بتاريخ 29 فبراير الماضي بغرض السرقة والنهب وأثناء تصدي شباب القرية للهجوم سقط قتيل شاب وأصيب آخرون.

 

وشددت لجان المقاومة الحصاحيصا في بيان على أنها تعتبر مليشيا الدعم السريع المتهم الأول والأخير في عملية عزل الولاية عن العالم لما ظلت تمارسه من أعمال عنف وقتل وسلب ونهب وتهجير في القرى والمدن حول الولاية خلال الشهر الماضي.

 

واستنكرت قيام الدعم السريع بالمتاجرة بالإنترنت من خلال امتلاكها أجهزة الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية (إستارلنك) واحتكارها وتأجيرها بالساعة في المناطق الأكثر استقراراً، مشيرة إلى أن جريمة قطع الاتصالات والإنترنت هي جريمة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومن جرائم الحرب التي طبعت في سجل كل من تسبب بها لما أحدثته من أزمة للمواطنين المرابطين تحت هذا الحصار في التواصل والتعامل.

إدانات سياسية

“ما يحدث سيدفع الآلاف من شباب الجزيرة لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم مما يخدم مخطط الفلول، والأفضل لنا جميعاً أن نعمل على تجنيب بلادنا من الإنزلاق للحرب الإثنية التي ستدمر السودان أكثرمما دمرته المرحلة الحالية من الحرب”، قال رئيس الحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي، ياسر عرمان، على حسابه الرسمي بمنصة اكس محذراً من مغبة المجاملة في  أمر انتهاكات حقوق الإنسان ومتهماً النظام السابق بصنع حرب 15 أبريل التي يريدون ان تأخذ طابعاً إثنياً بمساعدة الدعم السريع.

 

ووجه رسالة مباشرة لقائد قوات الدعم السريع لإدانة ما يجري في الجزيرة والعمل على وقفه، داعياً الدعم السريع بعقد اجتماع شامل بينهم وبين قادة المجتمع والقبائل والمجتمعين السياسي والمدني بالجزيرة لوضع حد للوضع المأسوي. 

 

كما طالب حزب الأمة القومي في بيان  الدعم السريع بالخروج الفوري والعاجل من كافة القرى وحسم الإنتهاكات المستمرة من قواتهم والوفاء بتعهداتهم تجاه حماية المدنيين ،قائلاً إنها ليست المرة الأولى التي يخاطب فيها الدعم السريع بذلك،ومتأسفاً على عدم استجابته للمطالب.

 

في السابع من مارس الجاري نشرت لجان مقاومة الحصاحيصا انتهاكات جديدة للدعم السريع، بينها استباحتها قرية المريبيعة للمرة الثانية خلال اسبوعين وقتلها خمسة مواطنيين وإصابتها العشرات مما تسبب في نزوح جماعي للسكان.

 

كما أعلنت في وقت لاحق نفس اليوم وفاة مواطن كان قد أصيب أثناء هجوم الدعم السريع على قرية الكبر بريفي المسلمية بتاريخ 29 فبراير الماضي وتم نقله للعلاج بمستشفى القضارف.

 

كذلك نشرت تفاصيل عن حادثة تهجم الدعم السريع على أسرة بحي (السرايات) بالحصاحيصا وقتل ثلاثة أفراد منهم بحجة انتماء فرد منهم للقوات المسلحة.

 

أيضاً ذكرت لجان مقاومة أبو قوتة وهي أولى القرى التي دخلتها الدعم السريع ما قبل الاستيلاء على ود مدني، تحديثاً بالوضع هناك وكشفت عن مقتل أربعة مواطنين وإصابة ما يزيد عن 15 فردًا بينهم نساء في هجوم للدعم السريع  على قرية (كترة الضقالة) للمرة الثانية بغرض النهب والتهجير. وتابعت في البيان : “كما امتدت أيادي المليشيا الآثمة للنساء والأطفال والعجزة في مسكنهم بقنطرة 17 حيث قامت بالتعدي على الأسر التي تسكن القنطرة بالجلد واهانتهم وتهديدهم”. وكشفت في نفس البيان عن اغتيال المواطن عبد السلام بيلو (الحداد) من ابو قوتة قائلة إنه كان معتقلاً في سجونهم.

أزمة مجاعة في رمضان

مع قدوم شهر رمضان قالت لجان مقاومة الحصاحيصا إن الولاية ما زالت تعاني من انقطاع التيار الكهربائي والمياه ونقص حاد في السلع الاستراتيجية وسط استمرار انقطاع شبكات الإنترنت، مشيرةً إلى أن الوضع دفع كثير من المواطنيين لمغادرة المدينة بسبب ظروف الحرب.

 

كما نشرت لجان مقاومة ود مدني تقريرًا بالأوضاع في ولاية الجزيرة ثاني أيام رمضان، أوضحت فيه استمرار انتهاكات الدعم السريع بحق المواطنين ومواصلتها عمليات اقتحام القرى وما يترتب عليها من قتل ونهب وسلب بينها حوادث نهب مسلح للمسافرين عبر طريق المناقل – سنار، وطريق رفاعة – القضارف (البطانة) بواسطة قطاع الطرق بمعاونة الدعم السريع.

 

وفي منطقة رفاعة تمارس الدعم السريع اعتداءات وانتهاكات بحق المواطنين متحججةً بالبحث عن السلاح الذي تم توزيعه للمستنفرين وفق ما ذكرت لجان مقاومة رفاعة أمس الأربعاء.

 

 وكشفت اللجنة عن أوضاعاً إنسانيةً سيئة تعيشها المنطقة بإرتفاع أسعار السلع الأساسية بمعدل زيادة يفوق السبع أضعاف، وتحكم الدعم السريع في النقد والتحويلات والمواد البترولية وفرض ضرائب إضافية على المواطنين وعلى البصات السفرية مما أدى لإرتفاع أسعار تذاكر السفر.

وذكرت اللجنة أن الوضع الصحي متردٍ في المنطقة مع انقطاع الإمداد الدوائي لأغلب الأدوية المنقذة للحياة، وتوقف المعامل الطبية في المدينة والمستشفى بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

 

في الأثناء، تستمر الدعم السريع في انتهاك قرية أبو قوتة وقتل مواطنيها حتى اللحظة، إذ نشرت صفحة اللجنة اليوم الخميس خبرًا عن مقتل مواطن في منزله على يد الدعم السريع بعد منتصف الليل. كما نشرت شهادة عيان من المنطقة عن اتخاذ الدعم السريع المدارس والمنازل في المنطقة كمعتقلات دون توفير أدنى الخدمات للمعتقلين من كل الفئات والأعمار.

 

وفي وقت تواصل فيه الدعم السريع ممارسة انتهاكاتها في ولاية الجزيرة وأجزاء من مناطق غرب وشرق سنار، بدأ الجيش ،الذي عين قائداً جديداً لقيادة الفرقة الأولى مشاة بود مدني، مطلع الشهر ،يحشد حراكاً برياً في الجزيرة وذلك بالتزامن مع شنه هجمات جوية منذ البارحة.  

تفاصيل يوم عسكري دامٍ في أم درمان وأشهر من حرب الشوارع


13 مارس 2024 – في الساعات الأولى من صباح يوم الثلاثاء بدأت معارك طاحنة في منطقة أم درمان القديمة في محيط الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بين الجيش وقوات الدعم السريع خلفت يومًا عسكريًا داميًا ربما سيظل محفورًا في ذاكرة البلاد لعقود طويلة.

قبل اندلاع المواجهات الدامية، صبيحة الثلاثاء، كانت خريطة السيطرة العسكرية في منطقة أم درمان تميل إلى صالح الجيش الذي يسيطر على منطقة بيت المال شمالًا وأجزاء من شارع العرضة والموردة ويحاصر منطقة الملازمين من الاتجاه الغربي، الشمالي والجنوبي، فيما تتمركز قوات الدعم السريع بالإذاعة، وأقصى غرب شارع العرضة، بالإضافة إلى بعض مناطق الشهداء بما في ذلك مستشفى أم درمان التعليمي.

سبق المعارك الأم درمانية الدامية التي جاءت في اليوم الثاني لرمضان دعوات أممية ودولية لوقف العدائيات خلال شهر رمضان، وقرار غير ملزم من مجلس الأمن الدولي رحب به الطرفان، لكن الجيش وضع شروطًا والدعم السريع أيضًا طلبت آلية للمراقبة، لكن كان من الواضح أنه من غير المرجح أن تتوقف الأعمال القتالية فورًا.

تراخي قبضة الدعم السريع

وسط صراع اقترب من دخول شهره الثاني عشر ظلت الدعم السريع تسيطر على منطقة أم درمان القديمة ابتداءً من وسطها إلى جنوبها، كما ظلت تفرض حصارًا على منطقة أم درمان العسكرية التي تضم سلاح المهندسين والمستشفى العسكري وبعض الأسحلة العسكرية الأخرى، فضلًا عن الأحياء السكنية.

بدأت قبضة الدعم السريع على منطقة أم درمان القديمة تتراخى شيئًا فشيئًا بعد التدمير الجزئي لكبري شمبات النيلي الذي يربطها بمدينة الخرطوم بحري في نوفمبر الماضي، ليأتي يناير ويتمكن الجيش من التقدم في شارع الأربعين، ثم أتى فبراير وتمكن الجيش من ربط معسكراته في منطقة كرري العسكرية شمال أم درمان بقواته في منطقة أم درمان العسكرية جنوبًا.

تقدم الجيش

بعد هذا الربط بدأ الجيش يتقدم في أحياء ود نوباوي وحي العمدة وأحياء العباسية والموردة والعرضة كما فك الحصار عنها بما في ذلك أحياء بانت وأجزاء من منطقة الفتيحاب المجاورة لسلاح المهندسين.

رافق تقدم الجيش في منطقة أم درمان القديمة تقهقر لقوات الدعم السريع والتي أصبحت شبه معزولة عن بعضها البعض. تتمركز قوتها الصلبة في مقر الإذاعة ومحيط حي الملازمين، وأخرى في أقصى غرب شارع العرضة الذي كان يمثل خط الإمداد للإذاعة.

بعد ذلك تقدم الجيش بشكل كبير في منطقة بيت المال بما في ذلك شارع النيل أم درمان ووصل إلى شارع كبري شمبات الذي يفصل المنطقة عن حي الملازمين، أيضًا سيطر على منزل الزعيم إسماعيل الأزهري أقصى غرب حي بيت المال والقريب من منطقة الشهداء.

المعركة الفاصلة

مع استمرار الحصار المفروض على قوات الدعم السريع في منطقة الإذاعة وعزل قواتها في أقصى شارع العرضة بكبري ود البشير، بدأت إرهصات المعركة الفاصلة في منطقة أم درمان القديمة تلوح في الأفق.

في اليوم الأول لرمضان (الاثنين) بدا أن معركة الإذاعة على وشك الاندلاع بعد حالة أشبه بالصمت الانتخابي لتنفجر أم درمان على وقع ثاني أكبر معركة فيها بعد معركة اليوم الأول والثاني للحرب في منطقة كرري عسكرية التي خلفت عددًا كبيرًا من القتلى في صفوف قوات المتقاتلة لكن كان النصيب الأكبر لقوات الدعم السريع.

جندي تابع للجيش السوداني يقف أمام مبنى الإذاعة السودانية

المصدر: وسائل التواصل الأجتماعي

المُسيرات القاتلة

حوالي الواحدة صباح الثلاثاء، بدأت قوات الدعم السريع المحاصرة في الإذاعة التحرك نحو شارع العرضة للوصول إلى منطقة كبري ود البشير كما تحركت قوات من هناك لمساعدة القوات المنسحبة.

في وقت كان الجيش يسيطر على محلية أم درمان ومنطقة صينية التجاني الماحي والجزء الغربي من حوش الحليفة، إلا أن قوات الدعم السريع وصلت إلى هذه المناطق، قبل أن ينفجر الوضع العسكري تمامًا ضدها، حيث شن الجيش هجومًا عنيفًا عبر المُسيرات والمدافع الحديثة وقوات المشاة ليحيل عشرات العربات العسكرية إلى رماد في مساحة لا تتعدى مئات الأمتار من البوابة الغربية لحوش الخليفة وصولاً تقاطع شارع الأربعين والعرضة وأجزاء من شارع الموردة جنوبًا.

ساحات معركة دامية


مع شروق شمس الثلاثاء، الثاني من رمضان، بدأت حسابات الجيش السوداني والإعلام العسكري على منصتي فيسبوك وإكس نشر تفاصيل وصور المعركة الدامية على تخوم مقر الإذاعة والتلفزيون حيث أظهرت مقاطع الفيديوهات والصور جثثًا متناثرة وعربات قتالية مدمرة ومحترقة، وظهرت الشوارع كساحة معركة دامية.

تواصلت المعارك، وما بعد منتصف النهار أعلن الجيش وصوله إلى مقر الإذاعة والتلفزيون وبدأ نشر المقاطع المصورة من هناك لجنوده في المقر المشهور باسم (الحوش)، أيضًا ظهرت الجثث والحطام في الشوارع المحيطة، ولاحقًا عدد من الأسرى التابعين لقوات الدعم السريع.

صورة جوية نشرها الجيش السوداني لمناطق المعارك بأحياء ام درمان القديمة

المصدر: الأعلام العسكري

مخازن ذخيرة

أظهرت مقاطع الفيديو التي بثها الجيش مخازن للسلاح والذخيرة وعتاد حربي كبير داخل مقر الإذاعة والتلفزيون بالإضافة إلى أجهزة التشويش، تبع ذلك تصريح من الناطق الرسمي للجيش بأنه لا يوجد أسرى كانت تحتفظ بهم قوات الدعم السريع، وهو أمر يتناقض مع تقارير أخرى بينها نقابة الصحفيين التي أشارت إلى أن الدعم السريع حولت مباني الإذاعة والتلفزيون إلى معتقلات.

أيضًا قال الجيش بأنه شكل فريقاً لجمع أرشيف الإذاعة والتلفزيون والسينما بعد التخريب الذي طاله بواسطة قوات الدعم السريع.

البرهان في أم درمان

في نهاية اليوم وصل قائد الجيش السوداني إلى مطار وادي سيدنا بمنطقة كرري العسكرية ومنها إلى سلاح المهندسين جنوبًا، معلنًا من هناك استمرار الحرب ضد قوات الدعم السريع.

البرهان يزور سلاح المهندسين جنوبي أم درمان بعذ ساعات من سيطرة الجيش على الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون

المصدر: الأعلام العسكري

خريطة السيطرة العسكرية في أم درمان


أصبحت منطقة أم درمان من أقصى شمالها وصولًا إلى سلاح المهندسين تحت سيطرة الجيش، فيما بقيت بؤرة صراع غاضمة متمثلة في منطقة الشهداء بما في ذلك مستشفى أم درمان التعليمي، فيما لا يزال كبري ود البشير غرب شارع العرضة منطقة غير محسومة عسكرية. فيما يتشارك الجيش والدعم السريع السيطرة على مناطق أم بدة غربي أم درمان. فيما تسيطر الدعم السريع على بعض مناطق المربعات ومناطق الصالحة وأقصى جنوب أم درمان بشكل عام.

في حرب لم تضع أوزراها بعد، تغيرت خريطة السيطرة العسكرية لصالح الجيش السوداني في مدينة أم درمان إحدى مدن العاصمة السودانية الثلاث إلى جانب الخرطوم والخرطوم بحري.